المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌37 - كتاب الحدود

- ‌(باب الحكم في من ارتد)

- ‌(باب الحكم فِي مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُحَارَبَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْحَدِّ يُشْفَعُ فِيهِ)

- ‌(باب يعفى عن الحدود)

- ‌(باب السَّتْرِ عَلَى أَهْلِ الْحُدُودِ)

- ‌(بَاب فِي صَاحِبِ الْحَدِّ يَجِيءُ فَيُقِرُّ)

- ‌(بَاب فِي التَّلْقِينِ فِي الْحَدِّ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَعْتَرِفُ بِحَدٍّ وَلَا يُسَمِّيهِ)

- ‌(بَاب فِي الِامْتِحَانِ بِالضَّرْبِ [4382] أَيِ امْتِحَانِ السَّارِقِ)

- ‌(بَاب مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ)

- ‌(بَاب مَا لَا قَطْعَ فِيهِ)

- ‌(باب القطع في الخلسة)

- ‌(باب فيمن سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ)

- ‌(بَاب فِي الْقَطْعِ فِي الْعَارِيَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْمَجْنُونِ يَسْرِقُ أَوْ يُصِيبُ حدا)

- ‌(بَاب فِي الْغُلَامِ يُصِيبُ الْحَدَّ هَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ)

- ‌(باب السارق يَسْرِقُ فِي الْغَزْوِ أَيُقْطَعُ)

- ‌(بَاب فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ)

- ‌(باب السَّارِقِ يَسْرِقُ مِرَارًا)

- ‌(باب في السارق تعلق يده فِي عُنُقِهِ)

- ‌(باب بَيْعِ الْمَمْلُوكِ إِذَا سَرَقَ)

- ‌(باب في الرجم)

- ‌(بَاب رَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ)

- ‌(باب في المرأة التي الخ)

- ‌(بَاب فِي رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِحَرِيمِهِ)

- ‌(باب فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ)

- ‌(باب في من عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ)

- ‌(باب في من أَتَى بَهِيمَةً أَيْ جَامَعَهَا)

- ‌(باب إذا أقر الرجل بالزنى وَلَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ)

- ‌(باب فِي الرَّجُلِ يصيب من المرأة ما دون الجماع)

- ‌(باب فِي الْأَمَةِ تَزْنِي وَلَمْ تُحْصَنْ)

- ‌(باب فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرِيضِ)

- ‌(باب في حد القاذف)

- ‌(باب في الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ)

- ‌(باب إِذَا تَتَابَعَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ أَيْ تَوَالَى فِي شُرْبِهَا)

- ‌(باب فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ هَلْ يَجُوزُ)

- ‌(باب فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌38 - كتاب الديات

- ‌(باب لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه أو أخيه)

- ‌(باب الْإِمَامِ يَأْمُرُ بِالْعَفْوِ فِي الدَّمِ)

- ‌(باب ولي العمد يأخذ الدية)

- ‌(بَاب من قتل بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ)

- ‌(باب فيمن سقى رجلا سما)

- ‌(باب مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ أَوْ مَثَّلَ بِهِ أَيُقَادُ مِنْهُ)

- ‌(باب القسامة)

- ‌(باب فِي تَرْكِ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ)

- ‌(بَاب يُقَادُ مِنْ الْقَاتِلِ)

- ‌(بَاب أَيُقَادُ المسلم من الكافر)

- ‌(باب فيمن وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ)

- ‌(باب العامل)

- ‌(بَاب القود بغير حديد)

- ‌(بَاب الْقَوَدِ مِنْ الضَّرْبَةِ وَقَصِّ الْأَمِيرِ مِنْ نفسه)

- ‌(بَاب عَفْوِ النِّسَاءِ عَنْ الدَّمِ)

- ‌(باب من قتل في عميا بين قوم)

- ‌(بَاب الدِّيَةِ كَمْ هِيَ)

- ‌(بَاب فِي دِيَةِ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ)

- ‌(باب أسنان الإبل)

- ‌(بَاب دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ)

- ‌(بَاب دِيَةِ الْجَنِينِ)

- ‌(بَاب فِي دِيَةِ الْمُكَاتَبِ)

- ‌(بَاب فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يُقَاتِلُ الرَّجُلَ فَيَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ)

- ‌(باب فيمن تطبب ولا يعلم منه طب فَأَعْنَتَ)

- ‌(بَاب فِي دِيَةِ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ)

- ‌(بَاب الْقِصَاصِ مِنْ السِّنِّ)

- ‌(بَاب فِي الدَّابَّةِ تَنْفَحُ بِرِجْلِهَا)

- ‌(بَاب الْعَجْمَاءُ وَالْمَعْدِنُ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ)

- ‌(بَاب فِي النَّارِ)

- ‌(باب جِنَايَةِ الْعَبْدِ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ)

- ‌(بَاب فِيمَنْ قَتَلَ)

- ‌39 - كتاب السُّنَّة

- ‌ بَاب النَّهْيِ عَنْ الْجِدَالِ وَاتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ مِنْ الْقُرْآنِ)

- ‌ بَاب مُجَانَبَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَبُغْضِهِمْ)

- ‌(باب في تَرْكِ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ)

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ الْجِدَالِ فِي الْقُرْآنِ)

- ‌(بَاب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ)

- ‌(باب من دعا إلى السُّنَّةِ)

- ‌(بَاب فِي التَّفْضِيلِ)

- ‌(بَاب فِي الْخُلَفَاءِ)

- ‌(باب في فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَاب فِي اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه

- ‌(بَاب مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(باب في التخيير بين الأنبياء عليهم السلام

- ‌(بَابٌ فِي رَدِّ الْإِرْجَاءِ)

- ‌(بَاب الدَّلِيلِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ)

- ‌(بَاب فِي الْقَدَرِ)

- ‌(بَاب فِي ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ)

الفصل: ‌(باب في القدر)

(كَأَنَّ) أَيِ الْإِيمَانَ () عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ أَيْ كَالسَّحَابَةِ (فَإِذَا انْقَلَعَ) أَيْ فَرَغَ مِنْ فِعْلِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَقْلَعَ

قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْإِقْلَاعُ عَنِ الْأَمْرِ الْكَفُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ بَيَّنُوا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ تَأْوِيلَاتٍ كَثِيرَةً وَهَذِهِ إِحْدَاهَا وَهُوَ أَنَّهُ يُسْلَبُ الْإِيمَانُ حَالَ تَلَبُّسِ الرِّجَالِ بالزنى فَإِذَا فَارَقَهُ عَادَ إِلَيْهِ

وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ في باب إثم الزنى مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ قَالَ عِكْرِمَةُ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَيْفَ يُنْزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ قَالَ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِذَا تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَأَخْرَجَ الحاكم من طريق بن حُجَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ الْإِيمَانَ كَمَا يَخْلَعُ الْإِنْسَانُ الْقَمِيصَ مِنْ رَأْسِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي

وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

6 -

(بَاب فِي الْقَدَرِ)

بِفَتْحِ الدَّالِ وَيُسَكَّنُ

قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ فَرْضٌ لَازِمٌ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا وَكَتَبَهَا فِي اللوح المحفوظ قبل أن خلقهم وَالْكُلُّ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَرْضَى الْإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ وَوَعَدَ عَلَيْهِمَا الثَّوَابَ وَلَا يَرْضَى الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ وَأَوْعَدَ عَلَيْهِمَا الْعِقَابَ وَالْقَدَرُ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا وَلَا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِيهِ وَالْبَحْثُ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةٌ خَلَقَهُمْ لِلنَّعِيمِ فَضْلًا وَفِرْقَةٌ لِلْجَحِيمِ عَدْلًا

(الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ إِنَّمَا جَعَلَهُمْ مجوسا لمضاهاة

ص: 295

مَذْهَبِهِمْ مَذَاهِبَ الْمَجُوسِ فِي قَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ وَهُمَا النُّورُ وَالظُّلْمَةُ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخَيْرَ مِنْ فِعْلِ النُّورِ وَالشَّرَّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ يُضِيفُونَ الْخَيْرَ إِلَى اللَّهِ وَالشَّرَّ إِلَى غَيْرِهِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ

وَخَلْقُهُ الشَّرَّ شَرًّا فِي الْحِكْمَةِ كَخَلْقِهِ الْخَيْرَ خَيْرًا فَإِنَّ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا مُضَافَانِ إِلَيْهِ خَلْقًا وَإِيجَادًا وَإِلَى الْفَاعِلِينَ لَهُمَا فِعْلًا وَاكْتِسَابًا انْتَهَى (وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ) أَيْ لَا تَحْضُرُوا جِنَازَتَهُمْ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا مُنْقَطِعٌ

أَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ لم يسمع من بن عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ بن عُمَرَ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ مُثْبَتٌ انْتَهَى

وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي انْتَقَدَهَا الْحَافِظُ سِرَاجُ الدِّينِ الْقَزْوِينِيُّ عَلَى المصابيح وزعم أنه موضوع

وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِيمَا تَعَقَّبَهُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَرِجَالُهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ إِلَّا أَنَّ لَهُ عِلَّتَيْنِ الْأُولَى الِاخْتِلَافُ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَهُوَ زَكَرِيَّا بْنُ مَنْظُورٍ فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ فَقَالَ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ

وَالْأُخْرَى مَا ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ سَنَدَهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ أَبَا حَاتِمٍ لَمْ يسمع من بن عُمَرَ فَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِيَةِ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ الْقَطَّانِ الْقَابِسِيَّ الْحَافِظَ صَحَّحَ سَنَدَهُ فَقَالَ إن أبا حازم عاصر بن عُمَرَ فَكَانَ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ وَمُسْلِمٌ يَكْتَفِي فِي الِاتِّصَالِ بِالْمُعَاصَرَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِ

وَعَنِ الْأُولَى بِأَنَّ زَكَرِيَّا وُصِفَ بِالْوَهْمِ فَلَعَلَّهُ وَهِمَ فَأَبْدَلَ رَاوِيًا بِآخَرَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ وَهِمَ فَيَكُونُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ فِيهِ شَيْخَانِ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا لَا يَسُوغُ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَلَعَلَّ مُسْتَنَدَ مَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْوَضْعَ تَسْمِيَتُهُمُ الْمَجُوسَ وَهُمْ مُسْلِمُونَ

وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ كَالْمَجُوسِ فِي إِثْبَاتِ فَاعِلِينَ لَا فِي جَمِيعِ مُعْتَقَدِ الْمَجُوسِ وَمِنْ ثَمَّ سَاغَتْ إِضَافَتُهُمْ إِلَى هَذِهِ انْتَهَى

(مَوْلَى غُفْرَةَ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ (وَيَقُولُونَ لَا قَدَرَ) يَعْنِي يَنْفُونَ القدر (وهم

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

ذكر الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله حَدِيث لِكُلِّ أُمَّة مَجُوس وَمَجُوس هَذِهِ الْأُمَّة الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا قَدَر ثم قال

ص: 296

شِيعَةُ الدَّجَّالِ) أَيْ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَنْصَارُهُ وَأَصْلُهُ الْفِرْقَةُ مِنَ النَّاسِ وَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَغَلَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ تَوَلَّى عَلِيًّا وَأَهْلَ بَيْتِهِ حَتَّى اخْتُصَّ بِهِ وَجَمْعُهُ شِيَعٌ مِنَ الْمُشَايَعَةِ الْمُتَابَعَةُ وَالْمُطَاوَعَةُ (أَنْ يُلْحِقَهُمْ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَجْهُولٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَلَا يَثْبُتُ

(خَلَقَ آدَمَ مِنْ قُبْضَةٍ) القبضة بالضم ملأ الْكَفِّ وَرُبَّمَا جَاءَ بِفَتْحِ الْقَافِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقَبْضُ الْأَخْذُ بِجَمِيعِ الْكَفِّ وَالْقَبْضَةُ الْمَرَّةُ مِنْهُ وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ مِنْهُ (قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ) أَيْ مِنْ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا (فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ) أَيْ مَبْلَغِهَا مِنَ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

هَذَا الْمَعْنَى قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من حديث بن عمر وحذيفة وبن عَبَّاس وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَأَبِي هُرَيْرَة وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ وَرَافِع بن خديج

فأما حديث بن عُمَر وَحُذَيْفَة فَلَهُمَا طُرُق وَقَدْ ضُعِّفَتْ

وَأَمَّا حديث بن عَبَّاس فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث الْقَاسِم بْن حَبِيب وَعَلِيّ بْن نِزَار عَنْ نِزَار عَنْ عكرمة عن بن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمَا فِي الْإِسْلَام نَصِيب الْقَدَرِيَّة وَالْمُرْجِئَة قَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب

وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن بِشْر أَخْبَرَنَا سَلَام بْن أَبِي عَمْرَة عن عكرمة عن بن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأما حديث جابر فرواه بن مَاجَهْ فِي سُنَنه عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُصَفَّى عن الأوزاعي عن بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر يَرْفَعهُ نحو حديث بن عُمَر

فَلَوْ قَالَ بَقِيَّة حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ مَشَى حَال الْحَدِيث وَلَكِنْ عَنْعَنَهُ مَعَ كَثْرَة تَدْلِيسه

وَأَمَّا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَرَوَى عَبْد الْأَعْلَى بْن حَمَّاد حَدَّثَنَا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ مَكْحُول عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فَذَكَرَهُ رَوَاهُ عَنْ عَبْد الْأَعْلَى جَمَاعَة

وَلَهُ عِلَّتَانِ

إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان رَوَاهُ عَنْ أَبِي الْحُرّ حَدَّثَنِي جَعْفَر بْن الْحَارِث عَنْ يَزِيد بْن مَيْسَرَة عَنْ عَطَاء الخرساني عَنْ مَكْحُول عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

وَالْعِلَّة الثَّانِيَة أَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِي هُرَيْرَة

ص: 297

الْأَلْوَانِ وَالطِّبَاعِ (جَاءَ مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ) بِحَسَبِ تُرَابِهِمْ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُصُولُ الْأَلْوَانِ وَمَا عَدَاهَا مُرَكَّبٌ مِنْهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَبَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ باعتبار أجزاء أرضه قاله القارىء (وَالسَّهْلُ) أَيْ وَمِنْهُمُ السَّهْلُ أَيِ اللَّيِّنُ الْمُنْقَادُ (وَالْحَزْنُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ أَيِ الْغَلِيظُ الطَّبْعِ (وَالْخَبِيثُ) أَيْ خَبِيثُ الْخِصَالِ (وَالطَّيِّبُ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ بِالْخَبِيثِ مِنَ الْأَرْضِ الْخَبِيثَةِ السَّبْخَةِ وَمِنْ بَنِي آدَمَ الْكَافِرَ وَبِالطَّيِّبِ مِنَ الْأَرْضِ الْعَذْبَةِ وَمِنْ بَنِي آدَمَ الْمُؤْمِنَ

ذَكَرَهُ الْعَزِيزِيُّ (زاد في حديث يحي) هو بن سَعِيدٍ (وَبَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ بَيْنَ السَّهْلِ وَالْحَزْنِ والخبيث والطيب

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَأَمَّا حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فَيَرْوِيه عَمْرو بْن مُهَاجِر عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ يَحْيَى بْن الْقَاسِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَرْفَعهُ مَا هَلَكَتْ أُمَّة قَطّ إِلَّا بِالشِّرْكِ بِاَللَّهِ عز وجل

وَمَا أَشْرَكَتْ قَطّ إِلَّا كَانَ بَدْء إِشْرَاكهَا التَّكْذِيب بِالْقَدَرِ وَهَذَا الْإِسْنَاد لَا يُحْتَجّ بِهِ

وَأَجْوَد مَا فِي الْبَاب حَدِيث حيوة بن شريح أخبرني بن صخر حدثني نافع أن بن عُمَر جَاءَهُ رَجُل

فَقَالَ إِنَّ فُلَانًا يَقْرَأ عَلَيْك السَّلَام

فَقَالَ

إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ أَحْدَث

فَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْدَث فَلَا تَقْرَأهُ مِنِّي السَّلَام

فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول يَكُون فِي هَذِهِ الْأُمَّة أَوْ أُمَّتِي الشَّكّ مِنْهُ خَسْفٌ وَمَسْخٌ أَوْ قَذْفٌ فِي أَهْل الْقَدَر قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب

وَاَلَّذِي صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَمّهمْ من طوائف أهل البدع هم الْخَوَارِج فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِيهِمْ الْحَدِيث مِنْ وُجُوه كُلّهَا صِحَاح

لِأَنَّ مَقَالَتهمْ حَدَثَتْ فِي زَمَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

وَكَلِمَة رَئِيسهمْ

وَأَمَّا الْإِرْجَاء وَالرَّفْض وَالْقَدَر وَالتَّجَهُّم وَالْحُلُول وَغَيْرهَا مِنْ الْبِدَع فَإِنَّهَا حَدَثَتْ بَعْد اِنْقِرَاض عَصْر الصَّحَابَة

وَبِدْعَة الْقَدَر أَدْرَكَتْ آخِر عَصْر الصَّحَابَة فَأَنْكَرَهَا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَيًّا كَعَبْدِ الله بن عمر وبن عباس وأمثالهما رضي الله عنهم

وأكثر مَا يَجِيء مِنْ ذِمَّتهمْ فَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف عَلَى الصَّحَابَة مِنْ قَوْلهمْ فِيهِ

ثُمَّ حَدَثَتْ بِدْعَة الْإِرْجَاء بَعْد اِنْقِرَاض عَصْر الصَّحَابَة فَتَكَلَّمَ فِيهَا كِبَار التَّابِعِينَ الَّذِينَ أَدْرَكُوهَا كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ ثُمَّ حَدَثَتْ بِدْعَة التَّجَهُّم بَعْد اِنْقِرَاض عَصْر التَّابِعِينَ

وَاسْتَفْحَلَ أَمْرهَا وَاسْتَطَارَ شَرّهَا فِي زَمَن الْأَئِمَّة كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَزَوِيهِ

ثُمَّ حَدَثَتْ بَعْد ذَلِكَ بِدْعَة الْحُلُول وَظَهَرَ أَمْرهَا فِي زَمَن الْحُسَيْن الْحَلَّاج

وَكُلَّمَا أَظْهَرَ الشَّيْطَان بِدْعَة مِنْ هَذِهِ الْبِدَع وَغَيْرهَا أَقَامَ اللَّه لَهَا مِنْ حِزْبه وَجُنْده مَنْ يَرُدّهَا وَيُحَذِّر

ص: 298

قَالَ الْعَزِيزِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُؤْمِنُ الْمُرْتَكِبُ الْمَعَاصِي

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ

(بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ) هُوَ مَقْبَرَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْغَرْقَدُ نَوْعٌ مِنَ الشَّجَرِ وَكَانَ بِالْبَقِيعِ فَأُضِيفَ إِلَيْهِ (وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ عَصًا أَوْ قَضِيبٌ يُمْسِكُهُ الرَّئِيسُ لِيَتَوَكَّأَ عَلَيْهِ وَيَدْفَعَ بِهِ عَنْهُ وَيُشِيرُ بِهِ لِمَا يُرِيدُ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ تَحْتَ الْخَصْرِ غَالِبًا لِلِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا قَالَهُ الْحَافِظُ (فَجَعَلَ يَنْكُتُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ وَآخِرُهُ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقَ أَيْ يَخُطُّ بِالْمِخْصَرَةِ خَطًّا يَسِيرًا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهَذَا فِعْلُ الْمُفَكِّرِ الْمَهْمُومِ (مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ) أَيْ مَوْلُودَةٍ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ (أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ (إِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ إِلَّا قَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا إِلَخْ وَالضَّمِيرُ فِي كُتِبَتْ لِلنَّفْسِ (قَالَ) أَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه (أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا) أَيْ أَفَلَا نَعْتَمِدُ عَلَى الْمُقَدَّرِ لَنَا فِي الْأَزَلِ (وَنَدَعُ الْعَمَلَ) أَيْ نَتْرُكُهُ (فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ) أَيْ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى (لَيَكُونَنَّ) أَيْ لَيَصِيرَنَّ (إِلَى السَّعَادَةِ) أَيْ إِلَى عَمَلِ السَّعَادَةِ (مِنْ أَهْلِ الشِّقْوَةِ) بِكَسْرِ الشِّينِ بِمَعْنَى الشَّقَاوَةِ وَهِيَ ضِدُّ السَّعَادَةِ (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ) أَيْ لِمَا خُلِقَ لَهُ (فَيُيَسَّرُونَ لِلسَّعَادَةِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُسَهَّلُونَ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا نَصِيحَة لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَهْلِ الْإِسْلَام

وَجَعَلَهُ مِيرَاثًا يُعْرَف بِهِ حِزْب رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَوَلِيّ سُنَنه مِنْ حِزْب الْبِدْعَة وَنَاصِرهَا

وَقَدْ جَاءَ فِي أَثَر لَا يَحْضُرنِي إِسْنَاده إِنَّ لِلَّهِ عِنْد كُلّ بِدْعَة يُكَاد بِهَا الْإِسْلَام وَلِيًّا يَنْطِق بِعَلَامَاتِهِ

فَاغْتَنِمُوا تِلْكَ الْمَجَالِس وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّه

فَإِنَّ الرَّحْمَة تَنْزِل عَلَيْهِمْ

نَسْأَل اللَّه تَعَالَى أَنْ يَجْعَلنَا مِنْهُمْ وَأَنْ يُلْحِقنَا بِهِمْ وَأَنْ يَجْعَلنَا لَهُمْ خَلَفًا كَمَا جَعَلَهُمْ لَنَا سَلَفًا بمنه وكرمه

ص: 299

وَيُهَيَّئُونَ

وَحَاصِلُ السُّؤَالِ أَلَّا نَتْرُكَ مَشَقَّةَ الْعَمَلِ فَإِنَّا سَنُصَيَّرُ إِلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْنَا

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ لَا مَشَقَّةَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَهُوَ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ

قَالَ الطِّيبِيُّ الْجَوَابُ مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ مَنَعَهُمْ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ وَأَمَرَهُمْ بِالْتِزَامِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَزَجَرَهُمْ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْمَغِيبَةِ فَلَا يَجْعَلُوا الْعِبَادَةَ وَتَرْكَهَا سَبَبًا مُسْتَقِلًّا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ بَلْ هِيَ عَلَامَاتٌ فَقَطْ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى) أَيْ حَقَّ اللَّهِ مِنَ الْمَالِ أَوِ الِامْتِثَالِ (وَاتَّقَى) أَيْ خَافَ مُخَالَفَتَهُ أَوْ عُقُوبَتَهُ وَاجْتَنَبَ مَعْصِيَتَهُ (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) أَيْ بِكَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (فَسَنُيَسِّرُهُ) أَيْ نُهَيِّئُهُ فِي الدُّنْيَا (لِلْيُسْرَى) أَيْ لِلْخُلَّةِ الْيُسْرَى وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا يَرْضَاهُ (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) أَيْ بِالنَّفَقَةِ فِي الْخَيْرِ (وَاسْتَغْنَى) أَيْ بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عَنْ نَعِيمِ الْعُقْبَى (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) أَيْ بِكَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) أَيْ لِلْخُلَّةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْعُسْرِ وَالشِّدَّةِ وَهِيَ خِلَافُ الْيُسْرَى

وَفِي الْكَشَّافِ سَمَّى طَرِيقَةَ الْخَيْرِ بِالْيُسْرَى لِأَنَّ عَاقِبَتَهُ الْيُسْرُ وَطَرِيقَةَ الشَّرِّ بِالْعُسْرَى لِأَنَّ عَاقِبَتَهُ الْعُسْرُ

قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وبن مَاجَهْ

(أَخْبَرَنَا كَهْمَسٌ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وفتح الميم وبالسين المهملة هو بن الحسن أبو الحسن التميمي البصري (عن يحي بْنِ يَعْمُرَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِوَزْنِ الْفِعْلِ وَالْعَلَمِيَّةِ (أَوَّلُ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ) أَيْ بِنَفْيِ الْقَدَرِ (مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى جُهَيْنَةَ قَبِيلَةٍ مِنْ قُضَاعَةَ (وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِيَاءِ النِّسْبَةِ (فَوَفَّقَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ

قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ

قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَاهُ جُعِلَ وَفْقًا لَنَا وَهُوَ مِنَ الْمُوَافَقَةِ الَّتِي هِيَ كَالِالْتِحَامِ يُقَالُ أتانا لميفاق الْهِلَالِ وَمِيفَاقِهِ أَيْ حِينَ أَهَلَّ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَهِيَ لَفْظَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ

وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فوافق

ص: 300

لَنَا بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالْمُوَافَقَةُ الْمُصَادَفَةُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ (دَاخِلًا) حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ (فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي) أَيْ صِرْنَا فِي نَاحِيَتِهِ وَأَحَطْنَا بِهِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ يُقَالُ اكْتَنَفَهُ النَّاسُ وَتَكَنَّفُوهُ أَيْ أَحَاطُوا بِهِ مِنْ جَوَانِبِهِ (فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ) أَيْ يَسْكُتُ وَيَفْرِضُهُ إِلَيَّ لَإِقْدَامِي وَجُرْأَتِي وَبَسْطَةِ لِسَانِي فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنِّي كُنْتُ أَبْسَطَ لِسَانًا

قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَقُلْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَهُوَ كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه (إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ (قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ) بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْفَاءِ أَيْ يَطْلُبُونَهُ وَيَتَتَبَّعُونَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ

قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا مَعْنَاهُ يَبْحَثُونَ عَنْ غَامِضِهِ وَيَسْتَخْرِجُونَ خَفِيَّهُ (وَالْأَمْرُ أُنُفٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ أَيْ مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَسْبِقْ بِهِ قَدَرٌ وَلَا عِلْمٌ مِنَ اللَّهِ وَإِنَّمَا يَعْلَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ (وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ) الْوَاوُ لِلْقَسَمِ (فَأَنْفَقَهُ) أَيْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ طَاعَتِهِ (إِذْ طَلَعَ) أَيْ ظَهَرَ (عَلَيْنَا رَجُلٌ) أَيْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ رَجُلٍ (شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ) صِفَةُ رَجُلٍ وَاللَّامُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْعَائِدِ إِلَى الرَّجُلِ أَيْ شَدِيدُ بَيَاضِ ثِيَابِهِ شَدِيدُ سَوَادِ شَعْرِهِ (لَا يُرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ الْغَائِبِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا نَرَى بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَعْلُومِ (أَثَرُ السَّفَرِ) مِنْ ظُهُورِ التَّعَبِ وَالتَّغَيُّرِ وَالْغُبَارِ (فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ) إِلَى رُكْبَتَيْهِ أَيْ رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ (وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) أَيْ فَخِذَيِ النَّبِيِّ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ (قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ) أَيْ لِلسَّائِلِ (يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ) وَجْهُ التَّعَجُّبِ السُّؤَالُ أَنْ يَقْتَضِيَ الْجَهْلَ غَالِبًا بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ وَالتَّصْدِيقُ يَقْتَضِي عِلْمَ السَّائِلِ بِهِ لِأَنَّ صَدَقْتَ إِنَّمَا يُقَالُ إِذَا عَرَفَ السَّائِلُ أَنَّ المسؤول طابق ما

ص: 301

عِنْدَهُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَهَذَا خِلَافُ عَادَةِ السَّائِلِ ومما يزيد التعجب أن ما أجابه لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا الرجل ممن عرف بلقائه فَضْلًا عَنْ سَمَاعِهِ مِنْهُ (وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) وَالْمُرَادُ بِالْقَدَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ مَقَادِيرَ الْأَشْيَاءِ وَأَزْمَانَهَا قَبْلَ إِيجَادِهَا ثُمَّ أَوْجَدَ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُوجَدُ فَكُلُّ مُحْدَثٍ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ (قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ) قَالَ الْحَافِظُ تَقُولُ أَحْسَنْتُ كَذَا إِذَا أَتْقَنْتُهُ وَأَحْسَنْتُ إِلَى فُلَانٍ إِذَا أَوْصَلْتُ إِلَيْهِ النَّفْعَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِتْقَانُ الْعِبَادَةِ

قَالَ وَإِحْسَانُ الْعِبَادَةِ الْإِخْلَاصُ فِيهَا وَالْخُشُوعُ وَفَرَاغُ الْبَالِ حَالَ التَّلَبُّسِ بِهَا وَمُرَاقَبَةُ الْمَعْبُودِ

وَأَشَارَ فِي الْجَوَابِ إِلَى حَالَتَيْنِ أَرْفَعُهُمَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الْحَقِّ بِقَلْبِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ أَيْ وَهُوَ يَرَاكَ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ الْحَقَّ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ يَرَى كُلَّ مَا يَعْمَلُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ وَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ يُثْمِرُهُمَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَخَشْيَتُهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا

(فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ) أَيْ عَنْ وَقْتِ قِيَامِهَا (مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا) أَيْ لَيْسَ الَّذِي سُئِلَ عَنِ القيامة (بأعلم من السائل) هذا وإن كَانَ مُشْعِرًا بِالتَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ لَكِنَّ الْمُرَادَ التَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ لَسْتُ بِأَعْلَمَ بِهَا مِنْكَ إِلَى لَفْظٍ يُشْعِرُ بِالتَّعْمِيمِ تَعْرِيضًا لِلسَّامِعِينَ أي أن كل سائل وكل مسؤول فَهُوَ كَذَلِكَ

قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ أَمَارَاتِهَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَمَارَةٍ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ (أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا) أَيْ سَيِّدَتَهَا وَمَالِكَتَهَا

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

ثم ذكر الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله حَدِيث جِبْرِيل إِلَى قَوْل الْمُنْذِرِيِّ عَلْقَمَة بْن حَارِثَة اِتَّفَقَا عَلَى الِاحْتِجَاج بِحَدِيثِهِ ثُمَّ قَالَ وَرَوَاهُ أَبُو جَعْفَر الْعُقَيْلِيّ مِنْ طَرِيقه

وَقَالَ فِيهِ فَمَا شَرَائِع الْإِسْلَام قَالَ تُقِيم الصَّلَاة الْحَدِيث وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا اللفظ مرجىء آخَر وَهُوَ جَرَّاح بْن الضَّحَّاك قَالَ الْعُقَيْلِيّ وهذه زيادة مرجىء تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ الثِّقَات الْأَئِمَّة فَلَا تُقْبَل

ورواه بن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث سُلَيْمَان التَّيْمِيِّ عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر

فَذَكَرَ فِيهِ أَلْفَاظًا لَمْ يَذْكُرهَا غَيْره

فَقَالَ فِي الْإِسْلَام وَتَحُجّ وَتَعْتَمِر وَتَغْتَسِل مِنْ الْجَنَابَة وَأَنْ تُتِمّ الْوُضُوء وَقَالَ فِيهِ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِم قَالَ نَعَمْ وَقَالَ فِي الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَته وَكُتُبه وَرُسُله وَتُؤْمِن بِالْجَنَّةِ وَالنَّار وَالْمِيزَان وَذَكَرَ الْبَعْث وَالْقَدَر ثُمَّ قَالَ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَأَنَا مُؤْمِن قَالَ نَعَمْ وَقَالَ في

ص: 302

قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يَتَّسِعَ الْإِسْلَامُ وَيَكْثُرَ السَّبْيُ وَيَسْتَوْلِدَ النَّاسُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَتَكُونُ ابْنَةُ الرَّجُلِ مِنْ أَمَتِهِ فِي مَعْنَى السَّيِّدَةِ لِأُمِّهَا إِذْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِأَبِيهَا وَمِلْكُ الْأَبِ رَاجِعٌ فِي التَّقْدِيرِ إِلَى الْوَالِدِ انْتَهَى

وَقِيلَ تَحْكُمُ الْبِنْتُ عَلَى الْأُمِّ مِنْ كَثْرَةِ الْعُقُوقِ حُكْمَ السَّيِّدَةِ عَلَى أَمَتِهَا

وَقَدْ جَاءَ وُجُوهٌ أُخَرُ فِي مَعْنَاهُ (وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ جَمْعُ الْحَافِي وَهُوَ مَنْ لَا نَعْلَ لَهُ (الْعُرَاةَ) جَمْعُ الْعَارِي وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى مَنْ يَكُونُ بَعْضُ بَدَنِهِ مَكْشُوفًا مِمَّا يَحْسُنُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَلْبُوسًا (الْعَالَةَ) جَمْعُ عَائِلٍ وَهُوَ الْفَقِيرُ مِنْ عَالَ يَعِيلُ إِذَا افْتَقَرَ أَوْ مِنْ عَالَ يَعُولُ إِذَا افْتَقَرَ وَكَثُرَ عِيَالُهُ (رِعَاءَ الشَّاءِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ جَمْعُ رَاعٍ وَالشَّاءُ جَمْعُ شَاةٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ (يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ) أَيْ يَتَفَاخَرُونَ فِي تَطْوِيلِ الْبُنْيَانِ وَيَتَكَاثَرُونَ بِهِ

قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ تُبْسَطُ لهم الدنيا حتى يتباهون فِي الْبُنْيَانِ (ثُمَّ انْطَلَقَ) أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلُ السَّائِلُ (فَلَبِثْتُ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ لَيَالٍ (هَلْ تَدْرِي) أَيْ تَعْلَمُ (أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ) فِيهِ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ وَالْإِخْلَاصَ يُسَمَّى كُلُّهَا دِينًا

قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ

(فَذَكَرَ نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ (مِنْ مُزَيْنَةَ أَوْ جُهَيْنَةَ) بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا وَهُمَا قَبِيلَتَانِ وَأَوْ لِلشَّكِّ (فِيمَا نَعْمَلُ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ (أَوْ فِي شَيْءٍ يُسْتَأْنَفُ الْآنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَمْ يَتَقَدَّمْ بِهِ عِلْمٌ مِنَ اللَّهِ وَقَدَرِهِ

وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

الْإِحْسَان وَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَأَنَا مُحْسِن قَالَ نَعَمْ وَقَالَ فِي آخِره هَذَا جِبْرِيل أَتَاكُمْ لِيُعَلِّمكُمْ دِينكُمْ

خُذُوا عَنْهُ

قَالَ أَبُو حَاتِم تَفَرَّدَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ

ص: 303

(أَخْبَرَنَا الْفِرْيَابِيُّ) بِكَسْرِ الْفَاءِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ (يَزِيدُ وَيَنْقُصُ) أَيْ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ وَالضَّمِيرُ فِيهِمَا لِعَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ (قَالَ أَبُو داود علقمة مرجيء) قال الحافظ في مقدمة فتح الباري إلا رجاء بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ وَهُوَ عِنْدَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ أَرَادَ بِهِ تَأْخِيرَ الْقَوْلِ فِي تَصْوِيبِ أَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَاتَلُوا بَعْدَ عُثْمَانَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَرَادَ تَأْخِيرَ الْقَوْلِ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَنْ أَتَى الْكَبَائِرَ وَتَرَكَ الْفَرَائِضَ بِالنَّارِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَهُمُ الْإِقْرَارُ وَالِاعْتِقَادُ وَلَا يَضُرُّ الْعَمَلُ مَعَ ذَلِكَ

انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَعَلْقَمَةُ هَذَا هُوَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ الْكُوفِيُّ وَقَدِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ

(بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْهِمْ وَظَهْرَانَيْهِمْ وَلَا تُكْسَرُ النُّونُ وَبَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَيْ وَسَطَهُمْ وَفِي مُعْظَمِهِمْ (فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ) أَيِ الْمُسَافِرُ (فَلَا يدري أيهم هو) أي رسول الله (فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا) بِضَمِّ الدَّالِ وَشِدَّةِ الْكَافِ

قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ الدُّكَّانُ الدِّكَّةُ وَقِيلَ نونه زائدة انتهى

وقال في القاموس الدكة بِالْفَتْحِ وَالدُّكَّانُ بِالضَّمِّ بِنَاءٌ يُسْطَحُ أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ (بِجَنْبَتَيْهِ) أَيْ بِجَانِبَيْهِ (وَذَكَرَ هَيْئَتَهُ) أَيْ ذَكَرَ الرَّاوِي هَيْئَةَ الرَّجُلِ الْمُقْبِلِ (حَتَّى سَلَّمَ) أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلُ (مِنْ طَرْفِ السِّمَاطِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيِ الْجَمَاعَةِ يَعْنِي الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ كَانُوا جُلُوسًا عَنْ جَانِبَيْهِ (فَرَدَّ عَلَيْهِ) أَيِ السَّلَامَ

ص: 304

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ بِتَمَامِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحْدَهُ

(عن بن الدَّيْلَمِيِّ) هُوَ أَبُو بُسْرٍ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمَضْمُومَةِ

وَيُقَالُ بِشْرٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَيْرُوزَ

قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ (وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ) أَيْ مِنْ بَعْضِ شُبَهِ الْقَدَرِ الَّتِي رُبَّمَا تُؤَدِّي إِلَى الشَّكِّ فِيهِ (فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ) أَيْ بِحَدِيثٍ (فَقَالَ) أَيْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ (وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ) لِأَنَّهُ مَالِكُ الْجَمِيعِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ كَيْفَ شَاءَ وَلَا ظُلْمَ أَصْلًا

وَالْجُمْلَةُ حَالٌ (كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ) أَيِ الصَّالِحَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ رَحْمَتَهُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَعْمَالِ كَيْفَ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ رَحْمَتِهِ بِهِمْ فَرَحْمَتُهُ إِيَّاهُمْ مَحْضُ فَضْلٍ مِنْهُ تَعَالَى فَلَوْ رَحِمَ الْجَمِيعَ فَلَهُ ذَلِكَ (مِثْلَ أُحُدٍ) بِضَمَّتَيْنِ جَبَلٌ عَظِيمٌ قَرِيبُ الْمَدِينَةِ الْمُعَظَّمَةِ (ذَهَبًا) تَمْيِيزٌ (مَا قَبِلَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْإِنْفَاقَ أَوْ مِثْلَ ذَلِكَ الْجَبَلِ (مَا أَصَابَكَ) مِنَ النِّعْمَةِ وَالْبَلِيَّةِ أَوِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ (لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ) أَيْ يُجَاوِزَكَ (وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ) أَيْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ (عَلَى غَيْرِ هَذَا) أَيْ عَلَى اعْتِقَادٍ غَيْرِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لك من الإيمان بالقدر (قال) أي بن الديلمي (فحدثني عن النبي مِثْلَ ذَلِكَ) فَصَارَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو سِنَانٍ سَعِيدُ بْنُ سنان الشيباني وثقه يحي بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ

(عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ) بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ثِقَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (يَا بُنَيَّ) بالتصغير

ص: 305

(الْقَلَمُ) بِالرَّفْعِ (وَمَاذَا أَكْتُبُ) أَيْ مَا الَّذِي أَكْتُبُ (اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ) جَمْعُ مِقْدَارٍ وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ قَدْرُ الشَّيْءِ وَكَمِّيَّتُهُ كَالْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْقَدْرِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْكَمِّيَّةُ وَالْكَيْفِيَّةُ (عَلَى غَيْرِ هَذَا) أَيْ عَلَى غَيْرِ هَذَا الِاعْتِقَادِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ

وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

(احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى) أَيْ عِنْدَ رَبِّهِمَا كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَيْ طَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْحُجَّةَ مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى مَا يَقُولُ (خَيَّبْتَنَا) أَيْ أَوْقَعْتَنَا فِي الْخَيْبَةِ وَهِيَ الْحِرْمَانُ وَالْخُسْرَانُ (وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ) أَيْ بِخَطِيئَتِكَ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْكَ وَهِيَ أَكْلُكَ مِنَ الشَّجَرَةِ (اصْطَفَاكَ اللَّهُ) أَيِ اخْتَارَكَ (تَلُومُنِي) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً) قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالتَّقْدِيرِ هُنَا الْكِتَابَةُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ فِي صُحُفِ التَّوْرَاةِ وَأَلْوَاحِهَا أَيْ كَتَبَهُ عَلَيَّ قَبْلَ خَلْقِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَقِيقَةُ الْقَدَرِ فَإِنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَدَّرَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَأَرَادَ مِنْ خَلْقِهِ أَزَلِيٌّ لَا أَوَّلَ لَهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا

(فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) بِرَفْعِ آدَمَ وَهُوَ فَاعِلٌ أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ بِهَا

فَإِنْ قِيلَ فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ قَدَّرَهَا اللَّهُ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ

فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْعَاصِي بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَاللَّوْمِ وَالتَّوْبِيخِ وَغَيْرِهَا وَفِي لَوْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ زَجْرٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الزَّجْرِ مَا لَمْ يَمُتْ فَأَمَّا آدَمُ فَمَيِّتٌ خَارِجٌ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ وَعَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الزَّجْرِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ فَائِدَةٌ بَلْ فِيهِ إِيذَاءٌ وَتَخْجِيلٌ

قَالَهُ النَّوَوِيُّ (قَالَ

ص: 306

أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ) وَأَمَّا مُسَدَّدٌ فَقَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ طَاوُسًا

فَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بِالْعَنْعَنَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ بِلَفْظِ السَّمَاعِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ

(وَنَفْسَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي أَخْرَجَنَا (مِنْ رُوحِهِ) الْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّخْصِيصِ أَيْ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ مَخْلُوقٌ وَلَا بُدَّ لِأَحَدٍ فِيهِ (لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ رَسُولًا) أَيْ لَا مَلِكًا وَلَا غَيْرَهُ (أَفَمَا وَجَدْتَ أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ خُرُوجَنَا مِنَ الْجَنَّةِ (قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ

وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

(عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ) بِالتَّصْغِيرِ (سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ) أَيْ عَنْ كَيْفِيَّةِ أَخْذِ اللَّهِ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمُ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ (وَإِذْ أَخَذَ) أَيْ أَخْرَجَ (مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) قِيلَ إِنَّهُ بَدَلُ الْبَعْضِ وَقِيلَ إِنَّهُ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ (قال قرأ القعنبي الآية) أي بتمامها

والقعبني هُوَ عَبْدُ اللَّهِ

ص: 307

شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ (ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ) أَيْ ظَهْرَ آدَمَ (فَفِيمَ الْعَمَلُ) أَيْ إِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ سَبْقِ الْقَدَرِ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ يُفِيدُ الْعَمَلُ أَوْ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ الْعَمَلُ أَوْ فَلِأَيِّ شَيْءٍ أُمِرْنَا بِالْعَمَلِ (اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) أَيْ جَعَلَهُ عَامِلًا بِهِ وَوَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ (حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَمَلٍ مُقَارَنٍ بِالْمَوْتِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرٍو

قَالَ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بَيْنَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَبَيْنَ عُمَرَ رَجُلًا

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا مِنْ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ نُعَيْمٍ عَنْ عمرو

قال بن الْحَذَّاءِ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ إِنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِنَّمَا يَرْوِيهِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ يُشِيرُونَ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ

وقال بن أبي خيثمة قرأت على بن مَعِينٍ حَدِيثَ مَالِكٍ هَذَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ فَكَتَبَ بِيَدِهِ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ لَا يُعْرَفُ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ لِأَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ هَذَا لَمْ يَلْقَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَبَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ نُعَيْمُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهَذَا أَيْضًا مَعَ الْإِسْنَادِ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا مَجْهُولٌ

قِيلَ إِنَّهُ مَدَنِيٌّ وَلَيْسَ بِمُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ أَيْضًا وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَائِمِ لِأَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ وَنُعَيْمَ بْنَ رَبِيعَةَ جَمِيعًا غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ بِحَمْلِ الْعِلْمِ وَلَكِنَّ مَعْنَى هَذَا الحديث قد صح عن النبي مِنْ وُجُوهٍ ثَابِتَةٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ

(حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ جُعْثُمٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ كَذَا ضَبَطَهُ الْحَافِظُ

ص: 308

فِي التَّقْرِيبِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عُمَرُ بْنُ جَعْفَرٍ وَهُوَ غَلَطٌ وَلَيْسَ فِي التَّقْرِيبِ وَلَا فِي الْخُلَاصَةِ ذِكْرُ عُمَرَ بْنِ جَعْفَرٍ (وَحَدِيثُ مَالِكٍ) أَيِ الَّذِي قَبْلَهُ (أَتَمُّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ جُعْثُمٍ

(طُبِعَ كَافِرًا) أَيْ خُلِقَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَاشَ يَصِيرُ كَافِرًا كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا) أَيْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا وَأَلْحَقَهُمَا بِهِمَا

وَالْمُرَادُ بالطغيان ها هنا الزِّيَادَةُ فِي الضَّلَالِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ

وَقَالَ السِّنْدِيُّ أَيْ كَلَّفَهُمَا الطُّغْيَانَ وَحَمَلَهُمَا عَلَيْهِ وَعَلَى الْكُفْرِ أَيْ مَا تَرَكَهُمَا عَلَى الْإِيمَانِ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ

(يَقُولُ فِي قَوْلِهِ) أَيْ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَكَانَ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) هَذَا مَقُولٌ لِقَوْلِ يَقُولُ أَيْ كَانَ خُلِقَ يَوْمَ خُلِقَ كَافِرًا

وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

(أَبْصَرَ الْخَضِرُ) أَيْ رَأَى (فَتَنَاوَلَ رَأْسَهُ) أَيْ أَخَذَ رَأْسَهُ (فَقَلَعَهُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ قَلَعَهُ كَمَنَعَهُ انْتَزَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زَكِيَّةٌ

قَالَ النَّوَوِيُّ قُرِئَ فِي السَّبْعِ زَاكِيَةٌ زَكِيَّةٌ قالو وَمَعْنَاهُ طَاهِرَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا الْفَصْلُ قَدْ يَكُونُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

ص: 309

(الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَالْإِخْبَارُ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ) الْإِخْبَارُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ حَدِيثَ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفَانِ إِلَّا فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْمَتْنِ وَأَمَّا مَعْنَاهُمَا فَوَاحِدٌ وَأَمَّا فِي السَّنَدِ فَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ يَسِيرٌ وَهُوَ أَنَّ سُفْيَانَ يَرْوِي بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ دُونَ الْعَنْعَنَةِ كَمَا قَالَ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رسول الله وَشُعْبَةُ لَمْ يَرْوِ بِالْإِخْبَارِ وَالتَّحْدِيثِ بَلْ بِالْعَنْعَنَةِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ لَكِنَّ هَذَا فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ فَقَطْ

وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ غَيْرِ حَفْصٍ كَمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَرَوَاهُ شُعْبَةُ أَيْضًا بِالْإِخْبَارِ وَقِيلَ فِي مَعْنَى هَذَا الْمُرَادُ بِالْإِخْبَارِ الْأَلْفَاظُ أَيْ مَعْنَى حَدِيثِ شُعْبَةَ وَحَدِيثِ سُفْيَانَ وَاحِدٌ وَأَمَّا أَلْفَاظُهُمَا فَمُخْتَلِفَةٌ وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي نَذْكُرُ هِيَ أَلْفَاظُ حَدِيثِ سُفْيَانَ لَا أَلْفَاظُ حَدِيثِ شُعْبَةَ (وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ) قَالَ الطِّيبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اعْتِرَاضِيَّةً وَهُوَ أَوْلَى لِتَعُمَّ الْأَحْوَالَ كُلَّهَا

وَالصَّادِقُ مَعْنَاهُ الْمُخْبِرُ بِالْقَوْلِ الْحَقِّ وَيُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ يُقَالُ صَدَقَ الْقِتَالَ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ وَالْمَصْدُوقُ مَعْنَاهُ الَّذِي يَصْدُقُ لَهُ فِي الْقَوْلِ يُقَالُ صَدَقْتُهُ الْحَدِيثَ إِذَا أَخْبَرْتُهُ بِهِ إِخْبَارًا جَازِمًا أَوْ مَعْنَاهُ صَدَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعْدَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ) أَيْ مَادَّةُ خَلْقِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَا يُخْلَقُ مِنْهُ أَحَدُكُمْ (يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) أَيْ يُقَرَّرُ وَيُحْرَزُ فِي رَحِمِهَا

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَمْعِ مُكْثَ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ (ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً) أَيْ دَمًا غَلِيظًا جَامِدًا (مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَعْنِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا (ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً) أَيْ قِطْعَةَ لَحْمٍ قَدْرَ مَا يُمْضَغُ (ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى خَلْقِ أَحَدِكُمْ أَوْ إِلَى أَحَدِكُمْ يَعْنِي فِي الطور الرابع حين ما يَتَكَامَلُ بُنْيَانُهُ وَيَتَشَكَّلُ أَعْضَاؤُهُ (بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ) أَيْ بِكِتَابَتِهَا (فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ) الْمُرَادُ بِكِتَابَةِ الرِّزْقِ تَقْدِيرُهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَصِفَتُهُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا وَبِالْأَجَلِ هَلْ هُوَ طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ وَبِالْعَمَلِ هُوَ صَالِحٌ أَوْ فَاسِدٌ (ثُمَّ يُكْتَبُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ) أَيْ هُوَ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُكْتَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ إِمَّا السَّعَادَةُ وَإِمَّا الشَّقَاوَةُ وَلَا يَكْتُبُهُمَا لِوَاحِدٍ مَعًا فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى أَرْبَعٍ

قَالَ الطِّيبِيُّ كَانَ مِنْ حَقِّ الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ وَشَقَاوَتُهُ وَسَعَادَتُهُ لِيُوَافِقَ مَا قَبْلَهُ فَعَدَلَ عَنْهُ حِكَايَةً لِصُورَةِ مَا يَكْتُبُهُ الْمَلَكُ كَذَا فِي مَبَارِقِ الْأَزْهَارِ (حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ بين الرجل

ص: 310

وَبَيْنَ الْجَنَّةِ (إِلَّا ذِرَاعٌ) تَمْثِيلٌ لِغَايَةِ قُرْبِهَا (أَوْ قِيدُ ذِرَاعٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ قَدْرُهَا (فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ) أَيْ كِتَابُ الشَّقَاوَةِ

قَالَ المنذري واخرجه البخاري ومسلم والترمذي وبن مَاجَهْ

قِيدُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَبَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ قَدْرُ وَكَذَلِكَ قَادَ وَقِدَى بِكَسْرِ الْقَافِ وَقِدَةُ وَقِيسُ وَقَابُ

(عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ

قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ كَانَ يَزِيدُ كَبِيرَ اللِّحْيَةِ فَلُقِّبَ الرِّشْكَ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَمَا زَعَمَ أَبُو علي الغساني وجزم به بن الْجَوْزِيِّ الْكَبِيرُ اللِّحْيَةِ انْتَهَى

وَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى الْقَسَّامِ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ (أَعُلِمَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَبِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (قَالَ فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ) الْمَعْنَى إِذَا سَبَقَ الْقَلَمُ بِذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ الْعَامِلُ إِلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ إِلَى مَا قدر له (قال) أي النبي (كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَآلَ مَحْجُوبٌ عَنِ الْمُكَلَّفِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي عَمَلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَا يترك وكولا إلى ما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُ فَيُلَامُ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَيَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

ذكر الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله حَدِيث كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ حُذَيْفَة يَبْلُغ بِهِ النَّبِيّ قَالَ يَدْخُل الْمَلَك عَلَى النُّطْفَة بَعْد مَا تَسْتَقِرّ فِي الرَّحِم بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْس وَأَرْبَعِينَ لَيْلَة فَيَقُول يَا رَبّ أَشَقِيّ أَمْ سَعِيد فَيَكْتُبَانِ فَيَقُول يَا رَبّ أَذَكَر أَمْ أُنْثَى فَيَكْتُبَانِ وَيَكْتُب عَمَله وَأَثَره وَأَجَله وَرِزْقه ثُمَّ تُكْتَب الصُّحُف فَلَا يُزَاد فِيهَا وَلَا يُنْقَص وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَس بْن مَالِك وَرَفَعَ الْحَدِيث قَالَ إِنَّ اللَّه قَدْ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُول أَيْ رَبّ نُطْفَة أَيْ رَبّ عَلَقَة أَيْ رَبّ مُضْغَة فَإِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَقْضِي خَلْقًا قَالَ الْمَلَك أَيْ رَبّ ذَكَر أَمْ أُنْثَى شَقِيّ أَمْ سَعِيد فَمَا الرِّزْق فَمَا الْأَجَل فَيَكْتُب ذَلِكَ فِي بَطْن أمه

وهذا مثل حديث بن مَسْعُود حَدِيث الصَّادِق الْمَصْدُوق أَنَّ كِتَابَة الْأَجَل وَالشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة وَالرِّزْق فِي الطَّوْر الرَّابِع

ص: 311

(لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ (وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ) قَالَ الْعَلْقَمِيُّ أَيْ لَا تُحَاكِمُوهُمْ يَعْنِي لَا تَرْفَعُوا الْأَمْرَ إِلَى حُكَّامِهِمْ وَقِيلَ لَا

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَحَدِيث حُذَيْفَة بْن أَسِيد يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَة فِي الطَّوْر الْأَوَّل

وَقَدْ رُوِيَ حَدِيث حُذَيْفَة بِلَفْظٍ آخَر يَتَبَيَّن الْمُرَاد مِنْهُ وَأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ وَاحِد وَأَنَّهُمَا مُتَصَادِقَانِ لَا مُتَعَارِضَانِ

فَرَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ عَامِر بْن وَاثِلَة أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود يَقُول الشَّقِيّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْن أُمّه وَالسَّعِيد مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ

فَأَتَى رَجُل مِنْ أَصْحَاب النبي يُقَال لَهُ حُذَيْفَة بْن أَسِيد الْغِفَارِيّ

فَحَدَّثَهُ بذلك من قول بن مَسْعُود

فَقَالَ وَكَيْف يَشْقَى بِغَيْرِ عَمَل فَقَالَ الرَّجُل الْعَجَب مِنْ ذَلِكَ

قَالَ سَمِعْت رَسُول الله يقول إذا مر بالنطفة اثنتان وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بَعَثَ اللَّه إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعهَا وَبَصَرهَا وَجِلْدهَا وَلَحْمهَا وَعِظَامهَا ثُمَّ قَالَ يَا رَبّ أَذَكَر أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبّك مَا شَاءَ وَيَكْتُب الْمَلَك

ثُمَّ يَقُول يَا رَبّ أَجَله فَيَقْضِي رَبّك مَا شَاءَ وَيَكْتُب الْمَلَك ثُمَّ يَقُول يَا رَبّ رِزْقه فَيَقْضِي رَبّك مَا شَاءَ وَيَكْتُب الْمَلَك

ثُمَّ يَخْرُج الْمَلَك بِالصَّحِيفَةِ فِي يَده فَلَا يَزِيد عَلَى مَا أَمَرَ وَلَا يَنْقُص وَفِي لَفْظ آخر عنه سمعت رسول الله بأدنى هَاتَيْنِ يَقُول إِنَّ النُّطْفَة تَقَع فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثُمَّ يَتَصَوَّر عَلَيْهَا الْمَلَك قَالَ زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة حَسِبْته قَالَ الَّذِي يَخْلُقهَا فَيَقُول يَا رَبّ أَذَكَر أَمْ أُنْثَى فَيَجْعَلهُ اللَّه ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى

ثُمَّ يَقُول يَا رَبّ أَسَوِيّ أَوْ غَيْر سَوِيّ فَيَجْعَلهُ اللَّه سَوِيًّا أَوْ غَيْر سَوِيّ ثُمَّ يَقُول يَا رَبّ مَا رِزْقه مَا أَجَله مَا خَلْقه ثُمَّ يَجْعَلهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا

وَفِي لَفْظ آخَر أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ إِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يَخْلُق شَيْئًا بِإِذْنِ اللَّه لِبِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَة ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه

فَدَلَّ حَدِيث حُذَيْفَة عَلَى أَنَّ الْكِتَابَة الْمَذْكُورَة وَقْت تَصْوِيره وَخَلْق جِلْده وَلَحْمه وَعَظْمه وَهَذَا مُطَابِق لِحَدِيثِ بن مَسْعُود

فَإِنَّ هَذَا التَّخْلِيق هُوَ فِي الطَّوْر الرَّابِع وَفِيهِ وَقَعَتْ الْكِتَابَة

فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَع بِالتَّوْقِيتِ فِيهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة قُلْت التَّوْقِيت فِيهِ بَيَان أَنَّهَا قَبْل ذَلِكَ لَا يَتَعَرَّض لَهَا وَلَا يَتَعَلَّق بِهَا تَخْلِيق وَلَا كِتَابَة فَإِذَا بَلَغَتْ الْوَقْت الْمَحْدُود وَجَاوَزَتْ الْأَرْبَعِينَ وَقَعَتْ فِي أَطْوَار التَّخْلِيق طَبَقًا بَعْد طَبَق وَوَقَعَ حينئذ التقدير والكتابة وحديث بن مَسْعُود صَرِيح فِي أَنَّ وُقُوع ذَلِكَ بَعْد كَوْنه مُضْغَة بَعْد الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَة وَحَدِيث حُذَيْفَة فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْد الْأَرْبَعِينَ وَلَمْ يُوَقِّت البعدية بل أطلقها ووقتها في حديث بن مسعود

ص: 312

تَبْتَدِئُوهُمْ بِالْمُجَادَلَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ لِئَلَّا يَقَعَ أَحَدُكُمْ فِي شَكٍّ فَإِنَّ لَهُمْ قُدْرَةً عَلَى الْمُجَادَلَةِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وقيل لا

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ حَدِيث حُذَيْفَة دَالّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ

وَيَحْتَمِل وَجْهًا آخَر وَهُوَ أَنْ تَكُون الْأَرْبَعُونَ الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث حُذَيْفَة هِيَ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَة وَسُمِّيَ الْحَمْل فِيهَا نُطْفَة إِذْ هِيَ مَبْدَؤُهُ الْأَوَّل

وَفِيهِ بُعْد وَأَلْفَاظ الْحَدِيث تأباه

ويحتمل وَجْهًا آخَر وَهُوَ أَنَّ التَّقْدِير وَالْكِتَابَة تَقْدِيرَانِ وَكِتَابَتَانِ

فَالْأَوَّل مِنْهُمَا عِنْد اِبْتِدَاء تَعَلُّق التَّحْوِيل وَالتَّخْلِيق فِي النُّطْفَة وَهُوَ إِذَا مَضَى عَلَيْهَا أَرْبَعُونَ وَدَخَلَتْ فِي طَوْر الْعَلَقَة وَهَذَا أَوَّل تَخْلِيقه

وَالتَّقْدِير الثَّانِي وَالْكِتَابَة الثَّانِيَة إِذَا كَمُلَ تَصْوِيره وَتَخْلِيقه وَتَقْدِير أَعْضَائِهِ وَكَوْنه ذَكَرًا أَوْ أنثى من الخارج فبكتب مَعَ ذَلِكَ عَمَله وَرِزْقه وَأَجَله وَشَقَاوَته وَسَعَادَته

فَلَا تَنَافِي بَيْن الْحَدِيثَيْنِ وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ

وَيَكُون التَّقْدِير الْأَوَّل تَقْدِيرًا لِمَا يَكُون لِلنُّطْفَةِ بَعْد الْأَرْبَعِينَ فَيُقَدَّر مَعَهُ السَّعَادَة وَالشَّقَاوَة وَالرِّزْق وَالْعَمَل

وَالتَّقْدِير الثَّانِي تَقْدِيرًا لِمَا يَكُون لِلْجَنِينِ بَعْد تَصْوِيره فَيُقَدَّر مَعَهُ ذَلِكَ وَيَكْتُب أَيْضًا وَهَذَا التَّقْدِير أَخَصّ مِنْ الْأَوَّل

وَنَظِير هَذَا أَنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدَّرَ مَقَادِير الْخَلَائِق قبل أن يخلق السماوات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة ثُمَّ يُقَدِّر لَيْلَة الْقَدْر مَا يَكُون فِي الْعَام لِمِثْلِهِ وَهَذَا أَخَصّ مِنْ التَّقْدِير الْأَوَّل الْعَامّ كَمَا أَنَّ تَقْدِير أَمْر النُّطْفَة وَشَأْنهَا يَقَع بَعْد تَعَلُّقهَا بالرحم وقد قدر أمرها قبل خلق السماوات وَالْأَرْض

وَنَظِير هَذَا رَفْع الْأَعْمَال وَعَرْضهَا عَلَى اللَّه تَعَالَى فَإِنَّ عَمَل الْعَام يُرْفَع فِي شَعْبَان كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِق الْمَصْدُوق أَنَّهُ شَهْر تَرْفَع فِيهِ الْأَعْمَال فَأُحِبّ أَنْ يُرْفَع عَمَلِي وَأَنَا صَائِم وَيُعْرَض عَمَل الْأُسْبُوع يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَعَمَل الْيَوْم يُرْفَع فِي آخِره قَبْل اللَّيْل وَعَمَل اللَّيْل فِي آخِره قَبْل النَّهَار

فَهَذَا الرَّفْع فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة أَخَصّ مِنْ الرَّفْع فِي الْعَام وَإِذَا اِنْقَضَى الْأَجَل رُفِعَ عَمَل الْعُمْر كُلّه وَطُوِيَتْ صَحِيفَة الْعَمَل

وَهَذِهِ الْمَسَائِل

مِنْ أَسْرَار مَسَائِل الْقَضَاء وَالْقَدَر

فَصَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَى هَادَى الْأُمَّة وَكَاشِف الْغُمَّة الَّذِي أَوْضَحَ اللَّه بِهِ الْمَحَجَّة وَأَقَامَ بِهِ الْحُجَّة وَأَنَارَ بِهِ السَّبِيل وَأَوْضَحَ بِهِ الدَّلِيل وَلِلَّهِ دَرّ الْقَائِل أَحْيَا الْقُلُوب مُحَمَّد لَمَّا أَتَى وَمَضَى فَنَاءَتْ بَعْده أُمَنَاؤُهُ كَالْوَرْدِ رَاقَك رِيحه فَشَمَمْته وَإِذَا تَوَلَّى نَابَ عَنْهُ مَسَاؤُهُ وَقَدْ رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه يَقُول كَتَبَ اللَّه مَقَادِير الْخَلَائِق قَبْل أَنْ يخلق السماوات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة قَالَ وَعَرْشه عَلَى الماء

ص: 313

تَبْتَدِئُوهُمْ بِالسَّلَامِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْمُنِيرِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

وَهَذَا مِنْهُ تَوْثِيقٌ لِحَكِيمِ بن شريك الهذلي البصري وقد وثقه بن حبان البستي أيضا

وقال الذهبي لا يعرف قاله العلقمي

وقال بن حَجَرٍ مَجْهُولٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ

وَفِي مِيزَانِ الاعتدال قواه بن حبان وقال أبو حاتم مجهول انتهى

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَفِي صَحِيحه أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول الله يَقُول إِنَّ قُلُوب بَنِي آدَم كُلّهَا بَيْن أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِع الرَّحْمَن كَقَلْبٍ وَاحِد يُصَرِّفهُ حيث يشاء ثم قال رسول الله اللَّهُمَّ مُصَرِّف الْقُلُوب صَرِّفْ قُلُوبنَا عَلَى طَاعَتك

وَفِي صَحِيحه أَيْضًا عَنْ عَبْد اللَّه بْن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْز وَالْكَيْس أَوْ الْكَيْس وَالْعَجْز وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قال قال رسول الله إن الله كتب على بن آدم حظه من الزنى أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَة فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَر وَزِنَا اللِّسَان النُّطْق وَالنَّفْس تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبهُ

وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي قَالَ مَا اِسْتَخْلَفَ اللَّه خَلِيفَة إِلَّا كَانَ لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَة تَأْمُرهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَة تَأْمُرهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضّهُ عَلَيْهِ وَالْمَعْصُوم مَنْ عَصَمَ اللَّه

وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله الْمُؤْمِن الْقَوِيّ خَيْر وَأَحَبّ إِلَى اللَّه مِنْ الْمُؤْمِن الضَّعِيف وَفِي كُلّ خَيْر اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجَز

وَإِنْ أَصَابَك شَيْء فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْت لَكَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّه وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَح عَمَل الشَّيْطَان

وَفِي صَحِيحه أَيْضًا عَنْ عَبْد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قَالَ قَالَتْ أُمّ حَبِيبَة اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رسول الله وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَان وَبِأَخِي مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهَا رسول الله إِنَّك سَأَلْت اللَّه لِآجَالٍ مَضْرُوبَة وَآثَار مَوْطُوءَة وَأَرْزَاق مَقْسُومَة لَا يُعَجَّل مِنْهَا شَيْء قَبْل حِلّه وَلَا يُؤَخَّر مِنْهَا شَيْء بَعْد حِلّه وَلَوْ سَأَلْت اللَّه أَنْ يُعَافِيَك مِنْ عَذَاب فِي النَّار وَعَذَاب فِي الْقَبْر كَانَ خَيْرًا لك

وفي سنن بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْن أَبِي الْمُسَاوِر عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَدِيّ بْن حَاتِم الْكُوفَة أَتَيْنَاهُ فِي نَفَر مِنْ فُقَهَاء أَهْل الْكُوفَة فَقُلْنَا لَهُ حَدِّثْنَا مَا سمعت من رسول الله قال أتيت النبي فَقَالَ يَا عَدِيّ بْن حَاتِم أَسْلِمْ تَسْلَم قُلْت وَمَا الْإِسْلَام قَالَ تَشْهَد أَنْ لَا إله إلا الله وأني رسول الله وَتُؤْمِن بِالْأَقْدَارِ كُلّهَا خَيْرهَا وَشَرّهَا وَحُلْوهَا وَمُرّهَا

وَفِي سُنَنه أَيْضًا مِنْ حَدِيث مُجَاهِد عَنْ سُرَاقَة بْن جُعْشُم قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَنَعْمَلُ فِيمَا جَفَّ بِهِ الْقَلَم وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِير أَمْ فِي أَمْر مُسْتَقْبَل قَالَ بَلْ فِيمَا جَفَّ بِهِ الْقَلَم وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِير وَكُلّ مُيَسَّر لِمَا خُلِقَ لَهُ

وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ الْحَسَن قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرو بن تغلب قال أتى النبي مال فأعطى

ص: 314

تَبْتَدِئُوهُمْ بِالسَّلَامِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْمُنِيرِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

وَهَذَا مِنْهُ تَوْثِيقٌ لِحَكِيمِ بن شريك الهذلي البصري وقد وثقه بن حبان البستي أيضا

وقال الذهبي لا يعرف قاله العلقمي

وقال بن حَجَرٍ مَجْهُولٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ

وَفِي مِيزَانِ الاعتدال قواه بن حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ انْتَهَى

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قوما ومنع آخرين فبلغه أنهم عيبوا فَقَالَ إِنِّي أُعْطِي الرَّجُل وَأَدَع الرَّجُل وَاَلَّذِي أَدَع أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الَّذِي أُعْطِي أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْجَزَع وَالْهَلَع وَأَكِل أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّه فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْغِنَى وَالْخَيْر مِنْهُمْ عَمْرو بْن تَغْلِب فَقَالَ عَمْرو مَا أُحِبّ أَنَّ لِي بكلمة رسول الله حُمْر النَّعَم

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث عِمْرَان بن حصين قال إني عند النبي إِذْ جَاءَهُ قَوْم مِنْ بَنِي تَمِيم

فَقَالَ اِقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيم قَالُوا بَشَّرْتنَا فَأَعْطِنَا فَدَخَلَ نَاس مِنْ أَهْل الْيَمَن فَقَالَ اقبلوا البشرى يا أهل اليمن يا أهل اليمن إذا لَمْ يَقْبَلهَا بَنُو تَمِيم قَالُوا قَبِلْنَا جِئْنَاك نَتَفَقَّه فِي الدِّين وَنَسْأَلك عَنْ أَوَّل هَذَا الْأَمْر مَا كَانَ قَالَ كَانَ اللَّه وَلَمْ يَكُنْ شَيْء مِنْ قَبْله وَكَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَكَتَبَ فِي الذكر كل شيء الحديث

وعن بن عباس أن النبي قال لأشج عبد القيس رضي الله عنه إِنَّ فِيك لَخَلَّتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللَّه الْحِلْم وَالْأَنَاة قَالَ يَا رَسُول اللَّه خَلَّتَيْنِ تَخَلَّقْت بِهِمَا أَمْ جُبِلْت عَلَيْهِمَا قَالَ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللَّه

وَقَالَ أَبُو هريرة رضي الله عنه

قال لي النبي جَفَّ الْقَلَم بِمَا أَنْتَ لَاقٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ تَعْلِيقًا

وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ طَاوُسٍ قَالَ سمعت عَبْد اللَّه بْن عُمَر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْز وَالْكَيْس أَوْ الكيس والعجز

وذكر البخاري عن بن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} قَالَ سَبَقَتْ لَهُمْ السَّعَادَة

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ هَمَّام بْن مُنَبِّه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال لا يأتي بن آدَم النَّذْر بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْته وَلَكِنْ يُلْقِيه الْقَدَر وَقَدْ قَدَّرْته لَهُ أَسْتَخْرِج بِهِ مِنْ الْبَخِيل

وَفِي لَفْظ لِلْبُخَارِيِّ لَا يأتي بن آدَم النَّذْر بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ وَلَكِنْ يُلْقِيه النَّذْر إِلَى الْقَدَر قَدْ قُدِّرَ لَهُ فَيَسْتَخْرِج اللَّه بِهِ مِنْ الْبَخِيل فَيُؤْتِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ قبل

وفي لفظ في الصحيحين عن بن عمر رضي الله عنهما عن النبي النذر لا يقرب من بن آدَم شَيْئًا لَمْ يَكُنْ اللَّه قَدَّرَهُ لَهُ وَلَكِنْ النَّذْر يُوَافِق الْقَدَر فَيُخْرَج بِذَلِكَ مِنْ الْبَخِيل مَا لَمْ يَكُنْ الْبَخِيل يُرِيد أَنْ يُخْرِج

هَذِهِ الْأَحَادِيث فِي النَّذْر وَالْقَدَر أَدْخَلَهَا الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الْقَدَر وَهُوَ إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى الْقَدَر الَّذِي لَا يَتَعَلَّق بِقُدْرَةِ الْعَبْد وَمَشِيئَته

وَالْكَلَام فِيهِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ غُلَاة الْقَدَرِيَّة الْمُنْكِرِينَ لِتَقَدُّمِ الْعِلْم وَالْكِتَاب

وَأَمَّا الْقَدَرِيَّة الْمُنْكِرُونَ لِخَلْقِ الْأَفْعَال فَلَا يُحْتَجّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم

وَقَدْ نَظَرْت فِي أَدِلَّة إِثْبَات الْقَدَر وَالرَّدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة الْمَجُوسِيَّة فَإِذَا هِيَ تُقَارِب خَمْسَمِائَةِ دَلِيل وَإِنْ قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى أَفْرَدْت لَهَا مُصَنَّفًا مُسْتَقِلًّا وَبِاَللَّهِ عز وجل التوفيق

ص: 315