الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَارِيخه حُكيَ عَن داؤد بن دَيْلَم وَعَن عَبدُوس المتطببين قَالَ لما غلظت عِلّة المعتضد وَكَانَت من استسقاء وَفَسَاد مزاج من علل يتنقل مِنْهَا وَخَافَ على نَفسه أحضرنا وَجَمِيع الْأَطِبَّاء فَقَالَ لنا أَلَيْسَ تَقولُونَ أَن الْعلَّة إِذا عرفت عرف دواؤها فَإِذا أعطي العليل ذَلِك الدَّوَاء صلح قُلْنَا لَهُ بلَى
قَالَ فعلتي عرفتموها ودواءها أم لم تعرفوها قُلْنَا قد عرفناها
قَالَ فَمَا بالكم تعالجوني وَلست أصلح وظننا أَنه قد عزم على الْإِيقَاع بِنَا فَسَقَطت قوانا فَقَالَ لَهُ عَبدُوس يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نَحن على مَا قُلْنَا فِي هَذَا الْبَاب إِلَّا أَن فِي الْأَمر شَيْء وَهُوَ أَنا لَا نَعْرِف مِقْدَار أَجزَاء الْعلَّة فنقابلها من الدَّوَاء بِمثل أَجْزَائِهَا وَإِنَّمَا نعمل فِي هَذَا على الحدس ونبتدئ بالأقرب فَالْأَقْرَب وَنحن نَنْظُر فِي هَذَا الْبَاب ونقابل الْعلَّة بِمَا ينجع فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ فَأمْسك عَنَّا وخلونا فتشاورنا على أَن نرميه بالعابة وَهِي التَّنور فأحميناه لَهُ ورميناه فِيهِ فعرق وخف مَا كَانَ بِهِ لدُخُول الْعلَّة إِلَى بَاطِن جِسْمه ثمَّ ارتقت إِلَى قلبه فَمَاتَ بعد أَيَّام وخلصنا مِمَّا كُنَّا أَشْرَفنَا عَلَيْهِ
وَكَانَت وَفَاة المعتضد لَيْلَة الثُّلَاثَاء لسبع بَقينَ من شهر ربيع الآخر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
ولعبدوس من الْكتب كتاب التَّذْكِرَة فِي الطِّبّ
صاعد بن بشر بن عَبدُوس
ويكنى أَبَا مَنْصُور كَانَ فِي أول أمره فاصدا فِي البيمارستان بِبَغْدَاد
ثمَّ إِنَّه بعد ذَلِك اشْتغل فِي صناعَة الطِّبّ وتميز حَتَّى صَار من الأكابر من أَهلهَا والمتعينين من أَرْبَابهَا
نقلت من خطّ الْمُخْتَار ابْن حسن بن بطلَان فِي مقَالَته فِي عِلّة نقل الْأَطِبَّاء المهرة تَدْبِير أَكثر الْأَمْرَاض الَّتِي كَانَت تعالج قَدِيما بالأدوية الحارة إِلَى التَّدْبِير الْمبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وَغَيرهَا ومخالفتهم فِي ذَلِك لمسطور القدماء قَالَ إِن أول من فطن لهَذِهِ الطَّرِيق وَنبهَ عَلَيْهَا بِبَغْدَاد وَأخذ المرضى فِي المداواة بهَا وأطرح مَا سواهَا الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور صاعد بن بشر الطَّبِيب رحمه الله فَإِنَّهُ أَخذ المرضى بالفصد والتبريد والترطيب وَمنع المرضى من الْغذَاء فانجح تَدْبيره وَتقدم فِي الزَّمَان بعد إِن كَانَ فاصدا فِي البيمارستان وانتهت الرياسة إِلَيْهِ فعول الْمُلُوك فِي تدبيرهم عَلَيْهِ
فَرفع عَن البيمارستان المعاجين الحارة والأدوية الحادة
وَنقل تَدْبِير المرضى إِلَى مَاء الشّعير ومياه البزور فأظهر فِي المداواة عجائب
من ذَلِك مَا حَكَاهُ لي بميافارقين الرئيس أَبُو يحيى ولد الْوَزير أبي الْقَاسِم المغربي قَالَ عرض للوزير بالأنبار قولنج صَعب أَقَامَ لأَجله فِي الْحمام واحتقن عدَّة حقن وَشرب عدَّة شربات فَلم ير صلاحا فأنفذنا رَسُولا إِلَى صاعد فَلَمَّا جَاءَ وَرَآهُ على تِلْكَ الْحَال وَلسَانه قد قصر من الْعَطش وَشرب المَاء الْحَار وَالسكر وجسمه يتوقد من مُلَازمَة الْحمام ومداومة المعاجين الحارة والحقن
الحادة استدعى كوز مَاء مثلوج فَأعْطَاهُ الْوَزير فتوقف عَن شربه
ثمَّ أَنه جمع بَين الشَّهْوَة وَترك الْمُخَالفَة وشربه فَقَوِيت فِي الْحَال نَفسه ثمَّ استدعى فاصدا ففصده وَأخرج لَهُ دَمًا كثير الْمِقْدَار
وسقاه مَاء البزور ولعابا وسكنجبينا وَنَقله من حجرَة الْحمام إِلَى الخيش وَقَالَ لَهُ إِن الْوَزير أدام الله عافيته سينام من بعد الفصد ويعرق وينتبه فَيقوم عدَّة مجَالِس وَقد تفضل الله بعافيته
ثمَّ تقدم بِصَرْف الخدم لينام
فَقَامَ الْوَزير إِلَى مرقده وَقد وجد خفا من بعد الفصد فَنَامَ مِقْدَار خمس سَاعَات وانتبه يَصِيح بالفراش
فَقَالَ صاعد للْفراش إِذا قَامَ من الصَّيْحَة فَقَالَ لَهُ يعاود النّوم حَتَّى لَا يَنْقَطِع الْعرق
فَلَمَّا خرج الْفراش من عِنْده قَالَ وجدت ثِيَابه كَأَنَّهَا قد صبغت بِمَاء الزَّعْفَرَان وَقد قَامَ مَجْلِسا ونام
ثمَّ لَا زَالَ الْوَزير يتَرَدَّد دفعات إِلَى آخر النَّهَار مجَالِس عدَّة وَمن بعْدهَا غذاه بمزورة وسقاه ثَلَاثَة أَيَّام مَاء الشّعير فبرأ برأَ تَاما
فَكَانَ الْوَزير أبدا يَقُول طُوبَى لمن سكن بَغْدَاد دَارا شاطئة وَكَانَ طبيبه أَبُو مَنْصُور وكاتبه أَبُو عَليّ بن موصلايا فَبَلغهُ الله أمانيه فِيمَا طلب
ونقلت أَيْضا من خطّ ابْن بطلَان أَن صاعد الطَّبِيب عالج الْأَجَل المرتضى رضي الله عنه من لسب عقرب بِأَن ضمد الْمَكَان بكافور فسكن عَنهُ الْأَلَم فِي الْحَال
ونقلت من خطّ أبي سعيد الْحسن بن أَحْمد بن عَليّ فِي كتاب ورطة الأجلاء من هفوة الْأَطِبَّاء قَالَ كَانَ الْوَزير عَليّ بن بلبل بِبَغْدَاد وَكَانَ لَهُ ابْن أُخْت فلحقته سكتة دموية وخفي حَاله على جَمِيع الْأَطِبَّاء بِبَغْدَاد وَكَانَ بَينهم صاعد بن بشر حَاضرا فَسكت حَتَّى أقرّ جَمِيع الْأَطِبَّاء بِمَوْتِهِ وَوَقع الْيَأْس من حَيَاته وَتقدم الْوَزير فِي تَجْهِيزه وَاجْتمعَ الْخلق فِي العزاء وَالنِّسَاء فِي اللَّطْم والنياح وَلم يبرح صاعد بن بشر من مجْلِس الْوَزير
فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ الْوَزير لصاعد بن بشر الطَّبِيب هَل لَك حَاجَة فَقَالَ لَهُ نعم يَا مَوْلَانَا إِن رسمت وَأمرت لي ذكرت ذَلِك
فَقَالَ لَهُ تقدم وَقل مَا يلج فِي صدرك فَقَالَ صاعد هَذِه سكتة دموية وَلَا مضرَّة فِي إرْسَال مبضع وَاحِد وَنَنْظُر فَإِن نجح كَانَ المُرَاد وَإِن تكن الْأُخْرَى فَلَا مضرَّة فِيهِ
ففرح الْوَزير وَتقدم بأبعاد النِّسَاء وأحضر مَا وَجب من التمريخ والنطول والبخور والنشوق وَاسْتعْمل مَا يجب
ثمَّ شدّ عضد الْمَرِيض وَأَقْعَدَهُ فِي حضن بعض الْحَاضِرين وَأرْسل المبضع بعد التَّعْلِيق على الْوَاجِب من حَاله فَخرج الدَّم وَوَقعت البشائر فِي الدَّار
وَلم يزل يخرج الدَّم حَتَّى تمم ثلثمِائة دِرْهَم من الدَّم فانفتحت الْعين وَلم ينْطق بعد فَشد الْيَد الْأُخْرَى ونشقه مَا وَجب تنشيقه
ثمَّ فصده ثَانِيًا وَأخرج مثلهَا من الدَّم وَأكْثر
فَتكلم ثمَّ أَسْقِي وَأطْعم مَا وَجب فبرئ من ذَلِك وَصَحَّ جِسْمه وَركب فِي الرَّابِع إِلَى الْجَامِع وَمِنْه إِلَى ديوَان الْخَلِيفَة ودعا لَهُ ونثر عَلَيْهِ من الدَّرَاهِم