الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعَه إِلَى شَيْء آخر
فَقَالَت افْعَل
فَقَالَ اشتهي أَن مهما أَسأَلك عَنهُ تخبريني بِهِ وَلَا تخفني
فَقَالَت نعم
وَأخذ مِنْهَا أَمَانًا فَقَالَت تعرفيني مَا جنسك فَقَالَت عَلَانيَة
فَقَالَ العلان فِي بِلَادهمْ نَصَارَى فعرفين أيش كَانَ أَكثر أكلك فِي بلدك فَقَالَت لحم الْبَقر
فَقَالَ يَا ستي وَمَا كنت تشربي من النَّبِيذ الَّذِي عِنْدهم فَقَالَت كَذَا كَانَ
فَقَالَ ابشري بالعافية
وَرَاح إِلَى بَيته وَاشْترى عجلا وذبحه وطبخ مِنْهُ وجاب مَعَه فِي زبدية مِنْهُ قطع لحم مسلوق وَقد جعلهَا فِي لبن وثوم وفوقها رغيف خبز فَأحْضرهُ بَين يَديهَا وَقَالَ كلي
فمالت نَفسهَا إِلَيْهِ وَصَارَت تجْعَل اللَّحْم فِي اللَّبن والثوم وتأكل حَتَّى شبعت
ثمَّ بعد ذَلِك أخرج من كمة برنية صَغِيرَة وَقَالَ يَا ستي هَذَا شراب ينفعك فتناوليه فَشَربته وَطلبت النّوم وغطيت بفرجية فرو سنجاب فعرقت عرقا كثيرا وأصبحت فِي عَافِيَة
وَصَارَ يُجيب لَهَا من ذَلِك الْغذَاء وَالشرَاب يَوْمَيْنِ آخَرين فتكاملت عَافِيَتهَا فأنعمت عَلَيْهِ وأعطته صنية مَمْلُوءَة حليا
فَقَالَ أُرِيد مَعَ هَذَا أَن تكتبي لي كتابا إِلَى السُّلْطَان وتعرفيه مَا كنت فِيهِ من الْمَرَض وَأَنَّك تعافيت على يَدي فوعدته بذلك وكتبت إِلَى السُّلْطَان تشكر مِنْهُ وَتقول لَهُ فِيهِ أَنَّهَا كَانَت قد أشرفت على الْمَوْت وَأَن فلَان عالجني وَمَا وجدت الْعَافِيَة إِلَّا على يَدَيْهِ وَجَمِيع الْأَطِبَّاء الَّذين كَانُوا عِنْدِي مَا عرفُوا مرضِي
وَطلبت مِنْهُ أَن يحسن إِلَيْهِ
فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب استدعاه واحترمه وَقَالَ لَهُ هم شاكرون من مداواتك
فَقَالَ يَا مَوْلَانَا كَانَت من الهالكين وَإِنَّمَا الله عز وجل جعل عَافِيَتهَا على يَدي لبَقيَّة أجل كَانَ لَهَا فَاسْتحْسن قَوْله وَقَالَ أيش تُرِيدُ أُعْطِيك
فَقَالَ يَا مَوْلَانَا تطلق لي عشرَة فدادين خَمْسَة فِي قَرْيَة صمع وَخَمْسَة فِي قَرْيَة عندان
فَقَالَ نطلقها لَك بيعا وَشِرَاء حَتَّى تبقى مُؤَبّدَة لَك
وَكتب لَهُ بذلك وخلع عَلَيْهِ
وَعَاد إِلَى حلب وَكَثُرت أَمْوَاله بهَا
وَلم يزل فِي نعْمَة طائلة بهَا وَأَوْلَاده بعده
عفيف بن سكرة
هُوَ عفيف بن عبد القاهر سكرة يَهُودِيّ من أهل حلب عَارِف بصناعة الطِّبّ مَشْهُور بأعمالها وجودة النّظر فِيهَا
لَهُ أَوْلَاد وَأهل أَكْثَرهم مشتغلون بصناعة الطِّبّ ومقامهم بِمَدِينَة حلب
ولعفيف بن سكرة من الْكتب مقَالَة فِي القولنج ألفها للْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَذَلِكَ فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
ابْن الصّلاح
هُوَ الشَّيْخ الْعَالم نجم الدّين أَبُو الْفتُوح أَحْمد بن مُحَمَّد بن السّري وَكَانَ يعرف بِابْن الصّلاح فَاضل فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة جيد الْمعرفَة بهَا مطلع على دقائقها وأسرارها فصيح اللِّسَان قوي الْعبارَة مليح التصنيف
متميز فِي علم صناعَة الطِّبّ وَكَانَ أعجميا أَصله من هَمدَان وقطن بِبَغْدَاد واستدعاه حسام الدّين تمرتاش بن الْغَازِي بن أرتق إِلَيْهِ وأكرمه غَايَة الْإِكْرَام وَبَقِي فِي صحبته مُدَّة
ثمَّ توجه ابْن الصّلاح إِلَى دمشق
وَلم يزل بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته رحمه الله بِدِمَشْق لَيْلَة الْأَحَد سنة نَيف وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَدفن فِي مَقَابِر الصُّوفِيَّة عِنْد نهر بانياس بِظَاهِر دمشق
ونقلت من خطّ الشَّيْخ الْحَكِيم أَمِين الدّين أبي زَكَرِيَّا يحيى بن إِسْمَاعِيل البياسي رحمه الله قَالَ كَانَ قد ورد إِلَى دمشق الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الفيلسوف أَبُو الْفتُوح بن الصّلاح من بَغْدَاد وَنزل عِنْد الشَّيْخ الْحَكِيم أبي الْفضل إِسْمَاعِيل ابْن أَبُو الْوَقار الطَّبِيب
وَأَرَادَ ابْن الصّلاح أَن يسْتَعْمل لَهُ تمشكا بغداديا وَسَأَلَ عَن صانع مجيد لعمل ذَلِك فَدلَّ على رجل يُقَال لَهُ سَعْدَان الإسكاف
فَاسْتعْمل التمشك عِنْده وَلما فرغ مِنْهُ بعد مُدَّة وجده ضيق الصَّدْر زَائِد الطول رَدِيء الصَّنْعَة فَبَقيَ فِي أَكثر أوقاته يعِيبهُ ويستقبح صَنعته وَيَلُوم الَّذِي اسْتَعْملهُ
وَبلغ ذَلِك الشَّيْخ أَبَا الحكم المغربي الطَّبِيب فَقَالَ على لِسَان الفيلسوف هَذِه القصيدة على سَبِيل المجون وَذكر فِيهَا أَشْيَاء كَثِيرَة من اصْطِلَاحَات الْمنطق والألفاظ الْحكمِيَّة والهندسية وَهِي
(مصابي مصاب تاه فِي وَصفه عَقْلِي
…
وأمري عَجِيب شَرحه يَا أَبَا الْفضل)
(أبثك مَا بِي من أسى وصبابة
…
وَمَا قد لقِيت فِي دمشق من الذل)
(قدمت إِلَيْهَا جَاهِلا بأمورها
…
على إِنَّنِي حوشيت فِي الْعلم من جهل)
(وَقد كَانَ فِي رجْلي تمشك فخانني
…
عَلَيْهِ زمَان لَيْسَ يحمد فِي فعل)
(فَقلت عَسى أَن يخلف الدَّهْر مثله
…
وهيهات أَن أَلْقَاهُ فِي الْحزن والسهل)
(ولاحقني نذل دهيت بِقُرْبِهِ
…
فَللَّه مَا قاسيت من ذَلِك النذل)
(فَقلت لَهُ يَا سعد جد لي بحاجة
…
تخور بهَا شكر امْرِئ عَالم مثلي)
(بحقي عَسى تستنخب الْيَوْم قِطْعَة
…
من الْأدم المدبوغ بالعفص والخل)
(فَقَالَ على رَأْسِي وحقك وَاجِب
…
على كل إِنْسَان يرى مَذْهَب الْعقل)
(فناولته فِي الْحَال عشْرين درهما
…
وسوفني شَهْرَيْن بِالدفع والمطل)
(فَلَمَّا قضى الرَّحْمَن لي بنجازه
…
وَقلت ترى سعد أَن انجز لي شغلي)
(أَتَى بتمشك ضيق الصَّدْر أحنف
…
بكعب غَدا حتفا على الكعب وَالرجل)
(وبشتيكه بشتيك سوء مقارب
…
أضيف إِلَى نعل شَيْبه بِهِ فسل)
(بشكل على الأذهان يعسر حلّه
…
ويعيي ذَوي الْأَلْبَاب وَالْعقد والحل)
(وَكَعب إِلَى القطب الشمالي ماثل
…
وَوجه إِلَى القطب الجنوبي مستعلي)
(وَمَا كَانَ فِي هندامه لي صِحَة
…
وَلَكِن فَسَاد شاع فِي الْفَرْع وَالْأَصْل)
(موازاة خطى جانبيه تخالفا
…
فجزء إِلَى علو وجزء إِلَى سفل)
(وَكم فِيهِ من عيب وخرز مفتق
…
يعاف وَمن قطع من الزيج والنعل)
(بوصل ضَرُورِيّ وَقد كَانَ مُمكنا
…
لعمرك أَن يَأْتِي التمشك بِلَا وصل)
(وَفِيه اختلال من قِيَاس مركب
…
فَلَا ينْتج الشرطي مِنْهُ وَلَا الحملي)
(فَلَا شكله القطاع مِمَّا يَلِيق أَن
…
أصون بِهِ رجْلي فَلَا كَانَ من شكل)
(وَلَا جنس أيساغوجه بَين وَلَا
…
يحد لَهُ نوع إِذا جِيءَ بِالْفَصْلِ)
(فَسَاد طرافى شكله عِنْد كَونه
…
فَقل أَي شَيْء عَن مقابحه يسلي)
(وَقد كَانَ فِيهِ قُوَّة لمرادنا
…
فأعوزنا مِنْهُ الْخُرُوج إِلَى الْفِعْل)
(فَلَو كَانَ معدول الْكَمَال احتملته
…
وَلَكِن سليب الْحس فِي الْجُزْء وَالْكل)
(فيا لَك فِي إِيجَاب مَا الصدْق سلبه
…
وَعدل قضايا جَاءَ من غير ذِي عدل)
(وَمَا عازني فِيهِ اختلال مقوله
…
فجوهره والكم والكيف فِي خبل)
(وَأي القضايا لم يبن فِيهِ كذبهَا
…
وَأي قِيَاس لَيْسَ فِيهِ بمعتل)
(لقد أعوز الْبُرْهَان مِنْهُ شَرَائِط
…
فإيجابه ثمَّ الضَّرُورِيّ والكلي)
(إِذا حط فِي شمس فمخروط باشه
…
لملتفت يُبْدِي انحرافا إِلَى الظل)
(وطبطب فِي رجْلي والصيف مَا انْقَضى
…
فَكيف بِهِ أَن صرت فِي الطين والوحل)
(فأذهلني حَتَّى بقيت مغيبا
…
وَلم يبْق لي سَعْدَان يَا صَاح من عقل)
(وَفِي كل ذَا قد بَان نقف دماغه
…
فأهون بشخص نَاقص الْعقل مختل)
(وأخرب بَيت مِنْهُ فِي الْخلق مَا ترى
…
سَرِيعا وَأولى بالهوان وبالأزل)
(وأوقليدس لَو عَاشَ أعيا انحلاله
…
عَلَيْهِ لِأَن الشكل مُمْتَنع الْحل)
(فَحِينَئِذٍ أَقْسَمت بِاللَّه خالقي
…
وَهود أخي عَاد وشيث وَذي الكفل)
(وَسورَة يس وطه وَمَرْيَم
…
وصاد وحم ولقمان والنمل)
(لَئِن لم أجد فِي المزلقان ملاسة
…
تؤاتي كراعي لَا جَعَلْنَاهُ فِي حل)
(وَلَا قلت شعرًا فِي دمشق وَلَا أرى
…
أعاتب اسكافا بجد وَلَا هزل)
(دهيت بِهِ خلا ينغص عيشتي
…
فَلَا بَارك الرَّحْمَن لي فِيهِ من خل)
(وَكم آلم الإسكاف قلبِي بمطله
…
ولاقيت مَا لاقاه مُوسَى من الْعجل)
(وَكَانَ أرسطاليس يدهى بمعشر
…
يرومون مِنْهُ أَن يُوَافق فِي الْهزْل)
(وبقراط قد لَاقَى أمورا كَثِيرَة
…
وَلكنه لم يلق فِي أَهله مثلي)
(وَقد كَانَ جالينوس أَن عض رجله
…
تمشك يداوي الْعقر بالمرهم النخلي)