الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا على المحصنات من العذاب (وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا) التَّثْرِيبُ التَّعْيِيرُ أَيْ لَا يَجْمَعُ عَلَيْهَا الْعُقُوبَةَ بِالْجَلْدِ وَبِالتَّعْيِيرِ
وَقِيلَ الْمُرَادُ لَا يَقْتَنِعُ بِالتَّوْبِيخِ دُونَ الْجَلْدِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ
4 -
(باب فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرِيضِ)
[4472]
(اشْتَكَى رَجُلٌ) أَيْ مَرِضَ (حَتَّى أُضْنِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ أَصَابَهُ الضَّنَا وَهُوَ شِدَّةُ الْمَرَضِ وَسُوءُ الْحَالِ حَتَّى يَنْحَلَ بَدَنُهُ وَيَهْزُلَ وَيُقَالُ إِنَّ الضَّنَا انْتِكَاسُ الْعِلَّةِ انْتَهَى
وَفِي الْقَامُوسِ ضَنِيَ كَرَضِيَ ضَنًى مَرِضَ مَرَضًا مُخَاطِرًا كُلَّمَا ظُنَّ بُرْؤُهُ نُكِسَ وَأَضْنَاهُ الْمَرَضُ (فَعَادَ) أَيْ صَارَ (جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ) أَيْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ اللَّحْمِ بَلْ بَقِيَ عَظْمٌ عَلَيْهِ جِلْدَةٌ (فَهَشَّ) أَيِ ارْتَاحَ وَخَفَّ (لَهَا) أَيْ لِتِلْكَ الْجَارِيَةِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْهَشَاشَةُ وَالْهَشَاشُ الِارْتِيَاحُ وَالْخِفَّةُ وَالنَّشَاطُ وَالْفِعْلُ كَدَبَّ وَمَلَّ انْتَهَى وَفِي النِّهَايَةِ يُقَالُ هَشَّ لِهَذَا الْأَمْرِ يَهَشُّ هَشَاشَةً إِذَا فَرِحَ بِهِ وَاسْتَسَرَّ وَارْتَاحَ لَهُ وَخَفَّ وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ هَشَشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ انْتَهَى (فَوَقَعَ عَلَيْهَا) أَيْ جَامَعَهَا (يَعُودُونَهُ) مِنَ الْعِيَادَةِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ) أَيْ وُقُوعِهِ عَلَى تِلْكَ الْجَارِيَةِ وَالْجِمَاعِ بِهَا (مِنَ الضُّرِّ) أَيِ الْمَرَضِ (مِثْلَ الَّذِي هُوَ) أَيِ الضُّرِّ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَرِيضِ الْوَاقِعِ عَلَى تِلْكَ الْجَارِيَةِ (لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ) أَيْ تَكَسَّرَتْ وَتَفَرَّقَتْ (أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفِي رِوَايَةِ شَرْحِ السُّنَّةِ عَلَى مَا فِي الْمِشْكَاةِ خُذُوا لَهُ عِثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ
قَالَ الطِّيِبِيُّ الْعِثْكَالُ الْغُصْنُ الْكَبِيرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ أَغْصَانٌ صِغَارٌ وَيُسَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَغْصَانِ شِمْرَاخًا انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعِثْكَالُ الْعِذْقُ وَكُلُّ غُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهِ شِمْرَاخٌ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْبُسْرُ (فَيَضْرِبُوهُ بِهَا) عَطْفٌ عَلَى يَأْخُذُوا
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيَضْرِبُونَهَا وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ لِمِائَةِ شِمْرَاخٍ (ضَرْبَةً وَاحِدَةً) أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا لَمْ يَحْتَمِلِ الْجَلْدَ ضُرِبَ بِعِثْكَالٍ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ أَوْ مَا يُشَابِهُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تُبَاشِرَهُ جَمِيعُ الشَّمَارِيخُ وَقِيلَ يَكْفِي الِاعْتِمَادُ وَهَذَا الْعَمَلُ مِنَ الْحِيَلِ الْجَائِزَةِ شَرْعًا وَقَدْ جَوَّزَ اللَّهُ مثله في قوله وخذ بيدك ضغثا الآية قاله الشوكاني
وقال بن الْهُمَامِ وَإِذَا زَنَى الْمَرِيضُ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ بِأَنْ كَانَ مُحْصَنًا حُدَّ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ قَتْلُهُ وَرَجْمُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَدُّهُ الْجَلْدَ لَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّ جَلْدَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى هَلَاكِهِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ
وَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالسُّلِّ أَوْ كَانَ خِدَاجًا ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُضْرَبُ بِعِثْكَالٍ فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَيُضْرَبُ بِهِ دَفْعَةً وَلَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ كُلِّ شِمْرَاخٍ إِلَى بَدَنِهِ وَلِذَا قِيلَ لَا بُدَّ حِينَئِذٍ أَنْ تَكُونَ مَبْسُوطَةً انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَادَةَ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
[4473]
(عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ اسْمُهُ مَيْسَرَةُ الطُّهَوِيُّ الْكُوفِيُّ (فَجَرَتْ) أَيْ زَنَتْ (جَارِيَةٌ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَمَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَنَتْ (فَإِذَا) هِيَ لِلْمُفَاجَأَةِ (دَمٌ) أَيْ دَمُ النِّفَاسِ (يَسِيلُ) أَيْ يَجْرِي
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ (أَفَرَغْتَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَفْرَغْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا (دَعْهَا) أَيِ اتْرُكْهَا (حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهَا) أَيْ دَمُ نِفَاسِهَا (ثُمَّ أَقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْرَأَ
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ وَالْجَمْعُ أَنَّ مَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ يُمْهَلُ وَمَنْ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا يُؤَخَّرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ وَتَقَدَّمَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ