الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَاب فِي الْحَدِّ يُشْفَعُ فِيهِ)
[4373]
(أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ) أَيْ أَحْزَنَهُمْ وَأَوْقَعَهُمْ فِي الْهَمِّ خَوْفًا مِنْ لُحُوقِ الْعَارِ وَافْتِضَاحِهِمْ بِهَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ (شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ) أَيِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى بَنِي مَخْزُومٍ قَبِيلَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَهِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بِنْتُ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ الَّذِي كَانَ زَوْجَ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قُتِلَ أَبُوهَا كَافِرًا يَوْمَ بَدْرٍ قَتَلَهُ حَمْزَةُ (الَّتِي سَرَقَتْ) أَيْ وَكَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ أَيْضًا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ (فَقَالُوا) أَيْ أَهْلُهَا (مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا) أَيْ مَنْ يَشْفَعُ أَنْ لَا تُقْطَعَ إِمَّا عَفْوًا أَوْ بِفِدَاءٍ (ومن يجترىء) أي يتجاسر عليه صلى الله عليه وسلم بِطَرِيقِ الْإِدْلَالِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَحْبُوبُهُ وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ أُسَامَةَ (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ) أَيْ فِي تَرْكِهِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ (فَاخْتَطَبَ) قال القارىء أَيْ بَالَغَ فِي خُطْبَتِهِ أَوْ أَظْهَرَ خُطْبَتَهُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ خَطَبَ انْتَهَى
قُلْتُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ خَطَبَ (إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِنَّمَا هَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ (أَنَّهُمْ) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ (كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ) فَلَا يَحُدُّونَهُ (وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضعيف أقاموا عليه الحد) قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَصْرَ لَيْسَ عَامًّا فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِيهِمْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِي الْإِهْلَاكَ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى حَصْرٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْإِهْلَاكُ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ فِي الْحُدُودِ فَلَا يَنْحَصِرُ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ (لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ) رضي الله عنها (بِنْتَ مُحَمَّدٍ) صلى الله عليه وسلم (سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) وَعِنْدَ بن مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ شَيْخِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ أَعَاذَهَا اللَّهُ مِنْ أَنْ تَسْرِقَ وَكُلُّ مُسْلِمٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُذْكَرَ هَذَا الْحَدِيثُ في الاستدلال
وَنَحْوِهِ إِلَّا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا خَصَّ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ عِنْدَهُ فَأَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَثْبِيتِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَتَرْكِ الْمُحَابَاةِ فِي ذَلِكَ
وَفِي الْحَدِيثِ مَنْعُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا رُفِعَ إِلَى السُّلْطَانِ
وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْوَالِي فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْوَالِي فَعَفَا فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي ذَوِي الذُّنُوبِ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ مَا لَمْ تَبْلُغِ السُّلْطَانَ وَأَنَّ عَلَى السُّلْطَانِ إِذَا بَلَغَتْهُ أَنْ يُقِيمَهَا
كَذَا فِي إِرْشَادِ السَّارِي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[4374]
(تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ أَنَّهَا قُطِعَتْ بِالسَّرِقَةِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْعَارِيَةُ تَعْرِيفًا لَهَا وَوَصْفًا لَهَا لَا أَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ
قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سَائِرِ الطُّرُقِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهَا سَرَقَتْ وَقُطِعَتْ بِسَبَبِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
ذكر الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله حَدِيث الْمَخْزُومِيَّة ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيث قَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَام أَحْمَد وَإِسْحَاق
وَأَعَلَّ بَعْض النَّاس الْحَدِيث بِأَنَّ مَعْمَرًا تَفَرَّدَ مِنْ بَيْن سَائِر الرُّوَاة بِذِكْرِ الْعَارِيَة فِي هَذَا الْحَدِيث
وَأَنَّ اللَّيْث وَيُونُس وَأَيُّوب بْن مُوسَى رَوَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالُوا سَرَقَتْ ومعمر لا يقاومهم
قالوا ولو ثبت فذكر وصف العارية إنما هو للتعريف المجرد لا أنه سبب القطع فأما تعليله بما ذكر فباطل
فقد رواه أبو مالك عمرو بن هاشم الجنبي الكوفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن امرأة كانت تستعير الحلى للناس ثم تمسكه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتب هذه المرأة إلى الله ورسوله وترد ما تأخذ على القوم ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها ذكره النسائي ورواه شعيب بن إسحاق عن عبيد الله عن نافع بنحوه سواء ذكره النسائي
أيضا وقال فيه لتتب هذه المرأة ولتؤدي ما عندها مرارا فلم تفعل
فأمر بها فقطعت
وهو يبطل قول من قال إن ذكر هذا الوصف للتعريف المجرد
ورواه سفيان عن أيوب بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كانت مخزومية
السَّرِقَةِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَئِمَّةِ قَالُوا هَذِهِ الرِّوَايَةُ شَاذَّةٌ فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِجَمَاهِيرِ الرُّوَاةِ وَالشَّاذَّةُ لَا يُعْمَلُ بِهَا
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ السَّرِقَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا عِنْدَ الرَّاوِي ذِكْرُ مَنْعِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ لَا الْإِخْبَارُ عَنِ السَّرِقَةِ
قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ جَحَدَ الْعَارِيَةَ وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ
وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَجِبُ الْقَطْعُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى (وَقَصَّ) أَيْ ذَكَرَ وَبَيَّنَ (نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيْثِ) يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي قَبْلَهُ (فَقَطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا
وفي حديث بن عُمَرَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ قُمْ يَا بِلَالُ فَخُذْ بيدها فاقطعها
ففي رواية ابي داود مجار
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ اللَّيْثُ إِنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ إِلَخْ) حَاصِلُهُ أن بن وَهْبٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرَ فِيهِ السَّرِقَةَ دُونَ الِاسْتِعَارَةِ مِثْلَ رِوَايَةِ اللَّيْثِ الْمُتَقَدِّمَةِ (فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ) أَيْ فَتْحِ مَكَّةَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
تستعير متاعا وتجحده فرفعت إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكلم فيها فقال لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ذكره النسائي
ورواه بشر بن شعيب أخبرني أبي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت استعارت امرأة على ألسنة أناس يعرفون وهي لا تعرف حليا فباعته وأخذت ثمنه فأتى بِهَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال في آخره ثم قطع تلك المرأة ذكره النسائي أيضا
ورواه هشام عن قتادة عن سعيد بن يزيد عن سعيد بن المسيب أن امرأة من بني مخزوم استعارت حليا على لسان أناس فجحدته فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت ذكره النسائي أيضا
فقد صح الحديث ولله الحمد
ولا تنافي بين ذكر جحد العارية وبين السرقة فإن ذلك داخل في اسم السرقة
فإن هؤلاء الذين قالوا إنها جحدت العارية وذكروا أن قطعها لهذا السبب قالوا إنها سرقت فأطلقوا على ذلك اسم السرقة
فثبت لغة أن فاعل ذلك سارق وثبت شرعا أن حده قطع اليد
وهذه الطريقة أولى من سلوك طريقة القياس في اللغة فيثبت كون الخائن سارقا لغة قياسا على السارق ثم يثبت الحكم فيه
قال المنذري وحديث بن وَهْبٍ هَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عن بن شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ قَالَ اسْتَعَارَتِ امْرَأَةٌ)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ أَيْضًا قَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ (سَرَقَتْ قَطِيفَةً مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعند بن سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّهَا سَرَقَتْ حُلِيًّا وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحُلِيَّ كَانَ فِي الْقَطِيفَةِ وَالْقَطِيفَةُ هِيَ كِسَاءُ لَهُ خَمْلٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ أَيْضًا قد أخرجه بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَقَدِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (فَعَاذَتْ بِزَيْنَبَ) أَيِ الْتَجَأَتْ بِهَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وذكر
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يَكُون تَنَاوُل اِسْم السَّارِق لِلْجَاحِدِ لُغَة بِدَلِيلِ تَسْمِيَة الصَّحَابَة لَهُ سَارِقًا
وَنَظِير هَذَا سَوَاء مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَة نَبِيذ التَّمْر وَغَيْره خَمْرًا لُغَة لَا قِيَاسًا
وَكَذَلِكَ تَسْمِيَة النَّبَّاش سَارِقًا
وَأَمَّا قَوْلهمْ إِنَّ ذِكْرَ جَحْدِ الْعَارِيَة لِلتَّعْرِيفِ لَا أَنَّهُ الْمُؤَثِّر فَكَلَام فِي غَايَة الْفَسَاد لَوْ صَحَّ مِثْله وَحَاشَى وَكَلَّا لَذَهَبَ مِنْ أَيْدِينَا عَامَّة الْأَحْكَام الْمُتَرَتِّبَة عَلَى الْأَوْصَاف وَهَذِهِ طَرِيقَة لَا يَرْتَضِيهَا أَئِمَّة الْعِلْم وَلَا يَرُدُّونَ بِمِثْلِهَا السُّنَن وَإِنَّمَا يَسْلُكهَا بَعْض الْمُقَلِّدِينَ مِنْ الْأَتْبَاع
وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ جَاحِد الْعَارِيَة لَا يُسَمَّى سَارِقًا لَكَانَ قَطْعه بِهَذَا الْحَدِيث جَارِيًا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاس
فَإِنَّ ضَرَره مِثْل ضَرَر السَّارِق أَوْ أَكْثَر إِذْ يُمْكِن الِاحْتِرَاز مِنْ السَّارِق بِالْإِحْرَازِ وَالْحِفْظ
وَأَمَّا الْعَارِيَة فَالْحَاجَة الشَّدِيدَة الَّتِي تَبْلُغ الضَّرُورَة مَاسَّة إِلَيْهَا وَحَاجَة النَّاس فِيمَا بَيْنهمْ إِلَيْهَا مِنْ أَشَدّ الْحَاجَات وَلِهَذَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى وُجُوبهَا وَهُوَ مَذْهَب كَثِير مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأَحَد الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَب أَحْمَد
فَتَرْتِيب الْقَطْع عَلَى جَاحِدهَا طَرِيق إِلَى حفظ أموال الناس وترك الباب هَذَا الْمَعْرُوف مَفْتُوحًا
وَأَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْجَاحِد لَا يُقْطَع فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى سَدّ بَاب الْعَارِيَة فِي الْغَالِب
وَسِرّ الْمَسْأَلَة أَنَّ السَّارِق إِنَّمَا قُطِعَ دُون الْمُنْتَهِب وَالْمُخْتَلِس لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن التَّحَرُّز مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُنْتَهِب وَالْمُخْتَلِس فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَل ذَلِكَ عِنْد عَدَم اِحْتِرَاز الْمَالِك
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَارِيَة فِيمَا بَيْن النَّاس أَمْر تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَة فَلَا يُمْكِن سَدّه وَالِاحْتِرَاز مِنْهُ فَكَانَ قَطْع الْيَد فِي جِنَايَته كَقَطْعِهَا فِي جِنَايَة السَّرِقَة وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَاذَتْ بِهِمَا فَذَكَرَ الرَّاوِي مَرَّةً إِحْدَاهُمَا وَمَرَّةً الْأُخْرَى وَاللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ
(وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ إِلَى قَوْلِهِ سَرَقَتْ مِنْ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَاقَ نَحْوَهُ لَيْسَتْ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُنْذِرِيُّ وَإِنَّمَا وُجِدَتْ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ
قُلْتُ حَدِيثُ سُفْيَانَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي فَضْلِ أُسَامَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْقَطْعِ وَحَدِيثُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْقَطْعِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ بَكَّارٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَحَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْقَطْعِ
قَالَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ
[4375]
(نَسَبَهُ) أَيْ عبد الملك بن زيد (جعفر) أي بن مسافر (إِلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُسَافِرٍ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ هَكَذَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ
وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ فَلَمْ يقل هكذا بل قال عن عبد الملك بن زَيْدٍ وَلَمْ يَنْسِبْهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ (أَقِيلُوا) أَمْرٌ مِنَ الْإِقَالَةِ أَيِ اعْفُوا (ذَوِي الْهَيْئَاتِ) أَيْ أَصْحَابَ المروءات والخصال الحميدة
قال بن الْمَلَكِ الْهَيْئَةُ الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْمَرْضِيَّةِ (عَثَرَاتِهِمْ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ زَلَّاتِهِمْ (إِلَّا الْحُدُودَ) أَيْ إِلَّا مَا يُوجِبُ الْحُدُودَ وَالْخِطَابُ مَعَ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْحُقُوقِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْمُؤَاخَذَةَ وَالتَّأْدِيبَ عَلَيْهَا وَأَرَادَ مِنَ الْعَثَرَاتِ مَا يَتَوَجَّهُ فِيهِ التَّعْزِيرُ