الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّوَوِيُّ كَذَا أَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بُعِثَ لطلب إقامة حد الزنى وهو غير مراد لأن حد الزنى لَا يُتَجَسَّسُ لَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمُقِرِّ بِهِ الرُّجُوعَ فَيَتَعَيَّنُ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن ماجة
وفي حديث الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ ذِكْرُ شِبْلٍ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ شِبْلًا هَذَا لَا صُحْبَةَ لَهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ تَرَكَاهُ لِذَلِكَ وَقِيلَ لَا ذِكْرَ لَهُ في الصحابة إلا في رواية بن عُيَيْنَةَ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَتْ لِشِبْلٍ صُحْبَةٌ وَيُقَالُ إِنَّهُ شِبْلُ بن معبد ويقال بن خليد ويقال بن حامد وصوب بعضهم بن مَعْبَدٍ وَأَمَّا أَهْلُ مِصْرَ فَيَقُولُونَ شِبْلُ بْنُ حَامِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْأُوَيْسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَحْيَى وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ لِأَنَّ شِبْلًا لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَيْسَ لِشِبْلٍ مَعْنًى فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَأُنَيْسٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَسِينٌ مُهْمَلَةٌ قِيلَ هُوَ أَبُو الضَّحَّاكِ الْأَسْلَمِيُّ يُعَدُّ فِي الشَّامِيِّينَ وَيُخَرَّجُ حَدِيثُهُ عَنْهُمْ وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
6 -
(بَاب فِي رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ)
[4446]
(إِنَّ الْيَهُودَ) أَيْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَهُمْ من أهل خيبر (جاؤوا) فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (أَنَّ رَجُلًا) لَمْ يُسَمَّ وَفُتِحَتْ أَنَّ لسدها مسدا الْمَفْعُولِ (مِنْهُمْ) أَيِ الْيَهُودِ (وَامْرَأَةً) أَيْ مِنْهُمْ وفي الرواية الآتية من طريق بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ زَنَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إِنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ بُسْرَةُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَلَمْ يُسَمِّ الرَّجُلَ (زَنَيَا) أَيْ وَكَانَا مُحْصَنَيْنِ (مَا تَجِدُونَ في التوراة في شأن الزنى) اسْتِفْهَامٌ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ تَجِدُونَهُ مَذْكُورًا
قَالَ الْبَاجِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّ حُكْمَ الرَّجْمِ فِيهَا ثَابِتٌ عَلَى مَا شُرِعَ لَمْ يَلْحَقْهُ تَبْدِيلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهٍ حَصَلَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ بِصِحَّةِ نَقْلِهِمْ (قَالُوا نَفْضَحُهُمْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ مِنَ الْفَضِيحَةِ وَوَقَعَ تَفْسِيرُ الْفَضِيحَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِيَةِ يُحَمَّمُ وَيُجَبَّهُ وَيَأْتِي هُنَاكَ تَفْسِيرُ التَّجْبِيهِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فِي التَّوْحِيدِ أَيْ مِنَ الْبُخَارِيِّ قَالُوا نُسَخِّمُ وُجُوهَهُمَا وَنُخْزِيهُمَا
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالُوا نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّمُهُمَا وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا وَيُطَافُ بِهِمَا (وَيُجْلَدُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
قَالَ الطِّيِبِيُّ أَيْ لَا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ حُكْمَ الرَّجْمِ بَلْ نَجِدُ أَنْ نَفْضَحَهُمْ وَيُجْلَدُونَ وَإِنَّمَا أَتَى أَحَدُ الْفِعْلَيْنِ مَجْهُولًا وَالْآخَرُ مَعْرُوفًا لِيُشْعِرَ أَنَّ الْفَضِيحَةَ مَوْكُولَةٌ إِلَيْهِمْ وَإِلَى اجْتِهَادِهِمْ إِنْ شاؤوا سَخَّمُوا وَجْهَ الزَّانِي بِالْفَحْمِ أَوْ عَزَّرُوهُ وَالْجَلْدُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ) بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ يَهُودَ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ (إِنَّ فِيهَا) أَيْ فِي التَّوْرَاةِ (فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ (فَنَشَرُوهَا) أَيْ فَتَحُوهَا وَبَسَطُوهَا (فَجَعَلَ) أَيْ وَضَعَ (أَحَدُهُمْ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا (يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا) أَيْ مَا قَبْلَ آيَةِ الرَّجْمِ (فَقَالُوا) أَيِ الْيَهُودُ (صَدَقَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ (فَأَمَرَ بِهِمَا) أَيْ بِرَجْمِهِمَا (فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ أَيْ يَعْطِفُ عَلَيْهَا وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ فَيَكُونُ يَحْنِي فِي مَوْضِعِ الْحَالِ (يَقِيهَا الْحِجَارَةَ) قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ بَدَلًا مِنْ يَحْنِي أَوْ حَالًا أُخْرَى وَأَلْ فِي الْحِجَارَةِ لِلْعَهْدِ أَيْ حِجَارَةَ الرَّمْيِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يَحْنِي وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَسْتُرُهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَجْنَأْ بِجِيمٍ بَدَلَ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ نسخ البخاري
قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِنَّهُ الرَّاجِحُ فِي الرِّوَايَةِ أَيْ أَكَبَّ عَلَيْهَا
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْإِحْصَانِ وَإِلَّا لَمْ يَرْجُمِ الْيَهُودِيَّيْنِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَمُعْظَمُ الْحَنَفِيَّةِ شَرْطُ الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامُ وَأَجَابُوا عَنْ هذا الحديث بأنه إِنَّمَا رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي كِتَابِهِمْ فَإِنَّ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ عَلَى الْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِهِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى وأن أحكم بينهم بما أنزل الله وَفِي قَوْلِهِمْ وَإِنَّ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ عَلَى مَنْ لَمْ يُحْصِنْ نَظَرٌ لِمَا وَقَعَ بَيَانُ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ آيَةِ الرَّجْمِ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ الْمُحْصَنُ وَالْمُحْصَنَةُ إِذَا زَنَيَا فَقَامَتْ عَلَيْهِمَا
الْبَيِّنَةُ رُجِمَا وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ حُبْلَى تُرُبِّصَ بِهَا حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي إِرْشَادِ السَّارِي وَالْفَتْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[4447]
(حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ إِلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي نُسْخَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُنْذِرِيُّ
قَالَ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ مُسَدَّدٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ (قَدْ حُمِّمَ وَجْهُهُ) مِنَ التَّحْمِيمِ أَيْ سُوِّدَ وَجْهُهُ بِالْحُمَمِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ الْفَحْمُ (فَنَاشَدَهُمْ) أَيْ سَأَلَهُمْ وَأَقْسَمَ عَلَيْهِمْ (مَا حَدُّ الزَّانِي فِي كِتَابِهِمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ لِتَقْلِيدِهِمْ وَلَا لِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ مِنْهُمْ فَإِنَّمَا هُوَ لِإِلْزَامِهِمْ بما يعتقدونه في كتابهم ولعله قد أوحي إليه أن الرجل فِي التَّوْرَاةِ الْمَوْجُودَةِ فِي أَيْدِيهِمْ لَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ (عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا (فَنَشَدَهُ) أَيْ فَسَأَلَهُ (فَكَرِهْنَا أَنْ نَتْرُكَ الشَّرِيفَ) أَيْ لَمْ نُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ (فَوَضَعْنَا هَذَا عَنَّا) أَيْ أَسْقَطْنَا الرَّجْمَ عَنَّا (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ يَا اللَّهُ حُذِفَتْ يَاءُ حَرْفِ النِّدَاءِ وَعُوِّضَ مِنْهَا الميم المشددة (إني أول من أحيى مَا أَمَاتُوا مِنْ كِتَابِكَ) أَيْ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ وَأَشَاعَ مَا تَرَكُوا مِنْ كِتَابِكَ التَّوْرَاةِ مِنْ حُكْمِ الرَّجْمِ
[4448]
(مُرَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مُحَمَّمٍ) بِالتَّشْدِيدِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّحْمِيمِ بِمَعْنَى التَّسْوِيدِ أَيْ مُسَوَّدٌ وَجْهُهُ بِالْحُمَمِ (مَجْلُودٍ) مِنَ الْجَلْدِ بِالْجِيمِ (فَدَعَاهُمْ) أَيِ الْيَهُودَ (فَقَالَ هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي قَالُوا نَعَمْ) هَذَا يُخَالِفُ حَدِيثَ بن عُمَرَ الْمَذْكُورَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ فِيهِ أَنَّهُمُ ابْتَدَؤُوا السُّؤَالَ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ وَفِي هَذَا أَنَّهُمْ أَقَامُوا الْحَدَّ قَبْلَ السُّؤَالِ
قَالَ الْحَافِظُ ويمكن الجمع بالتعدد بأن يكون اللذين سَأَلُوا عَنْهُمَا غَيْرَ الَّذِي جَلَدُوهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَادَرُوا فَجَلَدُوهُ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فَسَأَلُوا فَاتَّفَقَ الْمُرُورُ بِالْمَجْلُودِ فِي حَالِ سُؤَالِهِمْ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهُمْ بِإِحْضَارِهِمَا فَوَقَعَ مَا وَقَعَ وَالْعِلْمُ عند
اللَّهِ وَيُؤَيِّدُ الْجَمْعَ مَا وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ من حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَهْطًا مِنَ الْيَهُودِ أَتَوُا النَّبِيَّ وَمَعَهُمُ امْرَأَةٌ فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ مَا أُنْزِلَ عليك في الزنى فَيَتَّجِهُ أَنَّهُمْ جَلَدُوا الرَّجُلَ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنِ الْحُكْمِ فَأَحْضَرُوا الْمَرْأَةَ وَذَكَرُوا الْقِصَّةَ وَالسُّؤَالَ انْتَهَى (فَدَعَا رَجُلًا) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا (نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ) يُقَالُ نَشَدْتُكَ اللَّهَ وَأَنْشَدْتُكَ اللَّهَ وَبِاللَّهِ وَنَاشَدْتُكَ اللَّهَ وَبِاللَّهِ أَيْ سَأَلْتُكَ وَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ وَنَشَدْتُهُ نِشْدَةً وَنِشْدَانًا وَمُنَاشَدَةً وَتَعْدِيَتُهُ إِلَى مَفْعُولَيْنِ لِأَنَّهُ كَدَعَوْتُ زَيْدًا وبزيدا وَلِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى ذَكَرْتُ وَأَنْشَدْتُ بِاللَّهِ خَطَأٌ انتهى كذا في المجمع (ولكنه) أي الزنى (فِي أَشْرَافِنَا) جَمْعُ شَرِيفٍ (تَرَكْنَاهُ) أَيْ لَمْ نُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ (فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ) أَيْ تَسْوِيدِ الْوَجْهِ بِالْحُمَمِ وَهُوَ الْفَحْمُ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ أَيْ فِي مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يُعْجِزُوا اللَّهَ تَعَالَى أَوْ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يَقَعُونَ فِي الْكُفْرِ بِسُرْعَةٍ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ نَهْيًا لِلْكَفَرَةِ عَنْ أَنْ يُحْزِنُوهُ وَلَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَهْيٌ لَهُ عَنِ التَّأَثُّرِ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُبَالَاةِ بِهِ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ وَأَوْكَدِهِ فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ أَسْبَابِ الشَّيْءِ وَمَبَادِيهِ نَهْيٌ عَنْهُ بِالطَّرِيقِ الْبُرْهَانِيِّ وَقَطْعٌ لَهُ مِنْ أَصْلِهِ
واقرؤا هَذِهِ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ أيتوا محمدا فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا انْتَهَى
أَيْ يَقُولُ الْمُرْسَلُونَ وَهُمْ يَهُودُ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ لِمَنْ أَرْسَلُوهُمْ وَهُمْ يَهُودُ المدينة إيتوا محمدا فَإِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا أَيِ الْحُكْمَ الْمُحَرَّفَ وَهُوَ التَّحْمِيمُ وَالْجَلْدُ وَتَرْكُ الرَّجْمِ أَيْ فَإِنْ أَفْتَاكُمْ محمد بِذَلِكَ الْحُكْمِ فَخُذُوهُ أَيْ فَاقْبَلُوهُ وَاعْمَلُوا بِهِ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ أَيِ الْحُكْمَ الْمُحَرَّفَ الْمَذْكُورَ بل أفتاكم بالرجم فاحذورا مِنْ قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ
وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي قوله تعالى يا أيها الرسول (إِلَى قَوْلِهِ) تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الكافرون نَزَلَ (فِي الْيَهُودِ) فِي قِصَّةِ رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس (إِلَى قَوْلِهِ) تَعَالَى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الظالمون) نَزَلَ (فِي الْيَهُودِ) أَيْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ فَإِنَّ النَّضِيرَ قَدْ قَاتَلَتْ قُرَيْظَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَهَرَتْهُمْ فَكَانَ إِذَا قَتَلَ النَّضِيرِيُّ الْقُرَظِيَّ لَا يُقْتَلُ بِهِ بَلْ يُفَادَى بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنَ التَّمْرِ وَإِذَا قَتَلَ الْقُرَظِيُّ النَّضِيرِيَّ قُتِلَ فَإِنْ فَادُوهُ فَدَوْهُ بِمِائَتَيْ وَسْقٍ مِنَ التَّمْرِ ضِعْفَيْ دِيَةِ الْقُرَظِيِّ فَغَيَّرُوا بِذَلِكَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي تَقَدَّمَتْ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ
وَأَمَّا الْآيَةُ التَّالِيَةُ أَعْنِي وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى بن مريم (إِلَى قَوْلِهِ) تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الفاسقون قَالَ فَنَزَلَتْ (هِيَ فِي الْكُفَّارِ كُلِّهَا) تَأْكِيدًا للكفار و (يعني) بِقَوْلِهِ هِيَ (هَذِهِ الْآيَةَ) التَّالِيَةَ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الكافرون وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الظالمون وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الفاسقون فِي الْكُفَّارِ كُلِّهَا انْتَهَى
وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ رِوَايَةِ الْكِتَابِ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَلَكِنَّ حُكْمَهَا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِمْ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ فَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ نَاظِرَةٌ إِلَى الْحُكْمِ وَرِوَايَةُ الْكِتَابِ فِي الْآيَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ نَاظِرَةٌ إِلَى سَبَبِ النُّزُولِ وَأَمَّا الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ فَهِيَ أَيْضًا نَاظِرَةٌ إِلَى الْحُكْمِ كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْأَمَاجِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ انْتَهَى
[4449]
(إِلَى الْقُفِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ اسْمُ وَادٍ بِالْمَدِينَةِ (فَأَتَاهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْبَيْتُ الَّذِي يَدْرُسُونَ فِيهِ وَمِفْعَالٌ غَرِيبٌ فِي الْمَكَانِ انْتَهَى (وَوَضَعَ التَّوْرَاةَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْوِسَادَةِ والظاهر أنه وَضَعَ التَّوْرَاةَ عَلَى الْوِسَادَةِ تَكْرِيمًا لَهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم آمَنْتُ بِكِ وَبِمَنْ أَنْزَلَكِ (آمَنْتُ بِكَ) الْخِطَابُ لِلتَّوْرَاةِ (بِفَتًى شَابٍّ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا
(ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الرَّجْمِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَحَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ بَعْضُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ
[4450]
(قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ) هُوَ الزُّهْرِيُّ (رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْعِلْمَ) أَيْ يَطْلُبُهُ (وَيَعِيهِ) أَيْ يَحْفَظُهُ (ثُمَّ اتَّفَقَا) أَيْ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَحَاصِلُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الِاتِّفَاقِ أَنَّ مَعْمَرًا قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَأَمَّا يُونُسُ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْعِلْمَ وَيَعِيهِ فَزَادَ لَفْظَ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْعِلْمَ وَيَعِيهِ (وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ يَعْنِي قَالَ الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ وَالْحَالُ أَنَّنَا كُنَّا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (وَهَذَا حَدِيثُ مَعْمَرٍ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ هُوَ حَدِيثُ مَعْمَرٍ (وَهُوَ أَتَمُّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ (دُونَ الرَّجْمِ) أَيْ سِوَى الرَّجْمِ (قُلْنَا فُتْيَا نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ) هَذَا بَيَانُ صُورَةِ الِاحْتِجَاجِ عِنْدَ اللَّهِ (حَتَّى أَتَى بَيْتَ مِدْرَاسِهِمْ) أَيْ بَيْتًا يَدْرُسُونَ فِيهِ (عَلَى الْبَابِ) أَيْ عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمِدْرَاسِ (أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ) أَيْ أَسْأَلُكُمْ وَأَقْسَمْتُ عَلَيْكُمْ بِاللَّهِ (إِذَا أُحْصِنَ) ضُبِطَ بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ وَالْمَجْهُولِ (قَالُوا يُحَمَّمُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُسَوَّدُ وَجْهُ الزَّانِي بِالْفَحْمِ (وَيُجَبَّهُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْهَاءِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ (وَالتَّجْبِيهُ أَنْ يُحْمَلَ الزَّانِيَانِ عَلَى حِمَارٍ وَيُقَابَلُ) كِلَا الْفِعْلَيْنِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَقْفِيَتُهُمَا) جَمْعُ قَفًا وَمَعْنَاهُ وَرَاءَ الْعُنُقِ
وَتَفْسِيرُ التَّجْبِيهِ هَذَا عَلَى مَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مِنْ كلام الزهري
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَصْلُ التَّجْبِيهِ أَنْ يُحْمَلَ اثْنَانِ عَلَى دَابَّةٍ وَيُجْعَلَ قَفَا أَحَدِهِمَا إِلَى قَفَا الْآخَرِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَابَلَ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَبْهَةِ وَالتَّجْبِيهُ أَيْضًا أَنْ يُنَكَّسَ رَأْسُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ إِذَا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ نَكَّسَ رَأْسَهُ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْفِعْلُ تَجْبِيهًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَبْهِ وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ بِالْمَكْرُوهِ وَأَصْلُهُ مِنْ إِصَابَةِ الْجَبْهَةِ يُقَالُ جَبَهْتُهُ إِذَا أَصَبْتُ جَبْهَتَهُ انْتَهَى (أَلَظَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ (بِهِ النِّشْدَةَ) بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الشِّينِ
قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ أَلْزَمَهُ الْقَسَمَ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ (فَقَالَ) أَيِ الشَّابُّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا (إِذْ نَشَدْتَنَا) أَيْ أَقْسَمْتَنَا (فَمَا أَوَّلُ مَا ارْتَخَصْتُمْ) أَيْ جَعَلْتُمُوهُ رَخِيصًا وَسَهْلًا (فَأَخَّرَ) أَيِ الْمَلِكُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ ذِي الْقَرَابَةِ (فِي أُسْرَةٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ السِّينِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأُسْرَةُ عَشِيرَةُ الرَّجُلِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ لِأَنَّهُ يَتَقَوَّى بِهِمُ انْتَهَى
وَقَالَ السِّنْدِيُّ رَهْطُهُ الْأَقْرَبُونَ (فَحَالَ قَوْمُهُ) أَيْ قَوْمُ الرَّجُلِ الزَّانِي (دُونَهُ) أَيْ دُونَ الْمَلِكِ أَيْ حَجَزُوهُ وَمَنَعُوهُ مِنَ الرَّجْمِ (حَتَّى تَجِيءَ بِصَاحِبِكَ) أَيْ قَرِيبِكَ الَّذِي زَنَى وَأَخَّرْتَ عَنْهُ الرَّجْمَ (فَأَصْلَحُوا عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَاصْطَلَحُوا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْمَعْنَى فَاصْطَلَحَ الْمَلِكُ وَجَمِيعُ رَعِيَّتِهِ عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ أَيِ التَّحْمِيمِ وَالتَّجْبِيهِ وَالْجَلْدِ وَاخْتَارُوهَا وَتَرَكُوا الرَّجْمَ (أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ) الْآتِي ذِكْرُهَا (نَزَلَتْ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْيَهُودِ فِي قِصَّةِ رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النبيون أَيْ يَحْكُمُونَ بِأَحْكَامِهَا وَيَحْمِلُونَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِالنَّبِيِّينَ الَّذِينَ بُعِثُوا بَعْدَ مُوسَى عليه السلام وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أُلُوفًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَيْسَ مَعَهُمْ كِتَابٌ إِنَّمَا بُعِثُوا بِإِقَامَةِ التَّوْرَاةِ وَأَحْكَامِهَا وَحَمْلِ النَّاسِ عَلَيْهَا (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) انْقَادُوا لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذِهِ صِفَةٌ أُجْرِيَتْ عَلَى النَّبِيِّينَ عَلَى سَبِيلِ الْمَدْحِ فَإِنَّ النُّبُوَّةَ أَعْظَمُ مِنَ الْإِسْلَامِ قَطْعًا وَفِيهِ رَفْعٌ لِشَأْنِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْرِيضٌ بِالْيَهُودِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ بِأَنَّ أَنْبِيَاءَهُمْ كَانُوا يَدِينُونَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي دان به محمد واليهود
بِمَعْزِلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالِاقْتِدَاءُ بِدِينِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام (كان النبي مِنْهُمْ) أَيْ مِنَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَحَكَمُوا بالتوراة فإنه قَدْ حَكَمَ بِالتَّوْرَاةِ
قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ
[4451]
(حِينَ قَدِمَ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ زَنَى (رَسُولُ الله المدينة) ليس أنه وقع واقعة الزنى حين قدم الْمَدِينَةَ عَلَى الْفَوْرِ لِمَا فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ عَلَى مَا قَالَ الْحَافِظُ أَنَّهُمْ تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَالْمَسْجِدُ لَمْ يَكُنْ بِنَاؤُهُ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ دُخُولِهِ (بِحَبْلٍ مَطْلِيٍّ) اسْمُ مَفْعُولٍ بِوَزْنِ مَرْمِيٍّ أَيْ بِحَبْلٍ مُلَطَّخٍ (بِقَارٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقِيرُ بِالْكَسْرِ وَالْقَارُ شَيْءٌ أَسْوَدُ يُطْلَى بِهِ السُّفُنُ وَالْإِبِلُ أَوْ هُمَا الزِّفْتُ انْتَهَى (فَاجْتَمَعَ أَحْبَارٌ) جَمْعُ حَبْرٍ بِمَعْنَى الْعَالِمِ أَيْ عُلَمَاءٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ (فَقَالُوا) أَيِ الْأَحْبَارُ لِلَّذِينَ بَعَثُوهُمْ (وَلَمْ يكونوا من أهل دينه) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَهُودَ (فَخُيِّرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّخْيِيرِ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْحُكْمِ (قَالَ) أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ دُونَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ جَاءُوكَ) أَيْ جَاءَكَ الْيَهُودُ وَتَحَاكَمُوا إِلَيْكَ (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) أَيِ اقْضِ بَيْنَهُمْ (أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) أَيْ عَنِ الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ
وفيه تخيير لرسول الله بَيْنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ حُكَّامَ الْمُسْلِمِينَ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ إِذَا تَرَافَعَا إِلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا تَرَافَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى التَّخْيِيرِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْوُجُوبِ وَقَالُوا إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا
أنزل الله وبه قال بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالسُّدِّيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَنْسُوخٌ إِلَّا هَذَا وَقَوْلُهُ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِيهِ أَيْضًا مَجْهُولٌ
[4452]
(زَنَيَا) صِفَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ (قَالَ) أي النبي (ائْتُونِي بِأَعْلَمِ رَجُلَيْنِ مِنْكُمْ) زَادَ الطَّبَرِيُّ فِي حديث بن عَبَّاسٍ ائْتُونِي بِرَجُلَيْنِ مِنْ عُلَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَتَوْهُ بِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا شَابٌّ وَالْآخَرُ شَيْخٌ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (بِابْنَيْ صُورِيَّا) بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ فِي الِابْنِ وَبِضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ الْوَاوِ (هَذَيْنِ) أَيِ الزَّانِيَيْنِ (إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ رُجِمَا) زَادَ الْبَزَّارُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَإِنْ وَجَدُوا الرَّجُلَ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتٍ أَوْ فِي ثَوْبِهَا أَوْ عَلَى بَطْنِهَا فَهِيَ رِيبَةٌ وَفِيهَا عُقُوبَةٌ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ (ذَهَبَ سُلْطَانُنَا) أَيْ غَلَبَتُنَا وَمُلْكُنَا مِنَ الْأَرْضِ (فَكَرِهْنَا الْقَتْلَ) أَيْ خَوْفًا مِنْ أَنْ نَقِلَّ (فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ بالشهود فجاؤوا بِأَرْبَعَةٍ) فِيهِ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ على بعض
وزعم بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَدَعَا بِالشُّهُودِ أَيْ شُهُودِ الْإِسْلَامِ عَلَى اعْتِرَافِهِمَا
وَقَوْلُهُ فَرَجَمَهُمَا بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ أَيِ الْبَيِّنَةِ عَلَى اعْتِرَافِهِمَا وَرُدَّ هَذَا التَّأْوِيلُ بِقَوْلِهِ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمُشَاهَدَةِ لَا بِالِاعْتِرَافِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ لَا فِي حَدٍّ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فِي ذَلِكَ
وَقَبِلَ شَهَادَتَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مُسْلِمٌ
وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ حَالَةَ السَّفَرِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مُسْلِمٌ
وَأَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ عَنْ وَاقِعَةِ الْيَهُودِ أَنَّهُ نَفَّذَ عَلَيْهِمْ مَا عَلِمَ أَنَّهُ حُكْمُ التَّوْرَاةِ وَأَلْزَمَهُمُ الْعَمَلَ بِهِ إِظْهَارًا لِتَحْرِيفِهِمْ كِتَابَهُمْ وَتَغْيِيرِهِمْ حُكْمَهُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ كَذَا قَالَ
وَالثَّانِي مَرْدُودٌ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَجَمَهُمَا بِالِاعْتِرَافِ فَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ جَابِرٍ فَلَعَلَّ الشُّهُودَ كَانُوا