المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في الخلفاء) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ١٢

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌37 - كتاب الحدود

- ‌(باب الحكم في من ارتد)

- ‌(باب الحكم فِي مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُحَارَبَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْحَدِّ يُشْفَعُ فِيهِ)

- ‌(باب يعفى عن الحدود)

- ‌(باب السَّتْرِ عَلَى أَهْلِ الْحُدُودِ)

- ‌(بَاب فِي صَاحِبِ الْحَدِّ يَجِيءُ فَيُقِرُّ)

- ‌(بَاب فِي التَّلْقِينِ فِي الْحَدِّ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَعْتَرِفُ بِحَدٍّ وَلَا يُسَمِّيهِ)

- ‌(بَاب فِي الِامْتِحَانِ بِالضَّرْبِ [4382] أَيِ امْتِحَانِ السَّارِقِ)

- ‌(بَاب مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ)

- ‌(بَاب مَا لَا قَطْعَ فِيهِ)

- ‌(باب القطع في الخلسة)

- ‌(باب فيمن سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ)

- ‌(بَاب فِي الْقَطْعِ فِي الْعَارِيَةِ)

- ‌(بَاب فِي الْمَجْنُونِ يَسْرِقُ أَوْ يُصِيبُ حدا)

- ‌(بَاب فِي الْغُلَامِ يُصِيبُ الْحَدَّ هَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ)

- ‌(باب السارق يَسْرِقُ فِي الْغَزْوِ أَيُقْطَعُ)

- ‌(بَاب فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ)

- ‌(باب السَّارِقِ يَسْرِقُ مِرَارًا)

- ‌(باب في السارق تعلق يده فِي عُنُقِهِ)

- ‌(باب بَيْعِ الْمَمْلُوكِ إِذَا سَرَقَ)

- ‌(باب في الرجم)

- ‌(بَاب رَجْمِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ)

- ‌(باب في المرأة التي الخ)

- ‌(بَاب فِي رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِحَرِيمِهِ)

- ‌(باب فِي الرَّجُلِ يَزْنِي بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ)

- ‌(باب في من عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ)

- ‌(باب في من أَتَى بَهِيمَةً أَيْ جَامَعَهَا)

- ‌(باب إذا أقر الرجل بالزنى وَلَمْ تُقِرَّ الْمَرْأَةُ)

- ‌(باب فِي الرَّجُلِ يصيب من المرأة ما دون الجماع)

- ‌(باب فِي الْأَمَةِ تَزْنِي وَلَمْ تُحْصَنْ)

- ‌(باب فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرِيضِ)

- ‌(باب في حد القاذف)

- ‌(باب في الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ)

- ‌(باب إِذَا تَتَابَعَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ أَيْ تَوَالَى فِي شُرْبِهَا)

- ‌(باب فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ هَلْ يَجُوزُ)

- ‌(باب فِي التَّعْزِيرِ)

- ‌38 - كتاب الديات

- ‌(باب لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه أو أخيه)

- ‌(باب الْإِمَامِ يَأْمُرُ بِالْعَفْوِ فِي الدَّمِ)

- ‌(باب ولي العمد يأخذ الدية)

- ‌(بَاب من قتل بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ)

- ‌(باب فيمن سقى رجلا سما)

- ‌(باب مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ أَوْ مَثَّلَ بِهِ أَيُقَادُ مِنْهُ)

- ‌(باب القسامة)

- ‌(باب فِي تَرْكِ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ)

- ‌(بَاب يُقَادُ مِنْ الْقَاتِلِ)

- ‌(بَاب أَيُقَادُ المسلم من الكافر)

- ‌(باب فيمن وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ)

- ‌(باب العامل)

- ‌(بَاب القود بغير حديد)

- ‌(بَاب الْقَوَدِ مِنْ الضَّرْبَةِ وَقَصِّ الْأَمِيرِ مِنْ نفسه)

- ‌(بَاب عَفْوِ النِّسَاءِ عَنْ الدَّمِ)

- ‌(باب من قتل في عميا بين قوم)

- ‌(بَاب الدِّيَةِ كَمْ هِيَ)

- ‌(بَاب فِي دِيَةِ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ)

- ‌(باب أسنان الإبل)

- ‌(بَاب دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ)

- ‌(بَاب دِيَةِ الْجَنِينِ)

- ‌(بَاب فِي دِيَةِ الْمُكَاتَبِ)

- ‌(بَاب فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يُقَاتِلُ الرَّجُلَ فَيَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ)

- ‌(باب فيمن تطبب ولا يعلم منه طب فَأَعْنَتَ)

- ‌(بَاب فِي دِيَةِ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ)

- ‌(بَاب الْقِصَاصِ مِنْ السِّنِّ)

- ‌(بَاب فِي الدَّابَّةِ تَنْفَحُ بِرِجْلِهَا)

- ‌(بَاب الْعَجْمَاءُ وَالْمَعْدِنُ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ)

- ‌(بَاب فِي النَّارِ)

- ‌(باب جِنَايَةِ الْعَبْدِ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ)

- ‌(بَاب فِيمَنْ قَتَلَ)

- ‌39 - كتاب السُّنَّة

- ‌ بَاب النَّهْيِ عَنْ الْجِدَالِ وَاتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ مِنْ الْقُرْآنِ)

- ‌ بَاب مُجَانَبَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَبُغْضِهِمْ)

- ‌(باب في تَرْكِ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ)

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ الْجِدَالِ فِي الْقُرْآنِ)

- ‌(بَاب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ)

- ‌(باب من دعا إلى السُّنَّةِ)

- ‌(بَاب فِي التَّفْضِيلِ)

- ‌(بَاب فِي الْخُلَفَاءِ)

- ‌(باب في فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَاب فِي اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه

- ‌(بَاب مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ فِي الْفِتْنَةِ)

- ‌(باب في التخيير بين الأنبياء عليهم السلام

- ‌(بَابٌ فِي رَدِّ الْإِرْجَاءِ)

- ‌(بَاب الدَّلِيلِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ)

- ‌(بَاب فِي الْقَدَرِ)

- ‌(بَاب فِي ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ)

الفصل: ‌(باب في الخلفاء)

(بَاب فِي الْخُلَفَاءِ)

(ظُلَّةً) بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَحَابَةً لَهَا ظِلٌّ وَكُلُّ مَا أَظَلَّ مِنْ سَقِيفَةٍ وَنَحْوِهَا يُسَمَّى ظُلَّةً (يَنْطِفُ) بِنُونٍ وَطَاءٍ مَكْسُورَةٍ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا أَيْ يَقْطُرُ (يَتَكَفَّفُونَ) أَيْ يَأْخُذُونَ بِأَكُفِّهِمْ

قَالَ الْخَلِيلُ تَكَفَّفَ بَسَطَ كَفَّهُ لِيَأْخُذَ (فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ) أَيْ فَمِنْهُمُ الْآخِذُ كَثِيرًا وَمِنْهُمُ الْآخِذُ قَلِيلًا (سَبَبًا) أَيْ حَبْلًا (وَاصِلًا) أَيْ مَوْصُولًا فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (أَخَذْتَ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ السَّبَبِ (ثُمَّ وُصِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِي وَأُمِّي) أَيْ أَنْتَ مُفْدًى بِأَبِي وَأُمِّي (لَتَدَعَنِّي) بِفَتْحِ اللَّامِ لِلتَّأْكِيدِ وَالدَّالِ وَالْعَيْنِ وَكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ لَتَتْرُكَنِّي (فلأعبرنها) بضم

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

ذكر الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله حَدِيث رُؤْيَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم السَّمْن وَالْعَسَل وَتَعْبِير الصِّدِّيق رضي الله عنه وَكَلَام الْمُنْذِرِيِّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا يُشْكِل عَلَيْهِ شيئان

وأحدهما أَنَّ فِي نَفْس الرُّؤْيَا ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَعَلَا بِهِ فَتَفْسِير الصِّدِّيق لِذَلِكَ مُطَابِق لِنَفْسِ الرؤيا

والثاني أن قتل عثمان رضي الله عنه لَا يَمْنَع أَنْ يُوصَل لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَر قَدْ قُتِلَ وَمَعَ هَذَا فَأَخَذَ بِهِ وَعَلَا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ قَتْله مَانِعًا مِنْ عُلُوّهُ بِهِ

وَقَدْ يُجَاب عَنْهُمَا

أَمَّا الْأَوَّل فَلَفْظه ثُمَّ وُصِلَ لَهُ لَمْ يَذْكُر هَذَا الْبُخَارِيّ وَلَفْظ حَدِيثه ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُل آخَر فَانْقَطَعَ بِهِ ثُمَّ وُصِلَ فَقَطْ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يُوصَل لَهُ بَعْد اِنْقِطَاعه بِهِ وَقَالَ الصِّدِّيق فِي تَفْسِيره فِي

ص: 250

الْمُوَحَّدَةِ مِنْ عَبَرْتُ الرُّؤْيَا بِالْخِفَّةِ إِذَا فَسَّرْتُهَا (فَيُعْلِيكَ اللَّهُ) أَيْ يَرْفَعُكَ (ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ بَعْدَكَ رَجُلٌ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه (ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ) هُوَ عُمَرُ رضي الله عنه (ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ) هُوَ عُثْمَانُ رضي الله عنه (فَيَنْقَطِعُ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ) يَعْنِي أَنَّ عُثْمَانَ كَادَ أَنْ يَنْقَطِعَ عَنِ اللَّحَاقِ بِصَاحِبَيْهِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْقَضَايَا الَّتِي أَنْكَرُوهَا فَعَبَّرَ عَنْهَا بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ فَاتَّصَلَ فَالْتَحَقَ بِهِمْ قاله القسطاني (أي رسول الله) أَيْ حَرْفُ نِدَاءٍ (أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ مَوْضِعِ الْخَطَأِ فَقِيلَ أَخْطَأَ لِكَوْنِهِ عَبَّرَ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ بِالْقُرْآنِ فَقَطْ وَهُمَا شَيْئَانِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُعَبِّرَهُمَا بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالْأَوْلَى السُّكُوتُ فِي تَعْيِينِ مَوْضِعِ الْخَطَأِ بَلْ هُوَ الْوَاجِبُ لأنه سَكَتَ عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ مَعَ سُؤَالِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه (لَا تُقْسِمْ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ أَيْ لَا تُكَرِّرْ يَمِينَكَ فَإِنِّي لَا أُخْبِرُكَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّكَ إِذَا تَفَكَّرْتَ فِيمَا أَخْطَأْتَ بِهِ عَلِمْتَهُ

قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ إِنَّمَا لم يبر النبي قَسَمَ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ إِبْرَارَ الْقَسَمِ مَخْصُوصٌ بما إذا

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

نَفْس حَدِيث الْبُخَارِيّ فَيَنْقَطِع بِهِ ثُمَّ يُوصَل لَهُ فَهَذَا مَوْضِع الْغَلَط وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّن فَضْل صِدْق مَعْرِفَة الْبُخَارِيّ وَغَوْر عِلْمه فِي إِعْرَاضه عَنْ لَفْظه لَهُ فِي الْأَوَّل وَإِنَّمَا اِنْفَرَدَ بِهَا مُسْلِم

وَأَمَّا الثَّانِي فَيُجَاب عَنْهُ بأن عمر رضي الله عنه لَمْ يَنْقَطِع بِهِ السَّبَب مِنْ حَيْثُ عَلَا بِهِ

وَإِنَّمَا اِنْقَطَعَ بِهِ بِالْأَجَلِ الْمَحْتُوم كَمَا يَنْقَطِع الْأَجَل بِالسُّمِّ وَغَيْره وَأَمَّا عُثْمَان فَانْقَطَعَ بِهِ مِنْ حَيْثُ وُصِلَ لَهُ مِنْ الْجِهَة الَّتِي عَلَا بِهَا وَهِيَ الْخِلَافَة فَإِنَّهُ إِنَّمَا أُرِيدَ مِنْهُ أَنْ يَخْلَع نَفْسه وَإِنَّمَا قَتَلُوهُ لِعَدَمِ إِجَابَتهمْ إِلَى خَلْعِ نَفْسه فَخَلَعُوهُ هُمْ بِالْقَتْلِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا فَانْقَطَعَ بِهِ مِنْ الْجِهَة الَّتِي أَخَذَ بِهِ مِنْهَا ثُمَّ وُصِلَ لِغَيْرِهِ رضي الله عنه وَهَذَا سِرّ سُكُوت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَعْيِين مَوْضِع خَطَأ الصِّدِّيق

فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ تَكَلَّفْتُمْ أَنْتُمْ بَيَانه وَقَدْ مَنَعَ النبي صلى الله عليه وسلم الصِّدِّيق مِنْ تَعَرُّفه وَالسُّؤَال عَنْهُ

قِيلَ مَنَعَهُ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَعَلُّق ذَلِكَ بِأَمْرِ الْخِلَافَة وَمَا يَحْصُل لِلرَّابِعِ مِنْ الْمِحْنَة وَانْقِطَاع السَّبَب بِهِ فَأَمَا وَقَدْ حَدَثَ ذَلِكَ وَوَقَعَ فَالْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي غَيْره مِنْ الْوَقَائِع الَّتِي يُحْذَر الْكَلَام فِيهَا قَبْل وُقُوعهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَدَرْءًا لِلْمَفْسَدَةِ فَإِذَا وَقَعَتْ زَالَ الْمَعْنَى الَّذِي سُكِتَ عَنْهَا لِأَجْلِهِ

ص: 251

لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَفْسَدَةٌ وَلَا مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ قَالَ وَلَعَلَّ الْمَفْسَدَةَ فِي ذَلِكَ مَا عَلِمَهُ مِنَ انْقِطَاعِ السَّبَبِ بِعُثْمَانَ وَهُوَ قَتْلُهُ وَتِلْكَ الْحُرُوبُ وَالْفِتَنُ الْمُرِيبَةُ فَكَرِهَ ذِكْرَهَا خَوْفَ شُيُوعِهَا انتهى

قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي وبن مَاجَهْ

قَوْلُهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ بَعْدَكَ رَجُلٌ هُوَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ هُوَ عُمَرُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ هُوَ عُثْمَانُ

فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ مَعْنَى فَيَنْقَطِعُ قُتِلَ لَكَانَ سَبَبُ عُمَرَ مَقْطُوعًا أَيْضًا قِيلَ لَمْ يَنْقَطِعْ سَبَبُ عُمَرَ لِأَجْلِ الْعُلُوِّ إِنَّمَا هُوَ قَطْعٌ لِعَدَاوَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَأَمَّا قَتْلُ عُثْمَانَ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي عَلَا بِهَا وَهِيَ الْوِلَايَةُ فَجَعَلَ قَتْلَهُ قَطْعًا وَقَوْلُهُ ثُمَّ وُصِلَ يَعْنِي بِوِلَايَةِ عَلِيٍّ وَقِيلَ إِنَّ معنى كتمان النبي مَوْضِعَ الْخَطَأِ لِئَلَّا يَحْزَنَ النَّاسُ بِالْعَارِضِ لِعُثْمَانَ وَفِيهِ جَوَازُ سُكُوتِ الْعَابِرِ وَكَتْمِهِ عِبَارَةَ الرُّؤْيَا إِذَا كَانَ فِيهَا مَا يُكْرَهُ وَفِي السُّكُوتِ عَنْهَا مَصْلَحَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ

(فَأَبَى أَنْ يخبره) أي امتنع أَنْ يُخْبِرَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا أَخْطَأَ

قَالَ المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ

(ذَاتَ يَوْمٍ) أَيْ يَوْمًا وَلَفْظَةُ ذَاتَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ التَّجَوُّزِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الزَّمَانِ لَا النَّهَارُ وَقِيلَ ذَاتَ مُقْحَمٌ قَالَهُ القارىء (كَأَنَّ) حَرْفٌ مُشَبَّهٌ بِالْفِعْلِ (فَوُزِنْتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ الْمُخَاطَبِ (أَنْتَ) ضَمِيرُ فَصْلٍ وَتَأْكِيدٍ لِتَصْحِيحِ الْعَطْفِ (فَرَجَحْتَ) ضُبِطَ بِالْقَلَمِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَفِي بَعْضِهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ والجيم (ثم رفع الميزان)

قال القارىء فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى وَجْهِ مَا اخْتُلِفَ فِي تَفْضِيلِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ (فَرَأَيْنَا الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِ رسول الله) وذلك لما علم مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَ رَفْعِ الْمِيزَانِ انْحِطَاطُ رُتْبَةِ الْأُمُورِ وَظُهُورُ الْفِتَنِ بَعْدَ خِلَافَةِ عُمَرَ وَمَعْنَى رُجْحَانِ كُلٍّ مِنَ الْآخَرِ أَنَّ الرَّاجِحَ أَفْضَلُ من المرجوح

ص: 252

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ

قِيلَ يحتمل أن يكون النبي كَرِهَ وُقُوفَ التَّخْبِيرِ وَحَصَرَ دَرَجَاتِ الْفَضَائِلِ فِي ثَلَاثَةٍ وَرَجَا أَنْ يَكُونَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّفْضِيلَ انْتَهَى إِلَى الْمَذْكُورِ فِيهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيُّ

(فَذَكَرَ مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ (فَاسْتَاءَ) أَيْ حَزِنَ وَاغْتَمَّ وَهُوَ افْتَعَلَ مِنَ السُّوءِ (لَهَا) أَيْ لِلرُّؤْيَا

قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ كَرِهَهَا حَتَّى تَبَيَّنَتِ الْمُسَاءَةُ فِي وَجْهِهِ (يَعْنِي) هَذَا قول الراوي (فساءه) أي فأحزن النبي (ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الرَّجُلُ مِنْ رُؤْيَاهُ (فقال) أي النبي (خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ) بِالْإِضَافَةِ وَرَفْعِ خِلَافَةِ عَلَى الْخَبَرِ أَيِ الَّذِي رَأَيْتَهُ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ هَذِهِ خِلَافَةٌ (ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ) وَقِيلَ أَيِ انْقَضَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ يَعْنِي هَذِهِ الرُّؤْيَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَةَ بِالْحَقِّ تَنْقَضِي حَقِيقَتُهَا وَتَنْتَهِي بِانْقِضَاءِ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

قَالَ الطِّيبِيُّ دَلَّ إِضَافَةُ الْخِلَافَةِ إِلَى النُّبُوَّةِ عَلَى أَنْ لَا ثُبُوتَ فِيهَا مِنْ طَلَبِ الْمُلْكِ وَالْمُنَازَعَةِ فِيهِ لِأَحَدٍ وَكَانَتْ خِلَافَةُ الشَّيْخَيْنِ رضي الله عنهما عَلَى هَذَا وَكَوْنُ الْمَرْجُوحِيَّةِ انْتَهَتْ إِلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه دَلَّ عَلَى حُصُولِ الْمُنَازَعَةِ فِيهَا وَأَنَّ الْخِلَافَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما مَشُوبَةٌ بِالْمُلْكِ فَأَمَّا بَعْدَهُمَا فَكَانَتْ مُلْكًا عَضُوضًا انْتَهَى

وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِلَافَةِ الَّذِي لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ الْمُحَدِّثُ وَلِيُّ اللَّهِ الدِّهْلَوِيُّ فِي إِزَالَةِ الْخَفَاءِ عَنْ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ وَهُوَ كِتَابٌ لَمْ يُؤَلَّفْ مِثْلُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي كِتَابِهِ قُرَّةُ الْعَيْنَيْنِ فِي تَفْضِيلِ الشَّيْخَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ

(أُرِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ أَبْصَرَ فِي مَنَامِهِ (نِيطَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ عُلِّقَ

ص: 253

قَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّوْطُ التَّعْلِيقُ وَالتَّنَوُّطُ التَّعَلُّقُ

قَالَ الطِّيبِيُّ كَانَ مِنَ الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ رَأَيْتُ نَفْسِيَ اللَّيْلَةَ وَأَبُو بَكْرٍ نِيطَ بِي فَجُرِّدَ منه لكونه رسول الله وحبيبه رجلا صالحا ووضع رسول الله مَوْضِعَ رَجُلًا تَفْخِيمًا غِبَّ تَفْخِيمٍ انْتَهَى (وَأَمَّا تَنَوُّطُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ) أَيْ تَعَلُّقُهُمْ وَاتِّصَالُهُمْ (فَهُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ) أَيْ أَمْرِ الدِّينِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ يُونُسُ وَشُعَيْبٌ) يَعْنِي عَنِ الزُّهْرِيِّ (لَمْ يَذْكُرَا عَمْرًا) أَيْ عَمْرَو بْنَ أَبَانَ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُمَا يَكُونُ الْحَدِيثُ مُنْقَطِعًا

لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

(رَأَيْتُ) أَيْ فِي الْمَنَامِ (دُلِّيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّدْلِيَةِ أَيْ أُرْسِلَ (فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ أَعْوَادٌ تُخَالَفُ بَيْنَهَا ثُمَّ تُشَدُّ فِي عُرَى الدَّلْوِ وَتُعَلَّقُ بِهَا الْحَبْلُ وَاحِدَتُهَا عُرْقُوَةٌ (حَتَّى تَضَلَّعَ) أَيْ شَرِبَ وَافِرًا حَتَّى رُوِيَ فَتَمَدَّدَ جَنْبُهُ وَضُلُوعُهُ (فَانْتَشَطَتْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ انْتِشَاطُ الدَّلْوِ اضْطِرَابُهَا حَتَّى يَنْتَضِحَ مَاؤُهَا (وَانْتَضَحَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَلِيٍّ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الدَّلْوِ (شَيْءٌ) أَيْ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي أَبِي بَكْرٍ فَشَرِبَ شُرْبًا ضَعِيفًا فَإِنَّمَا هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قِصَرِ مُدَّةِ أَمْرِ وِلَايَتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعِشْ بَعْدَ الْخِلَافَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَشَيْءٍ وَبَقِيَ عُمَرُ عَشْرَ سِنِينَ وَشَيْئًا فَذَلِكَ مَعْنَى تَضَلُّعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

الْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

ص: 254

(لَتَمْخُرَنَّ) بِالنُّونِ الْمُثَقَّلَةِ مِنْ مَخَرَتِ السَّفِينَةُ وَتَمْخَرُ كَيَمْنَعُ وَيَنْصُرُ إِذَا جَرَتْ تَشُقُّ الْمَاءَ مَعَ صَوْتٍ

وَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِهَذِهِ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ انْقِضَاءِ الْخِلَافَةِ وَظُهُورُ الْفِتَنِ بَعْدَ زَمَانِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (الرُّومُ) فَاعِلٌ (الشَّامَ) مَفْعُولٌ وَالْمَعْنَى تَدْخُلُ الرُّومُ الشَّامَ وَتَخُوضُهُ وَتَجُوسُ خِلَالَهُ فَشَبَّهَهَا بِمَخْرِ السَّفِينَةِ الْبَحْرَ (لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا إِلَّا دِمَشْقُ وَعُمَانُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ عُمَانٌ كَغُرَابٍ بَلَدٌ بِالْيَمَنِ وَيُصْرَفُ وَكَشَدَّادٍ بَلَدٌ بِالشَّامِ

وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُنْذِرِيِّ وَأَوْرَدَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْمَرَاسِيلِ وَقَالَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الرُّوَاةِ

(أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْأَعْيَسِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ (يَظْهَرُ عَلَى الْمَدَائِنِ) أَيْ يَغْلِبُ عَلَيْهَا

وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُنْذِرِيِّ

وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْمَرَاسِيلِ وَقِيلَ إِنَّهُ فِي رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَحْدَهُ انْتَهَى

(مَوْضِعُ فُسْطَاطِ الْمُسْلِمِينَ) الْفُسْطَاطُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ وَبِطَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ الْخِبَاءُ مِنْ شَعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فِي الْمَلَاحِمِ) جَمْعُ مَلْحَمَةٍ وَهِيَ الْحَرْبُ وَمَوْضِعُ الْقِتَالِ (أَرْضٌ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُ الْبَسَاتِينِ وَالْمِيَاهِ حَوْلَ دِمَشْقَ

وَالْمَعْنَى يَنْزِلُ جَيْشُ الْمُسْلِمِينَ وَيَجْتَمِعُونَ هُنَاكَ

وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُنْذِرِيِّ

قَالَ الْمِزِّيُّ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ مِنَ الْأَطْرَافِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقِيلَ إِنَّهُ فِي رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ فَقَطِ انْتَهَى

وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَتَمُّ مِنْ هَذَا فِي بَابِ الْمَعْقِلِ مِنَ الْمَلَاحِمِ

ص: 255

(إن مثل عثمان) بن عَفَّانَ (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وَتَمَامُ الْآيَةِ هَكَذَا (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)(يُشِيرُ) أَيِ الْحَجَّاجُ عِنْدَ قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الذين كفروا (إِلَيْنَا) أَيْ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ (بِيَدِهِ) الضَّمِيرُ لِلْحَجَّاجِ وَهَذَا مَقُولُ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ وَهُوَ بَصْرِيٌّ (وَإِلَى أَهْلِ الشَّامِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إِلَيْنَا

وَمَقْصُودُ الْحَجَّاجِ مِنْ تَمْثِيلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه بِعِيسَى عليه السلام إِظْهَارُ عَظَمَةِ الشَّأْنِ لِعُثْمَانَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَتَنْقِيصُ غَيْرِهِمْ يَعْنِي مَثَلَ عُثْمَانَ كَمَثَلِ عِيسَى عليه السلام وَمَثَلُ مُتَّبِعِيهِ كَمَثَلِ مُتَّبِعِيهِ فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مُتَّبِعِي عِيسَى عليه السلام فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا كَذَلِكَ جعل مُتَّبِعِي عُثْمَانَ رضي الله عنه مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ فَوْقَ غَيْرِهِمْ بِحَيْثُ جَعَلَ فِيهِمُ الْخِلَافَةَ وَرَفَعَهَا عَنْ غَيْرِهِمْ فَصَارُوا غَالِبِينَ عَلَى غَيْرِهِمْ

قَالَ السِّنْدِيُّ لَعَلَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ وَأَرَادَ بِهَذَا أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ تَبِعُوا عُثْمَانَ فَرَفَعَهُمْ وَوَضَعَ فِيهِمُ الْخِلَافَةَ وَغَيْرَهُمُ اتَّبَعُوا عَلِيًّا فَأَذَلَّهُمُ اللَّهُ وَرَفَعَ عَنْهُمُ الْخِلَافَةَ انْتَهَى

وَهَذَا الْأَثَرُ أَيْضًا لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُنْذِرِيِّ

وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَّةِ عَنْ أَبِي ظَفَرٍ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ مُطَهَّرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ الْأَعْرَابِيِّ وهو في رواية بن دَاسَةَ وَغَيْرِهِ انْتَهَى

(رَسُولُ أَحَدِكُمْ فِي حَاجَتِهِ) صِفَةُ رَسُولٍ أَيِ الَّذِي أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ (أَكْرَمُ عَلَيْهِ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ لِأَحَدِكُمْ (أَمْ خَلِيفَتُهُ فِي أَهْلِهِ) أَيْ خَلِيفَتُهُ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ فِي أَهْلِهِ

وَحَاصِلُهُ أَنَّ خَلِيفَةَ الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ فِي أَهْلِهِ يَكُونُ أَكْرَمُ عِنْدَهُ وَأَحَبُّ وَأَفْضَلُ مِنْ رَسُولِهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ فِي حَاجَتِهِ

ص: 256

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَ الْحَجَّاجِ الظَّالِمِ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى تَفْضِيلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إِنَّمَا كَانُوا رُسُلًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمُبَلِّغِينَ أَحْكَامَهُ فَحَسْبُ وَأَمَّا عَبْدُ الْمَلِكِ وَغَيْرُهُ مِنْ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ فَهُمْ خُلَفَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَرُتْبَةُ الْخُلَفَاءِ يَكُونُ أَعْلَى مِنَ الرُّسُلِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْحَجَّاجِ هَذَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَيْسَ إِرَادَتُهُ هَذَا بِبَعِيدٍ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنِ اطَّلَعَ عَلَى تَفَاصِيلِ حَالَاتِهِ فَهَذِهِ مُغَالَطَةٌ مِنْهُ شَنِيعَةٌ تُكَفِّرُهُ بِلَا مِرْيَةٍ أَلَمْ يَعْلَمِ الْحَجَّاجُ أَنَّ جَمِيعَ الرُّسُلِ خُلَفَاءُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ وَلَمْ يعلم أن سيد الأنبياء محمد سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ عليه السلام وَيَلْزَمُ عَلَى كَلَامِهِ هَذَا مَا يَلْزَمُ فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أَمْثَالِ هَذَا الْكَلَامِ

قَالَ السِّنْدِيُّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ تَفْضِيلَ الْمَرْوَانِيِّينَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِأَنَّهُمْ خُلَفَاءُ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ حِينَئِذٍ

وَمَا أَبْعَدَهُ عَنِ الْحَقِّ وَأَضَلَّهُ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَإِلَّا فَلَا يَظْهَرُ لِكَلَامِهِ مَعْنًى انْتَهَى (فَقَاتَلَ) أَيِ الرَّبِيعُ بْنُ خَالِدٍ (فِي الْجَمَاجِمِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجُمْجُمَةُ قَدَحٌ مِنْ خَشَبٍ وَالْجَمْعُ الْجَمَاجِمُ وَبِهِ سُمِّيَ دَيْرُ الْجَمَاجِمِ وَهُوَ الَّذِي كَانَتْ بِهِ وَقْعَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَشْعَثِ مَعَ الحجاج بالعراق لأنه كان يعمل به أقداح مِنْ خَشَبٍ

وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَضْحَكُ فَقَالَ إِنَّ هَذَا يَشْهَدُ الْجَمَاجِمَ يُرِيدُ وَقْعَةَ دَيْرِ الْجَمَاجِمِ أَيْ أَنَّهُ لَوْ رَأَى كَثْرَةَ مَنْ قُتِلَ بِهِ مِنْ قُرَّاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَادَاتِهِمْ لَمْ يَضْحَكِ انْتَهَى

وَهَذَا الْأَثَرُ أَيْضًا لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُنْذِرِيِّ

وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ قِيلَ إِنَّهُ فِي رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَحْدَهُ انْتَهَى

(قَالَ سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ) وَكَانَ وَالِيًا مِنْ جَانِبِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ (لَيْسَ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (مَثْنَوِيَّةٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ الْمِثْلِيَّةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيِ اسْتِثْنَاءٌ (لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا (عَبْدِ الْمَلِكِ) بَدَلٌ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (وَاللَّهِ لَوْ أَخَذْتُ رَبِيعَةَ بِمُضَرَ) أَيْ بِجَرِيرَتِهِمْ يُرِيدُ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُفَوَّضَةٌ إِلَى آرَاءِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ

ص: 257

وَكَلَامُهُ هَذَا مَرْدُودٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ (وَيَا عَذِيرِي مِنْ عَبْدِ هُذَيْلٍ) أَرَادَ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيَّ أَيْ مَنِ الَّذِي يَعْذُرُنِي فِي أَمْرِهِ وَلَا يَلُومُنِي

قَالَهُ السِّنْدِيُّ (وَاللَّهِ) الْوَاوُ لِلْقَسَمِ (مَا هِيَ) أَيْ لَيْسَ قِرَاءَتُهُ (إِلَّا رَجَزٌ مِنْ رَجَزِ الْأَعْرَابِ) الرَّجَزُ بَحْرٌ مِنْ بُحُورِ الشِّعْرِ مَعْرُوفٌ وَنَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِهِ يَكُونُ كُلُّ مِصْرَاعٍ مِنْهُ مُفْرَدًا وَتُسَمَّى قَصَائِدُهُ أَرَاجِيزَ وَاحِدُهَا أُرْجُوزَةٌ فَهُوَ كَهَيْئَةِ السَّجْعِ إِلَّا أَنَّهُ فِي وَزْنِ الشِّعْرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (مَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ) أَيِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي يقرأها عَبْدُ هُذَيْلٍ وَيَزْعُمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَيْ لَيْسَتْ تِلْكَ الْقِرَاءَةُ بِقُرْآنٍ مُنَزَّلٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هِيَ رَجَزٌ مِنْ أَرَاجِيزِ الْعَرَبِ

وَمَا قَالَهُ الْحَجَّاجُ كَذِبٌ صَرِيحٌ وَافْتِرَاءٌ قَبِيحٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَلَا ريب في أن قراءة بن مَسْعُودٍ كَانَتْ مِمَّا أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نبيه كيف وقد قال إستقرؤوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو

قَالَ السِّنْدِيُّ وَأَرَادَ بِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه لِكَوْنِهِ ثَبَتَ عَلَى قِرَاءَتِهِ وَمَا رَجَعَ إِلَى مُصْحَفِ عُثْمَانَ رضي الله عنه (مِنْ هَذِهِ الْحَمْرَاءِ) يَعْنِي الْعَجَمَ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَوَالِيَ الْحَمْرَاءَ (يَزْعُمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَرْمِي بِالْحَجَرِ فَيَقُولُ إِلَى أَنْ يَقَعَ الْحَجَرُ) أَيْ عَلَى الْأَرْضِ (قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ) هَذَا مَفْعُولُ يَقُولُ لَعَلَّ مُرَادَ الْحَجَّاجِ أَنَّ الْمَوَالِيَ يُوقِعُونَ الْفَسَادَ وَالشَّرَّ وَالْفِتْنَةَ وَيَقُولُونَ عَقِيبَ إِيقَاعِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ الْحِجَارَةَ (فَوَاللَّهِ لَأَدَعَنَّهُمْ) أَيْ لَأَتْرُكَنَّهُمْ (كَالْأَمْسِ الدَّابِرِ) أَيْ كَالْيَوْمِ الْمَاضِي أَيْ أَتْرُكُهُمْ مَعْدُومِينَ هَالِكِينَ

قَالَ الْمِزِّيُّ أَثَرُ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ وَأَثَرَانِ لِلْأَعْمَشِ قِيلَ مِنْ رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ انْتَهَى وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ

(هَذِهِ الْحَمْرَاءُ) أَيِ الْمَوَالِي (هَبْرٌ هَبْرٌ) الْهَبْرُ الضَّرْبُ وَالْقَطْعُ أَيْ هَذِهِ الْمَوَالِي يَسْتَحِقُّونَ الْقَطْعَ وَالضَّرْبَ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ تَنْبِيهٍ (لَوْ قَدْ قَرَعْتُ عَصًا بِعَصَا

ص: 258

أَيْ ضَرَبْتُ الْعَصَا بِالْعَصَا وَالْمَعْنَى لَوْ أُرِيدُ قَتْلَهُمْ وَهَلَاكَهُمْ (لَأَذَرَنَّهُمْ) أَيْ لَأَتْرُكَنَّهُمْ وَأَجْعَلَنَّهُمْ مَعْدُومِينَ (يَعْنِي الْمَوَالِيَ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْحَمْرَاءِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ

(قَطَنُ بْنُ نُسَيْرٍ) بِنُونٍ وَمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا (قَالَ جَمَّعْتُ) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَيْ صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ

وَهَذِهِ آثَارُ الْحَجَّاجِ لَيْسَتْ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ وَكَذَا لَيْسَتْ فِي مُخْتَصَرِ الْمُنْذِرِيِّ

وَهَذِهِ الْآثَارُ لَا تَسْتَحِقُّ أَنْ تُوضَعَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ

وَإِنَّمَا سَاقَ الْمُؤَلِّفُ الْإِمَامُ آثَارَ هَذَا الرَّجُلِ الْفَاسِقِ لِإِظْهَارِ جَوْرِهِ وَفِسْقِهِ وَلِبَيَانِ أَنَّ أمراء بني أمية وإن صاروا خلفاء متغلبين لكن ليسو أَهْلًا لَهَا وَإِنَّمَا هُمُ الْأُمَرَاءُ الظَّالِمُونَ لَا الْخُلَفَاءُ الْعَادِلُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(عَنْ سَفِينَةَ) مَوْلَى النبي أَوْ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ أَعْتَقَتْهُ (خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً) قَالَ الْعَلْقَمِيُّ قَالَ شَيْخُنَا لم يكن في الثلاثين بعده إِلَّا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَأَيَّامُ الْحَسَنِ

قُلْتُ بَلِ الثَّلَاثُونَ سَنَةً هِيَ مُدَّةُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا حَرَّرْتُهُ فَمُدَّةُ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَانِ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ عُمَرَ عَشْرُ سِنِينَ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ عُثْمَانَ أَحَدَ عَشَرَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ خِلَافَةِ عَلِيٍّ أَرْبَعُ سِنِينَ وَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ

هَذَا هُوَ التَّحْرِيرُ فَلَعَلَّهُمْ أَلْغَوُا الْأَيَّامَ وَبَعْضَ الشُّهُورِ

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ مُدَّةُ خِلَافَةِ عُمَرَ عَشْرُ سِنِينَ وَخَمْسَةُ أشهر وإحدى وعشرين يوما وعثمان ثنتي عَشْرَةَ سَنَةً إِلَّا سِتَّ لَيَالٍ وَعَلِيٍّ خَمْسُ سِنِينَ وَقِيلَ خَمْسُ سِنِينَ إِلَّا أَشْهُرًا وَالْحَسَنِ نَحْوَ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ

هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْعَلْقَمِيِّ

ص: 259

(ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) شَكٌ مِنَ الرَّاوِي

وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكًا بَعْدَ ذَلِكَ

قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ زَمَانِ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ يَكُونُ مُلْكًا لِأَنَّ اسْمَ الْخِلَافَةِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ بِعَمَلِهِ لِلسُّنَّةِ وَالْمُخَالِفُونَ مُلُوكٌ لَا خُلَفَاءُ وَإِنَّمَا تَسَمَّوْا بِالْخُلَفَاءِ لِخُلْفِهِمُ الْمَاضِي

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ عَنْ سَفِينَةَ أَنَّ أَوَّلَ الْمُلُوكِ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه وَالْمُرَادُ بِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ هِيَ الْخِلَافَةُ الْكَامِلَةُ وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْخَمْسَةِ فَلَا يُعَارَضُ الْحَدِيثُ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَمْلِكَ إثني عَشَرَ خَلِيفَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُطْلَقُ الْخِلَافَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

انْتَهَى كَلَامُهُ بِتَغَيُّرٍ (أَمْسِكْ عَلَيْكَ أَبَا بَكْرٍ سَنَتَيْنِ) أَيْ عُدَّهُ وَاحْسِبْ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ (وَعَلِيٌّ كَذَا) أَيْ كَذَا عُدَّ خِلَافَتَهُ وَكَانَ هُوَ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ سَفِينَةُ مُدَّةَ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه

وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ مُدَّةِ الْخِلَافَةِ لِهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ

قَالَ سَفِينَةُ أَمْسِكْ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه سَنَتَيْنِ وَخِلَافَةَ عُمَرَ رضي الله عنه عَشْرَ سِنِينَ وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ رضي الله عنه اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً وَخِلَافَةَ عَلِيٍّ رضي الله عنه سِتَّ سِنِينَ (إِنَّ هَؤُلَاءِ) أَيْ بَنِي مَرْوَانَ (كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ) الْأَسْتَاهُ جَمْعُ أَسْتٍ وَهُوَ الْعَجُزُ وَيُطْلَقُ عَلَى حَلْقَةِ الدُّبُرِ وَأَصْلُهُ سَتَهٌ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْجَمْعُ أَسْتَاهٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَلِمَةٌ خَرَجَتْ مِنْ دُبُرِهِمْ وَالزَّرْقَاءُ امْرَأَةٌ مِنْ أُمَّهَاتِ بَنِي أُمَيَّةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ

هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ

وَسَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ شَيْخٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ

هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ

وَجُمْهَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَهَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ

وَسَفِينَةُ لَقَبٌ وَاسْمُهُ مِهْرَانُ وَقِيلَ رُومَانُ وَقِيلَ نَجْرَانُ وَقِيلَ قَيْسٌ وَقِيلَ عُمَيْرٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَالْأَوَّلُ أشهر وهو مولى رسول الله وَقِيلَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها ح (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ) قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ انْتَهَى

ص: 260

(عن بن إدريس) هو عبد الله (وسفيان) هو بن عيينة أو الثوري وهو معطوف على بن إِدْرِيسَ أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ يَرْوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ (فِيمَا بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ (سَمِعْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ) هُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ (لَمَّا قَدِمَ فُلَانٌ إِلَى الْكُوفَةِ أَقَامَ فُلَانٌ خَطِيبًا) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْكِنَايَةِ عَنِ اسْمِ مُعَاوِيَةَ وَمُغِيرَةَ بِفُلَانٍ سِتْرًا عليهما في مثل هذا المحل لكونهما صاحبيين (فَأَخَذَ بِيَدِي سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ) هَذَا مَقُولُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَالِمٍ (فَقَالَ) أَيْ سَعِيدٌ (إِلَى هَذَا الظَّالِمِ) يَعْنِي الْخَطِيبَ

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَانَ فِي الْخُطْبَةِ تَعْرِيضًا بِسَبَبِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَوْ بِتَفْضِيلِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ سَعِيدٌ مَا قَالَ انْتَهَى (لَمْ أَيْثَمْ) بِالْإِمَالَةِ أَيْ لَمْ آثَمْ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ أَيْثَمْ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ يَقُولُونَ أَيْثَمُ مَكَانَ آثَمُ (قُلْتُ وَمَنِ التِّسْعَةُ) مَنِ اسْتِفْهَامِيَّةٌ (وَهُوَ عَلَى حِرَاءٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِالْمَدِّ جَبَلٌ بِمَكَّةَ

قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مُذَكَّرٌ مَمْدُودٌ مَصْرُوفٌ (قَالَ رَسُولُ الله) أَيْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُهُمْ رَسُولُ الله (فَتَلَكَّأَ) أَيْ تَأَخَّرَ (هُنَيَّةً) أَيْ سَاعَةً يَسِيرَةً (رَوَاهُ الْأَشْجَعِيُّ) هُوَ

ص: 261

عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ أَثْبَتُ النَّاسِ كِتَابًا فِي الثَّوْرِيِّ انْتَهَى

وَزَادَ الْأَشْجَعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ بَيْنَ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظالم واسطة بن حيان

قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

(حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمِيمِ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عِيبَ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْحَدِيثِ (عَنِ الْحُرِّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (بْنِ الصَّيَّاحِ) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ وَآخِرَةٍ مُهْمَلَةٍ (وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْجَنَّةِ) هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكٌ (قَالَ فَقَالُوا مَنْ هُوَ) أَيْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَخْنَسِ فَقَالَ النَّاسُ مَنِ الْعَاشِرُ (فَسَكَتَ) أَيْ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ (قَالَ هُوَ) أَيِ الْعَاشِرُ (سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ) يعني نفسه

قال المنذري وأخرجه الترمذي النسائي

(رِيَاحُ بْنُ الْحَارِثِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ جَدِّي (عِنْدَ فُلَانٍ) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ (فَرَحَّبَ بِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ رَحَّبَ بِهِ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ لَهُ مَرْحَبًا أَيْ قَالَ مُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مَرْحَبًا (وَحَيَّاهُ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فِي الْمِصْبَاحِ وَحَيَّاهُ تَحِيَّةً أَصْلُهُ الدُّعَاءُ بِالْحَيَاةِ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اسْتُعْمِلَ فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ الشَّرْعُ فِي دُعَاءٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ سَلَامٌ عَلَيْكَ انْتَهَى

ص: 262

(وَأَقْعَدَهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ (فَاسْتَقْبَلَهُ) أَيِ اسْتَقْبَلَ مُغِيرَةُ قَيْسًا (يُسَبُّونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِنِّي لَغَنِيٌّ أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ) أَيْ على النبي (ما لم يقل) أي النبي (فَيَسْأَلُنِي عَنْهُ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَرْجِعُ إِلَى مَا (غَدًا إِذَا لَقِيتُهُ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَإِنِّي لِلْحَالِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ وَقَعَتْ بَيْنَ قَوْلِهِ يَقُولُ وَمَقُولَتِهِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَخْ (وَسَاقَ مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ (قَالَ لَمَشْهَدُ) اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَمَشْهَدُ مُضَافٌ إِلَى رَجُلٍ

فِي الْمِصْبَاحِ الْمَشْهَدُ الْمَحْضَرُ وَزْنًا وَمَعْنًى انْتَهَى وَجَمْعُهُ مَشَاهِدُ وَفِي الْمَجْمَعِ الْمَغَازِي الْمَشَاهِدُ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ الشَّهَادَةِ (مِنْهُمْ) مِنْ أصحاب النبي (يَغْبَرُّ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَشْهَدِ (وَجْهُهُ) فَاعِلُ يَغْبَرُّ وَالْمَعْنَى أَنَّ حُضُورَ رَجُلٍ مِنَ الصحابة مع رسول الله فِي مَوْضِعِ الْغَزْوِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ حَالَ كَوْنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ التُّرَابُ فِي وَجْهِهِ هُوَ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ مَا دَامَ عُمُرَهُ (وَلَوْ عُمِّرَ عُمْرَ نُوحٍ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أُعْطِيَ عُمْرَ نُوحٍ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ

(صَعِدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ طَلَعَ (أَحَدًا) أَيْ جَبَلُ أُحُدٍ (فتبعه) أي النبي فِي الصُّعُودِ (فَرَجَفَ) أَيْ تَحَرَّكَ جَبَلُ أُحُدٍ (فَضَرَبَهُ) أَيْ أُحُدًا (وَقَالَ اُثْبُتْ أُحُدٌ) بِالضَّمِّ حُذِفَ عَنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ (نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ) أَيْ عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَشَهِيدَانِ أَيْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما

وَتَحَرَّكَ أُحُدٌ كَانَ مِنْ الْمُبَاهَاةِ

قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ وَفِي فَضْلِ عُمَرَ وَأَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَّةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ اِنْتَهَى

ص: 263

(لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) وَهُمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أم مبشر أنها سمعت رسول الله يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ مِنْ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا وَذَكَرَ قِصَّةَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رضي الله عنهما

اِنْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ

(قال موسى) هو بن إِسْمَاعِيلَ (فَلَعَلَّ اللَّهَ) أَيْ اِطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بدر الحديث (وقال بن سِنَانٍ) هُوَ أَحْمَدُ (اِطَّلَعَ اللَّهُ) أَيْ لَمْ يقل بن سِنَانٍ فِي رِوَايَتِهِ لَفْظَ فَلَعَلَّ اللَّهَ كَمَا قَالَ مُوسَى بَلْ بَدَأَ الْحَدِيثَ مِنْ قَوْلِهِ اِطَّلَعَ اللَّهُ

وَمَعْنَى اِطَّلَعَ أَقْبَلَ أَيْ لَعَلَّ اللَّهَ أَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ نَظَرَ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ (فَقَالَ اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ كَمَالِ الرِّضَى وَصَلَاحِ الْحَالِ وَتَوْفِيقِهِمْ لِلْخَيْرِ لَا التَّرَخُّصِ لَهُمْ فِي كُلِّ فِعْلٍ

قِيلَ ذَكَرَ لَعَلَّ لئلا يتكل من شهد بدر عَلَى ذَلِكَ وَيَنْقَطِعَ عَنْ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ

قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الْغُفْرَانُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِلَّا فَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَدٌّ أَوْ غَيْرُهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا

وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ وَإِقَامَةَ عُمَرَ عَلَى بَعْضِهِمْ

قَالَ وَضَرَبَ النبي مِسْطَحًا الْحَدَّ وَكَانَ بَدْرِيًّا

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا الْفَصْلُ قَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه

(فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ) أَيْ بِلِحْيَةِ النَّبِيِّ (قائم على رأس النبي) فِيهِ جَوَازُ الْقِيَامِ

ص: 264

عَلَى رَأْسِ الْأَمِيرِ بِالسَّيْفِ بِقَصْدِ الْحِرَاسَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ تَرْهِيبِ الْعَدُوِّ وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْيُ عَنِ الْقِيَامِ عَلَى رَأْسِ الْجَالِسِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِ (بِنَعْلِ السَّيْفِ) هُوَ مَا يَكُونُ أَسْفَلَ الْقِرَابِ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَخِّرْ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ التَّأْخِيرِ وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يَتَنَاوَلَ الرَّجُلُ لِحْيَةَ مَنْ يُكَلِّمُهُ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمُلَاطَفَةِ وَفِي الْغَالِبِ إِنَّمَا يَصْنَعُ ذَلِكَ النَّظِيرُ بِالنَّظِيرِ لكن كان النبي يغضي لعورة عَنْ ذَلِكَ اسْتِمَالَةً لَهُ وَتَأْلِيفًا وَالْمُغِيرَةُ يَمْنَعُهُ إجلالا للنبي وَتَعْظِيمًا قَالَهُ الْحَافِظُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مطولا

(أتاني جبرائيل عليه السلام فَأَخَذَ بِيَدِي إِلَخْ) وَذَلِكَ إِمَّا فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ أَوْ فِي وَقْتٍ آخَرَ (وَدِدْتُ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ أَحْبَبْتُ (حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي) قَالَ الطِّيبِيُّ لَمَّا تَمَنَّى رضي الله عنه بِقَوْلِهِ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

ذكر الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله حَدِيث أَمَا إِنَّك يَا أَبَا بَكْر لَأَوَّل مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة مِنْ أمتي وكلام المنذري عن بن حِبَّان فِي أَبِي خَالِد الدَّالَانِيّ إِلَى قَوْله فكيف إذا انفرد بالمعضلات ثم زاد بن القيم وقد روى بن مَاجَهْ فِي سُنَنه مِنْ حَدِيث دَاوُدَ بْن عَطَاء الْمَدِينِيّ عَنْ صَالِح بْن كَيْسَانَ عَنْ الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي بْن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَوَّل مَنْ يُصَافِحهُ الْحَقّ عُمَر وَأَوَّل مَنْ يُسَلِّم عَلَيْهِ وَأَوَّل مَنْ يَأْخُذ بِيَدِهِ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّة

وَدَاوُد بْن عَطَاء هَذَا ضَعِيف عِنْدهمْ

وَإِنْ صَحَّ فَلَا تَعَارُض بَيْنهمَا لِأَنَّ الْأَوَّلِيَّة فِي حَقّ الصِّدِّيق مُطْلَقَة وَالْأَوَّلِيَّة فِي حَقّ عُمَر مُقَيَّدَة بِهَذِهِ الْأُمُور في الحديث

ص: 265

وَدِدْتُ وَالتَّمَنِّي إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا يَسْتَدْعِي إِمْكَانَ حُصُولِهِ قِيلَ لَهُ لَا تَتَمَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْبَابِ فَإِنَّ لَكَ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ وَأَجَلُّ وَهُوَ دُخُولُكَ فِيهِ أَوَّلَ أُمَّتِي وَحَرْفُ التَّنْبِيهِ يُنَبِّهُكَ عَلَى الرَّمْزَةِ الَّتِي لَوَّحْنَا بِهَا

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَقَالَ بن مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نحوه

وقال بن حِبَّانَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إِذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ فَكَيْفَ إِذَا انْفَرَدَ عَنْهُمْ بالمعضلات

(الْعُقَيْلِيُّ) بِالتَّصْغِيرِ (بَعَثَنِي عُمَرُ إِلَى الْأُسْقُفِّ) بِضَمِّ هَمْزَةٍ وَقَافٍ وَبَيْنَهُمَا سِينٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ فَاءٌ مُشَدَّدَةٌ وَيَجِيءُ مُخَفَّفَةً عَالِمُ النَّصَارَى وَرَئِيسُهُمْ (قَالَ أَجِدُكَ قَرْنًا) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَحَدِيثُ عُمَرَ وَالْأُسْقُفِّ أَجِدُكَ قَرْنًا هُوَ بِفَتْحِ قَافِ الْحِصْنُ وَجَمْعُهُ قُرُونٌ وَلِذَا قِيلَ لَهَا صَيَاصِيَ انْتَهَى (فَقَالَ) أَيْ عُمَرُ رضي الله عنه (قَرْنٌ مَهْ) أَيْ مَا تُرِيدُ بِالْقَرْنِ (يُؤْثِرُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يَخْتَارُ (قَالَ أَجِدُهُ صَدَاءَ حَدِيدٍ) صَدَاءُ الْحَدِيدِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَسَخُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لِكَثْرَةِ مُبَاشَرَتِهِ بِالسَّيْفِ وَمُحَارَبَتِهِ بِهِ يَتَوَسَّخُ بِهِ بَدَنُهُ وَيَدَاهُ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ عَيْنُ الصَّدَاءِ وَبِالنَّظَرِ إِلَى ظَاهِرِهِ قَالَ عُمَرُ مَا قَالَ فَفَسَّرَ لَهُ الْأُسْقُفُّ مَا هُوَ الْمُرَادُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (فَقَالَ يَا دَفْرَاهُ يَا دَفْرَاهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الدَّفْرُ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ النَّتْنُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلدُّنْيَا أُمُّ دَفْرٍ (فَقَالَ) أَيِ الْأُسْقُفُّ (إِنَّهُ) أَيْ عَلِيٌّ رضي الله عنه (وَالدَّمُ مُهْرَاقٌ) أَيْ مَصْبُوبٌ مِنْ أَهْرَقَهُ يُهْرِيقُهُ صَبَّهُ وَكَانَ أَصْلُهُ أَرَاقَهُ يُرِيقُهُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ

وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُنْذِرِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَلِذَا أَوْرَدَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ

وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ بَعْدَ أَنْ عَزَاهُ بِهَذَا السَّنَدِ لِأَبِي دَاوُدَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ وَهُوَ فِي الرِّوَايَةِ انْتَهَى

ص: 266