الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
(بَاب عَفْوِ النِّسَاءِ عَنْ الدَّمِ)
[4538]
(دَاوُدَ بْنُ رُشَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (سَمِعَ حِصْنًا) بِكَسْرٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ساكنة ثم نون بن عبد الرحمن
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَالْمَقْصُود أَنَّ الْقِيَاس وَالنَّصّ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يُفْعَل بِهِ كَمَا فَعَلَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النبي رضخ رأس اليهودي كما رضخ رأس الجارية وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِنَقْضِ الْعَهْد وَلَا لِلْحِرَابَةِ لِأَنَّ الْوَاجِب فِي ذَلِكَ الْقَتْل بِالسَّيْفِ وعن أحمد في ذَلِكَ أَرْبَع رِوَايَات
إِحْدَاهُنَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي فِي الْقَوَد إِلَّا بِالسَّيْفِ فِي الْعُنُق وَهَذَا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة
وَالثَّانِيَة أَنَّهُ يَفْعَل بِهِ كَمَا فَعَلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ
وَالثَّالِثَة إِنْ كَانَ الْفِعْل أَوْ الْجُرْح مُرْهِقًا فُعِلَ بِهِ نَظِيره وَإِلَّا فَلَا
وَالرَّابِعَة إِنْ كَانَ الْجُرْح أَوْ الْقَطْع مُوجِبًا لِلْقَوَدِ لَوْ اِنْفَرَدَ فُعِلَ بِهِ نَظِيره وَإِلَّا فَلَا
وَعَلَى الْأَقْوَال كُلّهَا إِنْ لَمْ يَمُتْ بِذَلِكَ قُتِلَ
وَقَدْ أَبَاحَ اللَّه تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُمَثِّلُوا بِالْكَفَّارِ إِذَا مَثَّلُوا بِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ الْمُثْلَة مَنْهِيًّا عَنْهَا
فَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَة بِجَدْعِ الْأَنْف وَقَطْع الْأُذُن وَبَقْر الْبَطْن وَنَحْو ذَلِكَ هِيَ عُقُوبَة بِالْمِثْلِ لَيْسَتْ بِعُدْوَانٍ وَالْمِثْل هُوَ الْعَدْل
وَأَمَّا كَوْن الْمُثْلَة مَنْهِيًّا عَنْهَا فَلِمَا رَوَى أَحْمَد فِي مُسْنَده مِنْ حَدِيث سَمُرَة بْن جُنْدُب وَعِمْرَان بْن حُصَيْنٍ قال ما خطبنا رسول الله خُطْبَة إِلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَة
فَإِنْ قِيلَ فَلَوْ لَمْ يَمُتْ إِذْ فُعِلَ بِهِ نَظِير مَا فَعَلَ فَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَهُ وَذَلِكَ زِيَادَة عَلَى مَا فَعَلَ فَأَيْنَ الْمُمَاثَلَة قِيلَ هَذَا يَنْتَقِض بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ فَإِنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ فِي الْعُنُق وَلَمْ يُوجِبهُ كَانَ لَنَا أَنْ نَضْرِبهُ ثَانِيَة وَثَالِثَة حَتَّى يُوجِبهُ اِتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ الْأَوَّل إِذَا ضَرَبَهُ ضَرْبَة وَاحِدَة
وَاعْتِبَار الْمُمَاثَلَة لَهُ طَرِيقَانِ إِحْدَاهُمَا اِعْتِبَار الشَّيْء بِنَظِيرِهِ وَمِثْله
وَهُوَ قِيَاس الْعِلَّة الَّذِي يَلْحَق فِيهِ الشَّيْء بِنَظِيرِهِ
وَالثَّانِي قِيَاس الدَّلَالَة الَّذِي يَكُون الْجَمْع فِيهِ بَيْن الْأَصْل وَالْفَرْع بِدَلِيلِ الْعِلَّة وَلَازِمهَا فَإِنْ اِنْضَافَ إِلَى وَاحِد مِنْ هَذَيْنِ عُمُوم لَفْظِيّ كَانَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّة لِاجْتِمَاعِ الْعُمُومَيْن اللَّفْظِيّ وَالْمَعْنَوِيّ وَتَضَافُر الدَّلِيلَيْنِ السَّمْعِيّ وَالِاعْتِبَارِيّ
فَيَكُون مُوجِب الْكِتَاب وَالْمِيزَان وَالْقِصَاص فِي مَسْأَلَتنَا هُوَ مِنْ هَذَا الْبَاب كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره وَهَذَا وَاضِح لَا خَفَاء بِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة
ذَكَرَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين بْن الْقَيِّم رحمه الله حَدِيث عَلَى الْمُقْتَتِلَيْنِ أَنْ يَنْحَجِزُوا الْأَوَّل فَالْأَوَّل وَكَلَام الْمُنْذِرِيِّ إِلَى آخِره ثُمَّ قال
أو بن مُحْصَنٍ مَقْبُولٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ (عَلَى الْمُقْتَتِلِينَ) أَيْ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الطَّالِبِينَ الْقَوَدَ وَهُوَ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ فَاعِلٍ وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ مُقْتَتِلِينَ لِمَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ معنى المقتتلين ها هنا أَنْ يَطْلُبَ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ الْقَوَدَ فَيَمْتَنِعُ الْقَتَلَةُ فَيَنْشَأُ بَيْنَهُمُ الْحَرْبُ وَالْقِتَالُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ فَجَعَلَهُمْ مُقْتَتِلِينَ لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ بِنَصْبِ التَّاءَيْنِ يُقَالُ اقْتَتَلَ فَهُوَ مُقْتَتَلُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا يُسْتَعْمَلُ أَكْثَرُهُ فِيمَنْ قَتَلَهُ الْحُبُّ (أَنْ يَنْحَجِزُوا) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ ثُمَّ زَايٍ أَيْ يَمْتَنِعُوا وَيَكُفُّوا عَنِ الْقَوَدِ بِعَفْوِ أَحَدِهِمْ (الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ) أَيِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً) كَلِمَةُ إِنْ وَصْلِيَّةٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَفْسِيرُهُ أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ وَلَهُ وَرَثَةٌ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ فَأَيُّهُمْ عَفَا وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً سَقَطَ الْقَوَدُ وَصَارَ دِيَةً
قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عَفْوِ النِّسَاءِ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَفْوُ النِّسَاءِ عَنِ الدَّمِ جَائِزٌ كعفو الرجال
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ هَذَا مَا يُبَيِّن وَجْه الْحَدِيث
وَقَدْ رَوَى الْأَوَّل فَالْأَوَّل وَرَوَى الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى بِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَهُوَ أَوْلَى وَبِهِ يَتَبَيَّن مَعْنَى الْحَدِيث
وَأَصْل الْحَجْز الْمَنْع وَمِنْهُ الْحَاجِز بَيْن الشَّيْئَيْنِ وَيَنْحَجِزُوا مُطَاوِع حَجَزْته فَانْحَجَزَ وَهُوَ يَدُلّ عَلَى حَاجِز بَيْنهمْ وَهُوَ عَفْو مَنْ لَهُ الدَّم فَإِنَّهُ إِذَا عَفَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْحَجِزُوا
لِأَنَّ صَاحِب الدَّم قَدْ عَفَا وَهَذَا الْعَفْو لِحَقٍّ يَسْتَحِقّهُ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى مِنْ الْمَقْتُول وَإِنْ كَانَ اِمْرَأَة فَإِذَا عَفَتْ وَهِيَ أَوْلَى بِالْمَقْتُولِ فَقَدْ حَجَزَ عَفْوهَا بَيْنهمْ وَلَا يَجُوز لِلرِّجَالِ الْأَبَاعِد بَعْد ذَلِكَ الطَّلَب بِدَمِهِ وَقَدْ عَفَا عَنْهُ الْأَوْلَى مِنْهُمْ
فَقَدْ اِتَّضَحَ بِحَمْدِ اللَّه وَجْهه وَأَسْفَرَ صُبْح مَعْنَاهُ
وَعَلَى هَذَا فَيَكُون الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى فَاعِل فِعْل دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَيْ يَحْجِز بَيْنهمْ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ اِمْرَأَة
وَتَرْجَمَة أَبِي دَاوُدَ تُشْعِر بِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَم