الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِبْرَاهِيم بن عِيسَى
كَانَ طَبِيبا فَاضلا مَعْرُوفا فِي زَمَانه متميزا فِي أَوَانه صحب يوحنا بن ماسويه بِبَغْدَاد وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ
وخدم بصناعة الطِّبّ الْأَمِير أَحْمد بن طولون وَتقدم عِنْده وسافر مَعَه إِلَى الديار المصرية وَاسْتمرّ فِي خدمته وَلم يزل إِبْرَاهِيم بن عِيسَى مُقيما فِي فسطاط مصر إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي نَحْو سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
الْحسن بن زيرك
كَانَ طَبِيبا فِي مصر أَيَّام أَحْمد بن طولون يَصْحَبهُ فِي الْإِقَامَة فَإِذا سَافر صَحبه
سعيد بن توفيل
وَلما توجه ابْن طولون إِلَى دمشق فِي شهور سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وامتد مِنْهَا إِلَى الثغور لإصلاحها وَدخل أنطاكية عَائِدًا عَنْهَا أَكثر من اسْتِعْمَال لبن الجواميس فَأَدْرَكته هيضة لم ينجع فِيهَا معاناة سعيد ابْن توفيل وَعَاد بهَا إِلَى مصر وَهُوَ ساخط على سعيد بن توفيل
فَلَمَّا دخل الْفسْطَاط احضر الْحسن ابْن زيرك وشكا إِلَيْهِ سعيدا فسهل عَلَيْهِ ابْن زيرك أَمر علته وأعلمه أَنه يَرْجُو لَهُ السَّلامَة مِنْهَا عَن قرب
وَخفت عَنهُ علته بالراحة والطمأنينة واجتماع الشمل وهدوء النَّفس وَحسن الْقيام
وبر الْحسن بن زيرك
وَكَانَ يسر التَّخْلِيط مَعَ الْحرم فازدادت علته ثمَّ دَعَا بالأطباء فأرهبهم وخوفهم وكتمهم مَا أسلفه من سوء التَّدْبِير والتخليط واشتهى على بعض حظاياه سمكًا قريصا فأحضرته إِيَّاه سرا فَمَا تمكن من معدته حَتَّى تتَابع الإسهال فأحضر الْحسن بن زيرك وَقَالَ لَهُ احسب الَّذِي سقيتنيه الْيَوْم غير صَوَاب
قَالَ لَهُ الْحسن بن زيرك يَأْمر الْأَمِير أيده الله بإحضار جمَاعَة أطباء الْفسْطَاط دَاره فِي غَدَاة كل يَوْم حَتَّى يتفقوا على مَا يَأْخُذهُ كل غَدَاة وَمَا سقيتك إِلَّا أَشْيَاء تولى عجنها ثقتك وجميعها تنهض الْقُوَّة الماسكة فِي معدتك وكبدك
فَقَالَ أَحْمد وَالله لَئِن لم تنجحوا فِي تدبيركم لَأَضرِبَن أَعْنَاقكُم فَإِنَّمَا تجربون على العليل وَلَا يحصل مِنْكُم على شَيْء فِي الْحَقِيقَة
فَخرج الْحسن بن زيرك من بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يرعد
وَكَانَ شَيخا كَبِيرا فحميت كبده من سوء فكره وخوفه وتشاغله عَن الْمطعم وَالنَّوْم فاعتراه إسهال سريع وَاسْتولى الْغم عَلَيْهِ فخلط وَكَانَ يهذي بعلة أَحْمد بن طولون حَتَّى مَاتَ فِي غَد ذَلِك الْيَوْم
سعيد بن توفيل
كَانَ طَبِيبا نَصْرَانِيّا متميزا فِي صناعَة الطِّبّ وَكَانَ فِي خدمَة أَحْمد بن طولون من أطباء الْخَاص يَصْحَبهُ فِي السّفر والحضر وَتغَير عَلَيْهِ قبل مَوته
وَسَببه أَن أَحْمد بن طولون كَمَا تقدم ذكره
كَانَ قد خرج إِلَى الشَّام وَقصد الثغور لإصلاحها وَعَاد إِلَى أنطاكية فَأَدْرَكته هيضة من ألبان الجواميس لِأَنَّهُ أسْرع فِيهَا واستكثر مِنْهَا فالتمس طبيبه سعيدا فَوَجَدَهُ قد خرج إِلَى بيعَة بأنطاكية فَتمكن غيظه عَلَيْهِ فَلَمَّا حضر اغلظ لَهُ فِي التَّأَخُّر عَنهُ وأنف أَن يشكو إِلَيْهِ مَا وجده
ثمَّ زَاد الْأَمر عَلَيْهِ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة فَطَلَبه فجَاء متنبذا فَقَالَ لَهُ لي من يَوْمَيْنِ عليل وَأَنت شَارِب نَبِيذ فَقَالَ يَا سَيِّدي طلبتني أمس وَأَنا فِي بيعتي على مَا جرت عادتي وَحَضَرت فَلم تُخبرنِي بِشَيْء قَالَ فَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَن تسْأَل عَن حَالي قَالَ ظَنك يَا مولَايَ سيئ وَلست أسأَل أحدا من حاشيتك عَن شَيْء من أَمرك
قَالَ فَمَا الصَّوَاب السَّاعَة قَالَ لَا تقرب شَيْئا من الْغذَاء وَلَو قرمت إِلَيْهِ اللَّيْلَة وَغدا
قَالَ أَنا وَالله جَائِع وَمَا أَصْبِر
قَالَ هَذَا جوع كَاذِب لبرد الْمعدة
فَلَمَّا كَانَ فِي نصف اللَّيْل استدعى شَيْئا يَأْكُلهُ فجيء بفراريج كردباج حارة وبزماورد من دَجَاج وجداء بَارِدَة فَأكل مِنْهَا فَانْقَطع الإسهال عَنهُ فَخرج نسيم الْخَادِم وَسَعِيد فِي الدَّار قَالَ لَهُ أكل الْأَمِير خروف كردباج فخف عَنهُ الْقيام
قَالَ سعيد الله الْمُسْتَعَان ضعفت قوته الدافعة بقهر الْغذَاء لَهَا وستتحرك حَرَكَة مُنكرَة فوَاللَّه مَا وافى السحر حَتَّى قَامَ أَكثر من عشرَة مجَالِس وَخرج من أنطاكية وعلته تتزايد إِلَّا أَن فِي قوته احْتِمَالا لَهَا
وَطلب مصر وَثقل عَلَيْهِ ركُوب الدَّوَابّ فَعمِلت لَهُ عجلة كَانَت تجر بِالرِّجَالِ وطِئت لَهُ فَمَا وصل الفرما حَتَّى شكا إزعاجها فَركب المَاء إِلَى الْفسْطَاط وَضرب لَهُ بالميدان قبَّة نزل فِيهَا
وَلما حل ابْن طولون بِمصْر ظَهرت مِنْهُ نبوة فِي حق سعيد الطَّبِيب هَذَا وشكاه إِلَى إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم كَاتبه وَصَاحبه فَقَالَ إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم لسَعِيد يعاتبه وَيحك أَنْت حاذق فِي صناعتك وَلَيْسَ لَك عيب إِلَّا أَنَّك مدل بهَا غير خاضع أَن تخدمه فِيهَا
والأمير وَإِن كَانَ فصيح اللِّسَان فَهُوَ أعجمي الطَّبْع وَلَيْسَ يعرف أوضاع الطِّبّ فيدبر نَفسه بهَا وينقاد لَك
وَقد أفْسدهُ عَلَيْك الإقبال فتلطف لَهُ وأرفق بِهِ وواظب عَلَيْهِ وراع حَاله
فَقَالَ سعيد وَالله مَا خدمتي لَهُ إِلَّا خدمَة الفار للسنور والسخلة للذئب وَأَن قَتْلِي لأحب إِلَيّ من صحبته
وَمَات أَحْمد بن طولون فِي علته هَذِه
وَقَالَ نسيم خَادِم أَحْمد بن طولون أَن سعيد بن توفيل المتطبب كَانَ فِي خدمَة الْأَمِير أَحْمد بن طولون فَطَلَبه يَوْمًا فَقيل لَهُ مضى يستعرض ضَيْعَة يَشْتَرِيهَا فامسك حَتَّى حضر
ثمَّ قَالَ لَهُ يَا سعيد اجْعَل ضيعتك الَّتِي تشتريها فتستغلها صحبتي وَلَا تغفلها وَاعْلَم أَنَّك تسبقني إِلَى الْمَوْت إِن كَانَ موتِي على فِرَاشِي فَإِنِّي لَا أمكنك بالاستمتاع بِشَيْء بعدِي
قَالَ نسيم وَكَانَ سعيد بن توفيل آيسا من
الْحَيَاة لِأَن أَحْمد بن طولون امْتنع من مشاورته وَلم يكن يحضر إِلَّا وَمَعَهُ من يستظهر عَلَيْهِ بِرَأْيهِ ويعتقد فِيهِ أَنه فرط فِي أول أمره وَابْتِدَاء الْعلَّة بِهِ حَتَّى فَاتَ أمره
وَفِي التَّارِيخ أَن سعيد بن توفيل كَانَ لَهُ فِي أول مَا صحب أَحْمد شاكري قَبِيح الصُّورَة كَانَ ينفض الْكَتَّان مَعَ أَب لَهُ واسْمه هَاشم وَكَانَ يخْدم بغلة سعيد ويمسكها لَهُ إِذا دخل دَار أَحْمد ابْن طولون
وَكَانَ سعيد يَسْتَعْمِلهُ فِي بعض الْأَوْقَات فِي سحق الْأَدْوِيَة بداره إِذا رَجَعَ مَعَه وينفخ النَّار على المطبوخات
وَكَانَ لسَعِيد بن توفيل ابْن حسن الصُّورَة ذكي الرّوح حسن الْمعرفَة بالطب فَتقدم أَحْمد بن طولون إِلَى سعيد أول مَا صَحبه أَن يرتاد متطببا يكون لحرمه وَيكون مُقيما بالحضرة فِي غيبته فَقَالَ لَهُ سعيد لي ولد قد عَلمته وخرجته
قَالَ أرنيه فَأحْضرهُ فَرَأى شَابًّا رائقا حسن الْأَسْبَاب كلهَا
فَقَالَ لَهُ أَحْمد بن طولون لَيْسَ يصلح هَذَا لخدمة الْحرم احْتَاجَ لَهُنَّ حسن الْمعرفَة قَبِيح الصُّورَة فأشفق سعيد أَن ينصب لَهُم غَرِيبا فينبو عَنهُ وَيُخَالف عَلَيْهِ فَأخذ هاشما وَألبسهُ دراعة وخفين ونصبه للحرم
فَذكر جريج ابْن الطباخ المتطبب قَالَ لقِيت سعيد بن توفيل وَمَعَهُ عمر بن صَخْر
فَقَالَ لَهُ عمر مَا الَّذِي نصبت هاشما لَهُ قَالَ خدمَة الْحرم لِأَن الْأَمِير طلب قَبِيح الْخلقَة
فَقَالَ لَهُ عمر قد كَانَ فِي أَبنَاء الْأَطِبَّاء قَبِيح قد حسنت تَرْبِيَته وطاب مغرسه يصلح لهَذَا وَلَكِنَّك استرخصت الصَّنْعَة
وَالله يَا أَبَا عُثْمَان إِن قويت يَده ليرجعن إِلَى دناءة منصبه وخساسة محتده
فتضاحك سعيد بغرته من هَذَا الْكَلَام
وَتمكن هَاشم من الْحرم بإصلاحه لَهُم مَا يوافقهم من عمل أدوية الشَّحْم وَالْحَبل وَمَا يحسن اللَّوْن ويغزر الشّعْر حَتَّى قدمه النِّسَاء على سعيد
فَلَمَّا جمع الْأَطِبَّاء على الغدو إِلَى أَحْمد بن طولون فِي كل يَوْم عِنْد اشتداد علته قَالَت مائَة ألف أم أبي المشائر قد احضر جمَاعَة من الْأَطِبَّاء وَلم يحضر هَاشم وَالله يَا سَيِّدي مَا فيهم مثله فَقَالَ لَهَا أحضرينيه سرا حَتَّى أشافهه واسمع كَلَامه فأدخلته إِلَيْهِ سرا وشجعته على كَلَامه
فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ نظر وَجهه وَقَالَ أغفل الْأَمِير حَتَّى بلغ إِلَى هَذِه الْحَالة لَا أحسن الله جَزَاء من كَانَ يتَوَلَّى أمره
قَالَ لَهُ أَحْمد بن طولون فَمَا الصَّوَاب يَا مبارك قَالَ تتَنَاوَل قميحة فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَعدد قَرِيبا من مائَة عقار وَهَذِه القمائح تمسك وَقت أَخذهَا وتعود بِضَرَر بعد ذَلِك لِأَنَّهَا تتعب القوى
فَتَنَاولهَا أَحْمد وَأمْسك عَن تنَاول مَا عمله سعيد والأطباء
وَلما أَمْسَكت حسن موقع ذَلِك عِنْد أَحْمد وَظن أَن الْبُرْء قد تمّ لَهُ
ثمَّ قَالَ أَحْمد لهاشم إِن سعيدا قد حماني من شهر عَن لقْمَة عصيدة وَأَنا أشتهيها قَالَ يَا سَيِّدي أَخطَأ سعيد وَهِي مغذية وَلها أثر حميد فِيك
فَتقدم أَحْمد بن طولون بإصلاحها فجيء مِنْهَا بجام وَاسع فَأكل أَكْثَره وطاب نفسا ببلوغ شَهْوَته ونام ولحجت العصيدة فَتوهم أَن حَاله زَادَت صلاحا
وكل هَذَا يطوى عَن سعيد بن توفيل
وَلما حضر سعيد قَالَ لَهُ مَا تَقول فِي العصيدة قَالَ هِيَ ثَقيلَة على الْأَعْضَاء وتحتاج أَعْضَاء الْأَمِير إِلَى تَخْفيف عَنْهَا
قَالَ لَهُ أَحْمد دَعْنِي