الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
([4598]
بَاب النَّهْيِ عَنْ الْجِدَالِ وَاتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ مِنْ الْقُرْآنِ)
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عن القاسم بن محمد) قال الحافظ بن كَثِيرٍ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي الْحَدِيثَ هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي سُنَّةِ الْإِمَامِ أحمد من رواية بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ليس بينهما أحد
وهكذا رواه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلِ بْنِ عُلَيَّةَ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ بِهِ
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ السَّدُوسِيِّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِهِ وَتَابَعَ أَيُّوبَ أبو عامر الخزاز وغيره عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي ملكية عن عائشة ورواه بن جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ وَنَافِعِ بن عمر الجمحي كلاهما عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ نَافِعٌ فِي روايته عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ فَذَكَرَهُ
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ مِنْ صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَّةِ مِنْ سُنَنِهِ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيِّ عَنِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ تَلَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ الْحَدِيثَ وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَذَكَرَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيَّ تَفَرَّدَ بِذِكْرِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ واحد عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاسِمَ كذا قال
وقد رواه بن أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ وحماد بن سلمة عن بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ
هُوَ الَّذِي أنزل عليك الكتاب يعني القرآن منه آيات محكمات قَالَ الْخَازِنُ فِي
تَفْسِيرِهِ يَعْنِي مُبَيَّنَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ أُحْكِمَتْ عِبَارَتُهَا مِنَ احْتِمَالِ التَّأْوِيلِ وَالِاشْتِبَاهِ سُمِّيَتْ مُحْكَمَةً مِنَ الْإِحْكَامِ كَأَنَّهُ تَعَالَى أَحْكَمَهَا فَمَنَعَ الْخَلْقَ مِنَ التَّصَرُّفِ فيها لظهورها ووضوح معناها إلى أولي الْأَلْبَابِ وَتَمَامُ الْآيَةِ مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا هُنَّ أم الكتاب يَعْنِي هُنَّ أَصْلُ الْكِتَابِ الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ وَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ
فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ قَالَ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَلَمْ يَقُلْ أُمَّهَاتُ الْكِتَابِ قُلْتُ لِأَنَّ الْآيَاتِ فِي اجْتِمَاعِهَا وَتَكَامُلِهَا كَالْآيَةِ الْوَاحِدَةِ وَكَلَامُ اللَّهِ كُلُّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ إِنَّ كُلَّ آيَةٍ منهن أم الكتاب كما قال وجعلنا بن مريم وأمه آية يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آيَةٌ وَأُخَرُ جمع أخرى متشبهات يَعْنِي أَنَّ لَفْظَهُ يُشْبِهُ لَفْظَ غَيْرِهِ وَمَعْنَاهُ يُخَالِفُ مَعْنَاهُ
فَإِنْ قُلْتَ قَدْ جَعَلَهُ هُنَا مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كُلَّهُ محكما فقال في أول هود ألركتاب أحكمت آياته وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كُلَّهُ مُتَشَابِهًا فَقَالَ تَعَالَى فِي الزُّمَرِ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كتابا متشابها فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ
قُلْتُ حَيْثُ جَعَلَهُ كُلَّهُ مُحْكَمًا أَرَادَ أَنَّهُ كُلَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ لَيْسَ فِيهِ عَبَثٌ وَلَا هَزْلٌ وَحَيْثُ جَعَلَهُ كُلَّهُ مُتَشَابِهًا أَرَادَ أَنَّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بَعْضًا فِي الْحُسْنِ وَالْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَحَيْثُ جَعَلَهُ هُنَا بَعْضَهُ مُحْكَمًا وَبَعْضَهُ مُتَشَابِهًا فَقَدِ اخْتَلَفَتْ عبارات العلماء فيه فقال بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه إِنَّ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَةَ هِيَ النَّاسِخُ وَالْمُتَشَابِهَاتُ هِيَ الْآيَاتُ الْمَنْسُوخَةُ وَبِهِ قال بن مَسْعُودٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ
وَقِيلَ إِنَّ الْمُحْكَمَاتِ مَا فِيهِ أَحْكَامُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْمُتَشَابِهَاتِ مَا سِوَى ذَلِكَ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا
وَقِيلَ إِنَّ الْمُحْكَمَاتِ مَا أَطْلَعَ اللَّهُ عِبَادَهُ عَلَى مَعْنَاهُ وَالْمُتَشَابِهَ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ فَلَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَى مَعْرِفَتِهِ نَحْوَ الْخَبَرِ عَنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ مِثْلَ الدَّجَّالِ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَنُزُولِ عِيسَى عليه السلام وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَفَنَاءِ الدُّنْيَا وَقِيَامِ السَّاعَةِ فَجَمِيعُ هَذَا مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ
وَقِيلَ إِنَّ الْمُحْكَمَ مَا لَا يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمُتَشَابِهَ مَا يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ
وَقِيلَ إِنَّ الْمُحْكَمَ سَائِرُ الْقُرْآنِ وَالْمُتَشَابِهَ هِيَ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ
قال بن عَبَّاسٍ إِنَّ رَهْطًا مِنَ الْيَهُودِ مِنْهُمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَنُظَرَاؤُهُمَا
أَتَوُا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ حُيَيٌّ بَلَغَنَا أَنَّكَ أُنْزِلَ عَلَيْكَ الم فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ أَأُنْزِلَتْ عَلَيْكَ قَالَ نَعَمْ
قَالَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا فَإِنِّي أَعْلَمُ مُدَّةَ مُلْكِ أُمَّتِكَ هِيَ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً فَهَلْ أُنْزِلَ عَلَيْكَ غَيْرُهَا قَالَ نَعَمْ المص قَالَ فَهَذِهِ أَكْثَرُ هِيَ إِحْدَى وَسِتُّونَ وَمِائَةٌ فَهَلْ أُنْزِلَ عَلَيْكَ غَيْرُهَا قَالَ نَعَمْ الر قَالَ هَذِهِ أَكْثَرُ هِيَ مِائَتَانِ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ سَنَةً فَهَلْ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ نَعَمْ المر قَالَ هَذِهِ أَكْثَرُ هِيَ مِائَتَانِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً وَلَقَدِ اخْتَلَطَ عَلَيْنَا فَلَا نَدْرِي أَبِكَثِيرِهِ نَأْخُذُ أَمْ بِقَلِيلِهِ وَنَحْنُ مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَذَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ قَوْلَهُ تَعَالَى فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ منه قاله الخازن في تفسيره
وقال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ فَرُوِيَ عَنِ السَّلَفِ عِبَارَاتٌ كَثِيرَةٌ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ حَيْثُ قَالَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ فَهُنَّ حُجَّةُ الرَّبِّ وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ لَيْسَ لَهُنَّ تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمَّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ
قَالَ وَالْمُتَشَابِهَاتُ فِي الصِّدْقِ لَيْسَ لَهُنَّ تَصْرِيفٌ وَتَحْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ ابْتَلَى اللَّهُ فِيهِنَّ الْعِبَادَ كَمَا ابْتَلَاهُمْ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَا يُصْرَفْنَ إِلَى الْبَاطِلِ وَلَا يُحَرَّفْنَ عَنِ الْحَقِّ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فَأَمَّا الذين في قلوبهم زيغ أَيْ ضَلَالٌ وَخُرُوجٌ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ فيتبعون ما تشابه منه أَيْ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ بِالْمُتَشَابِهِ الَّذِي يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُحَرِّفُوهُ إِلَى مَقَاصِدِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَيُنْزِلُوهُ عَلَيْهَا لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ لِمَا يَصْرِفُونَهُ فَأَمَّا الْمُحْكَمُ فَلَا نَصِيبَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ دَافِعٌ لَهُمْ وَحُجَّةٌ عليهم ولهذا قال تعالى ابتغاء الفتنة أَيِ الْإِضْلَالِ لِأَتْبَاعِهِمْ أَمَّا إِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى بِدْعَتِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ كَمَا قَالُوا احْتَجَّ النَّصَارَى بِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَطَقَ بِأَنَّ عِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَتَرَكُوا الِاحْتِجَاجَ بِقَوْلِهِ إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وَبِقَوْلِهِ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كن فيكون وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ خَلْقٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبْدٌ وَرَسُولٌ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ انْتَهَى
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قلوبهم زيغ أَيْ مَيْلٌ عَنِ الْحَقِّ
قَالَ الْإِمَامُ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ الزَّيْغُ الْمَيْلُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ إِلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ انْتَهَى
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُشَارِ إِلَيْهِمْ فَقِيلَ هُمْ وَفْدُ نَجْرَانَ الَّذِينَ خَاصَمُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عِيسَى عليه السلام وَقَالُوا أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ قَالَ بَلَى قَالُوا حَسْبُنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ
وَقِيلَ هُمُ الْيَهُودُ لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا مَعْرِفَةَ مُدَّةِ بَقَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ
قَالَهُ الْخَازِنُ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ أَيْ يُحِيلُونَ الْمُحْكَمَ عَلَى الْمُتَشَابِهِ وَالْمُتَشَابِهَ عَلَى الْمُحْكَمِ وَهَذِهِ الْآيَةُ تَعُمُّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنَ الطَّوَائِفِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْحَقِّ مِنْ طَوَائِفِ الْبِدْعَةِ فإنهم يتلاعبون
بِكِتَابِ اللَّهِ تَلَاعُبًا شَدِيدًا وَيُورِدُونَ مِنْهُ لِتَنْفِيقِ جَهْلِهِمْ مَا لَيْسَ مِنَ الدَّلَالَةِ فِي شَيْءٍ ابتغاء الفتنة أَيْ طَلَبًا مِنْهُمْ لِفِتْنَةِ النَّاسِ فِي دِينِهِمْ وَالتَّلَبُّسِ عَلَيْهِمْ وَإِفْسَادِ ذَوَاتِ بَيْنَهِمْ لَا تَحَرِّيًا للحق وابتغاء تأويله أَيْ تَفْسِيرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُونَهُ وَيُوَافِقُ مَذَاهِبَهُمُ الْفَاسِدَةَ
قَالَ الزَّجَّاجُ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا تَأْوِيلَ بَعْثِهِمْ وَإِحْيَائِهِمْ فَأَعْلَمَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ وَوَقْتَهُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا الله (وما يعلم تأويله إلا الله) يَعْنِي تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ وَقِيلَ لَا يَعْلَمُ انْقِضَاءَ مُلْكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ انْقِضَاءَ مُلْكِهَا مَعَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ
وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْقُرْآنِ تَأْوِيلٌ اسْتَأْثَرَهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ كَعِلْمِ قِيَامِ السَّاعَةِ وَوَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَعِلْمِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ فَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَحَقَائِقُ عُلُومِهِ مُفَوَّضَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ عبد الله بن مسعود وبن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ وَأَكْثَرِ التَّابِعِينَ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ إِلَّا اللَّهُ فَيُوقَفُ عَلَيْهِ قاله الخازن والراسخون في العلم أَيِ الثَّابِتُونَ فِي الْعِلْمِ وَهُمُ الَّذِينَ أَتْقَنُوا عِلْمَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ فِي عِلْمِهِمْ شَكٌّ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا يَعْنِي الْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَمَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ وَنَحْنُ مُعْتَمِدُونَ فِي الْمُتَشَابِهِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَنَكِلُ مَعْرِفَتَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْمُحْكَمِ يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ أَيْ وَمَا يَتَّعِظُ بِمَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا ذَوُو الْعُقُولِ وَهَذَا ثَنَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا
وَقَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْأُصُولِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُحْكَمَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَكْشُوفُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ إِشْكَالٌ وَاحْتِمَالٌ وَالْمُتَشَابِهُ مَا يَتَعَارَضُ فِيهِ الِاحْتِمَالُ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُحْكَمَ مَا انْتَظَمَ تَرْتِيبُهُ مُفِيدًا إِمَّا ظَاهِرًا وَإِمَّا بِتَأْوِيلٍ وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَالْأَسْمَاءُ الْمُشْتَرَكَةُ كَالْقُرْءِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ انْتَهَى مُلَخَّصًا
يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ منه أَيْ مِنَ الْكِتَابِ يَعْنِي يَبْحَثُونَ فِي الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَةِ لِطَلَبِ أَنْ يَفْتِنُوا النَّاسَ عَنْ دِينِهِمْ وَيُضِلُّوهُمْ (فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ) كِلَا مَفْعُولَيْهِ مَحْذُوفَانِ أَيْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ أَهْلَ الزَّيْغِ كَذَا قال بن الملك في المبارق صلى الله عليه وسلم (فَاحْذَرُوهُمْ) يَعْنِي لَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تُكَالِمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الزَّيْغِ وَالْبِدَعِ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قالت تلا رسول الله لله هو الذي أنزل عليك الكتاب إلى قوله أولو الألباب قَالَتْ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ وَفِي لَفْظٍ فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ أُولَئِكَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ
ولفظ بن جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ وَالَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ فَلَا تُجَالِسُوهُمْ