الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَيْهِ فِي كل يَوْم عِنْد تَسْلِيمه فِي صَلَاة الغذاة فَيغسل أجفانه ويكحل عَيْنَيْهِ فَإِذا انتبه من قائلته فعل مثل ذَلِك
وَكَانَ يجْرِي عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فِي كل شهر
ثمَّ سَقَطت مَنْزِلَته بعد ذَلِك فَسَأَلته عَن السَّبَب فِي ذَلِك فَأَخْبرنِي أَن الْحُسَيْن الْخَادِم اعتل فَلم يُمكن ياسرا أَخَاهُ عيادته لاشتغاله بِالْخدمَةِ إِلَى أَن وافى يَاسر بَاب الْحُجْرَة الَّتِي كَانَ فِيهَا الْمَأْمُون وَقد خرج جِبْرَائِيل من عِنْده بعد أَن برد أجفانه وكحل عَيْنَيْهِ
فَسَأَلَهُ يَاسر عَن خبر الْمَأْمُون فَأخْبرهُ أَنه أغفى فتغنم يَاسر مَا أخبرهُ بِهِ من نَومه فَصَارَ إِلَى حُسَيْن فعاده
وأنتبه الْمَأْمُون قبل انصراف يَاسر من عِنْد حُسَيْن ثمَّ انْصَرف يَاسر فَسَأَلَهُ الْمَأْمُون عَن سَبَب تخلفه فَقَالَ يَاسر أخْبرت بنوم أَمِير الْمُؤمنِينَ فصرت إِلَى حُسَيْن فعدته
فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون وَمن أخْبرك برقادي فَقَالَ لَهُ يَاسر جِبْرَائِيل الكحال
قَالَ جِبْرَائِيل فأحضرني الْمَأْمُون ثمَّ قَالَ يَا جِبْرَائِيل اتخذتك كحالا لي أَو عَاملا على الْإِخْبَار عني أردد عَليّ مكاحلي وأميالي واخرج عَن دَاري
فأذكرته خدمتي فَقَالَ إِن لَهُ لحُرْمَة فليقتصر لَهُ على إِجْرَاء مائَة وَخمسين درهما فِي كل شهر وَلَا يُؤذن لَهُ فِي الدُّخُول
فَلم يخْدم الْمَأْمُون بعده حَتَّى توفّي
ماسويه أَبُو يوحنا
قَالَ فثيون الترجمان أَن ماسويه كَانَ يعْمل فِي دق الْأَدْوِيَة فِي بيمارستان جندي سَابُور وَهُوَ لَا يقْرَأ حرفا وَاحِدًا بِلِسَان من الْأَلْسِنَة إِلَّا أَنه عرف الْأَمْرَاض وعلاجها وَصَارَ بَصيرًا بانتقاد الْأَدْوِيَة فَأَخذه جِبْرَائِيل بن بختيشوع فَأحْسن إِلَيْهِ وعشق جَارِيَة لداود بن سرابيون فابتاعها جِبْرَائِيل بثمانمائة دِرْهَم ووهبها لماسويه ورزق مِنْهَا ابْنه يوحنا وأخاه ميخائيل
وَقَالَ إِسْحَق بن عَليّ الرهاوي فِي كتاب أدب الطَّبِيب عَن عِيسَى بن ماسة إِن ماسويه أَبَا يوحنا كَانَ تلميذا فِي بيمارستان جندي سَابُور ثَلَاثِينَ سنة فَلَمَّا اتَّصل بِهِ مَحل جِبْرَائِيل من الرشيد قَالَ هَذَا أَبُو عِيسَى قد بلغ السها وَنحن فِي البيمارستان لَا نتجاوزه
فَبلغ ذَلِك جِبْرَائِيل وَكَانَ البيمارستان إِلَيْهِ فَأمر بِإِخْرَاجِهِ مِنْهُ وَقطع رزقه
فَبَقيَ مُنْقَطِعًا بِهِ فَصَارَ إِلَى مَدِينَة السَّلَام ليعتذر إِلَى جِبْرَائِيل ويخضع لَهُ
فَلم يزل على بَابه دهرا طَويلا فَلم يَأْذَن لَهُ
فَكَانَ إِذا ركب دَعَا لَهُ واستعطفه فَلَا يكلمهُ
فَلَمَّا ضَاقَ بِهِ الْأَمر صَار إِلَى دَار الرّوم بالجانب الشَّرْقِي فَقَالَ للقس أكرز لي فِي الْبيعَة لَعَلَّه أَن يَقع لي شَيْء فأنصرف إِلَى بلدي فَإِن أَبَا عِيسَى لَيْسَ يرضى عني وَلَا يكلمني
فَقَالَ لَهُ القس أَنْت فِي البيمارستان مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة وَلَا تحسن شَيْئا من الطِّبّ فَقَالَ بلَى وَالله أطب وأكحل وأعالج الْجِرَاحَات
فَأخْرج لَهُ صندوقا وَأَعْطَاهُ إِيَّاه ليداوي وَأَجْلسهُ بِبَاب الْحرم عِنْد قصر الْفضل بن الرّبيع وَهُوَ وَزِير الرشيد فَلم يزل هُنَاكَ يكْسب الشَّيْء بعد الشَّيْء حَتَّى حسنت حَاله
واشتكت عين خَادِم للفضل بن الرّبيع فنفذ إِلَيْهِ جِبْرَائِيل بكحالين فعالجوه بأصناف العلاج فَلم ينْتَفع بِهِ وَاشْتَدَّ وَجَعه حَتَّى عدم النّوم
فَلَمَّا اشْتَدَّ أرقه وقلقه خرج من الْقصر هائما من الضجر والقلق
فَرَأى ماسويه فَقَالَ لَهُ يَا شيخ مَا تصنع هُنَا إِن كنت تحسن شَيْئا فعالجني
وَإِلَّا فَقُمْ من هَهُنَا
فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي أحسن وأجيد
فَقَالَ لَهُ ادخل معي حَتَّى تعالجني
فَدخل مَعَه وقلب جفْنه وكحله وسكب على رَأسه وسعطه
فَنَامَ الْخَادِم وهدأ
فَلَمَّا أصبح أنفذ إِلَى ماسويه جونة فِيهَا خبز سميد وجدي ودجاجة وحلوى ودنانير ودراهم وَقَالَ لَهُ هَذَا لَك فِي كل يَوْم وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير رزقك مني فِي كل شهر
فَبكى ماسويه فَرحا فَتوهم الرَّسُول أَنه قد استقله فَقَالَ لَهُ لَا تغتم فَإِنَّهُ يزيدك وَيحسن إِلَيْك
فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي رضيت مِنْهُ بِهَذَا إِن يدره على الْأَيَّام
فَلَمَّا رَجَعَ عرف الْخَادِم مَا كَانَ مِنْهُ فَعجب مِنْهُ وبرأ الْخَادِم على يَدَيْهِ
وَلم يمض إِلَّا أَيَّام يسرة حَتَّى اشتكت عين الْفضل فنفذ إِلَيْهِ جِبْرَائِيل الكحالين فَلم يزَالُوا يعالجونه فَلم ينْتَفع بهم فَأدْخل الْخَادِم ماسويه إِلَيْهِ لَيْلًا فَلم يزل يكحله إِلَى ثلث اللَّيْل ثمَّ سقَاهُ دَوَاء مسهلا فصلح بِهِ
ثمَّ حضر جِبْرَائِيل فَقَالَ لَهُ الْفضل يَا أَبَا عِيسَى أَن هَهُنَا رجلا يُقَال لَهُ ماسويه من أفره النَّاس وأعرفهم بالكحل فَقَالَ لَهُ وَمن هَذَا لَعَلَّه الَّذِي يجلس بِالْبَابِ فَقَالَ لَهُ نعم
قَالَ جِبْرَائِيل هَذَا كَانَ أكارا لي فَلم يصلح للكروث فطردته وَقد صَار الْآن طَبِيبا وَمَا عالج الطِّبّ قطّ فَإِن شِئْت فَأحْضرهُ وَأَنا حَاضر
وتوهم جِبْرَائِيل أَنه يدْخل وَيقف بَين يَدَيْهِ ويتذلل لَهُ
فَأمر الْفضل بإحضاره فَدخل وَسلم وَجلسَ بحذاء جِبْرَائِيل
فَقَالَ لَهُ جِبْرَائِيل يَا ماسويه أصرت طَبِيبا فَقَالَ لَهُ لم أزل طَبِيبا أَنا أخدم البيمارستان مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة تَقول لي هَذَا القَوْل فَفَزعَ جِبْرَائِيل أَن يزِيد فِي الْمَعْنى فبادر وَانْصَرف فِي الْحَال وَهُوَ خجل
وأجرى الْفضل على ماسويه فِي كل شهر سِتّمائَة دِرْهَم وعلوفة دابتين وَنزل خَمْسَة غلْمَان وَأمره أَن يحمل عِيَاله من جندي سَابُور وَأَعْطَاهُ نَفَقَة وَاسِعَة
فَحمل عِيَاله ويوحنا ابْنه حِينَئِذٍ وَهُوَ صبي
فَمَا مَضَت إِلَّا أَيَّام حَتَّى اشتكت عين الرشيد فَقَالَ لَهُ الْفضل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ طبيبي ماسويه من أحذق النَّاس بالكحل
وَشرح لَهُ قصَّته وَمَا كَانَ من أَمر خادمه وَأمر نَفسه
فَأمر الرشيد بإحضاره فأحضر ماسويه فَقَالَ لَهُ تحسن شَيْئا من الطِّبّ سوى الْكحل فَقَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَيف لَا أحسن وَأَنا قد خدمت المرضى بالبيمارستان مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة فأدناه مِنْهُ وَنظر عَيْنَيْهِ فَقَالَ الْحجام السَّاعَة
فحجمه على سَاقيه وقطر فِي عَيْنَيْهِ فبرأ بعد يَوْمَيْنِ
فَأمر بِأَن يجْرِي عَلَيْهِ ألفا دِرْهَم فِي الشَّهْر ومعونة فِي السّنة عشرُون ألف دِرْهَم وعلوفة وَنزل وألزمه الْخدمَة مَعَ جِبْرَائِيل وَسَائِر من كَانَ فِي الْخدمَة من المتطببين
وَصَارَ نظيرا لجبرائيل بل كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت يحضر بِحُضُورِهِ ويصل بوصوله ودونه فِي الرزق لِأَن جِبْرَائِيل كَانَ لَهُ فِي الشَّهْر عشرَة آلَاف دِرْهَم ومعونة فِي السّنة مائَة ألف دِرْهَم وصلات دائمة وإقطاعات
ثمَّ أَنه اعتلت بانوا أُخْت الرشيد فَلم يزل جِبْرَائِيل يعالجها بأنواع العلاج فَلم تنْتَفع فَاغْتَمَّ بهَا
فَقَالَ الرشيد ذَات يَوْم قد كَانَ ماسويه ذكر أَنه خدم المرضى بالمارستان وَأَنه يعالج الطبائع فَلْيدْخلْ إِلَى عليلتنا لَعَلَّ عِنْده فرجا لَهَا
فأحضر جِبْرَائِيل وماسويه فَقَالَ لَهُ ماسويه عرفني حَالهَا وَجَمِيع مَا دبرتها بِهِ إِلَى وقتنا هَذَا
فَلم يزل جِبْرَائِيل يصف لَهُ مَا عالجها بِهِ فَقَالَ ماسويه التَّدْبِير صَالح والعلاج مُسْتَقِيم وَلَكِن احْتَاجَ إِلَى أَن أَرَاهَا
فَأمر الرشيد أَن يدخلا إِلَيْهَا
فَدخل وتأملها وجس عروقها بِحَضْرَة الرشيد وَخَرجُوا من عِنْده
وَقَالَ ماسويه للرشيد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يكون لَك طول الْعُمر والبقاء هَذِه تقضي بعد غَد مَا بَين ثَلَاث سَاعَات إِلَى نصف اللَّيْل
فَقَالَ جِبْرَائِيل كذب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنَّهَا تَبرأ وتعيش
فَأمر الرشيد بِحَبْس ماسويه بِبَعْض دوره فِي الْقصر وَقَالَ لأسبرن مَا قَالَه وأنذرنا بِهِ فَمَا رَأينَا بِعلم الشَّيْخ بَأْسا
فَلَمَّا حضر الْوَقْت الَّذِي حَده ماسويه توفيت
فَلم يكن للرشيد همة بعد دَفنهَا إِلَّا أَن أحضر ماسويه فَسَأَلَهُ وأعجب بِكَلَامِهِ
وَكَانَ أعجمي اللِّسَان وَلكنه كَانَ بَصيرًا بالعلاج كثير التجارب فصيره نظيرا لجبرائيل فِي الرزق والنزل والعلوفة والمرتبة وعنى بِابْنِهِ يوحنا ووسع النَّفَقَة عَلَيْهِ فَبلغ الْمرتبَة الْمَشْهُورَة
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم عدت جِبْرَائِيل بن بختيشوع بالعلث فِي سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَقد كَانَ خرج مَعَ الْمَأْمُون فِي تِلْكَ السّنة حَتَّى نزل الْمَأْمُون فِي دير النِّسَاء
فَوجدت عِنْده يوحنا ابْن ماسويه وَهُوَ يناظره فِي علته وجبرائيل يستحسن استماعه وإجابته وَوَصفه
فَدَعَا جِبْرَائِيل بتحويل سنته وسألني النّظر فِيهِ وإخباره بِمَا يدل عَلَيْهِ الْحساب
فَنَهَضَ يوحنا عِنْد ابتدائي بِالنّظرِ فِي التَّحْوِيل فَلَمَّا خرج من الحراقة قَالَ لي جِبْرَائِيل لَيست بك حَاجَة إِلَى النّظر فِي التَّحْوِيل لِأَنِّي أحفظ جَمِيع قَوْلك وَقَول غَيْرك فِي هَذِه السّنة وَإِنَّمَا أردْت بدفعي التَّحْوِيل إِلَيْك أَن ينْهض يوحنا فأسألك عَن شَيْء بَلغنِي عَنهُ وَقد نَهَضَ
فأسألك بِحَق الله أهل سَمِعت يوحنا قطّ يَقُول أَنه أعلم من جالينوس بالطب فَحَلَفت لَهُ أَنِّي مَا سمعته قطّ يَدعِي ذَلِك فَمَا انْقَضى كلامنا حَتَّى رَأَيْت الحراقات تنحدر إِلَى مَدِينَة السَّلَام فانحدر الْمَأْمُون فِي ذَلِك الْيَوْم وَكَانَ يَوْم خَمِيس ووافينا مَدِينَة السَّلَام غَدَاة يَوْم السبت وَدخل النَّاس كلهم إِلَى مَدِينَة السَّلَام خلا أبي الْعَبَّاس بن الرشيد فَإِنَّهُ أَقَامَ فِي الْموضع الْمَعْرُوف بالقلائين من الْجَانِب الغربي بِمَدِينَة السَّلَام وَهُوَ بازاء دَار الْفضل بن يحيى بِبَاب الشماسية الَّتِي صَار بَعْضهَا فِي خلَافَة المعتصم لأبي الْعَبَّاس بن الرشيد
فَكنت وَجَمَاعَة مِمَّن يُرِيد الْمصير إِلَى أبي الْعَبَّاس مِمَّن مَنَازِلهمْ فِي قنطرة البردان ونهر الْمهْدي لَا نجشم أَنْفُسنَا الْمصير إِلَى الجسر ثمَّ الْمصير إِلَى القلائين لبعد الشقة فنصير إِلَى قصر الْفضل بن يحيى ونقف بِإِزَاءِ مضرب أبي الْعَبَّاس وَكَانَت الزبيديات توافينا فتعبر بِنَا
فاجتمعت ويوحنا بن ماسويه عِنْد أبي الْعَبَّاس بعد موافاة الْمَأْمُون بِمَدِينَة السَّلَام بِثَلَاثَة أَيَّام
وجمعتنا الزبيدية عِنْد انصرافنا فَسَأَلَنِي عَن عهدي بجبرائيل فأعلمته إِنِّي لم أره مُنْذُ اجْتَمَعنَا بالعلث ثمَّ قلت لَهُ قد شنعت عِنْده
فَقَالَ
بِمَاذَا فَقلت لَهُ بلغه أَنَّك تَقول أَنا أعلم من جالينوس
فَقَالَ على من ادّعى عَليّ هَذِه الدعْوَة لَعنه الله وَالله مَا صدق مؤدي هَذَا الْخَبَر وَلَا بر
فسرى ذَلِك من قَوْله مَا كَانَ فِي قلبِي وأعلمته أَنِّي أزيل عَن قلب جِبْرَائِيل مَا تأدى إِلَيْهِ من الْخَبَر الأول
فَقَالَ لي افْعَل نشدتك الله وَقرر عِنْده مَا أَقُول وَهُوَ مَا كنت أقوله فحرف عِنْده
فَسَأَلته عَنهُ فَقَالَ إِنَّمَا قلت لَو أَن بقراط وجالينوس عاشا إِلَى أَن يسمعا قولي فِي الطِّبّ وصفاتي لسألا ربهما أَن يبدلهما بِجَمِيعِ حواسهما من الْبَصَر والشم والذوق واللمس حسا سمعيا يضيفانه إِلَى مَا مَعَهُمَا من حس السّمع ليسمعا حكمي ووصفي
فأسألك بِاللَّه أما أدّيت هَذَا القَوْل عني إِلَيْهِ
فاستعفيته من إِلْقَاء هَذَا الْخَبَر عَنهُ فَلم يعفني
فأديت إِلَى جِبْرَائِيل الْخَبَر وَقد كَانَ أصبح فِي ذَلِك الْيَوْم مفرقا من علته فتداخله من الغيظ والضجر مَا تخوفت عَلَيْهِ مِنْهُ النكسة وَأَقْبل يَدْعُو على نَفسه وَيَقُول هَذَا جَزَاء من وضع الصنيعة فِي غير موضعهَا وَهَذَا جَزَاء من اصْطنع السّفل وَأدْخل فِي مثل هَذِه الصِّنَاعَة الشَّرِيفَة من لَيْسَ من أَهلهَا
ثمَّ قَالَ هَل عرفت السَّبَب فِي يوحنا وَأَبِيهِ فَأَخْبَرته أَنِّي لَا أَعْرفهُمَا
فَقَالَ لي إِن الرشيد أَمرنِي باتخاذ بيمارستان وأحضرت دهشتك رَئِيس بيمارستان جندي سَابُور لتقليده البيمارستان الَّذِي أمرت باتخاذه فَامْتنعَ من ذَلِك
وَذكر أَن السُّلْطَان لَيست لَهُ عَلَيْهِ أرزاق جَارِيَة وَأَنه إِنَّمَا يقوم ببيمارستان جندي سَابُور وميخائيل ابْن أَخِيه حسبَة
وَتحمل عَليّ بطيمانيوس الجاثليق فِي إعفاءه وَابْن أَخِيه فأعفيتهما
فَقَالَ لي أما إِذْ قد أعفيتني فَإِنِّي أهدي إِلَيْك هَدِيَّة ذَات قدر يحسن بك قبُولهَا وتكثر مَنْفَعَتهَا لَك فِي هَذَا البيمارستان
فَسَأَلته عَن الْهَدِيَّة فَقَالَ لي إِن صَبيا كَانَ مِمَّن يدق الْأَدْوِيَة عندنَا مِمَّن لَا يعرف لَهُ أَب وَلَا قرَابَة أَقَامَ فِي البيمارستان أَرْبَعِينَ سنة وَقد بلغ الْخمسين سنة أَو جاوزها وَهُوَ لَا يقْرَأ حرفا وَاحِدًا بِلِسَان من الْأَلْسِنَة إِلَّا أَنه قد عرف الأدواء دَاء دَاء وَمَا يعالج بِهِ كل دَاء
وَهُوَ أعلم خلق الله بانتقاد الْأَدْوِيَة وَاخْتِيَار جيدها وَنفي رديها
فَأَنا أهديه لَك فاضممه إِلَى من أَحْبَبْت من تلامذتك
ثمَّ قلد تلميذك البيمارستان فَإِن أُمُوره تخرج على أحسن من مخرجها لَو قلدتني هَذَا البيمارستان
فأعلمته أَنِّي قد قبلت الْهَدِيَّة وَانْصَرف دهشتك إِلَى بَلَده وأنفذ إِلَيّ الرجل فَأدْخل عَليّ فِي زِيّ الرهبان وكشفته فَوَجَدته على مَا حكى لي عَنهُ
وَسَأَلته عَن اسْمه فَأَخْبرنِي أَن اسْمه ماسويه
وَكنت فِي خدمَة الرشيد وداؤد بن سرابيون مَعَ أم جَعْفَر
وَكَانَ الْمنزل الَّذِي ينزله ماسويه يبعد عَن منزلي وَيقرب من منزل داؤد بن سرابيون
وَكَانَ فِي داؤد دعابة وبطالة وَكَانَ فِي ماسويه ضعف من ضعف السّفل فيستطيبه كل بطال
فَمَا مضى بمساويه إِلَّا يسير حَتَّى صَار إِلَيّ وَقد غير زيه وَلبس الثِّيَاب الْبيض فَسَأَلته عَن خَبره فَأَعْلمنِي أَنه قد عشق جَارِيَة لداؤد بن سرابيون صقلبية يُقَال لَهَا رِسَالَة وسألني ابتياعها لَهُ فابتعتها لَهُ بثمانمائة دِرْهَم ووهبتها لَهُ فأولدها يوحنا وأخاه
ثمَّ رعيت لماسويه ابتياعي لَهُ رِسَالَة وَطَلَبه مِنْهَا النَّسْل وصيرت وَلَده كَأَنَّهُمْ ولد قرَابَة لي وعنيت بِرَفْع أقدارهم وتقديمهم على أَبنَاء أَشْرَاف أهل هَذِه المهنة وعلمائهم ثمَّ رتبت ليوحنا وَهُوَ غُلَام الْمرتبَة الشَّرِيفَة ووليته البيمارستان وَجَعَلته رَئِيس تلامذتي فَكَانَت
وَقَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم كَانَ مجْلِس يوحنا بن ماسويه أعمر مجْلِس كنت أرَاهُ بِمَدِينَة السَّلَام لمتطبب أَو مُتَكَلم أَو متفلسف لِأَنَّهُ كَانَ يجْتَمع فِيهِ كل صنف من أَصْنَاف أهل الْأَدَب
وَكَانَ فِي يوحنا دعابة شَدِيدَة يحضر بعض من يحضر من أجلهَا
وَكَانَ من ضيق الصَّدْر وَشدَّة الحدة على أَكثر مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ جِبْرَائِيل بن يختيشوع
وَكَانَت الحدة تخرج مِنْهُ ألفاظا مضحكة وَكَانَ أطيب مَا يكون مَجْلِسه فِي وَقت نظره فِي قَوَارِير المَاء وَكنت وَابْن حمدون بن عبد الصَّمد بن عَليّ الملقب بِأبي العيرطرد وَإِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الملقب ببيض الْبَغْل قد توكلنا بِهِ بِحِفْظ نوادره وأظهرت لَهُ التلمذة فِي قِرَاءَة كتب الْمنطق عَلَيْهِ وأظهروا لَهُ التلمذة بقراءتهما كتب جالينوس فِي الطِّبّ عَلَيْهِ
قَالَ يُوسُف فمما حفظت من نوادره فِي وَقت نظره أَن امْرَأَة أَتَتْهُ فَقَالَت لَهُ إِن فُلَانَة وفلانة وفلانة يقْرَأن عَلَيْك السَّلَام فَقَالَ لَهَا أَنا بأسماء أهل قسطنطينية وعمورية أعلم مني بأسماء هَؤُلَاءِ الَّذين سميتهن فاظهري بولك حَتَّى أنظر لَك فِيهِ
قَالَ يُوسُف وحفظت عَلَيْهِ أَن رجلا شكى إِلَيْهِ عِلّة كَانَ شفاؤه مِنْهَا الفصد فَأَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ لم أَعْتَد الفصد فَقَالَ لَهُ وَلَا أَحسب أحدا اعتاده فِي بطن أمه
وَكَذَلِكَ لم تَعْتَد الْعلَّة قبل أَن تعتل وَقد حدثت بك فاختر مَا شِئْت من الصَّبْر على مَا أحدثت لَك الطبيعة من الْعلَّة أَو اعتياد الفصد لتسلم مِنْهَا
قَالَ يُوسُف وشكى إِلَيْهِ رجل بحضرتي جربا قد أضرّ بِهِ فَأمره بفصد الأكحل من يَده الْيُمْنَى فَأعلمهُ أَنه قد فعل
فَأمر بفصد الأكحل أَيْضا من يَده الْيُسْرَى فَذكر أَنه قد فعل
فَأمره بِشرب الْمَطْبُوخ فَقَالَ قد فعلت فَأمره بِشرب الأصمخيقون فَأعلمهُ أَنه قد فعل
فَأمره بِشرب مَاء الْجُبْن أسبوعا وَشرب مخيض الْبَقر أسبوعين فَأعلمهُ أَنه قد فعل
فَقَالَ لَهُ لم يبْق شَيْء مِمَّا أَمر بِهِ المتطببون إِلَّا وَقد ذكرت أَنَّك فعلته وَبَقِي شَيْء مِمَّا لم يذكرهُ بقراط وَلَا جالينوس وَقد رَأَيْنَاهُ يعْمل على التجربة كثيرا فَاسْتَعْملهُ فَإِنِّي أَرْجُو أَن ينجح علاجك إِن شَاءَ الله
فَسَأَلَهُ مَا هُوَ فَقَالَ ابتع زَوجي قَرَاطِيس وقطعهما رِقَاعًا صغَارًا واكتب فِي كل رقْعَة رحم الله من دَعَا لمبتلى بالعافية وألق نصفهَا فِي الْمَسْجِد الشَّرْقِي بِمَدِينَة السَّلَام وَالنّصف الآخر فِي الْمَسْجِد الغربي وفرقها فِي الْمجَالِس يَوْم الْجُمُعَة فَأَنِّي أَرْجُو أَن ينفعك الله بِالدُّعَاءِ إِذْ لم ينفعك العلاج
قَالَ يُوسُف وَصَارَ إِلَيْهِ وَأَنا حَاضر قسيس الْكَنِيسَة الَّتِي يتَقرَّب فِيهَا يوحنا وَقَالَ لَهُ قد فَسدتْ عَليّ معدتي
فَقَالَ لَهُ اسْتعْمل جوارشن الخوزبي فَقَالَ قد فعلت
فَقَالَ لَهُ يوحنا فَاسْتعْمل السقمونيا قَالَ قد أكلت مِنْهُ أرطالا فَأمره بِاسْتِعْمَال المقداذيقون فَقَالَ قد شربت
مِنْهُ جرة
قَالَ لَهُ فَاسْتعْمل المروسيا فَقَالَ قد فعلت وَأَكْثَرت
فَغَضب وَقَالَ لَهُ إِن أردْت أَن تَبرأ فَأسلم فَإِن الْإِسْلَام يصلح الْمعدة
قَالَ يُوسُف واشتدت على يوحنا عِلّة كَانَ فِيهَا حَتَّى يئس مِنْهُ أَهله وَمن عَادَة النَّصَارَى إِحْضَار من يئس مِنْهُ أَهله جمَاعَة من الرهبان والقسيسين والشمامسة يقرؤون حوله فَفعل مثل ذَلِك بيوحنا
فأفرق والرهبان حوله يقرؤون فَقَالَ لَهُم يَا أَوْلَاد الْفسق مَا تَصْنَعُونَ فِي بَيْتِي فَقَالُوا لَهُ كُنَّا نَدْعُو رَبنَا فِي التفضل عَلَيْك بالعافية
فَقَالَ لَهُم يوحنا قرص ورد أفضل من صلوَات جَمِيع أهل النَّصْرَانِيَّة مُنْذُ كَانَت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة اخْرُجُوا من منزلي فَخَرجُوا
قَالَ يُوسُف وشكى بحضرتي إِلَى يوحنا رجل من التُّجَّار جربا بِهِ فِي أَيَّام الشتَاء فَقَالَ لَيست هَذِه من أَيَّام علاج مَا تَجِد وَإِنَّمَا علاج دائك هَذَا فِي أَيَّام الرّبيع فتنكب أكل المعفنات كلهَا وطري السّمك ومالحه صغَار ذَلِك وكباره وكل حريف من الأبزار والبقول وَمَا يخرج من الضَّرع
فَقَالَ لَهُ الرجل هَذِه أَشْيَاء لست أعْطى صبرا على تَركهَا
فَقَالَ لَهُ يوحنا فَإِن كَانَ الْأَمر على مَا ذكرت فأدمن أكلهَا وحك بدنك فَلَو نزل الْمَسِيح لَك خَاصَّة لما انتفعت بدعائه لما تصف بِهِ نَفسك من الشره
قَالَ يُوسُف وعاتبه النَّصَارَى على اتِّخَاذ الْجَوَارِي وَقَالُوا لَهُ خَالَفت ديننَا وَأَنت شماس فَأَما إِن كنت على سنتنا واقتصرت على امْرَأَة وَاحِدَة وَكنت شماسا لنا وَإِمَّا أخرجت نَفسك من الشماسية واتخذت مَا بدا لَك من الْجَوَارِي فَقَالَ إِنَّمَا أمرنَا فِي مَوضِع وَاحِد أَن لَا نتَّخذ امْرَأتَيْنِ وَلَا ثَوْبَيْنِ فَمن جعل الجاثليق العاض بظر أمه أولى أَن يتَّخذ عشْرين ثوبا من يوحنا الشقي فِي اتِّخَاذ أَربع جوَار فَقولُوا لجاثليقكم أَن يلْزم قانون دينه حَتَّى نلزمه مَعَه وَإِن خَالفه خالفناه
قَالَ يُوسُف وَكَانَ بختيشوع بن جِبْرَائِيل يداعب يوحنا كثيرا فَقَالَ لَهُ يَوْمًا فِي مجْلِس أبي إِسْحَق وَنحن فِي عَسْكَر المعتصم بِالْمَدَائِنِ فِي سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ أَنْت يَا أَبَا زَكَرِيَّا أخي لأبي فَقَالَ يوحنا لأبي إِسْحَق أشهد أَيهَا الْأَمِير على إِقْرَاره فوَاللَّه لأقاسمنه مِيرَاثه من أَبِيه فَقَالَ لَهُ بختيشوع أَن أَوْلَاد الزِّنَا لَا يَرِثُونَ وَلَا يورثون وَقد حكم دين الْإِسْلَام للعاهر بِالْحجرِ فَانْقَطع يوحنا وَلم يحر جَوَابا
قَالَ يُوسُف وَكَانَت دَار الطيفوري فِي دَار الرّوم من الْجَانِب الشَّرْقِي بِمَدِينَة السَّلَام لصيقة دَار يوحنا بن ماسويه وَكَانَ للطيفوري ابْن قد علم الطِّبّ علما حسنا يُقَال لَهُ دانيل ثمَّ ترهب بعد ذَلِك فَكَانَ يدْخل مَدِينَة السَّلَام عِنْد تأدي الْخَبَر إِلَيْهِ بعلة وَالِده أَو مَا أشبه ذَلِك
وَكَانَ ليوحنا طَاوُوس كَانَ يقف على الْحَائِط الَّذِي فِيمَا بَين دَاره وَدَار الطيفوري فَقدم دانيل مَدِينَة السَّلَام لَيْلًا فِي
الشَّهْر الْمَعْرُوف بآب وَهُوَ شهر شَدِيد الْحر كثير الرمد فَكَانَ الطاووس كلما اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحر صَاح فأنبه دانيل وَهُوَ فِي ثِيَاب صوف من ثِيَاب الرهبان فطرده مَرَّات فَلم ينفع ذَلِك فِيهِ ثمَّ رفع مرزبته فَضرب بهَا رَأس الطاووس فَوَقع مَيتا
واستتر الْخَبَر عَن يوحنا إِلَى أَن ركب وَرجع فصادف عِنْد مُنْصَرفه طاووسه مَيتا على بَاب دَاره فَأقبل يقذف بالحدود من قَتله
فَخرج إِلَيْهِ دانيل فَقَالَ لَا تَشْتُم من قَتله فَإِنِّي أَنا قتلته وَلَك عَليّ مَكَانَهُ عدَّة طواويس
فَقَالَ لَهُ يوحنا بحضرتي لَيْسَ يُعجبنِي رَاهِب لَهُ سَنَام وَطول ذكر
إِلَّا أَنه قَالَ ذَلِك بفحش
فَقَالَ لَهُ دانيل وَكَذَلِكَ لَيْسَ يُعجبنِي شماس لَهُ عدَّة نسَاء وَاسم رئيسة نِسَائِهِ قَرَاطِيس وَهُوَ اسْم رومي لَا عَرَبِيّ
وَمعنى قَرَاطِيس عِنْد الرّوم القرنانة وَلَيْسَ تكون الْمَرْأَة قرنانة حَتَّى تنْكح غير بَعْلهَا
فَخَجِلَ يوحنا وَدخل منزلَة مَفْعُولا
قَالَ يُوسُف وحَدثني بِمصْر أَحْمد بن هرون الشرابي أَن المتَوَكل على الله حَدثهُ فِي خلَافَة الواثق أَن يوحنا بن ماسويه كَانَ مَعَ الواثق على دكان كَانَ للواثق فِي دجلة وَمَعَ الواثق قَصَبَة فِيهَا شص وَقد أَلْقَاهَا فِي دجلة ليصيد بهَا السّمك فَحرم الصَّيْد فَالْتَفت إِلَى يوحنا وَكَانَ على يَمِينه فَقَالَ قُم يَا مشؤوم عَن يَمِيني
فَقَالَ لَهُ يوحنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تَتَكَلَّم بمحال يوحنا بن ماسويه الخوزي وَأمه رِسَالَة الصقلبية المبتاعة بثمانمائة دِرْهَم أَقبلت بِهِ السَّعَادَة إِلَى أَن صَار نديم الْخُلَفَاء وسميرهم وعشيرهم وَحَتَّى غمرته الدُّنْيَا فنال مِنْهَا مَا لم يبلغهُ أمله
فَمن أعظم محَال أَن يكون هَذَا مشؤوما وَلَكِن إِن أحب أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن أخبرهُ بالمشؤوم من هُوَ أخْبرته
فَقَالَ وَمن هُوَ فَقَالَ من وَلدته أَربع خلفاء ثمَّ سَاق الله إِلَيْهِ الْخلَافَة فَترك خِلَافَته وقصورها وبساتينها وَقعد فِي دكان مِقْدَار عشْرين ذِرَاعا فِي مثلهَا فِي وسط دجلة لَا يَأْمَن عصف الرّيح عَلَيْهِ فيغرقه
ثمَّ تشبه بأفقر قوم فِي الدُّنْيَا وشرهم وهم صيادو السّمك
قَالَ لي أَحْمد بن هرون قَالَ لي المتَوَكل فَرَأَيْت الْكَلَام قد أنجع فِيهِ إِلَّا أَنه أمسك لمكاني
قَالَ يُوسُف وحَدثني أَحْمد بن هرون أَن الواثق قَالَ فِي هَذَا ليوحنا وَهُوَ على هَذِه الدّكان يَا يوحنا أَلا أعْجبك من خلة قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ إِن الصياد ليطلب السّمك مِقْدَار سَاعَة فيصيد من السَّمَكَة مَا تَسَاوِي الدِّينَار أَو مَا أشبه ذَلِك
وَأَنا أقعد مذ غدْوَة إِلَى اللَّيْل فَلَا أصيد مَا يُسَاوِي درهما
فَقَالَ لَهُ يوحنا وضع أَمِير الْمُؤمنِينَ التَّعَجُّب فِي غير مَوْضِعه إِن رزق الصياد من صيد السّمك فرزقه يَأْتِيهِ لِأَنَّهُ قوته وقوت عِيَاله ورزق أَمِير الْمُؤمنِينَ بالخلافة فَهُوَ غَنِي عَن أَن يرْزق بِشَيْء من السّمك وَلَو كَانَ رزقه جعل فِي الصَّيْد لوافاه رزقه مِنْهُ مثل مَا يوافي الصياد
قَالَ يُوسُف وحَدثني إِبْرَاهِيم بن عَليّ متطبب أَحْمد بن طولون أَنه كَانَ فِي دهليز يوحنا بن ماسويه
ينْتَظر رُجُوع يوحنا من دَار السُّلْطَان فَانْصَرف وَقد أسلم فِي ذَلِك الْوَقْت عِيسَى بن إِبْرَاهِيم بن نوح بن أبي نوح كَاتب الْفَتْح بن خاقَان
قَالَ إِبْرَاهِيم فَقُمْت إِلَيْهِ وَجَمَاعَة من الرهبان فَقَالَ لنا اخْرُجُوا يَا أَوْلَاد الزِّنَا من دَاري واذهبوا أَسْلمُوا فقد أسلم الْمَسِيح السَّاعَة على يَد المتَوَكل
قَالَ يُوسُف وَقدم جرجة بن زَكَرِيَّا عَظِيم النّوبَة فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ إِلَى سر من رأى وَأهْدى إِلَى المعتصم هَدَايَا فِيهَا قردة
فَإِنِّي عِنْد يوحنا فِي الْيَوْم الثَّانِي من شَوَّال من هَذِه السّنة وَأَنا أعاتبه على تخلفه عَن حُضُور الدَّار فِي ذَلِك الْوَقْت لِأَنِّي رَأَيْت سلمويه وبختيشوع والجريش المتطببين وَقد وصلوا إِذْ دخل علينا غُلَام من الأتراك الْخَاصَّة وَمَعَهُ قرد من القرود الَّتِي أهداها ملك النّوبَة لَا أذكر إِنِّي رَأَيْت أكبر مِنْهُ جثة وَقَالَ لَهُ يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ زوج هَذَا القرد من حماحم قردتك وَكَانَ ليوحنا قردة يسميها حماحم كَانَ لَا يصبر عَنْهَا سَاعَة
فَوَجَمَ لذَلِك ثمَّ قَالَ للرسول قل لأمير الْمُؤمنِينَ اتخاذي لهَذِهِ القردة غير مَا توهمه أَمِير الْمُؤمنِينَ وَإِنَّمَا دبرت تشريحها وَوضع كتاب على مَا وضع جالينوس فِي التشريح يكون جمال وضعي إِيَّاه لأمير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ فِي جسمها قلَّة تكون الْعُرُوق فِيهَا والأوراد والعصب دقاقا فَلم أطمع فِي اتضاح الْأَمر فِيهَا مثل اتضاحه فِيمَا عظم جِسْمه
فتركتها لتكبر ويغلظ جسمها فَأَما إِذْ قد وافى هَذَا القرد فسيعلم أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنِّي سأضع لَهُ كتابا لم يوضع فِي الْإِسْلَام مثله
ثمَّ فعل ذَلِك بالقرد فَظهر لَهُ مِنْهُ كتاب حسن استحسنه أعداؤه فضلا عَن أصدقائه
قَالَ يُوسُف وَدخل يوحنا على مُحَمَّد بن أبي أَيُّوب بن الرشيد وَكَانَت بِهِ حمى مُثَلّثَة وَهِي الَّتِي تَأْخُذ غبا فَنظر إِلَى مَائه وجس عرقه وَسَأَلَهُ عَن خَبره كَيفَ كَانَ فِي أمسه ومبيته وصباحه إِلَى أَن وافاه
فَأخْبرهُ بذلك فَقَالَ يوحنا حماك هَذِه من أسهل الحميات مَا لم يخلط صَاحبهَا لِأَن أقْصَى حَقّهَا سَبْعَة أدوار وَأكْثر ذَلِك يتْرك فِي الدّور الرَّابِع
وَأَن خلط فِيهَا العليل انْتَقَلت فَرُبمَا تطاولت بِهِ الْعلَّة وَرُبمَا تلفت نَفسه
فَقَالَ ابْن أبي أَيُّوب قف بِي على مَا رَأَيْت فَأَنِّي لَا أخالفك
فَأمره أَن يقْتَصر على لباب الْخبز المغسول بِالْمَاءِ الْحَار ثَلَاث غسلات ثمَّ يَأْكُل اللّبَاب إِن كَانَت شَهْوَته للطعام ضَعِيفَة وعَلى المزورات من الطَّعَام مثل الماس والقرع والسرمق وَالْخيَار وَمَا أشبه ذَلِك إِن كَانَت شَهْوَته قَوِيَّة وَإِن يرفع يَده عَن الطَّعَام وَهُوَ يشتهيه
فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد فَهَذَا مَا أمرت بِأَكْلِهِ فدلني على مَا لَا آكل
فَقَالَ لَهُ أول مَا أَنهَاك عَن أكله فيوحنا بن ماسويه ثمَّ بغلة الجاثليق فَإِن حَقه على أهل النَّصْرَانِيَّة وَاجِب ثمَّ الزنبريتان وهما السفينتان اللَّتَان فِي الجسر فِي الْجَانِب الشَّرْقِي فَإِن الجسر لَا يصلح إِلَّا بهما
ثمَّ نَهَضَ مغضبا وَهُوَ يَدْعُو عَليّ لِأَنِّي كنت السَّبَب فِي مصيره إِلَى مُحَمَّد بن أبي أَيُّوب
قَالَ يُوسُف واعتل مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن الْهَادِي الْمَعْرُوف بِابْن مشغوف عِلّة تطاولت بِهِ وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس بن الرشيد يلْزم يوحنا تعاهده وَكَانَ مُحَمَّد ابْن سُلَيْمَان رُبمَا يزِيد فِي الحَدِيث أَشْيَاء لَا يخيل باطلها على سامعها
فَدخل إِلَيْهِ يَوْمًا وَأَنا عِنْده فَاسْتَشَارَهُ فِيمَا يَأْخُذ
فَقَالَ يوحنا قد كنت أُشير عَلَيْك بِمَا تَأْخُذ فِي كل يَوْم وَأَنا أحسبك تحب الصِّحَّة والعافية فَأَما إِذْ صَحَّ عِنْدِي أَنَّك تكره الْعَافِيَة وتحب الْعلَّة فلست اسْتحلَّ أَن أُشير عَلَيْك بِشَيْء
فَقَالَ لَهُ ابْن مشغوف يَا جَاهِل من يكره الْعَافِيَة وَيُحب الْعلَّة فَقَالَ لَهُ يوحنا أَنْت والبرهان على ذَلِك أَن الْعَافِيَة فِي الْعَالم تشبه الْحق والسقم يشبه الْكَذِب وَأَنت تَتَكَلَّم أَكثر دهرك بِالْكَذِبِ فَيكون كَذبك مَادَّة لسقمك فَمَتَى تَبرأ أَنْت من عِلّة متطاولة وَأَنت تمدها أَكثر دهرك بِالْكَذِبِ الزَّائِد فِيهَا فَالْزَمْ الصدْق ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا تكذب فِيهَا فيوحنا بَرِيء من الْمَسِيح إِن لم تخرج من هَذِه الْعلَّة قبل انْقِضَاء هَذِه الثَّلَاثَة أَيَّام
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم وَكَانَ ليوحنا بن ماسويه ابْن يُقَال لَهُ ماسويه أمه بنت الطيفوري جد إِسْرَائِيل متطبب الْفَتْح بن خاقَان
وَكَانَ ماسويه هَذَا أشبه خلق الله بِأَبِيهِ فِي خلقه وَلَفظه وحركاته
إِلَّا أَنه كَانَ بليدا لَا يكَاد يفهم شَيْئا إِلَّا بعد مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ ينسى ذَلِك فِي أسْرع من اللحظ
فَكَانَ يوحنا يظْهر محبَّة ابْنه تقية من أَلْسِنَة الطيفوري وَولده
وَكَانَ أَشد بغضا لَهُ مِنْهُ أسهل الكوسج الَّذِي هتكه بإدعائه أَنه وَضعه فِي فرج أمه
قَالَ يُوسُف واعتل فِي أول سنة سبع عشرَة وَمِائَتَيْنِ صَالح بن شيخ بن عميرَة بن حَيَّان بن سراقَة الْأَسدي عِلّة أشرف مِنْهَا فَأَتَيْته عَائِدًا فَوَجَدته قد أفرق بعض الأفراق فدارت بَيْننَا أَحَادِيث كَانَ مِنْهَا أَن عميرَة جده أُصِيب بِأَخ لَهُ من أَبَوَيْهِ وَلم يخلف ولدا فعظمت عَلَيْهِ الْمُصِيبَة
ثمَّ ظهر حَبل بِجَارِيَة كَانَت لَهُ بعد وَفَاته فَسرِّي عَنهُ بعض مَا دخله من الْغم وحولها إِلَى بَيته وقدمها على حرم نَفسه فَوضعت ابْنة فتبنى بهَا وقدمها على ذُكُور وَلَده وإناثهم
فَلَمَّا ترعرعت رغب لَهَا فِي كُفْء يُزَوّجهَا مِنْهُ
فَكَانَ لَا يخطبها إِلَيْهِ خَاطب إِلَّا فرغ نَفسه للتفتيش عَن حَسبه والتفتيش عَن أخلاقه فَكَانَ بعض من نزع إِلَيْهِ خاطبا لَهَا ابْن عَم لخَالِد بن صَفْوَان بن الْأَهْتَم التَّمِيمِي وَكَانَ عميرَة عَارِفًا بِوَجْه الْفَتى وبنسبه
فَقَالَ يَا بني أما نسبك فلست أحتاج إِلَى التفتيش عَنهُ وَأَنَّك لكفء بابنة أخي من جِهَة الشّرف وَلكنه لَا سَبِيل إِلَى عقد عقدَة النِّكَاح على ابْنَتي دون معرفتي بأخلاق من أعقد الْعقْدَة لَهُ فَإِن سهل عَلَيْك الْمقَام عِنْدِي وَفِي دَاري سنة أكشف فِيهَا أخلاقك كَمَا أكشف أَحْسَاب وأخلاق غَيْرك فأقم فِي الرحب وَالسعَة وَأَن لم يسهل ذَلِك عَلَيْك فَانْصَرف إِلَى أهلك فقد أمرنَا بتجهيزك وَحمل جَمِيع مَا تحْتَاج إِلَيْهِ مَعَك إِلَى موافاتك بصرتك
قَالَ صَالح بن شيخ حَدثنِي أبي عَن جدي أَنه كَانَ لَا يبيت لَيْلَة إِلَّا أَتَاهُ عَن ذَلِك الرجل أَخْلَاق متناقضة
فواصف لَهُ بِأَحْسَن الْأُمُور وواصف لَهُ بأسمجها
فأضطره تنَاقض أخباره إِلَى التَّكْذِيب بكلها وَأَن يتْرك الْأَمر على أَن مادحه مايله وَأَن عائبه تحامل عَلَيْهِ
فَكتب إِلَى خَالِد أما بعد فَإِن فلَانا قدم علينا خاطبا لابنَة أَخِيك فُلَانَة بنت فلَان فَإِن كَانَت أخلاقه تشاكل حَسبه فَفِيهِ الرَّغْبَة لزوجته والحظ لوَلِيّ عقد نِكَاحه
فَإِن رَأَيْت عَليّ بِمَا ترى الْعَمَل بِهِ فِي ابْن عمك وَابْنَة أَخِيك فَإِن المستشار مؤتمن فعلت إِن شَاءَ الله
فَكتب إِلَيْهِ خَالِد قد فهمت كتابك وَكَانَ أَبُو ابْن عمي هَذَا أحسن أَهلِي خلقا وأسمجهم خلقا وَأَحْسَنهمْ عَمَّن أَسَاءَ بِهِ صفحا وأسخاهم كفا إِلَّا أَنه مبتل بالعهار وسماجة الْخلق
وَكَانَت أمه من أحسن خلق الله وَجها وأعفهم فرجا إِلَّا أَنَّهَا من سوء الْخلق وَالْبخل وَقلة الْعقل على مَا لَا أعرف أحدا على مثله
وَابْن عمي هَذَا فقد تقبل من أَبَوَيْهِ مساويهما وَلم يتَقَبَّل شَيْئا من محاسنهما
فَإِن رغبت فِي تَزْوِيجه على مَا شرحت لَك من خَبره فَأَنت وَذَاكَ
وَأَن كرهته رَجَوْت أَن يُخَيّر الله لابنَة أخينا إِن شَاءَ الله
قَالَ صَالح فَلَمَّا قَرَأَ جدي الْكتاب أَمر بإعداد طَعَام للرجل فَلَمَّا أدْرك حمله على نَاقَة مهرية ووكل بِهِ من أخرجه من الْكُوفَة
فَأَعْجَبَنِي هَذَا الحَدِيث وحفظته
وَكَانَ اخْتِيَاري فِي منصرفي من عِنْد صَالح بن شيخ على دَار هرون بن سُلَيْمَان بن الْمَنْصُور فَدخلت عَلَيْهِ مُسلما وصادفت عِنْده ابْن ماسويه
فَسَأَلَنِي هرون عَن خبري وَعَمن لقِيت
فَحَدَّثته بِمَا كَانَ عِنْد صَالح بن شيخ
فَقَالَ لقد كنت فِي معادن الْأَحَادِيث الطّيبَة الحسان
وسألني هَل حفظت عَنهُ حَدِيثا فَحَدَّثته بِهَذَا الحَدِيث
فَقَالَ يوحنا عَلَيْهِ وَعَلِيهِ أَن لم يكن شبه هَذَا الحَدِيث بحديثي وَحَدِيث ابْني أَكثر من شبه ابْني بِي
بليت بطول الْوَجْه وارتفاع قحف الرَّأْس وَعرض الجبين وزرقة الْعين وَرزقت ذكاء وحفظا لكل مَا يَدُور فِي مسامعي
وَكَانَت بنت الطيفوري أحسن أُنْثَى رَأَيْتهَا أَو سَمِعت بهَا إِلَّا أَنَّهَا كَانَت ورهاء بلهاء لَا تعقل مَا تَقول وَلَا تفهم مَا يُقَال لَهَا
فَتقبل ابْنهَا مسامجنا جَمِيعًا وَلم يرْزق من محاسننا شَيْئا
وَلَوْلَا كَثْرَة فضول السُّلْطَان ودخوله فِيمَا لَا يعنيه لشرحت ابْني هَذَا حَيا مثل مَا كَانَ جالينوس يشْرَح القرود وَالنَّاس
فَكنت أعرف بتشريحه الْأَسْبَاب الَّتِي كَانَت لَهَا بلادته وأريح النَّاس من خلقته وأكسب أَهلهَا بِمَا أَضَع فِي كتابي فِي صفة تركيب بدنه ومجاري عروقه وأوراده وعصبه علما وَلَكِن السُّلْطَان يمْنَع من ذَلِك
وَكَأَنِّي بِأبي الْحُسَيْن يُوسُف قد حدث الطيفوري وَولده بِهَذَا الحَدِيث فَألْقى لنا شرا ومنازعات ليضحك مِمَّا يَقع بَيْننَا فَكَانَ الْأَمر على مَا توهم
واعتل ماسويه بن يوحنا بعد هَذَا بِليَال قَلَائِل وَقد ورد رَسُول المعتصم من دمشق أَيَّام كَانَ بهَا مَعَ الْمَأْمُون فِي إشخاص يوحنا إِلَيْهِ فَرَأى يوحنا فصده وَرَأى الطيفوري وأبناه زَكَرِيَّا ودانيل خلاف مَا رأى يوحنا
ففصده يوحنا وَخرج فِي الْيَوْم الثَّانِي إِلَى الشَّام وَمَات ماسويه فِي الْيَوْم الثَّالِث من مخرجه
فَكَانَ الطيفوري وَولده يحلفُونَ فِي جنازتة أَن يوحنا تعمد قَتله ويحتجون بِمَا حدثتهم بِهِ من كَلَامه الَّذِي كَانَ فِي منزل هرون بن سُلَيْمَان
ونقلت من كتاب الْهَدَايَا والتحف لأبي بكر وَأبي عُثْمَان الخالديين قَالَا حَدثنَا أَبُو يحيى
قَالَ افتصد المتَوَكل فَقَالَ لخاصته وندمائه اهدوا إِلَى يَوْم فصدي فاحتفل كل وَاحِد مِنْهُم فِي هديته
وَأهْدى إِلَيْهِ الْفَتْح بن خاقَان جَارِيَة لم ير الراؤون مثلهَا حسنا وظرفا وكمالا فَدخلت إِلَيْهِ وَمَعَهَا جَام ذهب فِي نِهَايَة الْحسن وَدَن بلور لم ير مثله فِيهِ شراب يتَجَاوَز الصِّفَات ورقعة فِيهَا مَكْتُوب
(إِذا خرج الإِمَام من الدَّوَاء
…
وأعقب بالسلامة والشفاء)
(فَلَيْسَ لَهُ دَوَاء غير شرب
…
بِهَذَا الْجَام من هَذَا الطلاء)
(وفض الْخَاتم المهدى إِلَيْهِ
…
فَهَذَا صَالح بعد الدَّوَاء) الوافر
واستظرف المتَوَكل ذَلِك وَاسْتَحْسنهُ وَكَانَ بِحَضْرَتِهِ يوحنا بن ماسويه
فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْفَتْح وَالله أطب مني فَلَا تخَالف مَا أَشَارَ بِهِ
أَقُول وَمن نَوَادِر يوحنا بن ماسويه أَن المتَوَكل على الله قَالَ لَهُ يَوْمًا بِعْت بَيْتِي بقصرين
فَقَالَ لَهُ أخر الْغَدَاء يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَرَادَ المتَوَكل تعشيت فضرني لِأَنَّهُ تصحيفها فَأَجَابَهُ ابْن ماسويه بِمَا تضمن العلاج
وعتب ابْن حمدون النديم ابْن ماسويه بِحَضْرَة المتَوَكل فَقَالَ لَهُ ابْن ماسويه لَو أَن مَكَان مَا فِيك من الْجَهْل عقلا ثمَّ قسم على مائَة خنفساء لكَانَتْ كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ أَعقل من أرسطوطاليس
وَوجدت فِي كتاب جراب الدولة قَالَ دخل ابْن ماسويه المتطبب إِلَى المتَوَكل فَقَالَ المتَوَكل لخادم لَهُ خُذ بَوْل فلَان فِي قَارُورَة وائت بِهِ إِلَى ابْن ماسويه
فَأتى بِهِ فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ قَالَ هَذَا بَوْل بغل لَا محَالة
فَقَالَ لَهُ المتَوَكل كَيفَ علمت أَنه بَوْل بغل قَالَ ابْن ماسويه أحضرني صَاحبه حَتَّى أرَاهُ ويتبين كذبي من صدقي
فَقَالَ المتَوَكل هاتوا الْغُلَام
فَلَمَّا مثل بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ ابْن ماسويه أيش أكلت البارحة قَالَ خبز شعير وَمَاء قراح فَقَالَ ابْن ماسويه هَذَا وَالله طَعَام حماري الْيَوْم
ونقلت من خطّ الْمُخْتَار بن الْحسن بن بطلَان أَن أَبَا عُثْمَان الجاحظ ويوحنا بن ماسويه قَالَ اجْتمعَا بغالب ظَنِّي على مائدة إِسْمَاعِيل بن بلبل الْوَزير
وَكَانَ فِي جملَة مَا قدم مضيرة بعد سمك فَامْتنعَ يوحنا من الْجمع بَينهمَا
قَالَ لَهُ أَبُو عُثْمَان أَيهَا الشَّيْخ لَا يَخْلُو أَن يكون السّمك من طبع اللَّبن أَو مضادا لَهُ فَإِن كَانَ أَحدهمَا ضد الآخر فَهُوَ دَوَاء لَهُ وَإِن كَانَا من طبع وَاحِد فلنحسب أَنا قد أكلنَا من أَحدهمَا إِلَى أَن اكتفينا
فَقَالَ يوحنا وَالله مَالِي خبْرَة بالْكلَام وَلَكِن كل يَا
أَبَا عُثْمَان وَانْظُر مَا يكون فِي غَد
فَأكل أَبُو عُثْمَان نصْرَة لدعواه ففلج فِي ليلته فَقَالَ هَذِه وَالله نتيجة الْقيَاس الْمحَال
وَالَّذِي ضلل أَبَا عُثْمَان اعْتِقَاده أَن السّمك من طبع اللَّبن
وَلَو سامحناه فِي أَنَّهُمَا من طبع وَاحِد لَكَانَ لامتزاجهما قُوَّة لَيست لأَحَدهمَا
وَقَالَ الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ ثَابت الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ عَن الْحُسَيْن بن فهم قَالَ قدم علينا مُحَمَّد بن سَلام صَاحب طَبَقَات الشُّعَرَاء وَهُوَ الجُمَحِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ فاعتل عِلّة شَدِيدَة فَمَا تخلف عَنهُ أحد وَأهْدى إِلَيْهِ أجلاء أطبائهم فَكَانَ ابْن ماسويه مِمَّن أهدي إِلَيْهِ فَلَمَّا جسه وَنظر إِلَيْهِ قَالَ مَا أرى من الْعلَّة مَا أرى من الْجزع
فَقَالَ وَالله مَا ذَاك لحرص على الدُّنْيَا مَعَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَلَكِن الْإِنْسَان فِي غَفلَة حَتَّى يوقظ بعلة وَلَو وقفت بِعَرَفَات وَقْفَة وزرت قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زورة وقضيت أَشْيَاء فِي نَفسِي لرأيت مَا اشْتَدَّ عَليّ من هَذَا قد سهل
فَقَالَ لَهُ ابْن ماسويه فَلَا تجزع فقد رَأَيْت فِي عرقك من الْحَرَارَة الغريزية وقوتها مَا أَن سلمك الله من هَذِه الْعَوَارِض بلغك عشر سِنِين أُخْرَى
قَالَ الْحُسَيْن بن فهم فَوَافَقَ كَلَامه قدرا فَعَاشَ عشر سِنِين بعد ذَلِك
وَحدث الصولي فِي كتاب الأوراق قَالَ كَانَ الْمَأْمُون نازلا على البدندون نهر من أَعمال طرسوس فَجَلَسَ يَوْمًا وَأَخُوهُ المعتصم عَلَيْهِ وَجعلا أرجلهما فِيهِ استبرادا لَهُ وَكَانَ أبرد المَاء وأرقه وألذه
فَقَالَ الْمَأْمُون للمتعصم أَحْبَبْت السَّاعَة من أزاذ الْعرَاق آكله وأشرب من هَذَا المَاء الْبَارِد عَلَيْهِ وَسمع صَوت حَلقَة الْبَرِيد وأجراسه فَقيل هَذَا يزِيد بن مقبل بريد الْعرَاق فأحضر طبقًا من فضَّة فِيهِ رطب أزاذ فَعجب من تمنيه وَمَا تمّ لَهُ
فأكلا وشربا من المَاء ونهضا وتودع الْمَأْمُون وَأقَام ثمَّ نَهَضَ محموما وفصد فظهرت فِي رقبته نفخة كَانَت تعتاده ويراعيها الطَّبِيب إِلَى أَن تنضج وتفتح وتبرأ
فَقَالَ المعتصم للطبيب وَهُوَ ابْن ماسويه مَا أطرف مَا نَحن فِيهِ تكون الطَّبِيب الْمُفْرد المتوحد فِي صناعتك وَهَذِه النفخة تعتاد أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا تزيلها عَنهُ وتتلطف فِي حسم مادتها حَتَّى لَا ترجع إِلَيْهِ وَالله لَئِن عَادَتْ هَذِه الْعلَّة عَلَيْهِ لَأَضرِبَن عُنُقك
فاستطرق ابْن ماسويه لقَوْل المعتصم وَانْصَرف فَحدث بِهِ بعض من يَثِق بِهِ ويأنس إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ تَدْرِي مَا قصد المعتصم قَالَ لَا
قَالَ قد أَمرك بقتْله حَتَّى لَا تعود النفخة إِلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ يعلم أَن الطَّبِيب لَا يقدر على دفع الْأَمْرَاض عَن الْأَجْسَام وَإِنَّمَا قَالَ لَك لَا تَدعه يعِيش ليعود الْمَرَض عَلَيْهِ
فتعالل ابْن ماسويه وَأمر تلميذا لَهُ بمشاهدة النفخة والتردد إِلَى الْمَأْمُون نِيَابَة عَنهُ والتلميذ يَجِيئهُ كل يَوْم ويعرفه حَال الْمَأْمُون وَمَا تجدّد لَهُ فَأمره بِفَتْح النفخة فَقَالَ لَهُ أُعِيذك بِاللَّه مَا أحمرت وَلَا بلغت إِلَى حد الْجرْح فَقَالَ لَهُ امْضِ وافتحها كَمَا أَقُول لَك وَلَا تراجعني فَمضى وَفتحهَا وَمَات الْمَأْمُون رحمه الله
أَقُول إِنَّمَا فعل ابْن ماسويه ذَلِك لكَونه عديما للمروءة وَالدّين وَالْأَمَانَة وَكَانَ على غير مِلَّة
الْإِسْلَام وَلَا لَهُ تمسك بِدِينِهِ أَيْضا كَمَا حكى عَنهُ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم فِي أخباره الْمُتَقَدّمَة
وَمن لَيْسَ لَهُ دين يتَمَسَّك بِهِ ويعتقد فِيهِ فَالْوَاجِب أَن لَا يدانيه عَاقل وَلَا يركن إِلَيْهِ حَازِم
وَكَانَت وَفَاة يوحنا بن ماسويه بسر من رأى يَوْم الِاثْنَيْنِ لأَرْبَع خلون من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ فِي خلَافَة المتَوَكل
وَمن كَلَام يوحنا بن ماسويه أَنه سُئِلَ عَن الْخَيْر الَّذِي لَا شَرّ مَعَه فَقَالَ شرب الْقَلِيل من الشَّرَاب الصافي
ثمَّ سُئِلَ عَن الشَّرّ الَّذِي لَا خير مَعَه فَقَالَ نِكَاح الْعَجُوز
وَقَالَ أكل التفاح يرد النَّفس
وَقَالَ عَلَيْك من الطَّعَام بِمَا حدث وَمن الشَّرَاب بِمَا عتق
وليوحنا بن ماسويه من الْكتب كتاب الْبُرْهَان ثَلَاثُونَ بَابا كتاب البصيرة كتاب الْكَمَال والتمام كتاب الحميات مشجر كتاب فِي الأغذية كتاب فِي الْأَشْرِبَة كتاب المنجح فِي الصِّفَات والعلاجات كتاب فِي الفصد والحجامة كتاب فِي الجذام لم يسْبقهُ أحد إِلَى مثله
كتاب الْجَوَاهِر كتاب الرجحان كتاب فِي تركيب الْأَدْوِيَة المسهلة وإصلاحها وخاصة كل دَوَاء مِنْهَا ومنفعته كتاب دفع مضار الأغذية كتاب فِي غير مَا شَيْء مِمَّا عجز عَنهُ غَيره كتاب السِّرّ الْكَامِل كتاب فِي دُخُول الْحمام ومنافعها ومضرتها
كتاب السمُوم وعلاجها كتاب الديباج كتاب الْأَزْمِنَة كتاب الطبيخ كتاب فِي الصداع وَعلله وأوجاعه وَجَمِيع أدويته والسدد والعلل المولدة لكل نوع مِنْهُ وَجَمِيع علاجه أَلفه لعبد الله بن طَاهِر
كتاب الصَّدْر والدوار كتاب لم امْتنع الْأَطِبَّاء من علاج الْحَوَامِل فِي بعض شهور حَملهنَّ كتاب محنة الطَّبِيب كتاب معرفَة محنة الكحالين كتاب دغل الْعين كتاب مجسة الْعُرُوق كتاب الصَّوْت والبحة كتاب مَاء الشّعير كتاب الْمرة السَّوْدَاء كتاب علاج النِّسَاء اللواتي لَا يحبلن حَتَّى يحبلن كتاب الْجَنِين كتاب تَدْبِير الأصحاء كتاب فِي السِّوَاك والسنونات كتاب الْمعدة كتاب القولنج كتاب النَّوَادِر الطبية كتاب التشريح كتاب فِي تَرْتِيب سقِِي الْأَدْوِيَة المسهلة بِحَسب الْأَزْمِنَة وبحسب الأمزجة وَكَيف يَنْبَغِي أَن يسقى وَلمن وَمَتى وَكَيف يعان الدَّوَاء إِذا احْتبسَ وَكَيف يمْنَع الإسهال إِذا أفرط
كتاب تركيب خلق الْإِنْسَان وأجزائه وَعدد أَعْضَائِهِ ومفاصله وعظامه وعروقه وَمَعْرِفَة أَسبَاب الأوجاع أَلفه لِلْمَأْمُونِ
كتاب الأبدال فُصُول كتبهَا لحنين ابْن إِسْحَق بعد أَن سَأَلَهُ الْمَذْكُور ذَلِك
كتاب الماليخوليا وأسبابها وعلاماتها وعلاجها
كتاب جَامع الطِّبّ مِمَّا اجْتمع عَلَيْهِ أطباء فَارس وَالروم كتاب الْحِيلَة للبرء
ميخائيل بن ماسويه
متطبب الْمَأْمُون وميخائيل هَذَا هُوَ أَخُو يوحنا بن ماسويه
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم مولى إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي كَانَ هَذَا المتطبب لَا يمتع بِالْحَدِيثِ وَلَا يحْتَج فِي شَيْء يَقُوله بِحجَّة وَلَا يُوَافق أحدا من المتطببين على شَيْء أحدث من مِائَتي سنة فَلم يكن يسْتَعْمل السكنجبين والورد المربى إِلَّا بالعسل وَلَا يسْتَعْمل الْجلاب الْمُتَّخذ بِمَاء الْورْد وَلَا يَتَّخِذهُ إِلَّا من الْورْد المسلوق بِالْمَاءِ الْحَار وَلَا يَتَّخِذهُ بالسكر وَلَا يسْتَعْمل شَيْئا لم يَسْتَعْمِلهُ الْأَوَائِل
وَلَقَد سَأَلته يَوْمًا عَن رَأْيه فِي الموز فَقَالَ لم أر لَهُ ذكرا فِي كتب الْأَوَائِل وَمَا كَانَت هَذِه حَاله لم أقدم على أكله وَلَا على طَعَامه للنَّاس
وَكَانَ الْمَأْمُون بِهِ معجبا وَله على جِبْرَائِيل بن بختيشوع مقدما حَتَّى كَانَ يَدعُوهُ بالكنية أَكثر مِمَّا يَدعُوهُ بِالِاسْمِ
وَكَانَ لَا يشرب الْأَدْوِيَة إِلَّا مِمَّا تولى تركيبه وإصلاحه لَهُ
وَكنت أرى جَمِيع المتطببين بِمَدِينَة السَّلَام يبجلونه تبجيلا لم يَكُونُوا يظهرونه لغيره
قَالَ يُوسُف وَحضر فِي النّصْف من شَوَّال سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ دَار إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي مَعَ جمَاعَة من وُجُوه المتطببين وَكَانَت شكْلَة عليلة فَوجه المعتصم المتطببين إِلَيْهَا ليرجعوا إِلَيْهِ بخبرها وَقد كَانُوا صَارُوا إِلَيْهَا قبل ذَلِك الْيَوْم بِيَوْم فنظروا إِلَى مَائِهَا وجسوا عرقها وعاودوا النّظر فِي الْيَوْم الثَّانِي فِي أمرهَا فَقَالُوا كلهم إِنَّهَا أَصبَحت صَالِحَة وَأَنَّهُمْ لَا يَشكونَ فِي إفراقها
فَسبق إِلَى وهمي أَنهم أَو أَكْثَرهم أحب أَن يسر أَبَا إِسْحَق بِمَا ذكرُوا من الْعَافِيَة
فَلَمَّا نهضوا اتبعتهم فَسَأَلت وَاحِدًا وَاحِدًا عَمَّا عِنْده من الْعلم بِحَالِهَا فكلهم قَالَ لي مثل مقَالَته لأبي إِسْحَق إِلَّا سلمويه بن بنان فَإِنَّهُ قَالَ لي هِيَ الْيَوْم أصعب حَالا مِنْهَا أمس
وَقَالَ لي ميخائيل قد ظهر أمس بِالْقربِ من قَلبهَا ورم لم نره فِي يَوْمنَا هَذَا افترى ذَلِك الورم ساخ فِي الأَرْض أَو ارْتَفع إِلَى السَّمَاء انْصَرف فأعد لهَذِهِ الْمَرْأَة جهازها فَلَيْسَتْ تبيت فِي الْأَحْيَاء فَتُوُفِّيَتْ وَقت صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة بعد أَن ألْقى إِلَيّ ميخائيل مَا ألْقى سَاعَات عشرا أَو نَحْوهَا
قَالَ يُوسُف وحَدثني ميخائيل بن ماسويه أَنه لما قدم الْمَأْمُون بَغْدَاد نادم طَاهِر بن الْحُسَيْن فَقَالَ لَهُ يَوْمًا وَبَين أَيْديهم نَبِيذ قطر بلي يَا أَبَا الطّيب هَل رَأَيْت مثل هَذَا الشَّرَاب قَالَ نعم قَالَ مثله فِي اللَّوْن والطعم والرائحة قَالَ نعم
قَالَ أَيْن قَالَ ببوشنج
قَالَ فاحمل إِلَيْنَا مِنْهُ
فَكتب طَاهِر إِلَى وَكيله فَحمل مِنْهُ وَرفع الْخَبَر من النهروان إِلَى الْمَأْمُون أَن لطفا وافى طَاهِرا من بوشنج فَعلم الْخَبَر وتوقع حمل طَاهِر لَهُ فَلم يفعل
فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون بعد أَيَّام يَا أَبَا الطّيب لم يواف النَّبِيذ فِيمَا وافى
فَقَالَ أعيذ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِاللَّه من أَن يقيمني مقَام خزي وفضيحة
قَالَ وَلم قَالَ ذكرت لأمير الْمُؤمنِينَ شرابًا شربته وَأَنا صعلوك وَفِي قَرْيَة كنت أَتَمَنَّى أَن أملكهَا فَلَمَّا
ملكني الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَكثر مِمَّا كنت أَتَمَنَّى وَحضر ذَلِك الشَّرَاب وجدته فضيحة من الفضائح
قَالَ فاحمل إِلَيْنَا مِنْهُ على كل حَال فَحمل مِنْهُ فَأمر أَن يصير فِي الخزانة وَيكْتب عَلَيْهِ الطاهري ليمازحه بِهِ من إفراط رداءته فَأَقَامَ سنتَيْن وَاحْتَاجَ الْمَأْمُون إِلَى أَن يتقيأ فَقَالُوا يتقيأ بنبيذ رَدِيء فَقَالَ بَعضهم لَا يُوجد فِي الْعرَاق أردأ من الطاهري وَأخرج فَوجدَ مثل الْقطر بلي أَو أَجود وَإِذا هَوَاء الْعرَاق قد أصلحه كَمَا يصلح مَا نبت وعصر فِيهِ
عِيسَى بن ماسة
من الْأَطِبَّاء الْفُضَلَاء فِي وقته وَكَانَ أحد المتميزين من أَرْبَاب هَذِه الصِّنَاعَة لَهُ طَريقَة حَسَنَة فِي علاج المرضى
ولعيسى بن ماسة من الْكتب كتاب قوى الأغذية
كتاب من لَا يحضرهُ طَبِيب
مسَائِل فِي النَّسْل والذرية
كتاب الرُّؤْيَا
يخبر فِيهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي امْتنع بِهِ من معالجة الْحَوَامِل وَغير ذَلِك
كتاب فِي طُلُوع الْكَوَاكِب الَّتِي ذكرهَا بقراط
كتاب فِي الفصد والحجامة
رِسَالَة فِي اسْتِعْمَال الْحمام
حنين بن إِسْحَق
هُوَ أَبُو زيد حنين بن إِسْحَق الْعَبَّادِيّ بِفَتْح الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء والعباد بِالْفَتْح قبائل شَتَّى من بطُون الْعَرَب اجْتَمعُوا على النَّصْرَانِيَّة بِالْحيرَةِ وَالنِّسْبَة إِلَيْهِم عبَادي قَالَ الشَّاعِر
(يسقيكها من بني الْعباد رشا
…
منتسب عيده إِلَى الْأَحَد) المنسرح
وَكَانَ حنين بن إِسْحَق فصيحا لسنا بارعا شَاعِرًا
وَأقَام مُدَّة فِي الْبَصْرَة وَكَانَ شَيْخه فِي الْعَرَبيَّة الْخَلِيل بن أَحْمد
ثمَّ بعد ذَلِك انْتقل إِلَى بَغْدَاد واشتغل بصناعة الطِّبّ
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم أول مَا حصل لحنين بن إِسْحَق من الِاجْتِهَاد والعناية فِي صناعَة الطِّبّ هُوَ أَن مجْلِس يوحنا بن ماسويه كَانَ من أَعم مجْلِس يكون فِي التصدي لتعليم صناعَة الطِّبّ وَكَانَ يجْتَمع فِيهِ أَصْنَاف أهل الْأَدَب
قَالَ يُوسُف وَذَلِكَ أَنِّي كنت أَعهد حنين بن إِسْحَق الترجمان يقْرَأ على يوحنا ابْن ماسويه كتاب فرق الطِّبّ الموسوم بِاللِّسَانِ الرُّومِي والسرياني بهراسيس وَكَانَ حنين إِذْ ذَاك صَاحب سُؤال وَذَلِكَ يصعب على يوحنا
وَكَانَ يباعده أَيْضا من قلبه أَن حنينا كَانَ من أَبنَاء الصيارفة من
أهل الْحيرَة وَأهل جندي سَابُور خَاصَّة ومتطببوها ينحرفون عَن أهل الْحيرَة ويكرهون أَن يدْخل فِي صناعتهم أَبنَاء التُّجَّار
فَسَأَلَهُ حنين فِي بعض الْأَيَّام عَن بعض مَا كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ مَسْأَلَة مستفهم لما يقْرَأ فحرد يوحنا وَقَالَ مَا لأهل الْحيرَة ولتعلم صناعَة الطِّبّ صر إِلَى فلَان قرابتك حَتَّى يهب لَك خمسين درهما تشتري مِنْهَا قفافا صغَارًا بدرهم وزرنيخا بِثَلَاثَة دَرَاهِم واشتر بِالْبَاقِي قلوسا كوفية وقادسية
وزرنخ الْقَادِسِيَّة فِي تِلْكَ القفاف واقعد على الطَّرِيق وَصَحَّ القلوس الْجِيَاد للصدقة وَالنَّفقَة
ربع القلوس فَإِنَّهُ أَعُود عَلَيْك من هَذِه الصِّنَاعَة
ثمَّ أَمر بِهِ فَأخْرج من دَاره فَخرج حنين باكيا مكروبا
وَغَابَ عَنَّا حنين فَلم نره سنتَيْن
وَكَانَ للرشيد جَارِيَة رُومِية يُقَال لَهَا خرشى وَكَانَت ذَات قدر عِنْده محلهَا مِنْهُ مَحل الخوازن
وَكَانَت لَهَا أُخْت أَو بنت أُخْت رُبمَا أَتَت الرشيد بالكسوة أَو بالشَّيْء مِمَّا خرشى خازنة عَلَيْهِ
فافتقدها الرشيد فِي بعض الاوقات وَسَأَلَ خرشي عَنْهَا فأعلمته انها زوجتها من قرَابَة لَهَا فَغَضب من ذَلِك وَقَالَ كَيفَ أقدمت على تَزْوِيج قرَابَة لَك أصل ابتياعك إِيَّاهَا من مَالِي فَهِيَ مَال من مَالِي بِغَيْر أُذُنِي
وَأمر سَلاما الأبرش بتعرف أَمر من تزَوجهَا وبتأديبه
فتعرف سَلام الْخَبَر حَتَّى وَقع على الزَّوْج فَلم يكلمهُ حِين ظفر بِهِ حَتَّى خصاه فبلي بالخصاء بعد أَن علقت الْجَارِيَة مِنْهُ
وَولدت الْجَارِيَة عِنْد مخرج الرشيد إِلَى طوس
وَكَانَت وَفَاة الرشيد بعد ذَلِك فتبنت خرشى ذَلِك الْغُلَام وأدبته بآداب الرّوم وَقِرَاءَة كتبهمْ
فتعلم اللِّسَان اليوناني علما كَانَت لَهُ فِيهِ رياسة
وَهُوَ إِسْحَق الْمَعْرُوف بِابْن الْخصي
فَكُنَّا نَجْتَمِع فِي مجَالِس أهل الْأَدَب كثيرا فَوَجَبَ لذَلِك حَقه وذمامه واعتل إِسْحَق ابْن الْخصي عِلّة فَأَتَيْته عَائِدًا فَإِنِّي لفي منزلَة إِذْ بصرت بِإِنْسَان لَهُ شَعْرَة قد جللته وَقد ستر وَجهه عني بِبَعْضِهَا وَهُوَ يتَرَدَّد وينشد شعرًا بالرومية لأوميرس رَئِيس شعراء الرّوم فشبهت نغمته بنغمة حنين
وَكَانَ الْعَهْد بحنين قبل ذَلِك الْوَقْت بِأَكْثَرَ من سنتَيْن فَقلت لإسحق بن الْخصي هَذَا حنين فَأنْكر ذَلِك إنكارا يشبه الْإِقْرَار فهتفت بحنين فَاسْتَجَاب لي
وَقَالَ ذكر ابْن رِسَالَة الفاعلة أَنه من الْمحَال أَن يتَعَلَّم الطِّبّ عبَادي وَهُوَ بَرِيء من دين النَّصْرَانِيَّة أَنه رَضِي أَن يتَعَلَّم الطِّبّ حَتَّى يحكم اللِّسَان اليوناني إحكاما لَا يكون فِي دهره من يحكمه أَحْكَامه
وَمَا أطلع عَليّ أحد غير أخي هَذَا وَلَو علمت أَنَّك تفهمني لاستترت عَنْك لكني عملت على أَن حيلتي قد تَغَيَّرت فِي عَيْنك وَأَنا أَسأَلك أَن تستر أَمْرِي فَبَقيت أَكثر من ثَلَاث سِنِين وَإِنِّي لأظنها أَرْبعا لم أره
ثمَّ إِنِّي دخلت يَوْمًا على جِبْرَائِيل بن بختيشوع وَقد انحدر من معسكر الْمَأْمُون قبل وَفَاته بِمدَّة يسيرَة فَوجدت عِنْده حنينا وَقد ترْجم لَهُ أقساما قسمهَا بعض الرّوم فِي كتاب من كتب جالينوس
فِي التشريح وَهُوَ يخاطبه بالتبجيل وَيَقُول لَهُ يَا ربن حنين وَتَفْسِيره ربن الْمعلم
فأعظمت مَا رَأَيْت وَتبين ذَلِك جِبْرَائِيل فِي فَقَالَ لي لَا تستكثرن مَا ترى من تبجيلي هَذَا الْفَتى فوَاللَّه لَئِن مد لَهُ فِي الْعُمر ليفضحن سرجس وسرجس هَذَا الَّذِي ذكره جِبْرَائِيل هُوَ الرَّأْس عَيْني وَهُوَ أول من نقل شَيْئا من عُلُوم الرّوم إِلَى اللِّسَان السرياني وليفضحن غَيره من المترجمين
وَخرج من عِنْده حنين وأقمت طَويلا ثمَّ خرجت فَوجدت حنينا بِبَابِهِ ينْتَظر خروجي فَسلم عَليّ وَقَالَ لي قد كنت سَأَلتك ستر خبري والآن فَأَنا أَسأَلك إِظْهَاره وَإِظْهَار مَا سَمِعت من أبي عِيسَى وَقَوله فِي
فَقلت لَهُ أَنا مسود وَجه يوحنا بِمَا سَمِعت من مدح أبي عِيسَى لَك فَأخْرج من كمه نُسْخَة مَا كَانَ دَفعه إِلَى جِبْرَائِيل وَقَالَ لي تَمام سَواد وَجه يوحنا يكون بدفعك إِلَيْهِ هَذِه النُّسْخَة وسترك عَنهُ علم من نقلهَا فَإِذا رَأَيْته قد اشْتَدَّ عجبه بهَا أعلمهُ أَنه إخراجي
فَفعلت ذَلِك من يومي وَقبل انتهائي إِلَى منزلي
فَلَمَّا قَرَأَ يوحنا تِلْكَ الْفُصُول وَهِي الَّتِي تسميها اليونانيون الفاعلات كثر تعجبه وَقَالَ أَتَرَى الْمَسِيح أوحى فِي دَهْرنَا هَذَا إِلَى أحد فَقلت لَهُ فِي جَوَاب قَوْله مَا أوحى فِي هَذَا الدَّهْر وَلَا فِي غَيره إِلَى أحد وَلَا كَانَ الْمَسِيح إِلَّا أحد من يُوحى إِلَيْهِ
فَقَالَ لي دَعْنِي من هَذَا القَوْل لَيْسَ هَذَا الْإِخْرَاج إِلَّا إِخْرَاج مؤيد بِروح الْقُدس
فَقلت لَهُ هَذَا إِخْرَاج حنين بن إِسْحَق الَّذِي طردته من مَنْزِلك وأمرته أَن يَشْتَرِي قلوسا
فَحلف بِأَن مَا قلت لَهُ محَال
ثمَّ صدق القَوْل بعد ذَلِك وَأفضل عَلَيْهِ إفضالا كثيرا وَأحسن إِلَيْهِ وَلم يزل مبجلا لَهُ حَتَّى فَارَقت الْعرَاق
فِي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ
هَذَا جملَة مَا ذكره يُوسُف بن إِبْرَاهِيم
أَقُول ثمَّ أَن حنينا لَازم يوحنا بن ماسويه مُنْذُ ذَلِك الْوَقْت وتتلمذ لَهُ واشتغل عَلَيْهِ بصناعة الطِّبّ وَنقل حنين لِابْنِ ماسويه كتبا كَثِيرَة وخصوصا من كتب جالينوس بَعْضهَا إِلَى اللُّغَة السريانية وَبَعضهَا إِلَى الْعَرَبيَّة وَكَانَ حنين أعلم أهل زَمَانه باللغة اليونانية والسريانية والفارسية والدراية فيهم مِمَّا لَا يعرفهُ غَيره من النقلَة الَّذين كَانُوا فِي زَمَانه مَعَ مَا دأب أَيْضا فِي إتقان الْعَرَبيَّة والاشتغال بهَا حَتَّى صَار من جملَة المتميزين فِيهَا
وَلما رأى الْمَأْمُون الْمَنَام الَّذِي أخبر بِهِ أَنه رأى فِي مَنَامه كَأَن شَيخا بهي الشكل جَالس على مِنْبَر وَهُوَ يخْطب وَيَقُول أَنا أرسطوطاليس انتبه من مَنَامه وَسَأَلَ عَن أرسطوطاليس فَقيل لَهُ رجل حَكِيم من اليونانيين
فأحضر حنين بن إِسْحَق إِذْ لم يجد من يضاهيه فِي نَقله وَسَأَلَهُ نقل كتب الْحُكَمَاء اليونانيين إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة وبذل لَهُ من الْأَمْوَال والعطايا شَيْئا كثيرا
ونقلت من خطّ الْحسن بن الْعَبَّاس الْمَعْرُوف بالصناديقي رحمه الله قَالَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَان سَمِعت يحيى بن عدي يَقُول قَالَ الْمَأْمُون رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَانَ رجلا على كرْسِي جَالِسا فِي الْمجْلس الَّذِي أَجْلِس فِيهِ فتعاظمته وتهيبته وَسَأَلت عَنهُ فَقيل هُوَ أرسطوطاليس فَقلت أسأله عَن شَيْء
فَسَأَلته فَقلت مَا الْحسن فَقَالَ مَا استحسنته الْعُقُول
فَقلت ثمَّ مَاذَا قَالَ مَا استحسنته الشَّرِيعَة
قلت ثمَّ مَاذَا قَالَ مَا استحسنه الْجُمْهُور
قلت ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ لَا ثمَّ
فَكَانَ هَذَا الْمَنَام من أوكد الْأَسْبَاب فِي إِخْرَاج الْكتب فَإِن الْمَأْمُون كَانَ بَينه وَبَين ملك الرّوم مراسلات وَقد استظهر عَلَيْهِ الْمَأْمُون فَكتب إِلَى ملك الرّوم يسْأَله الْإِذْن فِي إِنْفَاذ مَا يخْتَار من الْعُلُوم الْقَدِيمَة المخزونة بِبَلَد الرّوم فَأجَاب إِلَى ذَلِك بعد امْتنَاع
فَأخْرج الْمَأْمُون لذَلِك جمَاعَة مِنْهُم الْحجَّاج ابْن مطر وَابْن البطريق وسلما صَاحب بَيت الْحِكْمَة وَغَيرهم فَأخذُوا مِمَّا وجدوا مَا اخْتَارُوا فَلَمَّا حملوه إِلَيْهِ أَمرهم بنقله فَنقل
وَقد قيل إِن يوحنا بن ماسويه مِمَّن نفذ إِلَى بلد الرّوم
وأحضر الْمَأْمُون أَيْضا حنين ابْن إِسْحَق وَكَانَ فتي السن وَأمره بِنَقْل مَا يقدر عَلَيْهِ من كتب الْحُكَمَاء اليونانيين إِلَى الْعَرَبِيّ وَإِصْلَاح مَا يَنْقُلهُ غَيره فامتثل أمره
وَمِمَّا يحْكى عَنهُ أَن الْمَأْمُون كَانَ يُعْطِيهِ من الذَّهَب زنة مَا يَنْقُلهُ من الْكتب إِلَى الْعَرَبِيّ مثلا بِمثل
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان المنطقي السجتاني أَن بني شَاكر وهم مُحَمَّد وَأحمد وَالْحسن كَانُوا يرْزقُونَ جمَاعَة من النقلَة مِنْهُم حنين بن إِسْحَق وحبيش بن الْحسن وثابت بن قُرَّة وَغَيرهم فِي الشَّهْر نَحْو خَمْسمِائَة دِينَار للنَّقْل والملازمة
وَقَالَ حنين بن إِسْحَق أَنه سَافر إِلَى بِلَاد كَثِيرَة وَوصل إِلَى أقْصَى بِلَاد الرّوم لطلب الْكتب الَّتِي قصد نقلهَا
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق النديم فِي كتاب الفهرست سَمِعت إِسْحَق بن شهرام يحدث فِي مجْلِس عَام أَن بِبَلَد الرّوم هيكلا قديم الْبناء عَلَيْهِ بَاب لم ير قطّ أعظم مِنْهُ بمصراعين من حَدِيد كَانَ اليونانيون فِي الْقَدِيم عِنْد عِبَادَتهم الْكَوَاكِب والأصنام يعظمونه وَيدعونَ فِيهِ
قَالَ فَسَأَلت ملك الرّوم أَن يَفْتَحهُ لي فَامْتنعَ من ذَلِك لِأَنَّهُ أغلق مُنْذُ وَقت تنصرت الرّوم
فَلم أزل أراسله وأسأله شفاها عَن حضوري مَجْلِسه فَتقدم بفتحه فَإِذا ذَلِك الْبَيْت من المرمر والصخور الْعِظَام ألوانا وَعَلِيهِ من الكتابات والنقوش مَا لم أسمع بِمثلِهِ كَثْرَة وحسنا
وَفِي هَذَا الهيكل من الْكتب الْقَدِيمَة مَا يحمل على عدَّة أجمال وَكثر ذَلِك حَتَّى قَالَ ألف جمل بعض ذَلِك قد أخلق وَبَعضه على حَاله وَبَعضه قد أَكلته الأرضة
قَالَ وَرَأَيْت فِيهِ من آلَات القرابين من الذَّهَب وَغَيره أَشْيَاء ظريفة
قَالَ وأغلق الْبَاب بعد خروجي وامتن عَليّ بِمَا فعل معي وَذَلِكَ كَانَ فِي أَيَّام سيف الدولة بن حمدَان وَزعم أَن الْبَيْت على ثَلَاثَة أَيَّام من الْقُسْطَنْطِينِيَّة والمجاورون لذَلِك الْبَيْت قوم من الصابئة والكلدانيين وَقد أقرتهم الرّوم على مذاهبهم وَتَأْخُذ مِنْهُم الْجِزْيَة
أَقُول وَكَانَ كَاتب حنين رجل يعرف بالأزرق
وَقد رَأَيْت أَشْيَاء كَثِيرَة من كتب جالينوس وَغَيره بِخَطِّهِ وَبَعضهَا عَلَيْهِ تنكيت بِخَط حنين بن إِسْحَق باليوناني وعَلى تِلْكَ الْكتب عَلامَة الْمَأْمُون
وَقَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل بن بختيشوع فِي مَنَاقِب الْأَطِبَّاء أَن حنينا لما قوي أمره وانتشر ذكره بَين الْأَطِبَّاء واتصل خَبره بالخليفة أَمر بإحضاره
فَلَمَّا حضر اقْطَعْ إقطاعات حَسَنَة وَقرر لَهُ جَار جيد وَكَانَ يشعره بزبور الرّوم
وَكَانَ الْخَلِيفَة يسمع بِعِلْمِهِ وَلَا يَأْخُذ بقوله دَوَاء يصفه حَتَّى يشاور فِيهِ غَيره وَأحب امتحانه حَتَّى يَزُول مَا فِي نَفسه عَلَيْهِ ظنا مِنْهُ أَن ملك الرّوم رُبمَا كَانَ عمل شَيْئا من الْحِيلَة بِهِ
فاستدعاه يَوْمًا وَأمر بِأَن يخلع عَلَيْهِ وأحضر توقيعا فِيهِ إقطاع يشْتَمل على خمسين ألف دِرْهَم
فَشكر لَهُ حنين هَذَا الْفِعْل ثمَّ قَالَ بعد أَشْيَاء جرت أُرِيد أَن تصف لي دَوَاء يقتل عدوا نُرِيد قَتله وَلم يُمكن إشهاره ونريده سرا
فَقَالَ حنين يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي لم أتعلم إِلَّا الْأَدْوِيَة النافعة وَمَا علمت أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ يطْلب مني غَيرهَا فَإِن أحب أَن أمضي وأتعلم فعلت ذَلِك
فَقَالَ هَذَا شَيْء يطول ورغبه وهدده وَهُوَ لَا يزِيد على مَا قَالَه إِلَى أَن أَمر بحبسه فِي بعض القلاع ووكل بِهِ من يُوصل خَبره إِلَيْهِ وقتا بِوَقْت وَيَوْما بِيَوْم
فَمَكثَ سنة فِي حَبسه دأبه النَّقْل وَالتَّفْسِير والتصنيف وَهُوَ غير مكترث بِمَا هُوَ فِيهِ
فَلَمَّا كَانَ بعد سنة أَمر الْخَلِيفَة بإحضاره وإحضار أَمْوَال يرغبه فِيهَا وأحضر سَيْفا ونطعا وَسَائِر آلَات الْعُقُوبَات
فَلَمَّا حضر قَالَ هَذَا شَيْء قد كَانَ وَلَا بُد مِمَّا قلته لَك
فَإِن أَنْت فعلت فقد فزت بِهَذَا المَال وَكَانَ لَك عِنْدِي أضعافه
وَأَن امْتنعت قابلتك بشر مُقَابلَة وقتلتك شَرّ قتلة
فَقَالَ حنين قد قلت لأمير الْمُؤمنِينَ إِنِّي لم أحسن إِلَّا الشَّيْء النافع وَلم أتعلم غَيره
فَقَالَ الْخَلِيفَة فَإِنِّي أَقْتلك
قَالَ حنين لي رب يَأْخُذ بحقي غَدا فِي الْموقف الْأَعْظَم
فَإِن اخْتَار أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يظلم نَفسه فَلْيفْعَل
فَتَبَسَّمَ الْخَلِيفَة وَقَالَ لَهُ يَا حنين طب نفسا وثق إِلَيْنَا
فَهَذَا الْفِعْل كَانَ منا لامتحانك لأَنا حذرنا من كيد الْمُلُوك وإعجابنا لننتفع بعلمك
فَقبل حنين الأَرْض وشكر لَهُ فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة يَا حنين مَا الَّذِي مَنعك من الْإِجَابَة مَعَ مَا رَأَيْته من صدق عزيمتنا فِي الْحَالين فَقَالَ حنين شَيْئَانِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
قَالَ وَمَا هما قَالَ الدّين والصناعة
قَالَ فَكيف قَالَ الدّين يَأْمُرنَا بِفعل الْخَيْر والجميل مَعَ أَعْدَائِنَا فَكيف أَصْحَابنَا وأصدقائنا وَيبعد وَيحرم من لم يكن كَذَا
والصناعة تَمْنَعنَا من الْإِضْرَار بأبناء الْجِنْس لِأَنَّهَا مَوْضُوعَة لنفعهم ومقصورة على مصالحهم
وَمَعَ هَذَا فقد جعل الله فِي رِقَاب الْأَطِبَّاء عهدا مؤكدا بأيمان مُغَلّظَة أَن لَا يُعْطوا دَوَاء قتالا وَلَا مَا يُؤْذِي
فَلم أر أَن أُخَالِف هذَيْن الْأَمريْنِ من الشريعتين
ووطنت نَفسِي على الْقَتْل فَإِن الله مَا كَانَ يضيع من بذل نَفسه فِي طَاعَته وَكَانَ يثيبني
فَقَالَ الْخَلِيفَة إنَّهُمَا لشريعتان جليلتان
وَأمر بِالْخلْعِ فخلعت عَلَيْهِ وَحمل المَال بَين يَدَيْهِ وَخرج من عِنْده وَهُوَ أحسن النَّاس حَالا وجاها
أَقُول وَكَانَ لحنين ولدان داؤد وَإِسْحَق
وصنف لَهما كتبا طبية فِي المبادي والتعليم وَنقل لَهما كتبا كَثِيرَة من كتب جالينوس
فَأَما داؤد فَإِنِّي لم أجد لَهُ شهرة بِنَفسِهِ بَين الْأَطِبَّاء وَلَا يُوجد لَهُ من الْكتب مَا يدل على براعته وَعلمه وَإِن كَانَ الَّذِي يُوجد لَهُ إِنَّمَا هُوَ كناش وَاحِد
وَمَا إِسْحَق فَإِنَّهُ اشْتهر وتميز فِي صناعَة الطِّبّ وَله تصانيف كَثِيرَة
وَنقل إِسْحَق من الْكتب
اليونانية إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة كتبا كَثِيرَة إِلَّا أَن جلّ عنايته كَانَت مصروفة إِلَى نقل الْكتب الْحكمِيَّة مثل كتب أرسطوطاليس وَغَيره من الْحُكَمَاء
وَأما حنين أَبوهُ فَكَانَ مهتما بِنَقْل الْكتب الطبية وخصوصا كتب جالينوس حَتَّى أَنه فِي غَالب الْأَمر لَا يُوجد شَيْء من كتب جالينوس إِلَّا وَهِي بِنَقْل حنين أَو بإصلاحه لما نقل غَيره
فَإِن رُؤِيَ شَيْء مِنْهَا وَقد تفرد بنقله غَيره من النقلَة مثل أسطاث وَابْن بكس والبطريق وَأبي سعيد عُثْمَان الدِّمَشْقِي وَغَيرهم فَإِنَّهُ لَا يعتنى بِهِ وَلَا يرغب فِيهِ كَمَا يكون بِنَقْل حنين وإصلاحه
وَإِنَّمَا ذَلِك لفصاحته وبلاغته ولمعرفته أَيْضا بآراء جالينوس ولتمهره فِيهَا
وَوجدت بعض الْكتب السِّت عشرَة لِجَالِينُوسَ وَقد نقلهَا من الرومية إِلَى السريانية سرجس المتطبب ونقلها من السريانية إِلَى الْعَرَبيَّة مُوسَى بن خَالِد الترجمان فَلَمَّا طالعتها وتأملت ألفاظها تبين لي بَين نقلهَا وَبَين السِّت عشرَة الَّتِي هِيَ نقل حنين تبَاين كثير وتفاوت بَين
وَأَيْنَ الألكن من البليغ وَالثَّرَى من الثريا
وَكَانَ حنين أَيْضا ماهرا فِي صناعَة الْكحل وَله تصانيف مَشْهُورَة بالجودة فِيهَا
وحَدثني الشيح شهَاب الدّين عبد الْحق الصّقليّ النَّحْوِيّ أَن حنين بن إِسْحَق كَانَ يشْتَغل فِي الْعَرَبيَّة مَعَ سِيبَوَيْهٍ وَغَيره مِمَّن كَانُوا يشتغلون على الْخَلِيل بن أَحْمد وَهَذَا لَا يبعد فَإِنَّهُمَا كَانَا فِي وَقت وَاحِد على زمَان الْمَأْمُون
وإننا نجد فِي كَلَامه وَفِي نَقله مَا يدل على فَصَاحَته وفضله فِي الْعَرَبيَّة وَعلمه بهَا حَتَّى أَن لَهُ تصانيف فِي ذَلِك
وَقَالَ سُلَيْمَان بن حسان أَن حنينا نَهَضَ من بَغْدَاد إِلَى أَرض فَارس وَكَانَ الْخَلِيل بن أَحْمد النَّحْوِيّ بِأَرْض فَارس فَلَزِمَهُ حنين حَتَّى برع فِي لِسَان الْعَرَب وَأدْخل كتاب الْعين بَغْدَاد ثمَّ اختير للتَّرْجَمَة وأؤتمن عَلَيْهَا وَكَانَ المتخير لَهُ المتَوَكل على الله
وَوضع لَهُ كتابا نحارير عَالمين بالترجمة كَانُوا يترجمون ويتصفح مَا ترجموا كاصطفن بن بسيل ومُوسَى بن خَالِد الترجمان
قَالَ وخدم حنين بالطب المتَوَكل على الله وحظي فِي أَيَّامه وَكَانَ يلبس زنارا وَتعلم لِسَان اليونانيين بالإسكندرية وَكَانَ جَلِيلًا فِي تَرْجَمته وَهُوَ الَّذِي أوضح مَعَاني كتب أبقراط وجالينوس ولخصها أحسن تَلْخِيص وكشف مَا استغلق مِنْهَا وأوضح مشكلها
وَله تواليف نافعة مثقفة بارعه
وَعمد إِلَى كتب جالينوس فاحتذى فِيهَا حَذْو الإسكندرانيين وصنعها على سَبِيل الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب فَأحْسن فِي ذَلِك
وَقَالَ حنين بن إِسْحَق عَن نَفسه أَن جَمِيع مَا قد كَانَ يملكهُ من الْكتب ذهب حَتَّى لم يبْق عِنْده مِنْهَا وَلَا كتاب وَاحِد ذكر ذَلِك فِي مقَالَته فِي فهرست كتب جالينوس
وَقَالَ أَبُو عَليّ القباني كَانَ حنين فِي كل يَوْم عِنْد نُزُوله من الرّكُوب يدْخل الْحمام فَيصب عَلَيْهِ المَاء
وَيخرج فيلتف بقطيفة وَقد أعد لَهُ هناب من فضَّة فِيهِ رَطْل شراب وكعكة مثرودة فيأكلها وَيشْرب الشَّرَاب ويطرح نَفسه حَتَّى يَسْتَوْفِي عرقه
وَرُبمَا نَام ثمَّ يقوم ويتبخر وَيقدم لَهُ طَعَامه وَهُوَ فروج كَبِير مسمن قد طبخ زيرباجه ورغيف فِيهِ مِائَتَا دِرْهَم فيحسو من المرق ثمَّ يَأْكُل الْفروج وَالْخبْز وينام
فَإِذا انتبه شرب أَرْبَعَة أَرْطَال شرابًا عتيقا وَلم يذقْ غير هَذَا طول عمره
فَإِذا اشْتهى الْفَاكِهَة الرّطبَة أكل التفاح الشَّامي وَالرُّمَّان والسفرجل
وَقَالَ أَحْمد بن الطّيب السَّرخسِيّ فِي كتاب اللَّهْو والملاهي قَالَ حنين المتطبب وافاني فِي بعض اللَّيَالِي أَيَّام المتَوَكل رسل من دَار الْخَلِيفَة يطلبوني وَيَقُولُونَ الْخَلِيفَة يُرِيدُكَ ثمَّ وافت بعدهمْ طَائِفَة ثمَّ وافاني زرافة فَأَخْرجنِي من فِرَاشِي وَمضى بِي ركضا حَتَّى أدخلني إِلَى الْخَلِيفَة
فَقَالَ يَا سَيِّدي هوذا حنين
قَالَ فَقَالَ ادفعوا إِلَى زرافة مَا ضمنا لَهُ
قَالَ فَدفع إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم
ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ أَنا جَائِع فَمَا ترى فِي الْعشَاء فَقلت لَهُ فِي ذَلِك قولا
فَلَمَّا فرغ من أكله سَأَلت عَن الْخَبَر
فَقيل لي أَن مغنيا غناهُ صَوتا فَسَأَلَهُ لمن هُوَ فَقَالَ لحنين بن بلوع الْعَبَّادِيّ
فَأمر زرافة بإحضار حنين بن بلوع الْعَبَّادِيّ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا أعرفهُ
فَقَالَ لَا بُد مِنْهُ وَأَن أحضرته فلك ثَلَاثُونَ ألف دِرْهَم
قَالَ فأحضرني وَنسي المتَوَكل السَّبَب بِمَا كَانَ فِي رَأسه من النَّبِيذ وَحَضَرت وَقد جَاع فأشرت عَلَيْهِ بِأَن يقطع النَّبِيذ ويتعشى وينام فَفعل
أَقُول وَكَانَ مولد حنين فِي سنة مائَة وَأَرْبع وَتِسْعين لِلْهِجْرَةِ وَتُوفِّي فِي زمَان الْمُعْتَمد على الله وَذَلِكَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء أول كانون الأول من سنة ألف وَمِائَة وثمان وَثَمَانِينَ للإسكندر وَهُوَ لست خلون من صفر سنة مِائَتَيْنِ وَأَرْبع وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ وَكَانَت مُدَّة حَيَاته سبعين سنة وَقيل إِنَّه مَاتَ بالذرب
وَقَالَ سُلَيْمَان بن حسان الْمَعْرُوف بِابْن جلجل أَن حنين بن إِسْحَق مَاتَ بالغم من ليلته فِي أَيَّام المتَوَكل
قَالَ حَدثنِي بذلك وَزِير أَمِير الْمُؤمنِينَ الحكم الْمُسْتَنْصر بِاللَّه قَالَ قَالَ كنت مَعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُسْتَنْصر فَجرى الحَدِيث فَقَالَ أتعلمون كَيفَ كَانَ موت حنين بن إِسْحَق قُلْنَا لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
قَالَ خرج المتَوَكل على الله يَوْمًا وَبِه خمار فَقعدَ فِي مَقْعَده فَأَخَذته الشَّمْس وَكَانَ بَين يَدَيْهِ الطيفوري النَّصْرَانِي الطَّبِيب وحنين بن إِسْحَق
فَقَالَ لَهُ الطيفوري يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الشَّمْس تضر بالخمار فَقَالَ المتَوَكل لحنين مَا عنْدك فِيمَا قَالَ فَقَالَ حنين يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تضر بالخمار
فَلَمَّا تناقضا بَين يَدَيْهِ طلب كشفهما عَن صِحَة أحد الْقَوْلَيْنِ
فَقَالَ حنين يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْخمار حَال للمخمور وَالشَّمْس لَا تضر بالخمار إِنَّمَا تضر المخمور
فَقَالَ المتَوَكل لقد أحرز من طبائع الْأَلْفَاظ وتحديد الْمعَانِي مَا فاق بِهِ نظراءه
فَوَجَمَ لَهَا الطيفوري فَلَمَّا كَانَ فِي غَد ذَلِك الْيَوْم أخرج حنين من كمه كتابا فِيهِ
صُورَة الْمَسِيح مصلوبا وصور نَاس حوله فَقَالَ لَهُ الطيفوري يَا حنين هَؤُلَاءِ صلبوا الْمَسِيح قَالَ نعم فَقَالَ لَهُ ابصق عَلَيْهِم
قَالَ حنين لَا أفعل
قَالَ الطيفوري وَلم قَالَ لأَنهم لَيْسُوا الَّذين صلبوا الْمَسِيح إِنَّمَا هِيَ صور فَاشْتَدَّ ذَلِك على الطيفوري وَرَفعه إِلَى المتَوَكل يسْأَله إِبَاحَة الحكم عَلَيْهِ بديانة النَّصْرَانِيَّة
فَبعث إِلَى الجاثليق والأساقفة وسئلوا عَن ذَلِك فأوجبوا اللَّعْنَة على حنين فلعن سبعين لعنة بِحَضْرَة الْمَلأ من النَّصَارَى وَقطع زناره وَأمر المتَوَكل أَن لَا يصل إِلَيْهِ دَوَاء من قبل حنين حَتَّى يستشرف على عمله الطيفوري
وَانْصَرف حنين إِلَى دَاره فَمَاتَ من ليلته
فَيُقَال مَاتَ غما وأسفا
أَقُول هَذِه حِكَايَة ابْن جلجل وَكَذَلِكَ أَيْضا وجدت أَحْمد بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم قد ذكر فِي رسَالَته فِي الْمُكَافَأَة مَا يُنَاسب هَذِه الْحِكَايَة عَن حنين
وَالأَصَح فِي ذَلِك أَن بختيشوع بن جِبْرَائِيل كَانَ يعادي حنين بن إِسْحَق ويحسده على علمه وفضله وَمَا هُوَ عَلَيْهِ من جودة النَّقْل وعلو الْمنزلَة
فاحتال عَلَيْهِ بخديعة عِنْد المتَوَكل وَتمّ مكره عَلَيْهِ حَتَّى أوقع المتَوَكل بِهِ وحبسه
ثمَّ إِن الله تَعَالَى فرج عَنهُ وَظهر مَا كَانَ احتال بِهِ عَلَيْهِ بختيشوع بن جِبْرَائِيل وَصَارَ حنين حظيا عِنْد المتَوَكل وفضله على بختيشوع وعَلى غَيره من سَائِر المتطببين
وَلم يزل على ذَلِك فِي أَيَّام المتَوَكل إِلَى أَن مرض حنين فِيمَا بعد الْمَرَض الَّذِي توفّي فِيهِ وَذَلِكَ فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَتبين لي جملَة مَا يحْكى عَن حنين من ذَلِك وَصَحَّ عِنْدِي من رِسَالَة وجدت حنين بن إِسْحَق قد ألفها فِيمَا أَصَابَهُ من المحن والشدائد من الَّذين ناصبوه الْعَدَاوَة من أشرار أطباء زَمَانه الْمَشْهُورين
وَهَذَا نَص قَوْله
قَالَ حنين بن إِسْحَق إِنَّه لَحِقَنِي من أعدائي ومضطهدي الْكَافرين بنعمتي الجاحدين لحقي الظَّالِمين لي المتعدين عَليّ من المحن والمصائب والشرور مَا مَنَعَنِي من النّوم وأسهر عَيْني وأشغلني عَن مهماتي
وكل ذَلِك من الْحَسَد لي على علمي وَمَا وهبه الله عز وجل لي من علو الْمرتبَة على أهل زماني
وَأكْثر أُولَئِكَ أَهلِي وأقربائي فَإِنَّهُم أول شروري وَابْتِدَاء محني
ثمَّ من بعدهمْ الَّذِي عَلَّمْتهمْ وأقرأتهم وأحسنت إِلَيْهِم وأرقدتهم وفضلتهم على جمَاعَة أهل الْبَلَد من أهل الصِّنَاعَة وَقربت إِلَيْهِم عُلُوم الْفَاضِل جالينوس فكافأوني عوض المحاسن مساوئ بِحَسب مَا أوجبته طباعهم
وبلغوا بِي إِلَى أقبح مَا يكون من إذاعة أوحش الْأَخْبَار وكتمان جليل الْأَسْرَار حَتَّى ساءت بِي الظنون وامتدت إِلَيّ الْعُيُون وَوضع عَليّ الرصد حَتَّى أَنه كَانَ يحصي عَليّ ألفاظي وَيكثر إتهامي بِمَا دق مِنْهَا مِمَّا لَيْسَ غرضي فِيهِ مَا أومأوا إِلَيْهِ فأوقعوا بغضتي فِي نفوس سَائِر أهل الْملَل فضلا عَن أهل مذهبي
وعملت لي الْمجَالِس بالتأويلات الرذلة
وَكلما اتَّصل ذَلِك بِي حمدت الله حمدا جَدِيدا وَصَبَرت على مَا قد دفعت إِلَيْهِ
فآلت الْقَضِيَّة بِي إِلَى أَن بقيت بِأَسْوَأ مَا يكون من الْحَال من الْإِضَافَة والضر مَحْبُوسًا مضيقا عَليّ مُدَّة من الزَّمَان لَا تصل يَدي إِلَى شَيْء من ذهب وَلَا فضَّة وَلَا كتاب
وَبِالْجُمْلَةِ وَلَا ورقة انْظُر فِيهَا
ثمَّ إِن الله عز وجل نظر إِلَيّ بِعَين رَحمته فجدد لي نعمه وردني إِلَى مَا كنت عَارِفًا بِهِ من فَضله
وَكَانَ سَبَب رد نعمتي إِلَيّ بعض من كَانَ قد الْتزم عَدَاوَتِي واختص بهَا
وَمن هَهُنَا صَحَّ مَا قَالَه جالينوس أَن الأخيار من النَّاس قد يَنْتَفِعُونَ بأعدائهم الأشرار فلعمري لقد كَانَ ذَلِك أفضل الْأَعْدَاء
وَأَنا الْآن مبتدئ بِذكر مَا جرى على مِمَّا تقدم ذكره فَأَقُول
كَيفَ لَا أبْغض وَيكثر حاسدي وَيكثر ثلبي فِي مجَالِس ذَوي الْمَرَاتِب ويبذل فِي قَتْلِي الْأَمْوَال ويعز من شَتَمَنِي ويهان من أكرمني كل ذَلِك بِغَيْر جرم لي إِلَى وَاحِد مِنْهُم وَلَا جِنَايَة لكِنهمْ لما رأوني فَوْقهم وعاليا عَلَيْهِم بِالْعلمِ وَالْعَمَل ونقلي إِلَيْهِم الْعُلُوم الفاخرة من اللُّغَات الَّتِي لَا يحسنونها وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَيْهَا وَلَا يعْرفُونَ شَيْئا مِنْهَا فِي نِهَايَة مَا يكون من حسن الْعبارَة والفصاحة وَلَا نقص فِيهَا وَلَا زلل وَلَا ميل لأحد من الْملَل وَلَا استغلاق وَلَا لحن بِاعْتِبَار أَصْحَاب البلاغة من الْعَرَب الَّذين يقومُونَ بِمَعْرِِفَة وُجُوه النَّحْو والغريب وَلَا يعثرون على سَيِّئَة وَلَا شكْلَة وَلَا معنى لَكِن بأعذب مَا يكون عَن اللَّفْظ وأقربه إِلَى الْفَهم
يسمعهُ من لَيْسَ صناعته الطِّبّ وَلَا يعرف شَيْئا من طرقات الفلسفة وَلَا من ينتحل ديانَة النَّصْرَانِيَّة وكل الْملَل فيستحسنه وَيعرف قدره حَتَّى أَنهم قد يغرمون على مَا كَانَ من الَّذِي أنقل الْأَمْوَال الْكَثِيرَة إِذْ كَانُوا يفضلون هَذَا النَّقْل على نقل كل من قبلي
وَأَيْضًا فَأَقُول وَلَا أخطئ أَن سَائِر أهل الْأَدَب وَإِن اخْتلفت مللهم محبون لي ماثلون إِلَيّ مكرمون لي يَأْخُذُونَ مَا أفيدهم بشكر ويجازوني بِكُل مَا يصلونَ إِلَيْهِ من الْجَمِيل
فَأَما هَؤُلَاءِ الْأَطِبَّاء النَّصَارَى الَّذين أَكْثَرهم تعلمُوا بَين يَدي نشأوا قدامي هم الَّذين يرومون سفك دمي على أَنهم لَا بُد لَهُم مني
فَمرَّة يَقُولُونَ من هُوَ حنين إِنَّمَا حنين ناقل لهَذِهِ الْكتب ليَأْخُذ على نَقله الْأُجْرَة كَمَا يَأْخُذ الصناع الْأُجْرَة على صناعتهم وَلَا فرق عندنَا بَينه وَبينهمْ لِأَن الْفَارِس قد يعْمل لَهُ الْحداد السَّيْف فِي الْمثل بِدِينَار وَيَأْخُذ هُوَ من أَجله فِي كل شهر مائَة دِينَار
فَهُوَ خَادِم لأدائنا وَلَيْسَ هُوَ عَامل بهَا
كَمَا أَن الْحداد وَإِن كَانَ يحسن صَنْعَة السَّيْف إِلَّا أَنه لَيْسَ يحسن يعْمل بِهِ فَمَا للحداد وَطلب الفروسية كَذَلِك هَذَا النَّاقِل مَاله وَالْكَلَام فِي صناعَة الطِّبّ وَلم يحكم فِي عللها وأمراضها وَإِنَّمَا قَصده فِي ذَلِك التَّشْبِيه بِنَا ليقال حنين الطَّبِيب وَلَا يُقَال حنين النَّاقِل
والأجود لَهُ لَو أَنه لزم صناعته وَأمْسك عَن ذكر صناعتنا لقد كَانَ يكون أجدى عَلَيْهِ فِيمَا كُنَّا سنوصله إِلَيْهِ من أَمْوَالنَا ونحسن إِلَيْهِ مَا أمكننا وَذَلِكَ يتم لَهُ بترك أَخذ الْمجْلس وَالنَّظَر فِي قَوَارِير المَاء وَوصف الْأَدْوِيَة
وَيَقُولُونَ أَن حنينا مَا يدْخل إِلَى مَوضِع من الدّور الْخَاصَّة والعامة إِلَّا يهزؤون بِهِ ويتضاحكون مِنْهُ عِنْد خُرُوجه
فَكنت كلما سَمِعت شَيْئا من هَذَا ضَاقَ بِهِ صَدْرِي وهممت أَن أقتل نَفسِي من الغيظ والزرد
وَمَا كَانَ لي إِلَيْهِم سَبِيل إِذْ كَانَ الْوَاحِد لَا يَسْتَوِي لَهُ مقاومة الجامعة عِنْد تظافرهم عَلَيْهِ لكني كنت أضمر وَأعلم أَن حسدهم هُوَ الَّذِي يَدعُوهُم إِلَى سَائِر الْأَشْيَاء وَإِن كَانَ لَا يخفى عَلَيْهِم قبحها
فَإِن الْحَسَد لم يزل بَين النَّاس على قديم الْأَيَّام حَتَّى من يعْتَقد الدّيانَة قد يعلم أَن أول حَاسِد كَانَ فِي الأَرْض قابيل فِي قَتله لِأَخِيهِ هابيل لما لم يقبل الله قربانه وَقبل قرْبَان هابيل
وَمَا لم يزل قَدِيما فَلَيْسَ بعجب أَن أكون أَنا أَيْضا أحد من يُؤْذى بِسَبَبِهِ
وَقد يُقَال كفى بالحاسد حسده وَيُقَال إِن الْحَاسِد يقتل نَفسه قبل عدوه وَلَقَد أكثرت الْعَرَب ذكر الْحَسَد فِي الشّعْر ونظموا فِيهِ الأبيات مِنْهَا قَول بَعضهم
(أَن يحسدوني فَإِنِّي غير لائمهم
…
قبلي من النَّاس أهل الْفضل قد حسدوا)
(فدام لي وَلَهُم مَا بِي وَمَا بهم
…
وَمَات أكثرنا غيظا بِمَا يجد)
(أَنا الَّذِي يجدوني فِي صُدُورهمْ
…
لَا أرتقي صعدا مِنْهَا وَلَا أرد) الْبَسِيط
وَقد قَالَ قَائِل هَذَا وَغَيره فِي مثل هَذَا مِمَّا يطول ذكره مَعَ قلت الْفَائِدَة فِيهِ وَهَذَا أَيْضا مَعَ أَن أَكْثَرهم إِذا دهمهم الْأَمر فِي مرض صَعب فَإِلَيَّ يصير حَتَّى يتَحَقَّق مَعْرفَته مني وَيَأْخُذ عني لَهُ صفة دوائه وتدبيره ويتبين الصّلاح فِيمَا أَمر بِهِ أَن يعْمل لَا مرّة وَلَا مرَارًا
وَهَذَا الَّذِي يجيئني ويقتدي برأيي هُوَ أَشد النَّاس عَليّ غيظا وَأَكْثَرهم لي ثلبا
وَلَيْسَ أزيدهم على أَن أحكم رب الْكل بيني وَبينهمْ
وَإِنَّمَا سكوتي عَنْهُم لأَنهم لَيْسَ هم وَاحِدًا وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا ثَلَاثَة بل هم سِتَّة وَخَمْسُونَ رجلا جُمْلَتهمْ من أهل الْمَذْهَب محتاجون إِلَيّ وَأَنا غير مُحْتَاج إِلَيْهِم
وَأَيْضًا فَإِن إثرتهم مَعَ كثرتهم قَوِيَّة بِخِدْمَة الْخُلَفَاء وهم أَصْحَاب المملكة وَأَنا فأضعف عَنْهُم من وَجْهَيْن أَحدهمَا وَحْدَتي وَالثَّانيَِة أَن الَّذين يعنون بِي من النَّاس محتاجون إِلَى الأَصْل الَّذِي يعْنى بأعدائي الَّذِي هُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَعَ هَذَا كُله لَا أَشْكُو إِلَى أحد مَا أَنا عَلَيْهِ وَإِن كَانَ عَظِيما بل أبوح بشكرهم فِي المحافل وَعند الرؤساء
فَإِن قيل لي إِنَّهُم يثلبونك وينتقصون بك فِي مجَالِسهمْ ادْفَعْ ذَلِك وَأرى أَنِّي غير مُصدق شَيْء مِمَّا يُقَال لي بل أَقُول أَنا نَحن شَيْء وَاحِد تجمعنا الدّيانَة والبلدة والصناعة
فَمَا أصدق أَن مثلهم يذكر أحدا من النَّاس فضلا عني بِسوء فَإِذا سمعُوا عني مثل هَذَا القَوْل قَالُوا قد جزع وَأعْطى من نَفسه الصمَّة
وَكلما ثلبوني زِدْت فِي الشُّكْر لَهُم
وَأَنا الْآن ذَاكر هَهُنَا آخر الْآبَار الَّتِي حفروها لي سوى مَا كَانَ لي مَعَهم قَدِيما خَاصَّة مَعَ بني مُوسَى والج الينوسيين والبقراطيين فِي أَمر البهت الأول
وَهَذِه قصَّة المحنة الْأَخِيرَة الْقَرِيبَة وَهِي أَن بختيشوع بن جِبْرَائِيل المتطبب عمل على حِيلَة تمت لَهُ عَليّ وأمكنته مني إِرَادَته فِي
وَذَلِكَ أَنه اسْتعْمل قونة عَلَيْهَا صُورَة السيدة مار مَرْيَم وَفِي حجرها سيدنَا الْمَسِيح وَالْمَلَائِكَة قد احتاطوا بهَا وعملها فِي غَايَة مَا يكون من الْحسن وَصِحَّة الصُّورَة بعد أَن غرم عَلَيْهَا من المَال شَيْئا كثيرا
ثمَّ حملهَا إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل وَكَانَ هُوَ الْمُسْتَقْبل لَهَا من يَد الْخَادِم الْحَامِل لَهَا وَهُوَ الَّذِي وَضعهَا بَين يَدي المتَوَكل
فاستحسنها المتَوَكل جدا وَجعل بختيشوع يقبلهَا بَين يَدَيْهِ مرَارًا كَثِيرَة
فَقَالَ لَهُ المتَوَكل لم تقبلهَا فَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا إِذا لم أقبل صُورَة سيدة الْعَالمين فَمن أقبل فَقَالَ لَهُ المتَوَكل وكل النَّصَارَى هَكَذَا يَفْعَلُونَ فَقَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأفضل مني لِأَنِّي أَنا قصرت حَيْثُ أَنا بَين يَديك
وَمَعَ تفضيلنا معشر النَّصَارَى فَإِنِّي أعرف رجلا فِي خدمتك وأفضالك وأرزاقك جَارِيَة عَلَيْهِ من النَّصَارَى يتهاون بهَا ويبصق عَلَيْهَا وَهُوَ زنديق ملحد لَا يقر بالوحدانية وَلَا يعرف آخِرَة يسْتَتر بالنصرانية وَهُوَ معطل مكذب بالرسل
فَقَالَ لَهُ المتَوَكل من هَذَا الَّذِي هَذِه صفته فَقَالَ لَهُ حنين المترجم
فَقَالَ المتَوَكل أوجه أحضرهُ فَإِن كَانَ الْأَمر على مَا وصفت نكلت بِهِ
وخلدته المطبق مَعَ مَا أتقدم بِهِ فِي أمره من التَّضْيِيق عَلَيْهِ وتجديد الْعَذَاب
فَقَالَ أَنا أحب أَن يُؤَخر مولَايَ أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى أَن أخرج وأقيم سَاعَة ثمَّ تَأمر بإحضاره
فَقَالَ إِنِّي أفعل ذَلِك
فَخرج بختيشوع من الدَّار وَجَاءَنِي فَقَالَ يَا أَبَا زيد أعزّك الله يَنْبَغِي أَن تعلم أَنه قد أهْدى إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ قونة قد عظم عجبه بهَا وأحسبها من صور الشَّام وَقد استحسنها جدا
وَأَن نَحن تركناها عِنْده ومدحناها بَين يَدَيْهِ تولع بِنَا بهَا فِي كل وَقت
وَقَالَ هَذَا ربكُم وَأمه مصورين
وَقد قَالَ لي أَمِير الْمُؤمنِينَ انْظُر إِلَى هَذِه الصُّورَة مَا أحْسنهَا وأيش تَقول فِيهَا فَقلت لَهُ صُورَة مثلهَا يكون فِي الحمامات وَفِي البيع وَفِي الْمَوَاضِع المصورة
وَهَذَا مِمَّا لَا نبالي بِهِ وَلَا نلتفت إِلَيْهِ
فَقَالَ وَلَيْسَ هِيَ عنْدك شَيْء قلت لَا قَالَ فَإِن تكن صَادِقا فأبصق عَلَيْهَا فبصقت وَخرجت من عِنْده وَهُوَ يضْحك ويعطعط بِي
وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك ليرمي بهَا وَلَا يكثر الولع بِنَا بِسَبَبِهَا ويميزنا دَائِما
وَلَا سِيمَا أَن حرد أحد من ذَلِك فَإِن الولع يكون أَزِيد
وَالصَّوَاب أَن دَعَا بك وسألك عَن مثل مَا سَأَلَني أَن تفعل كَمَا فعلت أَنا
فَإِنِّي قد عملت على لِقَاء سَائِر من يدْخل إِلَيْهِ من أَصْحَابنَا وأتقدم إِلَيْهِم أَن يَفْعَلُوا مثل ذَلِك
فَقبلت مَا وصاني بِهِ وَجَازَت عَليّ سخريته وَانْصَرف
فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى جَاءَنِي رَسُول أَمِير الْمُؤمنِينَ فأخذني إِلَيْهِ
فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ إِذْ القونة مَوْضُوعَة بَين يَدَيْهِ فَقَالَ لي يَا حنين ترى مَا أحسن هَذِه الصُّورَة وأعجبها فَقلت وَالله إِنَّه لَكمَا ذكر أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ فأيش تَقول فِيهَا فَقَالَ أَو لَيْسَ هِيَ صُورَة ربكُم وَأمه فَقلت معَاذ الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أإن لله تَعَالَى صُورَة أَو يصور وَلَكِن هَذَا مِثَال فِي سَائِر الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا الصُّور
فَقَالَ فَهَذِهِ لَا تَنْفَع وَلَا تضر
فَقلت هُوَ كَذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ فَإِن كَانَ الْأَمر على مَا ذكرت فأبصق عَلَيْهَا
فبصقت عَلَيْهَا فللوقت أَمر بحبسي
وَوجه إِلَى ثوذسيس الجاثليق فَأحْضرهُ
فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ وَرَأى القونة مَوْضُوعَة بَين يَدَيْهِ وَقع عَلَيْهَا قبل أَن يَدْعُو لَهُ فأعتنقها وَلم يزل يقبلهَا ويبكي طَويلا
فَذهب الخدم ليمنعوه فَأمر بِتَرْكِهِ
فَلَمَّا قبلهَا طَويلا على تيك الْحَالة أَخذهَا بِيَدِهِ وَقَامَ قَائِما فَدَعَا لأمير الْمُؤمنِينَ وَأَطْنَبَ فِي دُعَائِهِ فَرد عَلَيْهِ وَأمره بِالْجُلُوسِ
فَجَلَسَ وَترك القونة فِي حجره
فَقَالَ لَهُ المتَوَكل أَي فعل هَذَا تَأْخُذ شَيْئا كَانَ بَين يَدي وتتركه فِي حجرك عَن غير إذني فَقَالَ لَهُ الجاثليق نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنا أَحَق بِهَذِهِ الَّتِي بَين يَديك
وَإِن كَانَ لأمير الْمُؤمنِينَ أَطَالَ الله بَقَاءَهُ أفضل الْحُقُوق غير أَن ديانتي لم تدعني أَن أدع صُورَة ساداتي مرمية على الأَرْض وَفِي مَوضِع لَا يعرف مقدارها بل لَعَلَّه أَن يعرف لَهَا قدره لِأَن هَذِه حَقّهَا أَن تكون فِي مَوضِع يعرف فِيهِ حَقّهَا ويسرج بَين يَديهَا أفضل الأدهان من حَيْثُ لَا تطفأ قناديلها مَعَ مَا يبخر بِهِ بَين يَديهَا من أطابيب البخور فِي أَكثر الْأَوْقَات
فَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ فدعها فِي حجرك الْآن فَقَالَ الجاثليق إِنِّي أسأَل مولَايَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن
يجود بهَا عَليّ وَيعْمل على أَنه قد يقطعني مَا مِقْدَار قِيمَته مائَة ألف دِينَار فِي كل سنة حَتَّى أَقْْضِي من حَقّهَا مَا يجب عَليّ ثمَّ يسألني أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أحب بعد ذَلِك فِيمَا أرسل إِلَيّ بِسَبَبِهِ
فَقَالَ لَهُ قد وهبتها لَك وَأَنا أُرِيد أَن تعرفنِي مَا جَزَاء من بَصق عَلَيْهَا عنْدك فَقَالَ لَهُ الجاثليق إِن كَانَ مُسلما فَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يعرف مقدارها لَكِن يعرف ذَلِك ويلام ويوبخ على مُقَدرا مَا فعل حَتَّى لَا يعود إِلَى مثل ذَلِك مرّة أُخْرَى
وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا وَكَانَ جَاهِلا لَا يفهم وَلَا معرفَة عِنْده فيلام ويزجر بَين النَّاس ويتهدد بالجروم الْعَظِيمَة ويعذل حَتَّى يَتُوب وَبِالْجُمْلَةِ أَن هَذَا فعل لَا يقوم عَلَيْهِ إِلَّا جَاهِل لَا يعرف مِقْدَار الدّيانَة
فَإِن كَانَ عَاقِلا وَقد بَصق عَلَيْهَا فقد بَصق على مَرْيَم أم سيدنَا وعَلى سيدنَا الْمَسِيح
فَقَالَ لَهُ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمَا الَّذِي يجب على من فعل ذَلِك عنْدك فَقَالَ مَا عِنْدِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذْ كنت لَا سُلْطَان لي إِن أعاقبه بِسَوْط أَبُو بعصا وَلَا لي حبس ضنك بل أحرمهُ وأمنعه من الدُّخُول إِلَى البيع وَمن القربان وَأَمْنَع النَّصَارَى من ملابسته وَكَلَامه وأضيق عَلَيْهِ وَلَا يزَال مرفوضا عندنَا إِلَى أَن يَتُوب ويقلع عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وينتقل وَيتَصَدَّق بِبَعْض مَاله على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين مَعَ لُزُوم الصَّوْم وَالصَّلَاة فَحِينَئِذٍ نرْجِع إِلَى مَا قَالَ كتَابنَا وَهُوَ أَن لم تعفوا للخاطئين لم يغْفر لكم خطاياكم فنحل حرم الْجَانِي وَنَرْجِع إِلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ
ثمَّ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَمر الجاثليق بِأَن يَأْخُذ القونة وَقَالَ لَهُ افْعَل بهَا مَا تُرِيدُ وَأمر لَهُ مَعهَا ببدرة دَرَاهِم وَقَالَ لَهُ انفق مَا تَأْخُذهُ على قونتك
فَلَمَّا خرج الجاثليق لبث قَلِيلا يتعجب مِنْهُ وَمن محبته لمعبوده وتعظيمه إِيَّاه
ثمَّ قَالَ إِن هَذَا الْأَمر عَجِيب
ثمَّ أَمر بإحضاري فأحضرت إِلَيْهِ وأحضر السَّوْط والحبال وَأمر بِي فشددت مُجَردا بَين يَدَيْهِ وَضربت مائَة سَوط وَأمر باعتقالي والتضييق عَليّ
وَوجه فَحمل جَمِيع مَا كَانَ لي من رَحل وأثاث وَكتب وَمَا شاكل ذَلِك وَأمر بِنَقْض منازلي إِلَى المَاء وأقمت فِي دَاخل دَاره معتقلا سِتَّة أشهر فِي أَسْوَأ مَا يكون من الْحَال حَتَّى صرت رَحْمَة لمن رَآنِي
وَكَانَ أَيْضا فِي كل يسير من الْأَيَّام يُوَجه يضربني ويجدد لي الْعَذَاب
فَلم أزل على مَا شرحته إِلَى أَن أعتل أَمِير الْمُؤمنِينَ وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْخَامِس من الشَّهْر الرَّابِع من يَوْم حبسي وَكَانَت علته صعبة جدا فَأقْعدَ وَلم تمكنه الْحَرَكَة وأيس مِنْهُ وأيس هُوَ أَيْضا من نَفسه
وَمَعَ ذَلِك فَإِن أعدائي الْأَطِبَّاء عِنْده لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا يزايلونه سَاعَة وَاحِدَة وهم يعالجونه ويداوونه ويسألونه فِي كل وَقت فِي أَمْرِي وَيَقُولُونَ لَهُ لَو أراحنا مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من ذَلِك الزنديق الملحد لأراح مِنْهُ الدُّنْيَا وانكشف عَن الدّين مِنْهُ محنة عَظِيمَة
فَلَمَّا طَالَتْ مسألتهم لَهُ فِي أَمْرِي وَكثر ذكرهم لي بَين يَدَيْهِ بِكُل سوء قَالَ لَهُم فَمَا الَّذِي يسركم أَن أفعل بِهِ قَالُوا تريح الْعَالم مِنْهُ وَكَانَ مَعَ ذَلِك كل من سَأَلَ فِي أَمْرِي وَتشفع فِي من أصدقائي يَقُول بختيشوع يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا بعض تلاميذه وَهُوَ يعْتَقد اعْتِقَاده فيقل الْمعِين لي وَيكثر المحرك عَليّ وأيست من الْحَيَاة فَقَالَ لَهُم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقد لجوا عَلَيْهِ فِي السُّؤَال فَإِنِّي أَقتلهُ فِي غَد يَوْمنَا هَذَا وأريحكم مِنْهُ
فسر بذلك الْجَمَاعَة وَانْصَرفُوا على مَا يحبونَ
فَجَاءَنِي بعض الخدم وَقَالَ لي أَنه جرى فِي أَمرك الْعَيْش كَذَا وَكَذَا فَسَأَلت الله عز وجل التفضل بِمَا لم تزل أياديه إِلَيّ بإمثاله مَعَ مَا أَنا فِيهِ من كَثْرَة الاهتمام وشغل الْقلب مِمَّا أَخَاف نُزُوله بِي فِي غَد بِغَيْر جرم أستوجبه وَلَا جِنَايَة جنيتها بل بحيلة من احتال عَليّ وطاعتي من أغتالني
وَقلت اللَّهُمَّ أَنَّك عَالم براءتي فَأَنت أولى بنصرتي
وَطَالَ بِي الْفِكر إِلَى أَن حَملَنِي النّوم فَإِذا بهاتف يحركني وَيَقُول لي قُم فاحمد الله وأثن عَلَيْهِ فقد خلصك من أَيدي أعدائك وَجعل عَافِيَة أَمِير الْمُؤمنِينَ على يَديك فطب نفسا فانتبهت مَرْعُوبًا ثمَّ قلت كلما كثر ذكره فِي الْيَقَظَة لم تنكر رُؤْيَته عِنْد النّوم
فَلم أزل أَحْمد الله وأثني عَلَيْهِ إِلَى أَن جَاءَ وَجه الصُّبْح فَجَاءَنِي الْخَادِم فَفتح عَليّ الْبَاب وَلم يكن وقته الَّذِي كَانَ يجيئني فِيهِ فَقلت هَذَا وَقت مُنكر جَاءَنِي مَا وعدت بِهِ البارحة
وَقد جَاءَ وَقت رِضَاء أعدائي وشماتتهم بِي واستعنت بِاللَّه
فَمَا جلس الْخَادِم إِلَّا هنيهة إِذْ جَاءَ غُلَامه وَمَعَهُ مزين ثمَّ قَالَ تقدم يَا مبارك ليؤخذ من شعرك
فتقدمت فَأخذ من شعري ثمَّ مضى بِي إِلَى الْحمام فَأمر بغسلي وتنظيفي وَالْقِيَام عَليّ بالطيب كَمَا أمره مولَايَ أَمِير الْمُؤمنِينَ
ثمَّ خرجت من الْحمام فَطرح عَليّ ثيابًا فاخرة وردني إِلَى مقصورته إِلَى أَن حضر سَائِر الْأَطِبَّاء عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأخذ كل وَاحِد مِنْهُم مَوْضِعه
فدعاني أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقَالَ هاتوا حنينا فَلم تشك الْجَمَاعَة أَنه إِنَّمَا دَعَاني لقتلي فأدخلت إِلَيْهِ فَنظر إِلَيّ وَلم يزل يدنيني إِلَى أَن أجلسني بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لي قد غفرت لَك ذَنْبك وأجبت السَّائِل فِيك فاحمد الله على حياتك واشر عَليّ بِمَا ترى فقد طَالَتْ علتي
فَأخذت مجسته وأشرت بِأخذ خِيَار شنبر منقى من قصبه وترنجبين لِأَنَّهُ شكا اعتقالا مَعَ مَا كَانَ يُوجِبهُ الصُّورَة من اسْتِعْمَال هَذَا الدَّوَاء
فَقَالَ الْأَطِبَّاء الْأَعْدَاء نَعُوذ بِاللَّه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من اسْتِعْمَال هَذَا الدَّوَاء إِذْ كَانَ لَهُ غائلة ردية
فَقَالَ لَهُم أَمْسكُوا فقد أمرت أَن آخذ مَا يصفه لي ثمَّ إِنَّه أَمر بإصلاحه فَأصْلح وَأَخذه لوقته
ثمَّ قَالَ لي يَا حنين اجْعَلنِي من كل مَا فعلته بك فِي حل فشفيعك إِلَيّ قوي فَقلت لَهُ مولَايَ أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي حل من دمي فَكيف وَقد من عَليّ بِالْحَيَاةِ
ثمَّ قَالَ تسمع الْجَمَاعَة مَا أقوله فنصتوا إِلَيْهِ فَقَالَ اعلموا أَنكُمْ انصرفتم البارحة مسَاء على أَنِّي أبكر أقتل حنينا كَمَا ضمنت لكم فَلم أزل أقلق إِلَى نصف من اللَّيْل متوجعا فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْوَقْت أغفيت فَرَأَيْت كَأَنِّي جَالس فِي مَوضِع ضيق وَأَنْتُم معشر الْأَطِبَّاء بعيدون عني بعدا كثيرا مَعَ سَائِر خدمي وحاشيتي وَأَنا أَقُول لكم وَيحكم مَا تنْظرُون إِلَيّ فِي أَي مَوضِع أَنا هَذَا يصلح لمثلي وَأَنْتُم سكُوت لَا تُجِيبُونِي عَمَّا أخاطبكم بِهِ
فَإِذا أَنا كَذَلِك حَتَّى أشرق عَليّ فِي ذَلِك الْموضع ضِيَاء عَظِيم مهول حَتَّى رعبت مِنْهُ
وَإِذا أَنا بِرَجُل قد وافى جميل الْوَجْه وَمَعَهُ آخر خَلفه عَلَيْهِ ثِيَاب حَسَنَة فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك
فَرددت عَلَيْهِ
فَقَالَ لي تعرفنِي فَقلت لَا فَقَالَ أَنا الْمَسِيح فقلقت وتزعزعت وَقلت من هَذَا الَّذِي مَعَك فَقَالَ حنين بن إِسْحَق
فَقلت أعذرني فلست أقدر أَن أقوم أصافحك فَقَالَ اعْفُ عَن حنين وأغفر ذَنبه فقد غفر الله لَهُ
وَأَقْبل مَا يُشِير بِهِ عَلَيْك فَإنَّك تَبرأ من علتك
فانتبهت وَأَنا مغموم بِمَا جرى على حنين مني وَمُفَكِّرٌ فِي قُوَّة شفيعه إِلَيّ وَأَن حَقه الْآن عَليّ
وَاجِب فانصرفوا ليلزمني كَمَا أمرت وليحمل إِلَيّ كل وَاحِد مِنْكُم عشرَة آلَاف دِرْهَم لتَكون دِيَة من سَأَلَ فِي قَتله
وَهَذَا المَال يلْزم من حضر الْمجْلس البارحة وَسَأَلَ فِي قَتله وَمن لم يكن حَاضرا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَمن لم يحمل مَا أمرت بِحمْلِهِ من هَذَا المَال لَأَضرِبَن عُنُقه
ثمَّ قَالَ لي اجْلِسْ أَنْت والزم رتبتك
وَخرج الْجَمَاعَة فَحمل كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة آلَاف دِرْهَم
فَلَمَّا اجْتمع سَائِر مَا حملوه أَمر بِأَن يُضَاف إِلَيْهِ مثله من خزانته فَكَانَ زَائِدا عَن مِائَتي ألف دِرْهَم وَأَن يسلم إِلَيّ فَفعل ذَلِك
فَلَمَّا كَانَ آخر النَّهَار وَقد أَقَامَهُ الدَّوَاء ثَلَاثَة مجَالِس أحس بصلاح وخف مَا كَانَ يجد
فَقَالَ يَا حنين أبشر بِكُل مَا تحب
فقد عظمت رتبتك عِنْدِي وزادت طبقتك أَضْعَاف مَا كنت عَلَيْهِ عِنْدِي فسأعوضك أَضْعَاف مَا كَانَ لَك وأحوج أعداءك إِلَيْك وأرفعك على سَائِر أهل صناعتك
ثمَّ أَنه أَمر بإصلاح ثَلَاث دور من دوره الَّتِي لم أسكن قطّ مُنْذُ نشأت فِي مثلهَا وَلَا رَأَيْت لأحد من أهل صناعتي مثلهَا
وَحمل إِلَيْهَا سَائِر مَا كنت مُحْتَاجا من الْأَوَانِي والفرش والآلة والكتب وَمَا يشاكل ذَلِك بعد أَن أشهد لي بالدور وتوثق لي بشهادات الْعُدُول لِأَنَّهَا كَانَت خطيرة فِي قيمتهَا لِأَنَّهَا تقوم بألوف دَنَانِير فلمحبته لي وميله إِلَيّ أحب أَن تكون لي ولعقبي وَلَا تكون عَليّ حجَّة لمعترض
فَلَمَّا فرغ مِمَّا أَمر بِهِ من الْحمل إِلَى الدّور وَجَمِيع مَا ذكر وتعليقها بأنواع الستور وَلم يبْق غير الْمُضِيّ إِلَيْهَا أَمر بِحمْل المَال الضعْف الْكثير بَين يَدي وحملني على خَمْسَة أرؤس من خِيَار بغلاته الْخَاصَّة بمواكبها
ووهب لي ثَلَاثَة خدم روم وَأمر لي فِي كل شهر بِخَمْسَة عشر ألف دِرْهَم وَأطلق لي الْفَائِت من رِزْقِي فِي وَقت حبسي فَكَانَ شَيْئا كثيرا
وَحمل من جِهَة الخدم وَالْحرم وَسَائِر الْحَاشِيَة والأهل مَا لَا يُمكن أَن يُحْصى من الْأَمْوَال وَالْخلْع والإقطاع
وحصلت وظائفي الَّتِي كنت آخذها خَارج الدَّار من سَائِر النَّاس آخذها من دَاخل الدَّار وصرت الْمُقدم على سَائِر الْأَطِبَّاء من أعواني وَغَيرهم
وَهَذَا تمّ لي لما لحقتني السَّعَادَة التَّامَّة وَهَذَا مَا جرى عَليّ بعداوة الأشرار كَمَا قَالَ جالينوس أَن الأخيار من النَّاس قد يَنْتَفِعُونَ بأعدائهم الأشرار
ولعمري لقد لحق جالينوس محن عَظِيمَة إِلَّا أَنَّهَا لم تكن تبلغ إِلَى مَا بلغت بِي أَنا هَذِه المحن وَإِنِّي لأعْلم مرَارًا كَثِيرَة إِن أول من كَانَ يعدو إِلَى بَاب دَاري فِي حَاجَة تكون لَهُ إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَو أَن يسألني عَن مرض قد حَار فِيهِ أحد أعدائي الَّذين قد عرفتك مَا لَحِقَنِي مِنْهُم
وَكنت وَحقّ معبودي الْعلَّة الأولى أسارع فِي قَضَاء حوائجهم وأخلص لَهُم الْمَوَدَّة وَلم أكافئهم على شَيْء مِمَّا صنعوه بِي وَلَا وَاحِدًا مِنْهُم أَخَذته بذلك
فَكَانَ سَائِر النَّاس يتعجبون من حسن قضائي حوائجهم بعد مَا كَانُوا يسمعونهم يَقُولُونَ فِي عِنْد النَّاس وخاصة عِنْد مولَايَ أَمِير الْمُؤمنِينَ
وصرت انقل لَهُم الْكتب على الرَّسْم بِغَيْر عوض وَلَا جَزَاء وأسارع إِلَى جَمِيع محابهم بعد أَن كنت إِذا نقلت لأَحَدهم كتابا أخذت مِنْهُ وَزنه دَرَاهِم
أَقُول وجدت من هَذِه الْكتب كتبا كَثِيرَة وَكَثِيرًا مِنْهَا أقتنيته وَهِي مَكْتُوبَة مولد الْكُوفِي بِخَط الْأَزْرَق كَاتب حنين وَهِي حُرُوف كبار بِخَط غليظ فِي أسطر مُتَفَرِّقَة وورقها كل ورقة مِنْهَا بغلظ مَا يكون من هَذِه الأوراق المصنوعة يَوْمئِذٍ ثَلَاث وَرَقَات أَو أَربع وَذَلِكَ فِي تقطيع مثل ثلث
الْبَغْدَادِيّ
وَكَانَ قصد حنين بذلك تَعْظِيم حجم الْكتاب وتكثير وَزنه لأجل مَا يُقَابل بِهِ من وَزنه دَرَاهِم وَكَانَ ذَلِك الْوَرق يَسْتَعْمِلهُ بِالْقَصْدِ وَلَا جرم أَن لغلظه بَقِي هَذِه السنين المتطاولة من الزَّمَان
قَالَ حنين وَإِنَّمَا ذكرت سَائِر مَا تقدم ذكره ليعلم الْعَاقِل أَن المحن قد تنزل بالعاقل وَالْجَاهِل والشديد والضعيف وَالْكَبِير وَالصَّغِير
وَأَنَّهَا وَإِن كَانَت لَا شكّ وَاقعَة بِهَذِهِ الطَّبَقَات الَّتِي ذكرنَا فَمَا سَبِيل الْعَاقِل أَن ييأس من تفضل الله عَلَيْهِ بالخلاص مِمَّا بلي بِهِ بل يَثِق وَبِحسن ثقته بخالقه وَيزِيد فِي تَعْظِيمه وتمجيده
فَالْحَمْد لله الَّذِي من عَليّ بتجديد الْحَيَاة وأظهرني على أعدائي الظَّالِمين لي وَجَعَلَنِي أفضلهم رُتْبَة وَأَكْثَرهم حَالا حمدا جَدِيدا دَائِما وَهَذَا جملَة قَول حنين بن إِسْحَق بِلَفْظِهِ
وَمن كَلَام حنين قَالَ اللَّيْل نَهَار الأديب
ولحنين بن إِسْحَق من الْكتب كتاب الْمسَائِل وَهُوَ الْمدْخل إِلَى صناعَة الطِّبّ لِأَنَّهُ قد جمع فِيهِ جملا وجوامع تجْرِي مجْرى المبادئ والأوائل لهَذَا الْعلم وَلَيْسَ جَمِيع هَذَا الْكتاب لحنين بل أَن تِلْمِيذه الأعسم حبيشا تممه
وَلِهَذَا قَالَ ابْن أبي صَادِق فِي شَرحه لَهُ أَن حنينا جمع مَعَاني هَذَا الْكتاب فِي طروس ومسودات بيض مِنْهَا الْبَعْض فِي مُدَّة حَيَاته
ثمَّ إِن حُبَيْش بن الْحسن تِلْمِيذه وَابْن أُخْته رتب الْبَاقِي بعده وَزَاد فِيهِ من عِنْده زَوَائِد وألحقها بِمَا أثْبته حنين فِي دستوره
وَلذَلِك يُوجد هَذَا الْكتاب معنونا بِكِتَاب الْمسَائِل لحنين بِزِيَادَات حُبَيْش الأعسم
وَالَّذِي يُوجد فِي النّسخ من هَذَا الْكتاب أَن زيادات حُبَيْش من عِنْد ذكره أَوْقَات الْأَمْرَاض الْأَرْبَعَة إِلَى آخر الْكتاب
وَقَالَ ابْن أبي صَادِق أَن زيادات حُبَيْش إِنَّمَا هِيَ من الْكَلَام فِي الترياق وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَنَّهُ قَالَ ثمَّ إِن حنين بن إِسْحَق عمل مقالتين شرح فيهمَا مَا قَالَه جالينوس فِي الترياق
وَلَو كَانَ قَالَه حنين لَكَانَ يَقُول ثمَّ إِنِّي عملت مقالتين شرحت فيهمَا كَذَا وَكَذَا
وَقيل إِن حنينا شرع فِي تأليف هَذَا الْكتاب فِي أَيَّام المتَوَكل وَقد جعله رَئِيس الْأَطِبَّاء بِبَغْدَاد
كتاب الْعشْر مقالات فِي الْعين وَهَذَا الْكتاب يُوجد فِي نُسْخَة اخْتِلَاف كثير وَلَيْسَ مقالاته على وَاحِد
فَإِن بَعْضهَا تُوجد مختصرة موجزة فِي الْمَعْنى الَّذِي هِيَ فِيهِ وَالْبَعْض الآخر قد طول فِيهِ وَزَاد عَمَّا يُوجِبهُ تأليف الْكتاب
وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن كل مقَالَة مِنْهُ كَانَت بمفردها من غير التئام لَهَا مَعَ غَيرهَا
وَذَلِكَ لِأَن حنينا يَقُول فِي الْمقَالة الْأَخِيرَة من هَذَا الْكتاب أَنِّي قد كنت ألفت مُنْذُ نَيف وَثَلَاثِينَ سنة فِي الْعين مقالات مُفْردَة نحوت فِيهَا إِلَى أغراض شَتَّى
سَأَلَني تأليفها قوم بعد قوم قَالَ ثمَّ إِن حبيشا سَأَلَني أَن أجمع لَهُ ذَلِك وَهُوَ تسع مقالات وأجعله كتابا وَاحِدًا وَأَن أضيف لَهُ للتسع مقالات الْمَاضِيَة مقَالَة أُخْرَى أذكر فِيهَا كتبهمْ لعلل الْعين
وَهَذَا ذكر أغراض المقالات الَّتِي يضمها هَذَا الْكتاب
الْمقَالة الأولى يذكر فِيهَا طبيعة الْعين وتركيبها
والمقالة الثَّانِيَة يذكر فِيهَا طبيعية الدِّمَاغ ومنافعه
الْمقَالة الثَّالِثَة يذكر فِيهَا العصب الباصر وَالروح الباصر وَفِي نفس الْأَبْصَار كَيفَ يكون
والمقالة الرَّابِعَة فِيهَا جمل الْأَشْيَاء الَّتِي لَا بُد مِنْهَا فِي حفظ الصِّحَّة واختلافها
الْمقَالة الْخَامِسَة يذكر فِيهَا أَسبَاب الْأَعْرَاض الكائنة فِي الْعين
الْمقَالة السَّادِسَة فِي عَلَامَات الْأَمْرَاض الَّتِي تحدث فِي الْعين
الْمقَالة السَّابِعَة يذكر فِيهَا قوى جَمِيع الْأَدْوِيَة عَامَّة
الْمقَالة الثَّامِنَة يذكر فِيهَا أَجنَاس الْأَدْوِيَة للعين خَاصَّة وأنواعها
الْمقَالة التَّاسِعَة يذكر فِيهَا مداواة أمراض الْعين
الْمقَالة الْعَاشِرَة فِي الْأَدْوِيَة المركبة الْمُوَافقَة لعلل الْعين
وَوجدت مقَالَة أُخْرَى حادية عشرَة لحنين مُضَافَة إِلَى هَذَا الْكتاب يذكر فِيهَا علاج الْأَمْرَاض الَّتِي تعرض فِي الْعين بالحديد
كتاب فِي الْعين على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب ثَلَاث مقالات أَلفه لِوَلَدَيْهِ داؤد وَإِسْحَق وَهُوَ مِائَتَان وتسع مسَائِل
اخْتِصَار السِّتَّة عشر كتابا لِجَالِينُوسَ على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب اخْتَصَرَهُ أَيْضا لِوَلَدَيْهِ وَأكْثر مَا أَلفه من الْكتب على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب إِنَّمَا غَرَضه بهَا إِلَى هَذَا الْقَصْد
كتاب الترياق مقالتان
اخْتِصَار كتاب جالينوس فِي الْأَدْوِيَة المفردة إِحْدَى عشرَة مقَالَة اخْتَصَرَهُ بالسرياني وَإِنَّمَا نقل مِنْهُ إِلَى الْعَرَبِيّ الْجُزْء الأول وَهُوَ خمس مقالات نقلهَا لعَلي بن يحيى
مقَالَة فِي ذكر مَا ترْجم من كتب جالينوس وَبَعض مَا لم يترجم كتبهَا إِلَى عَليّ بن يحيى المنجم
مقَالَة فِي ثَبت الْكتب الَّتِي لم يذكرهَا جالينوس فِي فهرست كتبه وصف فِيهَا جَمِيع مَا وجد لِجَالِينُوسَ من الْكتب الَّتِي لَا يشك أَنَّهَا لَهُ وَقَالَ أَن جالينوس يكون صنفها بعد وَضعه الفهرست
مقَالَة فِي اعتذاره لِجَالِينُوسَ فِيمَا قَالَه فِي الْمقَالة السَّابِقَة من كتاب آراء أبقراط وأفلاطن
جمل مقَالَة جالينوس فِي أَصْنَاف الغلظ الْخَارِج عَن الطبيعة على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
جَوَامِع كتاب جالينوس فِي الذبول على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
جَوَامِع كتاب جالينوس فِي أَن الطَّبِيب الْفَاضِل يجب أَن يكون فيلسوفا على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
جَوَامِع كتاب جالينوس فِي كتب أبقراط الصَّحِيحَة وَغير الصَّحِيحَة
جَوَامِع كتاب جالينوس فِي الْحَث على تعلم الطِّبّ على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
جَوَامِع كتاب الْمَنِيّ لِجَالِينُوسَ على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
ثمار تَفْسِير جالينوس لكتاب الْفُصُول لأبقراط على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب سبع مقالات وَكَانَ تأليفه لَهُ بالسرياني وَإِنَّمَا نقل مِنْهُ إِلَى الْعَرَبِيّ الْمقَالة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة
وَأما الثَّلَاث المقالات الْبَاقِيَة فنقلها إِلَى الْعَرَبِيّ عِيسَى بن سهر بخت
ثمار تَفْسِير جالينوس لكتاب تقدمة الْمعرفَة على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
ثمار تَفْسِير جالينوس لكتاب أبقراط فِي تَدْبِير الْأَمْرَاض الحادة على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
ثمار تَفْسِير جالينوس لكتاب أبقراط فِي جراحات الرَّأْس على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
ثمار السَّبع عشرَة مقَالَة الْمَوْجُودَة من كتاب جالينوس لكتاب أبيذيميا لأبقراط على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
ثمار تَفْسِير جالينوس لكتاب قاطيطريون لأبقراط على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
ثمار تَفْسِير جالينوس لكتاب أبقراط فِي الأهوية والأزمنة والبلدان على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب شرح كتاب الْهَوَاء وَالْمَاء والمساكن لأبقراط لم يتم شرح كتاب الْغذَاء لأبقراط ثمار الْمقَالة الثَّالِثَة من
تَفْسِير جالينوس لكتاب طبيعة الْإِنْسَان لأبقراط ثمار كتاب أبقراط فِي المولدين لثمانية أشهر
فُصُول استخرجها من كتاب أبيذيميا
فُصُول استخرجها من كتاب الأهوية والبلدان وَمِمَّا فِي كتاب الْفُصُول من الْكَلَام فِي الأهوية والبلدان بتفسير جالينوس
مقَالَة فِي تَدْبِير الناقهين ألفها لأبي جَعْفَر مُحَمَّد بن مُوسَى
رِسَالَة فِي قرص الْعود رِسَالَة إِلَى الطيفوري فِي قرص الْورْد
كتاب إِلَى الْمُعْتَمد فِيمَا سَأَلَهُ عَنهُ من الْفرق بَين الْغذَاء والدواء المسهل ثَلَاث مقالات كتاب قوى الأغذية ثَلَاث مقالات كتاب فِي كَيْفيَّة إِدْرَاك الدّيانَة مسَائِل فِي الْبَوْل انتزعها من كتاب أبيذيميا لأبقراط
مقَالَة فِي تولد الْفروج بَين فِيهَا أَن تولد الْفروج إِنَّمَا هُوَ من بَيَاض الْبَيْضَة واغتذاؤه من المح الَّذِي فِيهَا
مسَائِل استخرجها من كتب الْمنطق الْأَرْبَعَة
مقَالَة فِي الدَّلَائِل وصف فِيهَا أبوابا من الدَّلَائِل الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على معرفَة كل وَاحِد من الْأَمْرَاض
كتاب فِي النبض كتاب فِي الحميات كتاب فِي الْبَوْل مستخرج من كتاب أبقراط وجالينوس كتاب فِي معرفَة أوجاع الْمعدة وعلاجها مقالتان كتاب فِي حالات الْأَعْضَاء
مقَالَة فِي مَاء الْبُقُول
كتاب فِي اليبس كتاب فِي حفظ الْأَسْنَان واللثة كتاب فِيمَن يُولد لثمانية أشهر على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب أَلفه لأم ولد المتَوَكل كتاب فِي امتحان الْأَطِبَّاء كتاب فِي طبائع الأغذية وتدبير الْأَبدَان كتاب فِي أَسمَاء الْأَدْوِيَة المفردة على حُرُوف المعجم كتاب فِي مسَائِله الْعَرَبيَّة كتاب فِي تَسْمِيَة الْأَعْضَاء على مَا رتبها جالينوس كتاب فِي تركيب الْعين
مقَالَة فِي الْمَدّ والجزر كتاب فِي أَفعَال الشَّمْس وَالْقَمَر كتاب فِي تَدْبِير السوداويين كتاب فِي تَدْبِير الأصحاء بالمطعم وَالْمشْرَب
كتاب فِي اللَّبن كتاب فِي تَدْبِير المستسقين كتاب فِي أسرار الْأَدْوِيَة المركبة كتاب فِي أسرار الفلاسفة فِي الباه
جَوَامِع كتاب السَّمَاء والعالم كتاب فِي الْمنطق كتاب فِي النَّحْو
مقَالَة فِي خلق الْإِنْسَان وَإنَّهُ من مصْلحَته والتفضل عَلَيْهِ جعل مُحْتَاجا
كتاب فِيمَا يقْرَأ قبل كتب أفلاطن مقَالَة فِي تولد النَّار بَين الحجرين
كتاب الْفَوَائِد ومقالة فِي الْحمام مقَالَة فِي الْآجَال مقَالَة فِي الدغدغة مقَالَة فِي ضيق النَّفس
كتاب فِي اخْتِلَاف الطعوم
كتاب فِي تشريح آلَات الْغذَاء ثَلَاث مقالات تَفْسِير كتاب النفخ لأبقراط تَفْسِير كتاب حفظ الصِّحَّة لروفس تَفْسِير كتاب الْأَدْوِيَة المكتومة لِجَالِينُوسَ يبين فِيهِ شرح مَا ذكره جالينوس فِي كل وَاحِد من الْأَدْوِيَة
رِسَالَة فِي دلَالَة الْقدر على التَّوْحِيد رِسَالَة إِلَى سلمويه بن بنان عَمَّا سَأَلَهُ من تَرْجَمَة مقَالَة جالينوس فِي الْعَادَات
كتاب فِي أَحْكَام الْإِعْرَاب على مَذْهَب اليونانيين مقالتان مقَالَة فِي السَّبَب الَّذِي من أَجله صَارَت مياه الْبَحْر مالحة مقَالَة فِي الألوان
كتاب قاطيغورياس على رَأْي ثامسطيوس مقَالَة
مقَالَة فِي تولد الْحَصَاة مقَالَة فِي اخْتِيَار الْأَدْوِيَة المحرقة
كتاب فِي مياه الحمامات على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
كتاب نَوَادِر الفلاسفة والحكماء وآداب المعلمين القدماء كناش اخْتَصَرَهُ من كتاب بولس
مقَالَة فِي تقاسيم علل الْعين
كتاب اخْتِيَار أدوية علل الْعين مقَالَة فِي الصراع
كتاب الفلاحة مقَالَة فِي التَّرْكِيب مِمَّا وَافقه عَلَيْهِ الفاضلان أبقراط وجالينوس مقَالَة تتَعَلَّق بِحِفْظ الصِّحَّة وَغَيرهَا كَلَام فِي الأثار العلوية مقَالَة فِي قَوس قزَح
كتاب تَارِيخ الْعَالم والمبدأ والأنبياء والملوك والأمم وَالْخُلَفَاء
والملوك فِي الْإِسْلَام وابتدأ فِيهِ من آدم وَمن أَتَى من بعده وَذكر مُلُوك بني إِسْرَائِيل وملوك اليونانيين وَالروم وَذكر ابْتِدَاء الْإِسْلَام وملوك بني أُميَّة وملوك بني هَاشم إِلَى الْوَقْت الَّذِي كَانَ فِيهِ حنين بن إِسْحَق وَهُوَ زمَان المتَوَكل على الله
حل بعض شكوك جاسيوس الإسْكَنْدراني على كتاب الْأَعْضَاء الآلمة لِجَالِينُوسَ رِسَالَة فِيمَا أَصَابَهُ من المحن والشدائد كتاب إِلَى عَليّ بن يحيى جَوَاب كِتَابه فِيمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ من دين الْإِسْلَام
جَوَامِع مَا فِي الْمقَالة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة من كتاب أبيديميا لأبقراط على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
مقَالَة فِي كَون الْجَنِين جمع من أقاويل جالينوس وبقراط
جَوَامِع تَفْسِير القدماء اليونانيين لكتاب أرسطوطاليس فِي السَّمَاء والعالم مسَائِل مُقَدّمَة لكتاب فرفوريوس الْمَعْرُوف بالمدخل وَيَنْبَغِي أَن يقْرَأ قبل كتاب فرفرويوس شرح كتاب الفراسة لأرسطاطاليس
كتاب دفع مضار الأغذية
كتاب الزِّينَة
كتاب خَواص الْأَحْجَار
كتاب البيطرة
كتاب حفظ الْأَسْنَان
كتاب فِي إِدْرَاك حَقِيقَة الْأَدْيَان
إِسْحَق بن حنين
هُوَ أَبُو يَعْقُوب إِسْحَق بن حنين بن إِسْحَق الْعَبَّادِيّ كَانَ يلْحق بِأَبِيهِ فِي النَّقْل وَفِي مَعْرفَته باللغات وفصاحته فِيهَا إِلَّا أَن نَقله للكتب الطبية قَلِيل جدا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يُوجد من كَثْرَة نَقله من كتب أرسطوطاليس فِي الْحِكْمَة وشروحها إِلَى لُغَة الْعَرَب
وَكَانَ إِسْحَق قد خدم من خدم أَبوهُ من الْخُلَفَاء والرؤساء
وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى الْقَاسِم بن عبيد الله وخصيصا بِهِ ومتقدما عِنْده يُفْضِي إِلَيْهِ بأسراره
ولإسحق حكايات مستظرفة وأشعار
قَالَ إِسْحَق بن حنين شكا إِلَيّ رجل عِلّة فِي أحشائه فأعطيته معجونا وَقلت لَهُ تنَاوله سحرًا وعرفني خبرك بالْعَشي فَجَاءَنِي غُلَامه برقعة من عِنْده فقرأتها وَإِذا فِيهَا يَا سَيِّدي تناولت الدَّوَاء وَاخْتلفت لَا عدمتك عشرَة مجَالِس أَحْمَر مثل الرِّيق فِي اللزوجة وأخضر مثل السلق فِي البقلية وَوجدت بعده مغسا فِي رَأْسِي وهوسا فِي سرتي فرأيك فِي إِنْكَار ذَلِك على الطبيعة بِمَا ترَاهُ إِن شَاءَ الله
قَالَ فتعجبت مِنْهُ وَقلت لَيْسَ للأحمق إِلَّا جَوَاب يَلِيق بِهِ
وكتبت إِلَيْهِ فهمت رقعتك وَأَنا أتقدم إِلَى الطبيعة بِمَا تحب وأنفذ إِلَيْك الْجَواب إِذا الْتَقَيْنَا وَالسَّلَام
وَلحق إِسْحَق فِي آخر عمره الفالج وَبِه مَاتَ
وَتُوفِّي بِبَغْدَاد فِي أَيَّام المقتدر بِاللَّه وَذَلِكَ فِي شهر
ربيع الآخر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
وَمن كَلَام إِسْحَق قَالَ قَلِيل الراح صديق الرّوح وكثيرها عَدو الْجِسْم
وَمن شعره
(أَنا ابْن الَّذين استودع الطِّبّ فيهم
…
وَسموا بِهِ طِفْل وكهل ويافع)
(يبصرني أرستطاليس بارعا
…
يقوم مني منطق لَا يدافع)
(وبقراط فِي تَفْصِيل مَا أثبت الألى
…
لنا الضّر والأسقام طب مضارع)
(وَمَا زَالَ جالينوس يشفي صدورنا
…
لما اخْتلفت فِيهِ علينا الطبائع)
(وَيحيى بن ماسويه وأهرن قبله
…
لَهُم كتب للنَّاس فِيهَا مَنَافِع)
(رأى أَنه فِي الطِّبّ نيلت فَلم يكن
…
لنا رَاحَة من حفظهَا وأصابع) الطَّوِيل
ونقلت من خطّ ابْن بطلَان فِي رسَالَته الْمَعْرُوفَة بدعوة الْأَطِبَّاء أَن الْقَاسِم بن عبيد الله وَزِير المعتضد بِاللَّه بلغه أَن أَبَا يَعْقُوب إِسْحَق قد شرب دَوَاء مسهلا فَأحب مداعبته وَكَانَ صديقا لَهُ فَكتب إِلَيْهِ
(أبن لي كَيفَ أمسيت
…
وَكم كَانَ من الْحَال)
(وَكم سَارَتْ بك النَّاقة
…
نَحْو الْمنزل الْخَالِي) الهزج
فَكتب إِلَيْهِ إِسْحَق بن حنين
(بِخَير كنت مَسْرُورا
…
رَضِي الْحَال والبال)
(فَأَما السّير والناقة
…
والمرتبع الْخَالِي)
(فإجلالك إنسانيه
…
يَا غَايَة آمالي) الهزج
ولإسحق بن حنين من الْكتب كتاب الْأَدْوِيَة المفردة
كناش لطيف وَيعرف بكناش الْخُف
كتاب ذكر فِيهِ ابْتِدَاء صناعَة الطِّبّ وَأَسْمَاء جمَاعَة من الْحُكَمَاء والأطباء
كتاب الْأَدْوِيَة الْمَوْجُودَة بِكُل مَكَان كتاب الصّلاح الْأَدْوِيَة المسهلة
اخْتِصَار كتاب أقليدس كتاب المقولات كتاب أيساغوجي وَهُوَ الْمدْخل إِلَى صناعَة الْمنطق
إصْلَاح جَوَامِع الإسكندرانيين لشرح جالينوس لكتاب الْفُصُول لأبقراط
كتاب فِي النبض على جِهَة التَّقْسِيم
مقَالَة فِي الْأَشْيَاء الَّتِي تفِيد الصِّحَّة وَالْحِفْظ وتمنع من النسْيَان ألفها لعبد الله بن شَمْعُون
كتاب فِي الْأَدْوِيَة المفردة
كتاب صَنْعَة العلاج بالحديد
كتاب آدَاب الفلاسفة ونوادرهم
مقَالَة فِي التَّوْحِيد
حُبَيْش الأعسم
هُوَ حُبَيْش بن الْحسن الدِّمَشْقِي وَهُوَ ابْن أُخْت حنين بن إِسْحَق وَمِنْه تعلم صناعَة الطِّبّ وَكَانَ يسْلك مَسْلَك حنين فِي نَقله وَفِي كَلَامه وأحواله إِلَّا أَنه كَانَ يقصر عَنهُ
وَقَالَ حنين بن إِسْحَق وَقد ذكره فِي بعض الْمَوَاضِع أَن حبيشا ذكي مطبوع على الْفَهم غير أَنه لَيْسَ لَهُ اجْتِهَاد بِحَسب ذكائه
بل فِيهِ تهاون وَإِن كَانَ ذكاؤه مفرطا وذهنه ثاقبا
وحبيش هُوَ الَّذِي تمم كتاب مسَائِل حنين فِي الطِّبّ الَّذِي وَضعه للمتعلمين وَجعله مدخلًا إِلَى هَذِه الصِّنَاعَة
ولحبيش من الْكتب كتاب إصْلَاح الْأَدْوِيَة المسهلة كتاب الْأَدْوِيَة المفردة كتاب الأغذية
كتاب فِي الاسْتِسْقَاء
مقَالَة فِي النبض على جِهَة التَّقْسِيم
يوحنا بن بختيشوع
كَانَ طَبِيبا متميزا خَبِيرا باللغة اليونانية والسريانية وَنقل من اليوناني إِلَى السرياني كتبا كَثِيرَة وخدم بصناعة الطِّبّ الْمُوفق بِاللَّه طَلْحَة بن جَعْفَر المتَوَكل وَكَانَ يعْتَمد عَلَيْهِ كثيرا ويسميه مفرج كربي
حدث إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس بن طومار الهامشي قَالَ
كَانَ الْمُوفق إِذا جلس للشراب يقدم بَين يَدَيْهِ صينية ذهب ومغسل ذهب وخرداذى بلور وكوز بلور وَيجْلس يوحنا بن بختيشوع عَن يَمِينه وَيقدم إِلَيْهِ مثل ذَلِك وَكَذَلِكَ بَين يَدي غَالب الطَّبِيب
ثمَّ يقدم إِلَى جَمِيع الجلساء صواني مدهون وقناني زجاج ونارنج قَالَ وسمعته وَقد شكا إِلَى الْمُوفق مَا يجْرِي عَلَيْهِ فِي ضيَاعه فَتقدم الْمُوفق إِلَى صاعد بِأَن يكْتب لَهُ جَمِيع مَا يُرِيد
ثمَّ إِن يوحنا حضر بعد مُدَّة مديدة فعدد على الْمُوفق إحسانه إِلَيْهِ ومعروفة عِنْده وَأَن صاعدا يكدر إحسانه إِلَيْهِ وَيكْتب إِلَى الْعمَّال كتبا فِيمَا يبطل عَلَيْهِ ضيَاعه وأملاكه
فَتقدم إِلَيْهِ الْمُوفق بالإنصراف إِلَى مضربه وأعلمه بكيفية الْفِكر فِي هَذَا
وَوجه الْمُوفق إِلَى صاعد فَأحْضرهُ وَقَالَ لَهُ أَنْت تعلم أَنه لَيْسَ لي فِي هَذِه الدُّنْيَا من استريح إِلَيْهِ وَاعْلَم مَا فِي سويداء قلبِي وَهُوَ مفرج كربي غير يوحنا
وَأَنت دائب الْحِيلَة على تنغيض عيشي بشغل قلبه عَن خدمتي فعل الله بك وَفعل
فَلم يزل صاعد يحلف لَهُ حَتَّى حل سَيْفه ومنطقته وَقَالَ لَهُ امْضِ السَّاعَة مَعَ رَاشد إِلَى مضرب يوحنا وَلَا تدع جهدا فِي أَن تتوصل إِلَى جَمِيع مَا يُحِبهُ وتوثق لَهُ وَخذ خطة بأنك قد بلغت لَهُ كل مَا أَرَادَهُ وأنفذه إِلَيّ مَعَ رَاشد
قَالَ فَمضى وَكنت أَنا أحد من مضى مَعَهُمَا حَتَّى
دَخَلنَا إِلَى مضرب يوحنا وَإِذا بِهِ قَاعد على حصر سامان فِي قبَّة لَهُ فَلَمَّا قرب مِنْهُ صاعد قَامَ لَهُ فَسلم عَلَيْهِ وعَلى رَاشد وَعلي وجلسوا وَجَلَست
ثمَّ قَالَ صاعد وَحلف لَهُ فَقَالَ لَهُ وَمَا يَنْفَعنِي وَأَنت تكْتب بضد مَا تظهر
فَأَعَادَ الْيَمين ووثق لَهُ
ثمَّ دَعَا صاعد بمنديل وَجعله فِي حجره وَأخذ القرطاس والقلم وَجعل يكْتب ويخرط الخرائط حَتَّى بلغ مَا أَرَادَهُ يوحنا وأحذ خطه وشهادتي وَمن حضر وأنفذها مَعَ رَاشد إِلَى الْمُوفق بِاللَّه
وَمَا احْتَاجَ يوحنا بعد ذَلِك أَن يستزيد فِي شَيْء من أُمُوره
وليوحنا بن بختيشوع من الْكتب كتاب فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الطَّبِيب من علم النُّجُوم
بختيشوع بن يوحنا
كَانَ عَالما بصناعة الطِّبّ حظيا من الْخُلَفَاء وَغَيرهم
واختص بِخِدْمَة المقتدر بِاللَّه وَكَانَ لَهُ من المقتدر الْأَنْعَام الْكثير والإقطاعات من الضّيَاع
وخدم بعد ذَلِك الراضي بِاللَّه فَأكْرمه وأجراه على مَا كَانَ باسمه فِي أَيَّام أَبِيه المقتدر
وَمَات بختيشوع بن يوحنا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَعشْرين وثلثمائة بِبَغْدَاد
عِيسَى بن عَليّ
كَانَ طَبِيبا فَاضلا ومشتغلا بالحكمة وَله تصانيف فِي ذَلِك
وَكَانَ قد قَرَأَ صناعَة الطِّبّ على حنين ابْن إِسْحَق وَهُوَ من أجل تلاميذه
وَكَانَ عِيسَى بن عَليّ يخْدم أَحْمد بن المتَوَكل وَهُوَ الْمُعْتَمد على الله وَكَانَ طبيبه قَدِيما وَلما ولي الْخلَافَة أحسن إِلَيْهِ وشرفه وَحمله عدَّة دفعات على دَوَاب وخلع عَلَيْهِ
ولعيسى بن عَليّ من الْكتب كتاب الْمَنَافِع الَّتِي تستفاد من أَعْضَاء الْحَيَوَان
كتاب السمُوم مقالتان
عِيسَى بن يحيى بن إِبْرَاهِيم
كَانَ أَيْضا من تلامذة حنين بن إِسْحَق واشتغل عَلَيْهِ بصناعة الطِّبّ
الحلاجي
وَيعرف بِيَحْيَى بن أبي حَكِيم كَانَ من أطباء المعتضد وَله من الْكتب كتاب تَدْبِير الْأَبدَان النحيفة الَّتِي قد علتها الصَّفْرَاء أَلفه للمعتضد
ابْن صهار بخت
واسْمه عِيسَى من أهل جندي سَابُور وَله من الْكتب كتاب قوى الْأَدْوِيَة المفردة
ابْن ماهان
وَيعرف بِيَعْقُوب السيرافي وَله من الْكتب كتاب السّفر والحضر فِي الطِّبّ
الساهر
اسْمه يُوسُف وَيعرف بِيُوسُف القس
عَارِف بصناعة الطِّبّ وَكَانَ متميزا فِي أَيَّام المكتفي
وَقَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل عَنهُ أَنه كَانَ بِهِ سرطان فِي مقدم رَأسه وَكَانَ يمنعهُ من النّوم فلقب بالساهر من أجل مَرضه
قَالَ وصنف كناشا يذكر فِيهِ أدوية الْأَمْرَاض وَذكر فِي كناشه أَشْيَاء تدل على أَنه كَانَ بِهِ هَذَا الْمَرَض
وللساهر من الْكتب كناشه وَهُوَ الَّذِي يعرف بِهِ وينسب إِلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا استخرجه وَجَربه فِي أَيَّام حَيَاته وَجعله مقسوما إِلَى قسمَيْنِ فالقسم الأول تجْرِي أبوابه على غير تَرْتِيب الْأَعْضَاء وَهِي سِتَّة أَبْوَاب
الْبَاب التَّاسِع
طَبَقَات الْأَطِبَّاء النقلَة الَّذين نقلوا كتب الطِّبّ وَغَيره من اللِّسَان اليوناني إِلَى اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَذكر الَّذين نقلوا لَهُم
جورجس
وَهُوَ من أول من ابْتَدَأَ فِي نقل الْكتب الطبية إِلَى اللِّسَان الْعَرَبِيّ عِنْدَمَا استدعاه الْمَنْصُور وَكَانَ كثير الْإِحْسَان إِلَيْهِ وَقد ذكرت أَخْبَار جورجس فِيمَا تقدم
حنين بن إِسْحَق
كَانَ عَالما باللغات الْأَرْبَع غريبها ومستعملها الْعَرَبيَّة والسريانية واليونانية والفارسية
وَنَقله فِي غَايَة من الْجَوْدَة
إِسْحَق بن حنين
كَانَ أَيْضا عَالما باللغات الَّتِي يعرفهَا أَبوهُ وَهُوَ يلْحق بِهِ فِي النَّقْل وَكَانَ إِسْحَق عذب الْعبارَة فصيح الْكَلَام وَكَانَ حنين مَعَ ذَلِك أَكثر تصنيفا ونقلا وَقد تقدم ذكر إِسْحَق وَأَبِيهِ
حُبَيْش الأعسم
وَهُوَ ابْن أُخْت حنين بن إِسْحَق وتلميذه
ناقل مجود يلْحق بحنين وَإِسْحَق
وَقد تقدم أَيْضا ذكره
عِيسَى بن يحيى بن إِبْرَاهِيم
كَانَ أَيْضا تلميذا لحنين بن إِسْحَق وَكَانَ فَاضلا
أثنى عَلَيْهِ حنين وَرَضي نَقله وقلده فِيهِ
وَله مصنفات
قسطا بن لوقا البعلبكي
كَانَ نَاقِلا خَبِيرا باللغات فَاضلا فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة وَغَيرهَا وَسَيَأْتِي ذكره وأخباره فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله
أَيُّوب الْمَعْرُوف بالأبرش
كَانَ قَلِيل النَّقْل متوسطه
وَمَا نَقله فِي آخر عمره يضاهي نقل حنين
ماسرجيس
كَانَ نَاقِلا من السرياني إِلَى الْعَرَبِيّ ومشهورا بالطب
وَله من الْكتب كتاب قوى الْأَطْعِمَة ومنافعها ومضارها
كتاب قوى العقاقير ومنافعها ومضارها
عِيسَى بن ماسرجيس
كَانَ يلْحق بِأَبِيهِ
وَله من الْكتب كتاب الألوان
كتاب الروائح والطعوم
شهدي الْكَرْخِي
من أهل الكرخ وَكَانَ قريب الْحَال فِي التَّرْجَمَة
ابْن شهدي الْكَرْخِي
كَانَ مثل أَبِيه فِي النَّقْل ثمَّ أَنه فِي آخر عمره فاق أَبَاهُ وَلم يزل متوسطا
وَكَانَ ينْقل من السرياني إِلَى الْعَرَبِيّ
وَمن نَقله كتاب الأجنة لأبقراط
الْحجَّاج بن مطر
نقل لِلْمَأْمُونِ
وَمن نَقله كتاب أقليدس ثمَّ أصلح نَقله فِيمَا بعد ثَابت بن قُرَّة الْحَرَّانِي ابْن ناعمة واسْمه عبد الْمَسِيح بن عبد الله الْحِمصِي الناعمي كَانَ متوسط النَّقْل وَهُوَ إِلَى الْجَوْدَة أميل
زروبا بن مانحوه الناعمي الْحِمصِي
كَانَ قريب النَّقْل وَمَا هُوَ فِي دَرَجَة من قبله
هِلَال بن أبي هِلَال الْحِمصِي
كَانَ صَحِيح النَّقْل وَلم يكن عِنْده فصاحة وَلَا بلاغة فِي اللَّفْظ
فثيون الترجمان
وجدت نَقله كثير اللّحن وَلم يكن يعرف علم الْعَرَبيَّة أصلا
أَبُو نصر بن نَارِي بن أَيُّوب
كَانَ قَلِيل النَّقْل وَلم يعْتد بنقله كَغَيْرِهِ من النقلَة
بسيل المطران
نقل كتبا كَثِيرَة وَكَانَ نَقله أميل إِلَى الْجَوْدَة
اصطفن بن بسيل
كَانَ يُقَارب حنين بن إِسْحَق فِي النَّقْل إِلَّا أَن عبارَة حنين أفْصح وَأحلى
مُوسَى بن خَالِد الترجمان
وجدت من نَقله كتبا كَثِيرَة من السِّتَّة عشر لِجَالِينُوسَ وَغَيرهَا وَكَانَ لَا يصل إِلَى دَرَجَة حنين أَو يقرب مِنْهَا
أسطاث
كَانَ من النقلَة المتوسطين
حيرون بن رابطة
لَيْسَ لَهُ شهرة بجودة النَّقْل
تدرس السنقل
وجدت لَهُ نقلا فِي الْكتب الْحكمِيَّة لَا بَأْس بِهِ
سرجس الرأسي
من أهل مَدِينَة رَأس الْعين
نقل كتبا كَثِيرَة وَكَانَ متوسطا فِي النَّقْل
وَكَانَ حنين يصلح نَقله فَمَا وجد بإصلاح حنين فَهُوَ الْجيد وَمَا وجد غير مصلح فَهُوَ وسط
أَيُّوب الرهاوي
لَيْسَ هُوَ أَيُّوب الأبرش الْمَذْكُور أَولا ناقل جيد عَالم باللغات إِلَّا أَنه بالسُّرْيَانيَّة خير مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ
يُوسُف النَّاقِل
هُوَ أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن عِيسَى المتطبب النَّاقِل ويلقب بالناعس وَهُوَ تلميذ عِيسَى بن صهربخت وَكَانَ يُوسُف النَّاقِل من خوزستان وَكَانَت فِي عِبَارَته لكنة وَلَيْسَ نَقله بِكَثِير الْجَوْدَة
إِبْرَاهِيم بن الصَّلْت
كَانَ متوسطا فِي النَّقْل يلْحق بسرجس الرأسي
ثَابت النَّاقِل
كَانَ أَيْضا متوسطا فِي النَّقْل إِلَّا أَنه يفضل إِبْرَاهِيم بن الصَّلْت
وَكَانَ مقلا من النَّقْل
وَمن نَقله كتاب الكيموسين لِجَالِينُوسَ
أَبُو يُوسُف الْكَاتِب
كَانَ أَيْضا متوسطا فِي النَّقْل وَنقل عدَّة كتب من كتب أبقراط
يوحنا بن بختيشوع
نقل كتبا كَثِيرَة إِلَى السرياني فَأَما إِلَى الْعَرَبِيّ فَمَا عرف بنقله شَيْء مِنْهَا
البطريق
كَانَ فِي أَيَّام الْمَنْصُور وَأمره بِنَقْل أَشْيَاء من الْكتب الْقَدِيمَة
وَله نقل كثير جيد إِلَّا أَنه دون نقل حنين بن إِسْحَق
وَقد وجدت بنقله كتبا كَثِيرَة فِي الطِّبّ كتب أبقراط وجالينوس
يحيى بن البطريق
كَانَ فِي جملَة الْحسن بن سهل وَكَانَ لَا يعرف الْعَرَبيَّة حق مَعْرفَتهَا وَلَا اليونانية وَإِنَّمَا كَانَ لطينيا يعرف لُغَة الرّوم الْيَوْم وكتابتها
وَهِي الْحُرُوف الْمُتَّصِلَة لَا الْمُنْفَصِلَة اليونانية الْقَدِيمَة
قيضا الرهاوي
كَانَ إِذا كثرت على حنين الْكتب وضاق عَلَيْهِ الْوَقْت اسْتَعَانَ بِهِ فِي نقلهَا ثمَّ يصلحها بعد ذَلِك
مَنْصُور بن باناس
طبقته فِي النَّقْل مثل قيضا الرهاوي وَكَانَ بالسُّرْيَانيَّة أقوى مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ
عبد يشوع بن بهريز
مطران الْموصل
كَانَ صديقا لجبرائيل بن بختيشوع وناقلا لَهُ
أَبُو عُثْمَان سعيد بن يَعْقُوب الدِّمَشْقِي
أحد النقلَة المجيدين وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى عَليّ بن عِيسَى
أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن بكس
كَانَ من الْأَطِبَّاء الْمَشْهُورين وَترْجم كتبا كَثِيرَة إِلَى لُغَة الْعَرَب وَنَقله أَيْضا مَرْغُوب فِيهِ
أَبُو الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن بكس
كَانَ أَيْضا طَبِيبا مَشْهُورا
وَكَانَ مثل أَبِيه فِي النَّقْل
فَأَما الَّذين كَانَ هَؤُلَاءِ النقلَة ينقلون لَهُم خَارِجا عَن الْخُلَفَاء فَمنهمْ
شيرشوع بن قطرب
من أهل جندي سَابُور وَكَانَ لَا يزَال يبر النقلَة وَيهْدِي إِلَيْهِم ويتقرب إِلَى تَحْصِيل الْكتب مِنْهُم بِمَا يُمكنهُ من المَال وَكَانَ يُرِيد السرياني أَكثر من الْعَرَبِيّ وَهُوَ أحد الخوز
مُحَمَّد بن مُوسَى المنجم
وَهُوَ أحد بني مُوسَى بن شَاكر الْحساب الْمَشْهُورين بِالْفَضْلِ وَالْعلم والتصنيف فِي الْعُلُوم الرياضية
وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا من أبر النَّاس بحنين بن إِسْحَق وَقد نقل لَهُ حنين كثيرا من الْكتب الطبية
عَليّ بن يحيى الْمَعْرُوف بِابْن المنجم
أحد كتاب الْمَأْمُون وَكَانَ نديما لَهُ وَعِنْده فضل
وَمَال إِلَى الطِّبّ فنقلوا لَهُ كتبا كَثِيرَة
ثادرس الأسقف
كَانَ اسقفا فِي الكرخ بِبَغْدَاد
وَكَانَ حَرِيصًا على طلب الْكتب متقربا إِلَى قُلُوب نقلتها فَحصل مِنْهَا شَيْئا كثيرا وصنف لَهُ قوم من الْأَطِبَّاء النَّصَارَى كتبا لَهَا قدر وجعلوها باسمه
مُحَمَّد بن مُوسَى بن عبد الْملك
نقلت لَهُ كتب طبية وَكَانَ من جملَة الْعلمَاء الْفُضَلَاء يلخص الْكتب وَيعْتَبر جيد الْكَلَام فِيهَا من رديه
عِيسَى بن يُونُس الْكَاتِب الحاسب
من جملَة الْفُضَلَاء بالعراق وَكَانَ كثير الْعِنَايَة بتحصيل الْكتب الْقَدِيمَة والعلوم اليونانية
عَليّ الْمَعْرُوف بالفيوم
اشْتهر باسم الْمَدِينَة الَّتِي كَانَ عاملها وَكَانَت النقلَة يحصلون من جَانِبه ويمتارون من فَضله
أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الْمُدبر الْكَاتِب
وَكَانَ يصل إِلَى النقلَة من مَاله وأفضاله شَيْء كثير جدا
إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن مُوسَى الْكَاتِب
وَكَانَ حَرِيصًا على نقل كتب اليونانيين إِلَى لُغَة الْعَرَب ومشتملا على أهل الْعلم وَالْفضل وعَلى النقلَة خَاصَّة
عبد الله بن إِسْحَق
وَكَانَ أَيْضا حَرِيصًا على نقل الْكتب وتحصيلها
مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات
وَكَانَ يُقَارب عطاؤه للنقلة والنساخ فِي كل شهر ألفي دِينَار وَنقل باسمه كتب عدَّة
وَكَانَ أَيْضا مِمَّن نقلت لَهُ الْكتب اليونانية وترجمت باسمه جمَاعَة من أكَابِر الْأَطِبَّاء مثل يوحنا بن ماسويه وجبرائيل بن بختيشوع وبختيشوع بن جِبْرَائِيل بن بختيشوع وداؤد بن سرابيون وسلمويه بن بنان وَالْيَسع وَإِسْرَائِيل بن زَكَرِيَّا بن الطيفوري وحبيش بن الْحسن
الْبَاب الْعَاشِر
طَبَقَات الْأَطِبَّاء الْعِرَاقِيّين وأطباء الجزيرة وديار بكر
يَعْقُوب بن إِسْحَق الْكِنْدِيّ
فيلسوف الْعَرَب وَأحد أَبنَاء مُلُوكهَا
وَهُوَ أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن إِسْحَق بن الصَّباح بن عمرَان ابْن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث بن قيس بن معدي كرب بن مُعَاوِيَة بن جبلة بن عدي بن ربيعَة ابْن مُعَاوِيَة الْأَكْبَر بن الْحَرْث الْأَصْغَر بن مُعَاوِيَة بن الْحَرْث الْأَكْبَر بن مُعَاوِيَة بن ثَوْر بن مرتع بن كِنْدَة بن عفير بن عدي بن الْحَرْث بن مرّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان ابْن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان
وَكَانَ أَبوهُ إِسْحَق بن الصَّباح أَمِيرا على الْكُوفَة للمهدي والرشيد
وَكَانَ الْأَشْعَث بن قيس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَانَ قبل ذَلِك ملكا على جَمِيع كِنْدَة
وَكَانَ أَبوهُ قيس بن معدي كرب ملكا على جَمِيع كِنْدَة أَيْضا عَظِيم الشَّأْن وَهُوَ الَّذِي مدحه الْأَعْشَى أعشى بني قيس بن ثَعْلَبَة بقصائده الْأَرْبَع الطوَال الَّتِي أولَاهُنَّ
لعمرك مَا طول هَذَا الزَّمن
وَالثَّانيَِة رحلت سميَّة غدْوَة أجمالها
وَالثَّالِثَة أأزمعت من آل ليلى ابتكارا
وَالرَّابِعَة أتهجر غانية أم تلم
وَكَانَ أَبوهُ معدي كرب بن مُعَاوِيَة ملكا على بني الْحَرْث الْأَصْغَر بن مُعَاوِيَة فِي حَضرمَوْت وَكَانَ أَبوهُ مُعَاوِيَة بن جبلة ملكا بحضرموت أَيْضا على بني الْحَرْث الْأَصْغَر
وَكَانَ مُعَاوِيَة بن الْحَرْث الْأَكْبَر وَأَبوهُ الْحَرْث الْأَكْبَر وَأَبوهُ ثَوْر ملوكا على معبد بالمشقر واليمامة والبحرين
وَكَانَ يَعْقُوب بن إِسْحَق الْكِنْدِيّ عَظِيم الْمنزلَة عِنْد الْمَأْمُون والمعتصم وَعند ابْنه أَحْمد
وَله مصنفات جليلة ورسائل كَثِيرَة جدا فِي جَمِيع الْعُلُوم
وَقَالَ سُلَيْمَان بن حسان أَن يَعْقُوب بن إِسْحَق الْكِنْدِيّ شرِيف الأَصْل بَصرِي كَانَ جده ولي الولايات لبني هَاشم وَنزل الْبَصْرَة وضيعته هُنَالك
وانتقل إِلَى بَغْدَاد وَهُنَاكَ تأدب وَكَانَ عَالما بالطب والفلسفة وَعلم الْحساب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة وطبائع الْأَعْدَاد وَعلم النُّجُوم
وَلم يكن فِي الْإِسْلَام فيلسوف غَيره احتذى فِي تواليفه حَذْو أرسطوطاليس
وَله تواليف كَثِيرَة فِي فنون من الْعلم وخدم الْمُلُوك فباشرهم بالأدب وَترْجم من كتب الفلسفة الْكثير وأوضح مِنْهَا الْمُشكل ولخص المستصعب وَبسط العويص
وَقَالَ أَبُو معشر فِي كتاب المذكرات لشاذان حذاق التراجمة فِي الْإِسْلَام أَرْبَعَة حنين بن إِسْحَق وَيَعْقُوب بن إِسْحَق الْكِنْدِيّ وثابت بن قُرَّة الْحَرَّانِي وَعمر بن الفرخان الطَّبَرِيّ
وَقَالَ ابْن النديم الْبَغْدَادِيّ الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن أبي يَعْقُوب فِي كتاب الفهرست كَانَ أَبُو معشر وَهُوَ جَعْفَر بن مُحَمَّد الْبَلْخِي من أَصْحَاب الحَدِيث أَولا ومنزله فِي الْجَانِب الغربي بِبَاب خُرَاسَان بِبَغْدَاد يضاغن الْكِنْدِيّ ويغري بِهِ الْعَامَّة ويشنع عَلَيْهِ بعلوم الفلاسفة
فَدس عَلَيْهِ الْكِنْدِيّ من حسن لَهُ النّظر فِي علم الْحساب والهندسة فَدخل فِي ذَلِك فَلم يكمل لَهُ فَعدل إِلَى علم أَحْكَام النُّجُوم وَانْقطع شَره عَن الْكِنْدِيّ بنظره فِي هَذَا الْعلم لِأَنَّهُ من جنس عُلُوم الْكِنْدِيّ
وَيُقَال إِنَّه تعلم النُّجُوم بعد سبع وَأَرْبَعين سنة من عمره وَكَانَ فَاضلا حسن الْإِصَابَة وضربه المستعين أسواطا لِأَنَّهُ أصَاب فِي شَيْء خَبره بِكَوْنِهِ قبل وقته فَكَانَ يَقُول أصبت فعوقبت
وَكَانَ مولده بواسط يَوْم الْأَرْبَعَاء لليلتين بَقِيَتَا من شهر رَمَضَان سنة وَتُوفِّي أَبُو معشر وَقد جَاوز الْمِائَة سنة
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم فِي كتاب حسن العقبى حَدثنِي أَبُو كَامِل شُجَاع ابْن أسلم الحاسب قَالَ كَانَ مُحَمَّد وَأحمد ابْنا مُوسَى بن شَاكر فِي أَيَّام المتَوَكل يكيدان كل من ذكر بالتقدم فِي معرفَة
فأشخصا سَنَد بن عَليّ إِلَى مَدِينَة السَّلَام وباعداه عَن المتَوَكل ودبرا على الْكِنْدِيّ حَتَّى ضربه المتَوَكل ووجها إِلَى دَاره فأخذا كتبه بأسرها وأفرداها فِي خزانَة سميت الكندية
وَمكن هَذَا لَهما استهتار المتَوَكل بالآلات المتحركة وَتقدم إِلَيْهِمَا فِي حفر النَّهر الْمَعْرُوف بالجعفري فأسندا أمره إِلَى أَحْمد بن كثير الفرغاني الَّذِي عمل المقياس الْجَدِيد بِمصْر
وَكَانَت مَعْرفَته أوفى من توفيقه لِأَنَّهُ مَا تمّ لَهُ عمل قطّ فغلط فِي فوهة النَّهر الْمَعْرُوف بالجعفري وَجعلهَا أَخفض من سائره فَصَارَ مَا يغمر الفوهة لَا يغمر سَائِر النَّهر
فدافع مُحَمَّد وَأحمد ابْنا مُوسَى فِي أمره واقتضاهما المتَوَكل فسعى بهما إِلَيْهِ فِيهِ فأنفذ مستحثا فِي إِحْضَار سَنَد بن عَليّ من مَدِينَة السَّلَام فَوَافى
فَلَمَّا تحقق مُحَمَّد وَأحمد ابْنا مُوسَى أَن سَنَد بن عَليّ قد شخص أيقنا بالهلكة ويئسا من الْحَيَاة
فَدَعَا المتَوَكل
بِسَنَد وَقَالَ مَا ترك هَذَانِ الرديان شَيْئا من سوء القَوْل إِلَّا وَقد ذكراك عِنْدِي بِهِ
وَقد أتلفا جملَة من مَالِي فِي هَذَا النَّهر
فَأخْرج إِلَيْهِ حَتَّى تتأمله وتخبرني بالغلط فِيهِ
فَإِنِّي قد آلَيْت على نَفسِي إِن كَانَ الْأَمر على مَا وصف لي إِنِّي أصلبهما على شاطئه
وكل هَذَا بِعَين مُحَمَّد وَأحمد ابْني مُوسَى وسمعهما فَخرج وهما مَعَه
فَقَالَ مُحَمَّد ابْن مُوسَى لسند يَا أَبَا الطّيب أَن قدرَة الْحر تذْهب حفيظته وَقد فَرغْنَا إِلَيْك فِي أَنْفُسنَا الَّتِي هِيَ أنفس أعلاقنا وَمَا ننكر إِنَّا أسأنا وَالِاعْتِرَاف يهدم الاقتراف فتخلصنا كَيفَ شِئْت
قَالَ لَهما وَالله إنَّكُمَا لتعلمان مَا بيني وَبَين الْكِنْدِيّ من الْعَدَاوَة والمباعدة وَلَكِن الْحق أولى مَا أتبع
أَكَانَ من الْجَمِيل مَا أتيتماه إِلَيْهِ من أَخذ كتبه وَالله لَا ذكرتكما بصالحة حَتَّى تردا عَلَيْهِ كتبه
فَتقدم مُحَمَّد بن مُوسَى فِي حمل الْكتب إِلَيْهِ وَأخذ خطه باستيفائها فوردت رقْعَة الْكِنْدِيّ بتسلمها عَن آخرهَا
فَقَالَ قد وَجب لَكمَا عَليّ ذمام برد كتب هَذَا الرجل ولكما ذمام بالمعرفة الَّتِي لم ترعياها فِي وَالْخَطَأ فِي هَذَا النَّهر يسْتَتر أَرْبَعَة أشهر بِزِيَادَة دجلة وَقد أجمع الْحساب على أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا يبلغ هَذَا المدى وَأَنا أخبرهُ السَّاعَة أَنه لم يَقع مِنْكُمَا خطأ فِي هَذَا النَّهر إبْقَاء على أرواحكما فَإِن صدق المنجمون أفلتنا الثَّلَاثَة وَإِن كذبُوا وَجَازَت مدَّته حَتَّى تنقص دجلة وتنصب أوقع بِنَا ثلاثتنا
فَشكر مُحَمَّد وَأحمد هَذَا القَوْل مِنْهُ واسترقهما بِهِ وَدخل على المتَوَكل فَقَالَ لَهُ مَا غَلطا
وزادت دجلة وَجرى المَاء فِي النَّهر فاستتر حَاله
وَقتل المتَوَكل بعد شَهْرَيْن وَسلم مُحَمَّد وَأحمد بعد شدَّة الْخَوْف مِمَّا توقعا
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْقَاسِم صاعد بن أَحْمد بن صاعد فِي كتاب طَبَقَات الْأُمَم عَن الْكِنْدِيّ عِنْدَمَا ذكر تصانيفه وَكتبه قَالَ وَمِنْهَا كتبه فِي علم الْمنطق وَهِي كتب قد نفقت عِنْد النَّاس نفَاقًا عَاما وقلما ينْتَفع بهَا فِي الْعُلُوم لِأَنَّهَا خَالِيَة من صناعَة التَّحْلِيل الَّتِي لَا سَبِيل إِلَى معرفَة الْحق من الْبَاطِل فِي كل مَطْلُوب إِلَّا بهَا
وَأما صناعَة التَّرْكِيب وَهِي الَّتِي قصد يَعْقُوب فِي كتبه هَذِه إِلَيْهَا فَلَا ينْتَفع بهَا إِلَّا من كَانَت عِنْده مُقَدمَات عتيدة فَحِينَئِذٍ يُمكنهُ التَّرْكِيب ومقدمات كل مَطْلُوب لَا تُوجد إِلَّا بصناعة التَّحْلِيل وَلَا أَدْرِي مَا حمل يَعْقُوب على الإضراب عَن هَذِه الصِّنَاعَة الجليلة هَل جهل مقدارها أَو ضن على النَّاس بكشفه وَأي هذَيْن كَانَ
فَهُوَ نقص فِيهِ وَله بعد هَذَا رسائل كَثِيرَة فِي عُلُوم جمة ظَهرت لَهُ فِيهَا آراء فَاسِدَة ومذاهب بعيدَة عَن الْحَقِيقَة
أَقُول هَذَا الَّذِي قد قَالَه القَاضِي صاعد عَن الْكِنْدِيّ فِيهِ تحامل كثير عَلَيْهِ وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يحط من علم الْكِنْدِيّ وَلَا مِمَّا يصد النَّاس عَن النّظر فِي كتبه وَالِانْتِفَاع بهَا
وَقَالَ ابْن النديم الْبَغْدَادِيّ الْكَاتِب فِي كتاب الفهرست كَانَ من تلامذة الْكِنْدِيّ ووراقيه حسنويه ونفطويه وسملويه وَآخر على هَذَا الْوَزْن
وَمن تلامذته أَحْمد بن الطّيب وَأخذ عَنهُ أَبُو معشر أَيْضا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن قُتَيْبَة فِي كتاب فرائد الدّرّ قَالَ بَعضهم أنشدت يَعْقُوب بن
إِسْحَق الْكِنْدِيّ
(وَفِي أَربع مني حلت مِنْك أَربع
…
فَمَا أَنا أدرى أيهأ هاج لي كربي)
(أوجهك فِي عَيْني أم الطّعْم فِي فمي
…
أم النُّطْق فِي سَمْعِي أم الْحبّ فِي قلبِي) الطَّوِيل
فَقَالَ وَالله لقد قسمهَا تقسيما فلسفيا
أَقُول وَمن كَلَام الْكِنْدِيّ قَالَ فِي وَصيته وليتق الله تَعَالَى المتطبب وَلَا يخاطر فَلَيْسَ عَن الْأَنْفس عوض
وَقَالَ وكما يجب أَن يُقَال لَهُ أَنه كَانَ سَبَب عَافِيَة العليل وبرئه كَذَلِك فليحذر أَن يُقَال إِنَّه كَانَ سَبَب تلفه وَمَوته وَقَالَ الْعَاقِل يظنّ أَن فَوق علمه علما فَهُوَ أبدا يتواضع لتِلْك الزِّيَادَة وَالْجَاهِل يظنّ أَنه قد تناهى فتمقته النُّفُوس لذَلِك
وَمن كَلَامه مِمَّا أوصى بِهِ لوَلَده أبي الْعَبَّاس نقلت ذَلِك من كتاب الْمُقدمَات لِابْنِ بختويه قَالَ الْكِنْدِيّ يَا بني الْأَب رب وَالْأَخ فخ وَالْعم غم وَالْخَال وبال وَالْولد كمد والأقارب عقارب
وَقَول لَا يصرف البلا وَقَول نعم يزِيل النعم وَسَمَاع الْغناء برسام حاد لِأَن الْإِنْسَان يسمع فيطرب وَينْفق فيسرف فيفتقر فيغتم فيعتل فَيَمُوت
وَالدِّينَار مَحْمُوم فَإِن صرفته مَاتَ وَالدِّرْهَم مَحْبُوس فَإِن أخرجته فر وَالنَّاس سخرة فَخذ شيئهم واحفظ شيئك
وَلَا تقبل مِمَّن قَالَ الْيَمين الْفَاجِرَة فَأَنَّهَا تدع الديار بَلَاقِع
أَقُول وَإِن كَانَت هَذِه من وَصِيَّة الْكِنْدِيّ فقد صدق مَا حَكَاهُ عَنهُ ابْن النديم الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه فَإِنَّهُ قَالَ إِن الْكِنْدِيّ كَانَ بَخِيلًا
وَمن شعر يَعْقُوب بن إِسْحَق الْكِنْدِيّ قَالَ الشَّيْخ أَبُو أَحْمد الْحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري اللّغَوِيّ فِي كتاب الحكم والأمثال أَنْشدني أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ أَنْشدني أَحْمد بن الطّيب السَّرخسِيّ قَالَ أَنْشدني يَعْقُوب بن إِسْحَق الْكِنْدِيّ لنَفسِهِ
(أناف الذنابى على الأرؤس
…
فغمض جفونك أَو نكس)
(وضائل سوادك واقبض يَديك
…
وَفِي قَعْر بَيْتك فاستجلس)
(وَعند مليكك فابغ الْعُلُوّ
…
وبالوحدة الْيَوْم فاستأنس)
(فَإِن الْغنى فِي قُلُوب الرِّجَال
…
وَإِن التعزز بالأنفس)
(وكائن ترى من أخي عسرة
…
غَنِي وَذي ثروة مُفلس)
(وَمن قَائِم شخصه ميت
…
على أَنه بعد لم يرمس)
(فَإِن تطعم النَّفس مَا تشْتَهي
…
تقيك جَمِيع الَّذِي تحتسي) المتقارب
وليعقوب بن إِسْحَق الْكِنْدِيّ من الْكتب كتاب الفلسفة الأولى فِيمَا دون الطبيعيات والتوحيد
كتاب الفلسفة الدَّاخِلَة والمسائل المنطقية والمعتاصة وَمَا وَافق الطبيعيات
رِسَالَة فِي أَنه لَا تنَال الفلسفة إِلَّا بِعلم الرياضيات
كتاب الْحَث على تعلم الفلسفة
رِسَالَة فِي كمية كتب أرسطوطاليس وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي تَحْصِيل علم الفلسفة مِمَّا لَا غنى فِي ذَلِك عَنهُ مِنْهَا وترتيبها وأغراضه فِيهَا
كتاب فِي قصد أرسطوطاليس فِي المقولات إِيَّاهَا قصد والموضوعة لَهَا
رسَالَته الْكُبْرَى فِي مقياسة العلمي
كتاب أَقسَام الْعلم الأنسي كتاب فِي مَاهِيَّة الْعلم وأقسامه
كتاب فِي أَن أَفعَال البارئ كلهَا عدل لَا جور فِيهَا
كتاب فِي مَاهِيَّة الشَّيْء الَّذِي لَا نِهَايَة لَهُ وَبِأَيِّ نوع يُقَال للَّذي لَا نِهَايَة لَهُ
رِسَالَة فِي الْإِبَانَة أَنه لَا يُمكن أَن يكون جرم الْعَالم بِلَا نِهَايَة وَأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ فِي الْقُوَّة
كتاب فِي الفاعلة والمنفعلة من الطبيعيات الأول
كتاب فِي عِبَارَات الْجَوَامِع الفكرية
كتاب فِي مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا فِي مَنْفَعَة الرياضيات
كتاب فِي بحث قَول الْمُدَّعِي أَن الْأَشْيَاء الطبيعية تفعل فعلا وَاحِدًا بِإِيجَاب الْخلقَة رِسَالَة فِي الرِّفْق فِي الصناعات رِسَالَة فِي رسم رقاع إِلَى الْخُلَفَاء والوزراء
رِسَالَة فِي قسْمَة القانون
رِسَالَة فِي مَاهِيَّة الْعقل والإبانة عَنهُ
رِسَالَة فِي الْفَاعِل الْحق الأول التَّام وَالْفَاعِل النَّاقِص الَّذِي هُوَ فِي الْمجَاز
رِسَالَة إِلَى الْمَأْمُون فِي الْعلَّة والمعلول
اخْتِصَار كتاب أيساغوجي لفرفوريوس
مسَائِل كَثِيرَة فِي الْمنطق وَغَيره وحدود الفلسفة
كتاب فِي الْمدْخل المنطقي بِاسْتِيفَاء القَوْل فِيهِ
كتاب فِي الْمدْخل المنطقي بِاخْتِصَار وإيجاز
رِسَالَة فِي المقولات الْعشْر
رِسَالَة فِي الْإِبَانَة عَن قَول بطليموس فِي أول كِتَابه فِي المجسطي عَن قَول أرسطوطاليس فِي أنالوطيقا
رِسَالَة فِي الاحتراس من خدع السوفسطائية
رِسَالَة بإيجاز واختصار فِي الْبُرْهَان المنطقي
رِسَالَة فِي الْأَسْمَاء الْخَمْسَة اللاحقة لكل المقولات
رِسَالَة فِي سمع الكيان
رِسَالَة فِي عمل آلَة مخرجة الْجَوَامِع
رِسَالَة فِي الْمدْخل إِلَى الأرثماطيقي خمس مقالات رِسَالَة إِلَى أَحْمد بن المعتصم فِي كَيْفيَّة اسْتِعْمَال الْحساب الْهِنْدِيّ أَربع مقالات
رِسَالَة فِي الْإِبَانَة عَن الْأَعْدَاد الَّتِي ذكرهَا أفلاطن فِي السياسة
رِسَالَة فِي تأليف الْأَعْدَاد
رِسَالَة فِي التَّوْحِيد من جِهَة الْعدَد
رِسَالَة فِي اسْتِخْرَاج الخبيء وَالضَّمِير
رِسَالَة فِي الزّجر والفأل من جِهَة الْعدَد
رِسَالَة فِي الخطوط وَالضَّرْب بِعَدَد الشّعير
رِسَالَة فِي الكمية المضافة
رِسَالَة فِي النّسَب الزمانية
رِسَالَة فِي الْحِيَل العددية وَعلم أضمارها
رِسَالَة فِي أَن الْعَالم وكل مَا فِيهِ كروي الشكل
رِسَالَة فِي الْإِبَانَة على أَنه لَيْسَ شَيْء من العناصر الأولى والجرم الْأَقْصَى غير كروي
رِسَالَة فِي أَن الكرة أعظم الأشكال الجرمية والدائرة أعظم من جَمِيع الأشكال البسيطة
رِسَالَة فِي الكريات
رِسَالَة فِي عمل السمت على الكرة
رِسَالَة فِي أَن سطح مَاء الْبَحْر كروي
رِسَالَة فِي تسطيح الكرة
رِسَالَة فِي عمل الْحلق السِّت
واستعمالها
رسَالَته الْكُبْرَى فِي التَّأْلِيف
رِسَالَة فِي تَرْتِيب النغم الدَّالَّة على طبائع الْأَشْخَاص الْعَالِيَة وتشابه التَّأْلِيف
رِسَالَة فِي الْمدْخل إِلَى صناعَة الموسيقى
رِسَالَة فِي الْإِيقَاع
رِسَالَة فِي خير صناعَة الشُّعَرَاء
رِسَالَة فِي الْأَخْبَار عَن صناعَة الموسيقى
مُخْتَصر الموسيقى فِي تأليف النغم وصنعة الْعود أَلفه لِأَحْمَد ابْن المعتصم
رِسَالَة فِي أَجزَاء جبرية الموسيقى
رِسَالَة فِي أَن رُؤْيَة الْهلَال لَا تضبط بِالْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا القَوْل فِيهَا بالتقريب
رِسَالَة فِي مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا من أَحْوَال الْكَوَاكِب
رِسَالَة فِي جَوَاب مسَائِل طبيعية فِي كيفيات نجومية سَأَلَهُ أَبُو معشر عَنْهَا
رِسَالَة فِي الْفَصْلَيْنِ
رِسَالَة فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ كل بلد من الْبلدَانِ إِلَى برج من البروج وكوكب من الْكَوَاكِب
رِسَالَة فِيمَا سُئِلَ عَنهُ من شرح مَا عرض لَهُ من الِاخْتِلَاف فِي صور المواليد
رِسَالَة فِيمَا حكى من أَعمار النَّاس فِي الزَّمن الْقَدِيم وخلافها فِي هَذَا الزَّمن
رِسَالَة فِي تَصْحِيح عمل نمو دارات المواليد والهيلاج والكدخداه
رِسَالَة فِي إِيضَاح عِلّة رُجُوع الْكَوَاكِب
رِسَالَة فِي الْإِبَانَة أَن الِاخْتِلَاف الَّذِي فِي الْأَشْخَاص الْعَالِيَة لَيْسَ عِلّة الكيفيات الأول
رِسَالَة فِي سرعَة مَا يرى من حَرَكَة الْكَوَاكِب إِذا كَانَت فِي الْأُفق وإبطائها كلما علت
رِسَالَة فِي الشعاعات
رِسَالَة فِي فصل مَا بَين السّير وَعمل الشعاع
رِسَالَة فِي علل الأوضاع النجومية
رسَالَته المنسوبة إِلَى الْأَشْخَاص الْعَالِيَة الْمُسَمَّاة سَعَادَة ونحاسة
رِسَالَة فِي علل القوى المنسوبة إِلَى الْأَشْخَاص الْعَالِيَة الدَّالَّة على الْمَطَر
رِسَالَة فِي علل أَحْدَاث الجو
رِسَالَة فِي الْعلَّة الَّتِي لَهَا يكون بعض الْمَوَاضِع تكَاد لَا تمطر
رِسَالَة إِلَى زرنب تِلْمِيذه فِي أسرار النُّجُوم وَتَعْلِيم مبادئ الْأَعْمَال
رِسَالَة فِي الْعلَّة الَّتِي ترى من الهالات للشمس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب والأضواء النيرة أَعنِي النيرين
رِسَالَة فِي اعتذاره فِي مَوته دون كَمَاله لسني الطبيعة الَّتِي هِيَ مائَة وَعِشْرُونَ سنة
كَلَام فِي الجمرات
رِسَالَة فِي النُّجُوم
رِسَالَة فِي أغراض كتب أقليدس
رِسَالَة فِي إصْلَاح كتب أقليدس
رِسَالَة فِي اخْتِلَاف المناظر
رِسَالَة فِي عمل شكل المتوسطين
رِسَالَة فِي تقريب وتر الدائرة
رِسَالَة فِي تقريب وتر التسع
رِسَالَة فِي مساحة إيوَان
رِسَالَة فِي تَقْسِيم المثلث والمربع وعملهما
رِسَالَة فِي كَيْفيَّة عمل دَائِرَة مُسَاوِيَة لسطح إسطوانة مَفْرُوضَة
رِسَالَة فِي شروق الْكَوَاكِب وغروبها بالهندسة
رِسَالَة فِي قسْمَة الدائرة ثَلَاثَة أَقسَام
رِسَالَة فِي إصْلَاح الْمقَالة الرَّابِعَة عشرَة وَالْخَامِسَة عشرَة من كتاب أقليدس
رِسَالَة فِي الْبَرَاهِين المساحية لما يعرض من الحسبانات الفلكية
رِسَالَة فِي تَصْحِيح قَول أبسقلاس فِي الْمطَالع
رِسَالَة فِي اخْتِلَاف مناظر الْمرْآة
رِسَالَة فِي صَنْعَة الاصطرلاب بالهندسة
رِسَالَة فِي اسْتِخْرَاج خطّ نصف النَّهَار وسمت الْقبْلَة بالهندسة
رِسَالَة فِي عمل الرخامة بالهندسة
رِسَالَة فِي أَن عمل السَّاعَات على صفيحة تنصب على السَّطْح الموازي للأفق خير من غَيرهَا
رِسَالَة فِي اسْتِخْرَاج السَّاعَات على نصف كرة بالهندسة
رِسَالَة فِي السوائح
مسَائِل فِي مساحة الْأَنْهَار وَغَيرهَا
رِسَالَة فِي النّسَب الزمانية
كَلَام فِي الْعدَد
كَلَام فِي المرايا الَّتِي تحرق
رِسَالَة فِي امْتنَاع وجود مساحة الْفلك الْأَقْصَى الْمُدبر للأفلاك
رِسَالَة فِي أَن طبيعة الْفلك مُخَالفَة لطبائع العناصر الْأَرْبَعَة وَأَنه طبيعة خَامِسَة
رِسَالَة فِي ظاهريات الْفلك
رِسَالَة فِي الْعَالم الْأَقْصَى
رِسَالَة فِي سُجُود الجرم الْأَقْصَى لباريه
رِسَالَة فِي الرَّد على المنانية فِي الْعشْر مسَائِل فِي مَوْضُوعَات الْفلك
رِسَالَة فِي الصُّور
رِسَالَة فِي أَنه لَا يُمكن أَن يكون جرم الْعَالم بِلَا نِهَايَة
رِسَالَة فِي المناظر الفلكية
رِسَالَة فِي امْتنَاع الجرم الْأَقْصَى من الاستحالة
رِسَالَة فِي صناعَة بطلميوس الفلكية
رِسَالَة فِي تناهي جرم الْعَالم
رِسَالَة فِي مَاهِيَّة الْفلك واللون اللَّازِم اللازوردي المحسوس من جِهَة السَّمَاء
رِسَالَة فِي مَاهِيَّة الجرم الْحَامِل بطباعه للألوان من العناصر الْأَرْبَعَة
رِسَالَة فِي الْبُرْهَان على الْجِسْم السائر وماهية الأضواء والإظلام
رِسَالَة فِي المعطيات
رِسَالَة فِي تركيب الأفلاك
رِسَالَة فِي الأجرام الهابطة من الْعُلُوّ وَسبق بَعْضهَا بَعْضًا
رِسَالَة فِي الْعَمَل بالآلة الْمُسَمَّاة الجامعة
رِسَالَة فِي كَيْفيَّة رُجُوع الْكَوَاكِب الْمُتَحَيِّرَة
رِسَالَة فِي الطِّبّ البقراطي
رِسَالَة فِي الْغذَاء والدواء المهلك
رِسَالَة فِي الأبخرة الْمصلحَة للجو من الأوباء
رِسَالَة فِي الْأَدْوِيَة المشفية من الروائح المؤذية
رِسَالَة فِي كَيْفيَّة إسهال الْأَدْوِيَة وانجذاب الأخلاط
رِسَالَة فِي عِلّة نفث الدَّم
رِسَالَة فِي تَدْبِير الأصحاء
رِسَالَة فِي أشفية السمُوم رِسَالَة فِي عِلّة بحارين الْأَمْرَاض الحادة رِسَالَة فِي تَبْيِين الْعُضْو الرئيس من جسم الْإِنْسَان والإبانة عَن الْأَلْبَاب
رِسَالَة فِي كَيْفيَّة الدِّمَاغ رِسَالَة فِي عِلّة الجذام وأشفيته
رِسَالَة فِي عضة الْكَلْب الْكَلْب
رِسَالَة فِي الْأَعْرَاض الْحَادِثَة من البلغم وَعلة موت الْفجأَة رِسَالَة فِي وجع الْمعدة والنقرس
رِسَالَة إِلَى رجل فِي عِلّة شكاها إِلَيْهِ فِي بَطْنه وَيَده رِسَالَة فِي أَقسَام الحميات رِسَالَة فِي علاج الطحال الجاسي من الْأَمْرَاض السوداوية
رِسَالَة فِي أجساد الْحَيَوَان إِذا فَسدتْ
رِسَالَة فِي تَدْبِير الْأَطْعِمَة رِسَالَة فِي صَنْعَة أَطْعِمَة من غير عناصرها رِسَالَة فِي الْحَيَاة
كتاب الْأَدْوِيَة الممتحنة كتاب الأقراباذين
رِسَالَة فِي الْفرق بَين الْجُنُون الْعَارِض من مس الشَّيَاطِين وَبَين مَا يكون من فَسَاد الأخلاط
رِسَالَة فِي الفراسة
رِسَالَة فِي إِيضَاح الْعلَّة فِي السمائم القاتلة السمائية وَهُوَ على الْمقَال الْمُطلق الوباء رِسَالَة فِي الْحِيلَة لدفع الأحزان
جَوَامِع كتاب الْأَدْوِيَة المفردة لِجَالِينُوسَ
رِسَالَة فِي الْإِبَانَة عَن مَنْفَعَة الطِّبّ إِذا كَانَت صناعَة النُّجُوم مقرونة بدلائلها
رِسَالَة فِي اللثغة للأخرس رِسَالَة فِي تقدمة الْمعرفَة بالاستلال بالأشخاص الْعَالِيَة على الْمسَائِل
رِسَالَة فِي مدْخل الْأَحْكَام على الْمسَائِل
رسَالَته الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة إِلَى صناعَة الْأَحْكَام بتقاسيم رِسَالَة فِي الْأَخْبَار عَن كمية ملك الْعَرَب وَهِي رسَالَته فِي اقتران التحسين فِي برج السرطان رِسَالَة فِي قدر مَنْفَعَة صناعَة الْأَحْكَام وَمن الرجل الْمُسَمّى منجما بِاسْتِحْقَاق رسَالَته المختصرة فِي حُدُود المواليد رِسَالَة فِي تَحْويل سني المواليد
رِسَالَة فِي الِاسْتِدْلَال بالكسوفات على الْحَوَادِث رِسَالَة فِي الرَّد على الثنويه رِسَالَة فِي نقض مسَائِل الْمُلْحِدِينَ
رِسَالَة فِي تثبيت الرُّسُل عليهم السلام رِسَالَة فِي الِاسْتِطَاعَة وزمان كَونهَا رِسَالَة فِي الرَّد على من زعم أَن للإجرام فِي هويتها فِي الجو توقفات رِسَالَة فِي بطلَان قَول من زعم أَن بَين الْحَرَكَة الطبيعية والعرضية سُكُون رِسَالَة فِي أَن الْجِسْم فِي أول إبداعه لَا سَاكن وَلَا متحرك ظن بَاطِل
رِسَالَة فِي التَّوْحِيد بتفسيرات رِسَالَة فِي أَوَائِل الْجِسْم
رِسَالَة فِي افْتِرَاق الْملَل فِي التَّوْحِيد وَأَنَّهُمْ مجمعون على التَّوْحِيد وكل قد خَالف صَاحبه
رِسَالَة فِي المتجسد رِسَالَة فِي الْبُرْهَان
كَلَام لَهُ مَعَ ابْن الراوندي فِي التَّوْحِيد كَلَام رد بِهِ على بعض الْمُتَكَلِّمين رِسَالَة إِلَى مُحَمَّد بن الجهم فِي الْإِبَانَة عَن وحدانية الله عز وجل وَعَن تناهي جرم الْكل
رِسَالَة فِي الإكفار والتضليل رِسَالَة فِي أَن النَّفس جَوْهَر بسيط غير داثر مُؤثر فِي الْأَجْسَام رِسَالَة فِي مَا للنَّفس ذكره وَهِي فِي عَالم الْعقل قبل كَونهَا فِي عَالم الْحسن
رِسَالَة فِي خبر اجْتِمَاع الفلاسفة على الرموز العشقية رِسَالَة فِي عِلّة النّوم والرؤيا وَمَا يرمز بِهِ النَّفس
رِسَالَة فِي أَن مَا بالإنسان إِلَيْهِ حَاجَة مُبَاح لَهُ فِي الْعقل قبل أَن يحظر
رسَالَته الْكُبْرَى فِي السياسة رِسَالَة فِي التَّنْبِيه على الْفَضَائِل
رِسَالَة فِي نَوَادِر الفلاسفة رِسَالَة فِي خبر فَضِيلَة سقراط رِسَالَة فِي محاورة جرت بَين سقراط وأرسواس
رِسَالَة فِي خبر موت سقراط رِسَالَة فِيمَا جرى بَين سقراط والحرانيين رِسَالَة عَن الْعلَّة الفاعلة الْقَرِيبَة للكون وَالْفساد فِي الكائنات الفاسدات
رِسَالَة فِي الْعلَّة الَّتِي لَهَا قيل أَن النَّار والهواء وَالْمَاء وَالْأَرْض عناصر تجمع الكائنة الْفَاسِدَة وَهِي وَغَيرهَا يَسْتَحِيل بَعْضهَا إِلَى بعض
رِسَالَة فِي اخْتِلَاف الْأَزْمِنَة الَّتِي تظهر فِيهَا قوى الكيفيات الْأَرْبَع الأولى
رِسَالَة فِي خبر الْعقل
رِسَالَة فِي النّسَب الزمانية
رِسَالَة فِي عِلّة اخْتِلَاف أَنْوَاع السّنة
رِسَالَة فِي مَاهِيَّة الزَّمَان وماهية الدَّهْر والحين وَالْوَقْت
رِسَالَة فِي الْعلَّة الَّتِي لَهَا يبرد أَعلَى الجو ويسخن مَا قرب من الأَرْض
رِسَالَة فِي الْأَثر الَّذِي يظْهر فِي الجو وَيُسمى كوكبا
رِسَالَة فِي الْكَوْكَب الَّذِي ظهر ورصده أَيَّام حَتَّى اضمحل
رِسَالَة فِي الْكَوْكَب ذِي الذؤابة
رِسَالَة فِي الْعلَّة الْحَادِث بهَا الْبرد فِي آخر الشتَاء فِي الأبان الْمُسَمّى أَيَّام الْعَجُوز
رِسَالَة فِي عِلّة كَون الضباب والأسباب المحدثة لَهُ
رِسَالَة فِيمَا رصد من الْأَثر الْعَظِيم فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ لِلْهِجْرَةِ
رِسَالَة فِي الْآثَار العلوية
رِسَالَة إِلَى ابْنه أَحْمد فِي اخْتِلَاف مَوَاضِع المساكن من كرة الأَرْض وَهَذِه الرسَالَة شرح فِيهَا كتاب المساكن لثاوذوسيوس
رِسَالَة فِي عِلّة حُدُوث الرِّيَاح فِي بَاطِن الأَرْض المحدثة كثير الزلازل والخسوف
رِسَالَة فِي عِلّة اخْتِلَاف الْأَزْمَان فِي السّنة وانتقالها بأَرْبعَة فُصُول مُخْتَلفَة
كَلَام فِي عمل السمت
رِسَالَة فِي أبعاد مسافات الأقاليم
رِسَالَة فِي المساكن
رسَالَته الْكُبْرَى فِي الرّبع المسكون
رِسَالَة فِي أَخْبَار أبعاد الأجرام
رِسَالَة فِي اسْتِخْرَاج بعد مَرْكَز الْقَمَر من الأَرْض
رِسَالَة فِي اسْتِخْرَاج آلَة عَملهَا يسْتَخْرج بهَا أبعاد الأجرام
رِسَالَة فِي عمل آلَة يعرف بهَا بعد المعاينات
رِسَالَة فِي معرفَة أبعاد قلل الْجبَال
رِسَالَة إِلَى أَحْمد بن مُحَمَّد الْخُرَاسَانِي فِيمَا بعد الطبيعة وإيضاح تناهي جرم الْعَالم
رِسَالَة فِي تقدمة الْأَخْبَار
رِسَالَة فِي تقدمة الْمعرفَة بالأحداث
رِسَالَة فِي تقدمة الْخَبَر
رِسَالَة فِي تقدمة الْمعرفَة فِي الِاسْتِدْلَال بالأشخاص السماوية رِسَالَة فِي أَنْوَاع الْجَوَاهِر والأشباه
رِسَالَة فِي نعت الْحِجَارَة والجواهر ومعادنها وجيدها ورديها وأثمانها
رِسَالَة فِي تلويح الزّجاج
رِسَالَة فِيمَا يصْبغ فيعطي لونا
رِسَالَة فِي أَنْوَاع الْحَدِيد وَالسُّيُوف وجيدها ومواضع انتسابها
رِسَالَة إِلَى أَحْمد بن المعتصم بِاللَّه فِيمَا يطْرَح على الْحَدِيد وَالسُّيُوف حَتَّى لَا تنثلم وَلَا تكل
رِسَالَة فِي الطَّائِر الأنسى
رِسَالَة فِي تمريخ الْحمام
رِسَالَة فِي الطرح على الْبيض
رِسَالَة فِي أَنْوَاع النّخل وكرائمه
رِسَالَة فِي عمل القمقم الصياح
رِسَالَة فِي الْعطر وأنواعه
رِسَالَة فِي كيمياء الْعطر
رِسَالَة فِي الْأَسْمَاء المعماة
رِسَالَة فِي التَّنْبِيه على خدع الكيمائيين
رِسَالَة فِي الأثرين المحسوسين فِي المَاء
رِسَالَة فِي الْمَدّ والجزر
رِسَالَة فِي أركاب الْخَيل
رسَالَته الْكَبِيرَة فِي
الْأَجْسَام الغائصة فِي المَاء
رِسَالَة فِي الأجرام الهابطة
رِسَالَة فِي شعار الْمرْآة
رِسَالَة فِي اللَّفْظ وَهِي ثَلَاثَة أَجزَاء أول وَثَانِي وثالث
رِسَالَة فِي الحشرات
مُصَور عطاردي
رِسَالَة فِي جَوَاب أَربع عشرَة مَسْأَلَة طبيعيات سَأَلَهُ عَنْهَا بعض إخوانه
رِسَالَة فِي جَوَاب ثَلَاث مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا
رِسَالَة فِي قصَّة المتفلسف بِالسُّكُوتِ
رِسَالَة فِي عِلّة الرَّعْد والبرق والثلج وَالْبرد وَالصَّوَاعِق والمطر
رِسَالَة فِي بطلَان دَعْوَى المدعين صَنْعَة الذَّهَب وَالْفِضَّة وخدعهم
رِسَالَة فِي الْإِبَانَة أَن الِاخْتِلَاف الَّذِي فِي الْأَشْخَاص الْعَالِيَة لَيْسَ عِلّة الكيفيات الأولى كَمَا هِيَ عِلّة ذَلِك فِي الَّتِي تَحت الْكَوْن وَالْفساد وَلَكِن عِلّة ذَلِك حِكْمَة مبدع الْكل عز وجل
رِسَالَة فِي قلع الْآثَار من الثِّيَاب وَغَيرهَا
رِسَالَة إِلَى يوحنا بن ماسويه فِي النَّفس وأفعالها
رِسَالَة فِي ذَات الشعبتين
رِسَالَة فِي علم الْحَواس
رِسَالَة فِي صفة البلاغة
رِسَالَة فِي قدر الْمَنْفَعَة بِأَحْكَام النُّجُوم
كَلَام فِي الْمُبْدع الأول
رِسَالَة فِي صَنْعَة الْأَحْبَار والليق
رِسَالَة إِلَى بعض إخوانه فِي رموز الفلاسفة فِي المجسمات
رِسَالَة فِي عناصر الْأَخْبَار
كتاب فِي الْجَوَاهِر الْخَمْسَة
رِسَالَة إِلَى أَحْمد بن المعتصم فِي تَجْوِيز إِجَابَة الدُّعَاء من الله عز وجل لمن دَعَا بِهِ
رِسَالَة فِي الْفلك والنجوم وَلم قسمت دَائِرَة فلك البروج على اثْنَي عشر قسما وَفِي تسميتهم السُّعُود والنحوس وبيوتها وأشرافها وحدودها بالبرهان الهندسي
أَحْمد بن الطّيب السَّرخسِيّ
هُوَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن مَرْوَان السَّرخسِيّ مِمَّن ينتمي إِلَى الْكِنْدِيّ وَعَلِيهِ قَرَأَ وَمِنْه أَخذ
وَكَانَ متفننا فِي عُلُوم كَثِيرَة من عُلُوم القدماء وَالْعرب حسن الْمعرفَة جيد القريحة بليغ اللِّسَان مليح التصنيف والتأليف أوحدا فِي علم النَّحْو وَالشعر
وَكَانَ حسن الْعشْرَة مليح النادرة خليعا ظريفا
وَسمع الحَدِيث أَيْضا وروى شَيْئا مِنْهُ
وَمن ذَلِك روى أَحْمد بن الطّيب السَّرخسِيّ قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِل قَالَ أخبرنَا سُلَيْمَان بن عبيد الله عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن مُعَاوِيَة بن يحيى عَن عمرَان الْقصير عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (إِذا اكْتفى الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء فَعَلَيْهِم الدبار)
وروى أَحْمد بن الطّيب أَيْضا عَن أَحْمد بن الْحَرْث عَن أبي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَدَائِنِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَالم عَن مَكْحُول قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة من سبّ نَبيا أَو صحابة نَبِي أَو أَئِمَّة الْمُسلمين)
وَتَوَلَّى أَحْمد بن الطّيب فِي أَيَّام المعتضد الْحِسْبَة بِبَغْدَاد
وَكَانَ أَولا معلما للمعتضد ثمَّ نادمه وَخص بِهِ وَكَانَ يُفْضِي إِلَيْهِ بأسراره ويستشيره فِي أُمُور مَمْلَكَته
وَكَانَ الْغَالِب على أَحْمد بن الطّيب علمه لَا
عقله
وَكَانَ سَبَب قتل المعتضد إِيَّاه اخْتِصَاصه بِهِ فَإِنَّهُ أفْضى إِلَيْهِ بسر يتَعَلَّق بالقاسم بن عبيد الله وَبدر غُلَام المعتضد فأفشأه وأذاعه بحيلة من الْقَاسِم عَلَيْهِ مَشْهُورَة
فسلمه المعتضد إِلَيْهِمَا فاستصفيا مَاله ثمَّ أودعاه المطامير
فَلَمَّا كَانَ فِي الْوَقْت الَّذِي خرج فِيهِ المعتضد لفتح آمد وقتال أَحْمد بن عِيسَى بن شيخ أفلت من المطامير جمَاعَة من الْخَوَارِج وَغَيرهم والتقطهم مؤنس الْفَحْل وَكَانَ إِلَيْهِ الشرطة وَخِلَافَة المعتضد على الحضرة وَأقَام أَحْمد فِي مَوْضِعه وَرَجا بذلك السَّلامَة فَكَانَ قعوده سَببا لمنيته وَأمر المعتضد الْقَاسِم بِإِثْبَات جمَاعَة مِمَّن يَنْبَغِي أَن يقتلُوا ليستريح من تعلق الْقلب بهم فأثبتهم وَوَقع المعتضد بِقَتْلِهِم فَأدْخل الْقَاسِم اسْم أَحْمد فِي جُمْلَتهمْ فِيمَا بعد فَقتل
وَسَأَلَ عَنهُ المعتضد فَذكر لَهُ الْقَاسِم قَتله وَأخرج إِلَيْهِ الثبت فَلم يُنكره
وَمضى بعد أَن بلغ السَّمَاء رفْعَة فِي سنة وَكَانَ قبض المعتضد على أَحْمد بن الطّيب فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَتله فِي الشَّهْر الْمحرم من سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَلأَحْمَد بن الطّيب السَّرخسِيّ من الْكتب اخْتِصَار كتاب أيساغوجي لفرفوريوس اخْتِصَار كتاب قاطيغورياس اخْتِصَار كتاب باريرميناس اخْتِصَار كتاب أنالوطقيا الأولى اخْتِصَار كتاب أنالوطقيا الثَّانِيَة كتاب النَّفس كتاب الأغشاش وصناعة الْحِسْبَة الْكَبِير كتاب غش الصناعات والحسبة الصَّغِير كتاب نزهة النُّفُوس وَلم يخرج باسمه كتاب اللَّهْو والملاهي ونزهة المفكر الساهي فِي الْغناء والمغنين والمنادمة والمجالسة وأنواع الْأَخْبَار وَالْملح صنفه للخليفة وَقَالَ أَحْمد بن الطّيب فِي كِتَابه هَذَا أَنه صنف هَذَا الْكتاب وَقد مر لَهُ من الْعُمر إِحْدَى وَسِتُّونَ سنة كتاب السياسة الصَّغِير كتاب الْمدْخل إِلَى صناعَة النُّجُوم كتاب الموسيقى الْكَبِير مقالتان وَلم يعْمل مثله كتاب الموسيقى الصَّغِير كتاب المسالك والممالك كتاب الأرثماطيقي فِي الْأَعْدَاد والجبر والمقابلة كتاب الْمدْخل إِلَى صناعَة الطِّبّ نقض فِيهِ على حنين بن إِسْحَاق كتاب الْمسَائِل كتاب فَضَائِل بَغْدَاد وأخبارها كتاب الطبيخ أَلفه على الشُّهُور وَالْأَيَّام للمعتضد كتاب زَاد الْمُسَافِر وخدمة الْمُلُوك مقَالَة من كتاب أدب الْمُلُوك كتاب الْمدْخل إِلَى علم الموسيقى كتاب الجلساء والمجالسة رِسَالَة فِي جَوَاب ثَابت بن قُرَّة فِيمَا سَأَلَ عَنهُ مقَالَة فِي البهق والنمش والكلف رِسَالَة فِي السالكين وطرائف اعْتِقَادهم كتاب مَنْفَعَة الْجبَال رِسَالَة فِي وصف مَذَاهِب الصابئين كتاب فِي أَن المبدعات فِي حَال الإبداع لَا متحركة وَلَا سَاكِنة
كتاب فِي مَاهِيَّة النّوم والرؤيا كتاب فِي الْعقل
كتاب فِي وحدانية الله تَعَالَى
كتاب فِي وَصَايَا فيثاغورس كتاب فِي أَلْفَاظ سقراط كتاب فِي الْعِشْق كتاب فِي برد أَيَّام الْعَجُوز كتاب فِي كَون الضباب
كتاب فِي الفأل كتاب فِي الشطرنج الْعَالِيَة كتاب أدب فِي النَّفس إِلَى المعتضد كتاب فِي الْفرق بَين نَحْو الْعَرَب والمنطق كتاب فِي أَن أَرْكَان الفلسفة بَعْضهَا على بعض
وَهُوَ كتاب الِاسْتِيفَاء
كتاب فِي أَحْدَاث الجو كتاب الرَّد على جالينوس فِي الْمحل الأول
رِسَالَة إِلَى ابْن ثوابة رِسَالَة فِي الخضابات المسودة للشعر وَغير ذَلِك
كتاب فِي أَن الْجُزْء يَنْقَسِم إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ
كتاب فِي أَخْلَاق النَّفس كتاب سيرة الْإِنْسَان كتاب إِلَى بعض إخوانه فِي القوانين الْعَامَّة الأولى فِي الصِّنَاعَة الديالقطيقية أَي الجدلية على مَذْهَب أرسطوطاليس اخْتِصَار كتاب سوفسطيقا لأرسطوطاليس كتاب القيان
أَبُو الْحسن ثَابت بن قُرَّة الْحَرَّانِي
كَانَ من الصابة المقيمين بحران وَيُقَال الصابئون نسبتهم إِلَى صاب وَهُوَ طاط ابْن النَّبِي إِدْرِيس عليه السلام وثابت هَذَا هُوَ ثَابت بن قُرَّة بن مَرْوَان بن ثَابت بن كرايا بن إِبْرَاهِيم بن كرايا بن مارينوس بن سالايونوس
وَكَانَ ثَابت بن قُرَّة صيرفيا بحران ثمَّ استصحبه مُحَمَّد بن مُوسَى لما انْصَرف من بلد الرّوم لِأَنَّهُ رَآهُ فصيحا
وَقيل إِنَّه قَرَأَ على مُحَمَّد بن مُوسَى فتعلم فِي دَاره فَوَجَبَ حَقه عَلَيْهِ
فوصله بالمعتضد وَأدْخلهُ فِي جملَة المنجمين
وَهُوَ أصل مَا تجدّد للصابة من الرِّئَاسَة فِي مَدِينَة السَّلَام وبحضرة الْخُلَفَاء
وَلم يكن فِي زمن ثَابت بن قُرَّة من يماثله فِي صناعَة الطِّبّ وَلَا فِي غَيره من جَمِيع أَجزَاء الفلسفة
وَله تصانيف مَشْهُورَة بالجودة
وَكَذَلِكَ جَاءَ جمَاعَة كَثِيرَة من ذُريَّته وَمن أَهله يقاربونه فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ من حسن التخرج والتمهر فِي الْعُلُوم
ولثابت أرصاد حسان للشمس تولاها بِبَغْدَاد وَجَمعهَا فِي كتاب بَين فِيهِ مذْهبه فِي سنة الشَّمْس وَمَا أدْركهُ بالرصد فِي مَوضِع أوجها وَمِقْدَار سنيها وكمية حركاتها وَصُورَة تعديلها
وَكَانَ جيد النَّقْل إِلَى الْعَرَبِيّ حسن الْعبارَة وَكَانَ قوي الْمعرفَة باللغة السريانية وَغَيرهَا
وَقَالَ ثَابت بن سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة إِن الْمُوفق لما غضب على ابْنه أبي الْعَبَّاس المعتضد بِاللَّه حَبسه فِي دَار إِسْمَاعِيل بن بلبل
وَكَانَ أَحْمد الْحَاجِب موكلا بِهِ
وَتقدم إِسْمَاعِيل بن بلبل إِلَى ثَابت ابْن قُرَّة بِأَن يدْخل إِلَى أبي الْعَبَّاس ويؤنسه
وَكَانَ عبد الله بن أسلم ملازما لأبي الْعَبَّاس فأنس أَبُو الْعَبَّاس بِثَابِت بن قُرَّة أنسا كثيرا
وَكَانَ ثَابت يدْخل إِلَيْهِ إِلَى الْحَبْس فِي كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات يحادثه ويسليه ويعرفه أَحْوَال الفلاسفة وَأمر الهندسة والنجوم وَغير ذَلِك
فشغف بِهِ ولطف مِنْهُ مَحَله
فَلَمَّا خرج من حَبسه قَالَ لبدر غُلَامه يَا بدر أَي رجل أفدنا بعْدك فَقَالَ من هُوَ يَا سَيِّدي فَقَالَ ثَابت بن قُرَّة
وَلما تقلد الْخلَافَة اقطعه ضيَاعًا جليلة وَكَانَ يجلسه بَين يَدَيْهِ كثيرا بِحَضْرَة الْخَاص وَالْعَام وَيكون بدر غُلَام الْأَمِير قَائِما والوزيروهو جَالس بَين يَدي الْخَلِيفَة
قَالَ أَبُو إِسْحَق الصَّابِئ الْكَاتِب إِن ثَابتا كَانَ يمشي مَعَ المعتضد فِي الفردوس وَهُوَ بُسْتَان فِي دَار الْخَلِيفَة للرياضة وَكَانَ المعتضد قد اتكأ على يَد ثَابت وهما يتماشيان ثمَّ نتر المعتضد يَده من يَد ثَابت بِشدَّة فَفَزعَ ثَابت
فَإِن المعتضد كَانَ مهيبا جدا فَلَمَّا نتر يَده من يَد ثَابت قَالَ لَهُ يَا أَبَا الْحسن وَكَانَ فِي الخلوات يكنيه وَفِي الْمَلأ يُسَمِّيه سَهَوْت وَوضعت يَدي على يدك واستندت عَلَيْهَا وَلَيْسَ هَكَذَا يجب أَن يكون فَإِن الْعلمَاء يعلون وَلَا يعلون
ونقلت من كتاب الْكِنَايَات للْقَاضِي أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ قَالَ حَدثنِي أَبُو الْحسن هِلَال بن المحسن بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنِي جدي أَبُو إِسْحَق الصَّابِئ قَالَ حَدثنِي عمي أَبُو الْحُسَيْن ثَابت بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنِي أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُوسَى النوبختي قَالَ سَأَلت أَبَا الْحسن ثَابت بن قُرَّة عَن مَسْأَلَة بِحَضْرَة قوم فكره الْإِجَابَة عَنْهَا بمشهدهم وَكنت حَدِيث السن فدافعني عَن الْجَواب
فَقلت متمثلا
(أَلا مَا لِليْل لَا ترى عِنْد مضجعي
…
بلَيْل وَلَا يجْرِي بهَا لي طَائِر)
(بلَى إِن عجم الطير تجْرِي إِذا جرت
…
بليلي وَلَكِن لَيْسَ للطير زاجر) الطَّوِيل
فَلَمَّا كَانَ من غَد لَقِيَنِي فِي الطَّرِيق وسرت مَعَه فَأَجَابَنِي عَن الْمَسْأَلَة جَوَابا شافيا وَقَالَ زجرت الطير يَا أَبَا مُحَمَّد فأخجلني فاعتذرت إِلَيْهِ وَقلت وَالله يَا سَيِّدي مَا أردتك بالبيتين
وَمن بديع حسن تصرف ثَابت بن قُرَّة فِي المعالجة مَا حَكَاهُ أَبُو الْحسن ثَابت بن سِنَان قَالَ حكى أحد أجدادي عَن جدنا ثَابت بن قُرَّة أَنه اجتاز يَوْمًا مَاضِيا إِلَى دَار الْخَلِيفَة فَسمع صياحا وعويلا فَقَالَ مَاتَ القصاب الَّذِي كَانَ فِي هَذَا الدّكان فَقَالُوا لَهُ أَي وَالله يَا سيدنَا البارحة فَجْأَة
وعجبوا من ذَلِك
فَقَالَ مَا مَاتَ خُذُوا بِنَا إِلَيْهِ
فَعدل النَّاس مَعَه إِلَى الدَّار فَتقدم إِلَى النِّسَاء بالإمساك عَن اللَّطْم والصياح وأمرهن بِأَن يعملن مزورة
وَأَوْمَأَ إِلَى بعض غلمانه بِأَن يضْرب القصاب على كَعبه بالعصا
وَجعل يَده فِي مجسه وَمَا زَالَ ذَلِك يضْرب كَعبه إِلَى أَن قَالَ حَسبك
واستدعى قدحا وَأخرج من شستكة فِي كمه دَوَاء فدافه فِي الْقدح بِقَلِيل مَاء وَفتح فَم القصاب وسقاه إِيَّاه فأساغه
وَوَقعت الصَّيْحَة والزعقة فِي الدَّار والشارع بِأَن الطَّبِيب قد أَحْيَا الْمَيِّت
فَتقدم ثَابت بغلق الْبَاب والاستيثاق مِنْهُ
وَفتح القصاب عينه وأطعمه مزورة وَأَجْلسهُ
وَقعد عِنْده سَاعَة وَإِذا بأصحاب الْخَلِيفَة قد جَاءُوا يَدعُونَهُ فَخرج مَعَهم وَالدُّنْيَا قد انقلبت والعامة حوله يتعادون إِلَى أَن دخل دَار الْخلَافَة
وَلما مثل بَين يَدي الْخَلِيفَة قَالَ لَهُ يَا ثَابت مَا هَذِه المسيحية الَّتِي بلغتنا عَنْك قَالَ يَا مولَايَ كنت اجتاز على هَذَا القصاب وألحظه يشْرَح الكبد ويطرح عَلَيْهَا الْملح ويأكلها
فَكنت أستقذر فعله أَولا ثمَّ أعلم أَن سكتة ستلحقه
فصرت أراعيه وَإِذ علمت عاقبته انصرفت وَركبت للسكتة
دَوَاء استصحبته معي فِي كل يَوْم
فَلَمَّا اجتزت الْيَوْم وَسمعت الصياح قلت مَاتَ القصاب قَالُوا نعم مَاتَ فَجْأَة البارحة
فَعلمت أَن السكتة قد لحقته فَدخلت إِلَيْهِ وَلم أجد لَهُ نبضا
فَضربت كَعبه إِلَى أَن عَادَتْ حَرَكَة نبضه وسقيته الدَّوَاء فَفتح عَيْنَيْهِ وَأَطْعَمته مزورة
وَاللَّيْلَة يَأْكُل رغيفا بدراج وَفِي غَد يخرج من بَيته
أَقُول وَكَانَ مولد ثَابت بن قُرَّة فِي سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ بحران فِي يَوْم الْخَمِيس الْحَادِي وَالْعِشْرين من صفر
وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَله من الْعُمر سبع وَسَبْعُونَ سنة
وَقَالَ ثَابت ابْن سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة كَانَت بَين أبي أَحْمد يحيى بن عَليّ بن يحيى بن المنجم النديم وَبَين جدي أبي الْحسن ثَابت بن قُرَّة رحمه الله مَوَدَّة أكيدة
وَلما مَاتَ جدي فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ رثاه أَبُو أَحْمد بِأَبْيَات هِيَ هَذِه
(أَلا كل شَيْء مَا خلا الله مائت
…
وَمن يغترب يُرْجَى وَمن مَاتَ فَائت)
(أرى من مضى عَنَّا وخيم عندنَا
…
كسفر ثووا أَرضًا فَسَار وبائت)
(نعينا الْعُلُوم الفلسفيات كلهَا
…
خبا نورها إِذْ قيل قد مَاتَ ثَابت)
(وَأصْبح أهلوها حيارى لفقده
…
وَزَالَ بِهِ ركن من الْعلم ثَابت)
(وَكَانُوا إِذا ضلوا هدَاهُم لنهجها
…
خَبِير بفصل الحكم للحق ناكت)
(وَلما أَتَاهُ الْمَوْت لم يغن طبه
…
وَلَا نَاطِق مِمَّا حواه وصامت)
(وَلَا أمتعته بالغنى بَغْتَة الردى
…
أَلا رب رزق قَابل وَهُوَ فَائت)
(فَلَو أَنه يسطاع للْمَوْت مدفع
…
لدافعه عَنهُ حماة مصالت)
(ثقاة من الإخوان يصفونَ وده
…
وَلَيْسَ لما يقْضِي بِهِ الله لافت)
(أَبَا حسن لَا تبعدن وكلنَا
…
لهلكك مفجوع لَهُ الْحزن كابت)
(أآمل أَن تجلى عَن الْحق شُبْهَة
…
وشخصك مقبور وصوتك خَافت)
(وَقد كَانَ يسرو حسن تبيينك الْعَمى
…
وكل قؤول حِين تنطق سَاكِت)
(كَأَنَّك مسؤولا من الْبَحْر غارف
…
ومستبدئا نطقا من الصخر ناحت)
(فَلم يتفقدني من الْعلم وَاحِد
…
هراق أناء الْعلم بعْدك كابت)
(وَكم من محب قد أفدت وَأَنه
…
لغيرك مِمَّن رام شأوك هافت)
(عجبت لأرض غَيْبَتِك وَلم يكن
…
ليثبت فِيهَا مثلك الدَّهْر ثَابت)
(تهذبت حَتَّى لم يكن لَك مبغض
…
وَلَا لَك لما اغتالك الْمَوْت شامت)
(وبرزت حَتَّى لم يكن لَك دَافع
…
عَن الْفضل إِلَّا كَاذِب القَوْل باهت)
(مضى علم الْعلم الَّذِي كَانَ مقنعا
…
فَلم يبْق إِلَّا مُخطئ متهافت) الطَّوِيل
وَكَانَ من تلامذة ثَابت بن قُرَّة عِيسَى بن أسيد النَّصْرَانِي وَكَانَ ثَابت يقدمهُ ويفضله وَقد نقل عِيسَى بن أسيد من السرياني إِلَى الْعَرَبِيّ بِحَضْرَة ثَابت وَيُوجد لَهُ كتاب جوابات ثَابت لمسائل عِيسَى ابْن أسيد
وَمن كَلَام ثَابت بن قُرَّة قَالَ لَيْسَ على الشَّيْخ أضرّ من أَن يكون لَهُ طباخ حاذق وَجَارِيَة حسناء
لِأَنَّهُ يستكثر من الطَّعَام فيسقم وَمن الْجِمَاع فيهرم
وَقَالَ رَاحَة الْجِسْم فِي قلَّة الطَّعَام وراحة النَّفس فِي قلَّة الآثام وراحة الْقلب فِي قلَّة الاهتمام وراحة اللِّسَان فِي قلَّة الْكَلَام
وَلأبي الْحسن ثَابت بن قُرَّة الْحَرَّانِي من الْكتب كتاب فِي سَبَب كَون الْجبَال
مسَائِله الطبية
كتاب فِي النبض
كتاب وجع المفاصل والنقرس
جَوَامِع كتاب باريمينياس
جَوَامِع كتاب أنالوطيقا الأولى
اخْتِصَار الْمنطق
نَوَادِر مَحْفُوظَة من طوبيقا
كتاب فِي السَّبَب الَّذِي من أَجله جعلت مياه الْبَحْر مالحة
اخْتِصَار كتاب مَا بعد الطبيعة
مسَائِله المشوقة إِلَى الْعُلُوم
كتاب فِي أغاليط السوفسطائيين
كتاب فِي مَرَاتِب الْعُلُوم
كتاب فِي الرَّد على من قَالَ إِن النَّفس مزاج
جَوَامِع كتاب الْأَدْوِيَة المفردة لِجَالِينُوسَ
جَوَامِع كتاب الْمرة السَّوْدَاء لِجَالِينُوسَ
جَوَامِع كتاب سوء المزاج الْمُخْتَلف لِجَالِينُوسَ
جَوَامِع كتاب الْأَمْرَاض الحادة لِجَالِينُوسَ
جَوَامِع كتاب الْكَثْرَة لِجَالِينُوسَ
جَوَامِع كتاب تشريح الرَّحِم لِجَالِينُوسَ
جَوَامِع كتاب جالينوس فِي المولودين لسبعة أشهر
جَوَامِع مَا قَالَه جالينوس فِي كِتَابه فِي تشريف صناعَة الطِّبّ
كتاب أَصْنَاف الْأَمْرَاض
كتاب تسهيل المجسطي
كتاب الْمدْخل إِلَى المجسطي كتاب كَبِير فِي تسهيل المجسطي لم يتم وَهُوَ أَجود كتبه فِي ذَلِك
كتاب فِي الوقفات الَّتِي فِي السّكُون الَّذِي بَين حركتي الشريان المتضايتن مقالتان صنف هَذَا الْكتاب سريانيا لِأَنَّهُ أَوْمَأ فِيهِ إِلَى الرَّد على الْكِنْدِيّ وَنَقله إِلَى الْعَرَبِيّ تلميذ لَهُ يعرف بِعِيسَى بن أسيد النَّصْرَانِي وَأصْلح ثَابت الْعَرَبِيّ
وَذكر قوم أَن النَّاقِل لهَذَا الْكتاب حُبَيْش بن الْحسن الأعسم وَذَلِكَ غلط
وَقد رد أَبُو أَحْمد الْحُسَيْن بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن كرنيب على ثَابت فِي هَذَا الْكتاب بعد وَفَاة ثَابت بِمَا لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا طائل
وَهَذَا الْكتاب أنفذه لما صنفه إِلَى إِسْحَق بن حنين فَاسْتَحْسَنَهُ اسْتِحْسَانًا عَظِيما وَكتب فِي آخِره بِخَطِّهِ يقرظ أَبَا الْحسن ثَابتا وَيَدْعُو لَهُ ويصفه
جَوَامِع كتاب الفصد لِجَالِينُوسَ
جَوَامِع تَفْسِير جالينوس لكتاب أبقراط فِي الأهوية والمياه والبلدان
كتاب فِي الْعَمَل بالكرة
كتاب فِي الْحَصَى الْمُتَوَلد فِي الكلى والمثانة
كتاب فِي الْبيَاض الَّذِي يظْهر فِي الْبدن
كتاب فِي مساءلة الطَّبِيب للْمَرِيض
كتاب فِي سوء المزاج الْمُخْتَلف
كتاب فِي تَدْبِير الْأَمْرَاض الحادة
رِسَالَة فِي الجدري والحصبة
اخْتِصَار كتاب النبض الصَّغِير لِجَالِينُوسَ
كتاب فِي قطع الاسطوانة كتاب فِي الموسيقى
رِسَالَة إِلَى عَليّ بن يحيى المنجم فِيمَا أَمر بإثباته من أَبْوَاب علم الموسيقى
رِسَالَة إِلَى بعض إخوانه فِي جَوَاب مَا سَأَلَهُ عَنهُ من أُمُور الموسيقى كتاب فِي أَعمال ومسائل إِذا وَقع خطّ مُسْتَقِيم على خطين ومقالة أُخْرَى لَهُ فِي ذَلِك
كتاب فِي المثلث الْقَائِم الزوايا
كتاب فِي الْأَعْدَاد المتحابة
كتاب فِي الشكل القطاع
كتاب فِي حَالَة الْفلك
كناشه الْمَعْرُوف بالذخيرة أَلفه لوَلَده سِنَان بن ثَابت جَوَابه لرسالة أَحْمد بن الطّيب إِلَيْهِ
كتاب فِي التَّصَرُّف فِي أشكال الْقيَاس
كتاب فِي تركيب الأفلاك وخلقتها وعددها وَعدد حركات الْجِهَات لَهَا
وَالْكَوَاكِب فِيهَا ومبلغ سَيرهَا والجهات الَّتِي تتحرك إِلَيْهَا
كتاب فِي جَوَامِع المسكونة
كتاب القرسطيون
رِسَالَة فِي مَذْهَب الصابئين ودياناتهم
كتاب فِي قسْمَة الأَرْض
كتاب فِي الْهَيْئَة
كتاب فِي الْأَخْلَاق
كتاب فِي مُقَدمَات أقليدس
كتاب فِي أشكال أقليدس
كتاب فِي أشكال المجسطي
كتاب فِي اسْتِخْرَاج الْمسَائِل الهندسية
كتاب رُؤْيَة الْأَهِلّة بالجنوب
كتاب رُؤْيَة الْأَهِلّة من الجداول
رِسَالَة فِي سنة الشَّمْس
رِسَالَة فِي الْحجَّة المنسوبة إِلَى سقراط
كتاب فِي إبطاء الْحَرَكَة فِي فلك البروج وسرعتها وتوسطها بِحَسب الْموضع الَّذِي يكون فِيهِ من الْفلك الْخَارِج المركز
جَوَاب مَا سُئِلَ عَنهُ عَن البقراطيين وَكم مبلغ عَددهمْ
مقَالَة فِي عمل شكل مجسم ذِي أَربع عشرَة قَاعِدَة تحيط بِهِ كرة مَعْلُومَة
مقَالَة فِي الصُّفْرَة الْعَارِضَة للبدن وَعدد أصنافها وأسبابها وعلاجها
مقَالَة فِي وجع المفاصل
مقَالَة فِي صفة كَون الْجَنِين
كتاب فِي علم مَا فِي التَّقْوِيم بالممتحن كتاب فِي الأطلال
كتاب فِي وصف القرص
كتاب فِي تَدْبِير الصِّحَّة
كتاب فِي محنة حِسَاب النُّجُوم
كتاب تَفْسِير الْأَرْبَعَة
رِسَالَة فِي اخْتِيَار وَقت لسُقُوط النُّطْفَة
جَوَامِع كتاب النبض الْكَبِير لِجَالِينُوسَ
كتاب الْخَاصَّة فِي تشريف صناعَة الطِّبّ وترتيب أَهلهَا وتعزيز المنقوصين مِنْهُم بالنفوس وَالْأَخْبَار أَن صناعَة الطِّبّ أجل الصناعات كتب بِهِ إِلَى الْوَزير أبي الْقَاسِم عبيد الله بن سُلَيْمَان
رِسَالَة فِي كَيفَ يَنْبَغِي أَن يسْلك إِلَى نيل الْمَطْلُوب من الْمعَانِي الهندسية فِيهَا ذكر آثَار ظَهرت فِي الجو وأحوال كَانَت فِي الْهَوَاء مِمَّا رصد بَنو مُوسَى وَأَبُو الْحسن ثَابت بن قُرَّة
اخْتِصَار كتاب جالينوس فِي قوى الأغذية ثَلَاث مقالات
مسَائِل عِيسَى بن أسيد لِثَابِت بن قُرَّة وأجوبتها الثَّابِت
كتاب الْبَصَر والبصيرة فِي علم الْعين وعللها ومداواتها
الْمدْخل إِلَى كتاب أقليدس وَهُوَ فِي غَايَة الْجَوْدَة
كتاب الْمدْخل إِلَى الْمنطق
اخْتِصَار كتاب حِيلَة الْبُرْء لِجَالِينُوسَ
شرح السماع الطبيعي مَاتَ وَمَا تممه
كتاب فِي المربع وقطره
كتاب فِيمَا يظْهر فِي الْقَمَر من آثَار الْكُسُوف وعلاماته
كتاب فِي عِلّة كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر عمل أَكْثَره وَمَات وَمَا تممه
كتاب إِلَى ابْنه سِنَان فِي الْحَث على تعلم الطِّبّ وَالْحكمَة
جوابان عَن كتابي مُحَمَّد بن مُوسَى بن شَاكر إِلَيْهِ فِي أَمر الزَّمَان
كتاب فِي مساحة الأشكال المسطحة وَسَائِر الْبسط والأشكال
كتاب فِي أَن سَبِيل الأثقال الَّتِي تعلق على عَمُود وَاحِد مُنْفَصِلَة هِيَ سَبِيلهَا إِذا جعلت ثقلا وَاحِدًا مثبوتا فِي جَمِيع العمود على تساو
كتاب فِي طبائع الْكَوَاكِب وتأثيراتها مُخْتَصر فِي الْأُصُول من علم الْأَخْلَاق
كتاب فِي آلَات السَّاعَات الَّتِي تسمى رخامات
كتاب فِي إِيضَاح الْوَجْه الَّذِي ذكر بطليموس أَن بِهِ استخرج من تقدمه مسيرات الْقَمَر
الدورية وَهِي المستوية
كتاب فِي صفة اسْتِوَاء الْوَزْن واختلافه وشرائط ذَلِك جَوَامِع كتاب نيقوماخس فِي الأرثماطيقي مقالتان
أشكال لَهُ فِي الْحِيَل
جَوَامِع الْمقَالة الأولى من الْأَرْبَع لبطلميوس
جَوَابه عَن مسَائِل سَأَلَهُ عَنْهَا أَبُو سهل النوبختي
كتاب فِي قطع المخروط المكافي
كتاب فِي مساحة الْأَجْسَام المكافية
كتاب فِي مَرَاتِب قِرَاءَة الْعُلُوم
اخْتِصَار كتاب أَيَّام البحران لِجَالِينُوسَ ثَلَاث مقالات
اخْتِصَار كتاب الأسطقسات لِجَالِينُوسَ
كتاب فِي أشكال الخطوط الَّتِي يمر عَلَيْهَا ظلّ المقياس
مقَالَة فِي الهندسة ألفها لإسماعيل بن بلبل
جَوَامِع كتاب جالينوس فِي الْأَدْوِيَة المنقية
جَوَامِع كتاب الْأَعْضَاء الآلمة لِجَالِينُوسَ
كتاب فِي الْعرُوض
كتاب فِيمَا أغفله ثاون فِي حِسَاب كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر
مقَالَة فِي حِسَاب خُسُوف الشَّمْس وَالْقَمَر
كتاب فِي الأنواء
مَا وجد من كِتَابه فِي النَّفس
مقَالَة فِي النّظر فِي أَمر النَّفس
كتاب فِي الطَّرِيق إِلَى اكْتِسَاب الْفَضِيلَة
كتاب فِي النِّسْبَة الْمُؤَلّفَة
رِسَالَة فِي الْعدَد الوفق
رِسَالَة فِي تولد النَّار بَين حجرين
كتاب فِي الْعَمَل بالممتحن وترجمته مَا استدركه على حُبَيْش فِي الممتحن
كتاب فِي مساحة قطع الخطوط
كتاب فِي آلَة الزمر
كتب عدَّة لَهُ فِي الأرصاد عَرَبِيّ وسرياني
كتاب فِي تشريح بعض الطُّيُور وَأَظنهُ مَالك الحزين
كتاب فِي أَجنَاس مَا تَنْقَسِم إِلَيْهِ الْأَدْوِيَة صنفه بالسرياني
كتاب فِي أَجنَاس مَا توزن بِهِ الْأَدْوِيَة بالسرياني
كتاب فِي هجاء السرياني وَإِعْرَابه
مقَالَة فِي تَصْحِيح مسَائِل الْجَبْر بالبراهين الهندسية
إِصْلَاحه للمقالة الأولى من كتاب أبلونيوس فِي قطع النّسَب المحدودة وَهَذَا الْكتاب مقالتان أصلح ثَابت الأولى إصلاحا جيدا وَشَرحهَا وأوضحها وفسرها وَالثَّانيَِة لم يصلحها وَهِي غير مفهومة
مُخْتَصر فِي علم النُّجُوم مُخْتَصر فِي علم الهندسة
جوابات عَن مسَائِل سَأَلَهُ عَنْهَا المعتضد
كَلَام فِي السياسة
جَوَاب لَهُ عَن سَبَب الْخلاف بَين زيج بطلميوس وَبَين الممتحن
جوابات لَهُ عَن عدَّة مسَائِل سَأَلَ عَنْهَا سَنَد بن عَليّ
رِسَالَة فِي حل رموز كتاب السياسة لأفلاطن
اخْتِصَار القاطيغورياس
وَمِمَّا وجد لِثَابِت بن قُرَّة الْحَرَّانِي الصابي بالسُّرْيَانيَّة فِيمَا يتَعَلَّق بمذهبه رِسَالَة فِي الرسوم والفروض وَالسّنَن
رِسَالَة فِي تكفين الْمَوْتَى ودفنهم
رِسَالَة فِي اعْتِقَاد الصابئين
رِسَالَة فِي الطَّهَارَة والنجاسة
رِسَالَة فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله الغز النَّاس فِي كَلَامهم
رِسَالَة فِيمَا يصلح من الْحَيَوَان للضحايا وَمَا لَا يصلح
رِسَالَة فِي أَوْقَات الْعِبَادَات
رِسَالَة فِي تَرْتِيب الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة
صلوَات الابتهال إِلَى الله عز وجل
أَبُو سعيد سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة
كَانَ يلْحق بابيه فِي مَعْرفَته بالعلوم واشتغاله بهَا وتمهره فِي صناعَة الطِّبّ
وَله قُوَّة بَالِغَة فِي علم الْهَيْئَة
وَكَانَ فِي خدمَة المقتدر بِاللَّه والقاهر وخدم أَيْضا بصناعة الطِّبّ الراضي بِاللَّه
وَقَالَ ابْن النديم الْبَغْدَادِيّ الْكَاتِب فِي كتاب الفهرست أَن القاهر بِاللَّه أَرَادَ سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة على
الْإِسْلَام فهرب ثمَّ أسلم وَخَافَ من القاهر فَمضى إِلَى خُرَاسَان وَعَاد وَتُوفِّي بِبَغْدَاد مُسلما
وَكَانَت وَفَاته بعلة الذرب فِي اللَّيْلَة الَّتِي صبيحتها يَوْم الْجُمُعَة مستهل ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة
وَقَالَ ثَابت بن سِنَان فِي تَارِيخه أذكر وَقد وَقع الْوَزير عَليّ بن عِيسَى بن الْجراح إِلَى وَالِدي سِنَان بن ثَابت فِي أَيَّام تقلده الدَّوَاوِين من قبل المقتدر بِاللَّه وتدبير المملكة فِي أَيَّام وزارة حَامِد بن الْعَبَّاس فِي سنة كثرت فِيهَا الْأَمْرَاض جدا وَكَانَ وَالِدي إِذْ ذَاك يتقلد البيمارستانات بِبَغْدَاد وَغَيرهَا توقيعا يَقُول فِيهِ فَكرت مد الله فِي عمرك فِي أَمر من فِي الحبوس وَأَنه لَا يَخْلُو مَعَ كَثْرَة عَددهمْ وجفاء أماكنهم أَن تنالهم الْأَمْرَاض وهم معوقون عَن التَّصَرُّف فِي منافعهم ولقاء من يشاورونه من الْأَطِبَّاء فِيمَا يعرض لَهُم
فَيَنْبَغِي أَن تفرد لَهُم أطباء يدْخلُونَ إِلَيْهِم فِي كل يَوْم وَتحمل إِلَيْهِم الْأَدْوِيَة والأشربة
ويطوفون فِي سَائِر الحبوس ويعالجون فِيهَا المرضى ويزيحون عللهم فِيمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من الْأَدْوِيَة والأشربة
ويتقدم بِأَن تُقَام لَهُم المزورات لمن يحْتَاج إِلَيْهَا مِنْهُم
فَفعل وَالِدي ذَلِك طول أَيَّامه
وَورد توقيع آخر إِلَيْهِ فِيهِ فَكرت فِي من فِي السوَاد من أَهله فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَن يكون فِيهِ مرضى لَا يشرف عَلَيْهِم متطبب لخلو السوَاد من الْأَطِبَّاء
فَتقدم مد الله فِي عمرك بإنفاذ متطببين وخزانة للأدوية والأشربة يطوفون فِي السوَاد ويقيمون فِي كل صقع مِنْهُ مُدَّة مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ
ويعالجون من فِيهِ من المرضى ثمَّ ينتقلون إِلَى غَيره
فَفعل وَالِدي ذَلِك إِلَى أَن انْتهى أَصْحَابه إِلَى سورا وَالْغَالِب على أَهلهَا الْيَهُود
فَكتب إِلَى أبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى يعرفهُ وُرُود كِتَابه من أَصْحَابه من السوَاد يذكرُونَ فِيهِ كَثْرَة المرضى وَأَن أَكثر من حول نهر الْملك يهود وَأَنَّهُمْ اسْتَأْذنُوا فِي الْمقَام عَلَيْهِم وعلاجهم وَأَنه لم يعلم مَا يُجِيبهُمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يعرف رَأْيه فيهم
وأعلمه أَن رسم البيمارستان أَن يعالج فِيهِ الملي وَالذِّمِّيّ
ويسأله أَن يرسم لَهُ فِي ذَلِك مَا يعْمل عَلَيْهِ
فَوَقع لَهُ توقيعا نسخته فهمت مَا كتبت بِهِ أكرمك الله وَلَيْسَ بَيْننَا خلاف فِي أَن معالجة أهل الذِّمَّة والبهائم صَوَاب
وَلَكِن الَّذِي يجب تَقْدِيمه وَالْعَمَل بِهِ معالجة النَّاس قبل الْبَهَائِم وَالْمُسْلِمين قبل أهل الذِّمَّة
فَإِذا أفضل عَن الْمُسلمين مَا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ صرف فِي الطَّبَقَة الَّتِي بعدهمْ
فاعمل أكرمك الله على ذَلِك واكتب إِلَى أَصْحَابك بِهِ
ووصهم بالتنقل فِي الْقرى والمواضع الَّتِي فِيهَا الأوباء الْكَثِيرَة والأمراض الفاشية
وَإِن لم يَجدوا بذرقة توقفوا عَن الْمسير حَتَّى تصلح لَهُم الطَّرِيق وَيصِح السَّبِيل فَإِنَّهُم إِذا فعلوا هَذَا غنوا عَن السُّور إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ ثَابت بن سِنَان وَكَانَت النَّفَقَة عَن البيمارستان الَّذِي لبدر المعتضدي بالمحرم من ارْتِفَاع وقف سجَاح أم المتَوَكل على الله
وَكَانَ الْوَقْف فِي يَد أبي الصَّقْر وهب بن مُحَمَّد الكلوذاني
وَكَانَ قسط من ارْتِفَاع هَذَا الْوَقْف يصرف إِلَى بني هَاشم وقسط مِنْهُ إِلَى نَفَقَة البيمارستان
وَكَانَ أَبُو
الصَّقْر يروج على بني هَاشم مَالهم وَيُؤَخر مَا يصرف إِلَى نَفَقَة البيمارستان ويضيقه
فَكتب وَالِدي إِلَى ابْن الْحسن عَليّ بن عِيسَى يشكو إِلَيْهِ هَذِه الْحَال ويعرفه مَا يلْحق المرضى من الضَّرَر بذلك وقصور مَا يُقَام لَهُم من الفحم والمؤن والدثار وَغير ذَلِك عَن مِقْدَار حَاجتهم
فَوَقع على ظهر رقعته إِلَى أبي الصَّقْر توقيعا نسخته أَنْت أكرمك الله تقف على مَا ذكره وَهُوَ غلط جدا وَالْكَلَام فِيهِ مَعَك خَاصَّة فِيمَا يَقع مِنْك يلزمك وَمَا أحسبك تسلم من الْإِثْم فِيهِ
وَقد حكيت عني فِي الهاشميين قولا لست أذكرهُ
وَكَيف تصرفت الْأَحْوَال فِي زِيَادَة المَال أَو نقصانه ووفوره أَو قصوره لَا بُد من تَعْدِيل الْحَال فِيهِ بَين أَن تَأْخُذ مِنْهُ وَتجْعَل للبيمارستان قسطا بل هُوَ أَحَق بالتقديم على غَيره لضعف من يلجأ إِلَيْهِ وعظيم النَّفْع بِهِ
فعرفني أكرمك الله مَا النُّكْتَة فِي قُصُور المَال ونقصانه فِي تخلف نَفَقَة البيمارستان هَذِه الشُّهُور المتتابعة وَفِي هَذَا الْوَقْت خَاصَّة مَعَ الشتَاء واشتداد الْبرد
فاحتل بِكُل حِيلَة لما يُطلق لَهُم ويعجل حَتَّى يدفأ من فِي البيمارستان من المرضى والممرورين بالدثار وَالْكِسْوَة والفحم
ويقام لَهُم الْقُوت ويتصل لَهُم العلاج والخدمة
وأجبني بِمَا يكون مِنْك فِي ذَلِك
وأنفذ لي عملا يدلني على حجتك
وأعن بِأَمْر البيمارستان فضل عناية إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ ثَابت بن سِنَان أَنه لما كَانَ فِي أول يَوْم من الْمحرم سنة سِتّ وثلثمائة فتح وَالِدي سِنَان بن ثَابت بيمارستان السيدة الَّذِي اتَّخذهُ لَهَا بسوق يحيى
وَجلسَ فِيهِ ورتب المتطببين وَقبل المرضى
وَهُوَ كَانَ بناه على دجلة وَكَانَت النَّفَقَة عَلَيْهِ فِي كل شهر سِتّمائَة دِينَار
قَالَ وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا أَشَارَ وَالِدي على المقتدر بِاللَّه بِأَن يتَّخذ بيمارستانا ينْسب إِلَيْهِ
فَأمره باتخاذه فاتخذه لَهُ فِي بَاب الشَّام وَسَماهُ البيمارستان المقتدري
وَأنْفق عَلَيْهِ من مَاله فِي كل شهر مِائَتي دِينَار
قَالَ ثَابت بن سِنَان وَلما كَانَ فِي سنة تسع عشرَة وثلثمائة اتَّصل بالمقتدر أَن غَلطا جرى على رجل من الْعَامَّة من بعض المتطببين فَمَاتَ الرجل
فَأمر إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن بطحا بِمَنْع سَائِر المتطببين من التَّصَرُّف إِلَّا من امتحنه وَالِدي سِنَان بن ثَابت
وَكتب لَهُ رقْعَة بِخَطِّهِ بِمَا يُطلق لَهُ من الصِّنَاعَة
فصاروا إِلَى وَالِدي وأمتحنهم وَأطلق لكل وَاحِد مِنْهُم مَا يصلح أَن يتَصَرَّف فِيهِ
وَبلغ عَددهمْ فِي جَانِبي بَغْدَاد ثَمَانمِائَة رجل ونيفا وَسِتِّينَ رجلا سوى من اسْتغنى عَن محنته باشتهاره بالتقدم فِي صناعته وَسوى من كَانَ فِي خدمَة السُّلْطَان
وَقَالَ أَيْضا ثَابت بن سِنَان لما مَاتَ الراضي بِاللَّه استدعى الْأَمِير أَبُو الْحُسَيْن بِحكم وَالِدي سِنَان ابْن ثَابت وَسَأَلَهُ أَن ينحدر إِلَيْهِ إِلَى وَاسِط
وَلم يكن يطْمع فِي ذَلِك مِنْهُ فِي أَيَّام الراضي بِاللَّه لملازمته بخدمته
فانحدر إِلَيْهِ وَالِدي فَأكْرمه وَوَصله وَقَالَ لَهُ أُرِيد أَن اعْتمد عَلَيْك فِي تَدْبِير بدني وتفقده وَالنَّظَر فِي مَصَالِحه
وَفِي أَمر آخر هُوَ أهم إِلَيّ من أَمر بدني وَهُوَ أَمر أخلاقي لِثِقَتِي بعقلك وفضلك وَدينك ومحبتك
فقد غمني غَلَبَة الْغَضَب والغيظ عَليّ وإفراطهما بِي حَتَّى أخرج إِلَى مَا اندم عَلَيْهِ عِنْد سكونهما من ضرب وَقتل
وَأَنا أَسأَلك أَن تتفقد مَا أعمله
وَإِذا وقفت لي على عيب لم تحتشم أَن تصدقني عَنهُ وتذكره لي وتنبهني عَلَيْهِ ثمَّ ترشدني إِلَى علاجه ليزول عني
فَقَالَ لَهُ وَالِدي السّمع وَالطَّاعَة لما أَمر بِهِ الْأَمِير
أَنا افْعَل ذَلِك وَلَكِن يستمع الْأَمِير مني بالعاجل جملَة علاج مَا أنكرهُ من نَفسه إِلَى أَن يَجِيئهُ التَّفْصِيل فِي أوقاته
إعلم أَيهَا الْأَمِير أَنَّك قد أَصبَحت وَلَيْسَ فَوق
يدك يَد لأحد من المخلوقين
وَأَنَّك مَالك لكل مَا تريده قَادر على أَن تَفْعَلهُ أَي وَقت أردته
لَا يتهيأ لأحد من المخلوقين مَنعك مِنْهُ وَلَا لِأَن يحول بَيْنك وَبَين مَا تهواه أَي وَقت أردته
وَأَنَّك مَتى أردْت شَيْئا بلغته أَي وَقت شِئْت لَا يفوتك أَمر تريده
وَاعْلَم أَن الْغَضَب والغيظ والحرد تحدث فِي الْإِنْسَان سكرا أَشد من سكر النَّبِيذ بِكَثِير
فَكَمَا أَن الْإِنْسَان يعْمل فِي وَقت السكر من النَّبِيذ مَا لَا يعقل بِهِ وَلَا يذكرهُ إِذا صَحا ويندم عَلَيْهِ إِذا حدث بِهِ ويستحيي مِنْهُ كَذَلِك يحدث لَهُ وَقت السكر من الحرد والغيظ بل أَشد
فَلَمَّا يَبْتَدِئ بك الْغَضَب وتحس بِأَنَّهُ قد ابْتَدَأَ يسكرك قبل أَن يشْتَد ويقوى ويتفاقم وَيخرج الْأَمر عَن يدك فضع فِي نَفسك أَن تُؤخر الْعقُوبَة عَلَيْهِ إِلَى غَد واثقا بِأَن مَا تُرِيدُ أَن تعمله فِي الْوَقْت لَا يفوتك عمله فِي غَد
وَقد قيل من لم يخف فوتا حلم فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك وَبت ليلتك وسكنت فورة غضبك فَإِنَّهُ لَا بُد لفورة الْغَضَب من أَن تبوخ وتسكن وَأَن تصحو من السكر الَّذِي أحدثه لَك الْغَضَب
وَقد قيل إِن أصح مَا يكون الْإِنْسَان رَأيا إِذا استدبر ليله واستقبل نَهَاره
فَإِذا صحوت من سكرك فَتَأمل الْأَمر الَّذِي أغضبك وَقدم أَمر الله عز وجل أَولا وَالْخَوْف مِنْهُ وَترك التَّعَرُّض لسخطه وَلَا تشف غيظك بِمَا يؤثمك
فقد قيل مَا شفى غيظه من أَثم بربه
وَاذْكُر قدرَة الله عَلَيْك وَأَنَّك مُحْتَاج إِلَى رَحمته وَإِلَى أَخذه بِيَدِك فِي أَوْقَات شدائدك
وَهُوَ وَقت لَا تملك لنَفسك فِيهِ شرا وَلَا نفعا وَلَا يقدر لَك عَلَيْهِ أحد من المخلوقين وَلَا يكْشف مَا قد أظلك غَيره عز وجل
وَاعْلَم أَن الْبشر يغلطون ويخطئون
وَأَنَّك مثلهم تغلط وتخطئ
وَإِن كَانَ لَا يَجْسُر أحد على أَن لَا يوافقك على ذَلِك
فَكَمَا تحب أَن يغْفر الله لَك كَذَلِك غَيْرك يؤمل عطفك وعفوك
وفكر بِأَيّ لَيْلَة بَات المذنب قلقا لخوفه مِنْك وَمَا يتوقعه من عُقُوبَتك ويخافه من سطوتك
واعرف مِقْدَار مَا يصل إِلَيْهِ من السرُور وَزَوَال الرعب عَنهُ بعفوك وَمِقْدَار الثَّوَاب الَّذِي يحصل لَك من ذَلِك
وَاذْكُر قَول الله تَعَالَى وليعفوا وليصحفوا أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم وَالله غَفُور رَحِيم
فَإِن كَانَ مَا أغضبك مِمَّا يجوز فِيهِ الْعَفو وَيَكْفِي فِيهِ العتاب والتوبيخ والعذل والتهديد مَتى وَقعت معاودة فَلَا تتجاوز ذَلِك
واعف وَاصْفَحْ فَإِنَّهُ أحسن بك وَأقرب إِلَى الله تَعَالَى
وَالله سُبْحَانَهُ يَقُول وَإِن تعفوا فَهُوَ أقرب للتقوى
وَلَيْسَ يظنّ بك المذنب وَلَا غَيره أَنَّك عجزت عَن التَّقْوِيم والعقوبة وَلَا قصرت بك الْقُدْرَة
وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يحْتَمل الْعَفو عَاقَبت حِينَئِذٍ على قدر الذَّنب وَلم تتجاوزه إِلَى مَا يُوقع الدّين وَيفْسد بِهِ أَمرك ويقبح عِنْد النَّاس ذكرك
فَإِنَّمَا يشْتَد عَلَيْك تكلّف ذَلِك أول دفْعَة وثانية وثالثة
ثمَّ يصير عَادَة لَك وخلقا وسجية ويسهل عَلَيْك
فَاسْتحْسن بِحكم ذَلِك ووعد أَن يَفْعَله
وَمَا زَالَت أخلاقه تصلح ووالدي ينبهه على شَيْء شَيْء مِمَّا يُنكره مِنْهُ من أخلاقه وأفعاله ويرشده إِلَى طَرِيق إِزَالَته إِلَى أَن لانت أخلاقه وكف عَن كثير مِمَّا كَانَ يسْرع إِلَيْهِ من الْقَتْل والعقوبات الغليظة
واستحلى واستطاب
مَا كَانَ يُشِير عَلَيْهِ من اسْتِعْمَال الْعدْل والإنصاف وَرفع الظُّلم والجور ويستصوبه وَيعْمل بِهِ
فَإِنَّهُ كَانَ يبين لَهُ أَن الْعدْل أربح للسُّلْطَان من الظُّلم بِكَثِير وَأَنه يحصل لَهُ بِهِ دنيا وآخرة
وَإِن مواد الظُّلم وَإِن كثرت
وتعجلت سريعة الْفساد والفناء والانقطاع ممحوقة لَا يُبَارك فِيهَا وتحدث حوادث تتجرمها ثمَّ تعود بخراب الدُّنْيَا وَفَسَاد الْآخِرَة
ومواد الْعدْل تنمى وتزيد وتدوم وتتصل ويبارك فِيهَا وتعود بصلاح الدُّنْيَا وعمارتها وَحُصُول الْآخِرَة والفوز فِيهَا وَحسن الذّكر مَا بَقِي الدَّهْر
فَتبين ذَلِك وَعرف صِحَّته وابتدأ بِالْعَمَلِ بِهِ
وَعمل بواسط فِي وَقت المجاعة دَار ضِيَافَة وببغداد بيمارستانا يعالج فِيهِ الْفُقَرَاء ويعللون وَأنْفق فِي ذَلِك جملَة
ورفه الرّعية وأرفقها وَعدل فِيهَا وأنصف فِي معاملاتها وَأحسن إِلَيْهَا وَرَأى مَا يجب
إِلَّا أَن مدَّته فِي ذَلِك لم تطل وَقتل عَن قرب وَللَّه أَمر هُوَ بالغه
وَلأبي سعيد سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة من الْكتب وَهُوَ مِمَّا نقل من خطّ أبي عَليّ المحسن بن إِبْرَاهِيم ابْن هِلَال الصَّابِئ رِسَالَة فِي تَارِيخ مُلُوك السريانيين
رِسَالَة فِي الاسْتوَاء
رِسَالَة فِي سُهَيْل
رِسَالَة إِلَى بِحكم
رِسَالَة إِلَى ابْن رايق
رِسَالَة إِلَى أبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى رَحمَه الله تَعَالَى
الرسائل السلطانيات والإخوانيات
السِّيرَة وَهِي فِي أَجزَاء تعرف بِكِتَاب النَّاجِي صنفه لعضد الدولة وتاج الْملَّة تشْتَمل على مفاخره ومفاخر الديلم وأنسابهم وَذكر أصولهم وأسلافهم
رِسَالَة فِي النُّجُوم
رِسَالَة فِي شرح مَذْهَب الصابئين
رِسَالَة فِي قسْمَة أَيَّام الْجُمُعَة على الْكَوَاكِب السَّبْعَة كتبهَا إِلَى أبي إِسْحَق إِبْرَاهِيم ابْن هِلَال وَرجل آخر
رِسَالَة فِي الْفرق بَين المترسل والشاعر
رِسَالَة فِي أَخْبَار آبَائِهِ وأجداده وسلفه
وَنقل إِلَى الْعَرَبِيّ نواميس هرمس والسور والصلوات الَّتِي يُصَلِّي بهَا الصابئون
إِصْلَاحه لكتاب فِي الْأُصُول الهندسية
وَزَاد فِي هَذَا الْكتاب شَيْئا كثيرا
مقَالَة أنفذها إِلَى الْملك عضد الدولة فِي الأشكال ذَوَات الخطوط المستقيمة الَّتِي تقع فِي الدائرة وَعَلَيْهَا استخراجه للشَّيْء الْكثير من الْمسَائِل الهندسية
إِصْلَاحه لعبارة أبي سهل الكوهي فِي جَمِيع كتبه لِأَن أَبَا سهل سَأَلَهُ ذَلِك
إِصْلَاحه وتهذيبه لشَيْء نَقله من كتاب يُوسُف القس من السرياني إِلَى الْعَرَبِيّ
من كتاب أرشميدس فِي المثلثات
أَبُو الْحسن ثَابت بن سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة
كَانَ طَبِيبا فَاضلا يلْحق بِأَبِيهِ فِي صناعَة الطِّبّ
وَقَالَ فِي التَّارِيخ الَّذِي عمله وَهَذَا التَّارِيخ ذكر فِيهِ الوقائع والحوادث الَّتِي جرت فِي زَمَانه وَذَلِكَ من أَيَّام المقتدر بِاللَّه إِلَى أَيَّام الْمُطِيع لله أَنه كَانَ وَولده فِي خدمَة الراضي بِاللَّه
وَقَالَ بعد ذَلِك أَيْضا عَن نَفسه أَنه خدم بصناعة الطِّبّ المتقي بن المقتدر بِاللَّه وخدم أَيْضا المستكفي بِاللَّه والمطيع لله
قَالَ وَفِي سنة ثَلَاث
عشرَة وثلثمائة قلدني الْوَزير الخاقاني البيمارستان الَّذِي اتَّخذهُ ابْن الْفُرَات بدرب الْمفضل
وَقَالَ أَيْضا فِي تَارِيخه أَنه لما سلم أَبُو عَليّ بن مقلة إِلَى الْوَزير أبي عَليّ عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى من جِهَة الراضي بِاللَّه فِي سنة أَربع وَعشْرين وثلمثائة حمله إِلَى دَاره فِي يَوْم الْخَمِيس لثلاث لَيَال خلون من جُمَادَى الْآخِرَة وَضرب أَبُو عَليّ بن مقلة بالمقارع فِي دَار الْوَزير عبد الرَّحْمَن وَأخذ خطه بِأَلف ألف دِينَار
وَكَانَ الَّذِي تولى ذَلِك مِنْهُ بنان الْكَبِير من الحجرية
ثمَّ سلم إِلَى أبي الْعَبَّاس الحصيني ووكل بِهِ ماكرد وبنان الْكَبِير ورد الحصيني مناظرته إِلَى أبي الْقَاسِم عبيد الله بن عبد الله الإسكافي الْمَعْرُوف بِأبي نعرة ومطالبته إِلَى الدستواني
فجرت عَلَيْهِ مِنْهُ من المكاره وَالتَّعْلِيق وَالضَّرْب والدهق أَمر عَظِيم
وَالَّذِي شاهدت أَنا من أمره أَن أَبَا الْعَبَّاس الحصيني كلفني يَوْمًا الدُّخُول إِلَيْهِ لمعْرِفَة خَبره من شَيْء تشكاه وَقَالَ إِن كَانَ يحْتَاج إِلَى الفصد فَتقدم إِلَى من يفصده بحضرتك
فَدخلت إِلَيْهِ فَوَجَدته مطروحا على حَصِير خلق على بَارِية ومخدة وسخة خليعة تَحت رَأسه وَهُوَ عُرْيَان بسراويل
فَوجدت بدنه من رَأسه إِلَى أَطْرَاف أَصَابِع رجلَيْهِ كلون الباذنجان سَوَاء لَيْسَ مِنْهُ عقد سليم
وَوجدت بِهِ ضيق نفس شَدِيد
لِأَن الدستواني كَانَ قد دهق صَدره فَعرفت الحصيني أَنه شَدِيد الْحَاجة إِلَى الفصد
فَقَالَ لي يحْتَاج أَن يلْحقهُ كد فِي الْمُطَالبَة فَكيف نعمل بِهِ قلت لَا أَدْرِي إِلَّا أَنه أَن ترك وَلم يفصد مَاتَ وَإِن فصد ولحقه مَكْرُوه بعده تلف فَقَالَ لأبي الْقَاسِم بن أبي نعرة الإسكافي ادخل إِلَيْهِ وَقل لَهُ إِن كنت تظن أَنه يلحقك ترفيه إِذا افتصدت فبئس مَا تظن
فافتقصد وضع فِي نَفسك أَن الْمُطَالبَة لابد مِنْهَا ثمَّ قَالَ لي أحب أَن تدخل إِلَيْهِ مَعَه
فاستعفيته من ذَلِك فَلم يعفني فَدخلت مَعَه وَأدّى الرسَالَة بحضرتي
فَقَالَ إِذا كَانَ الْأَمر على هَذَا فلست أُرِيد أَن افتصد وَأَنا بَين يَدي الله فعدنا إِلَيْهِ وعرفناه مَا قَالَ فَقَالَ لي أَي شَيْء عنْدك وَمَا الَّذِي ترى قلت الَّذِي أرى أَن يفصد وَإِن يرفه
فَقَالَ افْعَل
فعدت إِلَيْهِ وفصد بحضرتي ورفه يَوْمه وخف مَا بِهِ ويتوقع الْمَكْرُوه من غَد وَهُوَ برعب طَائِر الْعقل
فاتفق سَبَب للحصيني أحوجه إِلَى الاستتار فِي ذَلِك الْيَوْم
وَبَقِي ابْن مقلة مرفها لَيْسَ أحد يُطَالِبهُ وَكفى أَمر عدوه من حَيْثُ لم يحْتَسب وَرجعت نَفسه إِلَيْهِ
وَحضر ابْن فراية فضمن مَا عَلَيْهِ وتسلمه وَقد كَانَ أدّى قبل ذَلِك إِلَى الحصيني نيفا وَخمسين ألف دِينَار وَأشْهد عَلَيْهِ الْعُدُول بِأَنَّهُ قد بَاعَ جَمِيع ضيَاعه وضياع أَوْلَاده وأسبابه من السُّلْطَان
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من كِتَابه هَذَا أَنه لما قطعت يَد ابْن مقلة استدعاني الراضي بِاللَّه فِي آخر
النَّهَار وَأَمرَنِي بِالدُّخُولِ إِلَيْهِ وعلاجه فصرت إِلَيْهِ يَوْم قطع يَده فَوَجَدته مَحْبُوسًا فِي القلاية الَّتِي فِي صحن الشَّجَرَة وَالْبَاب مقفل عَلَيْهِ
فَفتح الْخَادِم الْبَاب عَنهُ وَدخلت إِلَيْهِ فَوَجَدته جَالِسا على قَاعِدَة من بعض أساطين القلاية ولونه كلون الرصاص الَّذِي هُوَ جَالس عَلَيْهِ وَقد ضعف جدا وَهُوَ فِي نِهَايَة القلق من ضَرْبَان ساعده وَرَأَيْت لَهُ فِي القلاية قبَّة خيش نصبت لَهُ وَعَلَيْهَا طاقان من الخيش وَفِيهِمَا مصلى ومخاد طبري وحول الْمصلى أطباق كَثِيرَة بفاكهة حَسَنَة
فَلَمَّا رَآنِي بَكَى وشكى حَاله وَمَا نزل بِهِ وَمَا هُوَ فِيهِ من الضربان
وَوجدت ساعده قد ورم ورما شَدِيدا وعَلى مَوضِع الْقطع خرقَة غَلِيظَة قردواني كحلية مشدودة بخيط قنب فخاطبته بِمَا يحب وسكنت مِنْهُ وحللت الْخَيط ونحيت الْخِرْقَة فَوجدت تحتهَا على مَوضِع الْقطع سرجين الدَّوَابّ فَأمرت بِأَن ينفض عَنهُ فنفض وَإِذا رَأس الساعد أَسْفَل الْقطع مشدود بخيط قنب وَقد غاص فِي ذراعه لشدَّة الورم وَقد ابْتَدَأَ ساعده يسود وعرفته أَن سَبِيل الْخَيط أَن يحل وَأَن يَجْعَل مَوضِع السرجين كافور ويطلى ذراعه بالصندل وَمَاء الْورْد والكافور
فَقَالَ يَا سَيِّدي افْعَل مَا رَأَيْت
فَقَالَ الْخَادِم الَّذِي معي احْتَاجَ أَن اسْتَأْذن مَوْلَانَا فِي ذَلِك
وَدخل ليستأذن وَخرج وَمَعَهُ مخزنة كَبِيرَة مَمْلُوءَة كافورا وَقَالَ قد أذن لَك مَوْلَانَا أَن تعْمل مَا ترى
وَأمر بِأَن ترفق بِهِ وتوفر الْعِنَايَة عَلَيْهِ وَتلْزَمهُ إِلَى أَن يهب الله عافيته
فحللت الْخَيط وفرغت المخزنة فِي مَوضِع الْقطع وطليت ساعده فَعَاشَ واستراح وَسكن الضربان
وَسَأَلته هَل اغتذى فَقَالَ وَكَيف ينساغ لي طَعَام فتقدمت بإحضار طَعَام فأحضر وَامْتنع من الْأكل
فرفقت بِهِ ولقمته بيَدي فَحصل لَهُ نَحْو عشْرين درهما خبْزًا وَمن لحم فروج نَحْو ذَلِك
وَحلف أَنه لَا يقدر أَن يبلع شَيْئا آخر
وَشرب مَاء بَارِدًا وَعَاشَتْ روحه وانصرفت
وقفل الْبَاب عَلَيْهِ وَبَقِي وَحده
ثمَّ أَدخل عَلَيْهِ من غَد خَادِم أسود يَخْدمه وَحبس مَعَه وترددت إِلَيْهِ أَيَّامًا كَثِيرَة وَعرض لَهُ فِي رجله الْيُسْرَى عِلّة النقرس ففصدته وَكَانَ يتألم من يَده الْيُمْنَى الَّتِي قطعت وَمن رجله الْيُسْرَى وَلَا ينَام اللَّيْل من شدَّة الْأَلَم ثمَّ عوفي
وَكنت إِذا دخلت إِلَيْهِ يَبْتَدِئ بِالْمَسْأَلَة عَن خبر ابْنه أبي الْحُسَيْن فَإِذا عَرفته سَلَامَته سكن غَايَة السّكُون ثمَّ ناح على نَفسه وَبكى على يَده وَقَالَ يَد خدمت بهَا الْخلَافَة ثَلَاث دفعات لثَلَاثَة خلفاء وكتبت بهَا الْقُرْآن دفعتين تقطع كَمَا تقطع أَيدي اللُّصُوص تذكر وَأَنت تَقول لي أَنْت فِي آخر نكبة وَأَن الْفرج قريب قلت بلَى
فَقَالَ قد ترى مَا حل بِي فَقلت مَا بَقِي بعد هَذَا شَيْء والآن يَنْبَغِي أَن نتوقع الْفرج فَإِنَّهُ قد عمل بك مَا لَا يعْمل بنظير لَك وَهَذَا انْتِهَاء الْمَكْرُوه
وَلَا يكون بعد الِانْتِهَاء إِلَّا الانحطاط
فَقَالَ لَا تفعل فَإِن المحنة قد تشبثت بِي تشبثا ينقلني من حَال إِلَى حَال إِلَى أَن تؤديني إِلَى التّلف كَمَا تتشبث حمى الدق
بالأعضاء فَلَا تفارق صَاحبهَا حَتَّى تُؤَدِّيه إِلَى الْمَوْت
ثمَّ تمثل بِهَذَا الْبَيْت
(إِذا مَا مَاتَ بعضك فأبك بَعْضًا
…
فبعض الشَّيْء من بعض قريب) الوافر
فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ
وَلما قرب بِحكم من بَغْدَاد نقل ابْن مقلة من ذَلِك الْموضع إِلَى مَوضِع أغمض مِنْهُ فَلم يُوقف لَهُ على خبر وحجبت عَنهُ
ثمَّ قطع لِسَانه وَبَقِي فِي الْحَبْس مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ لحقه ذرب وَلم يكن لَهُ من يعالجه وَلَا من يَخْدمه
حَتَّى بَلغنِي أَنه كَانَ يَسْتَسْقِي المَاء لنَفسِهِ بِيَدِهِ يجتذب الْحَبل بِيَدِهِ الْيُسْرَى ويمسكه بفمه
ولحقه شقاء عَظِيم إِلَى أَن مَاتَ
وَكَانَ ثَابت بن سِنَان الْمَذْكُور خَال هِلَال بن المحسن بن إِبْرَاهِيم الصَّابِئ الْكَاتِب البليغ
ولثابت بن سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة من الْكتب كتاب التَّارِيخ ذكر فِيهِ الوقائع والحوادث الَّتِي جرت فِي زَمَانه وَذَلِكَ من سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ إِلَى حِين وَفَاته وَوَجَدته بِخَطِّهِ وَقد أبان فِيهِ عَن فضل
وَكَانَت وَفَاة ثَابت بن سِنَان فِي شهور سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلثمائة
أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة
كَانَ كَامِلا فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة فَاضلا فِي الصِّنَاعَة الطبية مُتَقَدما فِي زَمَانه حسن الْكِتَابَة وافر الذكاء
مولده فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ
وَكَانَت وَفَاته فِي يَوْم الْأَحَد النّصْف من الْمحرم سنة خمس وَثَلَاثِينَ وثلثمائة بِبَغْدَاد
وَكَانَت الْعلَّة الَّتِي مَاتَ فِيهَا ورم فِي كبده
أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن زهرون الْحَرَّانِي
كَانَ طَبِيبا مَشْهُورا وافر الْعلم فِي صناعَة الطِّبّ جيد الْأَعْمَال حسن الْمُعَامَلَة
وَكَانَت وَفَاته فِي لَيْلَة الْخَمِيس لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من صفر سنة تسع وثلثمائة بِبَغْدَاد
أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي
هُوَ أَبُو الْحسن ثَابت بن إِبْرَاهِيم بن زهرون الْحَرَّانِي كَانَ طَبِيبا فَاضلا كثير الدِّرَايَة وافر الْعلم بارعا فِي الصِّنَاعَة موفقا فِي المعالجة مطلعا على أسرار الطِّبّ
وَكَانَ مَعَ ذَلِك ضنينا بِمَا يحسن
نقلت من خطّ ابْن بطلَان فِي مقَالَته فِي عِلّة نقل الْأَطِبَّاء المهرة تَدْبِير أَكثر الْأَمْرَاض الَّتِي كَانَت
تعالج قَدِيما بالأدوية الحارة إِلَى التَّدْبِير الْمبرد قَالَ كَانَ قد أسكت الْوَزير أَبُو طَاهِر بن بقيه فِي دَاره الشاطئة على الجسر بِبَغْدَاد وَقد حضر الْأَمِير معز الدولة بختيار والأطباء مجمعون على أَنه قد مَاتَ
فَتقدم أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي وَكنت أَصْحَبهُ يَوْمئِذٍ فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير إِذا كَانَ قد مَاتَ فَلَنْ يضرّهُ الفصاد فَهَل تَأذن فِي فصده قَالَ لَهُ افْعَل يَا أَبَا الْحسن
ففصده فرشح مِنْهُ دم يسير
ثمَّ لم يزل يقوى الرشح إِلَى أَن صَار الدَّم يجْرِي فأفاق الْوَزير
فَلَمَّا خلوت بِهِ سَأَلته عَن الْحَال وَكَانَ ضنينا بِمَا يَقُول فَقَالَ إِن من عَادَة الْوَزير أَن يستفرغ فِي كل ربيع دَمًا كثيرا من عروق الْمعدة وَفِي هَذَا الْفَصْل انْقَطع عَنهُ فَلَمَّا فصدته ثَابت الطبيعة من خناقها
وَقَالَ عبد الله بن جِبْرَائِيل لما دخل عضد الدولة رحمه الله إِلَى بَغْدَاد كَانَ أول من لقِيه من الْأَطِبَّاء أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي وَكَانَ شَيخا مسنا وَسنَان وَكَانَ أَصْغَر من أبي الْحسن وَكَانَا عَالمين فاضلين وَكَانَا جمعيا يسعران المرضى ويمضيان إِلَى دَار السُّلْطَان فَحسن ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمَا
وَلما دخلا إِلَى عضد الدولة قَالَ من هَؤُلَاءِ قَالُوا الْأَطِبَّاء
قَالَ نَحن فِي عَافِيَة وَمَا بِنَا حَاجَة إِلَيْهِم
فانصرفا خجلين
فَلَمَّا خرجا إِلَى الدهليز قَالَ سِنَان لأبي الْحسن يجمل أَن ندخل إِلَى هَذَا الْأسد وَنحن شَيخا بَغْدَاد فيفترسنا قَالَ لَهُ أَبُو الْحسن فَمَا الْحِيلَة قَالَ نرْجِع إِلَيْهِ وَأَنا أَقُول مَا عِنْدِي وَنَنْظُر إيش الْجَواب قَالَ افْعَل
فَاسْتَأْذَنا ودخلا فَقَالَ سِنَان أَطَالَ الله بَقَاء مَوْلَانَا الْملك مَوْضُوع صناعتنا حفظ الصِّحَّة لَا مداواة الْأَمْرَاض
وَالْملك أحْوج النَّاس إِلَيْهِ
فَقَالَ لَهُ عضد الدولة صدقت
وَقرر لَهما الْجَارِي السّني وصارا ينوبان مَعَ أطبائه
قَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل وَلَهُمَا أَحَادِيث كَثِيرَة حَسَنَة مِنْهَا حَدِيث قلاء الكبود
وَذَلِكَ أَنه كَانَ بِبَاب الأزج إِنْسَان يقلي الكبود فَكَانَا إِذا اجتازا عَلَيْهِ دَعَا لَهما وشكرهما وَقَامَ لَهما حَتَّى ينصرفا عَنهُ
فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام اجتازا فَلم يرياه فظنا أَنه قد شغل عَنْهُمَا
وَمن غَد سَأَلَا عَنهُ فَقيل لَهما أَنه الْآن قد مَاتَ
فعجبا من ذَلِك وَقَالَ أَحدهمَا للْآخر لَهُ علينا حق يُوجب علينا قَصده ومشاهدته
فمضيا جَمِيعًا وشاهداه فَلَمَّا نظرا إِلَيْهِ تشاورا فِي فصده وسألا أَهله أَن يؤخروه سَاعَة وَاحِدَة ليفكروا فِي أمره
فَفَعَلُوا ذَلِك وأحضروا فصادا ففصده فصدة وَاسِعَة فَخرج مِنْهُ دم غليظ
وَكَانَ كلما خرج الدَّم خف عَنهُ حَتَّى تكلم
وسقياه مَا يصلح وانصرفا عَنهُ
وَلما كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث خرج إِلَى دكانه
فَكَانَ هَذَا من المعجز لَهما
فسئلا عَن ذَلِك فَقَالَا سَببه أَنه كَانَ إِذا قلى الكبود يَأْكُل مِنْهَا وبدنه ممتلىء دَمًا غليظا وَهُوَ لَا يحس حَتَّى فاض من الْعُرُوق إِلَى الأوعية وغمر الْحَرَارَة الغريزية وخنقها كَمَا يخنق الزَّيْت الْكثير الفتيلة الَّتِي تكون فِي السراج
فَلَمَّا بدروه بالفصد نقص الدَّم وخف عَن الْقُوَّة الْحمل الثقيل وانتشرت الْحَرَارَة وَعَاد الْجِسْم إِلَى الصِّحَّة
وَهَذَا الامتلاء قد يكون من البلغم أَيْضا
وَقد ذكر أَسبَابه الْفَاضِل جالينوس فِي كِتَابه فِي تَحْرِيم الدّفن قبل أَربع وَعشْرين سَاعَة
قَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل وَمن أحسن مَا سَمِعت عَن أبي الْحسن الْحَرَّانِي أَنه دخل إِلَى قرَابَة الشريف الْجَلِيل مُحَمَّد بن عمر رحمه الله وَكَانَ إنْسَانا نبيل الْقدر قد عَارضه ضيق نفس شَدِيد صَعب
فَأخذ نبضه وَأَشَارَ بِمَا يَسْتَعْمِلهُ فشاوره فِي الفصد فَقَالَ لَهُ لَا أرَاهُ وَإِن كَانَ يُخَفف الْمَرَض تَخْفِيفًا بَينا
وَانْصَرف
وجاءه أَبُو مُوسَى الْمَعْرُوف ببقة الطَّبِيب وَأبْصر نبضه وقارورته وَأَشَارَ بالفصد
فَقَالَ لَهُ الشريف قد كَانَ عِنْدِي أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي السَّاعَة وشاورته فِي الفصد فَذكر أَنه لَا يرَاهُ صَوَابا
فَقَالَ بقة أَبُو الْحسن أعرف
وَانْصَرف فَجَاءَهُ بعض الْأَطِبَّاء الَّذين هم دون هَذِه الطَّبَقَة فَقَالَ يفصد سيدنَا فَإِنَّهُ فِي الْحَال يسكن وقوى عزمه على الفصد وَلم يبرح حَتَّى فصده فعندما فصده خف عَنهُ مَا كَانَ يجده خفا بَينا ونام وَسكن عَنهُ واغتدى وَهُوَ فِي عَافِيَة
فَعَاد إِلَيْهِ أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي آخر النَّهَار فَوَجَدَهُ سَاكِنا قارا فَقَالَ لَهُ لما رَآهُ على تِلْكَ الْحَال قد فصدت فَقيل كَيفَ كنت أفعل مَا لم تَأْمُرنِي بِهِ قَالَ مَا هُوَ هَذَا السّكُون إِلَّا للفصد
فَقَالَ لَهُ الشريف لما علمت بِهَذَا لم لَا تفصدني قَالَ لَهُ أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي إِذْ قد فصد سيدنَا فليبشر بحمى ربع سبعين دورا وَلَو أَن أبقراط وجالينوس عِنْده مَا تخلص إِلَّا بعد انْقِضَائِهَا
واستدعى دَوَاة ودرجا ورتب تَدْبيره لسَبْعين نوبه وَدفعه إِلَيْهِ
وَقَالَ هَذَا تدبيرك فَإِذا انْقَضى ذَلِك جِئْت إِلَيْك
وَانْصَرف
فَمَا مضى أَيَّام حَتَّى جَاءَت الْحمى وَبقيت كَمَا قَالَ فَمَا خَالف تَدْبيره حَتَّى برِئ
قَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل وَمن أخباره أَنه كَانَ للحاجب الْكَبِير غُلَام وَكَانَ مشغوفا بِهِ وَاتفقَ أَن الْحَاجِب صنع دَعْوَة كَبِيرَة كَانَ فِيهَا أجلاء الدولة
وَلما اشْتغل بِأَمْر الدعْوَة حم الْغُلَام حمى حادة فورد على قلب الْحَاجِب من ذَلِك موردا عَظِيما وقلق قلقا كثيرا
واستدعى أَبَا الْحسن الْحَرَّانِي فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الْحسن أُرِيد الْغُلَام يخدمني فِي غَدَاة غَد تعْمل كل مَا تقدر عَلَيْهِ وَأَنا أكافئك بِمَا يضاهي فعلك
فَقَالَ لَهُ يَا حَاجِب إِن تركت الْغُلَام يَسْتَوْفِي أَيَّام مَرضه عَاشَ وَإِلَّا فيمكنني من ملازمته أَن يقوم فِي غَد لخدمتك
وَلَكِن إِذا كَانَ فِي الْعَام الْمقبل فِي مثل هَذَا الْيَوْم يحم حمى حادة وَلَو كَانَ من كَانَ عِنْده من الْأَطِبَّاء لم تنجع فِيهِ مداواته وَيَمُوت إِمَّا فِي البحران الأولى أَو الثَّانِي فَانْظُر أَيهمَا أحب إِلَيْك
فَقَالَ لَهُ الْحَاجِب أُرِيد أَن يخدمني فِي غَدَاة غَد وَإِلَى الْعَام الْمقبل فرج
ظنا مِنْهُ أَن هَذَا القَوْل من الْأَحَادِيث المدفوعة
فلازمه أَبُو الْحسن وَلما كَانَ فِي غَد أَفَاق وَقَامَ فِي الْخدمَة وَأعْطى الْحَاجِب لأبي الْحسن خلعة سنية ومالا كثيرا وَصَارَ يُكرمهُ غَايَة الْإِكْرَام
فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَام الْمقبل فِي مثل الْيَوْم الَّذِي حم فِيهِ الْغُلَام عاودته الْحمى فَأَقَامَ محموما سَبْعَة أَيَّام وَمَات
فَعظم فِي نفس الْحَاجِب وَجَمَاعَة من النَّاس قَول أبي الْحسن وَكبر لديهم مَحَله وَكَانَ هَذَا مِنْهُ كالمعجز
وَقَالَ هِلَال بن المحسن بن إِبْرَاهِيم الصَّابِئ الْكَاتِب حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن الْحُسَيْن النوبختي قَالَ حَدثنِي الشريف أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عمر بن يحيى أَنه أَرَادَ ابتياع جَارِيَة عَاقِلَة من دور بني
خاقَان بِأحد عشر ألف دِرْهَم وَكَانَ الْوَسِيط فِي ذَلِك أَبُو الْمسيب فَهد بن سُلَيْمَان
فَقَالَ لأبي الْمسيب أحب أَن تستشير لي فِي أمرهَا أَبَا الْحسن الْحَرَّانِي بعد أَن تكلفه مشاهدتها فَمضى إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ الرّكُوب مَعَه إِلَى دَار الْقَوْم ليرى الْجَارِيَة وَكَانَت متشكية
وشاهدها أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي وَأخذ مجسها وَتَأمل قارورتها ثمَّ قَالَ لَهُ سرا إِن كَانَت أكلت البارحة من سماقية أَو حصرمية وقثاء أَو خِيَار فاشترها وَإِلَّا فَلَا تعترض لَهَا
فسألنا عَمَّا أَكلته فِي لَيْلَتهَا فَقيل لنا بعض مَا قَالَه أَبُو الْحسن فابتاعها فعجبنا من ذَلِك وَعجب من سمع
وَقَالَ المحسن بن إِبْرَاهِيم كَانَ أَوْلَاد أبي جَعْفَر بن الْقَاسِم بن عبيد الله يشنعون على أبي الْحسن الْحَرَّانِي عمنَا بِأَنَّهُ قتل أباهم فَسَأَلت أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن هِلَال وَالِدي عَن ذَلِك فَقَالَ كَانَ أَبُو جَعْفَر عدوا لأبي الْحسن عمي وعازما على قَتله لأمور نقمها عَلَيْهِ وَقد قبض عَلَيْهِ وحبسه
فاتفق أَن اعتل أَبُو جَعْفَر علته الَّتِي مَاتَ فِيهَا فأشير عَلَيْهِ بمشاورة أبي الْحسن وَهُوَ فِي حَبسه فَقَالَ لَا أَثِق بِهِ وَلَا أسكن إِلَيْهِ مَعَ مَا يُعلمهُ من سوء رَأْيِي فِيهِ
وعول على غَيره من الْأَطِبَّاء
فَدخل بعض إخْوَان أبي الْحسن إِلَيْهِ وَشرح لَهُ مَا يدبر بِهِ أَبُو جَعْفَر فِي مَرضه
فَقَالَ أَبُو الْحسن وَكَانَ يأتمنه أَنْت تعرف رَأْي هَذَا الرجل فِي وَمَتى اسْتمرّ على هَذَا التَّدْبِير هلك بِلَا محَالة وكفينا كِفَايَة عاجلة
فَأحب أَن تَمنعهُ مشاورتي وتصوبه على رَأْيه فِي الْعُدُول عني
واشتدت الْعلَّة بِأبي جَعْفَر وَمضى لسبيله بعد قبض القاهر بِاللَّه عَلَيْهِ بِعشْرَة أَيَّام
وَقَالَ المحسن أَيْضا أصابتني حمى حادة كَانَ هجومها عَليّ بَغْتَة فَحَضَرَ أَبُو الْحسن عمنَا وَأخذ مجسي سَاعَة ثمَّ نَهَضَ وَلم يقل شَيْئا
فَقَالَ لَهُ وَالِدي مَا عنْدك يَا عمي فِي هَذِه الْحمى فَقَالَ لَهُ سرا لَا تَسْأَلنِي عَن ذَلِك إِلَى أَن يجوزه خمسين يَوْمًا
فوَاللَّه لقد فارقتني فِي الْيَوْم الثَّالِث وَالْخمسين
وَحكى أَبُو عَليّ بن مكنجا النَّصْرَانِي الْكَاتِب قَالَ لما وافى عضد الدولة فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلثمائة إِلَى مَدِينَة السَّلَام استدعاني أَبُو مَنْصُور نصر بن هرون وَكَانَ قد ورد مَعَه إِذْ ذَاك وسألني عَن أطباء بَغْدَاد
فاجتمعت مَعَ عبد يشوع الجاثليق وَسَأَلته عَنْهُم فَقَالَ هَهُنَا جمَاعَة لَا يعول عَلَيْهِم والمنظور إِلَيْهِم مِنْهُم أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي وَهُوَ رجل عَاقل لَا مثل لَهُ فِي صناعته وَهُوَ قَلِيل التَّحْصِيل وَأَبُو الْحسن صديقي وَأَنا أبعثه إِلَى الْخدمَة وأوافقه عَلَيْهَا وأشير عَلَيْهِ بالملازمة لَهَا
وخاطب الجاثليق أَبَا الْحسن على قصد أبي مَنْصُور نصر بن هرون فقصده وَتقدم إِلَيْهِ بِأَن يحضر دَار عضد الدولة ويتأمل حَاله وَمَا يدبر بِهِ أمره
فَتلقى ذَلِك بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَشرط أَن يعرف صورته فِي مأكله ومشربه وبواطن أمره وطالع أَبُو مَنْصُور عضد الدولة بالصورة وَحضر أَبُو الْحسن الدَّار وَعرف جَمِيع مَا سَأَلَ عَنهُ وَتردد أَيَّامًا ثمَّ انْقَطع وَاجْتمعَ مَعَ الجاثليق فَعَاتَبَهُ على انْقِطَاعه وعرفه وُقُوع الْإِنْكَار لَهُ فَقَالَ لَهُ لَا فَائِدَة فِي مضيي وَلست أرَاهُ صَوَابا لنَفْسي وللملك أطباء فضلاء عقلاء عُلَمَاء وَقد عرفُوا من طبعه وتدبيره مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَن غَيرهم فِي ملازمته وخدمته
فألح
الجاثليق عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن عِلّة مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْفِعْل والاحتجاج فِيهِ بِمثل هَذَا الْعذر فَقَالَ لَهُ هَذَا الْملك مَتى أَقَامَ بالعراق سنة فسد عقله
وَلست أوثر أَن يجْرِي ذَلِك على يَدي وَأَنا مدبره وطبيبه
وَمَتى أنهى الجاثليق هَذَا القَوْل عني جحدته وَحلفت بِاللَّه والبراءة من ديني مَا قلته
وَكَانَ عَلَيْك فِي ذَلِك مَا تعلمه فَأمْسك الجاثليق وكتم هَذَا الحَدِيث
فَلَمَّا عَاد عضد الدولة إِلَى الْعرَاق فِي الدفعة الثَّانِيَة كَانَ الْأَمر على مَا أنذر بِهِ فِيهِ
وَتُوفِّي أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي فِي الْحَادِي عشر من ذِي الْقعدَة سنة خمس وَسِتِّينَ وثلثمائة لِلْهِجْرَةِ بِبَغْدَاد
وَكَانَ مولده بالرقة لَيْلَة يَوْم الْخَمِيس لليلتين بَقِيَتَا من ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
وَلأبي الْحسن الْحَرَّانِي من الْكتب إصْلَاح مقالات من كناش يوحنا بن سرابيون جوابات مسَائِل سُئِلَ عَنْهَا
ابْن وصيف الصَّابِئ
كَانَ طَبِيبا عَالما بعلاج أمراض الْعين وَلم يكن فِي زَمَانه أعلم مِنْهُ فِي ذَلِك وَلَا أَكثر مزاولة
قَالَ سُلَيْمَان بن حسان
حَدثنِي أَحْمد بن يُونُس الْحَرَّانِي قَالَ حضرت بَين يَدي أَحْمد بن وصيف الصَّابِئ وَقد أحضر سَبْعَة أنفس لقدح أعينهن وَفِي جُمْلَتهمْ رجل من أهل خُرَاسَان أقعده بَين يَدَيْهِ وَنظر إِلَى عَيْنَيْهِ فَرَأى مَاء متهيأ للقدح فسامه على ذَلِك فَطلب إِلَيْهِ فِيهِ وَاتفقَ مَعَه على ثَمَانِينَ درهما وَحلف أَنه لَا يملك غَيرهَا
فَلَمَّا حلف الرجل اطْمَأَن وضمه إِلَى نَفسه وَرفع يَده على عضده فَوجدَ بهَا نطاقا صَغِيرا فِيهِ دَنَانِير فَقَالَ لَهُ ابْن وصيف مَا هَذَا فَتَلَوَّنَ الْخُرَاسَانِي
فَقَالَ ابْن وصيف حَلَفت بِاللَّه حانثا وَأَنت ترجو رُجُوع بَصرك إِلَيْك وَالله لَا عالجتك إِذْ خادعت رَبك
فَطلب إِلَيْهِ فِيهِ فَأبى أَن يقدحه وَصرف إِلَيْهِ الثَّمَانِينَ درهما وَلم يقْدَح عينه
غَالب طَبِيب المعتضد
شهر بِخِدْمَة المعتضد بِاللَّه وَكَانَ أَولا عِنْد الْمُوفق طَلْحَة بن المتَوَكل لِأَنَّهُ خدمه مُنْذُ أَيَّام المتَوَكل واختص بِهِ
وارتضع سَائِر أَبنَاء المتَوَكل من لبن أَوْلَاد غَالب فَكَانَ يسر بهم
فَلَمَّا تمكن الْمُوفق من الْأَمر أقطعه ونوله وأغناه وَكَانَ لَهُ مثل الْوَالِد ينادمه ويغلفه بِيَدِهِ
وعالج الْمُوفق من سهم كَانَ أَصَابَهُ فِي ثندوته وبرأ فَأعْطَاهُ مَالا كثيرا وأقطعه وخلع عَلَيْهِ
وَقَالَ لِغِلْمَانِهِ من أَرَادَ إكرامي فليكرمه وَليصل غَالِبا
فَوجه إِلَيْهِ مسرور بِعشْرَة آلَاف دِينَار وَمِائَة ثوب وَوجه إِلَيْهِ سَائِر الغلمان مثل ذَلِك وَصَارَ إِلَيْهِ مَال عَظِيم
وَلما قبض على صاعد وعبدون أَخذ لعبدون عدَّة غلْمَان نَصَارَى مماليك فَمن أسلم مِنْهُم أجري لَهُ رزق وَترك وَمن لم يسلم مِنْهُم بَعثه إِلَى غَالب
وَكَانَ
عدد من أنفذ إِلَيْهِ سبعين غُلَاما أزمة وَغَيرهَا
فَلَمَّا ورد عَلَيْهِ مَعَهم رَسُول من قبل الْحَاجِب قَالَ غَالب أَي شَيْء أعمل بهؤلاء وَركب من وقته إِلَى الْمُوفق فَقَالَ هَؤُلَاءِ يستغرقون مَال ضيعتي مَعَ رِزْقِي
فَضَحِك الْمُوفق وَتقدم إِلَى إِسْمَاعِيل زِيَادَة فِي إقطاعه الحرسيات وَكَانَت ضيَاعًا جليلة تغل سَبْعَة آلَاف دِينَار وأجرها لَهُ بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم فِي السّنة
وَبعد الْمُوفق طَلْحَة خدم لوَلَده المعتضد بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد وَكَانَ مكينا عِنْده حظيا فِي أَيَّامه
وَكَانَ المعتضد يحسن الظَّن بِهِ ويعتمد على مداواته
قَالَ ثَابت بن سِنَان بن ثَابت أَن غَالِبا الطَّبِيب توفّي مَعَ المعتضد بِاللَّه بآمد وَكَانَ كَبِيرا عِنْده
وَكَانَ سعيد بن غَالب مَعَ المعتضد بِاللَّه بآمد وَكَانَ يأنس إِلَيْهِ ويقدمه على جَمِيع المتطببين
واتصل الْخَبَر بوفاة غَالب بالمعتضد قبل وقُوف سعيد ابْنه على ذَلِك فَلَمَّا دخل سعيد عَلَيْهِ ابتدأه المعتضد وَعَزاهُ وَقَالَ لَهُ
يَا سعيد طول الْبَقَاء لَك لما تمّ عَلَيْك
فَانْصَرف سعيد إِلَى مضربه كئيبا حَزينًا
فَأتبعهُ المعتضد بخفيف السَّمرقَنْدِي وبنان الرصاصي وبسرخاب الْكسْوَة وَكَانُوا أجل خدم السُّلْطَان وجلسوا مَعَه طَويلا
وَعرف الْخَبَر فَلم يبْق أحد من أهل الدولة إِلَّا صَار إِلَى سعيد بن غَالب وَعَزاهُ بِأَبِيهِ من الْوَزير الْقَاسِم بن عبيد الله ومؤنس الْخَادِم وَمن بعدهمَا من الأستاذين والأمراء والقواد والأولياء على طبقاتهم
ثمَّ أنفذ إِلَيْهِ المعتضد وَقت الظّهْر بجون طَعَام وَتقدم إِلَيْهِ أَن لَا يبرح أَو يطعمهُ وَيطْعم دانيل كَاتب مؤنس وسعدون كَاتب يانس وَكَانَا صهريه على أختيه فَفعل ذَلِك
وَلم يزل يحضرهُ فِي كل يَوْم ويشاغله بِالْحَدِيثِ ويصرفه ويتبعه بجون الطَّعَام مُدَّة سَبْعَة أَيَّام
ورد إِلَيْهِ مَا كَانَ إِلَى أَبِيه من أَمر الجراية والتلامذة
وَأقر فِي يَده إقطاعاته وضياعه وَلم يزل ذَلِك لَهُ ولولده إِلَى آخر عمره
أَبُو عُثْمَان سعيد بن غَالب
كَانَ طَبِيبا عَارِفًا حسن المداواة مَشْهُورا فِي صناعَة الطِّبّ
خدم المعتضد بِاللَّه وحظي عِنْده وَكَانَ كثير الْإِحْسَان إِلَيْهِ والإنعام عَلَيْهِ
وَتُوفِّي أَبُو عُثْمَان سعيد بن غَالب فِي يَوْم الْأَحَد لست بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وثلثمائة بِبَغْدَاد
عَبدُوس
كَانَ طَبِيبا مَشْهُورا بِبَغْدَاد حسن المعالجة جيد التَّدْبِير وَيعرف كثيرا من الْأَدْوِيَة المركبة
وَله تجارب حميدة وتصرفات بليغة فِي صناعَة الطِّبّ
قَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ فِي
تَارِيخه حُكيَ عَن داؤد بن دَيْلَم وَعَن عَبدُوس المتطببين قَالَ لما غلظت عِلّة المعتضد وَكَانَت من استسقاء وَفَسَاد مزاج من علل يتنقل مِنْهَا وَخَافَ على نَفسه أحضرنا وَجَمِيع الْأَطِبَّاء فَقَالَ لنا أَلَيْسَ تَقولُونَ أَن الْعلَّة إِذا عرفت عرف دواؤها فَإِذا أعطي العليل ذَلِك الدَّوَاء صلح قُلْنَا لَهُ بلَى
قَالَ فعلتي عرفتموها ودواءها أم لم تعرفوها قُلْنَا قد عرفناها
قَالَ فَمَا بالكم تعالجوني وَلست أصلح وظننا أَنه قد عزم على الْإِيقَاع بِنَا فَسَقَطت قوانا فَقَالَ لَهُ عَبدُوس يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نَحن على مَا قُلْنَا فِي هَذَا الْبَاب إِلَّا أَن فِي الْأَمر شَيْء وَهُوَ أَنا لَا نَعْرِف مِقْدَار أَجزَاء الْعلَّة فنقابلها من الدَّوَاء بِمثل أَجْزَائِهَا وَإِنَّمَا نعمل فِي هَذَا على الحدس ونبتدئ بالأقرب فَالْأَقْرَب وَنحن نَنْظُر فِي هَذَا الْبَاب ونقابل الْعلَّة بِمَا ينجع فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ فَأمْسك عَنَّا وخلونا فتشاورنا على أَن نرميه بالعابة وَهِي التَّنور فأحميناه لَهُ ورميناه فِيهِ فعرق وخف مَا كَانَ بِهِ لدُخُول الْعلَّة إِلَى بَاطِن جِسْمه ثمَّ ارتقت إِلَى قلبه فَمَاتَ بعد أَيَّام وخلصنا مِمَّا كُنَّا أَشْرَفنَا عَلَيْهِ
وَكَانَت وَفَاة المعتضد لَيْلَة الثُّلَاثَاء لسبع بَقينَ من شهر ربيع الآخر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
ولعبدوس من الْكتب كتاب التَّذْكِرَة فِي الطِّبّ
صاعد بن بشر بن عَبدُوس
ويكنى أَبَا مَنْصُور كَانَ فِي أول أمره فاصدا فِي البيمارستان بِبَغْدَاد
ثمَّ إِنَّه بعد ذَلِك اشْتغل فِي صناعَة الطِّبّ وتميز حَتَّى صَار من الأكابر من أَهلهَا والمتعينين من أَرْبَابهَا
نقلت من خطّ الْمُخْتَار ابْن حسن بن بطلَان فِي مقَالَته فِي عِلّة نقل الْأَطِبَّاء المهرة تَدْبِير أَكثر الْأَمْرَاض الَّتِي كَانَت تعالج قَدِيما بالأدوية الحارة إِلَى التَّدْبِير الْمبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وَغَيرهَا ومخالفتهم فِي ذَلِك لمسطور القدماء قَالَ إِن أول من فطن لهَذِهِ الطَّرِيق وَنبهَ عَلَيْهَا بِبَغْدَاد وَأخذ المرضى فِي المداواة بهَا وأطرح مَا سواهَا الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور صاعد بن بشر الطَّبِيب رحمه الله فَإِنَّهُ أَخذ المرضى بالفصد والتبريد والترطيب وَمنع المرضى من الْغذَاء فانجح تَدْبيره وَتقدم فِي الزَّمَان بعد إِن كَانَ فاصدا فِي البيمارستان وانتهت الرياسة إِلَيْهِ فعول الْمُلُوك فِي تدبيرهم عَلَيْهِ
فَرفع عَن البيمارستان المعاجين الحارة والأدوية الحادة
وَنقل تَدْبِير المرضى إِلَى مَاء الشّعير ومياه البزور فأظهر فِي المداواة عجائب
من ذَلِك مَا حَكَاهُ لي بميافارقين الرئيس أَبُو يحيى ولد الْوَزير أبي الْقَاسِم المغربي قَالَ عرض للوزير بالأنبار قولنج صَعب أَقَامَ لأَجله فِي الْحمام واحتقن عدَّة حقن وَشرب عدَّة شربات فَلم ير صلاحا فأنفذنا رَسُولا إِلَى صاعد فَلَمَّا جَاءَ وَرَآهُ على تِلْكَ الْحَال وَلسَانه قد قصر من الْعَطش وَشرب المَاء الْحَار وَالسكر وجسمه يتوقد من مُلَازمَة الْحمام ومداومة المعاجين الحارة والحقن
الحادة استدعى كوز مَاء مثلوج فَأعْطَاهُ الْوَزير فتوقف عَن شربه
ثمَّ أَنه جمع بَين الشَّهْوَة وَترك الْمُخَالفَة وشربه فَقَوِيت فِي الْحَال نَفسه ثمَّ استدعى فاصدا ففصده وَأخرج لَهُ دَمًا كثير الْمِقْدَار
وسقاه مَاء البزور ولعابا وسكنجبينا وَنَقله من حجرَة الْحمام إِلَى الخيش وَقَالَ لَهُ إِن الْوَزير أدام الله عافيته سينام من بعد الفصد ويعرق وينتبه فَيقوم عدَّة مجَالِس وَقد تفضل الله بعافيته
ثمَّ تقدم بِصَرْف الخدم لينام
فَقَامَ الْوَزير إِلَى مرقده وَقد وجد خفا من بعد الفصد فَنَامَ مِقْدَار خمس سَاعَات وانتبه يَصِيح بالفراش
فَقَالَ صاعد للْفراش إِذا قَامَ من الصَّيْحَة فَقَالَ لَهُ يعاود النّوم حَتَّى لَا يَنْقَطِع الْعرق
فَلَمَّا خرج الْفراش من عِنْده قَالَ وجدت ثِيَابه كَأَنَّهَا قد صبغت بِمَاء الزَّعْفَرَان وَقد قَامَ مَجْلِسا ونام
ثمَّ لَا زَالَ الْوَزير يتَرَدَّد دفعات إِلَى آخر النَّهَار مجَالِس عدَّة وَمن بعْدهَا غذاه بمزورة وسقاه ثَلَاثَة أَيَّام مَاء الشّعير فبرأ برأَ تَاما
فَكَانَ الْوَزير أبدا يَقُول طُوبَى لمن سكن بَغْدَاد دَارا شاطئة وَكَانَ طبيبه أَبُو مَنْصُور وكاتبه أَبُو عَليّ بن موصلايا فَبَلغهُ الله أمانيه فِيمَا طلب
ونقلت أَيْضا من خطّ ابْن بطلَان أَن صاعد الطَّبِيب عالج الْأَجَل المرتضى رضي الله عنه من لسب عقرب بِأَن ضمد الْمَكَان بكافور فسكن عَنهُ الْأَلَم فِي الْحَال
ونقلت من خطّ أبي سعيد الْحسن بن أَحْمد بن عَليّ فِي كتاب ورطة الأجلاء من هفوة الْأَطِبَّاء قَالَ كَانَ الْوَزير عَليّ بن بلبل بِبَغْدَاد وَكَانَ لَهُ ابْن أُخْت فلحقته سكتة دموية وخفي حَاله على جَمِيع الْأَطِبَّاء بِبَغْدَاد وَكَانَ بَينهم صاعد بن بشر حَاضرا فَسكت حَتَّى أقرّ جَمِيع الْأَطِبَّاء بِمَوْتِهِ وَوَقع الْيَأْس من حَيَاته وَتقدم الْوَزير فِي تَجْهِيزه وَاجْتمعَ الْخلق فِي العزاء وَالنِّسَاء فِي اللَّطْم والنياح وَلم يبرح صاعد بن بشر من مجْلِس الْوَزير
فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ الْوَزير لصاعد بن بشر الطَّبِيب هَل لَك حَاجَة فَقَالَ لَهُ نعم يَا مَوْلَانَا إِن رسمت وَأمرت لي ذكرت ذَلِك
فَقَالَ لَهُ تقدم وَقل مَا يلج فِي صدرك فَقَالَ صاعد هَذِه سكتة دموية وَلَا مضرَّة فِي إرْسَال مبضع وَاحِد وَنَنْظُر فَإِن نجح كَانَ المُرَاد وَإِن تكن الْأُخْرَى فَلَا مضرَّة فِيهِ
ففرح الْوَزير وَتقدم بأبعاد النِّسَاء وأحضر مَا وَجب من التمريخ والنطول والبخور والنشوق وَاسْتعْمل مَا يجب
ثمَّ شدّ عضد الْمَرِيض وَأَقْعَدَهُ فِي حضن بعض الْحَاضِرين وَأرْسل المبضع بعد التَّعْلِيق على الْوَاجِب من حَاله فَخرج الدَّم وَوَقعت البشائر فِي الدَّار
وَلم يزل يخرج الدَّم حَتَّى تمم ثلثمِائة دِرْهَم من الدَّم فانفتحت الْعين وَلم ينْطق بعد فَشد الْيَد الْأُخْرَى ونشقه مَا وَجب تنشيقه
ثمَّ فصده ثَانِيًا وَأخرج مثلهَا من الدَّم وَأكْثر
فَتكلم ثمَّ أَسْقِي وَأطْعم مَا وَجب فبرئ من ذَلِك وَصَحَّ جِسْمه وَركب فِي الرَّابِع إِلَى الْجَامِع وَمِنْه إِلَى ديوَان الْخَلِيفَة ودعا لَهُ ونثر عَلَيْهِ من الدَّرَاهِم
وَالدَّنَانِير الْكَثِيرَة
وَحصل لصاعد بن بشر الطَّبِيب مَال عَظِيم وحشمه الْخَلِيفَة والوزير وَقدمه وزكاه وَتقدم على جَمِيع من كَانَ فِي زَمَانه
أَقُول وَوجدت صاعد بن بشر قد ذكر فِي مقَالَته فِي مرض المراقيا مَا عاينه فِي ذَلِك الزَّمَان من أهوال وجدهَا ومخاوف شَاهدهَا مَا هَذَا نَصه
قَالَ وَإنَّهُ عرض لنا من تضايق الزَّمَان علينا والتشاغل بالتماس الْأَمر الضَّرُورِيّ وَلما قد شملنا من الْخَوْف والحذر والفزع وَاخْتِلَاف السلاطين وَمَا قد بلينا بِهِ مَعَ ذَلِك من التنقل فِي الْمَوَاضِع وضياع كتبنَا وسرقتها
وَلما قد أظلنا من الْأُمُور المذعرة المخوفة الَّتِي لَا نرجو فِي كشفها إِلَّا الله تقدس اسْمه
هَذَا مَا ذكره وَمَا كَانَ فِي أَيَّامه إِلَّا اخْتِلَاف مُلُوك الْإِسْلَام بَعضهم مَعَ بعض وَكَانَ النَّاس سَالِمين فِي أنفسهم آمِنين من الْقَتْل والسبي فَكيف لَو شَاهد مَا شَاهَدْنَاهُ وَنظر مَا نظرناه فِي زَمَاننَا من التتار الَّذين أهلكوا الْعباد وأخربوا الْبِلَاد وكونهم إِذا أَتَوا إِلَى مَدِينَة فَمَا لَهُم هم إِلَّا قتل جَمِيع من فِيهَا من الرِّجَال وَسبي الْأَوْلَاد وَالنِّسَاء وَنهب الْأَمْوَال وتخريب القلاع والمدن
لَكَانَ استصغر مَا ذكره واستقل مَا عاينه وحقره
وَلَكِن مَا طامة إِلَّا فَوْقهَا طامة أعظم مِنْهَا وَلَا حَادِثَة إِلَّا وَغَيرهَا تكبر عَنْهَا وَللَّه الْحَمد على السَّلامَة والعافية
ولصاعد بن بشر من الْكتب مقَالَة فِي مرض المراقيا ومداواته ألفها لبَعض إخوانه
دَيْلَم
كَانَ من الْأَطِبَّاء الْمَذْكُورين بِبَغْدَاد الْمُتَقَدِّمين فِي صناعَة الطِّبّ وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى الْحسن بن مخلد وَزِير الْمُعْتَمد ويخدمه
وَوجدت فِي بعض التواريخ أَن الْمُعْتَمد على الله وَهُوَ أَحْمد بن المتَوَكل أَرَادَ أَن يفتصد فَقَالَ لِلْحسنِ بن مخلد اكْتُبْ لي جَمِيع من فِي خدمتنا من الْأَطِبَّاء حَتَّى أتقدم بِأَن تصل كل وَاحِد مِنْهُم على قدره
فَكتب الْأَسْمَاء وَأدْخل فِيهَا اسْم دَيْلَم المتطبب
وَكَانَ دَيْلَم يخْدم الْحسن بن مخلد فَوَقع تَحت الْأَسْمَاء بالصلات
فَقَالَ دَيْلَم إِنِّي لجالس فِي منزلي حَتَّى وافى رَسُول بَيت المَال وَمَعَهُ كيس فِيهِ ألف دِينَار فسلمه إِلَيّ وَانْصَرف فَلم أدر مَا السَّبَب فِيهِ فبادرت بالركوب إِلَى الْحسن بن مخلد وَهُوَ حِينَئِذٍ الْوَزير فعرفته ذَلِك
فَقَالَ لي افتصد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَمرَنِي بِأَن أكتب أَسمَاء الْأَطِبَّاء لِيَتَقَدَّم بصلاتهم فأدخلت اسْمك مَعَهم فَخرج لَك ألف دِينَار
داؤد بن دَيْلَم
كَانَ من الْأَطِبَّاء المتميزين بِبَغْدَاد المجيدين فِي المعالجة وخدم المعتضد بِاللَّه وَخص بِهِ
فَكَانَت
التوقيعات تخرج بِخَط ابْن دَيْلَم لمحله مِنْهُ ومكانته
وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَى دور المعتضد وَله مِنْهُ الْإِحْسَان الْكثير والأنعام الوافر
وَكَانَت وَفَاة داؤد بن دَيْلَم يَوْم السبت لخمس خلون من الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وثلثمائة بِبَغْدَاد
أَبُو عُثْمَان سعيد بن يَعْقُوب الدِّمَشْقِي
كَانَ من الْأَطِبَّاء الْمَذْكُورين بِبَغْدَاد وَنقل كتبا كَثِيرَة إِلَى الْعَرَبيَّة من كتب الطِّبّ وَغَيره وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى عَليّ بن عِيسَى
وَقَالَ ثَابت بن سِنَان المتطبب أَن أَبَا الْحسن عَليّ ين عِيسَى الْوَزير فِي سنة اثْنَتَيْنِ وثلثمائة اتخذ البيمارستان بالحربية وَأنْفق عَلَيْهِ من مَاله وقلده أَبَا عُثْمَان سعيد بن يَعْقُوب الدِّمَشْقِي متطببه مَعَ سَائِر البيمارستانات بِبَغْدَاد وَمَكَّة وَالْمَدينَة
وَمن كَلَام أبي عُثْمَان سعيد بن يَعْقُوب الدِّمَشْقِي قَالَ الصَّبْر قُوَّة من قوى الْعقل وبحسب قُوَّة الْعقل تكون قُوَّة الصَّبْر
وَلأبي عُثْمَان الدِّمَشْقِي من الْكتب مسَائِل جمعهَا من كتاب جالينوس فِي الْأَخْلَاق
مقَالَة فِي النبض مشجرة وَهِي جوامعه لكتاب النبض الصَّغِير لِجَالِينُوسَ
الرقي
هُوَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْخَلِيل الرقي كَانَ فَاضلا فِي الصِّنَاعَة الطبية عَارِفًا بأصولها وفروعها جيد التَّعْلِيم حسن المعالجة
وَهُوَ أول من وَجَدْنَاهُ فسر مسَائِل حنين بن إِسْحَق فِي الطِّبّ وَكَانَ تَفْسِيره لهَذَا الْكتاب فِي سنة ثَلَاثِينَ وثلثمائة
قَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل وَقيل عَنهُ أَنه مَا كَانَ يُفَسر إِلَّا سَكرَان وَكَانَ فِي هَذَا نَادرا
قَالَ وَقد شاهدت إنْسَانا كَانَ يتعاطى الشّعْر وَكَانَ إِذا أَرَادَ عمله احتال فِي تَحْصِيل نَبِيذ فيشربه وَيجْلس فَيعْمل حِينَئِذٍ الشّعْر
وَسبب ذَلِك أَن الدِّمَاغ يكون مائلا إِلَى الْبرد فَإِذا اسخنه ببخار النَّبِيذ تحرّك وَقَوي على الْفِعْل
وللرقي من الْكتب شرح مسَائِل حنين فِي الطِّبّ
قويري
واسْمه إِبْرَاهِيم ويكنى أَبَا إِسْحَق
فَاضل فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة وَهُوَ مِمَّن أَخذ عَنهُ علم الْمنطق
وَكَانَ مُفَسرًا
وَعَلِيهِ قَرَأَ أَبُو بشر
مَتى بن يونان
وَكتب قويري مطرحة مجفوة لِأَن عباراته كَانَت عفطية غلقة
ولقويري من الْكتب كتاب تَفْسِير قاطيغورياس مشجر
كتاب باريمينياس مشجر
كتاب أنالوطيقا الأولى مشجر
كتاب أنالوطيقا الثَّانِيَة مشجر
ابْن كرنيب
هُوَ أَبُو أَحْمد الْحُسَيْن بن أبي الْحُسَيْن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن زيد الْكَاتِب وَيعرف بِابْن كرنيب
وَكَانَ من جلة الْمُتَكَلِّمين وَيذْهب مَذْهَب الفلاسفة الطبيعيين
وَكَانَ فِي نِهَايَة الْفضل والمعرفة والاطلاع بالعلوم الطبيعية الْقَدِيمَة
وَلأبي أَحْمد بن كرنيب من الْكتب كتاب الرَّد على أبي الْحسن ثَابت بن قُرَّة فِي نَفْيه وجوب وجود السكونين بَين كل حركتين متساويتين
مقَالَة فِي الْأَجْنَاس والأنواع وَهِي الْأُمُور العامية
كتاب كَيفَ يعلم مَا مضى من النَّهَار من سَاعَة من قبل الِارْتفَاع
أَبُو يحيى الْمروزِي
كَانَ طَبِيبا مَشْهُورا بِمَدِينَة السَّلَام متميزا فِي الْحِكْمَة وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَبُو بشر مَتى بن يونان
وَكَانَ فَاضلا وَلكنه كَانَ سريانيا
وَجَمِيع مَا لَهُ من الْكتب فِي الْمنطق وَغَيره بالسُّرْيَانيَّة
مَتى بن يونان
كَانَ أَبُو بشر مَتى بن يونان من أهل ديرقني مِمَّن نَشأ فِي أسكول مرماري
قَرَأَ على قويري وعَلى روفيل وبنيامين وَيحيى الْمروزِي وعَلى أبي أَحْمد بن كرنيب
وَله تَفْسِير من السرياني إِلَى الْعَرَبِيّ وَإِلَيْهِ انْتَهَت رئاسة المنطقيين فِي عصره
وَكَانَ نَصْرَانِيّا
وَتُوفِّي بِبَغْدَاد يَوْم السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَعشْرين وثلثمائة
ولمتى من الْكتب مقَالَة فِي مُقَدمَات صدر بهَا كتاب أنالوطيقا
كتاب المقاييس الشّرطِيَّة
شرح كتاب أيساغوجي لفرفوريوس
يحيى بن عدي
وَأَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن حميد بن زَكَرِيَّا المنطقي وَإِلَيْهِ انْتَهَت الرِّئَاسَة وَمَعْرِفَة الْعُلُوم الْحكمِيَّة فِي
وقته قَرَأَ على أبي بشر مَتى وعَلى أبي نصر الفارابي وعَلى جمَاعَة أخر وَكَانَ أوحد دهره
ومذهبه من مَذَاهِب النَّصَارَى اليعقوبية
وَكَانَ جيد الْمعرفَة بِالنَّقْلِ
وَقد نقل من اللُّغَة السريانية إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة
وَكَانَ كثير الْكِتَابَة وَوجدت بِخَطِّهِ عدَّة كتب
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق النديم الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب الفهرست
قَالَ لي يحيى بن عدي يَوْمًا فِي الوراقين وَقد عاتبته على كَثْرَة نسخه فَقَالَ لي من أَي شَيْء تعجب فِي هَذَا الْوَقْت من صبري قد نسخت بخطي نسختين من التَّفْسِير للطبري وحملتهما إِلَى مُلُوك الْأَطْرَاف وَقد كتبت من كتب الْمُتَكَلِّمين مَا لَا يُحْصى ولعهدي بنفسي وَأَنا أكتب فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة مائَة ورقة وَأَقل
وَقَالَ الْأَمِير أَبُو الْوَفَاء المبشر بن فاتك حَدثنِي شَيْخي أَبُو الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِابْن الْآمِدِيّ أَنه سمع من أبي عَليّ إِسْحَق بن زرْعَة يَقُول أَن أَبَا زَكَرِيَّا يحيى بن عدي وصّى إِلَيْهِ أَن يكْتب على قَبره حِين حَضرته الْوَفَاة وَهُوَ فِي بيعَة مرتوما بقطيعة الدَّقِيق هذَيْن الْبَيْتَيْنِ
(رب ميت قد صَار بِالْعلمِ حَيا
…
ومبقى قد مَاتَ جهلا وعيا)
(فاقتنوا الْعلم كي تنالوا خلودا
…
لَا تعدوا الْحَيَاة فِي الْجَهْل شيا) الْخَفِيف
وليحيى بن عدي من الْكتب رِسَالَة فِي نقض حجج أنفذها الرئيس فِي نصْرَة قَول الْقَائِلين بِأَن الْأَفْعَال خلق لله واكتساب للْعَبد
تَفْسِير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس مقَالَة فِي البحوث الْأَرْبَعَة مقَالَة فِي سياسة النَّفس مقَالَة فِي أهمية صناعَة الْمنطق وماهيتها وأوليتها مقَالَة فِي المطالب الْخَمْسَة للرؤوس الثَّمَانِية
كتاب فِي مَنَافِع الباه ومضاره وجهة اسْتِعْمَاله بِحَسب اقتراح الشريف أبي طَالب نَاصِر بن إِسْمَاعِيل صَاحب السُّلْطَان الْمُقِيم فِي القسطنطينة
أَبُو عَليّ بن زرْعَة
هُوَ أَبُو على عِيسَى بن إِسْحَق بن زرْعَة بن مرقس بن زرْعَة بن يوحنا
أحد الْمُتَقَدِّمين فِي علم الْمنطق وعلوم الفلسفة والنقلة الْمُجْرمين
ومولده بِبَغْدَاد فِي ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَسبعين وثلثمائة وَنَشَأ بهَا وَكَانَ كثير الصُّحْبَة والملازمة ليحيى بن عدي
نقلت من خطّ الْمُخْتَار بن الْحسن بن بطلَان فِي مقَالَته فِي عِلّة نقل الْأَطِبَّاء المهرة تَدْبِير أَكثر الْأَمْرَاض الَّتِي كَانَت تعالج قَدِيما بالأدوية الحارة إِلَى التَّدْبِير الْمبرد كالفالج واللقوة
والاسترخاء وَغَيرهَا ومخالفتهم فِي ذَلِك لمسطور القدماء
قَالَ إِن أول من فطن لهَذِهِ الطَّرِيق وَنبهَ عَلَيْهَا بِبَغْدَاد وَأخذ المرضى فِي المداواة بهَا واطرح مَا سواهَا الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور صاعد بن بشر الطَّبِيب رحمه الله فإنني سمعته يَقُول أول مَا خطر لي النَّقْل فِي الفالج الَّذِي عرض لشَيْخِنَا أبي عَليّ ابْن زرْعَة رحمه الله وَذَلِكَ أَن أَبَا عَليّ كَانَ رجلا منحف الْجِسْم حاد الخاطر محداثا مليح الْمجْلس ملازما للتدريس وَالنَّقْل والتصنيف محبا للبوارد المحرفات والمطجنات ومليح الأسماك وَمَا عمل من البوارد بالخردل
ثمَّ أَنه حرص فِي آخر عمره على عمل مقَالَة فِي بَقَاء النَّفس
فَأَقَامَ نَحوا من سنة يفكر فِيهَا ويسهر لَهَا حرصا على عَملهَا
وَكَانَ أَيْضا مفتونا بِالتِّجَارَة إِلَى بلد الرّوم وَله فِيهَا أضداد من تجار السريان قد سعوا بِهِ دفعات إِلَى السُّلْطَان وصودر على أَمْوَال وَلَحِقتهُ عدَّة نكبات فالتام عَلَيْهِ حرارة المزاج الْأَصْلِيّ وَفَسَاد الأغذية وكد الخاطر بالتصنيف ومداراة السلاطين فعرضت لَهُ مرضة حادة واختلاط أبحر فِيهَا بفالج كَمَا يبحر المرضى بأورام وَنَحْوهَا
وَكَانَ النَّاس يعظمونه للْعلم فَاجْتمع إِلَيْهِ مَشَايِخ الْأَطِبَّاء كَابْن بكس وَابْن كشكرايا وتلميذ سِنَان وَابْن كزورا والحراني فَمَضَوْا فِي تَدْبيره بِحَسب المسطور فِي الكنانيش وَأَنا أَقُول من حَيْثُ لَا قدرَة لي على مجاهرتهم بالمخالفة لتقدمهم فِي الزَّمَان وَالله إِنَّهُم لمخطئون لِأَنَّهُ فالج تَابع لمَرض حاد لشخص حَار المزاج
ثمَّ أَنهم سئموا من تَدْبيره فنقلته إِلَى المرطبات فخف قَلِيلا وشارف الصّلاح وَبعد زمَان مَاتَ فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة من فرط مَا دبر بِهِ من الْحَار الْيَابِس بالجمود الْحَادِث فِي مُؤخر الدِّمَاغ عَن خلط سوداوي
وَلأبي عَليّ بن زرْعَة من الْكتب اخْتِصَار كتاب أرسطوطاليس فِي الْمَعْمُور من الأَرْض
كتاب أغراض كتب أرسطوطاليس المنطقية
مقَالَة فِي مَعَاني كتاب أيساغوجي
مقَالَة فِي مَعَاني قِطْعَة من الْمقَالة الثَّالِثَة من كتاب السَّمَاء
مقَالَة فِي الْعقل
رِسَالَة فِي عِلّة اسْتِنَارَة الْكَوَاكِب مَعَ أَنَّهَا والكرات الحاملة لَهَا من جَوْهَر وَاحِد
بسائط رِسَالَة أَنْشَأَهَا إِلَى بعض أوليائه فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلثمائة
أَقُول وَفِي هَذِه الرسَالَة معَان يرد بهَا على الْيَهُود
وَوجدت لبشر بن بيشى الْمَعْرُوف بِابْن عنايا الإسرائيلي رِسَالَة يرد فِيهَا على عِيسَى بن إِسْحَق بن زرْعَة وَقد أجَاب فِيهَا عَن رسَالَته هَذِه
مُوسَى بن سيار
هُوَ أَبُو ماهر مُوسَى بن يُوسُف بن سيار من الْأَطِبَّاء الْمَشْهُورين بالحذق وجودة الْمعرفَة بصناعة الطِّبّ
ولموسى بن سيار من الْكتب مقَالَة فِي الفصد
الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا على كناش الْخُف لإسحق بن حنين
عَليّ بن الْعَبَّاس الْمَجُوسِيّ
من الأهواز وَكَانَ طَبِيبا مجيدا متميزا فِي صناعَة الطِّبّ
وَهُوَ الَّذِي صنف الْكتاب الْمَشْهُور الَّذِي
يعرف بالملكي صنفه للْملك عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة أبي عَليّ حسن بن بويه الديلمي وَهُوَ كتاب جليل مُشْتَمل على أَجزَاء الصِّنَاعَة الطبية علمهَا وعملها
وَكَانَ عَليّ بن الْعَبَّاس الْمَجُوسِيّ قد اشْتغل بصناعة الطِّبّ على أبي ماهر مُوسَى بن سيار وتتلمذ لَهُ
ولعلي بن الْعَبَّاس الْمَجُوسِيّ من الْكتب كتاب الملكي فِي الطِّبّ عشرُون مقَالَة
عِيسَى طَبِيب القاهر
كَانَ القاهر بِاللَّه وَهُوَ أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن المعتضد يعْتَمد على طبيبه هَذَا عِيسَى ويركن إِلَيْهِ ويفضي إِلَيْهِ بأسراره
وَتُوفِّي عِيسَى طَبِيب القاهر بِاللَّه فِي سنة ثَمَان وَخمسين وثلثمائة بِبَغْدَاد
وَكَانَ كف قبل مَوته بِسنتَيْنِ
قَالَ ثَابت بن سِنَان فِي تَارِيخه وأعلمني أَن مولده كَانَ فِي النّصْف من جمادي الأولى سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ
دانيال المتطبب
قَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل كَانَ دانيال المتطبب لطيف الْخلقَة ذميم الْأَعْضَاء متوسط الْعلم لَهُ إنسة بالمعالجة وَكَانَت فِيهِ غَفلَة وتبدد
وَكَانَ قد استخصه معز الدولة لخدمته فَدخل عَلَيْهِ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ يَا دانيال فَقَالَ لبيْك أَيهَا الْأَمِير قَالَ أَلَيْسَ عنْدكُمْ أَن السفرجل إِذا أكل قبل الطَّعَام أمسك الطَّبْع وَإِذا أكل بعد الطَّعَام أسهل قَالَ بلَى
قَالَ فَأَنا أَكلته بعد الطَّعَام عصمني
قَالَ لَهُ دانيال لَيْسَ هَذَا الطَّبْع للنَّاس فلكمه معز الدولة بِيَدِهِ فِي صَدره وَقَالَ لَهُ قُم تعلم أدب خدمَة الْمُلُوك وتعال
فَخرج من بَين يَدَيْهِ وَنَفث الدَّم وَلم يزل كَذَلِك مُدَّة مديدة حَتَّى مَاتَ
قَالَ عبيد الله وَهَذِه من غلطات الْعلمَاء الَّتِي تهْلك وَإِلَّا مثل هَذَا لَا يخفى لِأَن هُنَاكَ معدا ضَعِيفَة لَا يُمكنهَا دفع مَا فِيهَا فَإِذا وردهَا السفرجل قواها وأعانها على دفع مَا فِيهَا فتجيب الطبيعة
وَقد شاهدت إنْسَانا إِذا أَرَادَ الْقَيْء شرب الشَّرَاب الْمحلي أَو سكنجبين السفرجل فتقيأ مهما أَرَادَ
قَالَ وَحكى وَالِدي جِبْرَائِيل إِنَّه كَانَ الْأَمِير أَبُو مَنْصُور مهذب الدولة رحمه الله إِذا شرب شراب السفرجل أسهله
وَهَذِه أُمُور أَسبَابهَا مَعْرُوفَة وَإِنَّمَا كَانَت غلطة من دانيال حَتَّى هلك
إِسْحَق بن شليطا
كَانَ هَذَا طَبِيبا بغداديا لَهُ يَد فِي الطِّبّ تقدم بهَا إِلَى أَن انْتقل إِلَى خدمَة الْمُطِيع لله واختص بِهِ إِلَى أَن مَاتَ فِي حَيَاة الْمُطِيع وَخلف على مَوْضِعه أَبُو الْحُسَيْن عمر بن عبد الله الدحلي
وَقد كَانَ إِسْحَق مشاركا فِي طب الْمُطِيع لِثَابِت بن سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة الْحَرَّانِي الصَّابِئ
أَبُو الْحُسَيْن عمر بن الدحلي
كَانَ متطببا للمطيع لله وَكَانَ شَدِيد التَّمَكُّن مِنْهُ والاختصاص بِهِ
قَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل حَدثنِي من أَثِق بِهِ إِنَّه كَانَ لَا يحتشمه فِي شَيْء جملَة
وَلما صرف الْمُطِيع لله أَبَا مُحَمَّد الصلحي كَاتبه توَسط أَبُو الْحُسَيْن بن الدحلي لأبي سعيد وهب بن إِبْرَاهِيم حَتَّى تقلد كتبه الْخَلِيفَة وَبَقِي مُدَّة ثمَّ شرع أَبُو الْحُسَيْن صهر أبي بشر البقري فتقلده
وَكَانَ أَبُو سعيد وهب بَقِي إِلَى أَن صَارَت الْخلَافَة إِلَى الطائع وَقبض عَلَيْهِ وَبَقِي فِي الْحَبْس إِلَى أَن دخل بختيار وعضد الدولة إِلَى بَغْدَاد وهرب الْخَلِيفَة وَخرج من الْحَبْس عِنْد كسر أَبْوَاب الحبوس
فنون المتطبب
كَانَ مُتَقَدما يخْتَص بِخِدْمَة بختيار وَكَانَ يُكرمهُ ويعزه أمرا عَظِيما
قَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل وَمن أخباره مَعَه أَنه رمدت عين بختيار فِي بعض الْأَوْقَات فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا نصر لَيْسَ وَالله تَبْرَح من عِنْدِي أَو تبرئ عَيْني
وأريدها تَبرأ فِي يَوْم وَاحِد وأبرمه
قَالَ فَسمِعت أَبَا نصر يتحدث أَنه قَالَ لَهُ إِن أردْت أَن تَبرأ فَتقدم إِلَى الفراشين والغلمان أَن يأتمروني دُونك فِي هَذَا الْيَوْم وأخلفك وَمن خالفني فِي أَمْرِي قتلته فَفعل بختيار ذَلِك
فَأمر أَبُو نصر أَن يحضروا أجانة مَمْلُوءَة عسل الطبرزد
فَلَمَّا حضر غمس يَدي بختيار فِي الْعَسَل ثمَّ بَدَأَ يداوي عَيْنَيْهِ بالأشياف الْأَبْيَض الْأَبْيَض وَمَا يصلح الرمد
وَجعل بختيار يَصِيح بالغلمان فَلَا يجِيبه أحد
وَلم يزل كَذَلِك يكحله إِلَى آخر النَّهَار فبرئ
وَكَانَ هُوَ السفير بَين بختيار والخليفة
وَإِذا خرجت الْخلْع فعلى يَدَيْهِ تخرج وَله فِيهَا السهْم الأوفر
أَبُو الْحُسَيْن بن كشكرايا
كَانَ طَبِيبا عَالما مَشْهُورا بِالْفَضْلِ والإتقان لصناعة الطِّبّ وجودة المزاولة لأعمالها
وَكَانَ فِي خدمَة
الْأَمِير سيف الدولة بن حمدَان
وَلما بنى عضد الدولة البيمارستان الْمَنْسُوب إِلَيْهِ بِبَغْدَاد استخدمه فِيهِ وَزَاد حَاله
وَكَانَ أَبُو الْحُسَيْن بن كشكرايا كثير الْكَلَام يحب أَن يخجل الْأَطِبَّاء بالمساءلة والتهجم
وَكَانَ لَهُ أَخ رَاهِب وَله حقنة تَنْفَع من قيام الأغراس والمواد الحادة وَيعرف بِصَاحِب الحقنة
وَكَانَ أَبُو الْحُسَيْن بن كشكرايا قد اشْتغل بصناعة الطِّبّ على سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة وَكَانَ من أجل تلامذته
وَلأبي الْحُسَيْن بن كشكرايا من الْكتب كناشه الْمَعْرُوف بالحاوي
كناش آخر باسم من وَضعه إِلَيْهِ
أَبُو يَعْقُوب الْأَهْوَازِي
كَانَ مشكورا فِي صناعَة الطِّبّ جميل الطريفة
وَكَانَ من جملَة الْأَطِبَّاء الَّذين جعلهم عضد الدولة فِي البيمارستان الَّذِي أنشأه بِبَغْدَاد وَيعرف بِهِ
وَلأبي يَعْقُوب الْأَهْوَازِي من الْكتب مقَالَة فِي أَن السكنجبين الْبزورِي أحر من الترياق
نظيف القس الرُّومِي
كَانَ خَبِيرا باللغات وَكَانَ ينْقل من اليوناني إِلَى الْعَرَبِيّ وَكَانَ يعد من الْفُضَلَاء فِي صناعَة الطِّبّ واستخدمه عضد الدولة فِي البيمارستان الَّذِي أنشأه بِبَغْدَاد
وَكَانَ عضد الدولة يتطير مِنْهُ وَكَانَ النَّاس يولعون بِهِ إِذا دخل إِلَى مَرِيض
حَتَّى حُكيَ فِي بعض الْأَوْقَات أَن عضد الدولة أنفذه إِلَى بعض القواد فِي مرض كَانَ عرض لَهُ فَلَمَّا خرج من عِنْد الْقَائِد استدعى بِثِقَتِهِ وأنفذه إِلَى حَاجِب عضد الدولة يستعلم مِنْهُ نِيَّة الْملك فِيهِ وَيَقُول إِن كَانَ ثمَّ تغير نِيَّة فليأخذ لَهُ الْأذن فِي الِانْصِرَاف والبعد فقد قلق لما جرى فَسَأَلَ الْحَاجِب عَن ذَلِك وَسَببه
فَقَالَ الْغُلَام مَا أعرف أَكثر من أَنه جَاءَهُ نظيف الطَّبِيب وَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا الْملك أنفذني لعيادتك
فَمضى الْحَاجِب وَأعَاد بِحَضْرَة الْملك عضد الدولة هَذَا الحَدِيث فَضَحِك وَأمره أَن يمْضِي إِلَيْهِ ويعلمه بِحسن نِيَّته فِيهِ وَإِن ذَلِك أشغل قلبه بِهِ فأنفذه إِلَيْهِ ليعوده
وحملت إِلَيْهِ خلع سنية فسكنت بهَا نَفسه وَزَالَ عَنهُ مَا كَانَ أضمره من شغل الْقلب وَكَانَ دَائِما يولع بِهِ بِسَبَبِهَا
أَبُو سعيد اليمامي
كَانَ مَشْهُورا بِالْفَضْلِ والمعرفة متقنا لصناعة الطِّبّ جيدا فِي أُصُولهَا وفروعها حسن التصنيف
وَلأبي سعيد اليمامي من الْكتب شرح مسَائِل حنين مقَالَة فِي امتحان الْأَطِبَّاء وَكَيْفِيَّة التَّمْيِيز بَين طبقاتهم
أَبُو الْفرج بن أبي سعيد الْيَمَانِيّ
كَانَ فَاضلا فِي الصِّنَاعَة الطبية متميزا فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة
اجْتمع بالشيخ الرئيس ابْن سينا وَجَرت بَينهمَا مسَائِل كَثِيرَة فِي صناعَة الطِّبّ وَغَيرهَا
وَلأبي الْفرج بن أبي سعيد اليمامي من الْكتب رِسَالَة فِي مَسْأَلَة طبية دارت بَينه وَبَين الشَّيْخ الرئيس ابْن سينا
أَبُو الْفرج يحيى بن سعيد بن يحيى
كَانَ طَبِيبا مَشْهُورا عَالما بصناعة الطِّبّ جيدا فِي أَعمالهَا
نقلت من خطّ ابْن بطلَان فِي مقَالَته فِي عِلّة نقل الْأَطِبَّاء المهرة تَدْبِير أَكثر الْأَمْرَاض الَّتِي كَانَت تعالج قَدِيما بالأدوية الحارة إِلَى التَّدْبِير الْمبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وَغَيرهَا ومخالفتهم فِي ذَلِك لمسطور القدماء قَالَ حَدثنِي الشَّيْخ الْفَاضِل أَبُو الْفرج يحيى بن سعيد بن يحيى الطَّبِيب بأنطاكية قَالَ وَهَذَا السَّيِّد فِي زَمَاننَا علم فِي الْعلم مقدم فِي الدّيانَة والمروءة وَله تصانيف جليلة
قَالَ قَالَ ورد من القسطنطينة غُلَام للْملك رومي شَاب بِهِ سوء مزاج حَار وجسأ فِي طحاله وسحنته حائلة لغلبت الصَّفْرَاء وَكَانَ مَاؤُهُ أَحْمَر فِي أَكثر الْأَوْقَات وَبِه عَطش
فَسَقَاهُ طَبِيب دَوَاء مسهلا ثمَّ فصده وسقاه دَوَاء مقيئا فَسَاءَتْ حَاله وَأدْخلهُ طَبِيب رومي الْحمام ولطخ جَمِيع جِسْمه بالنورة ولطخه بعد ذَلِك بِعَسَل نحل وألزم معدته ضمادا حارا فاحتد مزاجه وَكثر عطشه وَبَطلَت شَهْوَته وَعرض لَهُ فِي الْحَال فالج فِي الشق الْأَيْمن فسقي مَاء الشّعير كثيرا فصلحت حَاله من الاسترخاء فِي تَمام الْأَرْبَعين
ثمَّ وقف طبعه فحقن فَقَامَ دفعات وجاءه دم أسود غليظ فَلم يجد لَهُ نفعا ثمَّ انْقَطَعت شَهْوَته وَاسْتولى عَلَيْهِ الْقيام والسهر فَمَاتَ فِي السِّتين
أَبُو الْفرج بن الطّيب
هُوَ الفيلسوف الإِمَام الْعَالم أَبُو الْفرج عبد الله بن الطّيب وَكَانَ كَاتب الجاثليق ومتميزا فِي النَّصَارَى بِبَغْدَاد وَيقْرَأ صناعَة الطِّبّ فِي البيمارستان العضدي ويعالج المرضى فِيهِ
وَوجدت شَرحه لكتاب جالينوس إِلَى أغلوتن وَقد قرئَ عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْخط بِالْقِرَاءَةِ فِي البيمارستان العضدي فِي يَوْم الْخَمِيس الْحَادِي عشر من شهر رَمَضَان سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ من الْأَطِبَّاء الْمَشْهُورين فِي صناعَة الطِّبّ وَكَانَ عَظِيم الشَّأْن جليل الْمِقْدَار وَاسع الْعلم كثير التصنيف خَبِيرا بالفلسفة كثير الِاشْتِغَال فِيهَا
وَقد شرح كتبا كَثِيرَة من كتب أرسطوطاليس فِي الْحِكْمَة وَشرح أَيْضا كتبا كَثِيرَة من كتب أبقراط وجالينوس فِي صناعَة الطِّبّ
وَكَانَت لَهُ مقدرَة قَوِيَّة فِي التصنيف وَأكْثر مَا يُوجد من تصانيفه كَانَت تنقل عَنهُ إملاء من لَفظه
وَكَانَ معاصرا للشَّيْخ الرئيس بن سينا
وَكَانَ الشَّيْخ الرئيس يحمد
كَلَامه فِي الطِّبّ
وَأما فِي الْحِكْمَة فَكَانَ يذمه
وَمن ذَلِك قَالَ فِي مقَالَته فِي الرَّد عَلَيْهِ مَا هَذَا نَصه إِنَّه كَانَ يَقع إِلَيْنَا كتب يعملها الشَّيْخ أَبُو الْفرج أَبُو الطّيب فِي الطِّبّ ونجدها صَحِيحَة مرضية خلاف تصانيفه الَّتِي فِي الْمنطق والطبيعيات وَمن يجْرِي مَعهَا
وحَدثني الشَّيْخ موفق الدّين يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن القف النَّصْرَانِي إِن رجلَيْنِ من بِلَاد الْعَجم كَانَا قد قصدا بَغْدَاد للاجتماع بِأبي الْفرج بن الطّيب وَالْقِرَاءَة عَلَيْهِ والاشتغال عِنْده وَلما وصلا دخلا بَغْدَاد وسألا عَن منزل أبي الْفرج فَقيل لَهما أَنه فِي الْكَنِيسَة للصَّلَاة فتوجها نَحوه ودخلا الْكَنِيسَة
فَلَمَّا قيل لَهما إِنَّه ذَلِك الشَّيْخ وَكَانَ ابْن الطّيب فِي ذَلِك الْوَقْت لابسا ثوب صوف وَهُوَ مَكْشُوف الرَّأْس وَبِيَدِهِ مبخرة بسلاسل وفيهَا نَار وبخور وَهُوَ يَدُور بهَا فِي نواحي الْكَنِيسَة ويبخر تأملاه وتحدثا بِالْفَارِسِيَّةِ وبقيا يديمان النّظر إِلَيْهِ ويتعجبان مِنْهُ أَنه على هَذِه الْهَيْئَة وَيفْعل هَذَا الْفِعْل وَهُوَ من أجل الْحُكَمَاء وسمعته فِي أقاصي الْبِلَاد بالفلسفة والطب وَفهم عَنْهُمَا مَا هما فِيهِ
وَلما فرغ وَقت الصَّلَاة وَخرج النَّاس من الْكَنِيسَة خرج أَبُو الْفرج بن الطّيب وَلبس ثِيَابه الْمُعْتَاد لبسهَا وقدمت لَهُ البغلة فَركب والغلمان حوله وتبعاه أُولَئِكَ الْعَجم إِلَى دَاره وعرفاه إنَّهُمَا قاصدان إِلَيْهِ من بِلَاد الْعَجم للاشتغال وَأَن يَكُونَا من جملَة تلامذته
فاستحضرهما فِي مَجْلِسه وسمعا كَلَامه ودروس المشتغلين عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهما كنتما حججتما قطّ قَالَا لَا فماطلهما بِالْقِرَاءَةِ إِلَى أَوَان الْحَج وَكَانَ الْوَقْت قَرِيبا مِنْهُ
فَلَمَّا نُودي لِلْحَجِّ قَالَ لَهما إِن كنتما تريدان أَن تقرآ عَليّ وَأَن أكون شيخكما فحجا وَإِذا جئتما مَعَ السَّلامَة إِن شَاءَ الله يكون كل مَا تريدان مني فِي الِاشْتِغَال عَليّ
فَقبلا أمره وحجا وَلما عَاد الْحَاج جَاءَا إِلَيْهِ من أثر الْحَج وهما أقرعان وَقد غلب الشحوب عَلَيْهِمَا من حر الشَّمْس وَالطَّرِيق فَسَأَلَهُمَا عَن مَنَاسِك الْحَج وَمَا فعلا فِيهَا فذكرا لَهُ سُورَة الْحَال
وَقَالَ لَهما لما رَأَيْتُمَا الْجمار بقيتما عُرَاة موشحين وبأيديكما الْحِجَارَة وأنتما تهرولان وترميان بهَا قَالَا نعم
فَقَالَ هَكَذَا الْوَاجِب أَن الْأُمُور الشَّرْعِيَّة تُؤْخَذ نقلا لَا عقلا
وَمَا كَانَ قَصده بذلك وَأَنه أَمرهمَا بِالْحَجِّ إِلَّا حِين يتَبَيَّن لَهما أَن الْحَال الَّتِي رأياه عَلَيْهَا وتعجبا من فعله أَن ذَلِك رَاجع إِلَى الْأَوَامِر الشَّرْعِيَّة وَهِي فَإِنَّمَا تُؤْخَذ من أَرْبَابهَا متسلمة ممتثلة فِي سَائِر الْملَل
ثمَّ اشتغلا عَلَيْهِ بعد ذَلِك إِلَّا أَن تميزا وَكَانَا من أجل تلاميذه
وَقَالَ أَبُو الْخطاب مُحَمَّد بن مُحَمَّد أبي طَالب فِي كتاب الشَّامِل فِي الطِّبّ أَن أَبَا الْفرج بن الطّيب أَخذ عَن ابْن الْخمار وَخلف من التلاميذ أَبَا الْحسن بن بطلَان وَابْن بدرج والهروي وَبني حيون وَأَبا الْفضل كتيفات وَابْن أثردي وعبدان وَابْن مصوصا وَابْن العليق
قَالَ وَكَانَ فِي عصر أبي الْفرج من الْأَطِبَّاء صاعد بن عَبدُوس وَابْن تفاح وَحسن الطَّبِيب وبنوسنان والنائلي
وَعنهُ أَخذ ابْن سينا وَأَبُو سعيد الْفضل بن عِيسَى اليمامي
وَذكر لي أَنه من تلامذته ابْن سينا وَعِيسَى بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن هِلَال الْكَاتِب وَأَظنهُ يكنى بكس وَعلي بن عِيسَى الكحال وَأَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ ورجاء الطَّبِيب من أهل خُرَاسَان وزهرون
وَلأبي الْفرج بن الطَّبِيب من الْكتب تَفْسِير كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس
تَفْسِير كتاب باريمينياس لأرسطوطاليس
تَفْسِير كتاب أنالوطيقا لأرسطوطاليس
تَفْسِير كتاب أنالوطيقا الثَّانِيَة لأرسطوطاليس
تَفْسِير كتاب طوبيقا لأرسطوطاليس
تَفْسِير كتاب سوفسطيقا لأرسطوطاليس
تَفْسِير كتاب الخطابة لأرسطوطاليس
تَفْسِير كتاب الشّعْر لأرسطوطاليس
تَفْسِير كتاب الْحَيَوَان لأرسطوطاليس
تَفْسِير كتاب أبيديميا لأبقراط
تَفْسِير كتاب الْفُصُول لأبقراط
تَفْسِير كتاب طبيعة الْإِنْسَان لأبقراط
تَفْسِير كتاب الأخلاط لأبقراط
تَفْسِير كتاب الْفرق لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب الصِّنَاعَة الصَّغِيرَة لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب النبض الصَّغِير لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب أغلوتن لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب الأسطقسات لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب المزاج لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب القوى الطبيعية لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب التشريح الصَّغِير لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب الْعِلَل والأعراض لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب تعرف علل الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب النبض الْكَبِير لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب الحميات لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب البحران لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب أَيَّام البحران لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب حَملَة الْبُرْء لِجَالِينُوسَ
تَفْسِير كتاب تدابير الأصحاء لِجَالِينُوسَ
ثمار السِّتَّة عشر كتابا لِجَالِينُوسَ
وَهُوَ اخْتِصَار الْجَوَامِع
شرح ثمار مسَائِل حنين بن إِسْحَق أملاه سنة خمس وَأَرْبَعمِائَة
كتاب النكت وَالثِّمَار الطبية والفلسفية
تَفْسِير كتاب أيساغوجي لفرفوريوس
مقَالَة فِي القوى الطبيعية
مقَالَة فِي الْعلَّة لم جعل لكل خلط دَوَاء يستفرغه وَلم لم يَجْعَل للدم دَوَاء يستفرغه مثل سَائِر الأخلاط
تعاليق فِي الْعين
مقَالَة فِي الأحلام وتفصيل الصَّحِيح مِنْهَا من السقيم على مَذْهَب الفلسفة
مقَالَة فِي عراف أخبر بِمَا ضَاعَ وَذكر الدَّلِيل على صِحَّته بِالشَّرْعِ والطب والفلسفة
مقَالَة أملاها فِي جَوَاب مَا سُئِلَ عَنهُ من أبطال الِاعْتِقَاد فِي الْأَجْزَاء الَّتِي لَا تَنْقَسِم وَهَذَا السُّؤَال سَأَلَهُ إِيَّاه ظافر بن جَابر السكرِي
وَوجدت بِخَط ظافر بن جَابر السكرِي على هَذِه الْمقَالة مَا هَذَا مِثَاله قَالَ هَذِه الكراسة بِخَط سيدنَا الْأُسْتَاذ الْأَجَل أبي نصر مُحَمَّد بن عَليّ بن برزج تلميذ الشَّيْخ أبي الْفرج أملاها الشَّيْخ أَبُو الْفرج أَطَالَ الله بَقَاءَهُ ونكب أعداءه عَلَيْهِ بِبَغْدَاد
وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك ظافر بن جَابر بن مَنْصُور السكرِي الطَّبِيب وَهِي الدستور بِعَينهَا
شرح كتاب مَنَافِع الْأَعْضَاء لِجَالِينُوسَ
مقَالَة مختصرة فِي الْمحبَّة شرح الْإِنْجِيل
ابْن بطلَان
هُوَ أَبُو الْحسن الْمُخْتَار بن الْحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلَان
نَصْرَانِيّ من أهل بَغْدَاد وَكَانَ قد اشْتغل على أبي الْفرج عبد الله بن الطّيب وتتلمذ لَهُ وأتقن عَلَيْهِ قِرَاءَة كثير من الْكتب الْحكمِيَّة وَغَيرهَا
ولازم أَيْضا أَبَا الْحسن ثَابت بن إِبْرَاهِيم بن زهرون الْحَرَّانِي الطَّبِيب واشتغل عَلَيْهِ وانتفع بِهِ فِي صناعَة الطِّبّ وَفِي مزاولة أَعمالهَا
وَكَانَ ابْن بطلَان معاصرا لعَلي بن رضوَان الطَّبِيب الْمصْرِيّ وَكَانَت بَين ابْن بطلَان وَابْن رضوَان
المراسلات العجيبة والكتب البديعة الغريبة وَلم يكن أحد مِنْهُم يؤلف كتابا وَلَا يبتدع رَأيا إِلَّا وَيرد الآخر عَلَيْهِ ويسفه رَأْيه فِيهِ
وَقد رَأَيْت أَشْيَاء من المراسلات الَّتِي كَانَت فِيمَا بَينهم ووقائع بَعضهم فِي بعض
وسافر ابْن بطلَان من بَغْدَاد إِلَى ديار مصر قصدا مِنْهُ إِلَى مُشَاهدَة عَليّ بن رضوَان والاجتماع بِهِ وَكَانَ سَفَره من بَغْدَاد فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَلما وصل فِي طَرِيقه إِلَى حلب أَقَامَ بهَا مُدَّة وَأحسن إِلَيْهِ معز الدولة ثمال بن صَالح بهَا وأكرمه أكراما كثيرا
وَكَانَ دُخُوله الْفسْطَاط فِي مستهل جُمَادَى الْآخِرَة من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة وَأقَام بهَا ثَلَاث سِنِين وَذَلِكَ فِي دولة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه من الْخُلَفَاء المصريين
وَجَرت بَين ابْن بطلَان وَابْن رضوَان وقائع كَثْرَة فِي ذَلِك الْوَقْت ونوادر ظريفة لَا تَخْلُو من فَائِدَة
وَقد تضمن كثيرا من هَذِه الْأَشْيَاء كتاب أَلفه ابْن بطلَان بعد خُرُوجه من ديار مصر واجتماعه بِابْن رضوَان
وَلابْن رضوَان كتاب فِي الرَّد عَلَيْهِ
وَكَانَ ابْن بطلَان أعذب ألفاظا وَأكْثر ظرفا وأميز فِي الْأَدَب وَمَا يتَعَلَّق بِهِ
وَمِمَّا يدل على ذَلِك مَا ذكره فِي رسَالَته الَّتِي وسمها دَعْوَة الْأَطِبَّاء وَكَانَ ابْن رضوَان أطب وَأعلم بالعلوم الْحكمِيَّة وَمَا يتَعَلَّق بهَا
وَكَانَ ابْن رضوَان أسود اللَّوْن وَلم يكن بالجميل الصُّورَة
وَله مقَالَة فِي ذَلِك يرد فِيهَا على من عيره بقبح الْخلقَة
وَقد بَين فِيهَا بِزَعْمِهِ أَن الطَّبِيب الْفَاضِل لَا يجب أَن يكون وَجهه جميلا
وَكَانَ ابْن بطلَان أَكثر مَا يَقع فِي عَليّ بن رضوَان من هَذَا الْقَبِيل وأشباهه وَلذَلِك يَقُول فِيهِ فِي الرسَالَة الَّتِي وسمها دَعْوَة الْأَطِبَّاء
(فَلَمَّا تبدى للقوابل وَجهه
…
نكصن على أعقابهن من النَّدَم)
(وقلن وأخفين الْكَلَام تسترا
…
أَلا ليتنا كُنَّا تَرَكْنَاهُ فِي الرَّحِم) الطَّوِيل
وَكَانَ يلقبه بتمساح الْجِنّ وسافر ابْن بطلَان من ديار مصر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَأقَام بهَا سنة وَعرضت فِي زَمَنه أوباء كَثِيرَة
ونقلت من خطه فِيمَا ذكره من ذَلِك مَا هَذَا مِثَاله قَالَ وَمن مشاهير الأوباء فِي زَمَاننَا الَّذِي عرض عِنْد طُلُوع الْكَوْكَب الأثاري فِي الجوزاء من سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة فَإِن فِي تِلْكَ السّنة دفن فِي كَنِيسَة لوقا بعد أَن امْتَلَأت جَمِيع المدافن الَّتِي فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة أَرْبَعَة عشر ألف نسمَة فِي الخريف
فَلَمَّا توَسط الصَّيف فِي سنة سبع وَأَرْبَعين لم يوف النّيل فَمَاتَ فِي الْفسْطَاط وَالشَّام أَكثر أَهلهَا وَجَمِيع الغرباء إِلَّا من شَاءَ الله
وانتقل الوباء إِلَى الْعرَاق فَأتى على أَكثر أَهله وَاسْتولى عَلَيْهِ
الخراب بطروق العساكر المتعادية واتصل ذَلِك بهَا إِلَى سنة أَربع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَعرض للنَّاس فِي أَكثر الْبِلَاد قُرُوح سوداوية وأورام الطحال وَتغَير تَرْتِيب نَوَائِب الحميات واضطرب نظام البحارين فَاخْتلف علم الْقَضَاء فِي تقدمة الْمعرفَة
وَقَالَ أَيْضا بعد ذَلِك وَلِأَن هَذَا الْكَوْكَب الأثاري طلع فِي برج الجوزاء وَهُوَ طالع مصر أوقع الوباء فِي الْفسْطَاط بِنُقْصَان النّيل فِي وَقت ظُهُوره فِي سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وَصَحَّ إنذار بطليموس الْقَائِل الويل لأهل مصر إِذا طلع أحد ذَوَات الذوائب وأنجهم فِي الجوزاء
وَلما نزل زحل برج السرطان تَكَامل خراب الْعرَاق والموصل والجزيرة واختلت ديار بكر وَرَبِيعَة وَمُضر وَفَارِس وكرمان وبلاد الْمغرب واليمن والفسطاط وَالشَّام واضطربت أَحْوَال مُلُوك الأَرْض وَكَثُرت الحروب والغلاء والوباء وَصَحَّ حكم بطليموس فِي قَوْله إِن زحل والمريخ مَتى اقترنا فِي السرطان زلزل الْعَالم
ونقلت أَيْضا من خطّ بن بطلَان فِيمَا ذكره من الأوباء الْعَظِيمَة الْعَارِضَة للغلم بفقد الْعلمَاء فِي زَمَانه قَالَ مَا عرض فِي مُدَّة بضع عشرَة سنة بوفاة الْأَجَل المرتضى وَالشَّيْخ أبي الْحسن الْبَصْرِيّ والفقيه أبي الْحسن الْقَدُورِيّ وأقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ وَابْن الطّيب الطَّبَرِيّ على جَمَاعَتهمْ رضوَان الله وَمن أَصْحَاب عُلُوم القدماء أَبُو عَليّ بن الْهَيْثَم وَأَبُو سعيد اليمامي وَأَبُو عَليّ بن السَّمْح وصاعد الطَّبِيب وَأَبُو الْفرج عبد الله بن الطّيب وَمن مُتَقَدِّمي عُلُوم الْأَدَب وَالْكِتَابَة عَليّ ابْن عِيسَى الربعِي وَأَبُو الْفَتْح النَّيْسَابُورِي ومهيار الشَّاعِر وَأَبُو الْعَلَاء بن نزيك وَأَبُو عَليّ ابْن موصلايا والرئيس أَبُو الْحسن الصَّابِئ وَأَبُو الْعَلَاء المعري
فانطفأت سرج الْعلم وَبقيت
الْعُقُول بعدهمْ فِي الظلمَة
أَقُول ولأبن بطلَان أشعار كَثِيرَة ونواد ظريفة وَقد ضمن مِنْهَا أَشْيَاء فِي رسَالَته الَّتِي وسمها دَعْوَة الْأَطِبَّاء وَفِي غَيرهَا من كتبه
وَتُوفِّي ابْن بطلَان وَلم يتَّخذ امْرَأَة وَلَا خلف ولدا
وَلذَلِك يَقُول من أَبْيَات
(وَلَا أحد إِن مت يبكي لميتتي
…
سوى مجلسي فِي الطِّبّ والكتب باكيا) الطَّوِيل
وَلابْن بطلَان من الْكتب كناش الأديرة والرهبان كتاب شِرَاء العبيد وتقليب المماليك والجواري كتاب تَقْوِيم الصِّحَّة
مقَالَة فِي شرب الدَّوَاء المسهل مقَالَة فِي كَيْفيَّة دُخُول الْغذَاء فِي الْبدن وهضمه وَخُرُوج فضلاته وَسقي الْأَدْوِيَة المسهلة وتركيبها
مقَالَة إِلَى عَليّ بن رضوَان عِنْد وُرُوده الْفسْطَاط فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة جَوَابا عَمَّا كتبه إِلَيْهِ
مقَالَة فِي عِلّة نقل الْأَطِبَّاء المهرة تَدْبِير أَكثر الْأَمْرَاض الَّتِي كَانَت تعالج قَدِيما بالأدوية الحارة إِلَى التَّدْبِير الْمبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وَغَيرهَا ومخالفتهم فِي ذَلِك لمسطور القدماء فِي الكنانيش والأقراباذينات وتدرجهم فِي ذَلِك بالعراق وَمَا والاها على اسْتِقْبَال سنة سبع وَسبعين وثلثمائة وَإِلَى سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وصنف ابْن بطلَان هَذِه الْمقَالة بأنطاكية فِي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَكَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت قد أهل لبِنَاء بيمارستان أنطاكية
مقَالَة فِي الِاعْتِرَاض على من قَالَ إِن الفرخ أحر من الْفروج بطرِيق منطقية ألفها بِالْقَاهِرَةِ فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
كتاب الْمدْخل إِلَى الطِّبّ
كتاب دَعْوَة الْأَطِبَّاء ألفها للأمير نصير الدولة أبي نصر أَحْمد بن مَرْوَان ونقلت من خطّ ابْن بطلَان وَهُوَ يَقُول فِي آخرهَا فرغت من نسخهَا أَنا مصنفها بوانيس الطَّبِيب الْمَعْرُوف بالمختار بن الْحسن بن عبدون بدير الْملك المتيح قسطنطين بِظَاهِر الْقُسْطَنْطِينِيَّة فِي آخر أيلول من سنة خمس وَسِتِّينَ وثلثمائة وَألف
هَذَا قَوْله
وَيكون ذَلِك بالتاريخ الإسلامي من سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة
كتاب دَعْوَة الْأَطِبَّاء
كتاب دَعْوَة القسوس
مقَالَة فِي مداواة صبي عرضت لَهُ حَصَاة
الْفضل بن جرير التكريتي
كَانَ كثير الِاطِّلَاع فِي الْعُلُوم فَاضلا فِي صناعَة الطِّبّ حسن العلاج
وخدم بصناعة الطِّبّ للأمير نصير الدولة بن مَرْوَان
وللفضل بن جرير التكريتي من الْكتب مقَالَة فِي أَسمَاء الْأَمْرَاض واشتقاقاتها كتبهَا إِلَى بعض إخوانه وَهُوَ يوحنا بن عبد الْمَسِيح
أَبُو نصر يحيى بن جرير التكريتي
كَانَ كأخيه فِي الْعلم وَالْفضل وَالتَّمَيُّز فِي صناعَة الطِّبّ وَكَانَ مَوْجُودا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
وليحيى بن جرير التكريتي من الْكتب كتاب الاختبارات فِي علم النُّجُوم كتاب فِي الباه وَمَنَافع الْجِمَاع ومضاره
رِسَالَة كتبهَا لكافي الكفاة أبي نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جهير فِي مَنَافِع الرياضة وجهة اسْتِعْمَالهَا
ابْن دِينَار
كَانَ بميافارقين فِي أَيَّام الْأَمِير نصير الدولة بن مَرْوَان وَكَانَ فَاضلا فِي صناعَة الطِّبّ جيد المداواة خَبِيرا بتأليف الْأَدْوِيَة
وَوجدت لَهُ أقراباذينا بديع التَّأْلِيف بليغ التصنيف حسن الاختبار مرضِي الْأَخْبَار
وَابْن دِينَار هَذَا هُوَ الَّذِي ألف الشَّرَاب الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الْمَعْرُوف بشراب الديناري المتداول اسْتِعْمَاله الْمَشْهُور بَين الْأَطِبَّاء وَغَيرهم
وَذَلِكَ مَذْكُور فِي كِتَابه هَذَا يَقُول أَنه الَّذِي أَلفه وَلابْن دِينَار من الْكتب كتاب الأقراباذين
إِبْرَاهِيم بن بكس
كَانَ ماهرا فِي علم الطِّبّ وَنقل كتبا كَثِيرَة إِلَى الْعَرَبِيّ ثمَّ كف بَصَره وَكَانَ مَعَ ذَلِك يحاول صناعَة الطِّبّ ويزاولها بِحَسب مَا هُوَ عَلَيْهِ وَكَانَ يدرس صناعَة الطِّبّ فِي البيمارستان العضدي لما بناه عضد الدولة وَكَانَ لَهُ مِنْهُ مَا يقوم بكفايته
ولإبراهيم بن بكس من الْكتب كناشه كتاب الأقرباذين الملحق بالكناش مقَالَة بِأَن المَاء القراح أبرد من مَاء الشّعير مقَالَة فِي الجدري
عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن بكس
كَانَ طَبِيبا فَاضلا عَالما بصناعة الطِّبّ مَشْهُورا بهَا جيد الْمعرفَة بِالنَّقْلِ وَقد نقل كتبا كَثِيرَة إِلَى الْعَرَبِيّ
قسطا بن لوقا البعلبكي
قَالَ سُلَيْمَان بن حسان أَنه مسيحي النحلة طَبِيب حاذق نبيل فيلسوف منجم عَالم بالهندسة والحساب قَالَ
وَكَانَ فِي أَيَّام المقتدر بِاللَّه
وَقَالَ ابْن النديم الْبَغْدَادِيّ الْكَاتِب أَن قسطا كَانَ بارعا فِي عُلُوم كَثِيرَة مِنْهَا الطِّبّ والفلسفة والهندسة والأعداد والموسيقى لَا مطْعن عَلَيْهِ فصيحا فِي اللُّغَة اليونانية جيد الْعبارَة بِالْعَرَبِيَّةِ وَتُوفِّي بأرمينية عِنْد بعض مُلُوكهَا
وَمن ثمَّ أجَاب أَبَا عِيسَى ابْن المنجم عَن رسَالَته فِي نبوة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَثمّ عمل كتاب الفردوس فِي التَّارِيخ
أَقُول وَنقل قسطا كتبا كَثِيرَة من كتب اليونانيين إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَكَانَ جيد النَّقْل فصيحا بِاللِّسَانِ اليوناني والسرياني والعربي وَأصْلح نقولا كَثِيرَة وَأَصله يوناني
وَله رسائل وَكتب كَثِيرَة فِي صناعَة الطِّبّ وَغَيرهَا وَكَانَ حسن الْعبارَة جيد القريحة
وَقَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل أَن قسطا اجتذبه سنحاريب إِلَى أرمينية وَأقَام بهَا وَكَانَ بأرمينية أَبُو الغطريف البطريق من أهل الْعلم وَالْفضل فَعمل لَهُ قسطا كتبا كَثِيرَة جليلة نافعة شريفة الْمعَانِي مختصرة الْأَلْفَاظ فِي أَصْنَاف من الْعُلُوم وَمَات هُنَاكَ فَدفن وَبني عَلَيْهِ قبَّة وَأكْرم قَبره كإكرام قُبُور الْمُلُوك ورؤساء الشَّرَائِع
ولقسطا بن لوقا من الْكتب كتاب فِي أوجاع النقرس كتاب فِي الروائح وعللها
رِسَالَة إِلَى أبي مُحَمَّد الْحسن بن مخلد فِي أَحْوَال الباه وأسبابه على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب كتاب فِي الْأَعْدَاء أَلفه للبطريق فَتى أَمِير الْمُؤمنِينَ
كتاب جَامع فِي الدُّخُول إِلَى علم الطِّبّ إِلَى أبي إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الْمُدبر
كتاب فِي النَّبِيذ وشربه فِي الولائم كتاب فِي الأسطقسات
كتاب فِي السهر أَلفه لأبي الغطريف البطريق مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ كتاب فِي الْعَطش أَلفه لأبي الغطريف مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ
كتاب فِي الْقُوَّة والضعف كتاب فِي الأغذية على طَرِيق القوانين الْكُلية أَلفه لبطريق البطارقة أبي غَانِم الْعَبَّاس بن سنباط كتاب فِي النبض وَمَعْرِفَة الحميات وضروب البحرانات كتاب فِي عِلّة الْمَوْت فَجْأَة أَلفه لأبي الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد كَاتب بطرِيق البطارقة كتاب فِي معرفَة الخدر وأنواعه وَعلله وأسبابه وعلاجه أَلفه لقَاضِي الْقُضَاة أبي مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد
كتاب فِي أَيَّام البحران فِي الْأَمْرَاض الحادة كتاب فِي الأخلاط الْأَرْبَعَة وَمَا تشترك فِيهِ
مُخْتَصر كتاب فِي الكبد وخلقتها وَمَا يعرض فِيهَا من الْأَمْرَاض رِسَالَة فِي المروحة وَأَسْبَاب الرّيح
كتاب فِي مَرَاتِب قِرَاءَة الْكتب الطبية كتبه إِلَى أبي الغطريف البطريق كتاب فِي تَدْبِير الْأَبدَان فِي سفر الْحَج أَلفه لأبي مُحَمَّد الْحسن بن مخلد كتاب فِي د فع ضَرَر السمُوم
كتاب فِي الْمدْخل إِلَى علم الهندسة على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب أَلفه لأبي الْحسن عَليّ بن يحيى مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ
كتاب آدَاب الفلاسفة كتاب فِي الْفرق بَين الْحَيَوَان النَّاطِق وَغير النَّاطِق كتاب فِي تولد الشّعْر كتاب فِي الْفرق بَين النَّفس وَالروح كتاب فِي الْحَيَوَان النَّاطِق كتاب فِي الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ
كتاب فِي حَرَكَة الشريان كتاب فِي النّوم والرؤيا كتاب فِي الْعُضْو الرئيس من الْبدن كتاب فِي البلغم كتاب فِي الدَّم كتاب فِي الْمرة الصَّفْرَاء
كتاب فِي الْمرة السَّوْدَاء كتاب فِي شكل الكرة والاسطوانة كتاب فِي الْهَيْئَة وتركيب الأفلاك كتاب فِي حِسَاب التلاقي على جِهَة الْجَبْر والمقابلة كتاب فِي تَرْجَمَة ديوفنطس فِي الْجَبْر والمقابلة كتاب فِي الْعَمَل بالكرة الْكَبِيرَة النجومية كتاب فِي الْآلَة الَّتِي ترسم عَلَيْهَا الْجَوَامِع وتعمل مِنْهَا النتائج كتاب فِي الْمُتْعَة كتاب فِي المرايا المحرقة كتاب فِي الأوزان والمكاييل كتاب السياسة ثَلَاث مقالات كتاب الْعلَّة فِي أسوداد الخيش وتغيره من الرش كتاب فِي القرسطون كتاب فِي الِاسْتِدْلَال بِالنّظرِ إِلَى أَصْنَاف الْبَوْل كتاب الْمدْخل إِلَى الْمنطق كتاب مَذْهَب اليونانيين
رِسَالَة فِي الخضاب كتاب فِي شكوك كتاب أقليدس كتاب الفصد وَهُوَ أحد وَتسْعُونَ بَابا أَلفه لأبي إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الْمُدبر
كتاب الْمدْخل إِلَى علم النُّجُوم كتاب الْحمام كتاب الفردوس فِي التَّارِيخ
رِسَالَة فِي اسْتِخْرَاج مسَائِل عدديات من الْمقَالة الثَّالِثَة من أقليدس
تَفْسِير ثَلَاث مقالات وَنصف من كتاب برفنطس فِي الْمسَائِل العددية كتاب
فِي عبارَة كتب الْمنطق وَهُوَ الْمدْخل إِلَى كتاب أيساغوجي كتاب أيساغوجي كتاب فِي البخار رِسَالَة إِلَى أبي عَليّ بن بنان بن الْحَرْث
مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ فِيمَا سَأَلَ عَنهُ من علل اخْتِلَاف النَّاس فِي أَخْلَاقهم وسيرهم وشهواتهم واختياراتهم مسَائِل فِي الْحُدُود على رَأْي الفلاسفة
مسكويه
هُوَ أَبُو فَاضل فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة متميز فِيهَا خَبِير بصناعة الطِّبّ جيد فِي أُصُولهَا وفروعها
ولمسكويه من الْكتب كتاب الْأَشْرِبَة كتاب الطبيخ كتاب تَهْذِيب الْأَخْلَاق
أَحْمد بن أبي الْأَشْعَث
هُوَ أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي الْأَشْعَث كَانَ وافر الْعقل سديد الرَّأْي محبا للخير كثير السكينَة وَالْوَقار متفقها فِي الدّين
وَعمر عمرا طَويلا وَله تلاميذ كَثِيرَة
وَكَانَ فَاضلا فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة متميزا فِيهَا وَله تصانيف كَثِيرَة فِي ذَلِك تدل على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْعلم وعلو الْمنزلَة
وَله كتاب فِي الْعلم الإلهي فِي نِهَايَة الْجَوْدَة وَقد رَأَيْته بِخَطِّهِ
رَحمَه الله تَعَالَى
وَكَانَ عَالما بكتب جالينوس خَبِيرا بهَا متطلعا على أسرارها وَقد شرح كثيرا من كتب جالينوس
وَهُوَ الَّذِي فصل كل وَاحِد من الْكتب السِّتَّة عشر الَّتِي لِجَالِينُوسَ إِلَى جمل وأبواب وفصول وَقسمهَا تقسيما لم يسْبقهُ إِلَى ذَلِك أحد غَيره
وَفِي ذَلِك مَعُونَة كَثِيرَة لمن يشْتَغل بكتب الْفَاضِل جالينوس فَإِنَّهُ يسهل عَلَيْهِ كل مَا يلتمسه مِنْهَا وَتبقى لَهُ أَعْلَام تدله على مَا يُرِيد مطالعته من ذَلِك ويتعرف بِهِ كل قسم من أَقسَام الْكتاب وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ وَفِي أَي غَرَض هُوَ
وَفصل أَيْضا كَذَلِك كثيرا من كتب أرسطوطاليس وَغَيره وَجُمْلَة مصنفات أَحْمد بن أبي الْأَشْعَث فِي صناعَة الطِّبّ وَغَيرهَا
كل مِنْهَا تَامّ فِي مَعْنَاهُ لَا يُوجد لَهُ نَظِير فِي الْجَوْدَة
ونقلت من كتاب عبيد الله بن جِبْرَائِيل بن بختيشوع قَالَ ذكر لي من خبر أَحْمد بن أبي الْأَشْعَث رحمه الله أَنه لم يكن مُنْذُ ابْتَدَأَ عمره يتظاهر بالطب بل كَانَ متصرفا وصودر وَكَانَ أَصله من فَارس فَخرج من بَلَده هَارِبا وَدخل الْموصل بِحَالَة سَيِّئَة من العري والجوع
وَاتفقَ أَنه كَانَ لناصر الدولة ولد عليل فِي حَالَة من قيام الدَّم والأغراس وَكَانَ كلما عالجته الْأَطِبَّاء ازْدَادَ مَرضه فتوصل إِلَى أَن دخل عَلَيْهِ وَقَالَ لأمه أَنا أعَالجهُ
وَبَدَأَ يريها غلط الْأَطِبَّاء فِي التَّدْبِير فسكنت إِلَيْهِ وعالجه فبرأ وَأعْطِي وَأحسن إِلَيْهِ
وَأقَام بالموصل إِلَى آخر عمره وَاتخذ لَهُ تلاميذ عدَّة إِلَّا أَن الْخَاص بِهِ والمتقدم عِنْده كَانَ أَبُو الْفَلاح
وبرع فِي صناعَة الطِّبّ
أَقُول وَكَانَت وَفَاة أَحْمد بن أبي الْأَشْعَث رحمه الله فِي سنة ثلثمِائة ونيف وَسِتِّينَ لِلْهِجْرَةِ
وَكَانَ لَهُ عدَّة أَوْلَاد وَالَّذِي وجدته مَشْهُورا مِنْهُم فِي صناعَة الطِّبّ مُحَمَّد
وَلأَحْمَد بن أبي الْأَشْعَث من الْكتب كتاب الْأَدْوِيَة المفردة ثَلَاث مقالات وَكَانَ السَّبَب الْبَاعِث لَهُ على تصنيفه قوم من تلامذته سَأَلُوهُ ذَلِك وَهَذَا نَص كَلَامه فِي صدر الْكتاب قَالَ سَأَلَني
أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَلَدِي
أَن أكتب هَذَا الْكتاب
وقديما كَانَ سَأَلَني مُحَمَّد بن ثَوَاب فتكلمت فِي هَذَا الْكتاب بِحَسب طبقتهما وكتبته إِلَيْهِمَا وبدأت بِهِ فِي شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَخمسين وثلثمائة وهما فِي طبقَة من تجَاوز تعلم الطِّبّ ودخلا فِي جملَة من يتفقه فِيمَا علم من هَذِه الصِّنَاعَة ويفرع ويقيس ويستخرج وَإِلَى من فِي طبقتهما من تلامذتي وَمن إئتم بكتبي
فَإِن من أَرَادَ قِرَاءَة كتابي هَذَا وَكَانَ قد تجَاوز حد التَّعْلِيم إِلَى حد التفقه فَهُوَ الَّذِي ينْتَفع بِهِ ويحظى بِعِلْمِهِ وَيقدر أَن يسْتَخْرج مِنْهُ مَا هُوَ فِيهِ بِالْقُوَّةِ مِمَّا لم أذكرهُ وَأَن يفرع على مَا ذكرته ويشيد
وَهَذَا قولي لجمهور النَّاس دون ذَوي القرائح الْأَفْرَاد الَّتِي يُمكنهَا تفهم هَذَا وَمَا فَوْقه بِقُوَّة النَّفس الناطقة فيهم
فَإِن هَؤُلَاءِ تسهل عَلَيْهِم الْمَشَقَّة فِي الْعلم وَيقرب لديهم مَا يطول على غَيرهم
كتاب الْحَيَوَان
كتاب فِي الْعلم الإلهي مقالتان فرغ من تأليفه فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين وثلثمائة
كتاب فِي الجدري والحصبة والحميقاء مقالتان
كتاب فِي السرسام والبرسام ومداواتهما ثَلَاث مقالات صنفه لتلميذه
مُحَمَّد بن ثَوَاب الْموصِلِي
أملاه عَلَيْهِ إملاء من لَفظه وَكتبه عَنهُ بِخَطِّهِ وَذكر تَارِيخ الْإِمْلَاء وَالْكِتَابَة فِي رَجَب سنة خمس وَخمسين وثلثمائة
كتاب فِي القولنج وأصنافه ومداواته والأدوية النافعة مِنْهُ مقالتان
كتاب فِي البرص والبهق ومداواتهما مقالتان
كتاب فِي الصرع وَكتاب آخر فِي الصرع
كتاب فِي الاسْتِسْقَاء
كتاب فِي ظُهُور الدَّم مقالتان
كتاب الماليخوليا
كتاب تركيب الْأَدْوِيَة
مقَالَة فِي النّوم واليقظة
كتبهَا إِلَى أَحْمد بن الْحُسَيْن ابْن زيد بن فضَالة الْبَلَدِي بِحَسب سُؤَاله على لِسَان عزور بن الطّيب الْيَهُودِيّ الْبَلَدِي
كتاب الغاذي والمغتذي مقالتان فرغ من تأليفه بقلعة برقى من أرمينية فِي صفر سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وثلثمائة
كتاب أمراض الْمعدة ومداواتها
شرح كتاب الْفرق لِجَالِينُوسَ مقالتان فرغ مِنْهُ فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثلثمائة شرح كتاب الحميات لِجَالِينُوسَ
مُحَمَّد بن ثَوَاب الْموصِلِي
هُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن ثَوَاب بن مُحَمَّد وَيعرف بِابْن الثلاج من أهل الْموصل فَاضل فِي صناعَة الطِّبّ خَبِير بِالْعلمِ وَالْعَمَل
وَشَيْخه فِي صناعَة الطِّبّ أَحْمد بن أبي الْأَشْعَث لَازمه واشتغل عَلَيْهِ وتميز
وَكتب بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة
أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَلَدِي
هُوَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى من مَدِينَة بلد
وَكَانَ خَبِيرا بصناعة الطِّبّ حسن
العلاج والمداواة وَكَانَ من أجل تلامذة أَحْمد بن أبي الْأَشْعَث
لَازمه مُدَّة سِنِين واشتغل عَلَيْهِ وتميز
وَلأَحْمَد بن مُحَمَّد الْبَلَدِي من الْكتب كتاب تَدْبِير الحبالى والأطفال وَالصبيان وَحفظ صحتهم ومداواة الْأَمْرَاض الْعَارِضَة لَهُم صنفه للوزير أبي الْفرج يَعْقُوب بن يُوسُف الْمَعْرُوف بِابْن كلس وَزِير الْعَزِيز بِاللَّه فِي الديار المصرية
ابْن قوسين
كَانَ طَبِيبا مَشْهُورا فِي زَمَانه وَله دراية بصناعة الطِّبّ ومقامه بالموصل
وَكَانَ يَهُودِيّا واسلم وَعمل مقَالَة فِي الرَّد على الْيَهُود
وَلابْن قوسين من الْكتب مقَالَة فِي الرَّد على الْيَهُود
عَليّ بن عِيسَى وَقيل عِيسَى بن عَليّ الكحال
كَانَ مَشْهُورا بالحذق فِي صناعَة الْكحل متميزا فِيهَا وبكلامه يقْتَدى فِي أمراض الْعين ومداواتها
وَكتابه الْمَشْهُور بتذكرة الكحالين هُوَ الَّذِي لَا بُد لكل من يعاني صناعَة الْكحل أَن يحفظه وَقد اقْتصر النَّاس عَلَيْهِ دون غَيره من سَائِر الْكتب الَّتِي قد ألفت فِي هَذَا الْفَنّ وَصَارَ ذَلِك مستمرا عِنْدهم وَكَلَام عَليّ بن عِيسَى فِي أَعمال صناعَة الْكحل أَجود من كَلَامه فِيمَا يتَعَلَّق بالأمور العلمية وَكَانَت وَفَاته سنة وَأَرْبَعمِائَة
ولعلي بن عِيسَى من الْكتب كتاب تذكرة الكحالين ثَلَاث مقالات
ابْن الشبل الْبَغْدَادِيّ
هُوَ أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن عبد الله بن يُوسُف بن شبْل مولده ومنشؤه بِبَغْدَاد وَكَانَ حكيما فيلسوفا ومتكلما فَاضلا وأديبا بارعا وشاعرا مجيدا وَكَانَت وَفَاته بِبَغْدَاد سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمن شعر قَالَه فِي الْحِكْمَة وَهَذِه القصيدة من جيد شعره وَهِي تدل على قُوَّة اطلَاع فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة والأسرار الإلهية وَبَعض النَّاس ينسبها إِلَى ابْن سينا وَلَيْسَت لَهُ وَهِي هَذِه
(بِرَبِّك أَيهَا الْفلك الْمدَار
…
اقصد ذَا المير أم اضطرار)
(مدارك قل لنا فِي أَي شَيْء
…
فَفِي أفهامنا مِنْك ابتهار)
(وفيك نرى الفضاء وَهل فضاء
…
سوى هَذَا الفضاء بِهِ تدار)
(وعندك ترفع الْأَرْوَاح أم هَل
…
مَعَ الأجساد يُدْرِكهَا الْبَوَار)
(وموج ذَا المجرة أم فرند
…
على لجج الدروع لَهُ أوار)
(وفيك الشَّمْس رَافِعَة شعاعا
…
بأجنحة قوادمها قصار)
(وطوق فِي النُّجُوم من اللَّيَالِي
…
هلالك أم يَد فِيهَا سوار)
(وشهب ذَا الخواطف أم ذبال
…
عَلَيْهَا المرخ يقْدَح والعفار)
(وترصيع نجومك أم حباب
…
تؤلف بَينه اللجج الغزار)
(تمد رقومها لَيْلًا وتطوي
…
نَهَارا مثل مَا طوى الأزار)
(فكم بصقالها صدي البرايا
…
وَمَا يصدى لَهَا أبدا غرار)
(تباري ثمَّ تخنس راجعات
…
وتكنس مثل ماكنس الصوار)
(فَبينا الشرق يقدمهَا صعُودًا
…
تلقاها من الغرب انحدار)
(على ذَا مَا مضى وَعَلِيهِ يمْضِي
…
طوال منى وآجال قصار)
(وَأَيَّام تعرفنا مداها
…
لَهَا أنفاسنا أبدا شفار)
(ودهر ينثر الْأَعْمَار نثرا
…
كَمَا للغصن بالورد انتثار)
(وَدُنْيا كلما وضعت جَنِينا
…
غذاه من نوائبها ظؤار)
(هِيَ العشواء مَا خبطت هشيم
…
هِيَ العجماء مَا جرحت جَبَّار)
(فَمن يَوْم بِلَا أمس ليَوْم
…
بِغَيْر غَد إِلَيْهِ بِنَا يسَار)
(وَمن نفسين فِي أَخذ ورد
…
لروع الْمَرْء فِي الْجِسْم انتشار)
(وَكم من بعد مَا ألفت نفوس
…
حسوما عَن مجاثمها تطار)
(ألم تَكُ بالجوارح آنسات
…
فكم بِالْقربِ عَاد لَهَا نفار)
(فَإِن يَك آدم أَشْقَى بنيه
…
بذنب مَاله مِنْهُ اعتذار)
(وَلم يَنْفَعهُ بالأسماء علم
…
وَمَا نفع السُّجُود وَلَا الْجوَار)
(فَاخْرُج ثمَّ أهبط ثمَّ أودي
…
فترب السافيات لَهُ شعار)
(فأدركه بِعلم الله فِيهِ
…
من الْكَلِمَات للذنب اغتفار)
(وَلَكِن بعد غفران وعفو
…
يعير مَا تَلا لَيْلًا نَهَار)
(لقد بلغ الْعَدو بِنَا مناه
…
وَحل بِآدَم وبنا الصغار)
(وتهنا ضَائِعين كقوم مُوسَى
…
وَلَا عجل أضلّ وَلَا خوار)
(فيا لَك أَكلَة مَا زَالَ مِنْهَا
…
علينا نقمة وَعَلِيهِ عَار)
(تعاقب فِي الظُّهُور وَمَا ولدنَا
…
ويذبح فِي حَشا ألام الحوار)
(وننتظر الرزايا والبلايا
…
وَبعد فبالوعيد لنا انْتِظَار)
(وَنخرج كارهين كَمَا دَخَلنَا
…
خُرُوج الضَّب أحوجه الوجار)
(فَمَاذَا الامتنان على وجود
…
لغير الموجدين بِهِ الْخِيَار)
(وَكَانَت أنعما لَو أَن كونا
…
نخير قبله أَو نستشار)
(أَهَذا الدَّاء لَيْسَ لَهُ دَوَاء
…
وَهَذَا الْكسر لَيْسَ لَهُ انجبار)
(تحير فِيهِ كل دَقِيق فهم
…
وَلَيْسَ لعمق جرحهم انسبار)
(إِذا التكوير غال الشَّمْس عَنَّا
…
وغال كواكب اللَّيْل انتثار)
(وبدلنا بهذي الأَرْض أَرضًا
…
وطوح بالسموات انفطار)
(وأذهلت المراضع عَن بنيها
…
لحيرتها وعطلت العشار)
(وغشى الْبَدْر من فرق وذعر خُسُوف للتوعد لَا سرار)
(وسيرت الْجبَال فَكُن كثبا
…
مهيلات وسجرت الْبحار)
(فَأَيْنَ ثبات ذِي الْأَلْبَاب منا
…
وَأَيْنَ مَعَ الرجوم لنا اصطبار)
(وَأَيْنَ عقول ذِي الأفهام مِمَّا
…
يُرَاد بِنَا وَأَيْنَ الِاعْتِبَار)
(وَأَيْنَ يغيب لب كَانَ فِينَا
…
ضياؤك من سناه مستعار)
(وَمَا أَرض عصته وَلَا سَمَاء
…
فَفِيمَ يغول أنجمها انكدار)
(وَقد وافته طَائِعَة وَكَانَت
…
دخانا مَا لقاتره شرار)
(قَضَاهَا سَبْعَة وَالْأَرْض مهدا
…
دحاها فَهِيَ للأموات دَار)
(فَمَا لسمو مَا أعلا انْتِهَاء
…
وَلَا لسمو مَا أرسى قَرَار)
(وَلَكِن كل ذَا التهويل فِيهِ
…
لذِي الْأَلْبَاب وعظ وازدجار) الوافر
وَقَالَ يرثي أَخَاهُ أَحْمد
(غَايَة الْحزن وَالسُّرُور انْقِضَاء
…
مَا لحى من بعد ميت بَقَاء)
(لَا لبيد باربد مَاتَ حزنا
…
وسلت عَن شقيقها الخنساء)
(مثل مَا فِي التُّرَاب يبْلى الْفَتى
…
فالحزن يبْلى من بعده والبكاء)
(غير أَن الْأَمْوَات زَالُوا وأبقوا
…
غصصا لَا يسيغه الْأَحْيَاء)
(إِنَّمَا نَحن بَين ظفر وناب
…
من خطوب أسودهن ضراء)
(نتمنى وَفِي المنى قصر الْعُمر
…
فنغذو بِمَا نسر نسَاء)
(صِحَة الْمَرْء للسقام طَرِيق
…
وَطَرِيق الفناء هَذَا الْبَقَاء)
(بِالَّذِي نغتذي نموت ونحيا
…
أقتل الدَّاء للنفوس الدَّوَاء)
(مَا لَقينَا من غدر دنيا فَلَا كَانَت
…
وَلَا كَانَ أَخذهَا وَالعطَاء)
(رَاجع جودها عَلَيْهَا فمهما
…
يهب الصُّبْح يسْتَردّ الْمسَاء)
(لَيْت شعري حلما تمر بِنَا الْأَيَّام
…
أم لَيْسَ تعقل الْأَشْيَاء)
(من فَسَاد يجنيه للْعَالم الْكَوْن
…
فَمَا للنفوس مِنْهُ اتقاء)
(قبح الله لَذَّة لأذانا
…
نالها الْأُمَّهَات والآباء)
(نَحن لَوْلَا الْوُجُود لم نألم الْفَقْد
…
فإيجادنا علينا بلَاء)
(وقليلا مَا تصْحَب المهجة الْجِسْم
…
فَفِيمَ الأسى وفيم العناء)
(وَلَقَد أيد الْإِلَه عقولا
…
حجَّة الْعود عِنْدهَا الأبداء)
(غير دَعْوَى قوم على الْمَيِّت شَيْئا
…
أنكرته الْجُلُود والأعضاء)
(وَإِذا كَانَ فِي العيان خلاف
…
كَيفَ بِالْغَيْبِ يستبين الخفاء)
(مَا دهانا من يَوْم أَحْمد إِلَّا
…
ظلمات وَلَا استبان ضِيَاء)
(يَا أخي عَاد بعْدك المَاء سما
…
وسموما ذَاك النسيم الرخَاء)
(والدموع الغزار عَادَتْ من الأنفاس
…
نَارا تثيرها الصعداء)
(وَأعد الْحَيَاة عذرا وَإِن كَانَت
…
حَيَاة يرضى بهَا الْأَعْدَاء)
(أَيْن تِلْكَ الْخلال والخرم أَيْن الْعَزْم
…
أَيْن السناء أَيْن الْبَهَاء)
(كَيفَ أودى النَّعيم من ذَلِك الظل
…
وشيكا وَزَالَ ذَاك الْغناء)
(أَيْن مَا كنت تنتضي من لِسَان
…
فِي مقَام للمواضي انتضاء)
(كَيفَ أَرْجُو شِفَاء مَا بِي وَمَا بِي
…
دون سكناي فِي ثراك شِفَاء)
(أَيْن ذَاك الرواء والمنطق المونق
…
أَيْن الْحيَاء أَيْن الأباء)
(أَن محا حسنك التُّرَاب فَمَا للدمع
…
يَوْمًا من صحن خدي انمحاء)
(أَو تبن لم يبن قديم وداد
…
أَو تمت لم يمت عَلَيْك الثَّنَاء)
(شطر نَفسِي دفنت والشطر بَاقٍ
…
يتَمَنَّى وَمن مناه الفناء)
(إِن تكن قَدمته أبدي المنايا
…
فَإلَى السَّابِقين تمْضِي البطاء)
(يدْرك الْمَوْت كل حَيّ وَلَو
…
أخفته عَنهُ فِي برجها الجوزاء)
(لَيْت شعري وللبلى كل ذِي
…
الْخلق بِمَاذَا تميز الْأَنْبِيَاء)
(موت ذَا الْعَالم الْمفضل بالنطق
…
وَذَا السارح البهيم سَوَاء)
(لَا غوي لفقده تَبَسم الأَرْض
…
وَلَا للتقي تبْكي السَّمَاء)
(كم مصابيح أوجه أطفأتها
…
تَحت أطباق رمسها الْبَيْدَاء)
(كم بدور وَكم شموس وَكم أطواد حلم
…
أَمْسَى عَلَيْهَا العفاء)
(كم محا غرَّة الْكَوَاكِب صبح
…
ثمَّ حطت ضياءها الظلماء)
(إِنَّمَا النَّاس قادم أثر مَاض
…
بَدْء قوم للآخرين انْتِهَاء) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا
(وكأنما الْإِنْسَان فِيهِ غَيره
…
متكونا وَالْحسن فِيهِ معار)
(متصرفا وَله الْقَضَاء مصرف
…
ومكلفا وَكَأَنَّهُ مُخْتَار)
(طورا تصوبه الحظوظ وَتارَة
…
خطأ تحيل صَوَابه الأقدار)
(تعمى بصيرته ويبصر بَعْدَمَا
…
لَا يسْتَردّ الْفَائِت استبصار)
(فتراه يُؤْخَذ قلبه من صَدره
…
وَيرد فِيهِ وَقد جرى الْمِقْدَار)
(فيظل يضْرب بالملامة نَفسه
…
ندما إِذا لعبت بِهِ الأفكار)
(لَا يعرف الإفراط فِي إِيرَاده
…
حَتَّى يُبينهُ لَهُ الإصدار) الوافر
وَقَالَ من أَبْيَات
(إِذا أخنى الزَّمَان على كريم
…
أعَار صديقه قلب الْعَدو) الوافر
وَقَالَ أَيْضا
(تلق بِالصبرِ ضيف الْهم ترحله
…
إِن الهموم ضيوف أكلهَا المهج)
(فالخطب مَا زَاد إِلَّا وَهُوَ منتقص
…
وَالْأَمر مَا ضَاقَ إِلَّا وَهُوَ منفرج)
(فَروح النَّفس بِالتَّعْلِيلِ ترض بِهِ
…
عَسى إِلَى سَاعَة من سَاعَة فرج) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(تسل عَن كل شَيْء بِالْحَيَاةِ فقد
…
يهون بعد بَقَاء الْجَوْهَر الْعرض)
(يعوض الله مَالا أَنْت متلفه
…
وَمَا عَن النَّفس أَن أتلفتها عوض) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(وعَلى قدر عقله فاعتب الْمَرْء
…
وحاذر برا يصير عقوقا)
(كم صديق بالعتب صَار عدوا
…
وعدو بالحلم صَار صديقا) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا
(ليكفيكم مَا فِيكُم من جوى نلقى
…
فمهلا بِنَا مهلا ورفقا بِنَا رفقا)
(وَحُرْمَة ودي لَا سلوت هواكم
…
وَلَا رمت مِنْهُ لَا فكاكا وَلَا عتقا)
(سأزجر قلبا رام فِي الْحبّ سلوة
…
وأهجره إِن لم يمت بكم عشقا)
(عذبت الْهوى يَا صَاح حَتَّى ألفته
…
فأضناه لي أشفى وأفناه لي أبقى)
(فَلَا الصَّبْر مَوْجُود وَلَا الشوق بارح
…
وَلَا أدمعي تطفي اللهيب وَلَا ترقا)
(أَخَاف إِذا مَا اللَّيْل مد سدوله
…
على كَبِدِي حرقا وَمن مقلتي غرقا)
(أيجمل أَن أجزى عَن الْوَصْل بالجفا
…
وينعم طرفِي والفؤاد بكم يشقى)
(أحظي هَذَا أم كَذَا كل عاشق
…
يضام فَلَا يُعْفَى ويظمى فَلَا يسقى)
(سل الدَّهْر عل الدَّهْر يجمع بَيْننَا
…
فَلم أر مخلوقا على حَالَة يبْقى) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(إِن تكن تجزع من دمعي
…
إِذا فاض فصنه)
(أَو تكن أَبْصرت يَوْمًا
…
سيدا يعْفُو فكنه)
(أَنا لَا أَصْبِر عَمَّن
…
لَا يحل الصَّبْر عَنهُ)
(كل ذَنْب فِي الْهوى يغْفر
…
لي مَا لم أخنه) الرمل
وَقَالَ أَيْضا
(ثقلت زجاجات أتتنا فرغا
…
حَتَّى إِذا ملئت بِصَرْف الراح)
(خفت فَكَادَتْ أَن تطير بِمَا حوت
…
وَكَذَا الجسوم تخف بالأرواح) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(قَالُوا القناعة عز والكفاف غنى
…
والذل والعار حرص النَّفس والطمع)
(صَدقْتُمْ من رِضَاهُ سد جوعته
…
إِن لم يصبهُ بِمَاذَا عَنهُ يقتنع) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(احفظ لسَانك لَا تبح بِثَلَاثَة
…
سر وَمَال مَا اسْتَطَعْت وَمذهب)
(فعلى الثَّلَاثَة تبتلى بِثَلَاثَة
…
بمكفر وبحاسد ومكذب) الْكَامِل
وَفِي هَذَا الْمَعْنى قد قَالَ بَعضهم نثرا وَفِيه جناس الرجل يخفي ذهبه ومذهبه وذهابه
وَقَالَ أَيْضا
(قَالُوا وَقد مَاتَ مَحْبُوب فجعت بِهِ
…
وبالصبا وَأَرَادُوا عَنهُ سلواني)
(ثَانِيه فِي الْحسن مَوْجُود فَقلت لَهُم
…
من أَيْن لي فِي الْهوى الثَّانِي صبا ثَانِي) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(وَفِي الْيَأْس إِحْدَى الراحتين لذِي الْهوى
…
على أَن إِحْدَى الراحتين عَذَاب)
(أعف وَبِي وجد وأسلو وَبِي جوى
…
وَلَو ذاب مني أعظم وأهاب)
(وآنف أَن تعتاق همي خريدة
…
بلحظ وَأَن يروي صداي رضاب)
(فَلَا تنكري عز الْكَرِيم على الْأَذَى
…
فحين تجوع الضاربات تهاب) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(بِنَا إِلَى الدَّيْر من درتا صبابات
…
فَلَا تلمني فَمَا تغني الملامات)
(لَا تبعدن وَإِن طَال الزَّمَان بِهِ
…
أَيَّام لَهو عهدناه وليلات)
(فكم قضيت لبانات الشَّبَاب بهَا
…
غنما وَكم بقيت عِنْدِي لبانات)
(مَا أمكنت دولة الأفراح مقبلة
…
فأنعم ولذ فَإِن الْعَيْش تارات)
(قبل ارتجاع اللَّيَالِي وَهِي عَارِية
…
وَإِنَّمَا لَذَّة الدُّنْيَا أعارات)
(قُم فأجل فِي فلك الظلماء شمس ضحى
…
بروجها الدَّهْر طاسات وجامات)
(لَعَلَّه إِن دَعَا دَاعِي الْحمام بِنَا
…
نقضي وأنفسنا منا رويات)
(بِمَ التعلل لَوْلَا ذَاك من زمن
…
أحياؤه باعتياد الْهم أموات)
(دارت تحيي فقابلنا تحيتها
…
وَفِي حشاها لفزع المزج روعات)
(عذراء أخْفى لنا بدور صورتهَا
…
لم يبْق من روحها إِلَّا حشاشات)
(مدت سرادق برق من أبارقها
…
على مقابلها مِنْهَا بلالات)
(فلاح فِي أَذْرع السَّاقَيْن أسورة
…
تبرا وَفَوق نحور الشّرْب جامات)
(قد وَقع الدَّهْر سطرا فِي صَحِيفَته
…
لَا فَارَقت شَارِب الْخمر المسرات)
(خُذ مَا تعجل واترك مَا وعدت بِهِ
…
فعل اللبيب فللتأخيرآفات)
(وللسعادة أَوْقَات ميسرَة
…
تُعْطِي السرُور وللأحزان أَوْقَات) الْبَسِيط
ابْن بختويه
هُوَ أَبُو الْحُسَيْن عبد الله بن عِيسَى بن بختويه كَانَ طَبِيبا وخطيبا من أهل وَاسِط لَدَيْهِ معرفَة وَكَلَامه فِي صناعَة الطِّبّ كَلَام مطلع على تصانيف القدماء وَله نظر فِيهَا ودراية لَهَا
وَكَانَ وَالِده أَيْضا طَبِيبا
وَلأبي الْحُسَيْن بن بختويه من الْكتب كتاب الْمُقدمَات وَيعرف أَيْضا بكنز الْأَطِبَّاء أَلفه لوَلَده فِي سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة كتاب الزّهْد فِي الطِّبّ كتاب الْقَصْد إِلَى معرفَة الفصد
أَبُو الْعَلَاء صاعد بن الْحسن
من الْفُضَلَاء فِي صناعَة الطِّبّ والمتميزين من أَهلهَا وَكَانَ ذكيا بليغا ومقامه بِمَدِينَة الرحبة وَله من الْكتب كتاب التشويق الطبي صنفه بِمَدِينَة الرحبة فِي رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
زاهد الْعلمَاء
هُوَ أَبُو سعيد مَنْصُور بن عِيسَى وَكَانَ نَصْرَانِيّا نسطوريا وَأَخُوهُ مطران نَصِيبين الْمَشْهُور بِالْفَضْلِ وخدم زاهد الْعلمَاء بصناعة الطِّبّ نصير الدولة بن مَرْوَان الَّذِي ألف لَهُ ابْن بطلَان دَعْوَة الْأَطِبَّاء
وَكَانَ نصير الدولة مُحْتَرما لزاهد الْعلمَاء مُعْتَمدًا عَلَيْهِ فِي صناعته محسنا إِلَيْهِ
وزاهد الْعلمَاء هُوَ الَّذِي بنى بيمارستان ميافارقين
وحَدثني الشَّيْخ سديد الدّين بن رقيقَة الطَّبِيب إِن سَبَب بِنَاء بيمارستان ميافارقين هُوَ أَن نصير الدولة بن مَرْوَان لما كَانَ بهَا مَرضت ابْنة لَهُ وَكَانَ يرى لَهَا كثيرا فآلى على نَفسه أَنَّهَا مَتى بَرِئت أَن يتَصَدَّق بوزنها دَرَاهِم
فَلَمَّا عالجها زاهد الْعلمَاء وصلحت أَشَارَ على نصير الدولة أَن يَجْعَل جملَة هَذِه الدَّرَاهِم الَّتِي يتَصَدَّق بهَا تكون فِي بِنَاء بيمارستان ينْتَفع النَّاس بِهِ وَيكون لَهُ بذلك أجر عَظِيم وَسُمْعَة حَسَنَة
قَالَ فَأمره بِبِنَاء البيمارستان وَأنْفق عَلَيْهِ أَمْوَالًا كَثِيرَة وقف لَهُ أملاكا تقوم بكفايته وَجعل فِيهَا من الْآلَات وَجَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ شَيْئا كثيرا جدا فجَاء لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي الْجَوْدَة
ولزاهد الْعلمَاء من الْكتب كتاب البيمارستانات كتاب فِي الْفُصُول والمسائل والجوابات وَهِي جزآن الأول يتَضَمَّن مَا أثْبته الْحسن بن سهل مِمَّا وجده فِي خزانته رقاع وكراريس وأدراج وَغير ذَلِك من الْمسَائِل والجوابات
والجزء الثَّانِي على جِهَة الْفُصُول والمسائل وجوابات أجَاب عَنْهَا فِي مجْلِس الْعلم الْمُقَرّر فِي البيمارستان الفارقي
كتاب فِي المنامات والرؤيا
كتاب فِيمَا يجب على المتعلمين لصناعة الطِّبّ تَقْدِيم علمه كتاب فِي أمراض الْعين ومداواتها
المقبلي
هُوَ أَبُو نصر مُحَمَّد بن يُوسُف المقبلي فَاضل فِي صناعَة الطِّبّ من المتميزين فِيهَا والأعيان من أَرْبَابهَا
وللمقبلي من الْكتب مقَالَة فِي الشَّرَاب تَلْخِيص كتاب الْمسَائِل لحنين بن إِسْحَق
النيلي
هُوَ أَبُو سهل سعيد بن عبد الْعَزِيز النيلي مَشْهُور بِالْفَضْلِ عَالم بصناعة الطِّبّ جيد التصنيف متفنن فِي الْعُلُوم الأدبية بارع فِي النّظم والنثر وَمن شعره
(يَا مفدى العذار والخد وَالْقد بنفسي
…
وَمَا أَرَاهَا كثيرا)
(ومعيري من سقم عَيْنَيْهِ سقما
…
دمت مضنى بِهِ ودمت معيرا)
(اسْقِنِي الراح تشف لوعة قلب
…
بَات مذ بنت للهموم سميرا)
(هِيَ فِي الكاس خمرة فَإِذا مَا
…
أفرغت فِي الحشا استخالت سُرُورًا) الْخَفِيف
وللنيلي من الْكتب اخْتِصَار كتاب الْمسَائِل لحنين تَلْخِيص شرح جالينوس لكتاب الْفُصُول مَعَ نكت من شرح الرَّازِيّ
إِسْحَاق بن عَليّ الرهاوي
كَانَ طَبِيبا متميزا عَالما بِكَلَام جالينوس وَله أَعمال جَيِّدَة فِي صناعَة الطِّبّ
ولإسحاق بن عَليّ الرهاوي من الْكتب كتاب أدب الطَّبِيب
كناش جمعه من عشر مقالات لِجَالِينُوسَ الْمَعْرُوفَة بالميامر فِي تركيب الْأَدْوِيَة بِحَسب أمراض الْأَعْضَاء من الرَّأْس إِلَى الْقدَم جَوَامِع جمعهَا من أَرْبَعَة كتب جالينوس الَّتِي رتبها الإسكندرانيون فِي أَوَائِل كتبه وَهِي كتاب الْفرق وَكتاب الصِّنَاعَة الصَّغِيرَة وَكتاب النبض الصَّغِير وَكتابه إِلَى أغلوتن وَجعل هَذِه الْجَوَامِع على طَرِيق الْفُصُول وأوائل فصولها أَعلَى حُرُوف المعجم
سعيد بن هبة الله
هُوَ أَبُو الْحسن سعيد بن هبة الله بن الْحُسَيْن من الْأَطِبَّاء المتميزين فِي صناعَة الطِّبّ
وَكَانَ أَيْضا فَاضلا فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة مشتهرا بهَا
وَكَانَ فِي أَيَّام الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله وخدمه بصناعة الطِّبّ وخدم أَيْضا وَلَده المستظهر بِاللَّه
وَقَالَ أَبُو الْخطاب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي طَالب فِي كتاب الشَّامِل فِي الطِّبّ أَن الطِّبّ انْتهى فِي عصرنا إِلَى أبي الْحسن سعيد بن هبة الله بن الْحُسَيْن
وَولد فِي لَيْلَة السبت الثَّالِث وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَقَرَأَ على أبي الْعَلَاء بن التلميذ وعَلى أبي الْفضل كتيفات وعَلى عَبْدَانِ الْكَاتِب
وَألف كتبا كَثِيرَة طبية ومنطقية وفلسفية وَغير ذَلِك وَمَات لَيْلَة الْأَحَد سادس شهر ربيع الأول سنة خمس وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وعاش سِتا وَخمسين سنة وَخلف من التلاميذ جمَاعَة موجودين
وحَدثني الْحَكِيم رشيد الدّين أَبُو سعيد بن يَعْقُوب النَّصْرَانِي أَن أَبَا الْحسن سعيد بن هبة الله كَانَ يتَوَلَّى مداواة المرضى فِي البيمارستان العضدي
وَأَنه كَانَ يَوْمًا فِي البيمارستان وَقد أَتَى إِلَى قاعة الممرورين
لتفقد أَحْوَالهم ومعالجتهم وَإِذا بِامْرَأَة قد أَتَت إِلَيْهِ واستفتته فِيمَا تعالج بِهِ ولدا لَهَا فَقَالَ يَنْبَغِي أَن تلازميه بتناول الْأَشْيَاء المبردة المرطبة
فهزأ بِهِ بعض من كَانَ مُقيما فِي تِلْكَ القاعة من الممرورين وَقَالَ هَذِه صفة يصلح أَن تَقُولهَا لأحد تلامذتك مِمَّن يكون قد اشْتغل بالطب وَعرف أَشْيَاء من قوانينه وَأما هَذِه الْمَرْأَة فَأَي شَيْء تَدْرِي مَا هُوَ من الْأَشْيَاء المبردة المرطبة وَإِنَّمَا سَبيله أَن تصف لَهَا شَيْئا معينا تعتمد عَلَيْهِ
ثمَّ قَالَ لَهُ بعد ذَلِك وَلَا ألومك فِي قَوْلك هَذَا فَإنَّك قد فعلت مَا هُوَ أعجب مِنْهُ
فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ صنفت كتابا مُخْتَصرا وسميته الْمُغنِي فِي الطِّبّ ثمَّ إِنَّك صنفت كتابا آخر فِي الطِّبّ بسيطا يكون على قدر أَضْعَاف كَثِيرَة من ذَلِك الْكتاب الأول وسمتيه الْإِقْنَاع
وَكَانَ الْوَاجِب أَن يكون الْأَمر على خلاف مَا فعلته من التَّسْمِيَة
فاعترف بذلك لمن حَضَره وَقَالَ وَالله لَو أمكنني تَبْدِيل اسْم كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْآخرِ لفَعَلت
وَإِنَّمَا قد تناقل النَّاس الْكِتَابَيْنِ وَعرف كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَا سميته بِهِ
أَقُول وَكَانَ أَبُو الْحسن سعيد بن هبة الله مَوْجُودا فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة لِأَنِّي وجدت خطه فِي ذَلِك التَّارِيخ على كِتَابه التَّلْخِيص النظامي وَقد قَرَأَهُ عَلَيْهِ أَبُو البركات
ولسعيد بن هبة الله من الْكتب كتاب الْمُغنِي فِي الطِّبّ صنفه للمقتدي بِأَمْر الله
مقَالَة فِي صِفَات تراكيب الْأَدْوِيَة الْمحَال عَلَيْهَا فِي كتاب الْمُغنِي
كتاب الْإِقْنَاع
كتاب التخليص النظامي
كتاب خلق الْإِنْسَان
كتاب فِي اليرقان
مقَالَة فِي ذكر الْحُدُود والفروق
مقَالَة فِي تَحْدِيد مبادئ الْأَقَاوِيل الملفوظ بهَا وتعديدها
جوابات عَن مسَائِل طبية سُئِلَ عَنْهَا
ابْن جزلة
هُوَ يحيى بن عِيسَى بن عَليّ بن جزلة وَكَانَ فِي أَيَّام الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله وَقد جعل باسمه كثيرا من الْكتب الَّتِي صنفها
وَكَانَ من الْمَشْهُورين فِي علم الطِّبّ وَعَمله وَهُوَ تلميذ أبي الْحسن سعيد بن هبة الله
وَلابْن جزلة أَيْضا نظر فِي علم الْأَدَب
وَكَانَ يكْتب خطا جيدا مَنْسُوبا
وَقد رَأَيْت بِخَطِّهِ عدَّة كتب من تصانيفه وَغَيرهَا تدل على فَضله وتعرب عَن مَعْرفَته
وَكَانَ نَصْرَانِيّا ثمَّ أسلم وَألف رِسَالَة فِي الرَّد على النَّصَارَى وَكتب بهَا إِلَى إليا القس
وَلابْن جزلة من الْكتب كتاب تَقْوِيم الْأَبدَان وصنفه للمقتدي بِأَمْر الله
كتاب منهاج الْبَيَان فِي مَا يَسْتَعْمِلهُ الْإِنْسَان وصنفه أَيْضا للمقتدي بِأَمْر الله
كتاب الْإِشَارَة فِي تَلْخِيص الْعبارَة وَمَا يسْتَعْمل من القوانين الطبية فِي تَدْبِير الصِّحَّة وَحفظ الْبدن لخصه من كتاب تَقْوِيم الْأَبدَان
رِسَالَة فِي مدح الطِّبّ
وموافقته الشَّرْع وَالرَّدّ على من طعن عَلَيْهِ
رِسَالَة كتب بهَا لما أسلم إِلَى إليا القس وَذَلِكَ فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
أَبُو الْخطاب
هُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي طَالب مقَامه بِبَغْدَاد
وَقَرَأَ صناعَة الطِّبّ على أبي الْحسن سعيد بن هبة
الله وَكَانَ متميزا فِي الطِّبّ وَعَمله
وَرَأَيْت خطه على كتاب من تصنيفه قد قرئَ عَلَيْهِ وَهُوَ كثير اللّحن يدل على أَنه لم يشْتَغل بِشَيْء من الْعَرَبيَّة
وَكَانَ تَارِيخه لذَلِك فِي تَاسِع شهر رَمَضَان سنة خَمْسمِائَة
وَلأبي الْخطاب من الْكتب كتاب الشَّامِل فِي الطِّبّ جعله على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب فِي الْعلم وَالْعَمَل وَهُوَ يشْتَمل على ثَلَاث وَسِتِّينَ مقَالَة
ابْن الوَاسِطِيّ
كَانَ طَبِيبا للمستظهر بِاللَّه وَكَانَ عِنْده رفيع الْمنزلَة
فاتفق أَن أَبَا سعيد بن المعوج تولى صَاحب ديوَان وَاسْتقر عَلَيْهِ قَرْيَة مبلغها ثَلَاثَة آلَاف دِينَار فوزن مِنْهَا ألفي دِينَار وَبَقِي عَلَيْهِ ألف دِينَار فَسَأَلَ أنظاره بهَا سنة إِلَى أَن يصل المستغل
فَلَمَّا حل الْمبلغ نكبت الْغلَّة وَالثَّمَرَة وَلم يحصل لَهُ من ملكه مَا يصرفهُ فِي ذَلِك
وَكَانَ حَاجِبه وخاصته مظفر بن الدواتي فَأَشَارَ إِلَيْهِ بالمضي إِلَى ابْن الوَاسِطِيّ الطَّبِيب ويقصده فِي دَاره ويسأله أَن يُخَاطب الْخَلِيفَة المستظهر بِاللَّه فِي إنظاره إِلَى سنة أُخْرَى إِلَى أَن تدخل الْغلَّة
فَلَمَّا نَهَضَ من الدِّيوَان أَشَارَ إِلَى أَصْحَابه بِالْعودِ وَأَنه يُريدَان يمْضِي إِلَى دَاره فَلَمَّا عَادوا مضى هُوَ والحاجب مظفر بن الدواتي
فَحَيْثُ وصل اسْتَأْذن عَلَيْهِ فَخرج وَقبل يَده وَقَالَ الله الله يَا مَوْلَانَا وَمن ابْن الوَاسِطِيّ حَتَّى يَجِيء مَوْلَانَا إِلَى دَاره
فَلَمَّا دخل جلس بَين يَدَيْهِ فَأَشَارَ ابْن المعوج إِلَى الْحَاجِب مظفر وَقَالَ لَهُ تصرف الْجَمَاعَة للخلوة وتعود أَنْت بمفردك فَلَمَّا صَارُوا بالدهليز قَالَ لَهُ تصون الْبَاب
فَفعل
فَلَمَّا عَاد قَالَ لَهُ أَتَقول للحكيم فيماذا أَتَيْنَا فَقَالَ لَهُ الْحَاجِب أَن مَوْلَانَا جَاءَ إِلَيْك يعرفك أَنه كَانَ قد اسْتَقر عَلَيْهِ قربَة مبلغها ثَلَاثَة آلَاف دِينَار وَأَنه صَحَّ مِنْهَا ألفا دِينَار وتخلف عَلَيْهِ ألف دِينَار وَكَانَ سَأَلَ الْخَلِيفَة انظاره إِلَى أَوَان الْغلَّة فَلم يتَحَصَّل لَهُ من ملكه فِي هَذِه السّنة شَيْء وَقد أنفذ الدِّيوَان وضايق على ذَلِك
وَقد رهن كتب دَاره على خَمْسمِائَة دِينَار وَهُوَ يَسْأَلك أَن تسْأَل الْخَلِيفَة أَن يُؤَخر إِلَى سنة أُخْرَى بِالْبَاقِي إِلَى حِين أَوَان الْغلَّة
فَقَالَ السّمع وَالطَّاعَة أخدم وأبالغ وَأَقُول مَا يتَعَيَّن
فَنَهَضَ من عِنْده فَلَمَّا كَانَ من الْغَد عَنهُ نهوضه من الدِّيوَان صرف الْحَاشِيَة على الْعَادة وَقَالَ يَا مظفر نمضي إِلَيْهِ فَإِن كَانَ قد خَاطب الْخَلِيفَة سمعنَا الْجَواب وَإِن لم يكن خاطبه فَيكون على سَبِيل الإذكار
فَمضى إِلَيْهِ وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأذن لَهُ وَخرج إِلَى الْبَاب وَقبل يَده مثل ذَلِك ودعا لَهُ
فَلَمَّا دخل وَجلسَ أخرج لَهُ خطّ الْخَلِيفَة بوصول الْخَمْسمِائَةِ دِينَار وَقَالَ لَهُ هَذِه كتب الدَّار الَّتِي رَهنهَا مَوْلَانَا يقبلهَا من الْخَادِم وَكَانَ قد استفكها من مَاله
فشكره وَقبض الْكتب والخط وَانْصَرف
فَلَمَّا جَاوز الدهليز صَاح بالحاجب مظفر واخرج لَهُ منشفة فِيهَا جُبَّة خارا وبقيار قصب وقميص
تحتاني أنطاكي ولباس دمياطي وَفِيه تكة إبريسم وصرة فِيهَا خَمْسُونَ دِينَارا وَقَالَ لَهُ أُرِيد من أنعام مَوْلَانَا يلبس هَذِه الثِّيَاب وأراها عَلَيْهِ وَهَذِه الْخَمْسُونَ دِينَارا برسم الْحمام وَأعْطى الْحَاجِب جُبَّة عتابي وَعشْرين دِينَارا وَأعْطى الدواتي جُبَّة عتابي وَخَمْسَة دَنَانِير وَأعْطى الركابي دينارين وَقَالَ اسْأَل مَوْلَانَا أَن يشرف الْخَادِم بِقبُول ذَلِك
فَمضى الْحَاجِب بِالْجَمِيعِ إِلَى ابْن المعوج وَشرح لَهُ الْحَال فَقبله مِنْهُ
أَبُو طَاهِر بن البرخشي
هُوَ موفق الدّين أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس يعرف بِابْن البرخشي من أهل وَاسِط
فَاضل فِي الصِّنَاعَة الطبية كَامِل فِي الْفُنُون الأدبية
وَقد رَأَيْت من خطه مَا يدل على رزانة عقله وغزارة فَضله وَكَانَ فِي أَيَّام المسترشد بِاللَّه
حَدثنِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْكَرِيم الْبَغْدَادِيّ قَالَ حَدثنِي أَحْمد بن بدر الوَاسِطِيّ قَالَ كَانَ الْحَكِيم أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد البرخشي بواسط يعالج مَرِيضا بِهِ أحد أَنْوَاع الاسْتِسْقَاء فطال بِهِ الْمَرَض وَلم ينجع فِيهِ علاج وَعبر حد الحمية فسهل لَهُ فِي اسْتِعْمَال مهما طلبته النَّفس ومالت إِلَيْهِ الطبيعة من المآكل والأغذية
فَأطلق الْمَرِيض يَده ثمَّ أكل مَا تهَيَّأ لَهُ
فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام اجتاز بِهِ إِنْسَان يَبِيع الْجَرَاد المسلوق فِي المَاء وَالْملح
فمالت إِلَيْهِ نفس الْمَرِيض فَطَلَبه ثمَّ اشْترى مِنْهُ وَأكل فَعرض لَهُ من ذَلِك إسهال مفرط وَانْقطع الْحَكِيم عَنهُ لما رأى بِهِ من الإفراط فِي الإسهال
ثمَّ أَفَاق مِنْهُ بعد أَيَّام وَأخذ المزاج فِي الصّلاح وابتدأ بِهِ الْبُرْء وتدرجت حَاله إِلَى كَمَال الصِّحَّة والحكيم قد أيس من صَلَاحه
فَلَمَّا علم الْحَال أَتَاهُ وَسَأَلَهُ عَمَّا اسْتعْمل ومم وجد الْخُف فَقَالَ لَا أعرف إِلَّا أنني مُنْذُ أكلت الْجَرَاد المسلوق شرعت فِي الْعَافِيَة
ففكر الْحَكِيم فِي ذَلِك طَويلا ثمَّ قَالَ لَيْسَ هَذَا من فعل الْجَرَاد وَلَا من خاصته
وَسَأَلَ الْمَرِيض عَن بَائِع الْجَرَاد فَقَالَ لَا أعلم بمكانه وَلَكِنِّي إِن رَأَيْته عَرفته
فشرع الْحَكِيم فِي الْبَحْث وَالسُّؤَال عَن كل من يَبِيع الْجَرَاد وَهُوَ يحضرهُ إِلَى الْمَرِيض وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَّا أَن عرف صَاحبه الَّذِي اشْترى مِنْهُ
فَقَالَ لَهُ الْحَكِيم أتعرف الْموضع الَّذِي صدت مِنْهُ الْجَرَاد الَّذِي أكل مِنْهُ هَذَا الْمَرِيض قَالَ نعم
قَالَ امْضِ بِنَا إِلَيْهِ
فمضيا جَمِيعًا إِلَى الْمَكَان وَإِذا هُنَاكَ حشيشة يرعاها الْجَرَاد
فَأخذ الْحَكِيم من تِلْكَ الحشيشة ثمَّ كَانَ يداوي بهَا من الاسْتِسْقَاء وَأَبْرَأ بهَا جمَاعَة من هَذَا الْمَرَض وَذَلِكَ مَعْرُوف مَشْهُور بواسط
أَقُول وَهَذِه هِيَ حِكَايَة قديمَة قد جرى ذكرهَا وَإِن تِلْكَ الحشيشة الَّتِي كَانَ الْجَرَاد يرعاها هِيَ