الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقسم الثَّانِي
أَن يكون قد حصل لَهُم شَيْء مِنْهَا بالرؤيا الصادقة مثل مَا حكى جالينوس فِي كِتَابه فِي الفصد من فصده للعرق الضَّارِب الَّذِي أَمر بِهِ
وَذَلِكَ أَنه قَالَ
إِنِّي أمرت فِي مَنَامِي مرَّتَيْنِ بفصد الْعرق الضَّارِب الَّذِي بَين السبابَة والإبهام من الْيَد الْيُمْنَى فَلَمَّا أَصبَحت فصدت هَذَا الْعرق وَتركت الدَّم يجْرِي إِلَى أَن انْقَطع من تِلْقَاء نَفسه لِأَنِّي كَذَلِك أمرت فِي مَنَامِي
فَكَانَ مَا جرى أقل من رَطْل فسكن عني بذلك على الْمَكَان وجع كنت أَجِدهُ قَدِيما فِي الْموضع الَّذِي يتَّصل بِهِ الكبد بالحجاب
وَكنت فِي وَقت مَا عرض لي هَذَا غُلَاما
قَالَ وَأعرف إنْسَانا بِمَدِينَة فرغامس شفَاه الله تَعَالَى من وجع مزمن كَانَ بِهِ فِي جنبه بفصد الْعرق الضَّارِب من كَفه وَالَّذِي دَعَا ذَلِك الرجل إِلَى أَن يفعل ذَلِك رُؤْيا رَآهَا
وَقَالَ فِي الْمقَالة الرَّابِعَة عشرَة من كِتَابه فِي حِيلَة الْبُرْء قد رَأَيْت لِسَانا عظم وانتفخ حَتَّى لم يَسعهُ الْفَم وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ ذَلِك رجلا لم يعْتد إِخْرَاج الدَّم قطّ وَكَانَ من أَبنَاء سِتِّينَ سنة وَكَانَ الْوَقْت الَّذِي رَأَيْته فِيهِ أول مرّة السَّاعَة الْعَاشِرَة من النَّهَار فَرَأَيْت أَنه يَنْبَغِي لي أَن أسهله بِهَذَا الْحبّ الَّذِي قد جرت الْعَادة بِاسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ الْحبّ الْمُتَّخذ بِالصبرِ والسقمونيا وشحم الحنظل فسقيته الدَّوَاء نَحْو الْعشَاء وأشرت عَلَيْهِ أَن يضع على الْعُضْو العليل بعض الْأَشْيَاء الَّتِي تبرد
وَقلت لَهُ افْعَل هَذَا حَتَّى أنظر مَا يحدث فأقدر المداواة على حَسبه
وَلم يساعدني على ذَلِك رجل حَضَره من الْأَطِبَّاء فَبِهَذَا السَّبَب أَخذ الرجل ذَلِك الْحبّ وَتَأَخر النّظر فِي أَمر مَا يداوي بِهِ الْعُضْو نَفسه إِلَى الْغَد
وَكُنَّا نطمع جَمِيعًا أَن يكون قد تبين فِيهِ حسن أثر الشَّيْء الَّذِي يداوى بِهِ ونجربه عَلَيْهِ
إِذْ كَانَ فِيهِ يكون الْبدن قد استفرغ كُله وَالشَّيْء المنصب إِلَى الْعُضْو قد انحدر إِلَى أَسْفَل
فَفِي ليلته رأى فِي حلمه رُؤْيا ظَاهِرَة بَيِّنَة فَحَمدَ مشورتي وَاتخذ مشورتي مَادَّة فِي ذَلِك الدَّوَاء وَذَلِكَ أَنه رأى النَّائِم آمرا يَأْمُرهُ بِأَن يمسك فِي فِيهِ عصارة الخس فَاسْتعْمل هَذِه العصارة كَمَا أمره وبرأ برءا تَاما وَلم يحْتَج مَعهَا إِلَى شَيْء آخر يتداوى بِهِ
وَقَالَ فِي شَرحه لكتاب الْإِيمَان لابقراط وَعَامة النَّاس يشْهدُونَ على أَن الله تبارك وتعالى هُوَ الملهم لَهُم صناعَة الطِّبّ من الأحلام والرؤيا الَّتِي تنقذهم من الْأَمْرَاض الصعبة
من ذَلِك إِنَّا نجد خلقا كثيرا مِمَّن لَا يُحْصى عَددهمْ أَتَاهُم الشِّفَاء من عِنْد الله تبارك وتعالى بَعضهم على يَد سارافس وَبَعْضهمْ على يَد أسقليبيوس بِمَدِينَة أفيداروس ومدينة قو ومدينة فرغامس وَهِي مدينتي
وَبِالْجُمْلَةِ فقد يُوجد فِي جَمِيع الهياكل الَّتِي لليونانيين وَغَيرهم من سَائِر النَّاس الشِّفَاء من الْأَمْرَاض الصعبة الَّتِي تَأتي بالأحلام وبالرؤيا
وأريباسيوس يَحْكِي فِي كناشه الْكَبِير أَن رجلا عرض لَهُ فِي المثانة حجر عَظِيم
قَالَ وداويته بِكُل دَوَاء مستصلح لتفتيت الْحجر فَلم ينْتَفع أَلْبَتَّة وأشرف على الْهَلَاك
فَرَأى فِي النّوم كَأَن إنْسَانا أقبل عَلَيْهِ وَفِي يَده طَائِر صَغِير الجثة وَقَالَ لَهُ إِن هَذَا الطَّائِر اسْمه صفراغون وَيكون بمواضع السباحات وَالْآجَام فَخذه وَأحرقهُ وَتَنَاول من رماده حَتَّى تسلم من هَذِه الْعلَّة
فَلَمَّا انتبه فعل ذَلِك فَأخْرج الْحجر من مثانته متفتتا كالرماد وبرأ برءا تَاما
وَمِمَّا حصل أَيْضا من ذَلِك بالرؤيا الصادقة أَن بعض خلفاء الْمغرب مرض مَرضا طَويلا وتداوى بمداواة كَثِيرَة فَلم ينْتَفع بهَا فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيَالِي رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي نَومه وشكى إِلَيْهِ مَا يجده فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم ادهن بِلَا وكل لَا تَبرأ فَلَمَّا انتبه من نَومه بَقِي متعحبا من ذَلِك وَلم يفهم مَا مَعْنَاهُ
فَسَأَلَ المعبرين عَنهُ فَكل مِنْهُم عجز عَن تَأْوِيله مَا خلا عَليّ بن أبي طَالب القيراوني فَإِنَّهُ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمرك أَن تدهن بالزيت وتأكل مِنْهُ فتبرأ
فَلَمَّا سَأَلَهُ من أَيْن لَهُ معرفَة ذَلِك
قَالَ من قَول الله عز وجل {من شَجَرَة مباركة زيتونة لَا شرقية وَلَا غربية يكَاد زيتها يضيء وَلَو لم تمسسه نَار}
فَلَمَّا اسْتعْمل ذَلِك صلح بِهِ وَبرا برءا تَاما
ونقلت من خطّ عَليّ بن رضوَان فِي شَرحه لكتاب جالينوس فِي فرق الطِّبّ ماهذا نَصه