الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عسرا جدا
إِلَّا أَن الْإِنْسَان الْعَاقِل إِذا فكر فِي ذَلِك بِحَسب معقوله فَإِنَّهُ يجد صناعَة الطِّبّ لَا يبعد أَن تكون أوائلها قد تحصلت من هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي قد تقدّمت أَو من أَكْثَرهَا
وَذَلِكَ إِنَّا نقُول أَن صناعَة الطِّبّ أَمر ضَرُورِيّ للنَّاس منوطة بهم حَيْثُ وجدوا وَمَتى وجدوا إِلَّا أَنَّهَا قد تخْتَلف عِنْدهم بِحَسب الْمَوَاضِع وَكَثْرَة التغذي وَقُوَّة التَّمْيِيز فَتكون الْحَاجة إِلَيْهَا أمس عِنْد قوم دون قوم
وَذَلِكَ أَنه لما كَانَت بعض النواحي قد يعرض فِيهَا كثيرا أمراض مَا لأهل تِلْكَ النَّاحِيَة وخصوصا كلما كَانُوا أَكثر تنوعا فِي الأغذية وهم أدوم أكلا للفواكه فَإِن أبدانهم تبقى متهيئة للأمراض وَرُبمَا لم يفلت مِنْهُم أحد فِي سَائِر أوقاته من مرض يَعْتَرِيه فَيكون أَمْثَال هَؤُلَاءِ مضطرين إِلَى الصِّنَاعَة الطبية أَكثر من غَيرهم مِمَّن هم فِي نواحي أصح هَوَاء وأغذيتهم أقل تنوعا وهم مَعَ ذَلِك قليلو الاغتذاء بِمَا عِنْدهم
ثمَّ أَن النَّاس أَيْضا لما كَانُوا متفاضلين فِي قُوَّة التَّمْيِيز النطقي كَانَ أتمهم تمييزا وَأَقْوَاهُمْ حنكة وأفضلهم رَأيا أدْرك وأحفظ لما يمر بهم من الْأُمُور التجريبية وَغَيرهَا لمقابلة الْأَمْرَاض بِمَا يعالجها بِهِ من الْأَدْوِيَة دون غَيره
فَإِذا اتّفق فِي بعض النواحي أَن يكون أَهلهَا تعرض لَهُم الْأَمْرَاض كثيرا وَكَانَ فيهم جمَاعَة عدَّة بِمَثَابَة من أَشَرنَا إِلَيْهِ أَولا فَإِنَّهُم يتسلطون بِقُوَّة إدراكهم وجودة قرائحهم وَبِمَا عِنْدهم من الْأُمُور التجريبية وَغَيرهَا على سَبِيل المداواة فيجتمع عِنْدهم على الطول أَشْيَاء كَثِيرَة من صناعَة الطِّبّ
ولنذكر حِينَئِذٍ أقساما فِي مبدئية هَذِه الصِّنَاعَة بِقدر الْمُمكن فَنَقُول
الْقسم الأول
أَن أحد الْأَقْسَام فِي ذَلِك أَنه قد يكون حصل لَهُم شَيْء مِنْهَا عَن الْأَنْبِيَاء والأصفياء عليهم السلام بِمَا خصهم الله تَعَالَى بِهِ من التأييد الإلهي
روى ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (كَانَ سُلَيْمَان بن دَاوُد عليهما السلام إِذا صلى رأى شَجَرَة نابتة بن يَدَيْهِ فيسألها مَا اسْمك فَإِن كَانَت لغرس غرست وَإِن كَانَت لدواء كتبت)
وَقَالَ قوم من الْيَهُود إِن الله عز وجل أنزل على مُوسَى عليه السلام سفر الأشفية
والصابئة تَقول أَن الشِّفَاء كَانَ يُؤْخَذ من هياكلهم على يَد كهانهم وصلحائهم بعض بالرؤيا
وَبَعض بالإلهام
وَمِنْهُم من قَالَ أَنه كَانَ يُوجد مَكْتُوبًا فِي الهياكل لَا يعلم من كتبه وَمِنْهُم من قَالَ أَنَّهَا كَانَت تخرج يَد بَيْضَاء مَكْتُوب عَلَيْهَا الطِّبّ وَنقل عَنْهُم أَن شيت أظهر الطِّبّ وَأَنه وَرثهُ عَن آدم عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام
فَأَما الْمَجُوس فَإِنَّهَا تَقول أَن زرادشت الَّذِي تَدعِي أَنه نَبِيّهم جَاءَ بكتب عُلُوم أَرْبَعَة زَعَمُوا أَنَّهَا جلدت بِاثْنَيْ عشر ألف جلد جاموس ألف مِنْهَا طب
وَأما نبط الْعرَاق والسورانيون والكلدانيون والكسدانيون وَغَيرهم من أَصْنَاف النبط الْقدَم فيدعى لَهُم أَنهم اكتشفوا مبادئ صناعَة الطِّبّ
وَأَن هرمس الهرامسة المثلث بالحكمة كَانَ بَينهم وَيعرف علومهم فَخرج حِينَئِذٍ إِلَى مصر وَبث فِي أَهلهَا الْعُلُوم والصنائع وَبنى الأهرام والبرابي ثمَّ انْتقل الْعلم مِنْهُم إِلَى اليونانيين
وَقَالَ الْأَمِير أَبُو الْوَفَاء المبشر بن فانك فِي كتاب مُخْتَار الحكم ومحاسن الْكَلم أَن الْإِسْكَنْدَر لما تملك مملكة دَارا واحتوى على فَارس أحرق كتب دين الْمَجُوسِيَّة وَعمد إِلَى كتب النُّجُوم والطب والفلسفة فنقلها إِلَى اللِّسَان اليوناني وأنفذها إِلَى بِلَاده وأحرق أُصُولهَا
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو سُلَيْمَان المنطقي قَالَ لي ابْن عدي أَن الْهِنْد لَهُم عُلُوم جليلة من عُلُوم الفلسفة وَأَنه وَقع إِلَيْهِ أَن الْعلم من ثمَّ وصل إِلَى اليونانيين
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو سُلَيْمَان وَلست أَدْرِي من أَيْن وَقع لَهُ ذَلِك
وَقَالَ بعض عُلَمَاء الإسرائيليين أَن الَّذِي استخرج صناعَة الطِّبّ يوقال بن لامخ بن متوشالخ