الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسُرْعَة إِلَى الأَرْض
وَلما كَانَ أوحد الزَّمَان فِي دَاره وَأَتَاهُ الْمَرِيض شرع فِي الْكَلَام مَعَه وحادثه وَأنكر عَلَيْهِ حمله للدن وَأَشَارَ إِلَى الْغُلَام الَّذِي عِنْده من غير علم الْمَرِيض فَأقبل إِلَيْهِ وَقَالَ وَالله لَا بُد لي أَن أكسر هَذَا الدن وأريحك مِنْهُ
ثمَّ أدَار تِلْكَ الْخَشَبَة الَّتِي مَعَه وَضرب بهَا فَوق رَأسه بِنَحْوِ ذِرَاع وَعند ذَلِك رمى الْغُلَام الآخر الدن من أَعلَى السَّطْح فَكَانَت لَهُ جلبة عَظِيمَة وتكسر قطعا كَثِيرَة
فَلَمَّا عاين الْمَرِيض مَا فعل بِهِ وَرَأى الدن المنكسر تأوه لكسرهم إِيَّاه وَلم يشك أَنه الَّذِي كَانَ على رَأسه بِزَعْمِهِ وَأثر فِيهِ الْوَهم أثرا برِئ من علته تِلْكَ
وَهَذَا بَاب عَظِيم فِي المداواة وَقد جرى أَمْثَال ذَلِك لجَماعَة من الْأَطِبَّاء الْمُتَقَدِّمين مثل جالينوس وَغَيره فِي مداواتهم بالأمور الوهمية
وَقد ذكرت كثيرا من ذَلِك فِي غير هَذَا الْكتاب
وحَدثني الشَّيْخ مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ قَالَ حَدثنِي موفق الدّين أسعد بن إلْيَاس المطران قَالَ حَدثنِي الأوحد بن التقي قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا عبد الْوَدُود الطَّبِيب قَالَ حَدثنِي أَبُو الْفضل تلميذ أبي البركات الْمَعْرُوف بأوحد الزَّمَان قَالَ كُنَّا فِي خدمَة أوحد الزَّمَان فِي معسكر السُّلْطَان فَفِي يَوْم جَاءَهُ رجل بِهِ داحس إِلَّا أَن الورم كَانَ نَاقِصا وَكَانَ يسيل مِنْهُ صديد قَالَ فحين رأى ذَلِك أوحد الزَّمَان بَادر إِلَى سلامية أُصْبُعه فقطعها قَالَ فَقُلْنَا لَهُ يَا سيدنَا لقد أجحفت فِي المداواة وَكَانَ يُغْنِيك أَن تداويه بِمَا يداوي بِهِ غَيْرك وتبقي عَلَيْهِ إصبعه ولمناه وَهُوَ لَا ينْطق بِحرف
قَالَ وَمضى ذَلِك الْيَوْم وَجَاء فِي الْيَوْم الثَّانِي رجل آخر مثل ذَلِك سَوَاء فَأَوْمأ إِلَيْنَا بمداواته وَقَالَ افعلوا فِي هَذَا مَا تَرَوْنَهُ صَوَابا
قَالَ فداويناه بِمَا يداوي بِهِ الداحس فاتسع الْمَكَان وَذهب الظفر وتعدى الْأَمر إِلَى ذهَاب السلامية الأولى من سلاميات الإصبع
وَمَا تركنَا دَوَاء إِلَّا وداويناه بِهِ وَلَا علاجا إِلَّا وعالجناه وَلَا لطوخا إِلَّا ولطخناه وَلَا مسهلا إِلَّا وسقيناه وَهُوَ مَعَ ذَلِك يزِيد وَيَأْكُل الإصبع أسْرع أكل وَآل أمره إِلَى الْقطع فَعلمنَا أَن فَوق كل ذِي علم عليم
قَالَ وَفَشَا هَذَا الْمَرَض فِي تِلْكَ السّنة وغفل جمَاعَة مِنْهُم عَن الْقطع فتأدى أَمر بَعضهم إِلَى الْيَد وَبَعْضهمْ إِلَى هَلَاك أنفسهم
ونقلت من خطّ الشَّيْخ موفق الدّين عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ فِيمَا ذكره عَن ابْن الدهان المنجم قَالَ قَالَ كَانَ الشَّيْخ أَبُو البركات قد عمي فِي آخر عمره وَكَانَ يملي على جمال الدّين بن فضلان وعَلى ابْن الدهان المنجم وعَلى يُوسُف وَالِد الشَّيْخ موفق الدّين عبد اللَّطِيف وعَلى الْمُهَذّب بن النقاش كتاب الْمُعْتَبر
وَقيل إِن أوحد الزَّمَان كَانَ سَبَب إِسْلَامه أَنه دخل يَوْمًا إِلَى الْخَلِيفَة فَقَامَ جَمِيع مَا حضر إِلَّا قَاضِي الْقُضَاة فَإِنَّهُ كَانَ حَاضرا وَلم ير أَنه يقوم مَعَ الْجَمَاعَة لكَونه ذِمِّيا
فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
إِن كَانَ القَاضِي لم يُوَافق الْجَمَاعَة لكَونه يرى إِنِّي على غير مِلَّته فَأَنا أسلم بَين يَدي مَوْلَانَا وَلَا أتركه ينتقصني بِهَذَا
وَأسلم
وحَدثني الشَّيْخ سعد الدّين أَبُو سعيد بن أبي السهل الْبَغْدَادِيّ العواد وَكَانَ فِي أول أمره يَهُودِيّا أَنه كَانَ يسكن بِبَغْدَاد فِي محلّة الْيَهُود قَرِيبا من دَار أوحد الزَّمَان وَأَنه لم يحقه كثيرا بل كَانَ وَهُوَ صَغِير يدْخل إِلَى دَاره
وَقَالَ وَكَانَ لأوحد الزَّمَان بَنَات ثَلَاث وَلم يخلف ولدا ذكرا وعاش نَحْو ثَمَانِينَ سنة
وحَدثني القَاضِي نجم الدّين عمر بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الكريدي قَالَ كَانَ أوحد الزَّمَان وَأمين الدولة بن التلميذ بَينهمَا معاداة وَكَانَ أوحد الزَّمَان لما أسلم يتنصل كثيرا من الْيَهُود ويلعنهم ويسبهم فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام فِي مجْلِس بعض الْأَعْيَان الأكابر وَعِنْده جمَاعَة وَفِيهِمْ أَمِين الدولة بن التلميذ وَجرى ذكر الْيَهُود فَقَالَ أوحد الزَّمَان لعن الله الْيَهُود
فَقَالَ أَمِين الدولة نعم وَأَبْنَاء الْيَهُود
فَوَجَمَ لَهَا أوحد الزَّمَان وَعرف أَنه عناه بِالْإِشَارَةِ وَلم يتَكَلَّم
وَمن كَلَام أوحد الزَّمَان حَدثنِي بدر الدّين أَبُو الْعِزّ يُوسُف بن مكي قَالَ حَدثنِي مهذب الدّين ابْن هُبل قَالَ سَمِعت أوحد الزَّمَان يَقُول الشَّهَوَات أجر تستخدم بهَا النُّفُوس فِي عمَارَة عَالم الطبيعة لتذهل عَمَّا يلْزمهَا من التَّعَب ويلحقها من الكلال فأعملها فِي ذَلِك أخسها وأزهدها أحسها
ولأوحد الزَّمَان من الْكتب كتاب الْمُعْتَبر وَهُوَ من أجل كتبه وأشهرها فِي الْحِكْمَة
مقَالَة فِي سَبَب ظُهُور الْكَوَاكِب لَيْلًا واختفائها نَهَارا ألفها للسُّلْطَان الْمُعظم غياث الدّين أبي شُجَاع مُحَمَّد بن ملك شاه
اخْتِصَار التشريح اخْتَصَرَهُ من كَلَام جالينوس ولخصه بأوجز عبارَة
كتاب الأقراباذين ثَلَاث مقالات
مقَالَة فِي الدَّوَاء الَّذِي أَلفه الْمُسَمّى برشعثا استقصى فِيهِ صفته وَشرح أدويته مقَالَة فِي معجون آخر أَلفه وَسَماهُ أَمِين الْأَرْوَاح
رِسَالَة فِي الْعقل وماهيته
البديع الأصطرلابي
هُوَ بديع الزَّمَان أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن الْحُسَيْن بن أَحْمد الْبَغْدَادِيّ
من الْحُكَمَاء الْفُضَلَاء والأدباء النبلاء طَبِيب عَالم وفيلسوف مُتَكَلم وغلبت عَلَيْهِ الْحِكْمَة وَعلم الْكَلَام والرياضي وَكَانَ متقنا لعلم النُّجُوم والرصد
وَكَانَ البديع الاصطرلابي صديقا لأمين الدولة بن التلميذ
وَحكي أَنه اجْتمع على أَمِين الدولة بأصبهان فِي سنة عشرَة وَخَمْسمِائة
وحَدثني مهذب الدّين أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْخضر الْحلَبِي قَالَ كَانَ البديع الاصطرلابي أوحد زَمَانه فِي علم الاصطرلاب وَعَمله وإتقان صَنعته فَعرف بذلك
أَقُول وَكَانَ وَالِد مهذب الدّين أبي نصر من طبرستان وَهُوَ الْمَعْرُوف بالبرهان المنجم
وَكَانَ عَلامَة وقته فِي أَحْكَام النُّجُوم وَله حكايات عَجِيبَة فِي ذَلِك
وَقد ذكرت أَشْيَاء مِنْهَا فِي كتاب إصابات المنجمين
وَكَانَ قد اجْتمع بالبديع الإصطرلابي وَصَاحبه مُدَّة
وللبديع الإصطرلابي نظم جيد حسن الْمعَانِي
وَمن شعر البديع الإصطرلابي وَهُوَ مِمَّا أَنْشدني مهذب الدّين أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْحلَبِي قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني البديع الإصطرلابي لنَفسِهِ
(يَا ابْن الَّذين مضوا على دين الْهدى
…
والطاعنين مقاعد الإعدام)
(فوجوههم قبل العلى وأكفهم
…
سحب الندى ومنابر الأقلام) الْكَامِل
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(أهْدى لمجلسك الشريف وَإِنَّمَا
…
أهدي لَهُ مَا حزت من نعمائه)
(كالبحر يمطره السَّحَاب وَمَاله
…
من عَلَيْهِ لِأَنَّهُ من مَائه) الْكَامِل
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(قَامَ إِلَى الشَّمْس بآلاته
…
لينْظر السعد من النحس)
(فَقلت أَيْن الشَّمْس قَالَ الْفَتى
…
فِي الثور قلت الثور فِي الشَّمْس) السَّرِيع
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(قيل لي قد عشقته أَمْرَد الخد
…
وَقد قيل إِنَّه نكريش)
(قلت فرخ الطاووس أحسن مَا كَانَ
…
إِذا مَا علا عَلَيْهِ الريش) الْخَفِيف
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(هَل عثرت أَقْلَام خطّ العذار
…
فِي مشقها فالخال نقط العثار)
(أم اسْتَدَارَ الْخط لما غَدَتْ
…
نقطته مَرْكَز ذَاك الْمدَار)
(وريقة الْخمر فَهَل ثغره
…
در حباب نظمته الْعقار) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(وَذُو هَيْئَة يزهو بخال مهندس
…
أَمُوت بِهِ فِي كل وَقت وأبعث)
(مُحِيط بأوصاف الملاحة وَجهه
…
كَانَ بِهِ أقليدس يتحدث)
(فعارضه خطّ اسْتِوَاء وخاله
…
بِهِ نقطة والخد شكل مثلث) الطَّوِيل
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ جَوَابا عَن قصيدة كتبهَا إِلَيْهِ القيسراني أَولهَا
(أعرب الْفضل من بديع الزَّمَان
…
عَن معَان عزت على يونان)
(مَا تَلَاهَا لما تَلَاهَا وَلَكِن
…
فاتها حائزا خِصَال الرِّهَان) الْخَفِيف
قَالَ مهذب الدّين أَبُو نصر مُحَمَّد فَرد جوابها قصيدة لم يبْق على ذكري مِنْهَا شَيْء سوى هَذِه الأبيات
(أَيهَا السَّيِّد الَّذِي أطراني
…
بمديح كَالدَّارِ قد أطغاني)
(وَالَّذِي زَاد فِي محلي وقدري
…
وأذل الشاني بتعظيم شاني)
(فتعنفقت أَي بِأَنِّي كَمَا
…
قَالَ مُجيب الطباع سهل الْجنان)
(وترشحت للجواب فأعياني
…
وانسل هَارِبا شيطاني)
(مجبلا مجبلا يَقُول اتَّقِ الله
…
فَمَالِي بِمَا تروم اليدان)
(أتظن الوهاد مثل الروابي
…
أم تخال الهجين مل الهجان)
(أم تجاري طرفا يفوت مدى الطّرف
…
إِذا مَا تجاريا فِي مَكَان)
(بِحِمَار يفوتهُ الزَّمن المقعد
…
إِن أرسلا غَدَاة الرِّهَان)
(فاكتنفني سترا فشعري بخطى
…
حِين يَبْدُو لناظر عورتان)
وَمن شعر البديع الإسطرلابي أَيْضا قَالَ فِي غُلَام معذر
(كن كَيفَ شِئْت فإنني
…
قد صغت قلبا من حَدِيد)
(وَقَعَدت انْتظر الْكُسُوف
…
وَلَيْسَ ذَلِك من بعيد) الْكَامِل المرفل
وَقَالَ أَيْضا
(تقسم قلبِي فِي محبَّة معشر
…
بِكُل فَتى مِنْهُم هواي مَنُوط)
(كَانَ فُؤَادِي مَرْكَز وهم لَهُ
…
مُحِيط وأهوائي إِلَيْهِ خطوط) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(وشادن فِي حبه سنة
…
قد جعلت حبي لَهُ فرضا)
(أرْضى بِأَن أجعَل خدي لَهُ
…
إِذا مَشى منتعلا أَرضًا) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(أذاقني خمرة المنايا
…
لما اكتسى خضرَة العذار)
(وَقد تبدى السوَاد فِيهِ
…
وكارتي بعد فِي الْعيار) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(هجرت النكاريش ثمَّ انثنيت
…
اعنف من بَات يهواهم)
(وَمَا زلت فِي المرد ألحاهم
…
إِلَى أَن بليت بألحاهم) المتقارب
وَقَالَ أَيْضا
(تاه على النَّاس يإغرائه
…
أَي فاحذروني إِنَّنِي ملسن)
(إِن كَانَ فِي أَقْوَاله معربا
…
فَإِنَّهُ فِي فعله يلحن) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا يهجو
(مستيقظ فَإِذا استضيف
…
بِهِ يصير من النيام)
(وتراه فِي عدد الطغام
…
إِذا رأى مضغ الطَّعَام)
(تبدو مصائبه الْعِظَام
…
أَو أَن تَجْرِيد الْعِظَام) الْكَامِل المرفل
وَقَالَ يهجو فاصدا
(وفاصد مبضعه مشرع
…
كَأَنَّهُ جَاءَ إِلَى حَرْب)
(فصد بِلَا نفع فَمَا حَاصِل
…
غير دم يخرج من ثقب)
(لَو مر فِي الشَّارِع من خَارج
…
لمات من فِي دَاخل الدَّرْب)
(خُذْهُ إِذا جَاشَتْ عَلَيْك العدا
…
فوحده يُغْنِيك عَن حَرْب) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا وَقد جَاءَ بالعراق وفر كثير يَعْنِي بالوفر الثَّلج
(يَا صُدُور الزَّمَان لَيْسَ بوفر
…
مَا رَأَيْنَاهُ فِي نواحي الْعرَاق)
(إِنَّمَا عَم ظلمكم سَائِر الأَرْض
…
فشابت ذوائب الْآفَاق) الْخَفِيف
وَقَالَ فِي مغسل الشَّرَاب وَهُوَ جردان
(إِنِّي إِذا مَا حضرت فِي مَلأ
…
عددت من بعض آلَة الْفَرح)
(إِذا تصدرت فِي مجَالِسهمْ
…
تنغصوا لي بفاضل الْقدح) المنسرح
وللبديع الإسطرلابي من الْكتب اخْتِصَار ديوَان أبي عبد الله الْحُسَيْن بن الْحجَّاج
زيج سَمَّاهُ المعرب المحمودي أَلفه للسُّلْطَان مَحْمُود أبي الْقَاسِم بن مُحَمَّد
أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن الْفضل
بغدادي المولد والمنشأ وَكَانَ يعاني صناعَة الطِّبّ ويباشر أَعمالهَا ويعد من جملَة الموصوفين بهَا
وَكَانَ أَيْضا يكحل إِلَّا أَن الشّعْر كَانَ أغلب عَلَيْهِ وَكَانَ كثير النَّوَادِر خَبِيث اللِّسَان وَله ديوَان شعر
وَكَانَ بَينه وَبَين الْأَمِير أبي الفوارس سعد بن مُحَمَّد بن الصيفي الشَّاعِر الْمُسَمّى حيص بيص شنآن وتهاتر وَكَانَا قد يصطلحان وقتا ثمَّ يعودان إِلَى مَا كَانَا فِيهِ
وَسبب تَسْمِيَة الحيص بيص بِهَذَا إِنَّه كَانَ الْعَسْكَر بِبَغْدَاد قد هم بِالْخرُوجِ إِلَى السُّلْطَان السلجوقي وَذَلِكَ فِي أَيَّام المقتفي لأمر الله فَكَانَ النَّاس من ذَلِك فِي حَدِيث كثير وحركة زَائِدَة
فَقَالَ مَا لي أرى النَّاس فِي حيص بيص فلقب بذلك وَكَانَ الَّذِي ألصق بِهِ هَذَا النَّعْت أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن الْفضل وَكَانَ الحيص بيص يقْصد فِي كَلَامه أبدا وَفِي رسائله الفصاحة البليغة والألفاظ الغريبة من اللُّغَة
وَمن ذَلِك حَدثنِي بعض الْعِرَاقِيّين أَن الحيص بيص كَانَ قد نقه من مرض عَاده فِيهِ أَبُو الْقَاسِم ابْن الْفضل فوصف لَهُ أكل الدراج فَمضى غُلَامه وَاشْترى دَرَّاجًا واجتاز على بَاب أَمِير وَبِه غلْمَان ترك أصاغر يَلْعَبُونَ فخطف أحدهم الدراج من الْغُلَام وَمضى
فَأتى الْغُلَام إِ ليه فَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ لَهُ ائْتِنِي بِدَوَاةٍ وبيضاء فَأَتَاهُ بهما فَكتب لَو كَانَ مبتر دراجه فتخاء كاسر وقف بهَا السغب
بَين التدوين والتمطر فَهِيَ تعقى وتسف وَكَانَ بِحَيْثُ تنقب أَخْفَاف الْإِبِل لوَجَبَ الإغذاذ إِلَى نصرته فَكيف وَهُوَ ببحبوحة كرمك وَالسَّلَام
ثمَّ قَالَ لغلامه امْضِ بهَا وَأحسن السفارة فِي وصلتها إِلَى الْأَمِير فَمضى وَدفعهَا لحاجبه فَدَعَا الْأَمِير بكاتبه وناوله الرقعة فقرأها ثمَّ فكر ليعبر لَهُ عَن الْمَعْنى فَقَالَ لَهُ الْأَمِير مَا هُوَ فَقَالَ مَضْمُون الْكَلَام إِن غُلَاما من غلْمَان الْأَمِير أَخذ دَرَّاجًا من غُلَامه فَقَالَ اشْتَرِ لَهُ قفصا مملوءا دَرَّاجًا فاحمله إِلَيْهِ
فَفعل
وحَدثني شَيخنَا الْحَكِيم مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ رحمه الله أَن حيص بيص الشَّاعِر بِبَغْدَاد كَانَ قد كتب إِلَى أَمِين الدولة بن التلميذ ورقة يقْصد فِيهَا أَن ينفذ إِلَيْهِ شياف أبار وَهِي أزكنك أَيهَا الطِّبّ اللب الآسي النطاسي النفيس النقريس أرجنت عنْدك أم خنور وسكعت عَنْك أم هوير إِنِّي مستأخذ أشعر فِي حنادري رطسا لَيْسَ كاسب شبوة وَلَا كنخر المنصحة وَلَا كنكز الحضب بل كسفع الزخيخ فَأَنا من التباشير إِلَى الغباشير لَا أعرف ابْن سمير من ابْن جمير وَلَا أحسن صَفْوَان من همام بل آونة أرجحن شاصيا وفينة أحبنطي مقلوليا وَتارَة أعر نزم وطورا وأسلنقي كل ذَلِك مَعَ أح وَأَخ وحس وتهم قرونتي أَن ارْفَعْ عقيرتي بيعاط عاط إِلَى هياط ومياط وهالي أول وأهون وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشيار وَلَا أحيص وَلَا أكيص وَلَا اغرندي وَلَا أسرندي فتبادرني بشياف الْأَبَّار النافع لعلتي الناقع لغلتي
قَالَ فَلَمَّا قَرَأَ أَمِين الدولة الورقة نَهَضَ لوقته وَأخذ حفْنَة شياف أبار وَقَالَ لبَعض أَصْحَابه أوصله إِيَّاهَا عَاجلا وَلَا نتكلف قِرَاءَة ورقة ثَانِيَة
وَكتب الحيص بيص إِلَى المقتفي لأمر الله سبع رقاع عِنْد طلبه بعقوبا مِنْهُ
الأولى أَنَّهَا لطايا وَلَاء حملت سفر ثَنَاء غرد بهَا حادي رَجَاء والمنزل الفناء
الثَّانِيَة أجري جِيَاد حمد فِي ساحات مجد إِجْرَاء ممطر نهد من غير باعثة وَجهد منتجعا
غب الْغَايَة كرماء
الثَّالِثَة جد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بوفر دثر لَا بكي وَلَا نزر لمفصح شعر يمم لجة بَحر يرتاد عتاد دهر فالقافية سحر وَالسَّامِع حبر وَالعطَاء غمر
الرَّابِعَة أَن الْموصل واليغاران هما اقطاع ملكَيْنِ سلجوقيين وكانتا جائزتين لشاعرين طائيين من إمامين مرضيين أَحدهمَا معتصم بِاللَّه وَالْآخر متوكل على الله وَالْبناء الْأَشْرَف أعظم وعطاؤه أرزم فعلام الحرمان
الْخَامِسَة خَامِسَة من الخدم فِي انتجاع شابيب الْكَرم من الْقُدس الْأَعْظَم حلوان قافية تجْرِي كناجية بمخترق بادية تهدي سفرا وتسهل وعرا والرأي بنجح آمالها أَحْرَى
السَّادِسَة أَن وَرَاء الْحجاب المسدل لَا يهم طود وخضم يم مخرس خطب وَقَاتل جَدب جلّ فبهر وَعز فقهر ونال فغمر صلوَات الله عَلَيْهِ مَا هبت الرّيح وَنبت الشيج
السَّابِعَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مائَة بَيت شعر أَو سبع رقاع نثر اتذاد عَن النجح ذياد الحائمات كلا إِن الأعراق لبوية والمكارم عباسية والفطنة لوذعية وَكفى بالمجد محاسبا
(مَاذَا أَقُول إِذا الروَاة ترنموا
…
بفصيح شعري فِي الإِمَام الْعَادِل)
(وَاسْتحْسن الفصحاء شَأْن قصيدة
…
لأجل ممدوح وأفصح قَائِل)
(وترنحت أعطافهم فَكَأَنَّمَا
…
فِي كل قافية سلافة بابل)
(ثمَّ انثنوا غب القريض وَضَمنَهُ
…
يتساءلون عَن الندى والنائل)
(هَب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بأنني
…
قصّ الفصاحة مَا جَوَاب السَّائِل) الْكَامِل
وَكَانَت وَفَاة أبي الْقَاسِم بن الْفضل فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة وَمن شعر أبي الْقَاسِم هبة الله أَنْشدني مهذب الدّين أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْحلَبِي قَالَ أَنْشدني بديع الدّين أَبُو الْفَتْح مَنْصُور بن أبي الْقَاسِم بن عبد الله بن عبد الدَّائِم الوَاسِطِيّ الْمَعْرُوف بِابْن سَواد الْعين قَالَ أَنْشدني أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن الْفضل لنَفسِهِ
(فِي الْعَسْكَر الْمَنْصُور نَحن عِصَابَة
…
مرذولة أخسس بِنَا من معشر)
(خُذ عقلنا من عَقدنَا فِيمَا ترى
…
من خسة ورقاعة وتهور)
(تكريت تعجزنا وَنحن بجهلنا
…
نمضي لنأخذ ترمذا من سنجر)
(أما الحويزي الدعي فَإِنَّهُ
…
دلو يشوب تكبرا بتمسخر)
(يكنى أَبَا الْعَبَّاس وَهُوَ بذلة
…
حكمت عَلَيْهِ وأسجلت بِمَعْمَر)
(فِي كف وَالِده وَفِي أقدامه
…
آثَار نيل لَا يزَال وعصفر)
(يمشي إِلَى حجر القيان بنشطة
…
ويدب فِي الْمِحْرَاب نَحْو الْمِنْبَر)
(وَحَدِيثه فِي الْحق أَو فِي بَاطِل
…
لم يخله من وَحْشَة وتمهزر)
(وَإِذا رأى البركيل يرعد خيفة
…
ذِي الهاشمية أَصْلهَا من خَيْبَر)
(نسب إِلَى الْعَبَّاس لَيْسَ شبيهه
…
فِي الضعْف غير الباقلاء الْأَخْضَر)
(والحيص بيص مبارز بقناته
…
وَأَنا بشعشعتي طَبِيب الْعَسْكَر)
(هذاك لَا يخْشَى لتقل بعوضة
…
وَأَنا فَلَا أَرْجَى لبرء مُدبر)
(أجري بمبضعي الدِّمَاء وسيفه
…
فِي الْعمد لم يعرض لظفر الْخِنْصر)
(لقرينه فِي الْحَرْب طول سَلامَة
…
وصريع تدبيري بِوَجْه مُدبر) الْكَامِل
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني البديع أَبُو الْفَتْح الوَاسِطِيّ قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ يمدح سديد الدولة أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْأَنْبَارِي كَاتب الْإِنْشَاء بِبَغْدَاد
(يَا من هجرت فَمَا تبالي
…
هَل ترجع دولة الْوِصَال)
(مَا أطمع يَا عَذَاب قلبِي
…
أَن ينعم فِي هَوَاك بالي)
(الطّرف من الصدود باك
…
والجسم كَمَا تَرين بالي)
(وَالْقلب كَمَا عهِدت صاب
…
باللوعة والغرام صالي)
(والشوق بخاطري مُقيم
…
مَا يُؤذن عَنهُ بارتحال)
(يَا من نكأت صميم قلبِي
…
بالحزن وَصُورَة الخبال)
(هَيْهَات وَقد سلبت غمضي
…
أَن أظفر مِنْك بالخيال)
(لَو شِئْت وقفت عِنْد حد
…
لَا يسمح مِنْك فِي الدَّلال)
(مَا ضرك أَن تعلليني
…
فِي الْوَصْل بموعد محَال)
(أهواك وَأَنت حَظّ غَيْرِي
…
يَا قاتلتي فَمَا احتيالي)
(وَالْقَتْل لظاهري شعار
…
أَن أَنْت عززت باختيال)
(ذَا الحكم عَليّ من قُضَاة
…
من أرخصني لكل غالي)
(أَيَّام عنائي فِيك سود
…
مَا أشبههن بالليالي)
(واللوم فِيك يزجروني
…
عَن حبك مَا لَهُم وَمَالِي)
(الْعِشْق بِهِ الشغاف أضحى
…
عَن ذكر سواك فِي اشْتِغَال)
(وَالنَّار وَإِن خبت لظاها
…
فِي الصَّدْر تشب باشتعال)
(يَا ملزمي السلو عَنْهُمَا
…
الصب أَنا وَأَنت سالي)
(وَالْقَوْل بِتَرْكِهَا صَوَاب
…
مَا أحْسنه لَو اسْتَوَى لي)
(دَعْنِي وتغزلي بخود
…
ترنو وتغن عَن غزال)
(حوراء لطرفها سِهَام
…
أمضى وأمض من نبال)
(فِي الْقلب لوقعها جراح
…
لَا برْء لَهَا من اغتيال)
(فَارْحَمْ قلقا بهَا وقيذا
…
واعذره فَمَا العذار خَالِي)
(مَا يجمل أَن تلوم صبا
…
إِن هام بربة الْجمال)
(إياك وخلني وويلي
…
فِي الوجد مُسلما لحالي)
(إِن كنت تعده صلاحا
…
دَعْنِي فهداي فِي ضلالي)
(فِي طاعتها بِلَا اخْتِيَاري
…
قد صَحَّ بعشقها اختلالي)
(طلقت تجلدي ثَلَاثًا
…
والصبوة بعد فِي حبالي)
(من أَيْن وَكَيف لي بصبر
…
عَن حسن بعيدَة الْمِثَال)
(لم أحظ بطائل لَدَيْهَا
…
إِلَّا بزخارف الْمحَال)
(كم قد نكلت عقيب عهد
…
فالقلب لذاك فِي نكال)
(كَمَا غرني الخداع مِنْهَا
…
فِي القاع على ظمأ الزلَال)
(هلا صدقت كأريحي
…
من أكْرم معشر وَآل)
(راجية لَدَيْهِ فِي جناب
…
بالأنعم سابغ الظلال)
(مَا الْغَيْث يسح من يَدَيْهِ
…
كالغيث يسح فِي الفعال)
(من موئله ذرى سديد
…
الدولة ذِي الندى المدال)
(لَا تطمع أَن تنَال مِنْهُ
…
بالضيم مرادها اللَّيَالِي)
(والغدر لَعَلَّه حمام
…
قد رقن لَهُ بِلَا المنذال)
(تسقيه يَد النجاح مِنْهَا
…
مَا شَاءَ ببارد زلال)
(فِي ربع مهنأ العطايا
…
فِي الأزمة مُسبل العزالي)
(أستصرخ مِنْهُ حِين أَشْقَى
…
بالشدة أرْحم الموَالِي)
(من جود يَدَيْهِ لي كَفِيل
…
فِي الْقَحْط براتب الْعِيَال)
(لَا ينظر فِي سوى صلاحي
…
إِن أبصرني بِسوء حَال)
(مَا زَالَ وَلَا يزَال طبعا
…
يُعْطي كرما وَلَا يُبَالِي)
(لَا يُعجبهُ ملام ناه
…
فِي الذب عَن العلى بِمَال)
(فالسؤدد شَمله جَمِيع
…
فِي دَار مفرق النوال)
(من يلق مُحَمَّدًا بمدح
…
يحمده بِأَحْسَن الْخلال)
(والوجد بغادة رداح
…
فالأعظم مِنْهُ كالخلال)
(والجود بكف ذِي سماح
…
من خير مَنَاقِب الرِّجَال)
(مولَايَ نِدَاء مستجير
…
يَدْعُوك لدائه العضال)
(يَا أكْرم منعم عَلَيْهِ
…
فِي دفع مآربي اتكالي)
(دبر محني لَعَلَّ جرحي
…
يجْبرهُ نداك باندمال)
(كم أوقفني غَرِيم سوء
…
فِي حَال وُقُوفه حيالي)
(كالمفلس من يهود هطرى
…
فِي قَبْضَة عَامل الجوالي)
(مَا صَحَّ لي الْخَلَاص مِنْهُ
…
إِلَّا بصحاحك الثقال)
(وَالْعَادَة فِي صَلَاح عدمي
…
فِي الْعود لمثلهَا سُؤَالِي)
(تقريظك مَا حييت دأبي
…
بالظاء على فرَاغ بالي)
(مَا أكحل بالهجاء لَكِن
…
بِالْقَصْدِ لكفك اشتغالي)
(فالعرض أرده سمينا
…
والكيس محالف الهزال)
(من دبر هَكَذَا مزاجا
…
بالحذق لصورة الْكَمَال)
(فالصبغ إِذا أَتَاهُ عفوا
…
وافاه برزقه الْحَلَال)
(يَا خير مُؤَمل إِلَيْهِ
…
شددت بمدائحي رحالي)
(لم يقضك خاطري حقوقا
…
مذ أصبح ظَاهر الكلال)
(أَن أثن عَلَيْك أبدا عَجزا
…
عَن نعت مُعظم الْجلَال)
(أوصافك فِي الفخار جَازَت
…
فِي الْكَثْرَة عدَّة الرمال)
(فالخط طوالها قصار
…
عَن خطك سَاعَة النزال)
(كم رَاع بك القنا يراع
…
فِي كفك وَاسع المجال)
(أقلامك أسْهم قواض
…
والنقش لَهُنَّ كالنصال)
(تقضي ثعل لَهَا بفخر
…
والقارة سَاعَة النضال)
(لَو شاجرت الرماح كَانَت
…
فِي الروع لكفها العوالي)
(أَو صافحت الصفاح فَلت
…
غربي متشعشع الصقال)
(أَو حبرت المثالث أبدت
…
مَا دق وَجل عَن مِثَال)
(تملى فقرا من الْمعَانِي
…
سددن مفاقر الْمَعَالِي)
(ينفثن على الصَّباح لَيْلًا
…
ناهيك بسحرها الْحَلَال)
(كتب ضمنت بِلَا اشْتِرَاط
…
تمزيق كتائب جلال)
(هاروت إِذا أَتَتْهُ ولى
…
لَا يخْطر بابلا ببال)
(فِيهَا سبح على لجين
…
أَسْنَى قيمًا من اللآلي)
(فِي النشر كأوجه العذارى
…
غلفن بفاخر الغوالي)
(ألفاظك للوعول حطت
…
مستنزلة من الفلال)
(بالكيد تقتل الأعادي
…
فِي السّلم لَهَا بِلَا قتال)
(كم رضت من الورى جموحا
…
لِلْعَقْلِ فَعَاد فِي عقال)
(لَا زلت موفق المساعي
…
بالجد مُشَفع السُّؤَال)
(تنقاد لَك الْأُمُور طَوْعًا
…
يَا خير بَقِيَّة الرِّجَال)
(يَا أكْرم وَالِد لنجل
…
يتلوه مهذب الْخلال)
(أكْرم بفتاك من ولي
…
للدولة مخلص موَالٍ)
(إِن جاد يخجل الغوادي
…
أَو قَالَ أَجَاد فِي الْمقَال)
(يَا شمس علا زهت ببدر
…
حاشاه يُقَاس بالهلال)
(لَا زَالَ مشرقا منيرا
…
فِي ظلك دَائِم الْكَمَال)
(مَا عادك بالسرور عيد
…
ترعاه بِأَحْسَن اشْتِمَال)
(فِي أَسْبغ نعْمَة وعيش
…
بالطيبة دَائِم التوالي)
(لَا زَالَ علاك فِي ثبات
…
لَا يُسلمهُ إِلَى زوالي)
(عَن أخْلص نِيَّة بِصدق
…
فِي طول بقائك ابتهالي)
(مَا يلتبس الصَّحِيح يَوْمًا
…
تالله عَلَيْك بالمحال)
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني البديع الوَاسِطِيّ قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(لَا أمدح الْيَأْس وَلكنه
…
أروح للقلب من المطمع)
(أَفْلح من أبْصر عشب المنى
…
يرْعَى فَلم يرع وَلم يرتع) السَّرِيع
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني البديع الوَاسِطِيّ قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(يَا معشر النَّاس النفير النفير
…
قد جلس الهردب فَوق السرير)
(وَصَارَ فِينَا آمرا ناهيا
…
وَكنت أَرْجُو أَنه لَا يصير)
(فَكلما قلت قذى ينجلي
…
وظلمة عَمَّا قَلِيل تنير)
(فتحت عَيْني فَإِذا الدولة
…
الدولة وَالشَّيْخ الْوَزير الْوَزير) السَّرِيع
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني البديع الوَاسِطِيّ قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
وَقَالَ فِي الحيص بيص الشَّاعِر وَكَانَت قد نبحت عَلَيْهِ كلبة مجرية فَقتل جروا لَهَا بِالسَّيْفِ
(يَا أَيهَا النَّاس إِن الحيص بيص أَتَى
…
بفعلة أورثته الخزي فِي الْبَلَد)
(هُوَ الجبان الَّذِي أبدى شجاعته
…
على جري ضَعِيف الْبَطْش وَالْجَلد)
(فأنشدت أمه من بَعْدَمَا احتسبت
…
دم الابليق عِنْد الْوَاحِد الصَّمد)
(أَقُول للنَّفس تأساء وتعزية
…
إِحْدَى يَدي أصابتني وَلم ترد)
(كِلَاهُمَا خلف من فقد صَاحبه
…
هَذَا أخي حِين أَدْعُوهُ وَذَا وَلَدي) الْبَسِيط
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني البديع الوَاسِطِيّ قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(يَا ابْن المرخم صرت فِينَا حَاكما
…
خرف الزَّمَان ترَاهُ أم جن الْفلك)
(إِن كنت تحكم بالنجوم فَرُبمَا
…
أما شَرِيعَة أَحْمد من أَيْن لَك) الْكَامِل
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني البديع الوَاسِطِيّ قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ يهجو البديع الاصطرلابي
(لَا غرو أَن دهي الحجيج وَإِن
…
رموا مِنْهُ بنكبه)
(حج البديع وعرسه
…
وفتاه فَانْظُر أَي عصبَة)
(فَثَلَاثَة من منزل
…
علق وقواد وقحبة) الْكَامِل المرفل
وَمن شعر أبي الْقَاسِم هبة الله بن الْفضل أَيْضا قَالَ يهجو أَمِين الدولة بن التلميذ
(هَذَا تواضعك الْمَشْهُور عَن ضعة
…
قد صرت فِيهِ بِفضل اللؤم مُتَّهم)
(قعدت عَن أمل الراجى وَقمت لَهُ
…
هَذَا وثوب على القصاد لَا لَهُم) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(غزال قطّ لَا يهوى
…
سوى المطبوعة التبر)
(وَلَا يُعجبهُ المطبوع
…
من نظمي وَلَا نثري) الهزج
وَقَالَ أَيْضا
(أَحْسَنت يَا عَسْكَر دين الْهدى
…
مُنْهَزِمًا فِي خَمْسمِائَة ألف)
(كَأَنَّهُ الحبال فِي سيره
…
يزْدَاد إقداما إِلَى خلف) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(أَلا قل ليحيى وَزِير الْأَنَام
…
محوت الشَّرِيعَة محو السطور)
(كسرت الصِّحَاح بتصحيحها
…
وأصبحت تضربها فِي الجذور)
(وَمَا أَن قصدت لتهذيبها
…
وَلَكِن لتهذي بهَا فِي الصُّدُور) المتقارب
وَقَالَ أَيْضا
(وَقَالُوا قد تحجب عَنْك مولى
…
وَصَارَ لَهُ مَكَان مستخص)
(فَقلت سيفتح الأقفال شعري
…
ويدخلها فَإِن الْبرد لص) الوافر
وَقَالَ يمدح الدَّوَاء الْمَعْرُوف ببر شعثا لما ألف تركيبه أوحد الزَّمَان
(تجرعت برشعثا وحالي أَشْعَث
…
فَمَا نزلت بِي بعده عِلّة شعثا)
(وَلَو بعد عِيسَى جَازَ إحْيَاء ميت
…
لَا صبح يحيا كل ميت ببرشعثا) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(هَذَا يَقُول اسْتَرَحْنَا
…
وَذَا يَقُول عصينا)
(ويكذبان ويهذي
…
الَّذِي يصدق منا) المجتث
وَقَالَ أَيْضا
(كم ترددت مرَارًا
…
وتجرعت مراره)
(ثمَّ لما وفْق الله
…
وَوَقعت بكاره)
(لم يكن فِيهَا من الْحِنْطَة
…
مَا تقْرض فاره) الرمل
وَقَالَ أَيْضا
(أمدحه طورا وأهذي بِهِ
…
طورا وَلَا أطمع فِي رفده)
(مثل إِمَام بَين أهل الْقرى
…
صلى بهم وَالزَّيْت من عِنْده) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(يَا خَائِف الهجو على نَفسه
…
كن فِي أَمَان الله من مَسّه)
(أَنْت بِهَذَا الْعرض بَين الورى
…
مثل الخرا يمْنَع من نَفسه) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(كلما قلت قد تبغدد
…
قومِي تحمصصوا)
(لَيْسَ إِلَّا ستر يشال
…
وَبَاب مجصص)
(والغواشي على الرؤوس
…
عَلَيْهَا المقرنص)
(وَأَنا الْكَلْب كل يَوْم
…
لقرد أبصبص)
(كلما صفق الزَّمَان
…
لَهُم قُمْت أرقص)
(فَمَتَى اسْمَع النداء
…
وَقد جَاءَ مخلص) الْخَفِيف
وَلأبي الْقَاسِم هبة الله من الْكتب تعاليق طبية مسَائِل وأجوبتها فِي الطِّبّ ديوَان شعره
العنتري
هُوَ أَبُو الْمُؤَيد مُحَمَّد بن المجلي بن الصَّائِغ الْجَزرِي كَانَ طَبِيبا مَشْهُورا وعالما مَذْكُورا حسن المعالجة جيد التَّدْبِير وافر الْفضل فيلسوفا متميزا فِي علم الْأَدَب
وَله شعر كثير فِي الْحِكْمَة وَغَيرهَا
وحَدثني الْحَكِيم سديد الدّين مَحْمُود بن عمر رحمه الله أَن العنتري كَانَ فِي أول أمره يكْتب أَحَادِيث عنتر الْعَبْسِي فَصَارَ مَشْهُورا بنسبته إِلَيْهِ
وَمن كَلَامه فِي الْحِكْمَة قَالَ
بني تعلم الْعُلُوم فَلَو لم تنَلْ من الدُّنْيَا إِلَّا الْغنى عَمَّن يستعبدك بِحَق أَو بباطل
وَقَالَ بني أَن الْحِكْمَة الْعَقْلِيَّة تريك الْعَالم يقادون بأزمة الْجَهْل إِلَى الْخَطَأ وَالصَّوَاب
وَقَالَ الْجَاهِل عبد لَا يعْتق رقّه إِلَّا بالمعرفة
وَقَالَ الْحِكْمَة سراج النَّفس فَمَتَى عدمتها عميت النَّفس عَن الْحق
وَقَالَ الْجَاهِل سَكرَان لَا يفِيق إِلَّا بالمعرفة
وَقَالَ الْحِكْمَة غذَاء النَّفس وجمالها وَالْمَال غذَاء الْجَسَد وجماله فَمَتَى اجْتمعَا للمرء زَالَ نَقصه وَتمّ كَمَاله وَنعم باله
وَقَالَ الْحِكْمَة دَوَاء من الْمَوْت الأبدي
وَقَالَ كَون الشَّخْص بِلَا علم كالجسد بِلَا روح
وَقَالَ الْحِكْمَة شرف من لَا شرف لَهُ قديم
وَقَالَ الْأَدَب أزين للمرء من نسبه وَأولى بِالْمَرْءِ من حَسبه وأدفع عَن عرضه من مَاله وَأَرْفَع لذكره من جماله
وَقَالَ من أحب أَن يُنَوّه باسمه فليكثر من الْعِنَايَة بِعِلْمِهِ
وَقَالَ الْعَالم المحروم أشرف من الْجَاهِل المرزوق
وَقَالَ عدم الْحِكْمَة هُوَ العقم الْعَظِيم
وَقَالَ الْجَاهِل يطْلب المَال والعالم يطْلب الْكَمَال
وَقَالَ الْغم ليل الْقلب وَالسُّرُور نَهَاره وَشرب السم أَهْون من معاناة الْهم
وَمن شعر أَبُو الْمُؤَيد مُحَمَّد بن المجلي بن الصَّائِغ الْمَعْرُوف بالعنتري أَنْشدني إِيَّاه الْحَكِيم سديد الدّين مَحْمُود بن عمر بن رقيقَة قَالَ أَنْشدني مؤيد الدّين ولد العنتري قَالَ أَنْشدني وَالِدي لنَفسِهِ
(احفظ بني وصيتي واعمل بهَا
…
فالطب مَجْمُوع بِنَصّ كَلَامي)
(قدم على طب الْمَرِيض عناية
…
فِي حفظ قوته مَعَ الْأَيَّام)
(بالشبه تحفظ صِحَة مَوْجُودَة
…
والضد فِيهِ شِفَاء كل سقام)
(أقلل نكاحك مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّهُ
…
مَاء الْحَيَاة يراق فِي الْأَرْحَام)
(وَاجعَل طَعَامك كل يَوْم مرّة
…
وَاحْذَرْ طَعَاما قبل هضم طَعَام)
(لَا تحقر الْمَرَض الْيَسِير فَإِنَّهُ
…
كالنار يصبح وَهِي ذَات ضرام)
(وَإِذا تغير مِنْك حَال خَارج
…
فاحتل لرجعة حل عقد نظام)
(لَا تهجرن الْقَيْء واهجر كل مَا
…
كيموسه سَبَب إِلَى الإسقام)
(إِن الْحمى عون الطبيعة مسعد
…
شاف من الْأَمْرَاض والألام)
(لَا تشربن بعقب أكل عَاجلا
…
أَو تأكلن بعقب شرب مدام)
(والقيء يقطع وَالْقِيَام كِلَاهُمَا
…
بهما وَلَيْسَ بِنَوْع كل قيام)
(وَخذ الدَّوَاء إِذا الطبيعة كررت
…
بالاحتلام وَكَثْرَة الأحلام)
(وَإِذا الطبيعة مِنْك نقت بَاطِنا
…
فدواء مَا فِي الْجلد بالحمام)
(إياك تلْزم أكل شَيْء وَاحِد
…
فتقود طبعك للأذى بزمام)
(وتزيد فِي الأخلاط أَن نقصت بِهِ
…
زَادَت فنقص فَضلهَا بقوام)
(والطب جملَته إِذا حققته
…
حل وَعقد طبيعة الْأَجْسَام)
(ولعقل تَدْبِير المزاج فَضِيلَة
…
يشفى الْمَرِيض بهَا وبالأوهام) الْكَامِل
أَقُول وَهَذِه القصيدة تنْسب أَيْضا إِلَى الشَّيْخ الرئيس ابْن سينا وتنسب إِلَى الْمُخْتَار بن الْحسن بن بطلَان وَالصَّحِيح أَنَّهَا لمُحَمد بن المجلي لما قَدمته من إنشاد سديد الدّين مَحْمُود بن عمر لي مِمَّا أنْشدهُ مؤيد الدّين بن العنتري لوالده مِمَّا سَمعه مِنْهُ
وَوجدت العنتري أَيْضا ذكرهَا فِي كِتَابه الْمُسَمّى بِالنورِ المجتنى وَقَالَ أَنَّهَا لَهُ وَقَالَ أَيْضا أنشدنيها سديد الدّين
(وجودي بِهِ من كل نوع مركب
…
من الْعَالم الْمَعْقُول والمتركب)
(فذهني مشكاة وَنَفْسِي زجاجة
…
تضيء بمصباح الحجا المتلهب)
(ونوري من النُّور الإلهي دَائِما
…
يصب على ذاتي بِغَيْر تسكب)
(وزيتي من الزيتونة العذب دهنها
…
تنزه عَن وصف بشرق ومغرب)
(كَأَنِّي فِي وصفي مَنَارَة رَاهِب
…
بقنديلها الشفاف أشرف كَوْكَب) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(إِذا إِن غَدا وَالنَّفس مِنْهُ كجنة
…
يغرد فِي أرجائها كل طَائِر)
(تدبرت السَّبع الطباق وَفَارَقت
…
على شرف مِنْهَا سجون العناصر) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(كأننا ممتزج لم يزل
…
من عَالم النير والمظلم)
(فبعضنا يختارها دَاره
…
وبعضنا يرقى إِلَى الأنجم) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(الْحق يُنكره الجهول لِأَنَّهُ
…
عدم التَّصَوُّر فِيهِ والتصديقا)
(فَهُوَ الْعُدُول لكل مَا هُوَ جَاهِل
…
فَإِذا تصَوره يعود صديقا) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(لَو كنت تعلم كل مَا علم الورى
…
جمعا لَكُنْت صديق كل الْعَالم)
(لَكِن جهلت فصرت تحسب كل من
…
يهوى خلاف هَوَاك لَيْسَ بعالم)
(استحبي أَن الْعقل أصبح ضَاحِكا
…
مِمَّا تَقول وَأَنت مثل النَّائِم)
(لَو كنت تسمع مَا سَمِعت وعالما
…
مَا قد علمت خجلت خجلة نادم)
(وضع الْإِلَه الْخلف فِي كل الورى
…
بالطبع حَتَّى صَار ضَرْبَة لَازم) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(أبلغ الْعَالمين عني بِأَنِّي
…
كل علمي تصور وَقِيَاس)
(قد كشفت الْأَشْيَاء بِالْفِعْلِ حَتَّى
…
ظَهرت لي وَلَيْسَ فِيهَا التباس)
(وَعرفت الرِّجَال بِالْعلمِ لما
…
عرف الْعلم بِالرِّجَالِ النَّاس) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا
(قَالُوا رضيت وَأَنت اعْلَم ذَا الورى
…
بحقائق الْأَشْيَاء عَن باريها)
(تجتاب أَبْوَاب الخمول فَقلت عَن
…
كره وَلست بجاهل راضيها)
(لي همة مأسورة لي صادفت
…
سَعْدا بِغَيْر عوائق تثنيها)
(ضَاقَ الفضاء بهَا فَلَا يسطيعها
…
لعلوها الأفلاك أَن تحويها)
(مَا للمقاصد جمة ومقاصدي
…
ناط الْقَضَاء بهَا الفضا والتيها)
(أطوي اللَّيَالِي بالمنى وصروفها
…
تنشرنني أَضْعَاف مَا أطويها)
(إِنِّي على نوب الزَّمَان لصابر
…
أما سيفنى الْعُمر أَو يفنيها)
(أما الَّذِي يبْقى فقد أحرزته
…
والفانيات فَمَا أفكر فِيهَا) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(بني كن حَافِظًا للْعلم مطرحا
…
جَمِيع مَا النَّاس فِيهِ تكتسب نسبا)
(فقد يسود الْفَتى من غير سَابِقَة
…
للْأَصْل بِالْعلمِ حَتَّى يبلغ الشهبا)
(غذ الْعُلُوم بتذكار تزد أبدا
…
فَالنَّار تخمد مهما لم تَجِد حطبا)
(إِنِّي أرى عدم الْإِنْسَان أصلح من
…
عمر بِهِ لم ينل علما وَلَا نسبا)
(قضى الْحَيَاة فَلَمَّا مَاتَ شيعه
…
جهل وفقر فقد قضاهما نصبا) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(كن غَنِيا إِن اسْتَطَعْت وَإِلَّا
…
كن حكيما فَمَا عدا ذين غفل)
(إِنَّمَا سؤدد الْفَتى المَال وَالْعلم
…
وَمَا سَاد قطّ فقر وَجَهل) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا
(أقسم الْعُمر ثَلَاثًا واستمع
…
يَا بني النصح مني والرشادا)
(فاطلب الْحِكْمَة فِي أَوله
…
واحرز الْعلم وَجب فِيهِ البلادا)
(واكسب الْأَمْوَال فِي الثَّانِي وكل
…
واشرح الراح وَلَا تَبْغِ الفسادا)
(وترقب آخر الْعُمر فَإِن
…
جَاءَك الْمَوْت فقد نلْت المرادا)
(وَإِن إعتاقك فِي إِحْدَاهمَا
…
طَارق الْمَوْت فقد حزت الجهادا)
(هَذِه سيرة مَسْعُود بهَا
…
نَالَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُخْرَى السدادا) الرمل
وَقَالَ أَيْضا
(بني تعلم حِكْمَة النَّفس أَنَّهَا
…
طَرِيق إِلَى رشد الْفَتى وَدَلِيل)
(وَلَا تطلب الدُّنْيَا فَإِن كثيرها
…
قَلِيل وَعَما رقدة فتزول)
(فَمن كَانَ فِي الدُّنْيَا حَرِيصًا فَإِنَّهُ
…
يظل كئيب الْقلب وَهُوَ ذليل)
(وَمن يتْرك الدُّنْيَا وَأصْبح رَاهِبًا
…
فَمَا للأذى يَوْمًا إِلَيْهِ سَبِيل) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(نَفسِي تطالبني بِمَا فِي طبعها
…
وَالْعقل يزجرها عَن الشَّهَوَات)
(وَالنَّفس تعلم أَن ذَلِك وَاجِب
…
والطبع يجذبها إِلَى الْعَادَات)
(والطبع يقصر عَن مُرَاد كليهمَا
…
فكلاهما وقف على الحسرات)
(وَالنَّفس من خمر الْحَيَاة وسكرها
…
ستفيق بَين عَسَاكِر الْأَمْوَات) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(لَا تدنين فَتى يودك ظَاهرا
…
حبا وضد وداده فِي طبعه)
(واهجر صديقك أَن تنكر وده
…
فالعضو يحسم داؤه فِي قطعه) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(من لزم الصمت اكتسى هَيْبَة
…
تخفي عَن النَّاس مساويه)
(لِسَان من يعقل فِي قلبه
…
وقلب من يجهل فِي فِيهِ) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(عدل مزاجك مَا اسْتَطَعْت وَلَا تكن
…
كمسوف أودى بِهِ التَّخْلِيط)
(واحفظ عَلَيْك حرارة برطوبة
…
تبقى فتركك حفظهَا تَفْرِيط)
(وَاعْلَم بأنك كالسراج بَقَاؤُهُ
…
مَا دَامَ فِي طرف الذبال سليط) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(ثقلة الْجِسْم يستمد غذاه
…
طلبا مِنْهُ للبقا والدوام)
(هُوَ لما رأى التَّحَلُّل طبعا
…
أخلف الْمثل بالغذا وَالطَّعَام) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا
(ومخطف الخصر زارنا سحرًا
…
فِي غنج عَيْنَيْهِ سحر هاروت)
(يحمل تفاحة موردة
…
كدرة رصعت بياقوت)
(كَأَنَّهَا النَّجْم فِي توقده
…
قَارن بدر السَّمَاء فِي حوت) المنسرح
وَقَالَ أهْدى إِلَيّ بالرحبة بشر بن عبد الله الْكَاتِب طبقًا من تفاح لم أشاهد مثله حمرَة وندا فَكتبت إِلَيْهِ
وَقد كَانَ طلب مني تَشْبِيها فِي التفاح فَقلت لَهُ إِذا حضر عملت فِيهِ تَشْبِيها فنفذ ذَلِك فَكتبت إِلَيْهِ
(هبا فَإِن الديك هَب وصاحا
…
جنح الظلام واسقياني الراحا)
(رَاح تريح من الهموم وطبعها
…
يَنْفِي السقام وينعش الأرواحا)
(أهدي الرئيس وَفِي نداه سجية
…
تهدي النفائس غدْوَة ورواحا)
(طبقًا من التفاح إِنِّي لم أزل
…
أَهْوى الثِّمَار وأعشق التفاحا)
(إِن الطبيعة والمزاج تشاركا
…
فِي الْكَوْن لما أوجداه سماحا)
(صاغاه كالكافور لَكِن جلده
…
قد ألبساه من النجيع وشاحا)
(فَكَأَنَّهُ من لون حبي قابس
…
وَكَأَنَّهُ من نشر بشر فاحا) الْكَامِل
وَقَالَ فِي النارنج
(سقياني من مخدرات الدنان
…
بنت كرم حَمْرَاء كالأرجوان)
(وأدرها فِي مجْلِس ارهجته
…
نغمات النايات والعيدان)
(وَكَأن الكؤوس فِيهِ نُجُوم
…
أطلعتها أَيدي البدور الحسان)
(وابتدت بعد قطعهَا فلك السعد
…
جَمِيعًا تغيب فِي الْأَبدَان)
(وَكَأن النارنج بَين الندامى
…
أكرا مثلت من الزَّعْفَرَان) الْخَفِيف
وَقَالَ فِي الرُّمَّان الحامض
(وشادن أَبْلَج كالبدر
…
نادمته لَيْلًا إِلَى الْفجْر)
(بَات بِهِ يصرف عَنهُ الْأَذَى
…
بنهل كاسات من الْخمر)
(ينْتَقل الرُّمَّان فِي أَثَرهَا
…
مَخَافَة من ضَرَر السكر)
(كَأَنَّهُ وَهُوَ خَبِير بِهِ
…
يكسر الْيَاقُوت بالدر) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(وبابلي اللحاظ كَالْقَمَرِ
…
أصبح فِي الأَرْض فتْنَة الْبشر)
(أولاه فيض الْجمال أجمعه
…
وَالْحسن والظرف واهب الصُّور)
(خشيت من عقرب بِهِ قمر
…
فَكيف بالعقربين فِي قمر) المنسرح
وَقَالَ أَيْضا
(ومفهف يغشى الْعُيُون غريقه
…
فِي لج مَاء الْحسن مِنْهُ وموجه)
(قلم الطبيعة خطه وَالْمُشْتَرِي
…
يملي عَلَيْهِ عُطَارِد من أوجه) الْكَامِل
وَقَالَ فِي غلْمَان يسبحون بدجلة
(وسرب غيد بشاطئ دجلة خَرجُوا
…
عَن الثِّيَاب وألقوا سَائِر الكلف)
(كَأَنَّهُمْ وسط لج المَاء أجمعهم
…
در تجرد فِي بَحر عَن الصدف) الْبَسِيط
وَقَالَ فِي غُلَام فِي الْحمام
(جردته الْحمام من كل ثوب
…
وأرتني مِنْهُ الَّذِي كَانَ قصدي)
(بدنا كالصباح من تَحت ليل
…
حالك اللَّوْن أسود غير جعد)
(سكب المَاء فَوق جسم حكى
…
الْفضة حَتَّى اكتسى غلالة ورد) الْخَفِيف
وَقَالَ وكتبها إِلَى صديق
(جَاءَ شعْبَان منذرا بالصيام
…
فاسقياني رَاحا بِمَاء الْغَمَام)
(خندريسا كَأَنَّهَا الشَّمْس لونا
…
وضياء أسفى من الأوهام)
(واسقني من يَمِين أغيد ريم
…
من بني التّرْك مثل بدر التَّمام)
(فَكَأَن الصَّهْبَاء فِي الْحسن والساقي
…
بهَا والحباب فَوق المدام)
(شمس ظهر فِي كف بدر عَلَيْهَا
…
سمط در حكى نُجُوم الظلام)
(سِيمَا وَالربيع بالورد عاف
…
يَوْمه يشترى بسبعين عَام) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(كتبت وَبِي من لاعج الشوق والأسى
…
إِلَيْك جوى يوهي القوى والقوادما)
(وَلَوْلَا الرجا أَن يجمع الله بَيْننَا
…
كأحسن مَا كُنَّا أَتَيْتُك قادما)
(ولكنني أَدْعُو إِلَى الْوَاحِد الَّذِي
…
يرى كل شَيْء أَن يردك سالما) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(يَا من تربع جلقا وَغدا
…
يدعى من السُّعَدَاء عش أبدا)
(لَا تَطْلُبن بغَيْرهَا بَدَلا
…
هِيَ جنَّة الله الَّتِي وَعدا)
(قض الزَّمَان وَلَا تبع طَمَعا
…
نَقْدا بوعد ترتجيه غَدا)
(واشرب بهَا صفراء صَافِيَة
…
تَنْفِي الهموم وتسلب الكمدا)
(رَاحا إِذا بزلت بانية
…
قذفت على حافاتها الزبدا)
(فالعاقل الفطن اللبيب إِذا
…
نَالَ المنى فِي منزل قعدا)
(إِنِّي لَا هوى شرب صَافِيَة
…
مقطوبة فِي الكأس من بردى)
(من كف من يهوى الْفُؤَاد بهَا
…
تسْعَى بهَا وَاللَّيْل قد بردا)
(تَسْقِي ندامي كَالنُّجُومِ غدوا
…
بيض الْوُجُوه تخالها بردا)
(مَا نَلْتَقِي إِلَّا حَلِيف حجى
…
يلقِي الْعُلُوم وشاديا غردا) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(سَلام كأنفاس الرياض بعالج
…
يبلغهُ ريح الصِّبَا أَرض جلق)
(إِلَى سَاكن فِيهَا وَفِي الْقلب مثله
…
مُقيما بِهِ عقلا إِلَى حِين نَلْتَقِي)
(إِلَى جنَّة الدُّنْيَا جَمِيعًا وليتني
…
أنخت بهَا يَوْمًا من الدَّهْر أينقي)
(وَأَنت بهَا فالراح غير لذيذة
…
بِغَيْر نديم خَالص الود مُشفق)
(سميع مُطِيع للأخلاء قد صفا
…
بِغَيْر قذى صفو الشَّرَاب الْمُعْتق)
(وَإِنِّي ليدعوني الْهوى كل سَاعَة
…
إِلَيْك وتغريد الْحمام المطوق)
(سَلام من الشعرى الْيَمَانِيّ دَائِما
…
إِلَى تربها الشامية المتألق)
(وَإِن مزق الدَّهْر المعاند شملنا
…
فَإِن ودادي لَيْسَ بالمتمزق)
(وبدلني بالصد مِنْك فحالتي
…
كحالة مأسور بغربة موثق)
(وَمن نكد الدَّهْر الغشوم وَصَرفه
…
يجاور رغما فيلسوف لأحمق) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(يَا حجَّة الدّين سر بِاللَّه معتصما
…
وَلَا تكن لفراق حم ذَا أَسف)
(فللكواكب عذر فِي تنقلها
…
عَن الْبيُوت لكَي تحتل بالشرف)
(الدّرّ لَوْلَا نحور الغيد مَا خرجت
…
بِهِ الْمَقَادِير أَحْيَانًا من الصدف)
(فَأقبل إِلَى ملك مَا نَالَ غَايَته
…
وَمَا حواه مُلُوك الأَرْض فِي السّلف)
(هُوَ الهيولى وَأَنت الْجِسْم تقبل
…
أَصْنَاف الْمَعَالِي قبولا غير مُخْتَلف) الْبَسِيط
وَقَالَ استدعاني الرِّضَا وَزِير الجزيرة فِي لَيْلَة ممطرة فَكتبت إِلَيْهِ مَعَ الْغُلَام
(قل للوزير أدام الله نعْمَته
…
فِي دولة أمرهَا فِي الْحَضَر والبادي)
(بعثت فِي طلبي والغيث منسكب
…
والوحل قد كف سير الرَّائِح الغادي)
(وَقد رددت الَّذِي نفذت فِي طلبي
…
فَابْعَثْ إِلَيّ بمركوب ولباد) الْبَسِيط
فَبعث إِلَيْهِ مَا أَرَادَ وَقَالَ وَكتبه إِلَى بعض الْكتاب
(دَعْنِي من المطل الَّذِي لَا يَنْقَضِي
…
أبدا وسقم الْقلب بِالتَّعْلِيلِ)
(قل لي نعم أَو لَا بِغَيْر توقف
…
فاليأس أروح لي من التَّطْوِيل)
(لأَكُون من طمعي الكذوب كمن رأى
…
أضغاث أَحْلَام بِلَا تَأْوِيل) الْكَامِل
وَقَالَ يهجو عَليّ بن مسْهر الشَّاعِر
(مَا ولدت سعلاء من جن عبقر
…
بأقبح شخص من عَليّ بن مسْهر)
(لَهُ هَامة صلعاء من فَوق قامة
…
مقوسة حدباء فِي دور خنصر)
(بهَا جعل مَا بَين فَكَّيْهِ كامن يَزُجّ
…
الخرا من فِيهِ فِي كل محْضر)
(وَلما شكى دَاء قَدِيما بدبره
…
إِلَى وداء من فَم مِنْهُ ابخر)
(فَقلت دَوَاء الدبر طعنه أجرد
…
عريض الْقَفَا عُرْيَان أَقرع أَعور)
(تناك بِهِ من بَين فَخذي موسوس
…
بِهِ جنَّة كالعير هوج أير)
(وَمَا يشتكي فوك الْخَبيث دواؤه
…
بمسواك جعس مجه حجر خيبري)
(وكل من جوارشن الْبُطُون فَإِنَّهُ
…
لدائك أشفى من جوارشن قَيْصر)
(ففيك من العاهات مَا لَو تقسمت
…
على الْخلق جمعا لم تَجِد غير مُدبر) الطَّوِيل
وَقَالَ فِي الْمَرْأَة
(قد أَقبلت غولة الصبايا
…
تنظر عَن معلم النقاب)
(فَقلت من أعظم الرزايا
…
قفل على منزل خراب)
(أحسن مَا كنت فِي عباة
…
ملفوفة الرَّأْس فِي جراب) الْبَسِيط
وَقَالَ يمتدح فَضِيلَة الشَّرْع
(أَن الشَّرِيعَة ألفت بصلاحها
…
للْعَالم المتضادد المتمازج)
(الشَّرْع أصلح كل غاو مارد
…
وأمات شرة كل جَان مارج)
(لَوْلَا الشَّرِيعَة مَا تجمع واستوى
…
شَمل الورى ومنوا بشر هائج)
(أَن الشَّرِيعَة حِكْمَة وَمَنَافع
…
لمداخل ومصالح لمخارج)
(وَالْعقل نور الله إِلَّا أَنه
…
للْعَالم المحسوس غير ممازج)
(فَمَتَى اكتفيت بِفعل عقل دَاخل
…
فَسدتْ أمورك كلهَا من خَارج)
(الْأَنْبِيَاء كواكب تهدي إِلَى
…
سبل الْهدى لِذَوي السرى والدالج) الْكَامِل
وَقَالَ حِين ترك الْخمر وَتَابَ عَنهُ وَعَن الْمَدْح بالشعر
(نَار الحميا ونار الْفِكر مذ نهكا
…
جسمي تركت الحميا خشيَة النَّار)
(والكاس بالطبع تصدي عقل شاربها
…
وَالسكر يسلب مِنْهُ حِكْمَة الْبَارِي) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(صددت عَن الصَّهْبَاء لما وَجدتهَا
…
منافرة مني طباعي وأخلاقي)
(وعوضت عَنْهَا النَّفس كاسات حِكْمَة
…
تعللتها فازددت شوقا إِلَى الساقي) الطَّوِيل
وللعنتري من الْكتب كتاب النُّور المجتنى من روض الندما وتذكار الْفُضَلَاء الحكما ونزهة الْحَيَاة الدُّنْيَا رُتْبَة على فُصُول السّنة وَضَمنَهُ إشعارا وفوائد حَسَنَة لجَماعَة من الأدباء ولنفسه أَيْضا وَأَبَان فِيهِ عَن فضل
كتاب الجمانة فِي الْعلم الطبيعي والإلهي
كتاب الأقراباذين وَهُوَ أقراباذين كَبِير استقصى فِيهِ ذكر الْأَدْوِيَة المركبة وأجاد فِي تأليفه
رِسَالَة الشعرى اليمانية إِلَى الشعرى الشامية كتبهَا إِلَى عَرَفَة النَّحْوِيّ بِدِمَشْق جَوَابا عَن رِسَالَة كتبهَا إِلَيْهِ من دمشق
رِسَالَة حَرَكَة الْعَالم يهنئ بهَا وزيرا استدعي إِلَى وزارة بلد آخر وَهُوَ حجَّة الدّين مَرْوَان لما وزره أتابك زنكي بن آق سنقر
رِسَالَة الْفِرَاق مَا بَين الدَّهْر وَالزَّمَان وَالْكفْر وَالْإِيمَان
رِسَالَة الْعِشْق الإلهي والطبيعي
أَبُو الْغَنَائِم هبة الله بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن أثردى
من أهل بَغْدَاد متميز فِي الْحِكْمَة فَاضل فِي صناعَة الطِّبّ مَشْهُور بالجودة فِي الْعلم وَالْعَمَل
وَلأبي الْغَنَائِم هبة الله بن عَليّ بن أثردى من الْكتب تعاليق طبية وفلسفية
مقَالَة فِي أَن اللَّذَّة فِي النّوم فِي أَي وَقت تُوجد مِنْهُ وَألف هَذِه الْمقَالة لأبي نصر التكريتي طَبِيب الْأَمِير ابْن مران
عَليّ بن هبة الله بن أثردى
هُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن هبة الله بن عَليّ بن أثردى من أهل بَغْدَاد
طَبِيب فَاضل مَشْهُور بالتقدم فِي صناعَة الطِّبّ وجودة الْمعرفَة لَهَا حسن المعالجة جيد التصنيف
ولعلي بن هبة الله بن أثردى من الْكتب شرح كتاب دَعْوَة الْأَطِبَّاء أَلفه لأبي الْعَلَاء مَحْفُوظ بن المسيحي المتطبب
سعيد بن أثردى
هُوَ أَبُو الْغَنَائِم سعيد بن هبة الله بن أثردى من الْأَطِبَّاء الْمَشْهُورين بِبَغْدَاد وَكَانَ ساعور البيمارستان العضدي ومتقدما فِي أَيَّام المقتفي بِأَمْر الله
أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن أثردى
فَاضل فِي صناعَة الطِّبّ جيد الْأَعْمَال حسن المعالجة وَكَانَ من المشكورين بِبَغْدَاد
جمال الدّين عَليّ بن أثردى
هُوَ جمال الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي الْغَنَائِم سعيد بن هبة الله بن عَليّ بن أثردى فَاضل فِي صناعَة الطِّبّ عَالم بهَا متميز فِي علمهَا وعملها
كَانَ همام الدّين الْعَبْدي الشَّاعِر قد اسْتعَار من جمال الدّين عَليّ بن أثردى كتاب مسَائِل حنين فَقَالَ يمدحه ويشعره بِأَن الْمسَائِل الْعَارِية قد وَقع عَلَيْهَا اخْتِيَاره على سَبِيل الدعابة وَذَلِكَ فِي سنة ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
(حياك رقراق الحيا
…
عني وخفاف النسيم)
(فلأنت ذُو الْخلق الْكَرِيم
…
وَأَنت ذُو الْخلق الوسيم)
(غدق الأنامل بالندى
…
لبق الشَّمَائِل بالنعيم)
(مَا افتر إِلَّا فر جَيش
…
دجنة اللَّيْل البهيم)
(نضر الفكاهة كالحمام
…
جرى على زهر الجميم)
(ويسير أَوْقَات الثراء
…
كثير أفراح النديم)
(لَا بالملول وَلَا الْجَدْوَل
…
وَلَا الجهول وَلَا المليم)
(بل يشفع القَوْل اللَّطِيف
…
بوافر الطول الجسيم)
(نَاد الورى مستصرخا
…
هَل من صديق أَو حميم)
(حمال أعباء القرين
…
منيع أكناف الْحَرِيم)
(وادع الْكِرَام وَلنْ يُجيب
…
سوى أبي الْحسن الْحَكِيم)
(سمعا جمال الدّين قَول
…
مصاحب الود السَّلِيم)
(هَل للمسائل رَجْعَة
…
يَوْمًا إِلَى الوطن الْقَدِيم)
(هَيْهَات أعوز مَا يروم
…
الْفَحْل إلقاح الْعَقِيم)
(بيني وَبَيْنك وصلَة
…
الإفضال وَالْفضل العميم)
(والوصلة الْعُظْمَى حميد
…
ولَايَة النبأ الْعَظِيم)
(إِنَّا ليجمعنا الْوَلَاء
…
على صِرَاط مُسْتَقِيم)
الْكَامِل المرخل وَقَالَ أَيْضا يمدحه
(سل لم جَفا جفني الوسن
…
بعد بعاد من ظعن)
(وَمن نأى بِالصبرِ لم
…
غادر فِي قلبِي الْحزن)
(وَقل لمن خَال الْهوى
…
قل لي على الْبعد وَطن)
(لم يبعد الوجد الَّذِي
…
خَلفه الْبَين وَلنْ)
(وَلنْ ترى جوانحي
…
سَاكِنة بعد سكن)
(يَا من يظنّ الْحبّ من
…
أيسر أَحْدَاث الزَّمن)
(الْحبّ مَا صير ثوب
…
الْمَرْء للمرء كفن)
(لَا مَا أسَال مدمعا
…
أَو جعل السِّرّ علن)
(أما وممشوق القوام
…
ناعس الطّرف أغن)
(ينص جيد مطفل
…
تنشد خشفا مَا شدن)
(إِنِّي لاشتاق فَتى
…
لَا يتبع الْمَنّ منن)
(وَلنْ ترى أحسن من
…
شوقي إِلَى أبي الْحسن)
(مفتتن بِهِ فَتى
…
لَوْلَا هَوَاهُ مَا افْتتن)
(أحن شوقا وجوى
…
فليته اشتاق وحن)
(وَلَا أَزَال سَائِلًا
…
عَنهُ فَهَل يسْأَل عَن)
(هَيْهَات أَيْن ذُو خلا
…
من ذِي غرام وشجن)
(أَخُو الْهوى لَيْسَ لَهُ
…
من أسْهم الوجد جنن)
(تكَاد تجْرِي نَفسه
…
لَوْلَا ارتباط بِالْبدنِ)
(وَكَيف لَا أعشق معسول
…
الْعَطاء واللسن)
(للمجد مَا جاد بِهِ
…
وللسماح مَا خزن)
(فسمحه ذكاؤه
…
وللسماحات فطن)
(لَا ثل عرش سعده
…
وَلَا وهى وَلَا وَهن)
(أَحْمَده لَا طَالبا
…
مِنْهُ على الْحَمد ثمن)
(وَلَا وداد من نأى
…
عَن الظباء والضبن)
(فابق لنا مَا سجعت
…
حمامة على فنن)
(وامض كَمَا تُؤثر من
…
نهج العلى على سنَن)
(وليهنك الْعِيد الَّذِي
…
بِهِ العداة لم تهن) الرجز
فَخر الدّين المارديني
هُوَ الإِمَام فَخر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن عبد الرَّحْمَن بن عبد السَّاتِر الْأنْصَارِيّ
كَانَ أوحد زَمَانه وعلامة وقته فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة
قوي الذكاء فَاضل النَّفس جيد الْمعرفَة بصناعة الطِّبّ محاولا لأعمالها كثير التَّحْقِيق نزيه النَّفس محبا للخير متقنا للغة متفننا فِي الْعَرَبيَّة
مولده فِي ماردين وأجداده من الْقُدس وَكَانَ أَبوهُ قَاضِيا
وَلما فتح نجم الدّين الْغَازِي بن أرتق الْقُدس بعث جده عبد الرَّحْمَن إِلَى ماردين وقطن بهَا هُوَ وَأَوْلَاده
وَكَانَ شيخ فَخر الدّين المارديني فِي الْحِكْمَة نجم الدّين بن صَلَاح وَهُوَ نجم الدّين أَبُو الْفتُوح أَحْمد بن السّري وَكَانَ عجميا من همذان استدعاه حسام الدّين تمرتاش بن الْغَازِي بن ارتق
وَكَانَ ابْن الصّلاح فَاضلا فِي الْحِكْمَة جيد الْمعرفَة بهَا خَبِيرا بدقائقها وأسرارها
وَله تصانيف فِي الْحِكْمَة وَأقَام فِي آخر عمره بِدِمَشْق وَتُوفِّي رحمه الله فِي سنة وَدفن فِي مَقَابِر الصُّوفِيَّة عِنْد نهر بانياس بِظَاهِر دمشق وَقَرَأَ فَخر الدّين المارديني صناعَة الطِّبّ على أَمِين الدولة بن التلميذ
وحَدثني الْحَكِيم سديد الدّين مَحْمُود بن عمر الْمَعْرُوف بِابْن رقيقَة عَن فَخر الدّين المارديني أَنه قَرَأَ كتاب القانون لِابْنِ سينا على أَمِين الدولة بن التلميذ وباحثه فِيهِ وَبَالغ فِي تَصْحِيحه وتحريره مَعَه
وَكَانَ ابْن التلميذ يقْرَأ عَلَيْهِ صناعَة الْمنطق
وَمِمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك كتاب الْمُخْتَصر الْأَوْسَط للجرجاني لِابْنِ سينا
وَأقَام فَخر الدّين بن عبد السَّلَام المارديني فِي مَدِينَة حيني سِنِين كَثِيرَة وَكَانَ فِي خدمَة نجم الدّين بن ارتق
قَالَ سديد الدّين مَحْمُود بن عمر وَكَانَ قد صحب فَخر الدّين المارديني فِي مَدِينَة حيني وَقَرَأَ عَلَيْهِ صناعَة الطِّبّ ولازمه مُدَّة طَوِيلَة وَلم يكن يُفَارِقهُ فِي سَفَره وَلَا حَضَره إِن الشَّيْخ فَخر الدّين المارديني رحمه الله وصل إِلَى دمشق وَكنت مَعَه فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وأقرأ بهَا صناعَة الطِّبّ وَكَانَ لَهُ مجْلِس عَام للتدريس
وَكَانَ من جملَة من اشْتغل عَلَيْهِ ولازمه مُدَّة مقَامه بِدِمَشْق الشَّيْخ مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الشيح مهذب الدّين بعض كتاب القانون لِابْنِ سينا وَصَححهُ مَعَه
وَلم يزل الشَّيْخ فَخر الدّين المارديني مُقيما بِدِمَشْق إِلَى آخر شهر شعْبَان سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فَإِنَّهُ توجه قَاصِدا إِلَى بَلَده وَلما عزم على السّفر أَتَاهُ الشَّيْخ مهذب الدّين وَسَأَلَهُ إِن كَانَ يُمكنهُ أَن يُقيم بِدِمَشْق ليتمم عَلَيْهِ قِرَاءَة كتاب القانون وَأَن يكون يُوصل إِلَى وَكيله برسم النَّفَقَة فِي كل شهر ثلثمِائة دِرْهَم ناصرية فَلم يفعل
وَقَالَ الْعلم لَا يُبَاع أصلا بل من كَانَ معي فإنني اشغله أَيْن كنت
وَلم يُمكن مهذب الدّين التَّوَجُّه مَعَه وَلما سَافر فَخر الدّين المارديني من دمشق
وَكَانَ فِي طَرِيقه بحلب نفذ إِلَيْهِ الْملك الظَّاهِر غَازِي بن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين واستحضره وَأَعْجَبهُ كَلَامه فَطلب أَن يُقيم عِنْده فَاعْتَذر إِلَيْهِ
وَلم يقبل مِنْهُ الْملك الظَّاهِر ذَلِك وَأطلق لَهُ مَالا كثيرا وأنعم عَلَيْهِ وَكَانَ عَظِيم الْمنزلَة عِنْده وَبَقِي فِي خدمته نَحْو سنتَيْن ثمَّ سَافر إِلَى ماردين
أَقُول وَتُوفِّي فَخر الدّين المارديني رحمه الله يَوْم السبت الْحَادِي وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بآمد وَله من الْعُمر اثْنَان وَثَمَانُونَ سنة ووقف جَمِيع كتبه فِي ماردين فِي المشهد الَّذِي وَقفه حسام الدّين بن أرتق وَكَانَ حسام الدّين هَذَا فَاضلا حكيما فيلسوفا وَقد وقف أَيْضا فِي مشهده كتبا حكمِيَّة
والكتب الَّتِي وَقفهَا الشَّيْخ فَخر الدّين هِيَ من أَجود الْكتب وَهِي نسخه الَّتِي كَانَ قد قَرَأَ أَكْثَرهَا على مشايخه وحررها وَقد بَالغ فِي تصحيحها واتقانها
وحَدثني سديد الدّين مَحْمُود بن عمر وَكَانَ حَاضرا عِنْد الشَّيْخ فَخر الدّين المارديني وَقت مَوته قَالَ لم يزل الشَّيْخ فَخر الدّين لما أحس بِالْمَوْتِ يذكر الله تَعَالَى ويمجده وَلم يفتر عَن ذَلِك إِلَى حِين قضى وَكَانَ آخر شَيْء سمعناه مِنْهُ اللَّهُمَّ إِنِّي آمَنت بك وبرسولك صدق صلى الله عليه وسلم أَن الله يستحي من عَذَاب الشَّيْخ
ولفخر الدّين المارديني من الْكتب شرح قصيدة الشَّيْخ الرئيس ابْن سينا الَّتِي أَولهَا
(هَبَطت إِلَيْك من الْمحل الأرفع
…
)
وَكَانَ شَرحه لهَذِهِ القصيدة لما سَأَلَهُ الْأَمِير عز الدّين أَبُو الْقَاسِم الْخضر بن أبي غَالب نصر الْأَزْدِيّ الْحِمصِي ذَلِك رِسَالَة فَضَح فِيهَا بعض من اتهمه بالميل إِلَى مَذْهَب معيب
أَبُو نصر بن المسيحي
هُوَ أَبُو نصر سعيد بن أبي الْخَيْر بن عِيسَى بن المسيحي من المتميزين فِي صناعَة الطِّبّ والأفاضل من أَهلهَا والأعيان من أَرْبَابهَا
حَدثنِي شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْكَرِيم الْبَغْدَادِيّ قَالَ مرض الْخَلِيفَة النَّاصِر لدين الله فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة مَرضا شَدِيدا وَكَانَ الْمَرَض بالرمل وَعرض لَهُ فِي المثانة حَصَاة كَبِيرَة مفرطة فِي الْكبر وَاشْتَدَّ بِهِ الْأَلَم وَطَالَ الْمَرَض
وَكَانَ طبيبه أَبُو الْخَيْر المسيحي وَكَانَ شَيخا حسنا مسنا وَقد خدمه مُدَّة طَوِيلَة وَكَانَ خَبِيرا متقنا للصناعة وَمَات وَقد قَارب الْمِائَة سنة فامتد بِهِ الْمَرَض وضجر من المعالجات فَأَشَارَ بِأَن تشق المثانة لإِخْرَاج الْحَصَاة
فَسَأَلَ عَن حذاق الجرائحين فَأخْبر بِرَجُل مِنْهُم يُقَال لَهُ ابْن عكاشة من سَاكِني الكرخ بِجَانِب بَغْدَاد الغربي فأحضر وَشَاهد الْعُضْو العليل وَأمره ببطه
فَقَالَ أحتاج أَن أشاور مَشَايِخ الْأَطِبَّاء فِي هَذَا
فَقَالَ لَهُ من
تعرف بِبَغْدَاد من صالحي هَذِه الصِّنَاعَة فَقَالَ يَا مَوْلَانَا أستاذي وشيخي أَبُو نصر بن المسيحي لَيْسَ فِي الْبِلَاد بأسرها من يماثله
فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة اذْهَبْ إِلَيْهِ ومره بالحضور
فَلَمَّا حضر خدم وَقبل الأَرْض أمره بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ سَاعَة وَلم يكلمهُ وَلم يَأْمُرهُ بِشَيْء حَتَّى سكن روعه
فَلَمَّا آنس مِنْهُ ذَلِك قَالَ لَهُ يَا أَبَا نصر مثل نَفسك أَنَّك قد دخلت إِلَى بيمارستان وَأَنت تباشر بِهِ مَرِيضا قد ورد من بعض الضّيَاع وَأُرِيد أَن تباشر مداواتي وتعالجني فِي هَذَا الْمَرَض كَمَا تفعل بِمن هَذِه صفته
فَقَالَ السّمع وَالطَّاعَة وَلَكِنِّي احْتَاجَ أَن أعرف من هَذَا الطَّبِيب الْمُتَقَدّم مبادئ الْمَرَض وأحواله وتغيراته وَمَا عالج بِهِ مُنْذُ أول الْمَرَض وَإِلَى الْآن
فَاحْضُرْ الشَّيْخ أَبُو الْخَيْر وَأخذ يذكر لَهُ ابتداءات الْمَرَض وتغيرات أَحْوَاله وَمَا عالج بِهِ فِي أول الْأَمر وَإِلَى آخر وَقت
فَقَالَ التَّدْبِير صَالح والعلاج مُسْتَقِيم
فَقَالَ الْخَلِيفَة هَذَا الشَّيْخ اخطأ وَلَا بُد لي من صلبه
فَقَامَ أَبُو نصر بن المسيحي وَقبل الأَرْض وَقَالَ يَا مَوْلَانَا بِحَق نعْمَة الله عَلَيْك وبمن مضى من أسلافك الطاهرين لَا تسن على الْأَطِبَّاء هَذِه السّنة وَأما الرجل فَلم يُخطئ فِي التَّدْبِير وَلَكِن لسوء حَظه لم ينْتَه الْمَرَض
فَقَالَ قد عَفَوْت عَنهُ وَلَكِن لَا يعود يدْخل عَليّ
فَانْصَرف ثمَّ أَخذ أَبُو نصر فِي مداواته فَسَقَاهُ ودهن الْعُضْو بالإدهان الملينات وَقَالَ لَهُ إِن أمكن نلاطف الْأَمر بِحَيْثُ نخرج هَذِه الْحَصَاة من غير بط فَهُوَ المُرَاد وَإِن لم تخرج فَذَلِك لَا يفوتنا
فَلم يزل كَذَلِك يَوْمَيْنِ وَفِي لَيْلَة الْيَوْم الثَّالِث رمى الْحَصَاة فَقيل إِنَّه كَانَ وَزنهَا سَبْعَة مَثَاقِيل وَقيل خَمْسَة وَقيل إِنَّهَا كَانَت على مِقْدَار أكبر نواة تكون من نوى الزَّيْتُون
وبرأ وتتابع الشِّفَاء وَدخل الْحمام فَأمر أَن يدْخل أَبُو نصر إِلَى دَار الضَّرْب وَيحمل من الذَّهَب مهما قدر أَن يحملهُ فَفعل بِهِ ذَلِك
ثمَّ أَتَتْهُ الْخلْع وَالدَّنَانِير من أم الْخَلِيفَة وَمن ولديه الأميرين مُحَمَّد وَعلي والوزير نصير الدّين أبي الْحسن ابْن مهْدي الْعلوِي الرَّازِيّ وَمن سَائِر كبار الْأُمَرَاء بالدولة
فَأَما أم الْخَلِيفَة وَأَوْلَاده والوزير والشرابي نجاح فَكَانَت الدَّنَانِير من كل وَاحِد مِنْهُم ألف دِينَار وَكَذَلِكَ من أكَابِر الْأُمَرَاء والباقين على قدر أَحْوَالهم
فَأخْبرت أَنه حصل من الْعين الدَّنَانِير عشْرين ألف دِينَار وَمن الثِّيَاب وَالْخلْع جملَة وافرة وألزم الْخدمَة وفرضت لَهُ الجامكية السّنيَّة والراتب وَالْإِقَامَة
وَلم يزل مستمرا فِي الْحِكْمَة إِلَى أَن مَاتَ النَّاصِر
قَالَ وحَدثني بعض الْأَطِبَّاء أَن ابْن عكاشة الجرائحي كَانَ قد نذر عَلَيْهِ أَنه يتَصَدَّق فِي بيعَة سوق الثُّلَاثَاء بِالربعِ مِمَّا يحصل لَهُ وَأَنه حمل إِلَى الْبيعَة مِائَتَيْنِ وَخمسين دِينَارا وَصرف أَبُو الْخَيْر المسيحي من الْخدمَة وَقد كَانَت مَنْزِلَته قبل هَذَا جليلة عِنْده وَمحله مُرْتَفع وَوَصله هبات وصلات عَظِيمَة
فَمن جُمْلَتهَا أَنه أعطَاهُ خزانَة كتب الْأَجَل أَمِين الدولة بن التلميذ
وَكَانَ مرض النَّاصِر مرَارًا وبرأ على يَده فَحصل لَهُ فِيهَا جمل وافرة
ثمَّ توفّي الشَّيْخ أَبُو الْخَيْر فِي أَيَّام النَّاصِر فَقيل لَهُ إِنَّه قد توفّي وَترك ولدا مُتَخَلِّفًا وَجُمْلَة عَظِيمَة من المَال
فَقَالَ لَا يعْتَرض وَلَده فِيمَا وَرثهُ من أَبِيه فَمَا خرج عَنَّا لَا يعود إِلَيْنَا
وَلأبي نصر بن المسيحي من الْكتب كتاب الاقتضاب على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب فِي الطِّبّ
كتاب انتخاب الاقتضاب
أَبُو الْفرج
هُوَ صاعد بن هبة الله بن توما نَصْرَانِيّ من أهل بَغْدَاد
وَكَانَ من الْأَطِبَّاء المتميزين والأكابر المتعينين
حَدثنِي شمس الدّين مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْكَرِيم الْبَغْدَادِيّ أَنه كَانَ طَبِيب نجم الدولة أبي الْيمن نجاح الشرابي وارتقت بِهِ الْحَال إِلَى أَن صَار وزيره وكاتبه
ثمَّ دخل إِلَى النَّاصِر وَكَانَ يُشَارك من يحضر من أطبائه فِي أَوْقَات أمراضه
ثمَّ حظي عِنْده الحظوة التَّامَّة وَسلم إِلَيْهِ عدَّة جِهَات يخْدم بهَا وَكَانَ بَين يَدَيْهِ فِيهَا عدَّة دواوين وَكتاب
وَقتل فِي سنة عشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ سَببه أَنه أحضر جمَاعَة من الأجناد الَّذين كَانَت مَعَايشهمْ تَحت يَده وَأَنه خاطبهم بِمَا فِيهِ بعض الْمَكْرُوه فكمن لَهُ مِنْهُم اثْنَان لَيْلًا فقتلاه بالسكاكين
واعترضت تركته فَأمر الْخَلِيفَة بِأَن يحمل مَا فِيهَا من المَال إِلَى الخزانة وَيبقى القماش وَالْملك لوَلَده
قَالَ فَأَخْبرنِي بعض البغداديين أَنه حمل من دَاره إِلَى الخزانة من الدَّنَانِير الْعين ثَمَانمِائَة ألف وَثَلَاثَة عشر ألف دِينَار وَبَقِي الأثاث والأملاك بِمَا يُقَارب تَتِمَّة ألف ألف دِينَار فَترك لوَلَده
أَقُول وَوجدت الصاحب جمال الدّين بن القفطي قد حكى من أَحْوَال صاعد بن توما الْمَذْكُور مَا هَذَا نَصه قَالَ كَانَ حكيما طيبا حسن العلاج كثير الْإِصَابَة مَيْمُون المعاناة فِي الْأَكْثَر لَهُ سَعَادَة تَامَّة فِي هَذَا الشَّأْن وَكَانَ من ذَوي المروءات والأمانات
تقدم فِي أَيَّام النَّاصِر إِلَى أَن كَانَ بِمَنْزِلَة الوزراء واستوثقه على حفظ أَمْوَال خواصه وَكَانَ يودعها عِنْده ويرسله فِي أُمُور خُفْيَة إِلَى وزرائه وَيظْهر لَهُ فِي كل وَقت وَكَانَ حسن الوساطة جميل الْمحْضر قضيت على يَدَيْهِ حاجات واستكفيت بوساطته شرور
وسالمته الْأَيَّام مُدَّة طَوِيلَة وَلم ير لَهُ غير شَاكر وناشر
وَكَانَ الإِمَام النَّاصِر فِي آخر أَيَّامه قد ضعف بَصَره وأدركه سَهْو فِي أَكثر أوقاته لأحزان تَوَاتَرَتْ على قلبه وَلما عجز عَن النّظر فِي الْقَصَص والانهاءات استحضر امْرَأَة من النِّسَاء البغداديات تعرف بست نسيم وقربها وَكَانَت تكْتب خطا قَرِيبا من خطه وَجعلهَا بَين يَدَيْهِ تكْتب الْأَجْوِبَة والرقاع وشاركها فِي ذَلِك خَادِم اسْمه تَاج الدّين رَشِيق
ثمَّ تزايد الْأَمر بالناصر فَصَارَت الْمَرْأَة تكْتب الْأَجْوِبَة بِمَا ترَاهُ فَمرَّة تصيب وَمرَّة تخطئ
ويشاركها رَشِيق فِي مثل ذَلِك
وَاتفقَ أَن كتب الْوَزير القمي الْمَدْعُو بالمؤيد مطالعة وَحملهَا وَعَاد جوابها وَفِيه اختلال بَين
فتوقف الْوَزير وَأنكر ثمَّ استدعى الْحَكِيم صاعد بن توما وَأسر إِلَيْهِ مَا جرى وَسَأَلَهُ عَن تَفْصِيل الْحَال فَعرفهُ مَا الْخَلِيفَة عَلَيْهِ من عدم الْبَصَر والسهو الطَّارِئ فِي أَكثر الْأَوْقَات وَمَا تعتمده الْمَرْأَة وَالْخَادِم من الْأَجْوِبَة
فتوقف الْوَزير عَن الْعَمَل بِأَكْثَرَ الْأُمُور الْوَارِدَة عَلَيْهِ وَتحقّق الْخَادِم وَالْمَرْأَة ذَلِك وَقد كَانَت لَهما أغراض يُريدَان تمشيتها لأجل الدُّنْيَا واغتنام الفرصة فِي نيلها
فحدسا أَن الْحَكِيم هُوَ الَّذِي دله على ذَلِك فقرر رَشِيق مَعَ رجلَيْنِ من الْجند فِي الْخدمَة أَن يغتالا الْحَكِيم ويقتلاه وهما رجلَانِ يعرفان بولدي قمر الدولة من الأجناد الواسطية وَكَانَ أَحدهمَا فِي الْخدمَة وَالْآخر بطالا
فرصدا الْحَكِيم فِي بعض اللَّيَالِي إِلَى أَن أَتَى إِلَى دَار الْوَزير وَخرج عَنْهَا عَائِدًا إِلَى دَار الْخلَافَة وتبعاه إِلَى أَن وصل بَاب درب الْغلَّة الْمظْلمَة ووثبا عَلَيْهِ بسكينيهما فقتلاه
وَكَانَ بَين يَدَيْهِ مشعل وَغُلَام وَانْهَزَمَ الْحَكِيم لما وَقع إِلَى الأَرْض بحرارة الضَّرْب إِلَى أَن وصل إِلَى بَاب خربة الهراس والقاتلان تابعان لَهُ فبصرهما وَاحِد وَصَاح خذوهم فعادا إِلَيْهِ وقتلاه وجرحا النفاط الَّذِي بَين يَدي الْحَكِيم
وَحمل الْحَكِيم إِلَى منزله مَيتا وَدفن بداره فِي ليلته
وَنفذ من البدرية من حفظ دَاره وَكَذَلِكَ من دَار الْوَزير لأجل الودائع الَّتِي كَانَت عِنْده للحرم والحشم الْخَاص وَبحث عَن القاتلين فَأمر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِمَا وَتَوَلَّى الْقَبْض والبحث إِبْرَاهِيم بن جميل بمفرده وحملهما إِلَى منزله
وَلما كَانَ فِي بكرَة تِلْكَ اللَّيْلَة أخرجَا إِلَى مَوضِع الْقَتْل وشق بطناهما وصلبا على بَاب المذبح المحاذي لباب الْغلَّة الَّتِي جرح بهَا الْحَكِيم
وَكَانَ موت الْحَكِيم وَقَتله فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشر جُمَادَى الأولى سنة عشْرين وسِتمِائَة
أَبُو الْحُسَيْن صاعد بن هبة الله بن المؤمل
كَانَ نَصْرَانِيّا وَأَصله من الحظيرة وَنزل إِلَى بَغْدَاد وَكَانَ اسْمه أَيْضا مارى وَهُوَ من أَسمَاء الْكَنِيسَة عِنْد النَّصَارَى فَإِنَّهُم يسمون أَوْلَادهم عِنْد الْولادَة بأسماء فَإِذا عمدوهم سموهم عِنْد المعمودية باسم من أَسمَاء الصَّالِحين مِنْهُم
وَكَانَ أَبُو الْحُسَيْن هَذَا طَبِيبا فَاضلا وخدم بِالدَّار العزيزة الناصرية الإمامية وتقرب قربا كثيرا وَكسب بخدمته وصحبته الْأَمْوَال وَكَانَت لَهُ الْحُرْمَة الوافرة والجاه الْعَظِيم
وَكَانَ قد قَرَأَ الْأَدَب على أبي الْحسن عَليّ بن عبد الرَّحِيم العصار وعَلى أبي مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن الخشاب النَّحْوِيّ وعَلى شرف الْكتاب بن حَيا وَغَيرهم
وَله معرفَة تَامَّة بالْمَنْطق والفلسفة وأنواع الْحِكْمَة وَكَانَ فِيهِ كبر وحمق وتيه وعجرفة وينسب إِلَى ظلم مفرط
وَلم يزل على أمره ينْسَخ بِخَطِّهِ كتب الْحِكْمَة ويتصرف فِيمَا هُوَ بصدده من الطِّبّ وعَلى حَالَته فِي الْقرب إِلَى أَن مَاتَ فِي يَوْم الْعشْرين من ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بِبَغْدَاد وَدفن ببيعة النَّصَارَى بهَا
ابْن المارستانية
هُوَ أَبُو بكر عبيد الله بن أبي الْفرج عَليّ بن نصر بن حَمْزَة عرف بِابْن المارستانية
حَدثنِي شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن بن مُحَمَّد بن الْكَرِيم الْبَغْدَادِيّ الْكَاتِب أَن ابْن المارستانية كَانَ فَاضلا فِي صناعَة الطِّبّ وأعمالها وَسمع شَيْئا من الحَدِيث وَكَانَ عِنْده تميز وأدب
وَعمل خطبا قَالَ وَكَانَ يعرضهَا على شَيخنَا أبي الْبَقَاء عبد الله بن الْحُسَيْن العكبري وَكَانَ يستجيدها
وَتَوَلَّى النّظر بالبيمارستان العضدي ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَحبس بِهِ سنتَيْن ثمَّ أفرج عَنهُ
وَعمل تَارِيخا لمدينة السَّلَام سَمَّاهُ ديوَان الْإِسْلَام الْأَعْظَم وَكتب مِنْهُ كثيرا وَلم يتممه
وَندب من الدِّيوَان فِي صفر سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة للرسالة إِلَى تفليس وخلع عَلَيْهِ خلعة سَوْدَاء وطيلسان وَتوجه إِلَى هُنَاكَ فَأدى الرسَالَة وَعَاد إِلَى بَغْدَاد فَتوفي قبل وُصُوله بِموضع يعرف بجرخ بند فِي لَيْلَة ذِي الْحجَّة سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة فَدفن هُنَاكَ
ابْن سدير
هُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الله من أهل الْمَدَائِن يعرف بِابْن سدير وسدير لقب لِأَبِيهِ وَكَانَ طَبِيبا عَالما بصناعة الطِّبّ والمداواة وَيَقُول الشّعْر
وَكَانَ فِيهِ دماثة ودعابة وَتُوفِّي بِالْمَدَائِنِ فَجْأَة فِي الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان سنة سِتَّة وسِتمِائَة
وَمن شعر ابْن سدير قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سعيد بن يحيى بن الدبيثي الوَاسِطِيّ فِي كِتَابه أَنْشدني ابْن سدير لنَفسِهِ
(أيا منقذي من معشر زَاد لؤمهم
…
فأعيا دوائي واستكان لَهُ طبي)
(إِذا اعتل مِنْهُم وَاحِد فَهُوَ صحتي
…
وَإِن ظلّ حَيا كدت أَقْْضِي بِهِ نحبي)
(أداويهم إِلَّا من اللؤم إِنَّه
…
ليعيي علاق الحاذق الفطن الطِّبّ) الطَّوِيل
مهذب الدّين بن هُبل
هُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن هُبل الْبَغْدَادِيّ وَيعرف أَيْضا بالخلاطي
كَانَ أوحد وقته وعلامة زَمَانه فِي صناعَة الطِّبّ وَفِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة
متميزا فِي صناعَة الْأَدَب وَله شعر حسن وألفاظ بليغة
وَكَانَ متقنا لحفظ الْقُرْآن
ولد بِبَغْدَاد فِي بَاب الأزج بدرب ثمل فِي ثَالِث وَعشْرين ذِي الْقعدَة
من سنة خمس عشرَة وَخَمْسمِائة وَنَشَأ بِبَغْدَاد وَقَرَأَ الْأَدَب والطب وَسمع بهَا من أبي الْقَاسِم إِسْمَاعِيل ابْن أَحْمد بن السَّمرقَنْدِي ثمَّ صَار إِلَى الْموصل واستوطنها إِلَى حِين وَفَاته
وحَدثني عفيف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن عدنان النَّحْوِيّ الْموصِلِي قَالَ كَانَ الشَّيْخ مهذب الدّين بن هُبل من بَغْدَاد وَأقَام بالموصل ثمَّ بخلاط عِنْد شاه أرمن صَاحب خلاط وَبَقِي عِنْده مُدَّة وَحصل من جِهَته من المَال الْعين مبلغا عَظِيما
وَقبل رحيله من خلاط بعث جملَة مَا لَهُ من المَال الْعين إِلَى الْموصل إِلَى مُجَاهِد الدّين قيماز الزيني وَدِيعَة عِنْده وَكَانَ ذَلِك نَحْو مائَة وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار
ثمَّ أَقَامَ ابْن هُبل بماردين عِنْد بدر الدّين لُؤْلُؤ والنظام إِلَى أَن قَتلهمَا نَاصِر الدّين بن أرتق صَاحب ماردين
وَكَانَ بدر الدّين لُؤْلُؤ متزوجا بِأم نَاصِر الدّين وَعمي مهذب الدّين بن هُبل بِمَاء نزل فِي عَيْنَيْهِ عَن ضَرْبَة وَكَانَ عمره إِذْ ذَاك خمْسا وَسبعين سنة
ثمَّ توجه إِلَى الْموصل وحصلت لَهُ زمانة فَلَزِمَ منزله بسكة أبي نجيح
وَكَانَ يجلس على سَرِير ويقصده كل أحد من المشتغلين عَلَيْهِ بالطب وَغَيره
أَقُول وَكَانَ أَيْضا يسمع الحَدِيث وَمن ذَلِك حَدثنِي الْحَكِيم بدر الدّين أَبُو الْعِزّ يُوسُف بن أبي مُحَمَّد ابْن الْمَكِّيّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن السنجاري قَالَ حَدثنَا مهذب الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن هُبل الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بالخلاطي أخبرنَا الشَّيْخ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن عمر ابْن الْأَشْعَث السَّمرقَنْدِي أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْكِنَانِي أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن أبي نصر وَأَبُو الْقَاسِم تَمام بن مُحَمَّد الرَّازِيّ وَالْقَاضِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن هرون الغساني الْمَعْرُوف بِابْن الجندي وَأَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي الْعقب وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله بن يحيى الْقطَّان قَالُوا أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم ابْن أبي الْعقب حَدثنَا أَبُو زرْعَة عبد الرَّحْمَن بن عمر بن عبد الله بن صَفْوَان الْبَصْرِيّ حَدثنَا عَليّ ابْن عَيَّاش حَدثنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْخَيل فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَكَانَ شيخ مهذب الدّين بن هُبل فِي صناعَة الطِّبّ أوحد الزَّمَان وَكَانَ بن هُبل فِي أول أمره قد اجْتمع بِعَبْد الله بن أَحْمد بن أَحْمد بن أَحْمد بن الخشاب النَّحْوِيّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ شَيْئا من النَّحْو وَتردد أَيْضا إِلَى النظامية وَقَرَأَ الْفِقْه
ثمَّ اشْتهر بعد ذَلِك بصناعة الطِّبّ وفَاق بهَا أَكثر أهل زَمَانه من الْأَطِبَّاء وَتُوفِّي مهذب الدّين بن هُبل رحمه الله بالموصل لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثَالِث عشر محرم سنة عشر وسِتمِائَة وَدفن بظاهرها بِبَاب الميدان بمقبرة الْمعَافى بن عمرَان بِالْقربِ من الْقُرْطُبِيّ
وَمن شعر مهذب الدّين بن هُبل قَالَ
(أيا أَثلَاث بالعراق ألفتها
…
عَلَيْك سَلام لَا يزَال يفوح)
(لقد كنت جلدا ثاويا بفنائها
…
فقد عَاد مَكْتُوم الْفُؤَاد يبوح)
(فَمَا أحسن الْأَيَّام فِي ظلّ أُنْسُهَا
…
قبيل طُلُوع الشَّمْس حِين تلوح)
(وَقد غرد الْقمرِي فِي غسق الدجى
…
وراعى حمام فِي الْأُصُول ينوح)
(ذكرت لَيَال بالصراط وطيبها
…
نطير لَهَا شوقا وَنحن جموح) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(أيا دوحة هام الْفُؤَاد بذكرها
…
عَلَيْك سَلام الله يَا دوحة الْإِنْس)
(رمتني النَّوَى بالبعد مِنْك وقربها
…
وَقد كنت جارا لاصقا لَك بالْأَمْس)
(فيا لَيْت أَنِّي بعد بعد أحبتي
…
نقلت كَرِيمًا راضي النَّفس بالرمس)
(وَألا فليت الدَّهْر يُمكن مِنْهُم
…
بقبضي حبال الْوَصْل بالأنمل الْخمس)
(إِذا جال طرفِي فِي الْعرَاق وُجُوه
…
كَأَنِّي نظرت الْأُفق من مطلع الشَّمْس)
(تبدل تقليبي اليراع مَعَ القنا
…
بتقلب مطبوع بلقب بالفلس)
(واعتضت ثوبا كَانَ للمجد شَامِلًا
…
بِثَوْب رجال كَانَ أشبه بالحلس)
(فَمن لَا يرى سوء الْقَضَاء وَقدره
…
بعقل رصين لَا يقايس باللمس)
(يَعش تائها فِي الْخلق أعمى مشوها
…
بعيد المرامي أليق الْخلق بالنكس) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(لقد سبتني غَدَاة الْخيف غانية
…
قد حازت الْحسن فِي دلّ بهَا وصبا)
(قَامَت تميس كخوط البان غازلة
…
مَعَ الأصائل ريحي شمأل وصبا)
(يكَاد من دقة خصر تدل بِهِ
…
يشكو إِلَى ردفها من ثقله وصبا)
(لَو لم يكن أقحوان الثغر مبسمها
…
مَا هام قلبِي بحبيها هوى وصبا)
ولمهذب الدّين بن هُبل من الْكتب كتاب الْمُخْتَار فِي الطِّبّ وَهُوَ كتاب جليل يشْتَمل على علم وَعمل
كتاب الطِّبّ الجمالي صنفه لجمال الدّين مُحَمَّد الْوَزير الْمَعْرُوف بالجواد وَكَانَ تصنيفه للمختار سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة بالموصل
شمس الدّين بن هُبل
هُوَ شمس الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مهذب الدّين أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن عَليّ بن هُبل مولده فِي يَوْم الْجُمُعَة الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة انْشِقَاق الصُّبْح قبل طُلُوع الشَّمْس
وَكَانَ مشتغلا بصناعة الطِّبّ متميزا فِي الْأَدَب وجيها فِي الدولة
وسافر إِلَى بِلَاد الرّوم وأكرمه صَاحب الرّوم الْملك الْغَالِب كيكاوس بن كيخسرو إِكْرَاما كثيرا وَبَقِي عِنْده قَلِيلا وَتُوفِّي هُنَاكَ رحمه الله ثمَّ حمل إِلَى الْموصل وَدفن بهَا
وَكَانَ لشمس الدّين بن هُبل ولدان من أَعْيَان الْفُضَلَاء وأكابرهم وهما فِي وقتنا هَذَا مقيمان بِمَدِينَة الْموصل
كَمَال الدّين بن يُونُس
هُوَ كَمَال الدّين أَبُو عمرَان مُوسَى بن يُونُس بن مُحَمَّد بن مَنْعَة عَلامَة زَمَانه وأوحد أَوَانه وقدوة الْعلمَاء وَسيد الْحُكَمَاء
قد اتقن الْحِكْمَة وتميز فِي سَائِر الْعُلُوم
وَكَانَ عَظِيما فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَالْفِقْه
وَكَانَ مدرسا فِي الْمدرسَة بالموصل وَيقْرَأ الْعُلُوم بأسرها من الفلسفة والطب والتعاليم وَغير ذَلِك
وَله مصنفات فِي نِهَايَة الْجَوْدَة
وَلم يزل مُقيما بِمَدِينَة الْموصل إِلَى أَن توفّي إِلَى رَحْمَة الله
حَدثنِي القَاضِي نجم الدّين عمر بن مُحَمَّد بن الكريدي قَالَ وَكَانَ ورد إِلَى الْموصل كتاب الْإِرْشَاد للعميدي وَهُوَ يشْتَمل على قُوَّة من خلاف علم الجدل وَهُوَ الَّذِي يسمونه الْعَجم جست أَي الشطار
فَلَمَّا احضر إِلَى الشَّيْخ كَمَال الدّين بن يُونُس نظر فِيهِ وَقَالَ علم مليح مَا قصر فِيهِ مُؤَلفه وَبَقِي عِنْده يَوْمَيْنِ حَتَّى حرر جَمِيع مَعَانِيه
ثمَّ أَنه أقرأه الْفُقَهَاء وَشرح لَهُم فِيهِ أَشْيَاء مَا ذكرهَا أحد سواهُ
وَقيل إِن كَمَال الدّين بن يُونُس كَانَ يعرف علم السيمياء من ذَلِك
حَدثنِي أَيْضا القَاضِي نجم الدّين بن الكريدي قَالَ حَدثنِي القَاضِي جلال الدّين الْبَغْدَادِيّ تلميذ كَمَال الدّين بن يُونُس وَكَانَ الْجلَال مُقيما عِنْد ابْن يُونُس فِي الْمدرسَة قَالَ كَانَ قد ورد إِلَى الْملك الرَّحِيم بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل من عِنْد الأنبرور ملك الفرنج وَكَانَ متفننا فِي الْعُلُوم رَسُول وَبِيَدِهِ مسَائِل فِي علم النُّجُوم وَغير ذَلِك وَقصد إِن كَمَال الدّين بن يُونُس يرد أجوبتها
فَبعث صَاحب الْموصل إِلَى ابْن يُونُس يعرفهُ بذلك وَيَقُول لَهُ أَن يتجمل فِي لبسه وزيه وَيجْعَل لَهُ مَجْلِسا بأبهة لأجل
الرَّسُول وَذَلِكَ لما يعرفهُ من ابْن يُونُس أَنه كَانَ يلبس ثيابًا رثَّة بِلَا تكلّف وَمَا عِنْده خبر من أَحْوَال الدُّنْيَا فَقَالَ نعم
حكى جلال الدّين قَالَ فَكنت عِنْده وَقد قيل لَهُ هَذَا رَسُول الفرنج قد أَتَى وَقرب من الْمدرسَة فَبعث من الْفُقَهَاء من تَلقاهُ فَلَمَّا حضر عِنْد الشَّيْخ نَظرنَا فَوَجَدنَا الْموضع فِيهِ بسط من أحسن مَا يكون من الْبسط الرومية الفاخرة وَجَمَاعَة مماليك وقُوف بَين يَدَيْهِ وخدام وشارة حَسَنَة
وَدخل الرَّسُول وتلقاه الشَّيْخ وَكتب لَهُ الْأَجْوِبَة عَن تِلْكَ الْمسَائِل بأسرها
وَلما رَاح الرَّسُول غَابَ عَنَّا جَمِيع مَا كُنَّا نرَاهُ فَقلت للشَّيْخ يَا مَوْلَانَا مَا أعجب مَا رَأينَا من سَاعَة من تِلْكَ الأبهة والحشمة فَتَبَسَّمَ وَقَالَ يَا بغدادي هُوَ علم
وَقَالَ جلال الدّين وَكَانَ للشَّيْخ كَمَال الدّين عِنْد بدر الدّين لُؤْلُؤ حَاجَة
فَركب عِنْد الصُّبْح ليلقاه فِيهَا وَكَانَت عَادَة بدر الدّين أَن يركب الْخَيل وَالْبِغَال السريعة الْمَشْي فَلَمَّا قدمُوا فِي السحر فرسا وَركبهُ لم ينبعث فِي الْمَشْي فَنزل عَنهُ وَركب غَيره فَلم يقدر على الْمَشْي خطْوَة فَبَقيَ متحيرا فِي أمره وَإِذا بالشيخ قد وصل إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ عَن حَاجته فقضاها لَهُ ثمَّ قَالَ مَا كَانَ الْفرس امْتنعت من الْمَشْي إِلَّا حَتَّى تقدم فَقَالَ يَا مَوْلَانَا هَذَا من همة الْمَشَايِخ
وَعَاد وَسَار بدر الدّين لُؤْلُؤ وَتَبعهُ الْعَسْكَر
حَدثنِي نجم الدّين حَمْزَة بن عَابِد الصرخدي أَن نجم الدّين القمراوي وَشرف الدّين المتاني وقمراومتان هما قَرْيَتَانِ من قرى صرخد قَالَ كَانَا قد اشتغلا بالعلوم الشَّرْعِيَّة والحكمية وتميزا واشتهر فضلهما وَكَانَا قد سافرا إِلَى الْبِلَاد فِي طلب الْعلم وَلما جَاءَا إِلَى الْموصل قصدا الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن يُونُس وَهُوَ فِي الْمدرسَة يلقِي الدَّرْس فسلما وقعدا مَعَ الْفُقَهَاء
وَلما جرت مسَائِل فقهية تكلما فِي ذَلِك وبحثا فِي الْأُصُول وَبَان فضلهما على أَكثر الْجَمَاعَة فأكرمهما الشَّيْخ وأدناهما
وَلما كَانَ آخر النَّهَار سألاه أَن يريهما كتابا لَهُ كَانَ قد أَلفه فِي الْحِكْمَة وَفِيه لغز فَامْتنعَ وَقَالَ هَذَا كتاب لم أجد أحدا يقدر على حلّه وَأَنا ضنين بِهِ
فَقَالَا لَهُ نَحن قوم غرباء وَقد قصدناك ليحصل لنا الْفَوْز بنظرك وَالْوُقُوف على هَذَا الْكتاب وَنحن بائتون عنْدك فِي الْمدرسَة وَمَا نُرِيد نطالعه سوى هَذِه اللَّيْلَة وبالغداة يَأْخُذهُ مَوْلَانَا وتلطفا لَهُ حَتَّى انْعمْ لَهما وَأخرج الْكتاب فقعدا فِي بَيت من بيُوت الْمدرسَة وَلم يناما أصلا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة بل كل وَاحِد مِنْهُمَا يملي على الآخر وَهُوَ يكْتب حَتَّى فرغا من كِتَابَته وقابلاه ثمَّ كررا النّظر فِيهِ مَرَّات وَلم يتَبَيَّن لَهما حلّه إِلَى آخر وَقت وَقد طلع النَّهَار فَظهر لَهما حل شَيْء مِنْهُ من آخِره واتضح أَولا فأولا حَتَّى انحل لَهما اللغز وعرفاه
فحملا الْكتاب إِلَى الشَّيْخ وَهُوَ فِي الدَّرْس فَجَلَسَا وَقَالا يَا مَوْلَانَا مَا طلبنا إِلَّا كتابك الْكَبِير الَّذِي فِيهِ اللغز الَّذِي يعسر حلّه وَأما هَذَا الْكتاب فَنحْن نَعْرِف مَعَانِيه من زمَان واللغز الَّذِي فِيهِ علمه عندنَا قديم وَإِن شِئْت أوردناه
فَقَالَ قولا حَتَّى اسْمَع فَتقدم النَّجْم القمراوي وَتَبعهُ الآخر وأوردا جَمِيع مَعَانِيه من أول الْكتاب إِلَى آخِره وذكرا حل اللغز بِعِبَارَة حَسَنَة فصيحة
فَعجب مِنْهُمَا وَقَالَ
من أَيْن تَكُونَانِ قَالَا من الشَّام
قَالَ من أَي مَوضِع مِنْهُ قَالَا من حوران
فَقَالَ لَا أَشك أَن أَحَدكُمَا النَّجْم القمراوي وَالْآخر الشّرف المتاني
قَالَا نعم
فَقَامَ لَهما الشَّيْخ وأضافهما عِنْده وأكرمهما غَايَة الْإِكْرَام واشتغلا عَلَيْهِ مُدَّة ثمَّ سافرا
أَقُول وَكَانَ عمي رشيد الدّين بن خَليفَة وَهُوَ فِي أول شبيبته قصد السّفر إِلَى الْموصل ليجتمع بالشيخ كَمَال الدّين بن يُونُس ويشتغل عَلَيْهِ لما بلغه من علمه وفضله الَّذِي لم يلْحقهُ فِيهِ أحد وتجهز للسَّفر فَلَمَّا علمت بذلك والدته جدتي بَكت وتضرعت إِلَيْهِ أَن لَا يفارقها وَكَانَ يَأْخُذ بقلبها فَلم يُمكنهُ مخالفتها وأبطل الرواح إِلَيْهِ
ولكمال الدّين بن يُونُس أَوْلَاد بِمَدِينَة الْموصل قد اتقنوا الْفِقْه وَسَائِر الْعُلُوم وهم من سَادَات المدرسين وأفاضل المصنفين
وَمن شعر كَمَال الدّين بن يُونُس قَالَ
(مَا كنت مِمَّن يُطِيع عذالي
…
وَلَا جرى هجره على بالي)
(حلت كَمَا حلت غادرا وكما
…
أرخصت أرخصت قدرك الغالي) المنسرح
وَقَالَ
(حَتَّى وَمَتى لي وَعدكُم لي زور
…
مطل واف ونائل منزور)
(فِي قلبِي حب حبكم مبذور
…
زوروا فَعَسَى يُثمر وصلا زوروا) دو بَيت
ولكمال الدّين بن يُونُس من الْكتب بِكِتَاب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات فِي تفسر الْقُرْآن
شرح كتاب التَّنْبِيه فِي الْفِقْه مجلدان
كتاب مُفْرَدَات أَلْفَاظ القانون
كتاب فِي الْأُصُول
كتاب عُيُون الْمنطق
كتاب لغز فِي الْحِكْمَة
كتاب الْأَسْرَار السُّلْطَانِيَّة فِي النُّجُوم
الْبَاب الْحَادِي عشر
طَبَقَات الْأَطِبَّاء الَّذين ظَهَرُوا فِي بِلَاد الْعَجم
تيادورس
كَانَ نَصْرَانِيّا وَله معرفَة جَيِّدَة بصناعة الطِّبّ ومحاولة لأعمالها وَبنى لَهُ سَابُور ذُو الأكتاف البيع فِي بَلَده وَيُقَال أَن الَّذِي بنى لَهُ البيع بهْرَام جور
ولتيادورس من الْكتب كناش
برزويه
قيل إِنَّه كَانَ عَالما بصناعة الطِّبّ موسوما بهَا متميزا فِي زَمَانه فَاضلا فِي عُلُوم الْفرس والهند
وَأَنه هُوَ الَّذِي جلب كتاب كليلة ودمنة من الْهِنْد إِلَى أنوشروان بن قباذ بن فَيْرُوز ملك الْفرس وترجمه لَهُ من اللُّغَة الْهِنْدِيَّة إِلَى الفارسية ثمَّ تَرْجمهُ فِي الْإِسْلَام عبد الله بن المقفع الْخَطِيب من اللُّغَة الفارسية إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة
أَقُول وَهَذَا الْكتاب كَمَا قد عظمت شهرته أَنه فِي إصْلَاح الْأَخْلَاق وتهذيب النُّفُوس لَا نَظِير لَهُ فِي مَعْنَاهُ
وَكَانَ عبد الله بن المقفع الْخَطِيب فارسيا أَيْضا وَكَانَ كَاتب أبي جَعْفَر الْمَنْصُور
وَترْجم أَيْضا من كتب أرسطوطاليس كتاب قاطيغورياس وَكتاب باريمينياس وَكتاب أنالوطيقا وَترْجم مَعَ ذَلِك الْمدْخل إِلَى كتب الْمنطق الْمَعْرُوف بأيساغوجي فرفوريوس الصُّورِي وَعبارَته فِي التَّرْجَمَة عبارَة سهلة قريبَة المأخذ
وَلابْن المقفع أَيْضا تواليف حسان مِنْهَا رسَالَته فِي الْأَدَب والسياسة وَمِنْهَا رسَالَته
الْمَعْرُوفَة باليتيمة فِي طَاعَة السُّلْطَان
ربن الطَّبَرِيّ
قَالَ الصاحب جمال الدّين بن القفطي فِي كِتَابه أَن هَذَا ربن الطَّبَرِيّ كَانَ يَهُودِيّا طَبِيبا منجما من أهل طبرستان وَكَانَ متميزا فِي الطِّبّ عَالما بالهندسة وأنواع الرياضة وَحل كتبا حكمِيَّة من لُغَة إِلَى لُغَة أُخْرَى
قَالَ وَكَانَ وَالِده عَليّ بن ربن طَبِيبا مَشْهُورا انْتقل من طبرستان إِلَى الْعرَاق وَسكن سر من رأى
وربن هَذَا كَانَ لَهُ تقدم فِي علم الْيَهُود والربن والربين والراب أَسمَاء لمقدمي شَرِيعَة الْيَهُود
وَسُئِلَ أَبُو معشر عَن مطارح الشعاع فَذكرهَا وسَاق الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ إِن المترجمين لنسخ المجسطي المخرجة من لُغَة يونان مَا ذكرُوا الشعاع وَلَا مطارحه وَلَا يُوجد ذَلِك إِلَّا فِي النُّسْخَة الَّتِي ترجمها ربن المتطبب الطَّبَرِيّ
وَلم يُوجد فِي النّسخ الْقَدِيمَة مطرح شُعَاع بطليموس وَلم يعرفهُ ثَابت وَلَا حنين القلوسي وَلَا الْكِنْدِيّ وَلَا أحد من هَؤُلَاءِ التراجمة الْكِبَار وَلَا أحد من ولد نوبخت
ابْن ربن الطَّبَرِيّ
هُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن سهل بن ربن الطَّبَرِيّ
وَقَالَ ابْن النديم الْبَغْدَادِيّ الْكَاتِب عَليّ بن ربل بِاللَّامِ وَقَالَ عَنهُ أَنه كَانَ يكْتب للمازيار بن قَارن فَلَمَّا أسلم على يَد المعتصم قربه وَظهر فَصله بالحضرة وَأدْخلهُ المتَوَكل فِي جملَة ندمائه
وَكَانَ بِموضع من الْأَدَب وَهُوَ معلم الرَّازِيّ صناعَة الطِّبّ
وَكَانَ مولده ومنشؤه بطبرستان
وَمن كَلَامه قَالَ الطَّبِيب الْجَاهِل مستحث الْمَوْت
وَلابْن ربن الطَّبَرِيّ من الْكتب كتاب فردوس الْحِكْمَة وَجعله سَبْعَة أَنْوَاع والأنواع تحتوي على ثَلَاثِينَ مقَالَة والمقالات تحتوي على ثلثمِائة وَسِتِّينَ بَابا
كتاب أرفاق الْحَيَاة كتاب تحفة الْمُلُوك كتاب كناش الحضرة كتاب مَنَافِع الْأَطْعِمَة والأشربة والعقاقير كتاب حفظ الصِّحَّة كتاب فِي الْحجامَة كتاب فِي تَرْتِيب الأغذية
أَبُو بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ
مولده ومنشؤه بِالريِّ وسافر إِلَى بَغْدَاد وَأقَام بهَا مُدَّة
وَكَانَ قدومه إِلَى بَغْدَاد وَله من الْعُمر نَيف وَثَلَاثُونَ سنة وَكَانَ من صغره مشتهيا للعلوم الْعَقْلِيَّة مشتغلا بهَا وبعلم الْأَدَب وَيَقُول الشّعْر
وَأما صناعَة الطِّبّ فَإِنَّمَا تعلمهَا وَقد كبر وَكَانَ الْمعلم لَهُ فِي ذَلِك عَليّ بن ربن الطَّبَرِيّ
وَقَالَ أَبُو سعيد زاهد الْعلمَاء فِي كِتَابه فِي البيمارستانات سَبَب تعلم أبي بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ صناعَة الطِّبّ أَنه
عِنْد دُخُوله مَدِينَة السَّلَام بَغْدَاد دخل إِلَى البيمارستان العضدي ليشاهده فاتفق لَهُ أَن ظفر بِرَجُل شيخ صيدلاني البيمارستان فَسَأَلَهُ عَن الْأَدْوِيَة وَمن كَانَ الْمظهر لَهَا فِي البدء فَأَجَابَهُ بِأَن قَالَ إِن أول مَا عرف مِنْهَا كَانَ حَيّ الْعَالم وَكَانَ سَببه أفلولن سليلة أسقليبيوس وَذَلِكَ أَن أفلولن كَانَ بِهِ ورم حَار فِي ذراعه مؤلم ألما شَدِيدا فَلَمَّا أشفي مِنْهُ ارتاحت نَفسه إِلَى الْخُرُوج إِلَى شاطئ نهر فَأمر غلمانه فَحَمَلُوهُ إِلَى شاطئ نهر كَانَ عَلَيْهِ هَذَا النَّبَات وَأَنه وَضعه عَلَيْهِ تبردا بِهِ فخف ألمه بذلك فاستطال وضع يَده عَلَيْهِ وَأصْبح من غَد فعل مثل ذَلِك فبرأ
فَلَمَّا رأى النَّاس سرعَة برئه وَعَلمُوا أَنه إِنَّمَا كَانَ بِهَذَا الدَّوَاء سموهُ حَيَاة الْعَالم وتداولته الألسن وخففته فَسُمي حَيّ الْعَالم
فَلَمَّا سمع الرَّازِيّ ذَلِك أعجب بِهِ
وَدخل تَارَة أُخْرَى إِلَى هَذَا البيمارستان فَرَأى صَبيا مولودا بِوَجْهَيْنِ وَرَأس وَاحِد فَسَأَلَ الْأَطِبَّاء عَن سَبَب ذَلِك فَأخْبر بِهِ فأعجبه مَا سمع
وَلم يزل يسْأَل عَن شَيْء شَيْء وَيُقَال لَهُ وَهُوَ يعلق بِقَلْبِه حَتَّى تصدى لتعلم الصِّنَاعَة وَكَانَ مِنْهُ جالينوس الْعَرَب هَذِه حِكَايَة أبي سعيد
وَقَالَ بَعضهم إِن الرَّازِيّ كَانَ فِي جملَة من اجْتمع على بِنَاء هَذَا البيمارستان العضدي وَأَن عضد الدولة استشاره فِي الْموضع الَّذِي يجب أَن يبْنى فِيهِ المارستان وَأَن الرَّازِيّ أَمر بعض الغلمان أَن يعلق فِي كل نَاحيَة من جَانِبي بَغْدَاد شقة لحم ثمَّ اعْتبر الَّتِي لم يتَغَيَّر وَلم يسهك فِيهَا اللَّحْم بِسُرْعَة فَأَشَارَ بِأَن ببني فِي تِلْكَ النَّاحِيَة وَهُوَ الْموضع الَّذِي بني فِيهِ البيمارستان
وحَدثني كَمَال الدّين أَبُو الْقَاسِم بن أبي تُرَاب الْبَغْدَادِيّ الْكَاتِب أَن عضد الدولة لما بنى البيمارستان العضدي الْمَنْسُوب إِلَيْهِ قصد أَن يكون فِيهِ جمَاعَة من أفاضل الْأَطِبَّاء وأعيانهم فَأمر أَن يحضروا لَهُ ذكر الْأَطِبَّاء الْمَشْهُورين حِينَئِذٍ بِبَغْدَاد وأعمالها فَكَانُوا متوافرين على الْمِائَة فَاخْتَارَ مِنْهُم نَحْو خمسين بِحَسب مَا علم من جودة أَحْوَالهم وتمهرهم فِي صناعَة الطِّبّ فَكَانَ الرَّازِيّ مِنْهُم
ثمَّ إِنَّه اقْتصر من هَؤُلَاءِ أَيْضا على عشرَة فَكَانَ الرَّازِيّ مِنْهُم
ثمَّ اخْتَار من الْعشْرَة ثَلَاثَة فَكَانَ الرَّازِيّ أحدهم
ثمَّ أَنه ميز فِيمَا بَينهم فَبَان لَهُ أَن الرَّازِيّ أفضلهم فَجعله ساعور البيمارستان العضدي
أَقُول وَالَّذِي صَحَّ عِنْدِي أَن الرَّازِيّ كَانَ أقدم زَمَانا من عضد الدولة بن بويه وَإِنَّمَا كَانَ تردده إِلَى البيمارستان من قبل أَن يجدده عضد الدولة
وللرازي كتاب فِي صِفَات البيمارستان وَفِي كل مَا كَانَ يجده من أَحْوَال المرضى الَّذين كَانُوا يعالجون فِيهِ
وَقَالَ عبيد الله بن جبرئيل أَنه لما عمر عضد الدولة البيمارستان الْجَدِيد الَّذِي على طرف الجسر من الْجَانِب الغربي من بَغْدَاد كَانَت الْأَطِبَّاء الَّذين جمعهم فِيهِ من كل مَوضِع وَأمر الرَّاتِب مِنْهُ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ طَبِيبا وَكَانَ من جُمْلَتهمْ أَبُو الْحسن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن بكس وَكَانَ دأبه أَن يدرس فِيهِ الطِّبّ لِأَنَّهُ كَانَ محجوبا وَكَانَ مِنْهُم أَبُو الْحسن بن كشكرايا الْمَعْرُوف بتلميذ سِنَان وَأَبُو يَعْقُوب
الْأَهْوَازِي وَأَبُو عِيسَى بَقِيَّة والقس الرُّومِي وَبَنُو حسنون وَجَمَاعَة طبائعيون
قَالَ عبيد الله وَكَانَ وَالِدي جِبْرَائِيل قد أصعد مَعَ عضد الدولة من شيراز ورتب فِي جملَة الطبائعيين فِي البيمارستان وَفِي جملَة الْأَطِبَّاء الْخَواص
قَالَ وَكَانَ فِي البيمارستان مَعَ هَؤُلَاءِ من الكحالين الْفُضَلَاء أَبُو نصر بن الدحلي وَمن الجرائحيين أَبُو الْخَيْر وَأَبُو الْحسن بن تفاح وجماعته وَمن المجبرين الْمشَار إِلَيْهِم أَبُو الصَّلْت
وَقَالَ سُلَيْمَان بن حسان أَن الرَّازِيّ كَانَ مُتَوَلِّيًا لتدبير مارستان الرّيّ زَمَانا قبل مزاولته فِي البيمارستان العضدي وَقَالَ أَن الرَّازِيّ كَانَ فِي ابْتِدَاء نظره يضْرب بِالْعودِ ثمَّ أَنه أكب على النّظر فِي الطِّبّ والفلسفة فبرع فيهمَا براعة الْمُتَقَدِّمين
وَقَالَ القَاضِي صاعد فِي كتاب التَّعْرِيف بطبقات الْأُمَم أَن الرَّازِيّ لم يوغل فِي الْعلم الإلهي وَلَا فهم غَرَضه الْأَقْصَى فاضطرب لذَلِك رَأْيه وتقلد آراء سخيفة وَانْتَحَلَ مَذَاهِب خبيثة وذم أَقْوَامًا لم يفهم عَنْهُم وَلَا اهْتَدَى لسبيلهم
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق النديم الْمَعْرُوف بِأبي الْفرج بن أبي يَعْقُوب فِي كتاب الفهرست أَن الرَّازِيّ كَانَ ينْتَقل فِي الْبلدَانِ وَبَينه وَبَين مَنْصُور بن إِسْمَاعِيل صداقة
وَألف لَهُ كتاب المنصوري
قَالَ وَأَخْبرنِي مُحَمَّد بن الْحسن الْوراق قَالَ قَالَ لي رجل من أهل الرّيّ شيخ كَبِير سَأَلته عَن الرَّازِيّ فَقَالَ كَانَ شَيخا كَبِير الرَّأْس مسفطه وَكَانَ يجلس فِي مَجْلِسه ودونه التلاميذ ودونهم تلاميذهم ودونهم تلاميذ أخر فَكَانَ يَجِيء الرجل فيصف مَا يجد لأوّل من يلقاه فَإِن كَانَ عِنْدهم علم وَإِلَّا تعداهم إِلَى غَيرهم فَإِن أَصَابُوا وَإِلَّا تكلم الرَّازِيّ فِي ذَلِك
وَكَانَ كَرِيمًا متفضلا بارا بِالنَّاسِ حسن الرأفة بالفقراء والإعلاء حَتَّى كَانَ يجْرِي عَلَيْهِم الجرايات الواسعة ويمرضهم وَلم يكن يُفَارق المدارج والنسخ
مَا دخلت عَلَيْهِ قطّ إِلَّا رَأَيْته ينْسَخ أما يسود أَو يبيض وَكَانَ فِي بَصَره رُطُوبَة لِكَثْرَة أكله الباقلاء وَعمي فِي آخر عمره وَكَانَ يَقُول إِنَّه قَرَأَ الفلسفة على الْبَلْخِي
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق النديم وَكَانَ الْبَلْخِي من أهل بَلخ يطوف الْبِلَاد ويجول الأَرْض حسن الْمعرفَة بالفلسفة والعلوم الْقَدِيمَة
وَقد يُقَال إِن الرَّازِيّ ادّعى كتبه فِي ذَلِك وَرَأَيْت بِخَطِّهِ شَيْئا كثيرا فِي عُلُوم كَثِيرَة مسودات ودساتير لم يخرج مِنْهَا إِلَى النَّاس كتاب تَامّ وَقيل إِن بخراسان كتبه مَوْجُودَة
قَالَ وَكَانَ فِي زمَان الرَّازِيّ رجل يعرف بِشَهِيد بن الْحُسَيْن ويكنى أَبَا الْحسن يجْرِي مجْرى فلسفته فِي الْعلم وَلَكِن هَذَا الرجل كتب مصنفة وَبَينه وَبَين الرَّازِيّ مناظرات وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا نقوض على صَاحبه
أَقُول وَكَانَ الرَّازِيّ ذكيا فطنا رؤوفا بالمرضى مُجْتَهدا فِي علاجهم وَفِي برئهم بِكُل وَجه يقدر عَلَيْهِ مواظبا للنَّظَر فِي غوامض صناعَة الطِّبّ والكشف عَن حقائقها وأسرارها وَكَذَلِكَ فِي غَيرهَا من الْعُلُوم بِحَيْثُ أَنه لم يكن لَهُ دأب وَلَا عناية فِي جلّ أوقاته إِلَّا فِي الِاجْتِهَاد والتطلع فِيمَا قد دونه الأفاضل من الْعلمَاء فِي كتبهمْ حَتَّى وجدته يَقُول فِي بعض كتبه إِنَّه كَانَ لي صديق نبيل يسامرني على قِرَاءَة كتب بقراط وجالينوس
وللرازي أَخْبَار كَثِيرَة وفوائد مُتَفَرِّقَة فِيمَا حصل لَهُ من التمهر فِي صناعَة الطِّبّ وَفِيمَا تفرد بِهِ فِي مداواة المرضى وَفِي الِاسْتِدْلَال على أَحْوَالهم من تقدمة الْمعرفَة وَفِيمَا خَبره من الصِّفَات والأدوية الَّتِي لم يصل إِلَى عَملهَا كثير من الْأَطِبَّاء
وَله فِي ذَلِك حكايات كَثِيرَة وَقعت لَهُ قد تضمنها كثير من كتبهَا
وَقد ذكر من ذَلِك جملا فِي بَاب مُفْرد من كِتَابه الْحَاوِي وَفِي كِتَابه
فِي سر الطِّبّ
وَمِمَّا حُكيَ عَنهُ من بَدَائِع وَصفه وجودة استدلاله قَالَ القَاضِي أَبُو عَليّ المحسن بن عَليّ بن أبي جهم التنوخي فِي كتاب الْفرج بعد الشدَّة حَدثنِي مُحَمَّد بن عَليّ بن الْخلال الْبَصْرِيّ أَبُو الْحُسَيْن أحد أُمَنَاء الْقُضَاة قَالَ حَدثنِي بعض أهل الطِّبّ الثقاة أَن غُلَاما من بَغْدَاد قدم الرّيّ وَهُوَ ينفث الدَّم وَكَانَ لحقه ذَلِك فِي طَرِيقه فاستدعى أَبَا بكر الرَّازِيّ الطَّبِيب الْمَشْهُور بالحذق صَاحب الْكتب المصنفة فَأرَاهُ مَا ينفث وَوصف مَا يجد
فَأخذ الرَّازِيّ مجسته وَرَأى قارورته واستوصف حَاله مُنْذُ بَدَأَ ذَلِك بِهِ فَلم يقم لَهُ دَلِيل على سل وَلَا قرحَة وَلم يعرف الْعلَّة فاستنظر الرجل ليتفكر فِي الْأَمر فَقَامَتْ على العليل الْقِيَامَة وَقَالَ هَذَا يأس لي من الْحَيَاة لحذق المتطبب وجهله بِالْعِلَّةِ
فازداد مَا بِهِ وَولد الْفِكر للرازي أَن أعَاد عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَن الْمِيَاه الَّتِي شربهَا فِي طَرِيقه فَأخْبرهُ أَنه قد شرب من مستنقعات وصهاريج فَقَامَ فِي نفس أبي بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ المتطبب الرَّأْي بحدة الخاطر وجودة الذكاء أَن علقَة كَانَت فِي المَاء فحصلت فِي معدته وَأَن ذَلِك النفث الدَّم من فعلهَا
فَقَالَ لَهُ إِذا كَانَ فِي غَد جئْتُك فعالجتك وَلم أنصرف أَو تَبرأ وَلَكِن بِشَرْط تَأمر غلمانك أَن يطيعوني فِيك بِمَا آمُرهُم بِهِ
فَقَالَ نعم
وَانْصَرف الرَّازِيّ فَتقدم فَجمع لَهُ ملْء مركنين كبيرين من طحلب أَخْضَر فأحضرهما من غَد مَعَه وَأرَاهُ إيَّاهُمَا وَقَالَ لَهُ ابلغ جَمِيع مَا فِي هذَيْن المركنين
فَبَلع الرجل شَيْئا يَسِيرا ثمَّ وقف فَقَالَ ابلع
فَقَالَ لَا أَسْتَطِيع فَقَالَ للغلمان خذوه فأنيموه على قَفاهُ
فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِك وطرحوه على قَفاهُ وفتحوا فَاه وَأَقْبل الرَّازِيّ يدس الطحلب فِي حلقه ويكبسه كبسا شَدِيدا ويطالبه ببلعه شَاءَ أم أَبى ويتهدده بِالضَّرْبِ إِلَى أَن بلعه كَارِهًا أحد المركنين بأسره وَالرجل يستغيث فَلَا يَنْفَعهُ مَعَ الرَّازِيّ شَيْء إِلَى أَن قَالَ السَّاعَة اقذف
فَزَاد الرَّازِيّ فِيمَا يكبسه فِي حلقه فذرعه الْقَيْء فقذف
وَتَأمل الرَّازِيّ قذفه فَإِذا فِيهِ علقَة وَإِذا هِيَ لما وصل إِلَيْهَا الطحلب قرمت إِلَيْهِ بالطبع وَتركت موضعهَا
والتفت على الطحلب فَلَمَّا قذف الرجل خرجت مَعَ الطحلب ونهض الرجل معافى
قَالَ القَاضِي التنوخي وحَدثني أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد الرَّازِيّ الْمَعْرُوف بِابْن حمدون قَالَ حَدثنِي أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ الرَّازِيّ الْفَقِيه قَالَ سَمِعت أَبَا بكر بن قَارن الرَّازِيّ الطَّبِيب
وَكَانَ محذقا فِي الطِّبّ قَالَ أَبُو بكر بن حمدون وَقد رَأَيْت هَذَا الرجل وَكَانَ يحسن علوما كَثِيرَة مِنْهَا الحَدِيث وَيَرْوِيه ويكتبه النَّاس عَنهُ ويوهونه وَلم أسمع هَذَا مِنْهُ قَالَ القَاضِي التنوخي وَلم يتَّفق لي مَعَ كَثْرَة ملاقاة أبي بكر الرَّازِيّ
أَن أسمع هَذَا الْخَبَر مِنْهُ قَالَ ابْن قَارن الرَّازِيّ وَكَانَ تلميذا لأبي بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ الطَّبِيب فِي الطِّبّ سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ الطَّبِيب بعد رُجُوعه من عِنْد أَمِير خُرَاسَان لما استدعاه فعالجه من عِلّة صعبة قَالَ اجتزت فِي طريقي بنيسابور بيقام وَهِي النّصْف من طَرِيق نيسابور إِلَى الرّيّ فأستقبلني رئيسها فأنزلني دَاره وخدمني أتم خدمَة وسألني أَن أَقف على ابْن لَهُ بِهِ استسقاء فَأَدْخلنِي إِلَى دَار قد أفردها لَهُ فشاهدت العليل فَلم أطمع فِي برئه فعللت القَوْل بمشهد من العليل فَلَمَّا انْفَرَدت أَنا بِأَبِيهِ سَأَلَني أَن أصدقه فصدقته وآيسته من حَيَاة ابْنه وَقلت لَهُ مكنه من شهواته فَإِنَّهُ لَا يعِيش وَخرجت من خُرَاسَان وعدت مِنْهَا بعد اثْنَي عشر شهرا فاجتزت بِهِ فأستقبلني الرجل بعد عودتي فَلَمَّا لَقيته استحييت مِنْهُ غَايَة الْحيَاء وَلم أشكك فِي وَفَاة ابْنه وَإِنِّي كنت نعيته إِلَيْهِ وخشيت من تثقله بِي فأنزلني دَاره فَلم أجد عِنْده مَا يدل على ذَلِك
وكرهت مَسْأَلته عَن ابْنه لِئَلَّا أجدد عَلَيْهِ حزنا
فَقَالَ لي يَوْمًا تعرف هَذَا الْفَتى وَأَوْمَأَ إِلَى شَاب حسن الْوَجْه وَالصِّحَّة كثير الدَّم وَالْقُوَّة قَائِم مَعَ الغلمان يخدمنا
فَقلت لَا فَقَالَ هَذَا وَلَدي الَّذِي آيستني مِنْهُ عِنْد مضيك إِلَى خُرَاسَان فتحيرت وَقلت عرفني سَبَب برئه فَقَالَ لي إِنَّه بعد قيامك من عِنْده فطن إِنَّك آيستني مِنْهُ فَقَالَ لي لست أَشك أَن هَذَا الرجل وَهُوَ أوحد فِي الطِّبّ فِي عصره هَذَا قد آيسك مني وَالَّذِي أَسأَلك أَن تمنع هَؤُلَاءِ الغلمان يَعْنِي غلماني الَّذين كنت أخدمه إيَّاهُم فَإِنَّهُم أترابي وَإِذا رَأَيْتهمْ معافين وَقد علمت إِنِّي ميت تجدّد على قلبِي حمى تعجل لي الْمَوْت فأرحني من هَذَا بِأَن لَا أَرَاهُم وأفرد لخدمتي فُلَانُهُ دايتي
فَفعلت مَا سَأَلَ وَكَانَ يحمل إِلَى الداية فِي كل يَوْم مَا تَأْكُله وَإِلَيْهِ مَا يطْلب على غير حمية
فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام حمل إِلَى الداية مضيرة لتأكل فتركتها بِحَيْثُ يَقع عَلَيْهَا نظر وَلَدي وَمَضَت فِي شغل لَهَا فَذكرت أَنَّهَا لما عَادَتْ وجدت ابْني قد أكل أَكثر مِمَّا كَانَ فِي الغضارة وَبَقِي فِي الغضارة شَيْء يسير مغير اللَّوْن قَالَت الْعَجُوز فَقلت لَهُ مَا هَذَا فَقَالَ لَا تقربي الغضارة وجذبها إِلَيْهِ وَقَالَ رَأَيْت أَفْعَى عَظِيما وَقد خرج من مَوضِع ودب إِلَيْهَا فَأكل مِنْهَا ثمَّ قذف فَصَارَ لَوْنهَا كَمَا تَرين فَقلت أَنا ميت وَلَا أود أَن يلحقني ألم شَدِيد وَمَتى أظفر بِمثل هَذَا وأكلت من الغضارة مَا اسْتَطَعْت لَا موت عَاجلا وأستريح
فَلَمَّا لم استطع زِيَادَة أكل رجعت إِلَى موضعي وَجئْت أَنْت
قَالَت وَرَأَيْت المضيرة على يَده وفمه فَصحت
فَقَالَ لَا تعملي شَيْئا أَو تدفني الغضارة بِمَا فِيهَا
لِئَلَّا يأكلها إِنْسَان فَيَمُوت أَو حَيَوَان فيلسع إنْسَانا فيقتله فَفعلت مَا قَالَ
وَخرجت إِلَيّ فَلَمَّا عَرفتنِي ذَلِك ذهب عَليّ أَمْرِي وَدخلت إِلَى ابْني فَوَجَدته نَائِما فَقلت لَا توقظوه حَتَّى نَنْظُر مَا يكون من أمره فانتبه آخر النَّهَار وَقد عرق عرقا شَدِيدا وَهُوَ يطْلب المستحم فأنهض إِلَيْهِ فَانْدفع بَطْنه وَقَامَ من ليلته وَمن غَد أَكثر من مائَة مجْلِس فازداد يأسنا مِنْهُ وَقل الطَّعَام بعد أَن اسْتمرّ أَيَّامًا وَطلب فراريج فَأكل وَلم تزل قوته تثوب إِلَيْهِ وَقد كَانَ بَطْنه الْتَصق بظهره وَقَوي طمعنا فِي عافيته فمنعناه من التَّخْلِيط فتزايدت قوته إِلَى أَن صَار كَمَا ترى
فعجبت من ذَلِك وَذكرت أَن الْأَوَائِل قَالَت أَن المستسقي إِذا أكل من لحم حَيَّة عتيقة مزمنة لَهَا مئون سِنِين برأَ وَلَو قلت لَك إِن هَذَا علاجه لظَنَنْت إِنِّي أدافعك وَمن أَيْن نعلم كم سنوحيه إِذا وجدناها فَسكت عَنْك
أَقُول وللرازي أَمْثَال هَذَا من الحكايات أَشْيَاء كَثِيرَة جدا مِمَّا جرى لَهُ وَقد ذكرت من ذَلِك جملَة وافرة فِي كتاب حكايات الْأَطِبَّاء فِي علاجات الأدواء
وَكَانَ أَكثر مقَام الرَّازِيّ بِبِلَاد الْعَجم وَذَلِكَ لكَونهَا موطنه وموطن أَهله وأخيه وخدم بصناعة الطِّبّ الأكابر من مُلُوك الْعَجم وصنف هُنَالك كتبا كَثِيرَة فِي الطِّبّ وَغَيره وصنف كِتَابه المنصوري للمنصور بن إِسْمَاعِيل بن خاقَان صَاحب خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر وَكَذَلِكَ صنف كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ الملوكي لعَلي ابْن صَاحب طبرستان
وَكَانَ الرَّازِيّ أَيْضا مشتغلا بالعلوم الْحكمِيَّة فائقا فِيهَا
وَله فِي ذَلِك تصانيف كَثِيرَة يسْتَدلّ بهَا على جودة مَعْرفَته وارتفاع مَنْزِلَته
وَكَانَ فِي أول أمره قد عَنى بِعلم السمياء والكمياء وَمَا يتَعَلَّق بِهَذَا الْفَنّ وَله تصانيف أَيْضا فِي ذَلِك
ونقلت من خطّ بلمظفر بن معرف قَالَ كَانَ الرَّازِيّ يَقُول أَنا لَا أسمي فيلسوفا إِلَّا من كَانَ قد علم صَنْعَة الكيمياء لِأَنَّهُ قد اسْتغنى عَن التكسب من أوساخ النَّاس وتنزه عَمَّا فِي أَيْديهم وَلم يحْتَج إِلَيْهِم
وحَدثني بعض الْأَطِبَّاء أَن الرَّازِيّ كَانَ قد بَاعَ لقوم من الرّوم سبائك ذهب وَسَارُوا بهَا إِلَى بِلَادهمْ ثمَّ إِنَّهُم بعد ذَلِك بسنين عدَّة وجدوها وَقد تغير لَوْنهَا بعض التَّغَيُّر وَتبين لَهُم زيفها فَجَاءُوا بهَا إِلَيْهِ وألزم يردهَا
وَقَالَ غَيره أَن الْوَزير كَانَ أَضَافَهُ الرَّازِيّ فَأكل عِنْده أَطْعِمَة لذيذة لَا يُمكن أَن يَأْكُل بأطيب مِنْهَا ثمَّ إِن الْوَزير تحيل بعد ذَلِك حَتَّى اشْترى إِحْدَى الْجَوَارِي الَّتِي تطبخ الْأَطْعِمَة عِنْد الرَّازِيّ ظنا مِنْهُ أَن تطبخ مثل ذَلِك الطَّعَام فَلَمَّا صنعت لَهُ أَطْعِمَة لم يجدهَا كَمَا وجدهَا عِنْد الرَّازِيّ
فَلَمَّا سَأَلَهَا عَن ذَلِك ذكرت لَهُ أَن الطبيخ وَاحِد بل إننا كُنَّا نجد الْقُدُور الَّتِي عِنْد الرَّازِيّ جَمِيعًا ذَهَبا وَفِضة
فَسبق إِلَى وهمه حِينَئِذٍ أَن جودة الْأَطْعِمَة إِنَّمَا هِيَ من ذَلِك وَإِن الرَّازِيّ قد حصلت لَهُ معرفَة الكيمياء
فَاسْتَحْضر الْوَزير الرَّازِيّ وَسَأَلَهُ أَن يعرفهُ مَا قد حصل لَهُ من معرفَة الكيمياء
فَلَمَّا لم يذكر لَهُ الرَّازِيّ شَيْئا من ذَلِك وَأنكر مَعْرفَته خنقه سرا بِوتْر
وَقيل إِن الرَّازِيّ كَانَ فِي أول أمره صيرفيا
وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِك أنني وجدت نُسْخَة من المنصوري قديمَة قد سقط آخرهَا وَاحْتَرَقَ أَكْثَرهَا من عتقهَا وَهِي مترجمة بذلك الْخط على هَذَا الْمِثَال كناش المنصوري تأليف مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ الصَّيْرَفِي
وَأَخْبرنِي من هِيَ عِنْده أَنَّهَا خطّ الرَّازِيّ
وَكَانَ الرَّازِيّ معاصرا لإسحق بن حنين وَمن كَانَ مَعَه فِي ذَلِك الْوَقْت وَعمي فِي آخر عمره بِمَاء نزل فِي عَيْنَيْهِ فَقيل لَهُ لَو قدحت فَقَالَ لَا قد نظرت من الدُّنْيَا حَتَّى مللت
فَلم يسمح بِعَيْنيهِ للقدح
وَقَالَ أَبُو الْخَيْر الْحسن بن سوار بن بَابا وَكَانَ قريب الْعَهْد مِنْهُ إِن الرَّازِيّ توفّي فِي سنة نَيف وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ أَو ثلثمِائة وَكسر قَالَ وَالشَّكّ مني
ونقلت من خطّ بلمظفر بن معرف أَن الرَّازِيّ توفّي فِي سنة عشْرين وثلثمائة
وَقَالَ عبيد الله بن جبرئيل كَانَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ لَهُ الْمنزلَة الجليلة بِالريِّ وَسَائِر بِلَاد الْجَبَل
قَالَ وعاش إِلَى أَن لحقه ابْن العميد أستاذ الصاحب بن عباد وَهُوَ كَانَ سَبَب إِظْهَار كِتَابه الْمَعْرُوف بالحاوي لِأَنَّهُ كَانَ حصل بِالريِّ بعد وَفَاته فَطَلَبه من أُخْت أبي بكر وبذل لَهَا دَنَانِير كَثِيرَة حَتَّى أظهرت لَهُ مسودات الْكتاب
فَجمع تلاميذه الْأَطِبَّاء الَّذين كَانُوا بِالريِّ حَتَّى رتبوا الْكتاب وَخرج على مَا هُوَ عَلَيْهِ من الِاضْطِرَاب
وَمن كَلَام أبي بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ قَالَ
الْحَقِيقَة فِي الطِّبّ غَايَة لَا تدْرك والعلاج بِمَا تنصه الْكتب دون أَعمال الماهر الْحَكِيم بِرَأْيهِ خطر
وَقَالَ الاستكثار من قِرَاءَة كتب الْحُكَمَاء والأشراف على أسرارهم نَافِع لكل حَكِيم عَظِيم الْخطر
وَقَالَ الْعُمر يقصر عَن الْوُقُوف على فعل كل نَبَات فِي الأَرْض فَعَلَيْك بِالْأَشْهرِ مِمَّا اجْمَعْ عَلَيْهِ ودع الشاذ وَاقْتصر على مَا جربت
وَقَالَ من لم يعن بالأمور الطبيعية والعلوم الفلسفية والقوانين المنطقية وَعدل إِلَى اللَّذَّات الدنيائية فاتهمه فِي علمه لَا سِيمَا فِي صناعَة الطِّبّ
وَقَالَ مَتى اجْتمع جالينوس وأرسطوطاليس على معنى فَذَلِك هُوَ الصَّوَاب وَمَتى اخْتلفَا صَعب على الْعُقُول إِدْرَاك صَوَابه جدا
وَقَالَ الْأَمْرَاض الحارة اقْتُل من الْبَارِدَة لسرعة حَرَكَة النَّار
وَقَالَ الناقهون من الْمَرَض إِذا اشتهوا من الطَّعَام مَا يضرهم فَيجب للطبيب أَن يحتال فِي تَدْبِير ذَلِك الطَّعَام وَصَرفه إِلَى كَيْفيَّة مُوَافقَة وَلَا يمنعهُم مَا يشتهون بتة
وَقَالَ يَنْبَغِي للطبيب أَن يُوهم الْمَرِيض أبدا الصِّحَّة ويرجيه بهَا وَإِن كَانَ غير واثق بذلك فمزاج الْجِسْم تَابع لأخلاق النَّفس
وَقَالَ الْأَطِبَّاء الأميون والمقلدون والأحداث الَّذين لَا تجربة لَهُم وَمن قلت عنايته وَكَثُرت شهواته قتالون
وَقَالَ يَنْبَغِي للطبيب أَن لَا يدع مساءلة الْمَرِيض عَن كل مَا يُمكن أَن تتولد عَنهُ علته من دَاخل وَمن خَارج ثمَّ يقْضِي بالأقوى
وَقَالَ يَنْبَغِي للْمَرِيض أَن يقْتَصر على وَاحِد مِمَّن يوثق بِهِ من الْأَطِبَّاء فخطؤه فِي جنب صَوَابه يسير جدا
وَقَالَ من تطبب عِنْد كثيرين من الْأَطِبَّاء يُوشك أَن يَقع فِي خطأ كل وَاحِد مِنْهُم
وَقَالَ مَتى كَانَ اقْتِصَار الطَّبِيب على التجارب دون الْقيَاس وَقِرَاءَة الْكتب خذل
وَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَن يوثق بالْحسنِ الْعِنَايَة فِي الطِّبّ حَتَّى يبلغ الأشد ويجرب
وَقَالَ يَنْبَغِي أَن تكون حَالَة الطَّبِيب معتدلة لَا مُقبلا على الدُّنْيَا كُلية وَلَا معرضًا عَن الْآخِرَة كُلية فَيكون بَين الرَّغْبَة والرهبة
وَقَالَ بانتقال الْكَوَاكِب الثَّابِتَة فِي الطول وَالْعرض تنْتَقل الْأَخْلَاق والمزاجات
وَقَالَ باخْتلَاف عرُوض الْبلدَانِ تخْتَلف المزاجات والأخلاق والعادات وطباع الْأَدْوِيَة والأغذية حَتَّى يكون مَا فِي الدرجَة الثَّانِيَة من الْأَدْوِيَة فِي الرَّابِعَة وَمَا فِي الرَّابِعَة فِي الثَّانِيَة
وَقَالَ إِن اسْتَطَاعَ الْحَكِيم أَن يعالج بالأغذية دون الْأَدْوِيَة فقد وَافق السَّعَادَة
وَقَالَ مَا اجْتمع الْأَطِبَّاء عَلَيْهِ وَشهد عَلَيْهِ الْقيَاس وعضدته التجربة فَلْيَكُن أمامك وبالضد
وَمن شعر أبي بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ قَالَ
(لعمري مَا أَدْرِي وَقد آذن البلى
…
بعاجل ترحال إِلَى أَيْن ترحالي)
(وَأَيْنَ مَحل الرّوح بعد خُرُوجه
…
من الهيكل المنحل والجسد الْبَالِي) الطَّوِيل
وَلأبي بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ من الْكتب كتاب الْحَاوِي وَهُوَ أجل كتبه وَأَعْظَمهَا فِي صناعَة الطِّبّ
وَذَلِكَ أَنه جمع فِيهِ كل مَا وجده مُتَفَرقًا فِي ذكر الْأَمْرَاض ومداواتها من سَائِر الْكتب الطبية للْمُتَقَدِّمين وَمن أَتَى بعدهمْ إِلَى زَمَانه
وَنسب كل شَيْء نَقله فِيهِ إِلَى قَائِله هَذَا مَعَ أَن الرَّازِيّ توفّي وَلم يفسح لَهُ فِي الْأَجَل أَن يحرر هَذَا الْكتاب
كتاب الْبُرْهَان مقالتان الأولى سَبْعَة عشر فصلا وَالثَّانيَِة اثْنَا عشر فصلا
كتاب الطِّبّ الروحاني وَيعرف أَيْضا بطب النُّفُوس غَرَضه فِيهِ إصْلَاح أَخْلَاق النَّفس وَهُوَ عشرُون فصلا
كتاب فِي أَن للْإنْسَان خَالِقًا متقنا حكيما وَفِيه دَلَائِل من التشريح وَمَنَافع الْأَعْضَاء تدل على أَن خلق الْإِنْسَان لَا يُمكن أَن يَقع بالِاتِّفَاقِ كتاب سمع
الكيان غَرَضه فِيهِ أَن يكون مدخلًا إِلَى الْعلم الطبيعي ومسهلا للمتعلم لُحُوق الْمعَانِي المتفرفة فِي الْكتب الطبيعية
كتاب أيساغوجي وَهُوَ الْمدْخل إِلَى الْمنطق
جمل مَعَاني قاطيغورياس
جمل مَعَاني باريمينياس جمل مَعَاني أنالوطيقا الأولى إِلَى تَمام القياسات الحملية
كتاب هَيْئَة الْعَالم غَرَضه أَن يبين أَن الأَرْض كرية وَأَنَّهَا فِي وسط الْفلك وَهُوَ ذُو قطبين يَدُور عَلَيْهِمَا وَأَن الشَّمْس أعظم من الأَرْض وَالْقَمَر أَصْغَر مِنْهَا وَمَا يتبع ذَلِك من هَذَا الْمَعْنى
كتاب فِيمَن اسْتعْمل تَفْضِيل الهندسة من الموسومين بالهندسة ويوضح فِيهِ مقدارها ومنفعتها وَيرد على من رَفعهَا فَوق قدرهَا
مقَالَة فِي السَّبَب فِي قتل ريح السمُوم لأكْثر الْحَيَوَان
كتاب فِيمَا جرى بَينه وَبَين سيسن المناني يرِيه خطأ مَوْضُوعَاته وَفَسَاد ناموسه فِي سبع مبَاحث
كتاب فِي اللَّذَّة غَرَضه فِيهِ أَن يبين أَنَّهَا دَاخِلَة تَحت الرَّاحَة
مقَالَة فِي الْعلَّة الَّتِي لَهَا صَار الخريف ممرضا وَالربيع بالضد على أَن الشَّمْس فِي هذَيْن الزمانين فِي مدَار وَاحِد صنفها لبَعض الْكتاب
كتاب فِي الْفرق بَين الرُّؤْيَا المنذرة وَبَين سَائِر ضروب الرُّؤْيَا
كتاب الشكوك والمناقضات الَّتِي فِي كتب جالينوس
كتاب فِي كَيْفيَّة الْأَبْصَار يبين فِيهِ أَن الْأَبْصَار لَيْسَ يكون بشعاع يخرج من الْعين وينقض فِيهِ أشكالا من كتاب أقليدس فِي المناظر
كتاب فِي الرَّد على الناشيء فِي مسَائِله الْعشْر الَّتِي رام بهَا نقض الطِّبّ
كتاب فِي علل المفاصل والنقرس وعرق النسا وَهُوَ اثْنَان وَعِشْرُونَ فصلا
كتاب آخر صَغِير فِي وجع المفاصل
الاثنا عشر كتابا فِي الصَّنْعَة الأول كتاب الْمدْخل التعليمي الثَّانِي كتاب الْمدْخل البرهاني الثَّالِث كتاب الْإِثْبَات الرَّابِع كتاب التَّدْبِير الْخَامِس كتاب الْحجر السَّادِس كتاب الأكسير عشرَة أَبْوَاب السَّابِع كتاب شرف الصِّنَاعَة وفضلها الثَّامِن كتاب التَّرْتِيب التَّاسِع كتاب التدابير الْعَاشِر كتاب الشواهد ونكت الرموز الْحَادِي عشر كتاب الْمحبَّة الثَّانِي عشر كتاب الْحِيَل
كتاب الْأَحْجَار يبين فِيهِ الْإِيضَاح عَن الشَّيْء الَّذِي يكون فِي هَذَا الْعَمَل
كتاب الْأَسْرَار
كتاب سر الْأَسْرَار
كتاب التَّبْوِيب
كتاب رِسَالَة الْخَاصَّة
كتاب الْحجر الْأَصْفَر
كتاب رسائل الْمُلُوك
كتاب الرَّد على الْكِنْدِيّ فِي إِدْخَاله صناعَة الكيمياء فِي الْمُمْتَنع
كتاب فِي أَن الحمية المفرطة والمبادرة إِلَى الْأَدْوِيَة والتقليل من الأغذية لَا يحفظ الصِّحَّة بل يجلب الْأَمْرَاض
مقَالَة فِي أَن جهال الْأَطِبَّاء يشددون على المرضى فِي مَنعهم من شهواتهم وَإِن لم يكن الْإِنْسَان كثير مرض جهلا وجزافا
كتاب سيرة الْحُكَمَاء
مقَالَة فِي أَن الطين المتنقل بِهِ فِيهِ مَنَافِع ألفها لأبي حَازِم القَاضِي
مقَالَة فِي الجدري والحصبة أَرْبَعَة عشر بَابا
مقَالَة فِي الْحَصَى فِي الْكُلِّي والمثانة
كتاب إِلَى من لَا يحضرهُ طَبِيب وغرضه إِيضَاح الْأَمْرَاض وَتوسع فِي القَوْل وَيذكر فِيهِ عِلّة عِلّة وَأَنه يُمكن أَن يعالج بالأدوية الْمَوْجُودَة وَيعرف أَيْضا بِكِتَاب طب الْفُقَرَاء
كتاب الْأَدْوِيَة الْمَوْجُودَة بِكُل مَكَان يذكر فِيهِ أدوية لَا يحْتَاج الطَّبِيب الحاذق مَعهَا إِلَى غَيرهَا إِذا ضم إِلَيْهَا مَا يُوجد فِي المطابخ والبيوت
كتاب فِي الرَّد على الجاحظ فِي نقض صناعَة الطِّبّ
كتاب فِي تنَاقض قَول الجاحظ فِي كِتَابه فِي فَضِيلَة الْكَلَام وَمَا غلط فِيهِ على الفلاسفة
كتاب التَّقْسِيم والتشجير يذكر فِيهَا تقاسيم الْأَمْرَاض وأسبابها وعلاجها بالشرح وَالْبَيَان على سَبِيل تَقْسِيم وتشجير
كتاب الطِّبّ الملوكي فِي الْعِلَل وعلاج الْأَمْرَاض كلهَا بالأغذية
ودس الْأَدْوِيَة فِي الأغذية حَيْثُ لَا بُد مِنْهَا وَمَا لَا يكرههُ العليل
كتاب فِي الفالج
كتاب فِي اللقوة
كتاب فِي هَيْئَة الْعين
كتاب فِي هَيْئَة الكبد كتاب فِي هَيْئَة الْأُنْثَيَيْنِ
كتاب فِي هَيْئَة الْقلب
كتاب فِي هَيْئَة الصماخ
كتاب فِي هَيْئَة المفاصل أقراباذين
كتاب فِي الانتقاد والتحرير على الْمُعْتَزلَة
كتاب فِي الْخِيَار المر
كتاب فِي كَيْفيَّة الاغتذاء وَهُوَ جَوَامِع ذكر الْأَدْوِيَة المعدنية
كتاب فِي أثقال الْأَدْوِيَة المركبة
كتاب فِي خَواص الْأَشْيَاء
كتاب كَبِير فِي الهيولى كتاب فِي سَبَب وقُوف الأَرْض وسط الْفلك على استدارة
كتاب فِي نقض الطِّبّ الروحاني على ابْن الْيَمَان
كتاب فِي أَن الْعَالم لَا يُمكن أَن يكون إِلَّا على مَا نشاهده
كتاب فِي الْحَرَكَة وَأَنَّهَا لَيست مرئية بل مَعْلُومَة
مقَالَة فِي أَن للجسم تحريكا من ذَاته وَأَن الْحَرَكَة مبدأ طبيعي
قصيدة فِي المنطقيات
قصيدة فِي الْعلم الإلهي
قصيدة فِي العظة اليونانية
كتاب الْكرَى ومقادير مُخْتَصره
كتاب فِي إِيضَاح الْعلَّة الَّتِي بهَا تدفع الْهَوَام بالتغذي وَمرَّة بِالتَّدْبِيرِ
كتاب فِي الْجَبْر وَكَيف يسكن ألمه وَمَا علاقَة الْحر فِيهِ وَالْبرد
مقَالَة فِي الْأَسْبَاب المميلة لقلوب أَكثر النَّاس عَن أفاضل الْأَطِبَّاء إِلَى أخسائهم
مقَالَة فِيمَا يَنْبَغِي أَن يقدم من الأغذية والفواكه وَمَا يُؤَخر مِنْهَا
مقَالَة فِي الرَّد على أَحْمد بن الطّيب السَّرخسِيّ فِيمَا رد بِهِ على جالينوس فِي أَمر الطّعْم المر
كتاب فِي الرَّد على المسمعي الْمُتَكَلّم فِي رده على أَصْحَاب الهيولى
كتاب فِي الْمدَّة وَهِي الزَّمَان وَفِي الْخَلَاء وَالْمَلَأ وهما الْمَكَان
مقَالَة أبان فِيهَا خطأ جرير الطَّبِيب فِي إِنْكَاره مشورته على الْأَمِير أَحْمد بن إِسْمَاعِيل فِي تنَاول التوت الشَّامي على أثر الْبِطِّيخ فِي حَاله وإيضاح عذره فِيهَا
كتاب فِي نقض كتاب أنابو إِلَى فرفوريوس فِي شرح مَذَاهِب أرسطوطاليس فِي الْعلم الإلهي
كتاب فِي الْعلم الإلهي
كتاب فِي الهيولى الْمُطلقَة والجزئية
كتاب إِلَى أبي الْقَاسِم الْبَلْخِي وَالزِّيَادَة على جَوَابه وَجَوَاب هَذَا الْجَواب
كتاب فِي الْعلم الإلهي على رَأْي أفلاطون
كتاب فِي الرَّد على أبي الْقَاسِم الْبَلْخِي فِيمَا نَاقض بِهِ فِي الْمقَالة الثَّانِيَة من كِتَابه فِي الْعلم الإلهي
كتاب فِي محنة الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْمِيزَان الطبيعي
كتاب فِي الثُّبُوت فِي الْحِكْمَة
كتاب فِي عذر من اشْتغل بالشطرنج
كتاب فِي حِكْمَة النَّرْد
كتاب فِي حيل النمس
كتاب فِي أَن للْعَالم خَالِقًا حكيما
كتاب فِي الباه يبين فِيهِ الأمزاج وَمَنَافع الباه ومضاره
كتاب الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا فِي الباه
كتاب المنصوري أَلفه للأمير مَنْصُور بن إِسْحَق بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد صَاحب خُرَاسَان وتحرى فِيهِ الِاخْتِصَار والإيجاز مَعَ جمعه لجمل وجوامع ونكت وعيون من صناعَة الطِّبّ علمهَا وعملها وَهُوَ عشر مقالات الْمقَالة الأولى فِي الْمدْخل إِلَى الطِّبّ وَفِي شكل الْأَعْضَاء وخلقها الْمقَالة الثَّانِيَة فِي تعرف مزاج الْأَبدَان وهيئتها والأخلاط الْغَالِبَة عَلَيْهَا واستدلالات وجيزة جَامِعَة من الفراسة الْمقَالة الثَّالِثَة فِي قوى الأغذية والأدوية الْمقَالة الرَّابِعَة فِي حفظ الصِّحَّة الْمقَالة الْخَامِسَة فِي الزِّينَة الْمقَالة السَّادِسَة فِي تَدْبِير الْمُسَافِرين الْمقَالة السَّابِعَة جمل وجوامع فِي صناعَة الْجَبْر والجراحات والقروح الْمقَالة الثَّامِنَة فِي السمُوم والهوام الْمقَالة التَّاسِعَة فِي الْأَمْرَاض الْحَادِثَة من الْقرن إِلَى الْقدَم الْمقَالة الْعَاشِرَة فِي الحميات وَمَا يتبع ذَلِك مِمَّا يحْتَاج إِلَى مَعْرفَته فِي تَحْدِيد علاجها
مقَالَة أضافها إِلَى كتاب المنصوري وَهِي فِي الْأُمُور الطبيعية
كتاب الْجَامِع وَيُسمى حاصر صناعَة الطِّبّ وغرضه فِي هَذَا الْكتاب جمع مَا وَقع إِلَيْهِ وأدركه من
كتاب طب قديم أَو مُحدث إِلَى مَوضِع وَاحِد فِي كل بَاب وَهُوَ يَنْقَسِم اثْنَي عشر قسما الْقسم الأول فِي حفظ الصِّحَّة وعلاج الْأَمْرَاض والوثي والجبر والعلاجات الْقسم الثَّانِي فِي قوى الأغذية والأدوية وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من التَّدْبِير فِي الطِّبّ الْقسم الثَّالِث فِي الْأَدْوِيَة المركبة فِيهِ ذكر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ مِنْهَا على سَبِيل الأقراباذين الْقسم الرَّابِع فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الطِّبّ فِي سحق الْأَدْوِيَة وإحراقها وتصعيداتها وغسلها واستخراج قواها وحفظها وَمِقْدَار بَقَاء كل دَوَاء مِنْهَا وَمَا أشبه ذَلِك الْقسم الْخَامِس فِي صيدلية الطِّبّ فِيهِ صفة الْأَدْوِيَة وألوانها وطعومها وروائحها ومعادنها وجيدها ورديها وَنَحْو ذَلِك من علل الصيدلة الْقسم السَّادِس فِي الْإِبْدَال يذكر فِيهِ مَا يَنُوب عَن كل دَوَاء أَو غذَاء إِذا لم يُوجد الْقسم السَّابِع فِي تَفْسِير الْأَسْمَاء والأوزان والمكاييل الَّتِي للعقاقير وَتَسْمِيَة الْأَعْضَاء والأدواء باليونانية والسريانية والفارسية والهندية والعربية على سَبِيل الْكتب الْمُسَمَّاة بشقشماهي الْقسم الثَّامِن فِي التشريح وَمَنَافع الْأَعْضَاء الْقسم التَّاسِع فِي الْأَسْبَاب الطبيعية من صناعَة الطِّبّ غَرَضه فِيهِ أَن يبين أَسبَاب الْعِلَل بِالْأَمر الطبيعي الْقسم الْعَاشِر فِي الْمدْخل إِلَى صناعَة الطِّبّ وَهُوَ مقالتان الأولى مِنْهُمَا فِي الْأَشْيَاء الطبيعية وَالثَّانيَِة فِي أَوَائِل الطِّبّ الْقسم الْحَادِي عشر جمل علاجات وصفات وَغير ذَلِك
الْقسم الثَّانِي عشر فِيمَا استدركه من كتب جالينوس وَلم يذكرهَا حنين وَلَا هِيَ فِي فهرست جالينوس
أَقُول هَذَا التَّقْسِيم الْمَذْكُور هَهُنَا لَيْسَ هُوَ لكتابه الْمَعْرُوف بالحاوي وَلَا هُوَ تقسم مرضِي وَيُمكن أَن هَذِه كَانَت مسودات كتاب وجدت للرازي بعد مَوته وَهِي مَجْمُوعَة على هَذَا التَّرْتِيب فحسبت أَنَّهَا كتاب وَاحِد وَإِلَى غايتي هَذِه مَا رَأَيْت نُسْخَة لهَذَا الْكتاب وَلَا وجدت من أخبر أَنه رَآهُ
كتاب الفاخر فِي الطِّبّ
أَقُول وَإِنَّمَا أثبت هَذَا الْكتاب فِي جملَة كتبه لكَونه قد نسب إِلَيْهِ واشتهر أَنه لَهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كتاب جيد قد استوعب فِيهِ مُؤَلفه ذكر الْأَمْرَاض ومداواتها وَاخْتِيَار معالجتها على أتم مَا يكون وأفضله وَجُمْهُور مَا فِيهِ مَنْقُول من كتاب التَّقْسِيم والتشجير للرازي وَمن كناش ابْن مرابيون وكل مَا فِيهِ من كَلَام الرَّازِيّ فأوله قَالَ مُحَمَّد
ولأمين الدولة بن التلميذ حَاشِيَة على هَذَا الْكتاب وَأَنه للرازي قَالَ الَّذِي كثيرا مَا يذكرهُ الرَّازِيّ فِي كتاب الفاخر قَالَ مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالْحسنِ طَبِيب المقتدر كَانَ طَبِيبا بِبَغْدَاد ماهرا فِي علم الطِّبّ وَكَانَ بَيته بَيت الطِّبّ
وَكَانَ لَهُ ثَلَاث أخوة أحدهم كَحال حاذق يعرف بِسُلَيْمَان وَآخر طَبِيب لَيْسَ فِي رتبته يعرف بهرون وَالثَّالِث صيدلاني كَبِير الصيت بِبَغْدَاد فِي الحرفة
وَله كناش عَجِيب فِي تجاريبه لكنه قَلِيل الْوُجُود إِلَّا بِبَغْدَاد المحروسة كتاب فِي الْعلَّة الَّتِي صَار لَهَا مَتى انْقَطع من الْبدن شَيْء حَتَّى يتبرأ مِنْهُ أَنه لَا يلتصق بِهِ وَإِن كَانَ صَغِيرا ويلصق بِهِ من الْجِرَاحَات الْعَظِيمَة الْقدر غير المتبرئة مِمَّا هُوَ أعظم من ذَلِك كثيرا
رِسَالَة فِي المَاء الْمبرد على الثَّلج والمبرد من غير أَن يطْرَح فِيهِ الثَّلج وَالَّذِي يغلى ثمَّ يبرد فِي الجليد والثلج
كتاب فِي الْعلَّة الَّتِي لَهَا صَار السّمك الطري معطشا
رِسَالَة فِي أَنه لَا يُوجد شراب غير مُسكر يَفِي بِجَمِيعِ أَفعَال الشَّرَاب الْمُسكر الْمَحْمُود فِي الْبدن
كتاب فِي عَلَامَات إقبال الدولة
كتاب فِي فضل الْعين على سَائِر الْحَواس
رِسَالَة فِي أَن غرُوب الشَّمْس وَسَائِر الْكَوَاكِب عَنَّا وطلوعها علينا لَيْسَ من أجل حَرَكَة الأَرْض بل من حَرَكَة الْفلك
كتاب فِي الْمنطق يذكر فِيهِ جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ مِنْهُ بِأَلْفَاظ متكلمي الْإِسْلَام
كتاب فِي فسخ ظن
من يتَوَهَّم أَن الْكَوَاكِب لَيست فِي نِهَايَة الاستدارة وَغير ذَلِك
كتاب فِي أَنه لَا يتَصَوَّر لمن لَا دربة لَهُ بالبرهان إِن الأَرْض كرية وَأَن النَّاس حولهَا
رِسَالَة يبْحَث فِيهَا عَن الأَرْض الطبيعية طين هِيَ أم حجر دَاخل سمع الكيان
كتاب يُوضح فِيهِ أَن التَّرْكِيب نَوْعَانِ وَغير ذَلِك
مقَالَة فِي الْعَادة وَأَنَّهَا تكون طبيعية
مقَالَة فِي الْمَنْفَعَة فِي أَطْرَاف الأجفان دَائِما
مقَالَة فِي الْعلَّة الَّتِي من أجلهَا تضيق النواظر فِي النُّور وتتسع فِي الظلمَة
مقَالَة فِي الْعلَّة الَّتِي لَهَا تزْعم الْجُهَّال أَن الثَّلج يعطش
مقَالَة فِي الْعلَّة الَّتِي لَهَا يحرق الثَّلج ويقرح
كتاب أَطْعِمَة المرضى
مقَالَة فِيمَا استدركه من الْفَصْل فِي الْكَلَام فِي الْقَائِلين بحدوث الْأَجْسَام وعَلى الْقَائِلين بقدمها كتاب فِي أَن الْعِلَل الْيَسِيرَة بَعْضهَا أعْسر تعرفا وعلاجا وَغير ذَلِك
كتاب الْعلَّة الَّتِي لَهَا تذم الْعَوام الْأَطِبَّاء الحذاق
رِسَالَة فِي الْعِلَل المشكلة وَعذر الطَّبِيب وَغير ذَلِك
رِسَالَة فِي الْعِلَل القائلة لعظمها والقاتلة لظهورها بَغْتَة مِمَّا لَا يقدر الطَّبِيب على صَلَاحهَا وعذره فِي ذَلِك
كتاب فِي أَن الطَّبِيب الحاذق لَيْسَ هُوَ من قدر على إِبْرَاء جَمِيع الْعِلَل فَإِن ذَلِك لَيْسَ فِي الوسع وَلَا فِي صناعَة أبقراط وَأَنه قد يسْتَحق أَن يشْكر الطَّبِيب ويمدح وَأَن تعظم صناعَة الطِّبّ وتشرف وَإِن هُوَ لم يقدر على ذَلِك بعد أَن يكون مُتَقَدما لأهل بَلَده وعصره
رِسَالَة فِي أَن الصَّانِع المتعرف بصناعته مَعْدُوم فِي جلّ الصناعات لَا فِي الطِّبّ خَاصَّة وَالْعلَّة الَّتِي من أجلهَا صَار ينجح جهال الْأَطِبَّاء والعوام وَالنِّسَاء فِي المدن فِي علاج بعض الْأَمْرَاض أَكثر من الْعلمَاء وَعذر الطَّبِيب فِي ذَلِك
كتاب الممتحن فِي الطِّبّ على سَبِيل كناش
كتاب فِي أَن النَّفس لَيست بجسم
كتاب فِي الْكَوَاكِب السَّبْعَة فِي الْحِكْمَة
رِسَالَة إِلَى الْحسن بن إِسْحَق بن محارس القمي
كتاب فِي النَّفس المغترة
كتاب فِي النَّفس الْكَبِيرَة
مقَالَة فِي الْعلَّة الَّتِي من أجلهَا يعرض الزُّكَام لأبي زيد الْبَلْخِي فِي فصل الرّبيع عِنْد شمه الْورْد
رِسَالَة فِي محنة الطَّبِيب وَكَيف يَنْبَغِي أَن يكون حَاله فِي نَفسه وبدنه وَسيرَته وأدبه
رِسَالَة فِي مِقْدَار مَا يُمكن أَن يسْتَدرك من أَحْكَام النُّجُوم على رَأْي الفلاسفة الطبيعيين وَمن لم يقل مِنْهُم أَن الْكَوَاكِب أَحيَاء وَمَا يُمكن أَن تستدرك على رَأْي من قَالَ أَنَّهَا أَحيَاء
كتاب فِي الْعلَّة الَّتِي لَهَا صَار يحدث النّوم فِي رُؤُوس بعض النَّاس شَبِيها بالزكام
كتاب فِي الشكوك الَّتِي على برقلس
كتاب فِي تَفْسِير كتاب أفلوطرخس لكتاب طيماوس
رِسَالَة فِي عِلّة خلق السبَاع والهوام
كتاب فِي إتْمَام مَا نَاقض بِهِ الْقَائِلين بالهيولي
كتاب فِي أَن المناقضة الَّتِي بَين أهل الدَّهْر وَأهل التَّوْحِيد فِي سَبَب أَحْدَاث الْعَالم إِنَّمَا جَازَ من نُقْصَان السمة فِي أَسبَاب الْفِعْل بعضه على التمادية وَبَعضه على الْقَائِلين بقدم الْعَالم
كتاب فِي نقضه على عَليّ بن شَهِيد الْبَلْخِي فِيمَا ناقضه بِهِ فِي أَمر اللَّذَّة
كتاب فِي الرياضة
كتاب فِي النَّقْض على الكيال فِي الْإِمَامَة
كتاب فِي إِنَّه لَا يجوز أَن يكون سُكُون وافتراق
كتاب فِي إتْمَام كتاب أفلوطرخس
كتاب فِي نقض كتاب التَّدْبِير
اخْتِصَار كتاب حلية الْبُرْء لِجَالِينُوسَ
اخْتِصَار كتاب النبض الْكَبِير لِجَالِينُوسَ
تَلْخِيص كتاب الْعِلَل والأعراض لِجَالِينُوسَ
تَلْخِيص كتاب الْأَعْضَاء الآلمة لِجَالِينُوسَ
كتاب الانتقاد على أهل الاعتزال
كتاب فِي نقض كتاب الْبَلْخِي لكتاب الْعلم الإلهي وَالرَّدّ عَلَيْهِ
كتاب فِي أَنه يجوز أَن يكون سُكُون واجتماع وَلَا يجوز أَن يكون حَرَكَة واجتماع لم يزل
رِسَالَة
فِي أَن قطر المربع لَا يُشَارك الضلع من غير هندسة
كتاب فِي الاشفاق على أهل التَّحْصِيل من الْمُتَكَلِّمين بالفلسفة وغرضه يبين مَذْهَب الفلاسفة فِي الْعلم الإلهي لِمَعْنى الْقَارئ بذلك عَن المتحرك إِلَيْهِم
كتاب فِي السِّيرَة الفاضلة وسيرة أهل الْمَدِينَة الفاضلة
كتاب فِي وجوب الدُّعَاء والدعاوى
كتاب الْحَاصِل وغرضه فِيهِ مَا يحمل من الْعلم الإلهي من طَرِيق الْأَخْذ بالحرص وَطَرِيق الْبُرْهَان
رِسَالَة لَطِيفَة فِي الْعلم الإلهي
كتاب مَنَافِع الأغذية وَدفع مضارها وَهُوَ مقالتان يذكر فِي الأولى مِنْهُمَا مَا يدْفع بِهِ ضَرَر الْأَطْعِمَة فِي كل وَقت ومزاج وَحَال وَفِي الثَّانِيَة قَولَانِ اسْتِعْمَال الأغذية وَدفع التخم ومضارها أَلفه للأمير أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ
كتاب إِلَى عَليّ بن شَهِيد الْبَلْخِي فِي تثبيت الْمعَاد غَرَضه فِيهِ النَّقْد على من أبطل الْمعَاد وَيثبت أَن معادا
كتاب عِلّة جذب حجر المغنطيس للحديد وَفِيه كَلَام كثير فِي الْخَلَاء
كتاب كَبِير فِي النَّفس
كتاب صَغِير فِي النَّفس
كتاب ميزَان الْعقل
كتاب فِي الشَّرَاب الْمُسكر وَهُوَ مقالتان
مقَالَة فِي السكنجبين ومنافعه ومضاره
كتاب فِي القولنج
مقَالَة فِي القولنج الْحَار وَهُوَ الْمَعْرُوف بِكِتَاب القولنج الصَّغِير
كتاب فِي تَفْسِير كتاب جالينوس لفصول أبقراط
كتاب فِي الأبنة وعلاجها وتبيينها
كتاب فِي نقض كتاب الْوُجُود الْمَنْصُور بن طَلْحَة
كتاب فِيمَا يرومه من إِظْهَار مَا يَدعِي من عُيُوب الْأَوْلِيَاء
أَقُول وَهَذَا الْكتاب إِن كَانَ قد ألف وَالله أعلم فَرُبمَا أَن بعض الأشرار المعادين للرازي قد أَلفه وَنسبه إِلَيْهِ ليسيء من يرى ذَلِك الْكتاب أَو يسمع بِهِ الظَّن بالرازي وَإِلَّا فالرازي أجل من أَن يحاول هَذَا الْأَمر وَأَن يصنف فِي هَذَا الْمَعْنى وَحَتَّى إِن بعض من يذم الرَّازِيّ بل يكفره كعلي بن رضوَان الْمصْرِيّ وَغَيره يسمون ذَلِك الْكتاب كتاب الرَّازِيّ فِي مخاريق الْأَنْبِيَاء
كتاب فِي آثَار الإِمَام الْفَاضِل الْمَعْصُوم
كتاب فِي استفراغ المحمومين قبل النضج
كتاب الإِمَام وَالْمَأْمُوم المحقين
كتاب خَواص التلاميذ
كتاب شُرُوط النّظر
كتاب الآراء الطبيعية
كتاب خطأ غَرَض الطَّبِيب
أشعار فِي الْعلم الإلهي
صفة مداد معجون لَا نَظِير لَهُ
نقل كتاب الآس لجَابِر إِلَى الشّعْر
رِسَالَة فِي التَّرْكِيب
رِسَالَة فِي كَيْفيَّة النَّحْو
رِسَالَة فِي الْعَطش وازدياد الْحَرَارَة لذَلِك
كتاب فِي جمل الموسيقى
كتاب فِي الأوهام والحركات النفسانية
كتاب فِي الْعَمَل بالحديد والجبر
كتاب فِيمَا يَعْتَقِدهُ رَأيا
كتاب فِيمَا أغفلته الفلاسفة
كتاب السِّرّ فِي الْحِكْمَة
كتاب مَنَافِع الْأَعْضَاء
كتاب الْكَافِي فِي الطِّبّ
كتاب فِي المتنقل
كتاب الأقراباذين الْمُخْتَصر
كتاب فِي الْبُرْء يُوضح فِيهِ أَن التَّرْكِيب نَوْعَانِ إِمَّا تركيب أجسام مُخْتَلفَة وَإِمَّا تركيب الْأَجْسَام المتشابهة الْأَجْزَاء وَأَنه لَيْسَ وَاحِد على الْحَقِيقَة الْأُخْرَى
كتاب إِلَى أبي الْقَاسِم بن دلف فِي الْحِكْمَة
كتاب إِلَى عَليّ بن وهبان فِيهِ بَاب وَاحِد فِي الشَّمْس
كتاب إِلَى ابْن أبي الساج فِي الْحِكْمَة
كتاب إِلَى الدَّاعِي الأطروش فِي الْحِكْمَة
كتاب سر الْأَسْرَار فِي الْحِكْمَة
كتاب سر الطَّبِيب
كتاب فِي شرف الفصد عِنْد الاستفراغات الامتلائية رداءة وكمية وفضله على سَائِر الاستفراغات والإبانة على أَن الفصد لَا يمنعهُ عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ شَيْء أَلْبَتَّة أَلفه للأمير أبي عَليّ أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن أَحْمد
كتاب المرشد وَيُسمى كتاب الْفُصُول
رِسَالَة فِي أَن الْعِلَل المستكملة الَّتِي لَا يقدر الإعلاء أَن يعبروا عَنْهَا وَيحْتَاج الطَّبِيب إِلَى لُزُوم العليل وَإِلَى اسْتِعْمَال بعض التجربة لاستخراجها وَالْوُقُوف عَلَيْهَا وتحير الطَّبِيب
كتاب مُخْتَصر فِي اللَّبن
كَلَام جرى بَينه وَبَين المَسْعُودِيّ فِي حُدُوث الْعَالم
كتاب الْمدْخل إِلَى الطِّبّ
مقَالَة فِي المذاقات
مقَالَة فِي البهق والبرص
كتاب زِينَة الْكتاب
كتاب برْء سَاعَة أَلفه للوزير أبي الْقَاسِم ابْن عبد الله
مقَالَة فِي البواسير والشقاق فِي المقعدة
كَلَام فِي الفروق بَين الْأَمْرَاض
مقَالَة فِي الحرقة الكائنة فِي الاحليل والمثانة
كتاب طب الْفُقَرَاء
رِسَالَة إِلَى الْوَزير أبي الْحسن عَليّ ابْن عِيسَى بن داؤد بن الْجراح القنائي فِي الأعلال الْحَادِثَة على ظَاهر الْجَسَد
رِسَالَة إِلَى تِلْمِيذه يُوسُف بن يَعْقُوب فِي أدوية الْعين وعلاجها ومداواتها وتركيب الْأَدْوِيَة لما يحْتَاج إِلَيْهِ من ذَلِك
كتاب صيدلة الطِّبّ
كتاب فِي جَوَاهِر الْأَجْسَام
كتاب فِي سيرته
مقَالَة فِي الزُّكَام والنزلة وامتلاء الرَّأْس وَمنع النزلة إِلَى الصَّدْر وَالرِّيح الَّتِي تسد المنخرين وَمنع التنفس بهما
مقَالَة فِي إِبْدَال الْأَدْوِيَة المستعملة فِي الطِّبّ والعلاج وقوانينها وجهة اسْتِعْمَالهَا
كتاب صفة البيمارستان
مقَالَة فِي الأغذية مُخْتَصر مقَالَة فِيمَا سُئِلَ عَنهُ فِي أَنه لم صَار من قل جمَاعَة من الْإِنْسَان طَال عمره ألفها للأمير أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عَليّ
مقَالَة فِي الْعلَّة الَّتِي لَهَا إِذا أكلت الْحَيَوَانَات سخنت أبدانها مَا خلا الْإِنْسَان فَإِنَّهُ يجد عِنْد أكله فتورا
مقَالَة فِي الكيفيات رِسَالَة فِي الْحمام ومنافعه ومضاره
كتاب فِي الدَّوَاء المسهل والمقيء
مقَالَة فِي علاج الْعين بالحديد
أَبُو الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ
من أهل طبرستان فَاضل عَالم بصناعة الطِّبّ وَكَانَ طَبِيب الْأَمِير ركن الدولة
وَلأَحْمَد بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ من الْكتب الكناش الْمَعْرُوف بالمعالجات البقراطية وَهُوَ من أجل الْكتب وأنفعها وَقد استقصى فِيهِ ذكر الْأَمْرَاض ومداواتها على أتم مَا يكون وَهُوَ يحتوي على مقالات كَثِيرَة
أَبُو سُلَيْمَان السجسْتانِي
هُوَ أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بن طَاهِر بن بهْرَام السجسْتانِي المنطقي كَانَ فَاضلا فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة متقنا لَهَا مطلعا على دقائقها وَاجْتمعَ بِيَحْيَى بن عدي بِبَغْدَاد وَأخذ عَنهُ وَكَانَ لأبي سُلَيْمَان المنطقي السجسْتانِي أَيْضا نظر فِي الْأَدَب وَالشعر وَمن شعره قَالَ
(لَا تحسدن على تظاهر نعْمَة
…
شخصا تبيت لَهُ الْمنون بِمَرْصَد)
(أَو لَيْسَ بعد بُلُوغه آماله
…
يُفْضِي إِلَى عدم كَانَ لم يُوجد)
(لَو كنت أحسد مَا تجَاوز خاطري
…
حسد النُّجُوم على بَقَاء مرصد) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(الْجُوع يدْفع بالرغيف الْيَابِس
…
فعلام أَكثر حسرتي ووساوسي)
(وَالْمَوْت أنصف حِين سَاوَى حكمه
…
بَين الْخَلِيفَة وَالْفَقِير البائس) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(لَذَّة الْعَيْش فِي بهيمية اللَّذَّة لَا
…
مَا يَقُوله الفلسفي)
(حكم كاس الْمنون أَن يتساوى
…
فِي حساها الغبي والألمعي)
(وَيحل البليد تَحت ثرى الأَرْض
…
كَمَا حل تحتهَا اللوذعي)
(أصبحا رمة تزايل عَنْهَا
…
فصلها الْجَوْهَرِي والعرضي)
(وتلاشى كيانها الحيواني
…
وأودى تمييزها المنطقي)
(فاسأل الأَرْض عَنْهُمَا أَن أَزَال الشَّك
…
والمرية الْجَواب الْخَفي)
(بطلت تلكم الصِّفَات جَمِيعًا
…
ومحال أَن يبطل الأزلي) الْخَفِيف
وَلأبي سُلَيْمَان السجسْتانِي من الْكتب مقَالَة فِي مَرَاتِب قوى الْإِنْسَان وَكَيْفِيَّة الإنذارات الَّتِي تنذر بهَا النَّفس فِيمَا يحدث فِي عَالم الْكَوْن
كَلَام فِي الْمنطق
مسَائِل عدَّة سُئِلَ عَنْهَا وجواباته لَهَا
تعاليق حكمِيَّة وملح ونوادر
مقَالَة فِي أَن الأجرام العلوية طبيعتها طبيعة خَامِسَة وَأَنَّهَا ذَات أنفس وَأَن النَّفس الَّتِي لَهَا هِيَ النَّفس الناطقة
أَبُو الْخَيْر الْحسن بن سوار
ابْن بَابا بن بهنام الْمَعْرُوف بِابْن الْخمار وبهنام لَفْظَة فارسية مركبة من كَلِمَتَيْنِ وَهِي بِهِ خير ونام اسْم أَي اسْم الْخَيْر وَكَانَ هَذَا أَبُو الْخَيْر الْحسن نَصْرَانِيّا عَالما بأصول صناعَة الطِّبّ وفروعها خَبِيرا بغوامضها كثير الدِّرَايَة لَهَا ماهرا فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة
وَله مصنفات جليلة فِي صناعَة الطِّبّ وَغَيرهَا
وَكَانَ خَبِيرا بِالنَّقْلِ وَقد نقل كتبا كَثِيرَة من السرياني إِلَى الْعَرَبِيّ
وَوجدت بِخَطِّهِ شَيْئا من ذَلِك وَقد أَجَاد فِيهَا
وَقَرَأَ الْحِكْمَة على يحيى بن عدي
وَكَانَ فِي نِهَايَة الذكاء والفطنة ومولده فِي شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وثلثمائة
وَقَالَ أَبُو الْخطاب مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي طَالب فِي كتاب الشَّامِل فِي الطِّبّ أَن أَبَا الْخَيْر الْحسن ابْن سوار كَانَ مَوْجُودا فِي سنة ثَلَاثِينَ وثلثمائة
وَقد ذكر أَبُو الْحسن عَليّ بن رضوَان عَنهُ فِي كتاب
حل شكوك الرَّازِيّ على جالينوس مَا هَذَا نَصه قَالَ كَمَا فعل فِي عصرنا هَذَا الْحسن بن بَابا الْمَعْرُوف بِابْن الْخمار فَإِنَّهُ وصل بالطب إِلَى أَن قيل لَهُ مَحْمُود الْملك للْأَرْض وَكَانَ الْملك مَحْمُود عَظِيما جدا
وَذَلِكَ أَن هَذَا الرجل كَانَ فيلسوفا حسن التعقل حسن الْمعرفَة
وَقَالَ عَنهُ أَنه كَانَ حسن السياسة لفقهاء النَّاس ورؤساء الْعَوام والعظماء والملوك
وَذَلِكَ أَنه كَانَ إِذا دَعَاهُ من أظهر الْعِبَادَة والزهد مَشى إِلَيْهِ رَاجِلا وَقَالَ لَهُ جعلت هَذَا الْمَشْي كَفَّارَة لمروري إِلَى أهل الْفسق والجبابرة
فَإِذا دَعَاهُ السُّلْطَان ركب إِلَيْهِ فِي زِيّ الْمُلُوك والعظماء حَتَّى أَنه رُبمَا حجبه فِي هَذِه الْحَال ثلثمِائة غُلَام تركي بالخيول الْجِيَاد والهيئة البهية
ووفى صناعته حَقّهَا بالتواضع للضعفاء وبالتعاظم على العظماء
وَهَكَذَا كَانَ طَرِيق بقراط وجالينوس وَغَيرهمَا من الْحُكَمَاء
فَمنهمْ من تواضع وَلزِمَ الزّهْد والتصاون وَمِنْهُم من أظهر من حكمته مَا ظَهرت بِهِ محَاسِن الْحِكْمَة
قَالَ
أَبُو الْفرج بن هندو
فِي كتاب مِفْتَاح الطِّبّ أَنه رأى فِي بِلَاد الْعَجم جمَاعَة كَانُوا ينفون من صناعَة الطِّبّ
قَالَ وَقد كَانَ زعيم الْفرْقَة النافية للطب يعادي أستاذي أَبَا الْخَيْر بن الْخمار الفيلسوف ويغري الْعَامَّة بإيذائه فاشتكى الزعيم رَأسه واستفتى أَبَا الْخَيْر فِي دوائه فَقَالَ يَنْبَغِي أَن يضع تَحت رَأسه كِتَابه الْفُلَانِيّ الَّذِي نفى فِيهِ فعل الطِّبّ ليشفيه الله وَلم يداوه
وَلأبي الْخَيْر الْحسن بن سوار بن بَابا من الْكتب مقَالَة فِي الهيولى
كتاب الْوِفَاق بَين رَأْي الفلاسفة وَالنَّصَارَى ثَلَاث مقالات
كتاب تَفْسِير أيساغوجي مشروح كتاب تَفْسِير أيساغوجي مُخْتَصر
مقَالَة فِي الصّديق والصداقة
مقَالَة فِي سيرة الفيلسوف مقَالَة فِي الأثار المخيلة فِي الجو الْحَادِثَة عَن البخار المائي وَهِي الهالة والقوس والضباب على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب
مقَالَة فِي السَّعَادَة
مقَالَة فِي الإفصاح عَن رَأْي القدماء فِي الْبَارِي تَعَالَى وَفِي الشَّرَائِع ومورديها
مقَالَة فِي امتحان الْأَطِبَّاء صنفها للأمير خوارزمشاه أبي الْعَبَّاس مَأْمُون بن مَأْمُون
كتاب فِي خلق الْإِنْسَان وتركيب أَعْضَائِهِ أَربع مقالات
كتاب تَدْبِير الْمَشَايِخ وَقد ذكر فِي أَوله أَن حنين بن إِسْحَق كَانَ قد ألف ذَلِك بالسرياني وَجمع من كَلَام جالينوس وروفس فِي تَدْبِير الْمَشَايِخ مَا الْحَاجة دَاعِيَة إِلَى مَعْرفَته مَعَ زيادات ذكر أَنه زَادهَا من عِنْده وصير ذَلِك على طَرِيق الْمَسْأَلَة وَالْجَوَاب وَإِن أَبَا الْخَيْر بسط القَوْل وأوضحه من غير مَسْأَلَة وَجَوَاب وَجعله سِتَّة وَعشْرين بَابا
كتاب تصفح مَا جرى بَين أبي زَكَرِيَّا يحيى بن عدي وَبَين أبي إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن بكوس فِي سُورَة النَّار وَتبين فَسَاد مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بن طَاهِر فِي صور الاسطقسات
مقَالَة فِي الْمَرَض الْمَعْرُوف بالكاهني وَهُوَ الصرع
تقاسيم أيساغوجي وقاطيغورياس لألينوس الإسْكَنْدراني مِمَّا نَقله من السرياني إِلَى الْعَرَبِيّ الْحسن بن سوار بن بَابا وَشَرحه على طَرِيق الْحَوَاشِي
نقلت ذَلِك من الدستور من خطّ الْحسن بن سوار
أَبُو الْفرج بن هندو
هُوَ الْأُسْتَاذ السَّيِّد الْفَاضِل أَبُو الْفرج عَليّ بن الْحُسَيْن بن هندو من الأكابر المتميزين فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة والأمور الطبية والفنون الأدبية لَهُ الْأَلْفَاظ الرائقة والأشعار الفائقة والتصانيف الْمَشْهُورَة
والفضائل الْمَذْكُورَة وَكَانَ أَيْضا كَاتبا مجيدا وخدم بِالْكِتَابَةِ وَتصرف
وَكَانَ اشْتِغَاله بصناعة الطِّبّ والعلوم الْحكمِيَّة على الشَّيْخ أبي الْخَيْر الْحسن بن سوار بن بَابا الْمَعْرُوف بِابْن الْخمار وتتلمذ لَهُ وَكَانَ من أجل تلاميذه وَأفضل المشتغلين عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو مَنْصُور الثعالبي فِي كتاب يتيمة الدَّهْر فِي وصف أبي الْفرج بن هندو قَالَ هُوَ مَعَ ضربه فِي الأداب والعلوم بِالسِّهَامِ الفائزة وَملكه رق البلاعة والبراعة فَرد الدَّهْر فِي الشّعْر وأوحد أهل الْفضل فِي صيد الْمعَانِي الشوارد ونظم الفرائد فِي القلائد مَعَ تَهْذِيب الْأَلْفَاظ البليغة وتقريب الْأَغْرَاض الْبَعِيدَة وتذكير الَّذين يسمعُونَ ويرون أفسحر هَذَا أم أَنْتُم لَا تبصرون
قَالَ أَبُو مَنْصُور الثعالبي وَكَانَ قد اتّفق لي معنى بديع لم أقدر أَنِّي سبقت إِلَيْهِ وَهُوَ قولي آخر هَذِه الأبيات
(قلبِي وجدا مشتعل
…
على الهموم مُشْتَمل)
(وَقد كستني فِي الْهوى
…
ملابس الصب الْغَزل)
(إنسانة فتانة
…
بدر الدجى مِنْهَا خجل)
(إِذا زنت عَيْني بهَا
…
فبالدموع تَغْتَسِل) الرجز
حَتَّى أَنْشدني لأبي الْفرج بن هندو
(يَقُولُونَ لي مَا بَال عَيْنك مذ رَأَتْ
…
محَاسِن هَذَا الظبي أدمعها هطل)
(فَقلت زنت عَيْني بطلعة وَجهه
…
فَكَانَ لَهَا من صوب أدمعها غسل) الطَّوِيل
فَعرفت أَن السَّبق لَهُ
وَمن شعر أبي الْفرج بن هندو قَالَ
(قوض خيامك من أَرض تضام بهَا
…
وجانب الذل أَن الذل يجْتَنب)
(وأرحل إِذا كَانَت الأوطان منقصة
…
فمندل الْهِنْد فِي أوطانه حطب) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(أَطَالَ بَين الْبِلَاد بحوالي
…
قُصُور مَالِي وَطول آمالي)
(إِن رحت عَن بَلْدَة غَدَوْت إِلَى
…
أُخْرَى فَمَا تَسْتَقِر احمالي)
(كأنني فكرة الموسوس لَا
…
تبقى مدى لَحْظَة على حَال) المنسرح
وَقَالَ فِي الْحَث على الْحَرَكَة وَالسَّعْي
(خليلي لَيْسَ الرَّأْي مَا تريان
…
فشأنكما أَنِّي ذهبت لشاني)
(خليلي لَوْلَا أَن فِي السَّعْي رفْعَة
…
لما كَانَ يَوْمًا يدأب القمران) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(وحقك مَا أخرت كتبي عَنْكُم
…
لقالة واش أَو كَلَام محرش)
(وَلَكِن دمعي أَن كتبت مشوش
…
كتابي وَمَا نفع الْكتاب المشوش) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا فِي النَّهْي عَن اتِّخَاذ الْعِيَال وَالْأَمر بالوحدة
(مَا للمعيل وللمعالي إِنَّمَا
…
يسمو إلَيْهِنَّ الوحيد الفارد)
(فالشمس تجتاب السَّمَاء فريدة
…
وَأَبُو بَنَات النعش فِيهَا راكد) الطَّوِيل
وَقَالَ فِي الصَّبْر
(تصبر إِذا الْهم أسرى إِلَيْك
…
فَلَا الْهم يبْقى وَلَا صَاحبه) المتقارب
وَقَالَ أَيْضا
(قَالُوا اشْتغل عَنْهُم يَوْمًا بغيرهم
…
وخادع النَّفس أَن النَّفس تنخدع)
(قد صِيغ قلبِي على مِقْدَار حبهم
…
فَمَا لحب سواهُم فِيهِ متسع) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(عَارض ورد الغصون وجنته
…
فاتفقا فِي الْجمال وَاخْتلفَا)
(يزْدَاد بالقطف ورد وجنته
…
وَينْقص الْورْد كلما قطفا) المنسرح
وَقَالَ أَيْضا
(قولا لهَذَا الْقَمَر البادي
…
مَالك إصلاحي وإفسادي)
(زود فؤادا راحلا بقبلة
…
لَا بُد للراحل من زَاد) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(تمنيت من أَهْوى فَلَمَّا لَقيته
…
بهت فَلم أملك لِسَانا وَلَا طرفا)
(وأطرقت إجلالا لَهُ ومهابة
…
وحاولت أَن يخفى الَّذِي بِي فَلم يخفا)
(وَقد كَانَ فِي قلبِي دفاتر عَتبه
…
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا مَا فهمت وَلَا حرفا) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(عابوه لما التحى فَقُلْنَا
…
عبتم وَغِبْتُمْ عَن الْجمال)
(هَذَا غزال وَلَا عجب
…
تولد الْمسك فِي الغزال) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا فِي العذار
(أوحى لعارضه العذار فَمَا
…
أبقى على ورعي وَلَا نسكي)
(فَكَأَن نملا قد دببن بِهِ
…
غمست أكارعهن فِي مسك) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(قَالُوا صَحا قلب الْمُحب وَمَا صَحا
…
ومحا العذار سنا الحبيب وَمَا محا)
(مَا ضره شعر العذار وَإِنَّمَا
…
وافى يسلسل حسنه أَن يبرحا) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا فِي خطّ العذار
(الْآن قد صحت لدي شَهَادَة
…
أَن لَيْسَ مثل جماله لمصور)
(خطّ يَكْتُبهُ حوالي خَدّه
…
قلم الْإِلَه بنقش مسك أذفر) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(يَا من محياه كاسمه حسن
…
إِن نمت عني فَلَيْسَ لي وَسن)
(قد كنت قبل العذار فِي محن
…
حَتَّى تبدى فزادت المحن)
(يَا شَعرَات جَمِيعهَا فتن
…
يتيه فِي كنه وصفهَا الفطن)
(مَا عيروا من عذاره سفها
…
قد كَانَ غصنا فأورق الْغُصْن) المنسرح
وَقَالَ فِي ذمّ العذار
(كفى فُؤَادِي عذاره حرقه
…
فَكف عينا بدمعها غرقه)
(مَا خطّ حرف من العذار بِهِ
…
إِلَّا محا من جماله ورقه) المنسرح
وَقَالَ فِي الشَّرَاب
(أرى الْخمر نَارا والنفوس جواهرا
…
فَإِن شربت أبدت طباع الْجَوَاهِر)
(فَلَا تفضحن النَّفس يَوْمًا بشربها
…
إِذا لم تثق مِنْهَا بِحسن السرائر) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(أوصى الْفَقِيه العسكري
…
بِأَن أكف عَن الشَّرَاب)
(فعصيته أَن الشَّرَاب
…
عمَارَة الْبَيْت الخراب) الْكَامِل المرفل
وَقَالَ لبَعض الرؤساء وَقد انصبت الْخمر على كمه فِي مجْلِس الشَّرَاب
(انصبت الْخمر على كمه
…
تلثم مِنْهُ كمه خدمه)
(لَو لم ترد خدمته بِالَّتِي
…
قد فعلت مَا خصصت كمه) السَّرِيع
وَقَالَ وكتبها على عود
(رَأَيْت الْعود مشتقا
…
من الْعود باتقان)
(فَهَذَا طيب آناف
…
وَهَذَا طيب آذان) الهزج
وَقَالَ أَيْضا
(ودوحة أنس أَصبَحت ثمراتها
…
أغاريد تجنيها ندامى وجلاس)
(تغنى عَلَيْهَا الطير وَهِي رطيبة
…
فَلَمَّا عست غنى على عودهَا النَّاس) الطَّوِيل
وَقَالَ فِي الآذريون
(رب روض خلت آذر
…
يونه لما توقد)
ذَهَبا أشعل مسكا
…
فِي كوانين زبرجد) الرمل
وَقَالَ فِي عز الْكَمَال
(فَإِذا رَأَيْت الْفضل فَازَ بِهِ الْفَتى
…
فَاعْلَم بِأَن هُنَاكَ نقصا خافيا)
(وَالله أكمل قدرَة من أَن يرى
…
لكماله مِمَّن ترَاهُ ثَانِيًا) الْكَامِل
وَقَالَ فِي الشكوى
(ضعت بِأَرْض الرّيّ فِي أَهلهَا
…
ضيَاع حرف الرَّاء فِي اللثغه)
(صرت بهَا بعد بُلُوغ المنى
…
يُعجبنِي أَن أبلغ البلغه) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا
(لنا ملك مَا فِيهِ للْملك آلَة
…
سوى إِنَّه يَوْم السِّلَاح متوج)
(أقيم لإِصْلَاح الورى وَهُوَ فَاسد
…
وَكَيف اسْتِوَاء الظل وَالْعود أَعْوَج) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(عجبت لقولنج هَذَا الْأَمِير
…
وأنى وَمن أَيْن قد جَاءَهُ)
(وَفِي كل يَوْم لَهُ حقنة
…
تفرغ بالزب أمعاءه) المتقارب
وَقَالَ فِي مدح الجرب وملح وظرف
(بهيج مسرتي جرب بكفي
…
إِذا مَا عد فِي الكرب الْعِظَام)
(تجنبني اللئام لذاك حَتَّى
…
كفيت بِهِ مصافحة اللئام) الوافر
وَقَالَ فِي مُرَاجعَة الشّعْر بعد تَركه إِيَّاه
(وَكنت تركت الشّعْر آنف من خنا
…
وأكبر عَن مدح وأزهد عَن غزل)
(فَمَا زَالَ بِي حبيك حَتَّى تطلعت
…
خواطر شعر كَانَ طالعه أفل)
(تزل القوافي عَن لساني كَأَنَّهَا
…
يفاع يزل السَّيْل مِنْهُ على عجل)
(فَأصْبح شعر الأعشيين من العشا
…
لَدَيْهِ وَشعر الأخطلين من الخطل) الطَّوِيل
وَلأبي الْفرج بن هندو من الْكتب الْمقَالة الموسومة بمفتاح الطِّبّ ألفها لإخوانه من المتعلمين وَهِي عشرَة أَبْوَاب
الْمقَالة المشوقة فِي الْمدْخل إِلَى علم الفلسفة كتاب الْكَلم الروحانية من الحكم اليونانية ديوَان شعره رِسَالَة هزلية مترجمة بالوساطة بَين الزناة واللاطة
الْحسن الْفَسَوِي
كَانَ طَبِيبا مَعْرُوفا من أَرض فَارس من مَدِينَة فسا
متميزا فِي الطِّبّ وَالْقِيَام بِهِ والتقدم بِسَبَبِهِ
خدم الدولة البويهية واختص مِنْهَا بِخِدْمَة الْملك بهاء الدّين بن عضد الدولة وَصَحبه فِي أَسْفَاره وتقدر عِنْده
وَلما مرض أَمِير الْأُمَرَاء أَبُو مَنْصُور بويه بن بهاء الدولة فِي رَجَب سنة ثَمَان وَتِسْعين وثلثمائة مَعَ وَالِده بِالْبَصْرَةِ وعزم بهاء الدولة على التَّوَجُّه من الْبَصْرَة إِلَى تستر للصَّيْد والفرجة وَكَانَ شَدِيد الاشفاق على وَلَده من هَذَا الْمَرَض كثير الاحتراس مِنْهُ خَائفًا من جَانِبه مَانِعا للجند من لِقَائِه وَهُوَ مَعَ أَبِيه كالمحصور يمنعهُ من جمع مُرَاده
وَاتفقَ أَن حم هَذَا الْوَلَد فِي رَجَب حمى أضعفت قوته قبل الْيَوْم الَّذِي أَرَادَ بهاء الدولة أَبوهُ الْمسير فِيهِ
فَقَالَ الْأَثِير لبهاء الدولة أَمِير الْأُمَرَاء مَحْمُوم وَلَا فضل فِيهِ لحركة والرأي تَركه
فَقَالَ لَا يحمل من فوره وَيخرج قولا وَاحِدًا
فَقَالَ لَهُ هُوَ إِذا انزعج هلك وَمُدَّة مقَامه بَعدنَا لَا تطول فَلم يرجع إِلَى مقَال الْأَثِير وَتقدم إِلَى الْحسن الطَّبِيب الْفَسَوِي هَذَا بالمضي إِلَيْهِ وَالْعود بِخَبَرِهِ لِثِقَتِهِ بِمَا يَقُول فَمضى إِلَيْهِ وَشَاهده وَعَاد وَقَالَ الصَّوَاب فِي تَركه وتأخيره فَنزل وأشعر الْملك سرا بخطر مَرضه وعرفه أعراضه وآيسه من حَيَاته
فَحِينَئِذٍ تقدم بِتَرْكِهِ واستمرت عَلَيْهِ الْحمى وَأَشْيَاء أُخْرَى حدثت لَهُ فَتوفي فِي يَوْم الْأَحَد ثَانِي شعْبَان سنة ثَمَان وَتِسْعين وثلثمائة
أَبُو مَنْصُور الْحسن بن نوح الْقمرِي
كَانَ سيد وقته وأوحد زَمَانه مَشْهُورا بالجودة فِي صناعَة الطِّبّ مَحْمُود الطَّرِيقَة فِي أَعمالهَا فَاضلا فِي أُصُولهَا وفروعها
وَكَانَ رحمه الله حسن المعالجة جيد المداواة متميزا عِنْد الْمُلُوك فِي زَمَانه كثيري الاحترام لَهُ
وحَدثني الشَّيْخ الإِمَام شمس الدّين عبد الحميد بن عِيسَى الخسر وشاهي أَن الشَّيْخ الرئيس ابْن سينا
كَانَ قد لحق هَذَا وَهُوَ شيخ كَبِير وَكَانَ يحضر مَجْلِسه ويلازم دروسه وانتفع بِهِ فِي صناعَة الطِّبّ
وَلأبي مَنْصُور الْحسن بن نوح الْقمرِي من الْكتب كتاب غنى وَمنى وَهُوَ كناش حسن وَقد استقصى فِيهِ ذكر الْأَمْرَاض ومداواتها على أفضل مَا يكون ولخص فِيهِ جملا من أَقْوَال المتعينين فِي صناعَة الطِّبّ وخصوصا مَا ذكره الرَّازِيّ مُتَفَرقًا فِي كتبه
كتاب علل الْعِلَل
أَبُو سهل المسيحي
هُوَ أَبُو سهل عِيسَى بن يحيى المسيحي الْجِرْجَانِيّ طَبِيب فَاضل بارع فِي صناعَة الطِّبّ علمهَا وعملها فصيح الْعبارَة جيد التصنيف
وَكَانَ حسن الْخط متقنا للعربية
وَقد رَأَيْت بِخَطِّهِ كِتَابه فِي أظهار حِكْمَة الله تَعَالَى فِي خلق الْإِنْسَان وَهُوَ فِي نِهَايَة الصِّحَّة والإتقان وَالْإِعْرَاب والضبط
وَهَذَا الْكتاب من أجل كتبه وأنفعها فَأَنَّهُ قد أَتَى فِيهِ بجمل مَا ذكره جالينوس وَغَيره فِي مَنَافِع الْأَعْضَاء بأفصح عبارَة وأوضحها مَعَ زيادات نفيسة من قبله تدل على فضل باهر وَعلم غزير وَلذَلِك يَقُول فِي أول كِتَابه هَذَا وَلَيْسَ يعرف فَضِيلَة مَا أوردناه على مَا أوردوا إِلَّا من قَابل بَين كلامنا هَذَا وَكَلَامهم مَعَ دراية وإنصاف مِنْهُ فَإِن من لَا يدْرِي مَا يعتبره لم يصلح للْحكم فِيهِ وَمن لَا إنصاف فِيهِ لم يحكم للأفضل وَلم يؤثره فَمن اعْتبر من يصلح للاعتبار وَهُوَ الْعَالم الْمنصف بعناية واستقصاء مِنْهُ مَا أوردناه وَمَا أوردوا رأى كَيفَ صححنا مَا أوردوه وهذبناه وأتممناه وسهلناه ورتبناه ترتيبا أفضل لجملة الْكَلَام وَلكُل فصل مِنْهُ وأسقطنا من هَذَا الصِّنْف من الْعلم مَا لَيْسَ مِنْهُ
ثمَّ كم زِدْنَا من عندنَا مَعَاني دقيقة عَجِيبَة كَانَت قد خفيت عَلَيْهِم للطفها وجلالة رتبتها وَكَيف جعلنَا البيانات من الْأَشْيَاء الْمُتَقَدّمَة على الْأَشْيَاء الْمُتَأَخِّرَة بِالْعَكْسِ مِمَّا فَعَلُوهُ ليَكُون بَيَانا للشَّيْء بمباديه وأسبابه فَيكون برهانا حَقِيقِيًّا
وَسمعت من الشَّيْخ الإِمَام الْحَكِيم مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ رحمه الله وَهُوَ يَقُول أنني لم أجد أحدا من الْأَطِبَّاء النَّصَارَى الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين أفْصح عبارَة وَلَا أَجود لفظا وَلَا أحسن معنى من كَلَام أبي سهل المسيحي
وَقيل إِن المسيحي هُوَ معلم الشَّيْخ الرئيس صناعَة الطِّبّ وَإِن كَانَ الشَّيْخ الرئيس بعد ذَلِك تميز فِي صناعَة الطِّبّ وَمهر فِيهَا وَفِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة حَتَّى صنف كتبا للمسيحي وَجعلهَا باسمه
وَقَالَ عبيد الله بن جبرئيل إِن المسيحي كَانَ بخراسان وَكَانَ مُتَقَدما عِنْد سلطانها وَأَنه مَاتَ وَله من الْعُمر أَرْبَعُونَ سنة
وَمن كَلَام المسيحي قَالَ
نومَة بِالنَّهَارِ بعد أَكلَة خير من شربة دَوَاء نَافِع
وَلأبي سهل المسيحي من الْكتب كتاب الْمِائَة فِي الطِّبّ وَهُوَ من أَجود كتبه وأشهرها ولأمين الدولة بن التلميذ حَاشِيَة عَلَيْهِ قَالَ يجب أَن يعْتَمد على هَذَا الْكتاب فَإِنَّهُ كثير التَّحْقِيق قَلِيل التّكْرَار
وَاضح الْعبارَة منتخب العلاج
كتاب إِظْهَار حِكْمَة الله تَعَالَى فِي خلق الْإِنْسَان كتاب فِي الْعلم الطبيعي كتاب الطِّبّ الْكُلِّي مقالتان
مقَالَة فِي الجدري
اخْتِصَار كتاب المجسطي
كتاب تَعْبِير الرُّؤْيَا
كتاب فِي الوباء أَلفه للْملك الْعَادِل خوارزمشاه أبي الْعَبَّاس مَأْمُون بن مَأْمُون
الشَّيْخ الرئيس ابْن سينا
هُوَ أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن عبد الله بن عَليّ بن سينا وَهُوَ أَن كَانَ أشهر من أَن يذكر وفضائله أظهر من أَن تسطر فَإِنَّهُ قد ذكر من أَحْوَاله وَوصف من سيرته مَا يُغني غَيره عَن وَصفه
وَلذَلِك أننا نقتصر من ذَلِك على مَا قد ذكره هُوَ عَن نَفسه نَقله عَنهُ أَبُو عبيد الجوجزاني قَالَ قَالَ الشَّيْخ الرئيس
إِن أبي كَانَ رجلا من أهل بَلخ وانتقل مِنْهَا إِلَى بُخَارى فِي أَيَّام نوح بن مَنْصُور واشتغل بِالتَّصَرُّفِ وَتَوَلَّى الْعَمَل فِي أثْنَاء أَيَّامه بقرية يُقَال لَهَا خرميثن من ضيَاع بُخَارى وَهِي من أُمَّهَات الْقرى وبقربها قَرْيَة يُقَال لَهَا أفشنة وَتزَوج أبي مِنْهَا بوالدتي وقطن بهَا وَسكن وَولدت مِنْهَا بهَا
ثمَّ ولدت أخي ثمَّ انتقلنا إِلَى بُخَارى
وأحضرت معلم الْقُرْآن ومعلم الْأَدَب وأكملت الْعشْر من الْعُمر وَقد أتيت على الْقُرْآن وعَلى كثير من الْأَدَب حَتَّى كَانَ يقْضى مني الْعجب
وَكَانَ أبي مِمَّن أجَاب دَاعِي المصريين ويعد من الإسماعيلية
وَقد سمع مِنْهُم ذكر النَّفس وَالْعقل على الْوَجْه الَّذِي يَقُولُونَهُ ويعرفونه هم وَكَذَلِكَ أخي
وَكَانُوا رُبمَا تَذَاكَرُوا بَينهم وَأَنا أسمعهم وَأدْركَ مَا يَقُولُونَهُ وَلَا تقبله نَفسِي وابتدأوا يدعونني أَيْضا إِلَيْهِ ويجرون على ألسنتهم ذكر الفلسفة والهندسة وحساب الْهِنْد وَأخذ يوجهني إِلَى رجل كَانَ يَبِيع البقل وَيقوم بِحِسَاب الْهِنْد حَتَّى أتعلمه مِنْهُ
ثمَّ جَاءَ إِلَى بُخَارى أَبُو عبد الله النائلي وَكَانَ يدعى المتفلسف وأنزله أبي دَارنَا رَجَاء تعلمي مِنْهُ
وَقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه والتردد فِيهِ إِلَى إِسْمَاعِيل الزَّاهِد وَكنت من أَجود السالكين
وَقد ألفت طرق الْمُطَالبَة ووجوه الِاعْتِرَاض على الْمُجيب على الْوَجْه الَّذِي جرت عَادَة الْقَوْم بِهِ
ثمَّ ابتدأت بِكِتَاب أيساغوجي على النائلي
وَلما ذكر لي حد الْجِنْس أَنه هُوَ الْمَقُول على كثيرين مُخْتَلفين بالنوع فِي جَوَاب مَا هُوَ فَأخذت فِي تَحْقِيق هَذَا الْحَد بِمَا لم يسمع بِمثلِهِ وتعجب مني كل الْعجب وحذر وَالِدي من شغلي بِغَيْر الْمعلم
وَكَانَ أَي مَسْأَلَة قَالَهَا لي أتصورها خيرا مِنْهُ حَتَّى قَرَأت ظواهر الْمنطق عَلَيْهِ
وَأما دقائقه فَلم يكن عِنْده مِنْهَا خبْرَة
ثمَّ أخذت أَقرَأ الْكتب على نَفسِي وأطالع
الشُّرُوح حَتَّى أحكمت علم الْمنطق
وَكَذَلِكَ كتاب أقليدس فَقَرَأت من أَوله خَمْسَة أشكال أَو سِتَّة عَلَيْهِ ثمَّ توليت بنفسي حل بَقِيَّة الْكتاب بأسره ثمَّ انْتَقَلت إِلَى المجسطي وَلما فرغت من مقدماته وانتهيت إِلَى الأشكال الهندسية قَالَ لي النائلي تول قرَاءَتهَا وحلها بِنَفْسِك ثمَّ اعرضها عَليّ لأبين لَك صَوَابه من خطئه وَمَا كَانَ الرجل يقوم بِالْكتاب
وَأخذت أحل ذَلِك الْكتاب فكم من شكل مَا عرفه إِلَى وَقت مَا عرضته عَلَيْهِ ومهمته إِيَّاه
ثمَّ فارقني النائلي مُتَوَجها إِلَى كركانج واشتغلت أَنا بتحصيل الْكتب من النُّصُوص والشروح من الطبيعي والإلهي وَصَارَت أَبْوَاب الْعلم تنفتح عَليّ
ثمَّ رغبت فِي علم الطِّبّ وصرت اقْرَأ الْكتب المصنفة فِيهِ وَعلم الطِّبّ لَيْسَ من الْعُلُوم الصعبة
فَلَا جرم أَنِّي برزت فِيهِ فِي أقل مُدَّة حَتَّى بَدَأَ فضلاء الطِّبّ يقرأون عَليّ علم الطِّبّ
وتعهدت المرضى فانفتح عَليّ من أَبْوَاب المعالجات المقتبسة من التجربة مَا لَا يُوصف وَأَنا مَعَ ذَلِك اخْتلف إِلَى الْفِقْه وأناظر فِيهِ وَأَنا فِي هَذَا الْوَقْت من أَبنَاء سِتّ عشرَة سنة
ثمَّ توفرت على الْعلم وَالْقِرَاءَة سنة وَنصفا فَأَعَدْت قِرَاءَة الْمنطق وَجَمِيع أَجزَاء الفلسفة
وَفِي هَذِه الْمدَّة مَا نمت لَيْلَة وَاحِدَة بِطُولِهَا وَلَا اشتغلت النَّهَار بِغَيْرِهِ وجمعت بَين يَدي ظهورا فَكل حجَّة كنت أنظر فِيهَا أثبت مُقَدمَات قياسية ورتبتها فِي تِلْكَ الظُّهُور
ثمَّ نظرت فِيمَا عساها تنْتج وراعيت شُرُوط مقدماته حَتَّى تحقق لي حَقِيقَة الْحق فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة وَكلما كنت أتحير فِي مَسْأَلَة وَلم أكن أظفر بِالْحَدِّ الْأَوْسَط فِي قِيَاس ترددت إِلَى الْجَامِع وَصليت وابتهلت إِلَى مبدع الْكل حَتَّى فتح لي المنغلق وتيسر المتعسر
وَكنت أرجع بِاللَّيْلِ إِلَى دَاري وَاضع السراج بَين يَدي واشتغل بِالْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَة
فمهما غلبني النّوم أَو شَعرت بِضعْف عدلت إِلَى شرب قدح من الشَّرَاب ريثما تعود إِلَيّ قوتي ثمَّ أرجع إِلَى الْقِرَاءَة
وَمهما أَخَذَنِي أدنى نوم أحلم بِتِلْكَ الْمسَائِل بِأَعْيَانِهَا حَتَّى أَن كثيرا من الْمسَائِل اتَّضَح لي وجوهها فِي الْمَنَام
وَكَذَلِكَ حَتَّى استحكم معي جَمِيع الْعُلُوم ووقفت عَلَيْهَا بِحَسب الْإِمْكَان الإنساني
وكل مَا عَلمته فِي ذَلِك الْوَقْت فَهُوَ كَمَا عَلمته الْآن لم ازدد فِيهِ إِلَى الْيَوْم حَتَّى أحكمت على الْمنطق والطبيعي والرياضي
ثمَّ عدلت إِلَى الإلهي وقرأت كتاب مَا بعد الطبيعة
فَمَا كنت أفهم مَا فِيهِ والتبس عَليّ غَرَض وَاضعه حَتَّى أعدت قِرَاءَته أَرْبَعِينَ مرّة وَصَارَ لي مَحْفُوظًا
وَأَنا مَعَ ذَلِك لَا أفهمهُ وَلَا الْمَقْصُود بِهِ وأيست من نَفسِي وَقلت هَذَا كتاب لَا سَبِيل إِلَى فهمه
وَإِذا أَنا فِي يَوْم من الْأَيَّام حضرت وَقت الْعَصْر فِي الوراقين وبيد دلال مُجَلد يُنَادي عَلَيْهِ
فعرضه عَليّ فرددته رد متبرم مُعْتَقد أَن لَا فَائِدَة من هَذَا الْعلم
فَقَالَ لي اشْتَرِ مني هَذَا فَإِنَّهُ رخيص أبيعكه بِثَلَاث دَرَاهِم وَصَاحبه مُحْتَاج إِلَى ثمنه واشتريته فَإِذا هُوَ كتاب لأبي نصر الفارابي فِي أغراض كتاب مَا بعد الطبيعة وَرجعت إِلَى بَيْتِي وأسرعت قِرَاءَته
فانفتح عَليّ فِي الْوَقْت أغراض ذَلِك الْكتاب بِسَبَب أَنه كَانَ لي مَحْفُوظًا على ظهر الْقلب
وفرحت بذلك وتصدقت فِي ثَانِي يَوْمه بِشَيْء كثير على الْفُقَرَاء شكرا لله تَعَالَى
وَكَانَ سُلْطَان بُخَارى فِي ذَلِك الْوَقْت نوح بن مَنْصُور وَاتفقَ لَهُ مرض أتلج الْأَطِبَّاء فِيهِ
وَكَانَ اسْمِي اشْتهر بَينهم بالتوفر على الْقِرَاءَة
فأجروا ذكري بَين يَدَيْهِ وسألوه إحضاري فَحَضَرت وشاركتهم فِي مداواته وتوسمت بخدمته فَسَأَلته يَوْمًا الْإِذْن لي فِي دُخُول دَار كتبهمْ ومطالعتها وَقِرَاءَة مَا فِيهَا من كتب الطِّبّ
فَأذن لي فَدخلت دَارا ذَات بيُوت كَثِيرَة فِي كل بَيت صناديق كتب منضدة بَعْضهَا على بعض فِي بَيت مِنْهَا كتب الْعَرَبيَّة وَالشعر وَفِي آخر الْفِقْه وَكَذَلِكَ فِي كل بَيت كتب علم مُفْرد
فطالعت فهرست كتب الْأَوَائِل وَطلبت مَا احتجب إِلَيْهِ مِنْهَا
وَرَأَيْت من الْكتب مَا لم يَقع اسْمه إِلَى كثير من النَّاس قطّ وَمَا كنت رَأَيْته من قبل وَلَا رَأَيْته أَيْضا من بعد
فَقَرَأت تِلْكَ الْكتب وظفرت بفوائدها وَعرفت مرتبَة كل رجل فِي علمه
فَلَمَّا بلغت ثَمَانِي عشرَة سنة من عمري فرغت من هَذِه الْعُلُوم كلهَا
وَكنت إِذْ ذَاك للْعلم احفظ وَلكنه الْيَوْم معي انضج وَإِلَّا فالعلم وَاحِد لم يَتَجَدَّد لي بعده شَيْء
وَكَانَ فِي جواري رجل يُقَال لَهُ أَبُو الْحُسَيْن الْعَرُوضِي
فَسَأَلَنِي أَن أصنف لَهُ كتابا جَامعا فِي هَذَا الْعلم فصنفت لَهُ الْمَجْمُوع وسميته بِهِ
وأتيت فِيهِ على سَائِر الْعُلُوم سوى الرياضي ولي إِذْ ذَاك إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة من عمري
وَكَانَ فِي جواري أَيْضا رجل يُقَال لَهُ أَبُو بكر البرقي خوارزمي المولد فَقِيه النَّفس متوحد فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير والزهد مائل إِلَى هَذِه الْعُلُوم فَسَأَلَنِي شرح الْكتب لَهُ فصنفت لَهُ كتاب الْحَاصِل والمحصول فِي قريب من عشْرين مجلدة وصنفت لَهُ فِي الْأَخْلَاق كتابا سميته كتاب الْبر وَالْإِثْم
وَهَذَانِ الكتابان لَا يوجدان إِلَّا عِنْده فَلم يعر أحدا ينْسَخ مِنْهُمَا ثمَّ مَاتَ وَالِدي وتصرفت بِي الْأَحْوَال وتقلدت شَيْئا من أَعمال السُّلْطَان ودعتني الضَّرُورَة إِلَى الْإِخْلَال ببخاري والانتقال إِلَى كركانج
وَكَانَ أَبُو الْحُسَيْن السهلي الْمُحب لهَذِهِ الْعُلُوم بهَا وزيرا وقدمت إِلَى الْأَمِير بهَا وَهُوَ عَليّ بن مَأْمُون وَكنت على زِيّ الْفُقَهَاء إِذْ ذَاك بطيلسان وَتَحْت الحنك واثبتوا لي مشاهرة دارة بكفاية مثلي
ثمَّ دعت الضَّرُورَة إِلَى الِانْتِقَال إِلَى نسا وَمِنْهَا إِلَى باورد وَمِنْهَا إِلَى طوس وَمِنْهَا إِلَى شقان وَمِنْهَا إِلَى سمنيقان وَمِنْهَا إِلَى جاجرم رَأس حد خُرَاسَان وَمِنْهَا إِلَى جرجان وَكَانَ قصدي الْأَمِير قَابُوس فاتفق فِي أثْنَاء هَذَا أَخذ قَابُوس وحبسه فِي بعض القلاع وَمَوته هُنَاكَ ثمَّ مضيت إِلَى دهستان ومرضت بهَا مَرضا صعبا وعدت إِلَى جرجان فاتصل أَبُو عبيد الْجوزجَاني بِي وأنشأت فِي حَالي قصيدة فِيهَا بَيت الْقَائِل
(لما عظمت فَلَيْسَ مصر واسعي
…
لما غلا ثمني عدمت المُشْتَرِي) الْكَامِل
قَالَ أَبُو عبيد الْجوزجَاني صَاحب الشَّيْخ الرئيس فَهَذَا مَا حكى لي الشَّيْخ من لَفظه وَمن هَاهُنَا شاهدت أَنا من أَحْوَاله وَكَانَ بجرجان رجل يُقَال لَهُ أَبُو مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ يحب هَذِه الْعُلُوم وَقد اشْترى للشَّيْخ دَارا فِي جواره وأنزله بهَا وَأَنا اخْتلف إِلَيْهِ فِي كل يَوْم اقْرَأ المجسطي وأستملي الْمنطق
فأملى عَليّ الْمُخْتَصر الْأَوْسَط فِي الْمنطق
وصنف لأبي مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ كتاب المبدأ والمعاد وَكتاب الأرصاد الْكُلية
وصنف هُنَاكَ كتبا كَثِيرَة كأول القانون ومختصر المجسطي وَكَثِيرًا من الرسائل ثمَّ صنف فِي أَرض الْجَبَل بَقِيَّة كتبه
وَهَذَا فهرست كتبه كتاب الْمَجْمُوع مجلدة الْحَاصِل والمحصول عشرُون مجلدة الْإِنْسَان عشرُون مجلدة الْبر وَالْإِثْم مجلدتان الشِّفَاء ثَمَانِي عشرَة مجلدة القانون أَربع عشرَة مجلدة الأرصاد الْكُلية مجلدة كتاب النجَاة ثَلَاث مجلدات الْهِدَايَة مجلدة القولنج مجلدة لِسَان الْعَرَب عشر مجلدات الْأَدْوِيَة القلبية مجلدة الموجز مجلدة بعض الْحِكْمَة المشرقية مجلدة بَيَان ذَوَات الْجِهَة مجلدة كتاب الْمعَاد مجلدة كتاب المبدأ والمعاد مجلدة كتاب المباحثات مجلدة
وَمن رسائله الْقَضَاء وَالْقدر الْآلَة الرصدية غَرَض قاطيغورياس
الْمنطق بالشعر القصائد فِي العظمة وَالْحكمَة فِي الْحُرُوف
تعقب الْمَوَاضِع الجدلية
مُخْتَصر أقليدس
مُخْتَصر فِي النبض بالعجمية
الْحُدُود الأجرام السماوية
الْإِشَارَة إِلَى علم الْمنطق
أَقسَام الْحِكْمَة فِي النِّهَايَة واللانهاية عهد كتبه لنَفسِهِ حَيّ بن يقظان فِي أَن أبعاد الْجِسْم غير ذاتية لَهُ
خطب الْكَلَام فِي الهندبا
فِي أَنه لَا يجوز أَن يكون شَيْء وَاحِد جوهريا وعرضيا
فِي أَن علم زيد غير علم عَمْرو
رسائل لَهُ إخوانية وسلطانية
مسَائِل جرت بَينه وَبَين بعض الْفُضَلَاء
كتاب الْحَوَاشِي على القانون
كتاب عُيُون الْحِكْمَة كتاب الشبكة وَالطير
ثمَّ انْتقل إِلَى الرّيّ واتصل بِخِدْمَة السيدة وَابْنهَا مجد الدولة وعرفوه بِسَبَب كتب وصلت مَعَه تَتَضَمَّن تَعْرِيف قدره
وَكَانَ بمجد الدولة إِذْ ذَاك غَلَبَة السَّوْدَاء فاشتغل بمداواته وصنف هُنَاكَ كتاب الْمعَاد وَأقَام بهَا إِلَى أَن قصد شمس الدولة بعد قتل هِلَال بن بدر بن حسنويه وهزيمة عَسْكَر بَغْدَاد
ثمَّ اتّفقت أَسبَاب أوجبت الضَّرُورَة لَهَا خُرُوجه إِلَى قزوين وَمِنْهَا إِلَى هَمدَان واتصاله بِخِدْمَة كذبانويه وَالنَّظَر فِي أَسبَابهَا
ثمَّ اتّفق معرفَة شمس الدولة وإحضاره مَجْلِسه بِسَبَب قولنج كَانَ قد أَصَابَهُ وعالجه حَتَّى شفَاه الله وفاز من ذَلِك الْمجْلس بخلع كَثِيرَة وَرجع إِلَى دَاره بعد مَا أَقَامَ هُنَاكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بلياليها وَصَارَ من ندماء الْأَمِير
ثمَّ اتّفق نهوض الْأَمِير إِلَى قرمسين لِحَرْب عناز وَخرج الشَّيْخ فِي خدمته ثمَّ توجه نَحْو هَمدَان مُنْهَزِمًا رَاجعا
ثمَّ سَأَلُوهُ تقلد الوزارة فتقلدها ثمَّ اتّفق تشويش الْعَسْكَر عَلَيْهِ وإشفاقهم مِنْهُ على أنفسهم
فكبسوا دَاره وأخذوه إِلَى الْحَبْس وأغاروا على أَسبَابه وَأخذُوا جَمِيع مَا كَانَ يملكهُ
وسألوا الْأَمِير قَتله فَامْتنعَ مِنْهُ وَعدل إِلَى نَفْيه عَن الدولة طلبا لمرضاتهم فتوارى فِي دَار الشَّيْخ أبي سعد ابْن دخدوك أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَعَاد الْأَمِير شمس الدولة القولنج وَطلب الشَّيْخ فَحَضَرَ مَجْلِسه فَاعْتَذر الْأَمِير إِلَيْهِ بِكُل الِاعْتِذَار فاشتغل بمعالجته وَأقَام عِنْده مكرما مبجلا
وأعيدت الوزارة إِلَيْهِ ثَانِيًا ثمَّ سَأَلته أَنا شرح كتب أرسطوطاليس فَذكر أَنه لَا فرَاغ لَهُ إِلَى ذَلِك فِي ذَلِك الْوَقْت
وَلَكِن إِن رضيت مني بتصنيف كتاب أورد فِيهِ مَا صَحَّ عِنْدِي من هَذِه الْعُلُوم بِلَا مناظرة مَعَ الْمُخَالفين وَلَا اشْتِغَال بِالرَّدِّ عَلَيْهِم فعلت ذَلِك فرضيت بِهِ
فابتدأ بالتطبيعيات من كتاب سَمَّاهُ كتاب الشِّفَاء وَكَانَ قد صنف الْكتاب الأول من القانون
وَكَانَ يجْتَمع كل لَيْلَة فِي دَاره طلبة الْعلم وَكنت أَقرَأ من الشِّفَاء
وَكَانَ يقرئ غَيْرِي من القانون نوبَة
فَإِذا فَرغْنَا حضر المغنون على اخْتِلَاف طبقاتهم وهيئ مجْلِس الشَّرَاب بآلاته وَكُنَّا نشتغل بِهِ وَكَانَ التدريس بِاللَّيْلِ لعدم الْفَرَاغ بِالنَّهَارِ خدمَة للأمير فقضينا على ذَلِك زَمنا ثمَّ توجه شمس الدّين إِلَى طارم لِحَرْب الْأَمِير بهَا وعاوده القولنج قرب ذَلِك الْموضع وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وانضاف إِلَى ذَلِك أمراض أخر جلبها سوء تَدْبيره وَقلة الْقبُول من الشَّيْخ فخاف الْعَسْكَر وَفَاته فَرَجَعُوا بِهِ طَالِبين هَمدَان فِي المهد فَتوفي فِي الطَّرِيق فِي المهد
ثمَّ بُويِعَ ابْن شمس الدولة وطلبوا استيزار الشَّيْخ فَأبى عَلَيْهِم وَكَاتب عَلَاء الدولة سرا يطْلب خدمته والمصير إِلَيْهِ والانضمام إِلَى جوانبه
وَأقَام فِي دَار أبي غَالب الْعَطَّار متواريا
وَطلبت مِنْهُ إتْمَام كتاب الشِّفَاء فَاسْتَحْضر أَبَا غَالب وَطلب الكاغد والمحبرة فأحضرهما وَكتب الشَّيْخ فِي قريب من عشْرين جُزْءا على الثّمن بِخَطِّهِ رُؤُوس الْمسَائِل
وَبَقِي فِيهِ يَوْمَيْنِ حَتَّى كتب رُؤُوس الْمسَائِل كلهَا بِلَا كتاب يحضرهُ وَلَا أصل يرجع إِلَيْهِ بل من حفظه وَعَن ظهر قلبه
ثمَّ ترك الشَّيْخ تِلْكَ الْأَجْزَاء بَين يَدَيْهِ وَأخذ الكاغد فَكَانَ ينظر فِي كل مَسْأَلَة وَيكْتب شرحها فَكَانَ يكْتب كل يَوْم خمسين ورقة حَتَّى أَتَى على جَمِيع الطبيعيات والإلهيات مَا خلا كتابي الْحَيَوَان والنبات
وابتدأ بالْمَنْطق وَكتب مِنْهُ جُزْءا
ثمَّ أَتَّهِمهُ تَاج الْملك بمكاتبته عَلَاء الدولة فَأنْكر عَلَيْهِ ذَلِك وحث فِي طلبه فَدلَّ عَلَيْهِ بعض أعدائه فَأَخَذُوهُ وأدوه إِلَى قلعة يُقَال لَهَا فردجان وَأَنْشَأَ هُنَاكَ قصيدة مِنْهَا
(دخولي بِالْيَقِينِ كَمَا ترَاهُ
…
وكل الشَّك فِي أَمر الْخُرُوج) الوافر
وَبَقِي فِيهَا أَرْبَعَة أشهر
ثمَّ قصد عَلَاء الدولة هَمدَان وَأَخذهَا وَانْهَزَمَ تَاج الْملك وَمر إِلَى تِلْكَ القلعة بِعَينهَا
ثمَّ رَجَعَ عَلَاء الدولة عَن هَمدَان وَعَاد تَاج الْملك وَابْن شمس الدولة إِلَى هَمدَان وحملوا مَعَهم الشَّيْخ إِلَى هَمدَان وَنزل فِي دَار الْعلوِي واشتغل هُنَاكَ بتصنيف الْمنطق من كتاب الشِّفَاء وَكَانَ قد صنف بالقلعة كتاب الهدايات ورسالة حَيّ بن يقظان وَكتاب القولنج
وَأما الْأَدْوِيَة
القلبية فَإِنَّمَا صنفها أول وُرُوده إِلَى هَمدَان وَكَانَ قد تقضى على هَذَا زمَان وتاج الْملك فِي أثْنَاء هَذَا يمنيه بمواعيد جميلَة
ثمَّ عَن للشَّيْخ التَّوَجُّه إِلَى أصفهان فَخرج متنكرا وَأَنا وَأَخُوهُ وغلامان مَعَه فِي زِيّ الصُّوفِيَّة إِلَى أَن وصلنا إِلَى طبران على بَاب أصفهان بعد أَن قاسينا شَدَائِد فِي الطَّرِيق فَاسْتقْبلنَا أصدقاء الشَّيْخ وندماء الْأَمِير عَلَاء الدولة وخواصه وَحمل إِلَيْهِ الثِّيَاب والمراكب الْخَاصَّة وَأنزل فِي محلّة يُقَال لَهَا كونكنبد فِي دَار عبد الله بن بَابي وفيهَا من الْآلَات والفرش مَا يحْتَاج إِلَيْهِ
وَحضر مجْلِس عَلَاء الدولة فصادف فِي مَجْلِسه الْإِكْرَام والإعزاز الَّذِي يسْتَحقّهُ مثله
ثمَّ رسم عَلَاء الدولة ليَالِي الْجُمُعَات مجْلِس النّظر بَين يَدَيْهِ بِحَضْرَة سَائِر الْعلمَاء على اخْتِلَاف طبقاتهم وَالشَّيْخ من جُمْلَتهمْ
فَمَا كَانَ يُطَاق فِي شَيْء من الْعُلُوم
واشتغل بأصفهان فِي تتميم كتاب الشِّفَاء ففرغ من الْمنطق والمجسطي وَكَانَ قد اختصر أوقليدس والأرثماطيقي والموسيقى
وَأورد فِي كل كتاب من الرياضيات زيادات رأى أَن الْحَاجة إِلَيْهَا دَاعِيَة
أما فِي المجسطي فأورد عشرَة أشكال فِي اخْتِلَاف الْقطر وَأورد فِي آخر المجسطي فِي علم الْهَيْئَة أَشْيَاء لم يسْبق إِلَيْهَا وَأورد فِي أوقليدس شبها وَفِي الأرثماطيقي خَواص حَسَنَة وَفِي الموسيقى مسَائِل غفل عَنْهَا الْأَولونَ وَتمّ الْكتاب الْمَعْرُوف بالشفاء مَا خلا كتابي النَّبَات وَالْحَيَوَان فَإِنَّهُ صنفهما فِي السّنة الَّتِي توجه فِيهَا عَلَاء الدولة إِلَى سَابُور خواست فِي الطَّرِيق
وصنف أَيْضا فِي الطَّرِيق كتاب النجَاة واختص بعلاء الدولة وَصَارَ من ندمائه إِلَى أَن عزم عَلَاء الدولة على قصد هَمدَان وَخرج الشَّيْخ فِي الصُّحْبَة فَجرى لَيْلَة بَين يَدي عَلَاء الدولة ذكر الْخلَل الْحَاصِل فِي التقاويم المعمولة بِحَسب الأرصاد الْقَدِيمَة فَأمر الْأَمِير الشَّيْخ الِاشْتِغَال برصد هَذِه الْكَوَاكِب وَأطلق لَهُ من الْأَمْوَال مَا يحْتَاج إِلَيْهِ
وابتدأ الشَّيْخ بِهِ وولاني اتِّخَاذ آلاتها واستخدام صناعها حَتَّى ظهر كثير من الْمسَائِل فَكَانَ يَقع الْخلَل فِي أَمر الرصد لِكَثْرَة الْأَسْفَار وعوائقها
وصنف الشَّيْخ بأصفهان الْكتاب العلائي
وَكَانَ من عجائب أَمر الشَّيْخ إِنِّي صحبته وخدمته خمْسا وَعشْرين سنة فَمَا رَأَيْته إِذا وَقع لَهُ كتاب مُجَدد ينظر فِيهِ على الْوَلَاء بل كَانَ يقْصد الْمَوَاضِع الصعبة مِنْهُ والمسائل المشكلة فَينْظر مَا قَالَه مُصَنفه فِيهَا فيتبين مرتبته فِي الْعلم ودرجته فِي الْفَهم
وَكَانَ الشَّيْخ جَالِسا يَوْمًا من الْأَيَّام بَين يَدي الْأَمِير وَأَبُو مَنْصُور الجبائي حَاضر فجري فِي اللُّغَة مَسْأَلَة تكلم الشَّيْخ فِيهَا بِمَا حَضَره فَالْتَفت أَبُو مَنْصُور إِلَى الشَّيْخ يَقُول أَنَّك فيلسوف وَحَكِيم وَلَكِن لم تقْرَأ من اللُّغَة مَا يُرْضِي كلامك فِيهَا فاستنكف الشَّيْخ من هَذَا الْكَلَام وتوفر على درس كتب اللُّغَة ثَلَاث سِنِين واستهدى كتاب
تَهْذِيب اللُّغَة من خُرَاسَان من تصنيف أبي مَنْصُور الْأَزْهَرِي فَبلغ الشَّيْخ فِي اللُّغَة طبقَة قَلما يتَّفق مثلهَا
وَأَنْشَأَ ثَلَاث قصائد ضمنهَا ألفاظا غَرِيبَة من اللُّغَة
وَكتب ثَلَاثَة كتب أَحدهَا على طَريقَة ابْن العميد وَالْآخر على طَريقَة الصابي وَالْآخر على طَريقَة الصاحب وَأمر بتجليدها وأخلاق جلدهَا
ثمَّ أوعز الْأَمِير فَعرض تِلْكَ المجلدة على أبي مَنْصُور الجبائي
وَذكر أَنا ظفرنا بِهَذِهِ المجلدة فِي الصَّحرَاء وَقت الصَّيْد فَيجب أَن تتفقدها وَتقول لنا مَا فِيهَا فَنظر فِيهَا أَبُو مَنْصُور وأشكل عَلَيْهِ كثير مِمَّا فِيهَا
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَن مَا تجهله من هَذَا الْكتاب فَهُوَ مَذْكُور فِي الْموضع الْفُلَانِيّ من كتب اللُّغَة وَذكر لَهُ كثير من الْكتب الْمَعْرُوفَة فِي اللُّغَة كَانَ الشَّيْخ حفظ تِلْكَ الْأَلْفَاظ مِنْهَا وَكَانَ أَبُو مَنْصُور مجزفا فِيمَا يُورِدهُ من اللُّغَة غير ثِقَة فِيهَا فَفطن أَبُو مَنْصُور أَن تِلْكَ الرسائل من تصنيف الشَّيْخ وَأَن الَّذِي حمله عَلَيْهِ مَا جبهه بِهِ فِي ذَلِك الْيَوْم فتنصل وَاعْتذر إِلَيْهِ
ثمَّ صنف الشَّيْخ كتابا فِي اللُّغَة سَمَّاهُ لِسَان الْعَرَب لم يصنف فِي اللُّغَة مثله وَلم يَنْقُلهُ فِي الْبيَاض حَتَّى توفّي فَبَقيَ على مسودته لَا يَهْتَدِي أحد إِلَى ترتيبه
وَكَانَ فد حصل للشَّيْخ تجارب كَثِيرَة فِيمَا بَاشرهُ من المعالجات عزم على تدوينها فِي كتاب القانون وَكَانَ قد علقها على أَجزَاء فَضَاعَت قبل تَمام كتاب القانون
من ذَلِك أَنه صدع يَوْمًا فتصور أَن مَادَّة تُرِيدُ النُّزُول إِلَى حجاب رَأسه وَأَنه لَا يَأْمَن ورما ينزل فِيهِ فَأمر بإحضار ثلج كثير ودقه ولفه فِي خرقَة وتغطية رَأسه بهَا فَفعل ذَلِك حَتَّى قوي الْموضع وَامْتنع عَن قبُول تِلْكَ الْمَادَّة وعوفي
وَمن ذَلِك أَن امْرَأَة مسلولة بخوارزم أمرهَا أَن لَا تتَنَاوَل شَيْئا من الْأَدْوِيَة سوى الجلنجبين السكرِي حَتَّى تناولت على الْأَيَّام مِقْدَار مائَة مِنْهُ وشفيت الْمَرْأَة
وَكَانَ الشَّيْخ قد صنف بجرجان الْمُخْتَصر الْأَصْغَر فِي الْمنطق وَهُوَ الَّذِي وَضعه بعد ذَلِك فِي أول النجَاة وَوَقعت نُسْخَة إِلَى شيراز فَنظر فِيهَا جمَاعَة من أهل الْعلم هُنَاكَ فَوَقَعت لَهُم الشّبَه فِي مسَائِل مِنْهَا فكتبوها على جُزْء
وَكَانَ القَاضِي بشيراز من جملَة الْقَوْم فأنفذ بالجزء إِلَى أبي الْقَاسِم الْكرْمَانِي صَاحب إِبْرَاهِيم من بَابا الديلمي المشتغل بِعلم التناظر وأضاف إِلَيْهِ كتابا إِلَى الشَّيْخ أبي الْقَاسِم وأنفذهما على يَدي ركابي قَاصد وَسَأَلَهُ عرض الْجُزْء على الشَّيْخ واستيجاز أجوبته فِيهِ
وَإِذا الشَّيْخ أبي الْقَاسِم دخل على الشَّيْخ عِنْد اصفرار الشَّمْس فِي يَوْم صَائِف وَعرض عَلَيْهِ الْكتاب والجزء فَقَرَأَ الْكتاب ورده عَلَيْهِ وَترك الْجُزْء بَين يَدَيْهِ وَهُوَ ينظر فِيهِ وَالنَّاس يتحدثون
ثمَّ خرج أَبُو الْقَاسِم وَأَمرَنِي الشَّيْخ بإحضار الْبيَاض وَقطع أَجزَاء مِنْهُ فشددت خَمْسَة أَجزَاء كل وَاحِد مِنْهَا عشرَة أوراق
بِالربعِ الفرعوني وصلينا الْعشَاء وَقدم الشمع فَأمر بإحضار الشَّرَاب وأجلسني وأخاه وأمرنا بتناول الشَّرَاب وابتدأ هُوَ بِجَوَاب تِلْكَ الْمسَائِل
وَكَانَ يكْتب وَيشْرب إِلَى نصف اللَّيْل حَتَّى غلبني وأخاه النّوم فَأمر بالانصراف فَعِنْدَ الصَّباح قرع الْبَاب فَإِذا رَسُول الشَّيْخ يستحضرني فحضرته وَهُوَ على الْمصلى وَبَين يَدَيْهِ الْأَجْزَاء الْخَمْسَة فَقَالَ خُذْهَا وصر بهَا إِلَى الشَّيْخ أبي الْقَاسِم الْكرْمَانِي وَقل لَهُ استعجلت فِي الْأَجْوِبَة عَنْهَا لِئَلَّا يتعوق الركابي فَلَمَّا حَملته إِلَيْهِ تعجب كل الْعجب وَصرف الفيج وأعلمهم بِهَذِهِ الْحَالة وَصَارَ هَذَا الحَدِيث تَارِيخا بَين النَّاس
وَوضع فِي حَال الرصد آلَات مَا سبق إِلَيْهَا وصنف فِيهَا رِسَالَة وَبقيت أَنا ثَمَانِي سِنِين مَشْغُولًا بالرصد وَكَانَ غرضي تبين مَا يحكيه بطليموس عَن قصَّته فِي الأرصاد فَتبين لي بَعْضهَا
وصنف الشَّيْخ كتاب الأنصاف وَالْيَوْم الَّذِي قدم فِيهِ السُّلْطَان مَسْعُود إِلَى أصفهان نهب عسكره رَحل الشَّيْخ وَكَانَ الْكتاب فِي جملَته وَمَا وقف لَهُ على أثر
وَكَانَ الشَّيْخ قوي القوى كلهَا وَكَانَت قُوَّة المجامعة من قواه الشهوانية أقوى وأغلب
وَكَانَ كثيرا مَا يشْتَغل بِهِ فأثر فِي مزاجه وَكَانَ الشَّيْخ يعْتَمد على قُوَّة مزاجه حَتَّى صَار أمره فِي السّنة الَّتِي حَارب فِيهَا عَلَاء الدولة تاش فرَاش على بَاب الكرخ إِلَى أَن أَخذ الشَّيْخ قولنج ولحرصه على برئه إشفاقا من هزيمَة يدْفع إِلَيْهَا وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ الْمسير فِيهَا مَعَ الْمَرَض حقن نَفسه فِي يَوْم وَاحِد ثَمَان كرات فتقرح بعض أمعائه وَظهر بِهِ سحج وأحوج إِلَى الْمسير مَعَ عَلَاء الدولة فَأَسْرعُوا نَحْو ايذج فَظهر بِهِ هُنَاكَ الصرع الَّذِي يتبع عِلّة القولنج وَمَعَ ذَلِك كَانَ يدبر نَفسه ويحقن نَفسه لأجل السحج ولبقية القولنج فَأمر يَوْمًا باتخاذ دانقين من بزر الكرفس فِي جملَة مَا يحتقن بِهِ وخلطه بهَا طلبا لكسر الرِّيَاح فقصد بعض الْأَطِبَّاء الَّذِي كَانَ يتَقَدَّم هواليه بمعالجته وَطرح من بزر الكرفس خَمْسَة دَرَاهِم لست أَدْرِي أعمد فعله أم خطأ لأنني لم أكن مَعَه فازداد السحج بِهِ من حِدة ذَلِك البزر
وَكَانَ يتَنَاوَل المثرود بطوس لأجل الصرع فَقَامَ بعض غلمانه وَطرح شَيْئا كثيرا من الأفيون فِيهِ وناوله فَأَكله وَكَانَ سَبَب ذَلِك خيانتهم فِي مَال كثير من خزانته فتمنوا هَلَاكه ليأمنوا عَاقِبَة أَعْمَالهم
وَنقل الشَّيْخ كَمَا هُوَ إِلَى أصفهان فاشتغل بتدبير نَفسه وَكَانَ من الضعْف بِحَيْثُ لَا يقدر على الْقيام فَلم يزل يعالج نَفسه حَتَّى قدر على الْمَشْي وَحضر مجْلِس عَلَاء الدولة
لكنه مَعَ ذَلِك لَا يتحفظ وَيكثر التَّخْلِيط فِي أَمر المجامعة وَلم يبرأ من الْعلَّة كل الْبُرْء فَكَانَ ينتكس وَيبرأ كل وَقت
ثمَّ قصد عَلَاء الدولة هَمدَان فَسَار مَعَه الشَّيْخ فعاودته فِي الطَّرِيق تِلْكَ الْعلَّة إِلَى أَن وصل إِلَى هَمدَان وَعلم أَن قوته قد سَقَطت وَأَنَّهَا لَا تفي بِدفع الْمَرَض فأهمل مداواة نَفسه وَأخذ يَقُول الْمُدبر الَّذِي كَانَ يدبر بدني قد عجز عَن التَّدْبِير والآن فَلَا تَنْفَع المعالجة
وَبَقِي على هَذَا أَيَّامًا ثمَّ انْتقل إِلَى جوَار ربه
وَكَانَ عمره ثَلَاثًا وَخمسين سنة وَكَانَ مَوته فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَسبعين وثلثمائة
هَذَا آخر مَا ذكره أَبُو عبيد من أَحْوَال الشَّيْخ الرئيس وقبره تَحت السُّور من جَانب الْقبَّة من هَمدَان وَقيل إِنَّه نقل إِلَى أصفهان وَدفن فِي مَوضِع على بَاب كونكنبد
وَلما مَاتَ ابْن سينا من القولنج الَّذِي عرض لَهُ قَالَ فِيهِ بعض أهل زَمَانه
(رَأَيْت ابْن سينا يعادي الرِّجَال
…
وبالحبس مَاتَ أخس الْمَمَات)
(فَلم يشف مَا ناله بالشفا
…
وَلم ينج من مَوته بالنجاة) المتقارب
وَقَوله بِالْحَبْسِ يُرِيد انحباس الْبَطن من القولنج الَّذِي أَصَابَهُ والشفاء والنجاة يُرِيد الْكِتَابَيْنِ من تأليفه وَقصد بهما الجناس فِي الشّعْر
وَمن كَلَام الشَّيْخ الرئيس وَصِيَّة أوصى بهَا بعض أصدقائه وَهُوَ أَبُو سعيد ابْن أبي الْخَيْر الصُّوفِي قَالَ ليكن الله تَعَالَى أول فكر لَهُ وَآخره وباطن كل اعْتِبَار وَظَاهره ولتكن عين نَفسه مكحولة بِالنّظرِ إِلَيْهِ وقدمها مَوْقُوفَة على المثول بَين يَدَيْهِ مُسَافِرًا بعقله فِي الملكوت الْأَعْلَى وَمَا فِيهِ من آيَات ربه الْكُبْرَى
وَإِذا انحط إِلَى قراره فلينزه الله تَعَالَى فِي آثاره فَإِنَّهُ بَاطِن ظَاهر تجلى لكل شَيْء بِكُل شَيْء
(فَفِي كل شَيْء لَهُ آيَة
…
تدل على أَنه وَاحِد) المتقارب
فَإِذا صَارَت هَذِه الْحَال لَهُ ملكة انطبع فِيهَا نقش الملكوت وتجلى لَهُ قدس اللاهوت فألف الْإِنْس الْأَعْلَى وذاق اللَّذَّة القصوى وَأخذ عَن نَفسه من هُوَ بهَا أولى وفاضت عَلَيْهِ السكنية وحقت عَلَيْهِ الطُّمَأْنِينَة
وتطلع إِلَى الْعَالم الْأَدْنَى اطلَاع رَاحِم لأَهله مستوهن لحيله مستخف لثقله مستحسن بِهِ لعقله مستضل لطرقه وتذكر نَفسه وَهِي بهَا لهجة وببهجتها بهجة فتعجب مِنْهَا وَمِنْهُم تعجبهم مِنْهُ وَقد ودعها وَكَانَ مَعهَا كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعهَا
وليعلم أَن أفضل الحركات الصَّلَاة وأمثل السكنات الصّيام وأنفع الْبر الصَّدَقَة وأزكى السِّرّ الِاحْتِمَال وأبطل السهي المراءاة
وَلنْ تخلص النَّفس عَن الدَّرن مَا التفتت إِلَى قيل وَقَالَ ومناقشة وجدال وانفعلت بِحَال من الْأَحْوَال
وَخير الْعَمَل مَا صدر عَن خَالص نِيَّة وَخير النِّيَّة مَا ينفرج عَن جناب علم وَالْحكمَة أم الْفَضَائِل وَمَعْرِفَة الله أول الْأَوَائِل إِلَيْهِ {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ}
ثمَّ يقبل على هَذِه النَّفس المزينة بكمالها الذاتي فيحرسها عَن التلطخ بِمَا يشينها من الهيئآت الانقيادية للنفوس الموادية الَّتِي إِذا بقيت فِي النُّفُوس المزينة كَانَ حَالهَا عِنْد الِانْفِصَال كحالها عِنْد الِاتِّصَال إِذْ جوهرها غير مشاوب وَلَا مخالط وَإِنَّمَا يدنسها هَيْئَة الانقياد لتِلْك الصواحب بل يفيدها هيآت الِاسْتِيلَاء والسياسة والاستعلاء والرياسة
وَكَذَلِكَ يهجر الْكَذِب قولا وتخيلا حَتَّى تحدث للنَّفس هَيْئَة صدوقة فَتصدق الأحلام والرؤيا
وَأما اللَّذَّات فيستعملها على إصْلَاح الطبيعة وإبقاء الشَّخْص أَو النَّوْع أَو السياسة
أما المشروب فَإِنَّهُ يهجر شربه تلهيا
بل تشفيا وتداويا ويعاشر كل فرقة بعادته ورسمه ويسمح بالمقدور وَالتَّقْدِير من المَال ويركب لمساعدة النَّاس كثيرا مِمَّا هُوَ خلاف طبعه
ثمَّ لَا يقصر فِي الأوضاع الشَّرْعِيَّة ويعظم السّنَن الإلهية والمواظبة على التعبدات الْبَدَنِيَّة
وَيكون دوَام عمره إِذا خلا وخلص من المعاشرين تطربه الزِّينَة فِي النَّفس والفكرة فِي الْملك الأول وَملكه وكيس النَّفس عَن عيار النَّاس من حَيْثُ لَا يقف عَلَيْهِ النَّاس عَاهَدَ الله أَنه يسير بِهَذِهِ السِّيرَة ويدين بِهَذِهِ الدّيانَة وَالله ولي الَّذين آمنُوا وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل
وَمن شعر الشَّيْخ الرئيس قَالَ فِي النَّفس وَهِي من أجل قصائده وَأَشْرَفهَا
(هَبَطت إِلَيْك من الْمحل الأرفع
…
وَرْقَاء ذَات تعزز وتمنع)
(محجوبة عَن كل مقلة عَارِف
…
وَهِي الَّتِي سفرت وَلم تتبرقع)
(وصلت على كره إِلَيْك وَرُبمَا
…
كرهت فراقك وَهِي ذَات تفجع)
(أنفت وَمَا أنست فَلَمَّا واصلت
…
ألفت مجاورة الخراب البلقع)
(وأظنها نسيت عهودا بالحمى
…
ومنازلا بفراقها لم تقنع)
(حَتَّى إِذا اتَّصَلت بهاء هبوطها
…
فِي مِيم مركزها بِذَات الأجرع)
(علقت بهَا ثاء الثقيل فَأَصْبَحت
…
بَين المعالم والطلول الخضع)
(تبْكي إِذا ذكرت ديارًا بالحمى
…
بمدامع تهمي وَلما تقطع)
(وتظل ساجعة على الدمن الَّتِي
…
درست بتكرار الرِّيَاح الْأَرْبَع)
(إِذْ عاقها الشّرك الكثيف وصدها
…
قفص عَن الأوج الفسيح الأريع)
(حَتَّى إِذا قرب الْمسير إِلَى الْحمى
…
ودنا الرحيل إِلَى الفضاء الأوسع)
(سجعت وَقد كشف الغطاء فَأَبْصَرت
…
مَا لَيْسَ يدْرك بالعيون الهجع)
(وغدت مُفَارقَة لكل مخلف
…
عَنْهَا حَلِيف الترب غير مشيع)
(وبدت تغرد فَوق ذرْوَة شَاهِق
…
سَام إِلَى قَعْر الحضيض الأوضع)
(إِن كَانَ أرسلها الْإِلَه لحكمة
…
طويت عَن الفطن اللبيب الأروع)
(فهبوطها إِن كَانَ ضَرْبَة لازب
…
لتَكون سامعة بِمَا لم تسمع)
(وتعود عَالِمَة بِكُل خُفْيَة
…
فِي الْعَالمين فخرقها لم يرقع)
(وَهِي الَّتِي قطع الزَّمَان طريقها
…
حَتَّى لقد غربت بِغَيْر المطلع)
(فَكَأَنَّهُ برق تألق للحمى
…
ثمَّ انطوى فَكَأَنَّهُ لم يلمع) الْكَامِل
وَقَالَ فِي الشيب وَالْحكمَة والزهد
(أما أَصبَحت عَن ليل التصابي
…
وَقد أَصبَحت عَن ليل الشَّبَاب)
(تنفس فِي عذارك صبح شيب
…
وعسعس ليله فكم التصابي)
(شبابك كَانَ شَيْطَانا مرِيدا
…
فرجم من مشيبك بالشهاب)
(وَأَشْهَب من بزاة الدَّهْر خوى
…
على فودي فألمأ بالغراب)
(عَفا رسم الشَّبَاب ورسم دَار
…
لَهُم عهدي بهَا مغنى ربَاب)
(فَذَاك أَبيض من قطرات دمعي
…
وَذَاكَ أَخْضَر من قطر السَّحَاب)
(فَذا ينعي إِلَيْك النَّفس نعيا
…
وذالكم نشور للروابي)
(كَذَا دنياك ترأب لانصداع
…
مغالطة وتبني للخراب)
(ويعلق مشمئز النَّفس عَنْهَا
…
فَلَمَّا عفتها أغريتها بِي)
(فلولاها لعجلت انسلاخي
…
عَن الدُّنْيَا وَإِن كَانَت أهابي)
(عرفت عقوقها فسلوت عَنْهَا
…
بأشراك تعوق عَن اضْطِرَاب)
(بليت بعالم يَعْلُو أَذَاهُ
…
سوى صبري ويسفل عَن عتابي)
(وسيل للصَّوَاب خلاط قوم
…
وَكم كَانَ الصَّوَاب سوى الصَّوَاب)
(أخالطهم وَنَفْسِي فِي مَكَان
…
من العلياء عَنْهُم فِي حجاب)
(وَلست بِمن يلطخه خلاط
…
مَتى اغبرت أناث عَن تُرَاب)
(إِذا مَا لحت الْأَبْصَار نَالَتْ
…
خيالا واشمأزت عَن لباب) الوافر
وَقَالَ أَيْضا
(يَا ربع نكرك الْأَحْدَاث والقدم
…
فَصَارَ عَيْنك كالآثار تتهم)
(كَأَنَّمَا رسمك السِّرّ الَّذِي لَهُم
…
عِنْدِي ونؤيك صبري الدارس الْهدم)
(كَأَنَّمَا سفعة الأثفي بَاقِيَة
…
بَين الرياض كطاجونية جثم)
(أَو حسرة بقيت فِي الْقلب مظْلمَة
…
عَن حَاجَة مَا قضوها إِذْ هم أُمَم)
(أَلا بكاه سَحَاب دمعه همع
…
بالرعد مزدفر بالبرق مبتسم)
(لم لم تجدها سَحَاب جودها ديم
…
من الدُّمُوع الهوامي كُلهنَّ دم)
(لَيْت الطلول أجابت من بِهِ أبدا
…
فِي حبهم صِحَة فِي حبهم سقم)
(أَو علها بِلِسَان الْحَال ناطقة
…
قد تفهم الْحَال مَا لَا تفهم الْكَلم)
(أما ترى شيبتي تنبيك ناطقة
…
بِأَن حدي الَّذِي استدلقته ثلم)
(الشيب يوعد والآمال واعدة
…
والمرء يغتر وَالْأَيَّام تنصرم)
(مَالِي أرى حكم الْأَفْعَال سَاقِطَة
…
وأسمع الدَّهْر قولا كُله حكم)
(مَالِي أرى الْفضل فضلا يستهان بِهِ
…
قد أكْرم النَّقْص لما استنقص الْكَرم)
(جولت فِي هَذِه الدُّنْيَا وزخرفها
…
عَيْني فألفيت دَارا مَا بهَا أرم)
(كجيفة دودت فالدود منشؤه
…
فِيهَا وَمِنْهَا لَهُ الأرزاء والطعم)
(سيان عِنْدِي إِن بروا وَإِن فجروا
…
فَلَيْسَ يجْرِي على أمثالهم قلم)
(لَا تحسدنهم إِن جد جدهم
…
فالجد يجدي وَلَكِن مَا لَهُ عصم)
(لَيْسُوا وَإِن نعموا عَيْشًا سوى نعم
…
وَرُبمَا نعمت فِي عيشها النعم)
(الواجدون غنى العادمون نهى
…
لَيْسَ الَّذِي وجدوا مثل الَّذِي عدموا)
(خلقت فيهم وَأَيْضًا قد خلطت بهم
…
كرها فَلَيْسَ غنى عَنْهُم وَلَا لَهُم)
(أسكنت بَينهم كالليث فِي أجم
…
رَأَيْت ليثا لَهُ من جنسه أجم)
(أَنِّي وَإِن بَان عني من بليت بِهِ
…
فِي عينه كمه فِي أُذُنه صمم)
(مُمَيّز من بني الدُّنْيَا يميزني
…
أقل مَا فِي لَيْسَ الجل والعظم)
(بِأَيّ مأثرة ينقاس بِي أحد
…
بِأَيّ مكرمَة تحكيني الْأُمَم)
(أمثل عنجهة شوكاء يلْحق بِي
…
أم مثل شغبر حش عرضه زيم)
(فَذا عَجُوز وَلَكِن بَعْدَمَا قعدت
…
وَذَاكَ جود مساع الْملك مُتَّهم)
(إِنِّي وَإِن كَانَت الأقلام تخدمني
…
كَذَاك يخْدم كفي الصارم الخذم)
(قد أشهد الروع مرتاحا فأكشفه
…
إِذا تناكر عَن تياره البهم)
(الضَّرْب محتدم والطعن مُنْتَظم
…
وَالدَّم مرتكم والبأس مغتلم)
(وَالْحق يَافُوخه من نقعهم قتر
…
والإفك قسطاسه من سفكهم قتم)
(وَالْبيض والسمر حمر تَحت عثيره
…
وَالْمَوْت يحكم والأبطال تختصم)
(وَأَعْدل الْقسم فِي حَرْبِيّ وحربهم
…
مِنْهُم لنا غنم منا لَهُم عرم)
(أما البلاغة فاسألني الْخَبِير بهَا
…
أَنا اللِّسَان قَدِيما وَالزَّمَان فَم)
(لَا يعلم الْعلم غَيْرِي معلما علما
…
لأَهله أَنا ذَاك الْمعلم الْعلم)
(كَانَت قناة عُلُوم الْحق عاطلة
…
حَتَّى جلاها بشرحي البند وَالْعلم)
(نبيد أَرْوَاحهم بِالرُّعْبِ نقذفه
…
فيهم وأجسادهم بالقضب تلتحم)
(مَاتَت أنالة ذَا الدَّهْر اللقَاح على
…
عزائمي وأسفت بِي لَهَا الهيم)
(لَو شِئْت كَانَ الَّذِي لَو شِئْت بحت بِهِ
…
مَا الْخَوْف أسكت بل أَن تلْزم الحشم)
(وَلَو وجدت طلاع الشَّمْس متسعا
…
لحط رَحل عزيمي كنت أعتزم)
(وَلَو بَكت عزماتي دونهَا الحشم
…
وَلم يعم سبيلي نَحْوهَا العمم)
(وَكَانَت الْبيض ظلفا للعمود لَهُ
…
وَقد تباغل عرض الْخَيل وَالْحكم)
(وَظن أَن لَيْسَ تحجيل سوى شعر
…
وَأَن للخيل فِي ميلادها اللجم)
(وغشيت صفحات الأَرْض معدلة
…
فالأسد تنفر عَن مرعى بِهِ غتم)
(لَكِنَّهَا بقْعَة حف الشَّقَاء بهَا
…
فَكل صاغ إِلَيْهَا صاغر سدم) الْبَسِيط)
وَقَالَ أَيْضا
(هُوَ الشيب لَا بُد من وخطه
…
فقرضه وأخضبه أَو غطه)
(أأقلقك الطل من وبله
…
وجرعت من الْبَحْر فِي شطه)
(وَكم مِنْك سرك غُصْن الشَّبَاب
…
وريقا فَلَا بُد من حطه)
(فَلَا تجزعن لطريق سلكت
…
كم أنبت غَيْرك فِي وَسطه)
(وَلَا تجشعن فَمَا أَن ينَال
…
من الرزق كل سوى قسطه)
(وَكم حَاجَة بذلت نَفسهَا
…
ففوتها الْحِرْص من فرطه)
(إِذا أخصب الْمَرْء من عقله
…
نشا فِي الزَّمَان على قحطه)
(وَمن عَاجل الحزم فِي عزمه
…
فَإِن الندامة من شَرطه)
(وَكم ملق دونهَا غيلَة
…
كَمَا يمرط الشّعْر من مشطه)
(إِذا مَا أحَال أَخُو زلَّة
…
على الْغدر فاعجل على بَسطه)
(وَمَا يتعب النَّفس تَمْيِيزه
…
فَلَا تعجلن إِلَى خلطه)
(وَوقر أَخا الشيب وألح الشَّبَاب
…
إِذا مَا تعسف فِي خبطه)
(وَلَا تَبْغِ فِي العذل واقصد فكم
…
كتبت قَدِيما على خطه)
(وَكم عاند النصح ذُو شيبَة
…
عناد القتاد لَدَى خرطه)
(ترَاهُ سَرِيعا إِلَى مطمع
…
كَمَا أنشط الْبكر عَن نشطه)
(وَكم رام ذُو ملل حاشم
…
ليغصب حلمي فَلم أعْطه)
(وَذي حسد أسقطته لقى
…
فَمَا يأنف الدَّهْر من لقطه)
(يحاول حطي عَن رتبتي
…
قد ارْتَفع النَّجْم عَن حطه)
(يظل على دهره ساخطا
…
وَكم يضْحك الدَّهْر من سخطه) المتقارب
وَقَالَ أَيْضا
(قفا نجزي معاهدهم قَلِيلا
…
نغيث بدمعنا الرّبع المحيلا)
(تخونه العفاة كَمَا ترَاهُ
…
فأمسى لَا رسوم وَلَا طلولا)
(لقد عِشْنَا بهَا زَمنا قَصِيرا
…
نقاسي بعدهمْ زَمنا طَويلا)
(وَمن يستثبت الدُّنْيَا بِحَال
…
يرم من مُسْتَحِيل مستحيلا)
(إِذا مَا استعرض الدُّنْيَا اعْتِبَارا
…
تنحى الْحِرْص عَنْهَا مستقيلا)
(خليلي أبلغ العذال أَنِّي
…
هجرت تجملي هجرا جميلا)
(وَأَنِّي من أنَاس مَا أحلنا
…
على عزم فأعقبنا نزولا)
(مآقينا وأيدينا إِذا مَا
…
همين رَأَيْتنَا نعصي العذولا)
(وقفت دموع عَيْني دون سعدي
…
على الأطلال مَا وجدت مسيلا)
(على جفني لدمعي فرض دمع
…
أَقمت لَهُ بِهِ قلبِي كَفِيلا)
(عقدت لَهَا الْوَفَاء وَإِن عقدي
…
هُوَ العقد الَّذِي لن يستحيلا)
(وَكم أُخْت لَهَا خطبت فُؤَادِي
…
فَمَا وجدت إِلَى عُذْري سَبِيلا)
(أعاذل لست فِي شَيْء فأسهب
…
مدى الملوين أَو أقصر قَلِيلا)
(فَلم ير مثلهَا قلبِي ألوفا
…
وَلم تَرَ مثلهَا أُذُنِي ملولا)
(وعذل الشيب أولى لي لَو أَنِّي
…
أطقت وَإِن جهدت لَهُ قبولا)
(أجل قد كررت هذي اللَّيَالِي
…
على ليلِي زَمَانا لن يزولا)
(أتنكر ذرءة لما علتني
…
تزين كزينة الْأَثر النصولا)
(يعيرني ذبولي أَو نحولي
…
كُسِيت الذبل والجسد النحيلا)
(كَمَا أَن الخفيش أَبَا وجيم
…
يعيرني بَان لست البخيلا)
(يَقُول مبذر ليغض مني
…
يعد علو ذِي كرم سفولا)
(مَتى وسعت لقصدي الأَرْض حَتَّى
…
أبرز أَو أنيل بِهِ جزيلا)
(يَقُول بِهِ انخراق الْكَفّ جدا
…
وَكم خرق وَقعت بِهِ منيلا)
(فجل خلل الْأَصَابِع مِنْك واجهد
…
عَسى أَن لَا تَطوف وَلَا تنولا)
(بفحش أَن مَالك فَوق مَالِي
…
نفائس مَا تصان بِمَا أذيلا)
(حكاك غباء مَا أفناه بذلي
…
يُبَاع بِبَعْض مَا تحوي كميلا)
(يحذرك الْأَحِبَّة وَقع كيدي
…
فلست بِذَاكَ مذعورا مهولا)
(سَقَطت عَن اعتقادي فِيك سوءا
…
فطب نفسا وَلَا تفرق قبيلا)
(فَأَما أَن أرعك بِغَيْر قصدي
…
فقد مَا روع الْفِيل الا فيلا) الوافر
وَقَالَ أَيْضا
(أوليتني نعْمَة مذ صرت تلحظني
…
كَافِي الكفاة بعيني مُجمل النّظر)
(كَذَا اليواقيت فِيمَا قيل نشأتها
…
من حسن تَأْثِير عين الشَّمْس فِي الْقَمَر) الْبَسِيط
وشكا إِلَيْهِ الْوَزير أَبُو طَالب الْعلوِي آثَار بثر بدا على جَبهته ونظم شكواه شعرًا وأنفذه إِلَيْهِ وَهُوَ
(صَنِيعَة الشَّيْخ مَوْلَانَا وَصَاحبه
…
وغرس أنعامه بل نشء نعْمَته)
(يشكو إِلَيْهِ أدام الله مدَّته
…
آثَار بثر تبدى فَوق جَبهته)
(فَامْنُنْ عَلَيْهِ بحسم الدَّاء مغتنما
…
شكر النَّبِي لَهُ مَعَ شكر عترته) الْبَسِيط
فَأجَاب الشَّيْخ الرئيس على أبياته وَوصف فِي جَوَابه مَا كَانَ بِهِ بُرْؤُهُ من ذَلِك فَقَالَ
(الله يشفي وينفي مَا بجبهته
…
من الْأَذَى ويعافيه برحمته)
(أما العلاج فاسهال يقدمهُ
…
ختمت آخر أبياتي بنسخته)
(وليرسل العلق المصاص يرشف من
…
دم القذال ويغني عَن حجامته)
(وَاللَّحم يهجره إِلَّا الْخَفِيف وَلَا
…
يدني إِلَيْهِ شرابًا من مدامته)
(وَالْوَجْه يطليه مَاء الْورْد معتصرا
…
فِيهِ الْخلاف مدافا وَقت هجعته)
(وَلَا يضيق مِنْهُ الزر مختنقا
…
وَلَا يصيحن أَيْضا عِنْد سخطته)
(هَذَا العلاج وَمن يعْمل بِهِ سيرى
…
آثَار خير ويكفى أَمر علته)
وَقَالَ أَيْضا
(خير النُّفُوس العارفات ذواتها
…
وحقيق كميات ماهياتها)
(وَبِمَ الَّذِي حلت ومم تكونت
…
أَعْضَاء بنيتها على هيئاتها)
(نفس النَّبَات وَنَفس حس ركبا
…
هلا كَذَاك سماته كسماتها)
(يَا للرِّجَال لعظم رزء لم تزل
…
مِنْهُ النُّفُوس تخب فِي ظلماتها)
وَقَالَ أَيْضا
(هذب النَّفس بالعلوم لترقى
…
وذر الْكل فَهِيَ للْكُلّ بَيت)
(إِنَّمَا النَّفس كالزجاجة وَالْعلم
…
سراج وَحِكْمَة الله زَيْت)
(فَإِذا أشرقت فَإنَّك حَيّ
…
وَإِذا أظلمت فَإنَّك ميت) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا
(صبها فِي الكاس صرفا
…
غلبت ضوء السراج)
(ظَنّهَا فِي الكاس نَارا
…
فطفاها بالمزاج) الرمل
وَقَالَ أَيْضا
(قُم فاسقنيها قهوة كَدم الطلا
…
يَا صَاح بالقدح الملا بَين الملا)
(خمرًا تظل لَهَا النَّصَارَى سجدا
…
وَلها بَنو عمرَان أخلصت الولا)
(لَو أَنَّهَا يَوْمًا وَقد ولعت بهم
…
قَالَت أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(نزل اللاهوت فِي ناسوتها
…
كنزول الشَّمْس فِي أبراج يُوح)
(قَالَ فِيهَا بعض من هام بهَا
…
مثل مَا قَالَ النَّصَارَى فِي الْمَسِيح)
(هِيَ والكاس وَمَا مازجها
…
كأب مُتحد وَابْن روح) الرمل
وَقَالَ أَيْضا
(شربنا على الصَّوْت الْقَدِيم قديمَة
…
لكل قديم أول هِيَ أول)
(وَلَو لم تكن فِي حيّز قلت أَنَّهَا
…
هِيَ الْعلَّة الأولى الَّتِي لَا تعلل) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(عجبا لقوم يحسدون فضائلي
…
مَا بَين غيابي إِلَى عذالي)
(عتبوا على فضلي وذموا حكمتي
…
واستوحشوا من نقصهم وكمالي)
(أَنِّي وكيدهم وَمَا عتبوا بِهِ
…
كالطود يحقر نطحة الأوعال)
(وَإِذا الْفَتى عرف الرشاد لنَفسِهِ
…
هَانَتْ عَلَيْهِ ملامة الْجُهَّال) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(أساجية الجفون أكل خود
…
سجاياها استعرن من الرَّحِيق)
(هِيَ الصَّهْبَاء مخبرها عَدو
…
وَإِن كَانَت تناغي عَن صديق) الوافر
وَقَالَ أَيْضا
(أكاد أجن فِيمَا قد أجن
…
فَلم ير مَا أرى إنس وجن)
(رميت من الخطوب بمصميات
…
نوافذ لَا يقوم بهَا مجن)
(وجاورني أنَاس لَو أريدوا
…
على منفت مَا أكلوه ضنوا)
(فَإِن عنت مسَائِل مشكلات
…
أجال سِهَامهمْ حدس وَظن)
(وَإِن عرضت خطوب معضلات
…
تواروا واستكانوا واستكنوا) الوافر
وَقَالَ أَيْضا
(أَشْكُو إِلَى الله الزَّمَان فَصَرفهُ
…
أبلى جَدِيد قواي وَهُوَ جَدِيد)
(محن إِلَيّ تَوَجَّهت فكأنني
…
قد صرت مغناطيس وَهِي حَدِيد) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(تنهنه وحاذر أَن ينالك بَغْتَة
…
حسام كَلَامي أَو كَلَام حسامي)
وَقَالَ أَيْضا إِن هَذِه الأبيات إِذا قيلت عِنْد رُؤْيَة عُطَارِد وَقت شرفه فَإِنَّهَا تفِيد علما وَخيرا بِإِذن الله تَعَالَى
(عُطَارِد قد وَالله طَال ترددي
…
مسَاء وصبحا كي أَرَاك فاغنما)
(فها أَنْت فامددني قوى اِدَّرَكَ المنى
…
بهَا والعلوم الغامضات تكرما)
(ووقني الْمَحْذُور وَالشَّر كُله
…
بِأَمْر مليك خَالق الأَرْض والسما) الطَّوِيل
وَمِمَّا ينْسب إِلَى الشَّيْخ الرئيس ابْن سينا قصيدة فِيمَا يحدث من الْأُمُور وَالْأَحْوَال عِنْد قرَان المُشْتَرِي وزحل فِي برج الجدي بَيت زحل وَهُوَ انحس البروج لكَونه بَيت زحل نحسن الْفلك النحس الْأَكْبَر وَأول القصيدة
(احذر بني من الْقرَان الْعَاشِر
…
)
وَجُمْلَة مَا قيل فِي هَذِه القصيدة من أَحْوَال التتر وقتلهم لِلْخلقِ وخرابهم للقلاع جرى وَقد رَأَيْنَاهُ فِي زَمَاننَا
وَمن أعجب مَا أَتَى فِيهَا عَن التتر يفنيهم الْملك المظفر وَكَانَ كَذَلِك أفناهم الْملك المظفر قطز لما وصل من الديار المصرية بعساكر الْإِسْلَام وَكَانَت الكسرة على التتر مِنْهُ فِي وَادي كنعان كَمَا ذكر وَذَلِكَ فِي شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة
وَكَذَلِكَ أَشْيَاء أخر من ذَلِك كَثِيرَة صحت الْأَحْكَام بهَا فِي هَذِه القصيدة مثل القَوْل عَن خَليفَة بَغْدَاد وَكَذَا الْخَلِيفَة جَعْفَر الْبَيْت وَالْبَيْت الَّذِي يَلِيهِ بعده تمحى خِلَافَته وملكت التتر بَغْدَاد كَمَا ذكر وَكَانَ ذَلِك فِي أول سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة
وَكَانَ الِاعْتِمَاد بِمَا فِي هَذِه القصيدة من كتاب الجفر عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب عليه السلام
وَالله أعلم أَن يكون الشَّيْخ الرئيس قَالَ هَذِه القصيدة أَو غَيره وَقد عَن لي أَن اذكر القصيدة هَهُنَا سَوَاء كَانَت لِابْنِ سينا أَو لغيره وَهِي
(احذر بني من الْقرَان الْعَاشِر
…
وانفر بِنَفْسِك قبل نفر النافر)
(لَا تشغلنك لَذَّة تلهو بهَا
…
فالموت أولى بالظلوم الْفَاجِر)
(واسكن بلادا بالحجاز وقم بهَا
…
واصبر على جور الزَّمَان الجائر)
(لَا تركنن إِلَى الْبِلَاد فَإِنَّهَا
…
سيعمها حد الحسام الباتر)
(من فتية فطس الأنوف كَأَنَّهُمْ
…
سيل طما أَو كالجراد الناشر)
(خزر الْعُيُون تراهم فِي ذلة
…
كم قد أبادوا من مليك قاهر)
(مَا قصدهم إِلَّا الدِّمَاء كَأَنَّمَا
…
ثار لَهُم من كل ناه آمُر)
(وخراب مَا شاد الورى حَتَّى ترى
…
قفرا عمارتهم برغم العامر)
(أما خُرَاسَان تعود منابتا
…
للعشب لَيْسَ لأَهْلهَا من جَابر)
(وَكَذَا الخوارزم وبلخ بعْدهَا
…
تضحي وَلَيْسَ بربعها من صافر)
(والديلمان جبالها ودحالها
…
ورها ستخرب بعد أَخذ نشاور)
(والري يسفك فِيهِ دم عِصَابَة
…
من آل أَحْمد لَا بِسيف الْكَافِر)
(وتفر سفاك الدما مِنْهُم كَمَا
…
فر الْحمام من الْعقَاب الكاسر)
(فَهُوَ الْخَوَارِزْمِيّ يكسر جَيْشه
…
فِي نصف شهر من ربيع الآخر)
(وَيَمُوت من كمد على مَا ناله
…
من ملكه فِي لج بَحر زاخر)
(وتذل عترته وتشقى وَلَده
…
لظُهُور نجم للذؤابة زَاهِر)
(وَيكون فِي نصف الْقرَان ظُهُوره
…
لَكِن سعادته كلمح النَّاظر)
(وتثور أعداه عَلَيْهِ ويلتقي
…
وَيعود مُنْهَزِمًا بصفقة خاسر)
(وَيكون آخر عمره فِي آمد
…
يسري إِلَيْهِ وَمَا لَهُ من سَائِر)
(وتعود عظم جيوشه مرتدة
…
عَنهُ إِلَى الْخصم الألد الْفَاجِر)
(وديار بكر سَوف يقتل بَعضهم
…
بِالسَّيْفِ بَين أصاغر وأكابر)
(وَترى بآذربيج بَدو خيامه
…
نصبت لجاجا من عَدو كَافِر)
(تفنى عساكره ويفنى جَيْشه
…
متمزقا فِي كل قفر واعر)
(وَالْوَيْل مَا تلقى النَّصَارَى مِنْهُم
…
بالذل بَين أصاغر وأكابر)
(وَالْوَيْل أَن حلوا ديار ربيعَة
…
مَا بَين دجلتها وَبَين الجازر)
(ويدوخون ديار بابل كلهَا
…
من شهرزور إِلَى بِلَاد السامر)
(وخلاط ترجع بعد بهجة منظر
…
قفرا تداوس باخْتلَاف الْحَافِر)
(هَذَا وتغلق أربل من دونهم
…
تسعا وتفتح فِي النَّهَار الْعَاشِر)
(وبطون نينوه وَيُؤْخَذ مَالهَا
…
ودوابها من معشر متجاور)
(ولربما ظَهرت عَسَاكِر موصل
…
تبغي الْأمان من الخؤون الغادر)
(فتراهم نزلا بشاطئ دجلة
…
ومضوا إِلَى بلد بِغَيْر تفاتر)
(وَترى إِلَى الثرثار نهبا وَاقعا
…
ودما يسيل وهتك ستر سَاتِر)
(وَيكون يَوْم حريق زهرتها الَّتِي
…
تأتيهم مطر كبحر زاخر)
(واحسرتاه على الْبِلَاد وَأَهْلهَا
…
مَاذَا يكون وَمَا لَهُم من نَاصِر)
(ولربما ظَهرت عَلَيْهِم فتية
…
من آل صعصعة كرام عشائر)
(يسقون من مَاء الْفُرَات خيولهم
…
من كل ظام فَوق صهوة ضامر)
(تلقاهم حلب بِجَيْش لَو سرى
…
فِي الْبَحْر أظلم بالعجاج الثائر)
(وَإِذا مضى حد الْقرَان رَأَيْتهمْ
…
يردون جلق وَهِي ذَات عَسَاكِر)
(يفنيهم الْملك المظفر مثل مَا
…
فنيت ثَمُود فِي الزَّمَان الغابر)
(ويبيدهم نجل الإِمَام مُحَمَّد
…
بحسامه الْمَاضِي الغرار الباتر)
(ولربما أبقى الزَّمَان عِصَابَة
…
مِنْهُم فيهلكهم حسام النَّاصِر)
(وَالتّرْك تفني الْفرس لَا يبْقى لَهُم
…
أثر كَذَا حكم المليك الْقَادِر)
(فِي أَرض كنعان تظل جسومهم
…
مرعى الذئاب وكل نسر طَائِر)
(وتجول عباد الصَّلِيب عَلَيْهِم
…
بِالسَّيْفِ ذَات ميامن ومياسر)
(يَا ريع بَغْدَاد لما تحويه من
…
جثث محلقة وَرَأس طَائِر)
(وَكَذَا الْخَلِيفَة جَعْفَر سيظل فِي
…
أَرض وَلَيْسَ لسبلها من خاطر)
(وَكَذَا الْعرَاق قُصُورهَا وربوعها
…
تِلْكَ النواحي والمشيد العامر)
(يفنيهم سيف الْقرَان فيا لَهَا
…
من سفرة أودت بِمَال التَّاجِر)
(وَالروم تكسرهم وتكسر بعدهمْ
…
عَاما وَلَيْسَ لكسرها من جَابر)
(تمحى خِلَافَته وينسى ذكره
…
بَين الْبَريَّة صنع رب قَادر)
(فترى الْحُصُون الشامخات مهدة
…
لم يبْق فِيهَا ملْجأ لمسافر)
(وَترى قراها والبلاد تبدلت
…
بعد الأنيس بِكُل وَحش نافر) الْكَامِل
وأنشدني بعض التُّجَّار من أهل الْعَجم قصيدة لِابْنِ سينا فِي هَذَا الْمَعْنى على قافية الرَّاء الساكنة وأولها
(إِذا شَرق المريخ من أَرض بابل
…
واقترن النحسان فالحذر الحذر)
(وَلَا بُد أَن تجْرِي أُمُور عَجِيبَة
…
وَلَا بُد أَن تَأتي بِلَادكُمْ التتر) الطَّوِيل
وَلم يكن يحفظ إِلَّا بعض القصيدة على غير الصَّوَاب فَمَا نقلتها عَنهُ
وللشيخ الرئيس من الْكتب كَمَا وَجَدْنَاهُ غير مَا هُوَ مُثبت فِيمَا تقدم من كَلَام أبي عبيد الْجوزجَاني كتاب اللواحق يذكر أَنه شرح الشِّفَاء
كتاب الشِّفَاء
جمع جَمِيع الْعُلُوم الْأَرْبَعَة فِيهِ وصنف طبيعياته وإلهياتها فِي عشْرين يَوْمًا بهمدان
كتاب الْحَاصِل والمحصول صنفه بِبَلَدِهِ للفقيه أبي بكر البرقي فِي أول عمره فِي قريب من عشْرين مجلدة وَلَا يُوجد إِلَّا نُسْخَة الأَصْل
كتاب الْبر وَالْإِثْم صنفه أَيْضا للفقيه أبي بكر البرقي فِي الْأَخْلَاق مجلدتان وَلَا يُوجد إِلَّا عِنْده
كتاب الانصاف عشرُون مجلدة شرح فِيهِ جَمِيع كتب أرسطوطاليس وانصف فِيهِ بَين المشرقيين والمغربيين ضَاعَ فِي نهب السُّلْطَان مَسْعُود
كتاب الْمَجْمُوع وَيعرف بالحكمة العروضية صنفه وَله إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة لأبي الْحسن الْعَرُوضِي من غير الرياضيات
كتاب القانون فِي الطِّبّ صنف بعضه بجرجان وبالرس وتممه بهمدان وعول على أَن يعْمل لَهُ شرحا وتجارب
كتاب الْأَوْسَط الْجِرْجَانِيّ فِي الْمنطق صنفه بجرجان لأبي مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ
كتاب المبدأ والمعاد فِي النَّفس صنفه لَهُ أَيْضا بجرجان وَوجدت فِي أول هَذَا الْكتاب أَنه صنفه للشَّيْخ أبي أَحْمد مُحَمَّد إِبْرَاهِيم الْفَارِسِي
كتاب الارصاد الْكُلية صنفها أَيْضا بجرجان لأبي مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ
كتاب الْمعَاد صنفه بِالريِّ للْملك مجد الدولة
كتاب لِسَان الْعَرَب فِي اللُّغَة صنفه بأصفهان وَلم يَنْقُلهُ إِلَى الْبيَاض وَلم يُوجد لَهُ نُسْخَة وَلَا مثله وَوَقع إِلَيّ بعض هَذَا الْكتاب وَهُوَ غَرِيب التصنيف
كتاب دانش مايه العلائي بِالْفَارِسِيَّةِ صنفه لعلاء الدّين بن كاكويه بأصفهان
كتاب النجَاة صنفه فِي طَرِيق سَابُور خواست وَهُوَ فِي خدمَة عَلَاء الدولة
كتاب الإشارات والتنبيهات وَهِي آخر مَا صنف فِي الْحِكْمَة وأجوده وَكَانَ يضن بهَا
كتاب الْهِدَايَة فِي الْحِكْمَة صنفه وَهُوَ مَحْبُوس بقلعة فردجان لِأَخِيهِ عَليّ يشْتَمل على الْحِكْمَة مُخْتَصرا
كتاب القولنج صنفه بِهَذِهِ القلعة أَيْضا وَلَا يُوجد تَاما
رِسَالَة حَيّ بن يقظان صنفها بِهَذِهِ القلعة أَيْضا رمزا عَن الْعقل الفعال
كتاب الْأَدْوِيَة القلبية صنفها بهمدان وَكتب بهَا إِلَى الشريف السعيد أبي الْحُسَيْن عَليّ بن الْحُسَيْن الْحُسَيْنِي
مقَالَة فِي النبض بِالْفَارِسِيَّةِ
مقَالَة فِي مخارج الْحُرُوف وصنفها بأصفهان للجبائي
رِسَالَة إِلَى أبي سهل المسيحي فِي الزاوية صنفها بجرجان
مقَالَة فِي القوى الطبيعية إِلَى أبي سعد اليمامي
رِسَالَة الطبر مرموزة تصنيف فِيمَا يوصله إِلَى علم الْحق
كتاب الْحُدُود
مقَالَة فِي تعرض رِسَالَة الطَّبِيب فِي القوى الطبيعية
كتاب عُيُون الْحِكْمَة يجمع الْعُلُوم الثَّلَاثَة
مقَالَة فِي عكوس ذَوَات الْجِهَة
الْخطب
التوحيدية فِي الإلهيات
كتاب الموجز الْكَبِير فِي الْمنطق وَأما الموجز الصَّغِير فَهُوَ منطق النجَاة
القصيدة المزدوجة فِي الْمنطق صنفها للرئيس أبي الْحسن سهل بن مُحَمَّد السهلي بكركانج
مقَالَة فِي تَحْصِيل السَّعَادَة وتعرف بالحجج الغر
مقَالَة فِي الْقَضَاء وَالْقدر صنفها فِي طَرِيق أصفهان عِنْد خلاصه وهربه إِلَى أصفهان
مقَالَة فِي الهندبا
مقَالَة فِي الْإِشَارَة إِلَى علم الْمنطق
مقَالَة فِي تقاسيم الْحِكْمَة والعلوم
رِسَالَة فِي السكنجبين
مقَالَة فِي اللانهاية
كتاب تعاليق علقه عَنهُ تِلْمِيذه أَبُو مَنْصُور بن زيلا
مقَالَة فِي خَواص خطّ الاسْتوَاء
المباحثات بسؤال تِلْمِيذه أبي الْحسن بهمنيار بن الْمَرْزُبَان وَجَوَابه لَهُ
عشر مسَائِل أجَاب عَنْهَا لأبي الريحان البيروني
جَوَاب سِتّ عشرَة مسئلة لأبي الريحان
مقَالَة فِي هَيْئَة الأَرْض من السَّمَاء وَكَونهَا فِي الْوسط
كتاب الحكة المشرقية لَا يُوجد تَاما
مقَالَة فِي تعقب الْمَوَاضِع الجدلية
الْمدْخل إِلَى صناعَة الموسيقى وَهُوَ غير الْمَوْضُوع فِي النجَاة
مقَالَة فِي الأجرام السماوية
كتاب التَّدَارُك لأنواع خطا التَّدْبِير سبع مقالات أَلفه لأبي الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد السهلي
مقَالَة فِي كَيْفيَّة الرصد ومطابقته مَعَ الْعلم الطبيعي
مقَالَة فِي الْأَخْلَاق
رِسَالَة إِلَى الشَّيْخ أبي الْحسن سهل بن مُحَمَّد السهلي فِي الكيمياء
مقَالَة فِي آلَة رصدية صنعها بأصفهان عِنْد رصده لعلاء الدولة
مقَالَة فِي غَرَض قاطيغورياس
الرسَالَة الأضحوية فِي الْمعَاد صنفها للأمير أبي بكر مُحَمَّد بن عبيده معتصم الشُّعَرَاء فِي الْعرُوض صنفه ببلاده
وَله سبع عشرَة سنة
مقَالَة فِي حد الْجِسْم
الْحِكْمَة العرشية وَهُوَ كَلَام مُرْتَفع فِي الآلهيات عهد لَهُ عَاهَدَ الله بِهِ لنَفسِهِ
مقَالَة فِي أَن علم زيد غير علم عَمْرو
كتاب تَدْبِير الْجند والمماليك والعساكر وأرزاقهم وخراج الممالك
مناظرات جرت لَهُ فِي النَّفس مَعَ أبي عَليّ النيساروي خطب وتمجيدات وأسجاع جَوَاب يتَضَمَّن الِاعْتِذَار فِيمَا نسب إِلَيْهِ من الْخطب
مُخْتَصر أوقليدس أَظُنهُ الْمَضْمُون إِلَى النجَاة
مقَالَة الأرثماطيقي
عشر قصائد وأشعار فِي الزّهْد وَغَيره يصف فِيهَا أَحْوَاله
رسائل بِالْفَارِسِيَّةِ والعربية ومخاطبات ومكاتبات وهزليات
تعاليق مسَائِل حنين فِي الطِّبّ
قوانين ومعالجات طبية
مسَائِل عدَّة طبية عشرُون مَسْأَلَة سَأَلَهُ عَنْهَا بعض أهل الْعَصْر
مسَائِل ترجمها بالتذاكير جَوَاب مسَائِل كَثِيرَة
رِسَالَة لَهُ إِلَى عُلَمَاء بَغْدَاد يسألهم الانصاف بَينه وَبَين رجل همداني يَدعِي الْحِكْمَة
رِسَالَة إِلَى صديق يسْأَله الانصاف بَينه وَبَين الْهَمدَانِي الَّذِي يَدعِي الْحِكْمَة
جَوَاب لعدة مسَائِل كَلَام لَهُ فِي تبين مَاهِيَّة الْحُرُوف
شرح كتاب النَّفس لأرسطوطاليس وَيُقَال إِنَّه من الانصاف
مقَالَة فِي النَّفس تعرف بالفصول
مقَالَة فِي إبِْطَال أَحْكَام النُّجُوم
كتاب الْملح فِي النَّحْو
فُصُول إلهية فِي إِثْبَات الأول
فُصُول فِي النَّفس وطبيعيات
رِسَالَة إِلَى أبي سعيد بن أبي الْخَيْر الصُّوفِي فِي الزّهْد
مقَالَة فِي أَنه لَا يجوز أَن يكون شَيْء وَاحِد جوهرا وعرضا
مسَائِل جرت بَينه وَبَين بعض الْفُضَلَاء فِي فنون الْعُلُوم
تعليقات استفادها أَبُو الْفرج الطَّبِيب الْهَمدَانِي من مَجْلِسه وجوابات لَهُ
مقَالَة ذكرهَا فِي تصانيفه أَنَّهَا فِي الممالك وبقاع الأَرْض
مُخْتَصر فِي أَن الزاوية الَّتِي من الْمُحِيط والمماس لَا كمية لَهَا
أجوبة لسؤالات سَأَلَهُ عَنْهَا أَبُو الْحسن العامري وَهِي أَربع عشرَة مَسْأَلَة
كتاب الموجز الصَّغِير فِي الْمنطق
كتاب قيام الأَرْض فِي وسط السَّمَاء أَلفه لأبي الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد السهلي
كتاب مَفَاتِيح الخزائن فِي الْمنطق كَلَام فِي الْجَوْهَر وَالْعرض كتاب تَأْوِيل الرُّؤْيَا
مقَالَة فِي الرَّد على مقَالَة الشَّيْخ أبي الْفرج بن الطّيب
رِسَالَة فِي الْعِشْق
ألفها لأبي عبيد الله الْفَقِيه
رِسَالَة فِي القوى الإنسانية وإدراكاتها
قَول فِي تبين مَا الْحزن وأسبابه
مقَالَة إِلَى أبي عبيد الله الْحُسَيْن بن سهل بن مُحَمَّد السهلي فِي أَمر مشوب
ألايلاقي
هُوَ السَّيِّد أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف شرف الدّين شرِيف النّسَب فَاضل فِي نَفسه خَبِير بصناعة الطِّبّ والعلوم الْحكمِيَّة
وَهِي من جملَة تلاميذ الشَّيْخ الرئيس والآخذين عَنهُ وَقد اختصر كتاب القانون وأجاد فِي تأليفه وللأيلاقي من الْكتب بِاخْتِصَار كتاب القانون لِابْنِ سينا كتاب الْأَسْبَاب والعلامات
أَبُو الريحان البيروني
هُوَ الْأُسْتَاذ أَبُو الريحان مُحَمَّد بن أَحْمد البيروني مَنْسُوب إِلَى بيرون وَهِي مَدِينَة فِي السَّنَد كَانَ مشتغلا بالعلوم الْحكمِيَّة فَاضلا فِي علم الْهَيْئَة والنجوم وَله نظر جيد فِي صناعَة الطِّبّ
وَكَانَ معاصر الشَّيْخ الرئيس وَبَينهمَا محادثات ومراسلات
وَقد وجدت للشَّيْخ الرئيس أجوبة ومسائل سَأَلَهُ عَنْهَا أَبُو الريحان البيروني وَهِي تحتوي على أُمُور مفيدة فِي الْحِكْمَة
وَأقَام أَبُو الريحان البيروني بخوارزم
وَلأبي الريحان البيروني من الْكتب كتاب الْجمَاهِر فِي الْجَوَاهِر وأنواعها وَمَا يتَعَلَّق بِهَذَا الْمَعْنى أَلفه للْملك الْمُعظم شهَاب الدولة أبي الْفَتْح مودود بن مَسْعُود بن مَحْمُود
كتاب الْآثَار الْبَاقِيَة عَن الْقُرُون الخالية
كتاب الصيدلة فِي الطِّبّ استقصى فِيهِ معرفَة ماهيات الْأَدْوِيَة وَمَعْرِفَة أسمائها وَاخْتِلَاف آراء الْمُتَقَدِّمين وَمَا تكلم كل وَاحِد من الْأَطِبَّاء وَغَيرهم فِيهِ وَقد رتبه على حُرُوف المعجم
كتاب مقاليد الْهَيْئَة
كتاب تسطيح الكرة
كتاب الْعَمَل بالاصطرلاب
كتاب القانون المَسْعُودِيّ أَلفه لمسعود بن مَحْمُود بن سبكتكين وحذا فِيهِ حَذْو بطليموس
كتاب التفهيم فِي صناعَة التنجيم
مقَالَة فِي تلافي عوارض الزلة فِي كتاب دَلَائِل الْقبْلَة
رِسَالَة فِي تَهْذِيب الْأَقْوَال
مقَالَة فِي اسْتِعْمَال الاصطرلاب الكري
كتاب الأطلال
كتاب الزيج المَسْعُودِيّ أَلفه للسُّلْطَان مَسْعُود بن مَحْمُود ملك غزنة
اخْتِصَار كتاب بطليموس القلوذي
وَتُوفِّي فِي عشر الثَّلَاثِينَ والأربعمائة
ابْن مندويه الْأَصْفَهَانِي
هُوَ أَبُو عَليّ أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن مندويه من الْأَطِبَّاء الْمَذْكُورين فِي بِلَاد الْعَجم وخدم هُنَالك جمَاعَة من مُلُوكهَا ورؤسائها
وَكَانَت لَهُ أَعمال مَشْهُورَة مشكورة فِي صناعَة الطِّبّ وَكَانَ من البيوتات الأجلاء بأصفهان
وَكَانَ أَبوهُ عبد الرَّحْمَن بن مندويه فَاضلا فِي علم الْأَدَب وافر الدّين وَله أشعار
حَسَنَة من ذَلِك قَالَ
(ويحرز أَمْوَالًا رجال أشحة
…
وتشغل عَمَّا خلفهن وتذهل)
(لعمرك مَا الدُّنْيَا بِشَيْء وَلَا المنى
…
بِشَيْء وَلَا الْإِنْسَان إِلَّا مُعَلل) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(ويمسي الْمَرْء ذَا أجل قريب
…
وَفِي الدُّنْيَا لَهُ أمل طَوِيل)
(ويعجل بالرحيل وَلَيْسَ يدْرِي
…
إِلَى مَاذَا يقر بِهِ الرحيل) الوافر
وَلأبي عَليّ بن مندويه الْأَصْفَهَانِي من الْكتب رسائل عدَّة من ذَلِك أَرْبَعُونَ رِسَالَة مَشْهُورَة إِلَى جمَاعَة من أَصْحَابه فِي الطِّبّ وَهِي رِسَالَة إِلَى أَحْمد بن سعد فِي تَدْبِير الْجَسَد رِسَالَة إِلَى عباد بن عَبَّاس فِي تَدْبِير الْجَسَد
رِسَالَة إِلَى أبي الْفضل الْعَارِض فِي تَدْبِير الْجَسَد
رِسَالَة إِلَى أبي الْقَاسِم أَحْمد ابْن عَليّ بن بَحر فِي تَدْبِير الْمُسَافِر
رِسَالَة إِلَى حَمْزَة بن الْحسن فِي تركيب طَبَقَات الْعين
رِسَالَة إِلَى أبي الْحسن الْوَارِد فِي علاج انتشار الْعين
رِسَالَة إِلَى عباد بن عَبَّاس فِي وصف انهضام الطَّعَام رِسَالَة إِلَى أَحْمد بن سعد فِي وصف الْمعدة وَالْقَصْد لعلاجها
رِسَالَة إِلَى مستفسر فِي تَدْبِير جسده وعلاج دائه
رِسَالَة إِلَى أبي جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن فِي القولنج
رِسَالَة أُخْرَى إِلَيْهِ فِي تَدْبِير أَصْحَاب القولنج وتدبير أَصْحَاب القولنج فِي أَيَّام صِحَّته فيتدافع عَنهُ بعون الله تَعَالَى
رِسَالَة إِلَى أبي مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر فِي تَدْبِير ضعف الكلى لمن يستبشع الحقنة
رِسَالَة إِلَى أبي الْفضل فِي علاج المثانة
رِسَالَة إِلَى الْأُسْتَاذ الرئيس فِي علاج شقَاق البواسير
رِسَالَة فِي أَسبَاب الباه
رِسَالَة فِي الْإِبَانَة عَن السَّبَب الَّذِي يُولد فِي الْأذن القرقرة عِنْد اتقاد النَّار فِي خشب التِّين
رِسَالَة إِلَى الوثاي فِي علاج وجع الرّكْبَة
رِسَالَة إِلَى أبي الْحسن بن دَلِيل فِي علاج الحكة الْعَارِضَة للمشيخة
رِسَالَة فِي فعل الْأَشْرِبَة فِي الْجَسَد
رِسَالَة فِي وصف مُسكر الشَّرَاب ومنافعه ومضاره رِسَالَة إِلَى حَمْزَة بن الْحسن فِي أَن المَاء لَا يغذو
رِسَالَة فِي نعت النَّبِيذ وَوصف أَفعاله ومنافعه ومضاره
رِسَالَة إِلَى ابْنه فِي علاج بثور خرجت بجسده بِمَاء الْجُبْن وَهُوَ صَغِير
رِسَالَة فِي مَنَافِع الفقاع ومضاره
رِسَالَة إِلَى أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن سعيد فِي الخنديقون وَالْبِقَاع وَجَوَابه إِلَيْهِ
رِسَالَة إِلَى بعض إخوانه فِي التَّمْر الْهِنْدِيّ رِسَالَة إِلَى بعض إخوانه فِي الكافور
رِسَالَة إِلَى حَمْزَة بن الْحسن فِي النَّفس وَالروح على رَأْي اليونانيين
رِسَالَة أُخْرَى إِلَى حَمْزَة بن الْحسن فِي الِاعْتِذَار عَن اعتلال الْأَطِبَّاء رِسَالَة فِي الرَّد على كتاب نقض الطِّبّ الْمَنْسُوب إِلَى الجاحظ
رِسَالَة إِلَى حَمْزَة بن الْحسن فِي الرَّد على من أنكر حَاجَة الطَّبِيب إِلَى علم اللُّغَة
رِسَالَة إِلَى المتقلدين علاج المرضى بيمارستان أصفهان
رِسَالَة إِلَى أبي الْحسن بن سعيد فِي الْبَحْث عَمَّا ورد من أبي حَكِيم إِسْحَق بن يوحنا الطَّبِيب الْأَهْوَازِي فِي شَأْن علته
رِسَالَة إِلَى يُوسُف بن يزْدَاد المتطبب فِي إِنْكَاره دُخُول لعاب بزر الْكَتَّان فِي أدوية الحقنة
رِسَالَة أبي مُحَمَّد عبد الله بن إِسْحَق الطَّبِيب يُنكر عَلَيْهِ ضروبا من العلاج
رِسَالَة أُخْرَى إِلَى أبي مُحَمَّد المتطبب فِي عِلّة الْأَمِير المتوفي شيرزيل بن ركن الدولة
رِسَالَة أُخْرَى إِلَى أبي مُحَمَّد الْمَدِينِيّ فِي شَأْن التكميد بالجاورس
رِسَالَة أُخْرَى لأبي مُسلم مُحَمَّد بن بَحر عَن
لِسَان أبي مُحَمَّد الطَّبِيب الْمَدِينِيّ رِسَالَة فِي عِلّة الأهزال أَحْمد ابْن إِسْحَق الْبُرْجِي وَذكر الْغَلَط الْجَارِي من يُوسُف ابْن اصطفن المتطبب
رِسَالَة فِي أوجاع الْأَطْفَال كناش
كتاب الْمدْخل إِلَى الطِّبّ
كتاب الْجَامِع الْمُخْتَصر من علم الطِّبّ وَهُوَ عشر مقالات
كتاب المغاث فِي الطِّبّ
كتاب فِي الشَّرَاب
كتاب الْأَطْعِمَة والأشربة
كتاب نِهَايَة الِاخْتِصَار فِي الطِّبّ
كتاب الْكَافِي فِي الطِّبّ وَيعرف أَيْضا بِكِتَاب القانون الصَّغِير
ابْن أبي صَادِق
هُوَ أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن أَحْمد بن أبي صَادِق النَّيْسَابُورِي طَبِيب فَاضل بارع فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة كثير الدِّرَايَة للصناعة الطبية لَهُ حرص بَالغ فِي التطلع على كتب جالينوس وَمَا أودعهُ فِيهِ من غوامض صناعَة الطِّبّ وأسرارها شَدِيد الفحص عَن أُصُولهَا وفروعها وَكَانَ فصيحا بليغ الْكَلَام
وَمَا فسره من كتب جالينوس فَهُوَ فِي نِهَايَة الْجَوْدَة والإتقان كَمَا وجدنَا تَفْسِيره كتاب مَنَافِع الْأَعْضَاء لِجَالِينُوسَ فَإِنَّهُ أجهد نَفسه فِيهِ وأجاد فِي تَلْخِيص مَعَانِيه وَهُوَ أَيْضا يَقُول فِي أَوله
وَأما نَحن فقد حررنا مَعَاني هَذَا الْكتاب شرحا للعويص وحذفا للزائد ونظما للمتشتت وَإِضَافَة إِلَيْهِ مِمَّا وجدته من الزِّيَادَات فِي مصنفات جالينوس ومصنفات غَيره من المحصلين فِي هَذَا الْبَاب ورتبنا كل مقَالَة تَعْلِيما تَعْلِيما وألحقنا بأواخر كل مِنْهَا مَا يتَبَيَّن بِهِ فِي تشريح عُضْو عُضْو يتَضَمَّن مَنَافِعه تِلْكَ الْمقَالة ليسهل على من أَرَادَ تشريح أَي عُضْو كَانَ أَو مَنَافِع أَي جُزْء من أَجْزَائِهِ وجدانه
وَكَانَ فَرَاغه من هَذَا الْكتاب فِي سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وحَدثني بعض الْأَطِبَّاء أَن ابْن أبي صَادِق كَانَ قد اجْتمع بالشيخ الرئيس ابْن سينا وَقَرَأَ عَلَيْهِ وَكَانَ من جملَة تلامذته والآخذين عَنهُ
وَهَذَا لَا استبعده بل هُوَ أقرب إِلَى الصِّحَّة فَإِن ابْن أبي صَادِق لحق زمَان ابْن سينا وَكَانَ فِي بِلَاد الْعَجم وَسُمْعَة ابْن سينا كَانَت عَظِيمَة وَكَذَلِكَ غزارة علمه وَكَثْرَة تلامذته وَكَانَ أكبر من ابْن أبي صَادِق قدرا وسنا
وَلابْن أبي صَادِق من الْكتب شرح كتاب الْمسَائِل فِي الطِّبّ لحنين بن إِسْحَق
اخْتِصَار شَرحه الْكَبِير لكتاب الْمسَائِل لحنين
شرح كتاب الْفُصُول لأبقراط وَوجد خطه على هَذَا الشَّرْح بتاريخ سنة سِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة على قِرَاءَة من قَرَأَهُ عَلَيْهِ
شرح كتاب تقدمة الْمعرفَة لأبقراط
شرح كتاب مَنَافِع الْأَعْضَاء لِجَالِينُوسَ وَوجدت الأَصْل من هَذَا الْكتاب تَارِيخ الْفَرَاغ مِنْهُ فِي سنة تسع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة موقعا عَلَيْهِ بِخَط ابْن أبي صَادِق مَا هَذَا مِثَاله بلغت الْمُقَابلَة وَصَحَّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَبِه الثِّقَة
وَكتب أَبُو الْقَاسِم بِخَطِّهِ حل شكوك الرَّازِيّ على كتب جالينوس
كتاب التَّارِيخ
طَاهِر بن إِبْرَاهِيم السجري
هُوَ الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن طَاهِر بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَاهِر السجري
كَانَ طَبِيبا فَاضلا عَالما بصناعة الطِّبّ متميزا فِيهَا خَبِيرا بأعمالها
وَله من الْكتب كتاب إِيضَاح منهاج محجة العلاج أَلفه للْقَاضِي أبي الْفضل مُحَمَّد بن حمويه
كتاب فِي شرح الْبَوْل والنبض
تَقْسِيم كتاب الْفُصُول لأبقراط
ابْن خطيب الرّيّ
هُوَ الإِمَام فَخر الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعُمر بن الْحُسَيْن الرَّازِيّ أفضل الْمُتَأَخِّرين وَسيد الْحُكَمَاء الْمُحدثين قد شاعت سيادته وانتشرت فِي الْآفَاق مصنفاته وتلامذته وَكَانَ إِذا ركب يمشي حوله ثلثمِائة تلميذ فُقَهَاء وَغَيرهم وَكَانَ خوارزمشاه يَأْتِي إِلَيْهِ
وَكَانَ ابْن الْخَطِيب شَدِيد الْحِرْص جدا فِي سَائِر الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والحكمية جيد الْفطْرَة حاد الذِّهْن حسن الْعبارَة كثير البراعة قوي النّظر فِي صناعَة الطِّبّ ومباحثها عَارِفًا بالأدب وَله شعر بالفارسي والعربي
وَكَانَ عبل الْبدن ربع الْقَامَة كَبِير اللِّحْيَة
وَكَانَ فِي صَوته فخامة وَكَانَ يخْطب بِبَلَدِهِ الرّيّ وَفِي غَيرهَا من الْبِلَاد وَيتَكَلَّم على الْمِنْبَر بأنواع من الْحِكْمَة وَكَانَ النَّاس يقصدونه من الْبِلَاد ويهاجرون إِلَيْهِ من كل نَاحيَة على اخْتِلَاف مطالبهم فِي الْعُلُوم وتفننهم فِيمَا يشتغلون بِهِ
فَكَانَ كل مِنْهُم يجد عِنْده النِّهَايَة القصوى فِيمَا يرومه مِنْهُ
وَكَانَ الإِمَام فَخر الدّين قد قَرَأَ الْحِكْمَة على مجد الدولة الجيلي بمراغة وَكَانَ مجد الدّين هَذَا من الأفاضل العظماء فِي زَمَانه وَله تصانيف جليلة
وَحكى لنا القَاضِي شمس الدّين الخوئي عَن الشَّيْخ فَخر الدّين أَنه قَالَ وَالله إِنَّنِي أتأسف فِي الْفَوات عَن الِاشْتِغَال بِالْعلمِ فِي وَقت الْأكل فَإِن الْوَقْت وَالزَّمَان عَزِيز
وحَدثني محيي الدّين قَاضِي مرند قَالَ لما كَانَ الشَّيْخ فَخر الدّين بمرند أَقَامَ بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي كَانَ أبي مدرسها وَكَانَ يشْتَغل عَنهُ بالفقه
ثمَّ اشْتغل بعد ذَلِك لنَفسِهِ بالعلوم الْحكمِيَّة وتميز حَتَّى لم يُوجد فِي زَمَانه آخر يضاهيه وَاجْتمعت بِهِ أَيْضا بهمدان وهراة واشتغلت عَلَيْهِ قَالَ وَكَانَ لمجلسه جلالة عَظِيمَة وَكَانَ يتعاظم حَتَّى على الْمُلُوك وَكَانَ إِذا جلس للتدريس يكون قَرِيبا مِنْهُ جمَاعَة من تلاميذه الْكِبَار مثل زين الدّين الْكشِّي والقطب الْمصْرِيّ وشهاب الدّين النَّيْسَابُورِي ثمَّ يليهم بَقِيَّة التلاميذ وَسَائِر الْخلق على قدر مَرَاتِبهمْ فَكَانَ من يتَكَلَّم فِي شَيْء من الْعُلُوم يباحثونه أُولَئِكَ التلاميذ الْكِبَار فَإِن جرى بحث مُشكل أَو معنى غَرِيب شاركهم الشَّيْخ فِيمَا هم فِيهِ وَتكلم فِي ذَلِك الْمَعْنى بِمَا يفوق الْوَصْف
وحَدثني شمس الدّين مُحَمَّد الوتار الْموصِلِي قَالَ كنت بِبَلَد هراة فِي سنة وسِتمِائَة وَقد قَصدهَا الشَّيْخ فَخر الدّين بن الْخَطِيب من بلد باميان وَهُوَ فِي أبهة عَظِيمَة وحشم كثير
فَلَمَّا ورد إِلَيْهَا تَلقاهُ السُّلْطَان بهَا وَهُوَ حُسَيْن بن خرمين وأكرمه إِكْرَاما كثيرا وَنصب لَهُ بعد ذَلِك منبرا وسجادة فِي صدر الدِّيوَان من الْجَامِع بهَا ليجلس فِي ذَلِك الْموضع وَيكون لَهُ يَوْم مَشْهُور يرَاهُ فِيهِ سَائِر النَّاس ويسمعون كَلَامه
وَكنت فِي ذَلِك الْيَوْم حَاضرا مَعَ جملَة النَّاس وَالشَّيْخ فَخر الدّين فِي صدر الإيوان وَعَن جانبيه يمنة ويسرة صفان من مماليكه التّرْك متكئين على السيوف وَجَاء فِيهِ السُّلْطَان حُسَيْن بن
خرمين صَاحب هراة فَسلم وَأمره الشَّيْخ بِالْجُلُوسِ قَرِيبا مِنْهُ
وَجَاء إِلَيْهِ أَيْضا السُّلْطَان مَحْمُود ابْن أُخْت شهَاب الدّين الغوري صَاحب فَيْرُوز كوه فَسلم وَأَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ بِالْجُلُوسِ فِي مَوضِع آخر قَرِيبا مِنْهُ من النَّاحِيَة الْأُخْرَى
وَتكلم الشَّيْخ فِي النَّفس بِكَلَام عَظِيم وفصاحة بليغة
قَالَ وبينما نَحن فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِذا بحمامة فِي دائر الْجَامِع ووراءها صقر يكَاد أَن يقتنصها وَهِي تطير فِي جوانبه إِلَى أَن أعيت فَدخلت الإيوان الَّذِي فِيهِ الشَّيْخ وَمَرَّتْ طائرة بَين الصفين إِلَى أَن رمت بِنَفسِهَا عِنْده وبخت فَذكر لي شرف الدّين بن عنين أَنه عمل شعرًا على البديه
ثمَّ نَهَضَ لوقته واستأذنه فِي أَن يُورد شَيْئا قد قَالَه فِي الْمَعْنى فَأمره الشَّيْخ بذلك فَقَالَ
(جَاءَت سُلَيْمَان الزَّمَان بشجوها
…
وَالْمَوْت يلمع من جناحي خاطف)
(من نبأ الورقاء أَن محلكم
…
حرز وَأَنَّك ملْجأ للخائف) الْكَامِل
فطرب لَهَا الشَّيْخ فَخر الدّين واستدناه وَأَجْلسهُ قَرِيبا مِنْهُ وَبعث إِلَيْهِ بعد مَا قَامَ من مَجْلِسه خلعة كَامِلَة ودنانير كَثِيرَة وَبَقِي دَائِما محسنا إِلَيْهِ
قَالَ لي شمس الدّين الوتار لم ينشد قدامي لِابْنِ خطيب الرّيّ سوى هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَإِنَّمَا بعد ذَلِك زَاد فِيهَا أبياتا أخر
هَذَا قَوْله وَقد وجدت الأبيات المزادة فِي ديوانه على هَذَا الْمِثَال
(يَا ابْن الْكِرَام المطعمين إِذا اسْتَوَى
…
فِي كل مَخْمَصَة وثلج خاشف)
(العاصمين إِذا النُّفُوس تطايرت
…
بَين الصوارم والوشيج الراعف)
(من نبأ الورقاء أَن محلكم
…
حرم وَإنَّك ملْجأ للخائف)
(وفدت إِلَيْك وَقد تدانى حتفها
…
فحبوتها ببقائها المستأنف)
(وَلَو أَنَّهَا تحبى بِمَال لانثنت
…
من راحتيك بنائل متضاعف)
(جَاءَت سُلَيْمَان الزَّمَان بشجوها
…
وَالْمَوْت يلمع من جناحي خَائِف)
(قرم لواه الْقُوت حَتَّى ظله
…
بإزائه يجْرِي بقلب راجف) الْكَامِل
أَقُول وَمِمَّا حَكَاهُ شرف الدّين بن عنين أَنه حصل من جِهَة فَخر الدّين بن خطيب الرّيّ وبجاهه فِي بِلَاد الْعَجم نَحْو ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَمن شعره فِيهِ قَوْله وسيرها إِلَيْهِ من نيسابور إِلَى هراة
(ريح الشمَال عساك أَن تتحملي
…
خدمي إِلَى الصَّدْر الإِمَام الْأَفْضَل)
(وقفي بواديه الْمُقَدّس وانظري
…
نور الْهدى متألقا لَا يأتلي)
(من دوحة فخرية عمرية
…
طابت مغارس مجدها المتأثل)
(مَكِّيَّة الْأَنْسَاب زاك أَصْلهَا
…
وفروعها فَوق السماك الأعزل)
(واستمطري جدوى يَدَيْهِ فطالما
…
خلف الحيا فِي كل عَام ممحل)
(نعم سحائبها تعود كَمَا بَدَت
…
لَا يعرف الوسمي مِنْهَا وَالْوَلِيّ)
(بَحر تصدر للعلوم وَمن رأى
…
بحرا تصدر قبله فِي محفل)
(ومشمر فِي الله يسحب للتقى
…
وَالدّين سربال العفاف المسبل)
(مَاتَت بِهِ بدع تَمَادى عمرها
…
دهرا وَكَاد ظلامها لَا ينجلي)
(فعلا بِهِ الْإِسْلَام أرفع هضبة
…
ورسا سواهُ فِي الحضيض الْأَسْفَل)
(غلط أمرؤ بِأبي عَليّ قاسه
…
هَيْهَات قصر عَن هداه أَبُو عَليّ)
(لَو أَن رسطاليس يسمع لَفظه
…
من لَفظه لعرته هزة أفكل)
(ويحار بطليموس لَو لاقاه من
…
برهانه فِي كل شكل مُشكل)
(فَلَو أَنهم جمعُوا لَدَيْهِ تيقنوا
…
أَن الْفَضِيلَة لم تكن للْأولِ)
(وَبِه يبيت الْحلم معتصما إِذا
…
هزت ريَاح الطيش ركني يذبل)
(يعْفُو عَن الذَّنب الْعَظِيم تكرما
…
ويجود مسؤولا وَأَن لم يسْأَل)
(أرْضى الْإِلَه بفضله ودفاعه
…
عَن دينه وَأقر عين الْمُرْسل)
(يَا أَيهَا الْمولى الَّذِي درجاته
…
ترنو إِلَى فلك الثوابت من عل)
(مَا منصب إِلَّا وقدرك فَوْقه
…
فبمجدك السَّامِي يهني مَا تلِي)
(فَمَتَى أَرَادَ الله رفْعَة منصب
…
أفْضى إِلَيْك فنال أشرف منزل)
(لَا زَالَ ربعك للوفود محطة
…
أبدا وجودك كَهْف كل مُؤَمل) الْكَامِل
ويحدثني نجم الدّين يُوسُف بن شرف الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الأسفزاري قَالَ كَانَ الشَّيْخ الإِمَام ضِيَاء الدّين عمر وَالِد الإِمَام فَخر الدّين من الرّيّ وتفقه واشتغل بِعلم الْخلاف وَالْأُصُول حَتَّى تميز تميزا كثيرا وَصَارَ قَلِيل الْمثل وَكَانَ يدرس بِالريِّ ويخطب فِي أَوْقَات مَعْلُومَة هُنَالك ويجتمع عِنْده خلق كثير لحسن مَا يُورِدهُ وبلاغته حَتَّى اشْتهر بذلك بَين الْخَاص وَالْعَام فِي تِلْكَ النواحي
وَله تصانيف عدَّة تُوجد فِي الْأُصُول وَفِي الْوَعْظ وَغير ذَلِك وَخلف وَلدين أَحدهمَا الإِمَام فَخر الدّين وَالْآخر وَهُوَ الْأَكْبَر سنا كَانَ يلقب بالركن وَكَانَ هَذَا الرُّكْن قد شدا شَيْئا من الْخلاف وَالْفِقْه وَالْأُصُول إِلَّا أَنه كَانَ أهوج كثير الاختلال فَكَانَ أبدا لَا يزَال يسير خلف أَخِيه فَخر الدّين وَيتَوَجَّهُ إِلَيْهِ فِي أَي بلد قَصده ويشنع عَلَيْهِ ويسفه المشتغلين بكتبه والناظرين فِي أَقْوَاله وَيَقُول أَلَسْت أكبر مِنْهُ وَاعْلَم مِنْهُ وَأكْثر معرفَة بِالْخِلَافِ وَالْأُصُول فَمَا للنَّاس يَقُولُونَ فَخر الدّين فَخر الدّين وَلَا أسمعهم يَقُولُونَ ركن الدّين
وَكَانَ رُبمَا صنف بِزَعْمِهِ شَيْئا وَيَقُول هَذَا خير من كَلَام فَخر الدّين ويثلبه وَالْجَمَاعَة يعْجبُونَ مِنْهُ وَكثير مِنْهُم يصفونه ويهزأون بِهِ
وَكَانَ الإِمَام فَخر الدّين كلما بلغه شَيْء من ذَلِك صَعب عَلَيْهِ وَلم يُؤثر أَن أَخَاهُ بِتِلْكَ الْحَالة وَلَا أحد يسمع قَوْله
وَكَانَ دَائِم الْإِحْسَان إِلَيْهِ وَرُبمَا سَأَلَهُ الْمقَام فِي الرّيّ أَو فِي غَيره وَهُوَ يفتقده ويصله بِكُل مَا يقدر عَلَيْهِ
فَكَانَ كلما سَأَلَهُ ذَلِك يزِيد فِي فعله وَلَا ينْتَقل عَن حَاله
وَلم يزل كَذَلِك لَا يَنْقَطِع عَنهُ وَلَا يسكت عَمَّا هُوَ فِيهِ إِلَى أَن اجْتمع فَخر الدّين بالسلطان خوارزمشاه وأنهى إِلَيْهِ حَال أَخِيه وَمَا يقاسي مِنْهُ وَالْتمس مِنْهُ أَن يتْركهُ فِي بضع الْمَوَاضِع ويوصى عَلَيْهِ أَنه لَا يُمكن من الْخُرُوج والانتقال عَن ذَلِك الْموضع وَأَن يكون لَهما يقوم بكفايته وكل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ
فَجعله السُّلْطَان فِي بعض القلاع الَّتِي لَهُ وَأطلق لَهُ إقطاعا يقوم لَهُ فِي كل سنة بِمَا مبلغه ألف دِينَار وَلم يزل مُقيما هُنَالك حَتَّى قضى الله فِي أمره
قَالَ وَكَانَ الإِمَام فَخر الدّين عَلامَة وقته فِي كل الْعُلُوم وَكَانَ الْخلق يأْتونَ إِلَيْهِ من كل نَاحيَة ويخطب أَيْضا بِالريِّ
وَكَانَ لَهُ مجْلِس عَظِيم للتدريس
فَإِذا تكلم بذ الْقَائِلين
وَكَانَ عبل الْبدن باعتدال عَظِيم الصَّدْر وَالرَّأْس كث اللِّحْيَة
وَمَات وَهُوَ فِي سنّ الكهولة أشمط شعر اللِّحْيَة
وَكَانَ كثيرا مَا يذكر الْمَوْت ويؤثره
وَيسْأل الله الرَّحْمَة وَيَقُول إِنَّنِي حصلت من الْعُلُوم مَا يُمكن تَحْصِيله بِحَسب الطَّاقَة البشرية وَمَا يبيت أُؤْثِر إِلَّا لِقَاء الله تَعَالَى وَالنَّظَر إِلَى وَجهه الْكَرِيم
قَالَ
وَخلف فَخر الدّين ابْنَيْنِ الْأَكْبَر مِنْهُمَا يلقب بضياء الدّين وَله اشْتِغَال وَنظر فِي الْعُلُوم وَالْآخر وَهُوَ الصَّغِير لقبه شمس الدّين وَله فطْرَة فائقة وذكاء خارق وَكَانَ كثيرا مَا يصفه الإِمَام فَخر الدّين بالذكاء وَيَقُول إِن عَاشَ ابْني هَذَا فَإِنَّهُ يكون أعلم مني وَكَانَت النجابة تتبين فِيهِ من الصغر
وَلما توفّي الإِمَام فَخر الدّين بقيت أَوْلَاده مقيمين فِي هراة ولقب وَلَده الصَّغِير بعد
ذَلِك فَخر الدّين بلقب أَبِيه وَكَانَ الْوَزير عَلَاء الْملك الْعلوِي مُتَقَلِّدًا الوزارة للسُّلْطَان خوارزمشاه وَكَانَ عَلَاء الْملك فَاضلا متقنا الْعُلُوم وَالْأَدب وَالشعر بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية
وَكَانَ قد تزوج بابنة الشَّيْخ فَخر الدّين وَلما جرى أَن جنكز خَان ملك التتر قهر خوارزمشاه وكسره وَقتل أَكثر عسكره وفقد خوارزمشاه توجه عَلَاء الْملك قَاصِدا إِلَى جنكز خَان ومعتصما بِهِ فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ أكْرمه وَجعله عِنْده من جملَة خواصه
وعندما استولى التتر على بِلَاد الْعَجم وخربوا قلاعها ومدنها وَكَانُوا يقتلُون فِي كل مَدِينَة جَمِيع من بهَا وَلم يبقوا على أحد تقدم عَلَاء الْملك إِلَى جنكز خَان وَقد تَوَجَّهت فرقة من عساكره إِلَى مَدِينَة هراة ليخربوها ويقتلوا من بهَا فَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ أَمَانًا لأَوْلَاد الشَّيْخ فَخر الدّين بن خطيب الرّيّ وَأَن يجيئوا بهم مكرمين إِلَيْهِ فوهب لَهُم ذَلِك وَأَعْطَاهُمْ أَمَانًا
وَلما ذهب أَصْحَابه إِلَى هراة وشارفوا أَخذهَا نادوا فِيهَا بِأَن لأَوْلَاد فَخر الدّين بن الْخَطِيب الْأمان فليعزلوا نَاحيَة فِي مَكَان
وَيكون هَذَا الْأمان مَعَهم
وَكَانَ فِي هراة دَار الشَّيْخ فَخر الدّين هِيَ دَار السلطنة كَانَ خوارزمشاه قد أَعْطَاهَا لَهُ وَهِي من أعظم دَار تكون وأكبرها وأبهاها وأكثرها زخرفة واحتفالا فَلَمَّا بلغ أَوْلَاد فَخر الدّين ذَلِك أَقَامُوا بهَا مأمونين والتحق بهم خلق كثير من أَهَالِيهمْ وأقربائهم وأعيان الدولة وكبراء الْبَلَد وَجَمَاعَة كثيرين من الْفُقَهَاء وَغَيرهم ظنا أَن يَكُونُوا فِي أَمَان لاتصالهم بأولاد فَخر الدّين ولكونهم خصيصين بهم وَفِي دَارهم وَكَانُوا خلقا عَظِيما
فَلَمَّا دخل التتر إِلَى الْبَلَد وَقتلُوا من وجدوه بهَا وانتهوا إِلَى الدَّار نادوا بأولاد فَخر الدّين أَن يروهم فَلَمَّا شاهدوهم أخذوهم عِنْدهم وهم ضِيَاء الدّين وشمس الدّين وأختهم
ثمَّ شرعوا بِسَائِر من كَانَ فِي الدَّار فَقَتَلُوهُمْ عَن آخِرهم بِالسَّيْفِ
وتوجهوا بأولاد الشَّيْخ فَخر الدّين من هراة إِلَى سَمَرْقَنْد لِأَن ملك التتر جنكز خَان كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت بهَا وَعِنْده عَلَاء الْملك قَالَ وَلست اعْلَم مَا تمّ لَهُم بعد ذَلِك
أَقُول وَكَانَ أَكثر مقَام الشَّيْخ فَخر الدّين بِالريِّ وَتوجه أَيْضا إِلَى بَلْدَة خوارزم وَمرض بهَا وَتُوفِّي فِي عقابيله ببلدة هراة وأملى فِي شدَّة مَرضه وَصِيَّة على تِلْمِيذه إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن عَليّ الْأَصْفَهَانِي وَذَلِكَ فِي يَوْم الْأَحَد الْحَادِي وَالْعِشْرين من شهر الْمحرم سنة سِتّ وسِتمِائَة
وامتد مَرضه إِلَى أَن توفّي يَوْم الْعِيد غرَّة شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة وانتقل إِلَى جوَار ربه رَحمَه الله تَعَالَى
وَهَذِه نُسْخَة الْوَصِيَّة
بسم الله الرحمن الرحيم
يَقُول العَبْد الراجي رَحْمَة ربه الواثق بكرم مَوْلَاهُ مُحَمَّد بن عمر بن الْحُسَيْن الرَّازِيّ وَهُوَ فِي آخر
عَهده بالدنيا وَأول عَهده بِالآخِرَة وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي يلين فِيهِ كل قَاس وَيتَوَجَّهُ إِلَى مَوْلَاهُ كل أبق أَنِّي أَحْمد تَعَالَى بالمحامد الَّتِي ذكرهَا أعظم مَلَائكَته فِي أشرف أَوْقَات معارجهم ونطق بهَا أعظم أنبيائه فِي أكمل أَوْقَات مشاهدتهم بل أَقُول كل ذَلِك من نتائج الْحُدُوث والإمكان
فأحمده بالمحامد الَّتِي تستحقها الوهيته ويستوجبها لكَمَال الموهبة عرفتها أَو لم أعرفهَا لِأَنَّهُ لَا مُنَاسبَة للتراب مَعَ جلال رب الأرباب وأصلي على الْمَلَائِكَة المقربين والأنبياء الْمُرْسلين وَجَمِيع عباد الله الصَّالِحين
ثمَّ أَقُول بعد ذَلِك اعلموا إخْوَانِي فِي الدّين وأخداني فِي طلب الْيَقِين
إِن النَّاس يَقُولُونَ الْإِنْسَان إِذا مَاتَ انْقَطع تعلقه عَن الْخلق وَهَذَا الْعَام مَخْصُوص من وَجْهَيْن الأول أَنه إِن بَقِي مِنْهُ عمل صَالح صَار ذَلِك سَببا للدُّعَاء وَالدُّعَاء لَهُ أثر عِنْد الله
وَالثَّانِي مَا يتَعَلَّق بمصالح الْأَطْفَال وَالْأَوْلَاد والعورات وَأَدَاء الْمَظَالِم والجنايات
أما الأول فاعلموا أَنِّي كنت رجلا محبا للْعلم فَكنت اكْتُبْ فِي كل شَيْء شَيْئا لَا أَقف على كمية وَكَيْفِيَّة سَوَاء كَانَ حَقًا أَو بَاطِلا أَو غثا أَو سمينا
إِلَّا إِن الَّذِي نظرته فِي الْكتب الْمُعْتَبرَة لي أَن هَذَا الْعَالم المحسوس تَحت تَدْبِير مُدبر منزه عَن مماثلة المتحيزات والأعراض وموصوف بِكَمَال الْقُدْرَة وَالْعلم وَالرَّحْمَة
وَلَقَد اختبرت الطّرق الكلامية والمناهج الفلسفية فَمَا رَأَيْت فِيهَا فَائِدَة تَسَاوِي الْفَائِدَة الَّتِي وَجدتهَا فِي الْقُرْآن الْعَظِيم لِأَنَّهُ يسْعَى فِي تَسْلِيم العظمة والجلال بِالْكُلِّيَّةِ لله تَعَالَى وَيمْنَع عَن التعمق فِي إِيرَاد المعارضات والمناقضات
وَمَا ذَاك إِلَّا الْعلم بِأَن الْعُقُول البشرية تتلاشى وتضمحل فِي تِلْكَ المضايق العميقة والمناهج الْخفية فَلهَذَا أَقُول
كلما ثَبت بالدلائل الظَّاهِرَة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عَن الشُّرَكَاء فِي الْقدَم والأزلية وَالتَّدْبِير والفعالية فَذَاك هُوَ الَّذِي أَقُول بِهِ وَألقى الله تَعَالَى بِهِ
وَأما مَا انْتهى الْأَمر فِيهِ إِلَى الدقة والغموض فَكل مَا ورد فِي الْقُرْآن وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة الْمُتَّفق عَلَيْهَا بَين الْأَئِمَّة المتبعين للمعنى الْوَاحِد فَهُوَ كَمَا هُوَ
وَالَّذِي لم يكن كَذَلِك أَقُول يَا إِلَه الْعَالمين أَنِّي أرى الْخلق مطبقين على أَنَّك أكْرم الأكرمين وأرحم الرَّاحِمِينَ فلك مَا مر بِهِ قلمي أَو خطر ببالي فاستشهد علمك
وَأَقُول إِن علمت مني إِنِّي أردْت بِهِ تَحْقِيق بَاطِل أَو إبِْطَال حق فافعل بِي مَا أَنا أَهله وَإِن علمت مني أَنِّي مَا سعيت إِلَّا فِي تَقْرِير مَا اعتقدت أَنه هُوَ الْحق وتصورت أَنه الصدْق فلتكن رحمتك مَعَ قصدي لَا مَعَ حاصلي فَذَاك جهد الْمقل وَأَنت أكْرم من أَن تضايق الضَّعِيف الْوَاقِع فِي الزلة
فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي يَا من لَا يزِيد ملكه عرفان العارفين وَلَا ينتقص بخطأ الْمُجْرمين
وَأَقُول ديني مُتَابعَة مُحَمَّد سيد الْمُرْسلين وكتابي هُوَ الْقُرْآن الْعَظِيم وتعويلي فِي طلب الدّين عَلَيْهِمَا
اللَّهُمَّ يَا سامع الْأَصْوَات وَيَا مُجيب الدَّعْوَات وَيَا مقيل العثرات وَيَا رَاحِم العبرات وَيَا قيام المحدثات والممكنات
أَنا كنت حسن الظَّن بك عَظِيم الرَّجَاء فِي رحمتك وَأَنت قلت
أَنا عِنْد ظن العَبْد بِي
وَأَنت قلت أَمن يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ
وَأَنت قلت وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب
فَهَب أَنِّي مَا جِئْت بِشَيْء فَأَنت الْغَنِيّ الْكَرِيم وَأَنا الْمُحْتَاج اللَّئِيم
وَأعلم أَنه لَيْسَ لي أحد سواك وَلَا أجد محسنا سواك وَأَنا معترف بالزلة والقصور وَالْعَيْب والفتور فَلَا تخيب رجائي وَلَا ترد دعائي واجعلني آمنا من عذابك قبل الْمَوْت وَعند الْمَوْت وَبعد الْمَوْت وَسَهل عَليّ سَكَرَات
الْمَوْت وخفف عني نزُول الْمَوْت وَلَا تضيق عَليّ بِسَبَب الآلام والأسقام فَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ
وَأما الْكتب العلمية الَّتِي صنفتها أَو استكثرت من إِيرَاد السؤالات على الْمُتَقَدِّمين فِيهَا فَمن نظر فِي شَيْء مِنْهَا فَإِن طابت لَهُ تِلْكَ السؤالات فَلْيذكرْنِي فِي صَالح دُعَائِهِ على سَبِيل التفضل والإنعام وَإِلَّا فليحذف القَوْل السَّيئ فَإِنِّي مَا أردْت إِلَّا تَكْثِير الْبَحْث وتشحيذ الخاطر واعتمادي فِيهِ على الله تَعَالَى
وَأما المهم الثَّانِي وَهُوَ إصْلَاح أَمر الْأَطْفَال والعورات فاعتمادي فِيهِ على الله تَعَالَى ثمَّ على نَائِب الله مُحَمَّد
اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ قرين مُحَمَّد الْأَكْبَر فِي الدّين والعلو إِلَّا أَن السُّلْطَان الْأَعْظَم لَا يُمكنهُ أَن يشْتَغل بإصلاح مهمات الْأَطْفَال فَرَأَيْت الأولى أَن أفوض وصاية أَوْلَادِي إِلَى فلَان وأمرته بتقوى الله تَعَالَى فَإِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون
وسرد الْوَصِيَّة إِلَى آخرهَا ثمَّ قَالَ
وأوصيه ثمَّ أوصيه ثمَّ أوصيه بِأَن يُبَالغ فِي تربية وَلَدي أبي بكر
فَإِن آثَار الذكاء والفطنة ظَاهِرَة عَلَيْهِ وَلَعَلَّ الله تَعَالَى يوصله إِلَى خير
وأمرته وَأمرت كل تلامذتي وكل من عَلَيْهِ حق إِنِّي إِذا مت يبالغون فِي إخفاء موتِي وَلَا يخبرون أحدا بِهِ ويكفنوني ويدفنوني على شَرط الشَّرْع ويحملونني إِلَى الْجَبَل المصاقب لقرية مزداخان ويدفنوني هُنَاكَ وَإِذا وضعوني فِي اللَّحْد قرأوا عَليّ مَا قدرُوا عَلَيْهِ من آيَات الْقُرْآن ثمَّ ينثرون التُّرَاب عَليّ
وَبعد الْإِتْمَام يَقُولُونَ يَا كريم جَاءَك الْفَقِير الْمُحْتَاج فَأحْسن إِلَيْهِ
وَهَذَا مُنْتَهى وصيتي فِي هَذَا الْبَاب وَالله تَعَالَى الفعال لما يَشَاء وَهُوَ على مَا يَشَاء قدير وبالإحسان جدير
وَمن شعر فَخر الدّين بن الْخَطِيب أَنْشدني بديع الدّين البندهي مِمَّا سَمعه من الشَّيْخ فَخر الدّين بن خطيب الرّيّ لنَفسِهِ فَمن ذَلِك قَالَ
(نِهَايَة إقدام الْعُقُول عقال
…
وَأكْثر سعي الْعَالمين ضلال)
(وأرواحنا فِي عقلة من جسومنا
…
وَحَاصِل دُنْيَانَا أَذَى ووبال)
(وَلم نستفد من بحثنا طول عمرنا
…
سوى أَن جَمعنَا فِيهِ قيل وَقَالُوا)
(وَكم قد رَأينَا من رجال ودولة
…
فبادوا جَمِيعًا مُسْرِعين وزالوا)
(وَكم من جبال قد علت شرفاتها
…
رجال فزالوا وَالْجِبَال جبال) الطَّوِيل
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(فَلَو قنعت نَفسِي بميسور بلغَة
…
لما سبقت فِي المكرمات رجالها)
(وَلَو كَانَت الدُّنْيَا مُنَاسبَة لَهَا
…
لما استحقرت نقصانها وكمالها)
(وَلَا أرمق الدُّنْيَا بِعَين كَرَامَة
…
وَلَا أتوقى سوءها واختلالها)
(ذَلِك لِأَنِّي عَارِف بفنائها
…
ومستيقن ترحالها وانحلالها)
(أروم أمورا يصغر الدَّهْر عِنْدهَا
…
وتستعظم الأفلاك طرا وصالها) الطَّوِيل
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(أَرْوَاحنَا لَيْسَ تَدْرِي أَيْن مذهبها
…
وَفِي التُّرَاب توارى هَذِه الجثث)
(كَون يرى وَفَسَاد جَاءَ يتبعهُ
…
الله أعلم مَا فِي خلقه عَبث) الطَّوِيل
نظر إِلَى قَوْله عز وجل {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون}
وأنشدني بعض الْفُقَهَاء للشَّيْخ فَخر الدّين بن الْخَطِيب فِي مخدومه عَلَاء الدّين عَليّ خوارزم شاه حِين كسر الغوري قَالَ
(الدّين مَمْدُود الرواق موطد
…
وَالْكفْر محلول النطاق مبدد)
(بعد عَلَاء الدّين وَالْملك الَّذِي
…
أدنى خَصَائِصه العلى والسودد)
(شمس يشق جَبينه حجب السما
…
وَاللَّيْل قاري الدجنة أسود)
(هُوَ فِي الجحافل أَن أثير غبارها
…
أَسد وَلَكِن فِي المحافل سيد)
(فَإِذا تصدر للسماح فَإِنَّهُ
…
فِي ضمن رَاحَته الخضم المزبد)
(وَإِذا تمنطق للكفاح رَأَيْته
…
فِي طي لأمته الهزبر الملبد)
(بالجهد أدْرك مَا أَرَادَ من العلى
…
لَا يدْرك العلياء من لَا يجْهد)
(أبقت مساعي أتسز بن مُحَمَّد
…
سننا تخيرها النَّبِي مُحَمَّد)
(أأعد أنعاما عَليّ عزيزة
…
والكثر لَا يُحْصى فلست أعدد)
(أجْرى سوابقه على عاداتها
…
خيل جِيَاد وَهُوَ مِنْهَا أَجود)
(ملك الْبِلَاد بجده وبجهده
…
فأطاعه الثَّقَلَان فَهُوَ مسود)
(من نسل سَابُور ودارى نجره
…
صيد الْمُلُوك وَذَاكَ عِنْدِي أصيد)
(خوارزم شاه جهان عِشْت فَلَا يرى
…
لَك فِي الزَّمَان على الْجِيَاد مُفند)
(أفنيت أَعدَاء الْإِلَه يسفل
…
الْمَاضِي شباه على العداة مهند)
(أمروزتو ملك الزَّمَان بأسره
…
لَا شَيْء مثل علاك أَنْت الأوحد)
(أشبهت ضحاك الْبِلَاد بسطوة
…
ترجى وتخشى جرخ تو وتسعد) الْكَامِل
أَقُول وللشيخ فَخر الدّين أَيْضا أشعارا كَثِيرَة بالفارسي ودوبيت
ولفخر الدّين بن الْخَطِيب من الْكتب كتاب التَّيْسِير الْكَبِير الْمُسَمّى مَفَاتِيح الْغَيْب اثْنَتَا عشر مجلدة بِخَطِّهِ الدَّقِيق سوى الْفَاتِحَة فَإِنَّهُ أفرد لَهَا كتاب تَفْسِير الْفَاتِحَة مجلدة
تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة على الْوَجْه الْعقلِيّ لَا النقلي مُجَلد
شرح وجيز الْغَزالِيّ لم يتم حصل مِنْهُ الْعِبَادَات وَالنِّكَاح فِي ثَلَاث مجلدات
كتاب الطَّرِيقَة العلائية فِي الْخلاف أَربع مجلدات
كتاب لوامع الْبَينَات فِي شرح أَسمَاء الله تَعَالَى وَالصِّفَات
كتاب الْمَحْصُول فِي علم أصُول الْفِقْه
كتاب فِي أبطال الْقيَاس
شرح كتاب الْمفصل للزمخشري فِي النَّحْو لم يتم
شرح سقط الزند لم يتم
شرح نهج البلاعة لم يتم
كتاب فَضَائِل الصَّحَابَة
كتاب مَنَاقِب الشَّافِعِي
كتاب نِهَايَة الْعُقُول فِي دراية الْأُصُول مجلدان
كتاب المحصل مُجَلد
كتاب المطالب الْعَالِيَة ثَلَاث مجلدات لم يتم وَهُوَ آخر مَا ألف
كتاب الْأَرْبَعين فِي أصُول الدّين
كتاب المعالم وَهُوَ آخر مصنفاته من الصغار
كتاب تأسيس التَّقْدِيس مُجَلد أَلفه للسُّلْطَان الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب فَبعث لَهُ عَنهُ ألف دِينَار
كتاب الْقَضَاء وَالْقدر
رِسَالَة الْحُدُوث
كتاب تعجيز الفلاسفة بِالْفَارِسِيَّةِ
كتاب الْبَرَاهِين البهائية بِالْفَارِسِيَّةِ
كتاب اللطائف الغياثية
كتاب شِفَاء العيى وَالْخلاف
كتاب الْخلق والبعث
كتاب الْخمسين فِي أصُول الدّين
كتاب عُمْدَة الأنظار وزينة الأفكار
كتاب الْأَخْلَاق
كتاب الرسَالَة الصاحبية
كتاب الرسَالَة المحمدية
كتاب عصمَة الْأَنْبِيَاء
كتاب الملخص
كتاب المباحث المشرقية
كتاب الإنارات فِي شرح الإشارات
كتاب لباب الإشارات
شرح كتاب عُيُون الْحِكْمَة
الرسَالَة الكمالية فِي الْحَقَائِق الإلهية ألفها بِالْفَارِسِيَّةِ لكَمَال الدّين مُحَمَّد بن مِيكَائِيل وَوجدت شَيخنَا الإِمَام الْعَالم تَاج الدّين مُحَمَّد الأرموي قد نقلهَا إِلَى الْعَرَبِيّ فِي سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة بِدِمَشْق
رِسَالَة الْجَوْهَر الْفَرد
كتاب الرِّعَايَة
كتاب فِي الرمل
كتاب مصادرات أقليدس
كتاب فِي الهندسة
كتاب نفثة المصدور
كتاب فِي ذمّ الدُّنْيَا
كتاب الاختبارات العلائية
كتاب الاختبارات السماوية
كتاب إحكام الْأَحْكَام
كتاب الموسوم فِي السِّرّ المكتوم
كتاب الرياض المونقة
رِسَالَة فِي النَّفس
رِسَالَة فِي النبوات
كتاب الْملَل والنحل
منتخب كتاب دنكاوشا
كتاب مبَاحث الْوُجُود
كتاب نِهَايَة الإيجاز فِي دراية الإعجاز
كتاب مبَاحث الجدل
كتاب مبَاحث الْحُدُود
كتاب الْآيَات الْبَينَات
رِسَالَة فِي التَّنْبِيه على بعض الْأَسْرَار المودعة فِي بعض سور الْقُرْآن الْعَظِيم
كتاب الْجَامِع الْكَبِير لم يتم
وَيعرف أَيْضا بِكِتَاب الطِّبّ الْكَبِير
كتاب فِي النبض مُجَلد
شرح كليات القانون لم يتم وألفه للحكيم ثِقَة الدّين عبد الرَّحْمَن بن عبد الْكَرِيم السَّرخسِيّ
كتاب التشريح من الرَّأْس إِلَى الْحلق لم يتم
كتاب الْأَشْرِبَة
مسَائِل فِي الطِّبّ
كتاب الزبدة
كتاب الفراسة
القطب الْمصْرِيّ
هُوَ الإِمَام قطب الدّين إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن مُحَمَّد السّلمِيّ وَكَانَ أَصله مغربيا وَإِنَّمَا انْتقل إِلَى مصر وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ سَافر بعد ذَلِك إِلَى بِلَاد الْعَجم
واشتغل على فَخر الدّين بن خطيب الرّيّ واشتهر هُنَاكَ وَكَانَ من أجل تلامذة ابْن الْخَطِيب وأميزهم
وصنف كتبا كَثِيرَة فِي الطِّبّ وَالْحكمَة وَشرح الكليات بأسرها من كتاب القانون لِابْنِ سينا
وَوَجَدته فِي كِتَابه هَذَا يفضل المسيحي وَابْن الْخَطِيب على الشَّيْخ أبي عَليّ بن سينا وَهَذَا نَص قَوْله قَالَ
والمسيحي أعلم بصناعة الطِّبّ من الشَّيْخ أبي عَليّ فَإِن مَشَايِخنَا كَانُوا يرجحونه على جمع عَظِيم مِمَّن هم أفضل من أبي عَليّ فِي هَذَا الْفَنّ
وَقَالَ أَيْضا وَعبارَة المسيحي أوضح وَأبين مِمَّا قَالَه الشَّيْخ وغرضه فِي كتبه تَقْيِيد الْعبارَة من غير فَائِدَة
وَقَالَ فِي تَفْضِيل ابْن الْخَطِيب على الشَّيْخ الرئيس فَهَذَا مِمَّا تنخل من كَلَام الْإِمَامَيْنِ العظيمين الإِمَام الْمُتَقَدّم وَالْإِمَام الْمُتَأَخر عَنهُ زَمَانا الرَّاجِح عَلَيْهِ علما وَعَملا واعتقادا ومذهبا
وَقتل القطب الْمصْرِيّ بِمَدِينَة نيسابور وَذَلِكَ عِنْدَمَا استولى التتر على بِلَاد الْعَجم وَقتلُوا أَهلهَا فَكَانَ من جملَة الْقَتْلَى بنيسابور
وللقطب الْمصْرِيّ من الْكتب شرح الكليات من كتاب القانون للشَّيْخ الرئيس ابْن سينا
السموأل
هُوَ السموأل بن يحيى بن عَبَّاس المغربي كَانَ فَاضلا فِي الْعُلُوم الرياضية عَالما بصناعة الطِّبّ وَأَصله من بِلَاد الْمغرب وَسكن مُدَّة فِي بَغْدَاد ثمَّ انْتقل إِلَى بِلَاد الْعَجم وَلم يزل بهَا إِلَى آخر عمره وَكَانَ أَبوهُ أَيْضا يشدو شَيْئا من عُلُوم الْحِكْمَة ونقلت من خطّ الشَّيْخ موفق الدّين عبد اللَّطِيف بن يُوسُف الْبَغْدَادِيّ قَالَ هَذَا السموأل شَاب بغدادي كَانَ يَهُودِيّا ثمَّ أسلم وَمَات شَابًّا بمراغة وَبلغ فِي العدديات مبلغا لم يصله أحد فِي زَمَانه
وَكَانَ حاد الذِّهْن جدا بلغ فِي الصِّنَاعَة الجبرية الْغَايَة القصوى
وَأقَام بديار بكر وآذربيجان وَله رسائل فِي الْجَبْر والمقابلة يرد فِيهَا على ابْن الخشاب النَّحْوِيّ
وَذَلِكَ أَن ابْن الخشاب كَانَ معاصره وَكَانَ لِابْنِ الخشاب مُشَاركَة فِي الْحساب وَنظر فِي الْجَبْر والمقابلة
وَقَالَ الصاحب جمال الدّين بن القفطي أَن السموأل هَذَا لما أَتَى إِلَى الْمشرق ارتحل مِنْهُ إِلَى آذربيجان وخدم بَيت البهلوان وأمراء دولتهم
وَأقَام بِمَدِينَة المراغة وأولد أَوْلَادًا هُنَاكَ سلكوا طَرِيقَته فِي الطِّبّ
وارتحل إِلَى الْموصل وديار بكر وَأسلم فَحسن إِسْلَامه وصنف كتابا فِي إِظْهَار معايب الْيَهُود وَكذب دعاويهم فِي التَّوْرَاة ومواضع الدَّلِيل على تبديلها واحكم مَا جمعه فِي ذَلِك وَمَات بالمراغة قَرِيبا من سنة سبعين وَخَمْسمِائة
وللسموأل بن يحيى بن عَبَّاس المغربي من الْكتب كتاب الْمُفِيد الْأَوْسَط فِي الطِّبّ صنفه فِي سنة
أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة بِبَغْدَاد للوزير مؤيد الدّين أبي إِسْمَاعِيل الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن عَليّ
رِسَالَة إِلَى ابْن خدود فِي مسَائِل حسابية جبر ومقابلة
كتاب إعجاز المهندسين صنفه لنجم الدّين أبي الْفَتْح شاه غَازِي ملك شاه بن طغرلبك وَفرغ من تصنيفه فِي صفر سنة سبعين وَخَمْسمِائة
كتاب الرَّد على الْيَهُود
كتاب القوامي فِي الْحساب الْهِنْدِيّ أَلفه فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة
كتاب المثلث الْقَائِم الزاوية وَقد أحسن فِي تمثيله وتشكيله صنفه لرجل من أهل حلب يدعى الشريف
كتاب الْمِنْبَر فِي مساحة أجسام الْجَوَاهِر المختلطة لاستخراج مِقْدَار مجهولها
كتاب فِي الْمِيَاه
بدر الدّين مُحَمَّد بن بهْرَام بن مُحَمَّد القلانسي السَّمرقَنْدِي
مجيد فِي صناعَة الطِّبّ وَله عناية بِالنّظرِ فِي معالجات الْأَمْرَاض ومداواتها
وَله من الْكتب كتاب الأقرباذين وَهُوَ تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ بَابا قد استوعب فِيهِ ذكر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْأَدْوِيَة المركبة وَجمع أَكثر ذَلِك من الْكتب الْمُعْتَمد عَلَيْهَا كثيرا مثل القانون وَالْحَاوِي والكامل والمنصوري والذخيرة والكفاية وَذكر أَنه قد أورد مَعَ ذَلِك أَيْضا ذَروا من نسخ الإِمَام الْعَالم قوام الدّين صاعد المهني وَمن نسخ الإِمَام شرف الزَّمَان المابرسامي
نجيب الدّين أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن عَليّ بن عمر السَّمرقَنْدِي
طَبِيب فَاضل بارع وَله كتب جليلة وتصانيف مَشْهُورَة وَقتل مَعَ جملَة النَّاس الَّذين قتلوا بِمَدِينَة هراة لما دَخلهَا التتر وَكَانَ معاصر لفخر الدّين الرَّازِيّ بن الْخَطِيب
ولنجيب الدّين السَّمرقَنْدِي من الْكتب كتاب أغذية المرضى وقسمه على حسب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي التغذية لكل وَاحِد من سَائِر الْأَمْرَاض
كتاب الْأَسْبَاب والعلامات جمعه لنَفسِهِ وَنَقله من القانون لأبي عَليّ بن سينا وَمن المعالجات البقراطية وكامل الصِّنَاعَة
كتاب الأقراباذين الْكَبِير
كتاب الأقراباذين الصَّغِير
الشريف شرف الدّين إِسْمَاعِيل
كَانَ طَبِيبا عالي الْقدر وافر الْعلم وجيها فِي الدولة
وَكَانَ فِي خدمَة السُّلْطَان عَلَاء الدّين مُحَمَّد خوارزم شاه
وَله مِنْهُ الْأَنْعَام الوافر والمرتبة المكينة
وَكَانَ لَهُ مُقَرر على السُّلْطَان فِي كل شهر ألف دِينَار وَكَانَت لَهُ معالجات بديعة وآثار حَسَنَة فِي صناعَة الطِّبّ
وَتُوفِّي فِي أَيَّام خوارزمشاه بِمَدِينَة بعد أَن عمر
وَله من الْكتب كتاب الذَّخِيرَة الخوارزم شاهية فِي الطِّبّ بالفارسي اثْنَا عشر مجلدا
كتاب الْأَغْرَاض فِي الطِّبّ بالفارسي مجلدان
كتاب يادكار فِي الطِّبّ بالفارسي مُجَلد أَلفه لخوارزم شاه
الْبَاب الثَّانِي عشر
طَبَقَات الْأَطِبَّاء الَّذين كَانُوا من الْهِنْد
كنكه الْهِنْدِيّ
حَكِيم بارع من مُتَقَدِّمي حكماء الْهِنْد وأكابرهم وَله نظر فِي صناعَة الطِّبّ وقوى الْأَدْوِيَة وطبائع المولدات وخواص الموجودات وَكَانَ من أعلم النَّاس بهيئة الْعَالم وتركيب الأفلاك وحركات النُّجُوم
وَقَالَ أَبُو معشر جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عمر الْبَلْخِي فِي كتاب الألوف إِن كنكه هُوَ الْمُقدم فِي علم النُّجُوم عِنْد جَمِيع الْعلمَاء من الْهِنْد فِي سالف الدَّهْر
ولكنكنه من الْكتب كتاب النموذار فِي الْأَعْمَار
كتاب أسرار المواليد
كتاب القرانات الْكَبِير
كتاب القرانات الصَّغِير
كتاب الطِّبّ وَهُوَ يجْرِي مجْرى كناش
كتاب فِي التَّوَهُّم
كتاب فِي إِحْدَاث الْعَالم والدور فِي الْقرَان
صنجهل
كَانَ من عُلَمَاء الْهِنْد وفضلائهم الخبيرين بِعلم الطِّبّ والنجوم
ولصنجهل من الْكتب كتاب المواليد الْكَبِير
وَكَانَ من بعد صنجهل الْهِنْدِيّ جمَاعَة فِي بِلَاد الْهِنْد وَلَهُم تصانيف مَعْرُوفَة فِي صناعَة الطِّبّ وَفِي غَيرهَا من الْعُلُوم مثل باكهر راحه صَكَّة داهر أنكرزنكل جبهر اندى جارى كل هَؤُلَاءِ أَصْحَاب تصانيف وهم من حكماء الْهِنْد وأطبائهم وَلَهُم الْأَحْكَام الْمَوْضُوعَة فِي علم النُّجُوم والهند تشتغل بمؤلفات هَؤُلَاءِ فِيمَا بَينهم ويقتدون بهَا ويتناقلونها وَقد نقل كثير مِنْهَا إِلَى اللُّغَة الْعَرَبيَّة
وَوجدت الرَّازِيّ قد نقل فِي كِتَابه الْحَاوِي وَفِي غَيره عَن كتب جمَاعَة من الْهِنْد مثل كتاب شرك الْهِنْدِيّ وَهَذَا الْكتاب فسره عبد الله بن عَليّ من الْفَارِسِي إِلَى الْعَرَبِيّ لِأَنَّهُ أَولا نقل من الْهِنْدِيّ إِلَى الْفَارِسِي وَعَن
كتاب سسرد وَفِيه عَلَامَات الأدواء وَمَعْرِفَة علاجها وأدويتها وَهُوَ عشر مقالات أَمر يحيى بن خَالِد بتفسيره وَكتاب بدان فِي عَلَامَات أَرْبَعمِائَة وَأَرْبَعَة أدواء ومعرفتها بِغَيْر علاج وَكتاب سندهشان وَتَفْسِيره كتاب صُورَة النجح وَكتاب فِيمَا اخْتلف فِيهِ الْهِنْد وَالروم فِي الْحَار والبارد وقوى الْأَدْوِيَة وتفصيل السّنة وَكتاب تَفْسِير أَسمَاء الْعقار بأسماء عشرَة وَكتاب اسانكر الْجَامِع وَكتاب علاجات الحبالى للهند وَكتاب مُخْتَصر فِي العقاقير للهند وَكتاب نوفشل فِيهِ مائَة دَاء وَمِائَة دَوَاء وَكتاب روسي الْهِنْدِيَّة فِي علاجات النِّسَاء وَكتاب السكر للهند وَكتاب رَأْي الْهِنْدِيّ فِي أَجنَاس الْحَيَّات وسمومها وَكتاب التَّوَهُّم فِي الْأَمْرَاض والعلل لأبي قبيل الْهِنْدِيّ
شاناق
وَمن الْمَشْهُورين أَيْضا من أطباء الْهِنْد شاناق
وَكَانَت لَهُ معالجات وتجارب كَثِيرَة فِي صناعَة الطِّبّ وتفنن فِي الْعُلُوم وَفِي الْحِكْمَة وَكَانَ بارعا فِي علم النُّجُوم حسن الْكَلَام مُتَقَدما عِنْد مُلُوك الْهِنْد
وَمن كَلَام شاناق قَالَ فِي كِتَابه الَّذِي سَمَّاهُ منتحل الْجَوْهَر
يَا أَيهَا الْوَالِي اتَّقِ عثرات الزَّمَان واخش تسلط الإِمَام ولوعة غَلَبَة الدَّهْر
وَاعْلَم أَن الْأَعْمَال جَزَاء فَاتق عوائق الدَّهْر وَالْأَيَّام فَإِن لَهَا غدرات فَكُن مِنْهَا على حذر والأقدار مغيبات فاستعد لَهَا وَالزَّمَان مُنْقَلب فاحذر دولته لئيم الكرة فخف سطوته سريع الغزة فَلَا تأمن دولته
وَاعْلَم أَن من لم يداو نَفسه من سقام الآثام فِي أَيَّام حَيَاته فَمَا أبعده من الشِّفَاء فِي دَار لَا دَوَاء لَهَا وَمن أذلّ حواسه واستبعدها فِيمَا تقدم من خير لنَفسِهِ أبان فَضله وَأظْهر نبله وَمن لم يضْبط نَفسه وَهِي وَاحِدَة لم يضْبط حواسه وَهِي خمس
فَإِذا لم يضْبط حواسه مَعَ قلتهَا وذلتها صَعب عَلَيْهِ ضبط الأعوان مَعَ كثرتهم وخشونة جانبهم فَكَانَت عَامَّة الرّعية فِي أقاصي الْبِلَاد وأطراف المملكة أبعد من الضَّبْط
ولشاناق من الْكتب كتاب السمُوم خمس مقالات فسره من اللِّسَان الْهِنْدِيّ إِلَى اللِّسَان الْفَارِسِي منكه الْهِنْدِيّ وَكَانَ الْمُتَوَلِي لنقله بالخط الْفَارِسِي رجل يعرف بِأبي حَاتِم الْبَلْخِي فسره ليحيى بن خَالِد ابْن برمك ثمَّ نقل لِلْمَأْمُونِ على يَد الْعَبَّاس بن سعيد الجرهري مَوْلَاهُ وَكَانَ الْمُتَوَلِي قِرَاءَته على الْمَأْمُون
كتاب البيطرة
كتاب فِي علم النُّجُوم
كتاب الْمُنْتَحل الْجَوْهَر وألفه لبَعض مُلُوك زَمَانه وَكَانَ يُقَال لذَلِك الْملك ابْن قانص الْهِنْدِيّ
جودر
حَكِيم فَاضل من حكماء الْهِنْد وعلمائهم متميز فِي أَيَّامه وَله نظر فِي الطِّبّ وتصانيف فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة
وَله من الْكتب كتاب المواليد وَهُوَ قد نقل إِلَى الْعَرَبِيّ
منكه الْهِنْدِيّ
كَانَ عَالما بصناعة الطِّبّ حسن المعالجة لطيف التَّدْبِير فيلسوفا من جملَة الْمشَار إِلَيْهِم فِي عُلُوم الْهِنْد متقنا للغة الْهِنْد ولغة الْفرس وَهُوَ الَّذِي نقل كتاب شاناق الْهِنْدِيّ فِي السمُوم من اللُّغَة الْهِنْدِيَّة إِلَى الْفَارِسِي وَكَانَ فِي أَيَّام الرشيد هرون وسافر من الْهِنْد إِلَى الْعرَاق فِي أَيَّامه وَاجْتمعَ بِهِ وداواه
وَوجدت فِي بعض الْكتب أَن منكه الْهِنْدِيّ كَانَ فِي جملَة إِسْحَق بن سُلَيْمَان بن عَليّ الْهَاشِمِي وَكَانَ ينْقل من اللُّغَة الْهِنْدِيَّة إِلَى الفارسية والعربية
ونقلت من كتاب أَخْبَار الْخُلَفَاء والبرامكة أَن الرشيد اعتل عِلّة صعبة فعالجه الْأَطِبَّاء فَلم يجد من علته أفاقة
فَقَالَ لَهُ أَبُو عمر الأهجمي بِالْهِنْدِ طَبِيب يُقَال لَهُ منكه وَهُوَ أحد عبادهم وفلاسفتهم فَلَو بعث إِلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَعَلَّ أَن يهب لَهُ الشِّفَاء على يَده
قَالَ فَوجه الرشيد من حمله وَوَصله بصلَة تعينه على سَفَره فَقدم وعالج الرشيد فبرأ من علته بعلاجه
فَأجرى عَلَيْهِ رزقا وَاسِعًا وأموالا كَافِيَة
قَالَ فَبَيْنَمَا منكه مارا فِي الْخلد إِذا هُوَ بِرَجُل من المائنين قد بسط كساءه وَألقى عَلَيْهِ عقاقير كَثِيرَة وَقَامَ يصف دَوَاء عِنْده فَقَالَ فِي صفته هَذَا دَوَاء للحمى الدائمة وَحمى الغب وَحمى الرّبع ولوجع الظّهْر والركبتين والخام والبواسير والرياح ووجع المفاصل ووجع الْعَينَيْنِ ولوجع الْبَطن والصداع والشقيقة ولتقطير الْبَوْل والفالج والارتعاش وَلم يدع عِلّة فِي الْبدن إِلَّا ذكر أَن ذَلِك الدَّوَاء شفاؤها
فَقَالَ منكه لِترْجُمَانِهِ مَا يَقُول هَذَا فترجم لَهُ مَا سمع فَتَبَسَّمَ منكه وَقَالَ على كل حَال ملك الْعَرَب جَاهِل وَذَلِكَ أَنه إِن كَانَ الْأَمر على مَا قَالَ هَذَا فَلم حَملَنِي من بلدي وقطعني عَن أَهلِي وتكلف الغليظ من مؤونتي وَهُوَ يجد هَذَا نصب عينه وبإزائه وَإِن كَانَ الْأَمر لَيْسَ كَمَا يَقُول هَذَا فَلم لَا يقْتله فَإِن الشَّرِيعَة قد أَبَاحَتْ دم هَذَا وَمن أشبهه لِأَنَّهُ إِن قتل مَا هِيَ إِلَّا نفس تحيا بفنائها أنفس خلق كثير وَإِن ترك وَهَذَا الْجَهْل قتل فِي كل يَوْم نفسا
وبالحري أَن يقتل اثْنَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة فِي كل يَوْم وَهَذَا فَسَاد فِي الدّين ووهن فِي المملكة
صَالح بن بهلة الْهِنْدِيّ
متميز من عُلَمَاء الْهِنْد وَكَانَ خَبِيرا بالمعالجات الَّتِي لَهُم وَله قُوَّة وإنذارات فِي تقدمة الْمعرفَة
وَكَانَ بالعراق فِي أَيَّام الرشيد هَارُون
قَالَ أَبُو الْحسن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم الحاسب الْمَعْرُوف بِابْن الداية حَدثنِي أَحْمد بن رشيد الْكَاتِب مولى سَلام الأبرش أَن مَوْلَاهُ حَدثهُ أَن الموائد قدمت بَين يَدي الرشيد فِي بعض الْأَيَّام وجبرائيل بن بختيشوع غَائِب فَقَالَ لي أَحْمد قَالَ أَبُو سَلمَة يَعْنِي مَوْلَاهُ
فَأمرنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ بِطَلَب جِبْرَائِيل ليحضر أكله على عَادَته فِي ذَلِك فَلم أدع منزلا من منَازِل الْوَلَد وَمن كَانَ يدْخل إِلَيْهِ جِبْرَائِيل من الْحرم إِلَّا طلبته فِيهِ وَلم أقع لَهُ على أثر
فأعلمت أَمِير الْمُؤمنِينَ بذلك فَطَفِقَ يلعنه ويقذفه إِذْ دخل عَلَيْهِ جِبْرَائِيل والرشيد على تِلْكَ الْحَال من قذفه ولعنه
فَقَالَ لَهُ لَو اشْتغل أَمِير الْمُؤمنِينَ بالبكاء على ابْن عَمه إِبْرَاهِيم بن صَالح وَترك مَا فِيهِ من تناولي بالسب كَانَ أشبه
فَسَأَلَهُ عَن خبر إِبْرَاهِيم فَأعلمهُ أَنه خَلفه وَبِه رَمق يَنْقَضِي بآخرة وَقت صَلَاة الْعَتَمَة فَاشْتَدَّ جزع الرشيد لما أخبرهُ بِهِ وَأَقْبل على الْبكاء
وَأمر بِرَفْع الموائد فَرفعت وَكثر ذَلِك مِنْهُ حَتَّى رَحمَه مِمَّا نزل بِهِ جَمِيع من حضر
فَقَالَ جَعْفَر بن يحيى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن طب جِبْرَائِيل طب رومي وَصَالح بن بهلة الْهِنْدِيّ فِي الْعلم بطريقة أهل الْهِنْد فِي الطِّبّ مثل جِبْرَائِيل فِي الْعلم بمقالات الرّوم فَإِن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَأْمر بإحضاره وتوجيهه إِلَى إِبْرَاهِيم بن صَالح لنفهم عَنهُ مَا يَقُول مثل مَا فهمنا عَن جِبْرَائِيل فعل
فَأمر الرشيد جعفرا بإحضاره وتوجيهه والمصير بِهِ إِلَيْهِ ورده بعد مُنْصَرفه من عِنْده فَفعل ذَلِك جَعْفَر وَمضى صَالح إِلَى إِبْرَاهِيم حَتَّى عاينه وجس عرقه وَصَارَ إِلَى جَعْفَر وَسَأَلَهُ عَمَّا عِنْده من الْعلم فَقَالَ لست أخبر بالْخبر غير أَمِير الْمُؤمنِينَ فَاسْتعْمل جَعْفَر مجهوده بِصَالح أَن يُخبرهُ بجملة من الْخَبَر فَلم يجبهُ إِلَى ذَلِك
وَدخل جَعْفَر على الرشيد فَأخْبرهُ بِحُضُور صَالح وامتناعه عَن إخْبَاره بِمَا عاين فَأمر بإحضار صَالح فَدخل ثمَّ قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنْت الإِمَام وعاقد ولَايَة الْقَضَاء للحكام وَمهما حكمت بِهِ لم يجز لحَاكم فَسخه وَأَنا أشهدك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأشْهد على نَفسِي من حضرك أَن إِبْرَاهِيم ابْن صَالح إِن توفّي فِي هَذِه اللَّيْلَة أَو فِي هَذِه الْعلَّة أَن كل مَمْلُوك لصالح بن بهلة أَحْرَار لوجه الله وكل دَابَّة لَهُ فحبيس فِي سَبِيل الله وكل مَال لَهُ فصدقة على الْمَسَاكِين وكل امْرَأَة لَهُ فطالق ثَلَاثًا بتاتا
فَقَالَ لَهُ الرشيد حَلَفت وَيحك يَا صَالح على غيب
فَقَالَ صَالح كلا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا الْغَيْب مَا لَا علم لأحد بِهِ وَلَا دَلِيل لَهُ عَلَيْهِ وَلم أقل مَا قلت إِلَّا بِعلم وَاضح وَدَلَائِل بَيِّنَة
قَالَ أَحْمد بن رشيد قَالَ لي أَبُو سَلمَة فَسرِّي عَن الرشيد مَا كَانَ يجد وَطعم واحضر لَهُ الشَّرَاب فَشرب
وَلما كَانَ وَقت صَلَاة الْعَتَمَة ورد كتاب صَاحب الْبَرِيد بِمَدِينَة السَّلَام يخبر بوفاة إِبْرَاهِيم بن صَالح على الرشيد فَاسْتَرْجع وَأَقْبل على جَعْفَر بن يحيى باللوم فِي إرشاده إِيَّاه إِلَى صَالح بن بهلة
وَأَقْبل يلعن الْهِنْد وطبهم وَيَقُول واسوءتاه من الله أَن يكون ابْن عمي يتجرع غصص الْمَوْت وَأَنا أشْرب النَّبِيذ ثمَّ دَعَا برطل من النَّبِيذ بِالْمَاءِ وألفى فِيهِ شَيْئا من ملح وَأخذ يشرب ويتقيأ حَتَّى قذف مَا كَانَ فِي جَوْفه من طَعَام وشراب وَبكر إِلَى دَار إِبْرَاهِيم فقصد خدمه بالرشيد إِلَى رواق على مجَالِس لإِبْرَاهِيم على يَمِين الرواق ويساره فراشان بكراسيهما ومتكئاتهما ومساندهما وَفِيمَا بَين الفراشين نمارق فاتكأ الرشيد على سَيْفه ووقف وَقَالَ لَا يحسن الْجُلُوس فِي الْمُصِيبَة بالأحبة من الْأَهْل على أَكثر من الْبسط ارْفَعُوا هَذِه الْفرش والنمارق فَفعل ذَلِك الفراشون وَجلسَ الرشيد على الْبسَاط فَصَارَت سنة لبني الْعَبَّاس من ذَلِك الْيَوْم وَلم تكن قبله ووقف صَالح بن بهلة بَين يَدي الرشيد فَلم يناطقه أحد إِلَى أَن سطعت رَوَائِح المجامر فصاح عِنْد ذَلِك صَالح الله الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن تحكم عَليّ بِطَلَاق زَوْجَتي فتنزعها وَتَزَوجهَا
غَيْرِي وَأَنا رب الْفرج الْمُسْتَحق لَهُ وتنكحها من لَا تحل لَهُ وَالله الله أَن تخرجني من نعمتي وَلم يلْزَمنِي حنث وَالله الله إِن تدفن ابْن عمك حَيا فوَاللَّه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا مَاتَ فَأطلق لي الدُّخُول عَلَيْهِ وَالنَّظَر إِلَيْهِ وهتف بِهَذَا القَوْل مَرَّات فَأذن لَهُ بِالدُّخُولِ على إِبْرَاهِيم وَحده
قَالَ أَحْمد قَالَ لي أَبُو سَلمَة فأقبلنا نسْمع صَوت ضرب بدن بكف ثمَّ انْقَطع عَنَّا ذَلِك الصَّوْت ثمَّ سمعنَا تَكْبِيرا فَخرج إِلَيْنَا صَالح وَهُوَ يكبر ثمَّ قَالَ قُم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى أريك عجبا
فَدخل إِلَيْهِ الرشيد وَأَنا ومسرور الْكَبِير وَأَبُو سليم مَعَه فَأخْرج صَالح إبرة كَانَت مَعَه فَأدْخلهَا بَين ظفر إِبْهَام يَده الْيُسْرَى ولحمه فجذب إِبْرَاهِيم بن صَالح يَده وردهَا إِلَى بدنه
فَقَالَ صَالح يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَل يحس الْمَيِّت بالوجع فَقَالَ الرشيد لَا فَقَالَ لَهُ صَالح لَو شِئْت أَن يكلم أَمِير الْمُؤمنِينَ السَّاعَة لكلمه
فَقَالَ لَهُ الرشيد فَأَنا أَسأَلك أَن تفعل ذَلِك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَخَاف أَن عالجته وأفاق وَهُوَ فِي كفن فِيهِ رَائِحَة الحنوط أَن ينصدع قلبه فَيَمُوت موتا حَقِيقِيًّا فَلَا يكون لي فِي إحيائه حِيلَة وَلَكِن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تَأمر بتجريده من الْكَفَن ورده إِلَى المغتسل وإعادة الْغسْل عَلَيْهِ حَتَّى تَزُول رَائِحَة الحنوط عَنهُ ثمَّ يلبس مثل ثِيَابه الَّتِي كَانَ يلبسهَا فِي حَال صِحَّته وعلته ويطيب بِمثل ذَلِك الطّيب ويحول إِلَى فرَاش من فرشه الَّتِي كَانَ يجلس وينام عَلَيْهَا حَتَّى أعَالجهُ بِحَضْرَة أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُ يكلمهُ من سَاعَته
قَالَ أَحْمد قَالَ أَبُو سَلمَة فوكلني الرشيد بِالْعَمَلِ بِمَا حَده صَالح فَفعلت ذَلِك
ثمَّ صَار الرشيد وَأَنا مَعَه ومسرور وَأَبُو سليم وَصَالح إِلَى الْموضع الَّذِي فِيهِ إِبْرَاهِيم ودعا صَالح بن بهلة بكندس ومنفخة من الخزانة وَنفخ من الكندس فِي أَنفه فَمَكثَ مِقْدَار ثلث سَاعَة ثمَّ اضْطربَ بدنه وعطس وَجلسَ قُدَّام الرشيد وَقبل يَده وَسَأَلَهُ عَن قصَّته فَذكر أَنه كَانَ نَائِما نوما لَا يذكر أَنه نَام مثله قطّ طيبا إِلَّا أَنه رأى فِي مَنَامه كَلْبا قد أَهْوى إِلَيْهِ فتوقاه بِيَدِهِ فعض إِبْهَام يَده الْيُسْرَى عضة انتبه وَهُوَ يحس وجعها وَأرَاهُ إبهامه الَّتِي كَانَ صَالح أَدخل فِيهَا الإبرة
وعاش إِبْرَاهِيم بعد ذَلِك دهرا ثمَّ تزوج العباسة بنت الْمهْدي وَولي مصر وفلسطين وَتُوفِّي بِمصْر وقبره بهَا