الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المنذري والحديث أخرجه مسلم وبن مَاجَهْ
[4481]
(جَلَدَ) أَيْ ضَرَبَ (فِي الْخَمْرِ) أَيْ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ (وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً أَوْ ضَرْبَةً (وَكَمَّلَهَا) مِنَ التَّكْمِيلِ أَيْ عُقُوبَةَ حَدِّ الْخَمْرِ (وَلِّ شَدِيدَهَا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ وَلِّ حَارَّهَا (مَنْ تَوَلَّى هَيِّنَهَا) أَيْ سَهْلَهَا وَلَيِّنَهَا وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
(باب إِذَا تَتَابَعَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ أَيْ تَوَالَى فِي شُرْبِهَا)
وَمَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إِذَا شَرِبَ رَجُلٌ الْخَمْرَ مَرَّةً فَجُلِدَ ثُمَّ شَرِبَ فَجُلِدَ وَهَكَذَا فَعَلَ مِرَارًا فَمَا حُكْمُهُ هَلْ يُجْلَدُ كُلَّ مَرَّةٍ أَمْ له حكم آخر
وفي بعض النسخ تتابع بِالتَّحْتِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا صَحِيحٌ فَإِنَّ التَّتَايُعَ الْإِسْرَاعُ فِي الشَّرِّ وَاللَّجَاجَةُ
[4482]
(ذَكْوَانُ) بَدَلٌ مِنْ أَبِي صَالِحٍ وَهُوَ السَّمَّانُ الزَّيَّاتُ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَكَانَ يَجْلِبُ الزَّيْتَ إِلَى الْكُوفَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ (ثُمَّ إِنْ شَرِبُوا فَاقْتُلُوهُمْ)
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِهِ أَيْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَقِيلَ مُؤَوَّلُ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ
وَقَالَ الزيلعي قال بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَعْنَاهُ إِذَا اسْتَحَلَّ وَلَمْ يَقْبَلِ التَّحْرِيمَ انْتَهَى
وَبَسَطَ السُّيُوطِيُّ الْكَلَامَ فِي حَاشِيَةِ التِّرْمِذِيِّ وَقَصَدَ بِهِ إِثْبَاتَ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ كَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ السِّنْدِيُّ فِي حاشية بن ماجه
قُلْتُ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِيهَا بَعْدَ الْإِشَارَةِ إِلَى عِدَّةِ أَحَادِيثَ هَكَذَا فَهَذِهِ بِضْعَةُ عَشَرَ حَدِيثًا كُلُّهَا صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي قَتْلِهِ بِالرَّابِعَةِ وَلَيْسَ لَهَا مُعَارِضٌ صَرِيحٌ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِالنَّسْخِ لا يعضده دليل
وقولهم إنه أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ بِالرَّابِعَةِ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ لَا يَصْلُحُ لِرَدِّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِوُجُوهٍ الأول أنه مرسل إذ رواية قَبِيصَةُ وُلِدَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَكَانَ عُمْرُهُ عِنْدَ موته سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا فَلَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا يَرْوِيهِ
الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا صَحِيحًا لَكَانَتْ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهَا أَصَحُّ وَأَكْثَرُ
الثَّالِثُ أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا
وَالرَّابِعُ أَنَّ هَذَا فِعْلٌ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَوْلَ تَشْرِيعٌ عَامٌّ وَالْفِعْلُ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا
الْخَامِسُ أَنَّ الصَّحَابَةَ خُصُّوا فِي تَرْكِ الْحُدُودِ بِمَا لَمْ يُخَصُّ بِهِ غَيْرُهُمْ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُفَسَّقُونَ بِمَا يُفَسَّقُ بِهِ غَيْرُهُمْ خُصُوصِيَّةً لَهُمْ وَقَدْ وَرَدَ بِقِصَّةِ نُعْمَانَ لَمَّا قَالَ عُمَرُ أَخْزَاهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يؤتى به فقال النبي لَا تَطْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَعَلِمَ النبي مِنْ بَاطِنِهِ صِدْقَ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَأَكْرَمَهُ بترك القتل فله أَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ مِنَ الْأَحْكَامِ فَلَا أَقْبَلُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا بِنَصٍّ صريح من قوله وَهُوَ لَا يُوجَدُ
وَقَدْ تَرَكَ عُمَرُ إِقَامَةَ حَدِّ الْخَمْرِ عَلَى فُلَانٍ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِمُ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَتَرَكَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إِقَامَتَهُ عَلَى أَبِي مِحْجَنٍ لِحُسْنِ بَلَائِهِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم جَمِيعًا جَدِيرُونَ بِالرُّخْصَةِ إِذَا بَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمْ زَلَّةٌ
وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمُدْمِنُونَ لِلْخَمْرِ الْفَسَقَةُ الْمَعْرُوفُونَ بِأَنْوَاعِ الْفَسَادِ وَظُلْمِ الْعِبَادِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَمُجَاوَزَةِ الأحكام الشريعة وَإِطْلَاقِ أَنْفُسِهِمْ بِحَالِ سُكْرِهِمْ بِالْكُفْرِيَّاتِ وَمَا قَارَبَهَا فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بِالرَّابِعَةِ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا ارْتِيَابَ
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا رَدَّهُ حَقٌّ بِأَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ مَحْكِيٌّ عَنْ طَائِفَةٍ فَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ ائْتُونِي بِرَجُلٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْخَمْرِ فَإِنْ لَمْ أَقْتُلْهُ فَأَنَا كَذَّابٌ
وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ ائْتُونِي بِمَنْ شَرِبَ خَمْرًا فِي الرَّابِعَةِ وَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَهُ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ حَدِيثُ أَبِي صالح عن
مُعَاوِيَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ هُوَ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى انْتَهَى
قَالَ المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ يَقُولُ حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ معاوية عن النبي إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ هَذَا
[4483]
(بِهَذَا الْمَعْنَى) أَيْ بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه الْمَذْكُورِ (قَالَ) أَيْ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ (وَأَحْسِبُهُ) أَيْ أَظُنُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ رَاجِعٌ إِلَى حَمَّادٍ (إِنْ شربها أو) الْخَمْرَ وَالْخَمْرُ مُؤَنَّثٌ
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي الْأَشْرِبَةِ مِنْ حَدِيثِ مُغِيرَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي نعم عن بن عمر ونفر من أصحاب محمد قالوا قال رسول الله مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ انْتَهَى فَفِيهِ ذِكْرُ الْقَتْلِ فِي الرابعة وعبد الرحمن هذا ضعيف ضعفه بن معين قاله بن الْقَطَّانِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي غُطَيْفٍ) بِالتَّصْغِيرِ الْهُذَلِيِّ مَجْهُولٍ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقِيلَ هُوَ غُطَيْفٌ أَوْ غُضَيْفٌ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَحَدِيثُ أَبِي غُطَيْفٍ أخرجه الطبراني وبن مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ (فِي الْخَامِسَةِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ كَذَا وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ ذِكْرُ الْقَتْلِ فِي الرَّابِعَةِ كَمَا سَيَظْهَرُ لَكَ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ غُطَيْفُ بْنُ الْحَارِثِ الْكِنْدِيُّ وَالِدُ عِيَاضٍ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ لَهُ صُحْبَةٌ وَأَخْرَجَ له بن السَّكَنِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ غُطَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده سمعت رسول الله يَقُولُ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه وأخرجه بن شاهين وبن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ انْتَهَى
فَذَكَرَ الْقَتْلَ فِي الثَّالِثَةِ
وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقَتْلَ قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ رَوَى غُطَيْفٌ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ لِلزَّيْلَعِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَبُو غُطَيْفٍ هَذَا لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَهُوَ هُذَلِيٌّ وَغُطَيْفٌ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَيَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ ساكنة
[4484]
(إِذَا سَكَرَ) أَيْ مِنَ الشَّرَابِ
قَالَ فِي أَقْرَبِ الْمَوَارِدِ سَكَرَ مِنَ الشَّرَابِ سُكْرًا نَقِيضُ صَحَا (فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ) فِيهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الشَّارِبَ يُقْتَلُ بَعْدَ الرابعة وهم بعض أهل الظاهر ونصره بن حَزْمٍ وَقَوَّاهُ السُّيُوطِيُّ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ وَيَجِيءُ بَعْضُ الْكَلَامِ فِي هَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النسائي وبن ماجه انتهى وقال الزيلعي وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ انْتَهَى
(قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ هذا هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ مَدَنِيٌّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَقَعَ لَنَا حَدِيثُهُ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ (وَكَذَا حَدِيثُ سُهَيْلٍ)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا وَقَعَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سُهَيْلٍ وَفِيهِ قَالَ فحدثت به بن الْمُنْكَدِرِ قَالَ قَدْ تُرِكَ ذَلِكَ قَدْ أُتِيَ رسول الله بِابْنِ النُّعْمَانِ فَجَلَدَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَزِدِ انْتَهَى
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ الْحَدِيثَ
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ أَحْمَدُ في مسنده (وكذا حديث بن أَبِي نُعْمٍ إِلَخْ
قال المنذري فأما حديث بن أَبِي نُعْمٍ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَوَقَعَ لَنَا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْهُ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو شَيْئًا
وَأَمَّا حَدِيثُ الْجَدَلِيِّ هَذَا عَبْدِ بْنِ عَبْدٍ وَيُقَالُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ انْتَهَى
قُلْتُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ تَقَدَّمَ آنِفًا مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ في المستدرك من طريق إسحاق بن رَاهَوَيْهِ أَنْبَأَ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا فَذَكَرَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ قُرَّةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ شهر بن حوشب به
ورواه بن رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ بِهِ وَزَادَ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ ائْتُونِي بِرَجُلٍ شَرِبَ الْخَمْرَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ
وَكَذَلِكَ لَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ائْتُونِي بِرَجُلٍ قَدْ جُلِدَ فِيهِ ثَلَاثًا فلكم علي الحديث
ومن طريق بن رَاهَوَيْهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ الشريد فأخرجه الحاكم في المستدرك عن بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ مَرْفُوعًا فَذَكَرَهُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ انْتَهَى
ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ
[4485]
(قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنَا عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا وَالضَّمِيرُ فِي قَالَ لِسُفْيَانَ وَفِي أَخْبَرَنَا لِلزُّهْرِيِّ أَيْ قَالَ سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ (فَإِنْ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ) شَكٌ مِنَ الراوي
(فَأُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ) وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ رَجُلٍ (وَرَفَعَ الْقَتْلَ) أَيْ رَفَعَ رسول الله الْقَتْلَ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَيْ لَمْ يَقْتُلْهُ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ ثُمَّ أتي النبي بَعْدَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ (فَكَانَتْ رُخْصَةً) هَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ مَنْسُوخٌ إِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ وَسَيَظْهَرُ لَكَ حَالُهُ فِي كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ
قَالَ الطِّيِبِيُّ هَذَا أَيْ قَوْلُهُ لَمْ يَقْتُلْهُ قَرِينَةٌ نَاهِضَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَاقْتُلُوهُ مَجَازٌ عَنِ الضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ مُبَالَغَةً لَمَّا عَتَا وَتَمَرَّدَ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَخَذَ جَلْدَ ثَمَانِينَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى انْتَهَى (وَعِنْدَهُ) أَيِ الزُّهْرِيِّ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ) أَحَدُ الْأَعْلَامِ الْمَشْهُورُ الْكُوفِيُّ (وَمُخَوَّلُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ كَمُعَظَّمٍ (بْنُ رَاشِدٍ) النَّهْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو رَاشِدٍ الْكُوفِيُّ (فَقَالَ) الزُّهْرِيُّ (كُونَا) أَمْرٌ مِنَ الْكَوْنِ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ (وَافِدَيْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ) وَافِدَيْ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ سَقَطَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَفَدَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَدِمَ وَوَرَدَ
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ وَمُخَوَّلَ بْنَ رَاشِدٍ لَمَّا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ الزهري لهما بعد ما حَدَّثَهُمَا هَذَا الْحَدِيثَ اذْهَبَا بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَخْبِرَاهُمْ بِهِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الْقَتْلَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ مَنْسُوخٌ وَأَنَّ النَّاسِخَ لَهُ هُوَ هَذَا الْحَدِيثُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْقَتْلُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ
وَقَالَ غَيْرُهُ قَدْ يُرَادُ الْأَمْرُ بِالْوَعِيدِ وَلَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الرَّدْعُ وَالتَّحْذِيرُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ فِي الْخَامِسَةِ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ بِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَالَ غَيْرُهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ إِلَّا طَائِفَةٌ شَاذَّةٌ قَالَتْ يُقْتَلُ بَعْدَ حَدِّهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِلْحَدِيثِ وَهُوَ عِنْدَ الْكَافَّةِ مَنْسُوخٌ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وُلِدَ عَامَ الْفَتْحِ وَقِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يذكر له سماع من رسول الله وَعَدَّهُ الْأَئِمَّةُ مِنَ التَّابِعِينَ وَذَكَرُوا أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ سمع من رسول الله وقد قيل إنه أتي به النبي وَهُوَ غُلَامٌ يَدْعُو لَهُ
وَذُكِرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذَكَرَ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ قَالَ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَمَّا أَبُوهُ ذُؤَيْبُ بْنُ حَلْحَلَةَ فَلَهُ صُحْبَةٌ
انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ إِلَى آخِرِهِ قَالَ ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ محمد بن إسحاق به أن النبي أتي
بِالنُّعْمَانِ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ الْحَدَّ فَكَانَ نَسْخًا انْتَهَى (قَالَ أَبُو دَاوُدَ إِلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ إِلَى قَوْلِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْسَتْ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ (رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ حَدِيثَ الْقَتْلِ فِي الرَّابِعَةِ (وَشُرَحْبِيلُ بْنُ أَوْسٍ) وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِمِ
وَمَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ رَوَوْا عَنِ النبي أَنَّهُ أَمَرَ بِالْقَتْلِ فِي الرَّابِعَةِ وَأَمَّا قَبِيصَةُ فروى عنه رُخْصَةً فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[4486]
(قَالَ لَا أَدِي) مِنَ الدِّيَةِ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا أَدْرِي وَهُوَ غَلَطٌ (أَوْ مَا كُنْتُ أَدِي) شَكٌ مِنَ الرَّاوِي أَيْ مَا كُنْتُ أَغْرَمُ الدِّيَةَ (مَنْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ حَدًّا) أَيْ فَمَاتَ (إِلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ) الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ وَدَيْتُ شَارِبَ الْخَمْرِ لَوْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْحَدَّ فمات
وفي رواية النسائي وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مَنْ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَدًّا فَمَاتَ فَلَا دِيَةَ لَهُ إِلَّا مَنْ ضَرَبْنَاهُ فِي الْخَمْرِ (لَمْ يَسُنَّ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ (فِيهِ شَيْئًا) أَيْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ حَدًّا مَضْبُوطًا مُعَيَّنًا (إِنَّمَا هُوَ) أَيِ الْحَدُّ الَّذِي نُقِيمُ عَلَى الشَّارِبِ (شَيْءٌ قُلْنَاهُ نَحْنُ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ
قَالَ الْحَافِظُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْحَدِّ لَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِهِ إِلَّا فِي حَدِّ الْخَمْرِ فَعَنْ عَلِيٍّ مَا تَقَدَّمَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ ضَرَبَ بِغَيْرِ السَّوْطِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ جَلَدَ بِالسَّوْطِ ضَمِنَ قِيلَ الدِّيَةَ وَقِيلَ قَدْرَ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْجَلْدِ بِالسَّوْطِ وَبِغَيْرِهِ
وَالدِّيَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى عاقلة الإمام وكذلك لو مات في ما زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِهِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَاسَانَ الْمُصَرِّحِ بِأَنَّ النبي جَلَدَ أَرْبَعِينَ قُلْتُ جَمَعَ الْحَافِظُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ النَّفْيُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ الثَّمَانِينَ أَيْ لَمْ يَسُنَّ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعْنَاهُ نَحْنُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَشَارَ بِهِ عَلَى عُمَرَ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ لَوْ مَاتَ لَوَدَيْتُهُ أَيْ في الأربعين
الزائدة وبذلك جزم البيهقي وبن حَزْمٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَمْ يَسُنَّهُ أَيِ الثَّمَانِينَ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعْنَاهُ فَكَأَنَّهُ خَافَ مِنَ الَّذِي صَنَعُوهُ بِاجْتِهَادِهِمْ أَنْ لَا يَكُونَ مُطَابِقًا
وَاخْتَصَّ هُوَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الَّذِي كَانَ أَشَارَ بِذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَمَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَوْلَى فَرَجَعَ إِلَى تَرْجِيحِهِ وَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ ثَمَانِينَ فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ وَدَاهُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَسُنَّهُ لِصِفَةِ الضَّرْبِ وَكَوْنِهَا بِسَوْطِ الْجِلْدِ أَيْ لَمْ يَسُنَّ الْجَلْدَ بِالسَّوْطِ وَإِنَّمَا كَانَ يُضْرَبُ فِيهِ بِالنِّعَالِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَشَارَ إِلَى ذلك البيهقي
وقال بن حَزْمٍ أَيْضًا لَوْ جَاءَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ مَسْنُونٌ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَسْنُونٍ لَوَجَبَ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى غَيْرِ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ مَعَ سَعَةِ عِلْمِهِ وَقُوَّةِ فَهْمِهِ وَإِذَا تَعَارَضَ خَبَرُ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَخَبَرُ أَبِي سَاسَانَ فَخَبَرُ أَبِي سَاسَانَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ فِيهِ بِرَفْعِ الْحَدِيثِ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمَرْفُوعُ وَالْمَوْقُوفُ قُدِّمَ الْمَرْفُوعُ
وَأَمَّا دَعْوَى ضَعْفِ سَنَدِ أَبِي سَاسَانَ فَمَرْدُودَةٌ وَالْجَمْعُ أَوْلَى مَهْمَا أَمْكَنَ مِنْ تَوْهِينِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ
وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمًا فَرِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ النَّفْيِ وَقَدْ سَاعَدَتْهَا رِوَايَةُ أَنَسٍ انتهى
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ
قَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ في من مَاتَ مِنْ ضَرْبِ حَدٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى بيت المال واختلفوا في من مَاتَ مِنَ التَّعْزِيرِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَقْلُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
فَإِذَا ضَرَبَ الْإِمَامُ شَارِبَ الْخَمْرِ الْحَدَّ أَرْبَعِينَ وَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ وَمَنْ جَلَدَهُ ثَمَانِينَ وَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ فَإِنْ جَلَدَهُ وَاحِدًا وَأَرْبَعِينَ وَمَاتَ ضَمِنَ نِصْفَ الدِّيَةِ وَقِيلَ يَضْمَنُ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ الدِّيَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
[4487]
(عَنْ عَبْدِ الرحمن بن أزهر) أي القرشي وهو بن أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَهِدَ حُنَيْنًا رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَغَيْرُهُ مَاتَ بِالْحَرَّةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي الْإِكْمَالِ فِي الصحابة (كأني أنظر إلى رسول الله الْآنَ) الْمَقْصُودُ بَيَانُ اسْتِحْضَارِ الْقِصَّةِ كَالْعِيَانِ (وَهُوَ) أي
رسول الله (فِي الرِّحَالِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رَحْلٍ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى الْمَنْزِلِ وَالْمَسْكَنِ (يَلْتَمِسُ) أَيْ يَطْلُبُ (وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْمِيتَخَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبَعْدَهَا تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ ثُمَّ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ كَذَا ضُبِطَ فِي النُّسَخِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهَا فَقِيلَ هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ التَّشْدِيدِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّاءِ قَبْلَ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَقْدِيمِ الْيَاءِ السَّاكِنَةِ عَلَى التَّاءِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَهَذِهِ كُلُّهَا أَسْمَاءٌ لِجَرَائِدِ النَّخْلِ وَأَصْلِ الْعُرْجُونِ وَقِيلَ هِيَ اسْمٌ لِلْعَصَا وَقِيلَ الْقَضِيبُ الدَّقِيقُ اللَّيِّنُ وَقِيلَ كُلُّ مَا ضُرِبَ بِهِ مِنْ جَرِيدٍ أَوْ عَصًا أَوْ دِرَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَصْلُهَا فِيمَا قِيلَ مِنْ مَتَخَ اللَّهُ رَقَبَتَهُ بِالسَّهْمِ إِذَا ضَرَبَهُ وَقِيلَ مِنْ تَيَّخَهُ الْعَذَابَ وَطَيَّخَهُ إِذَا أَلَحَّ عَلَيْهِ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ من الطاء انتهى (قال بن وَهْبٍ الْجَرِيدَةُ الرَّطْبَةُ) الْجَرِيدَةُ هِيَ السَّعَفَةُ سُمِّيَتْ بِهَا لِكَوْنِهَا مُجَرَّدَةً عَنِ الْخُوصِ وَهُوَ وَرَقُ النخل أي قال بن وَهْبٍ فِي تَفْسِيرِ الْمِيتَخَةِ الْجَرِيدَةُ الرَّطْبَةُ وَفِي المشكاة قال بن وَهْبٍ يَعْنِي الْجَرِيدَةَ الرَّطْبَةَ بِزِيَادَةِ لَفْظِ يَعْنِي (فَرَمَى بِهِ) أَيْ بِالتُّرَابِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ رَمَاهُ فِي وَجْهِهِ قَالَ الطِّيِبِيُّ رَمَى بِهِ إِرْغَامًا لَهُ وَاسْتِهْجَانًا لِمَا ارْتَكَبَهُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[4488]
(وَهُوَ بِحُنَيْنٍ) كَزُبَيْرٍ مَوْضِعٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَمَكَّةَ (فَحَثَى فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ) أَيْ رَمَى بِهِ (وَمَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ) عَطْفٌ عَلَى نِعَالِهِمْ أَيْ ضَرَبُوهُ بِنِعَالِهِمْ وَمَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَصَا وَالْقَضِيبِ وَغَيْرِهِمَا (حَتَّى قَالَ لَهُمُ ارْفَعُوا) أَيْ كُفُّوا عَنْ ضَرْبِهِ (صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ (ثُمَّ جَلَدَ ثَمَانِينَ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ) أَيْ إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (ثَمَانِينَ وَأَرْبَعِينَ) بَدَلٌ مِنَ الْحَدَّيْنِ أَيْ جَلَدَ عُثْمَانُ مَرَّةً ثَمَانِينَ وَمَرَّةً أَرْبَعِينَ (ثُمَّ أَثْبَتَ معاوية) أي بن أَبِي سُفْيَانَ (الْحَدَّ ثَمَانِينَ) أَيْ عَيَّنَهُ وَأَقَرَّهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ انْقِطَاعٌ
[4489]
(قال رأيت رسول الله إِلَخْ) حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى آخِرِ قَوْلِ أَبِي دَاوُدَ لَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ من طرق والحاكم
وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ وَأَبَا زُرْعَةَ فَقَالَا لَمْ يَسْمَعْهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ انْتَهَى
وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَزْهَرِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْحُدُودِ
فَحَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ وَحَدِيثُ النسائي في رواية بن الْأَحْمَرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ انْتَهَى (فَحَرَزُوهُ) أَيْ حَفِظُوهُ أَرْبَعِينَ يُقَالُ أَحْرَزْتُ الشَّيْءَ أُحْرِزُهُ إِحْرَازًا إِذَا حَفِظْتُهُ وَضَمَمْتُهُ وَصُنْتُهُ عَنِ الْأَخْذِ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ (كَحَدِّ الْفِرْيَةِ) أَيْ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا
وَالْفِرْيَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ الِاسْمُ يُقَالُ افْتَرَى عَلَيْهِ كَذِبًا أَيِ اخْتَلَقَهُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (أَدْخَلَ عُقَيْلَ بْنَ خَالِدٍ إِلَخْ) فَصَارَ الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا
وَعُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ هَذَا بِضَمِّ الْعَيْنِ ثَبْتٌ ثِقَةٌ حُجَّةٌ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَاسِمٍ وَسَالِمٍ وَعَنْهُ اللَّيْثُ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَثْبَتُ مِنْ مَعْمَرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ