الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَاب الثَّانِي
طَبَقَات الْأَطِبَّاء الَّذين ظَهرت لَهُم أَجزَاء من صناعَة الطِّبّ وَكَانُوا المبتدئين بهَا
أسقليبيوس
قد اتّفق كثير من قدماء الفلاسفة والمتطببين على أَن أسقليبيوس كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ أَولا هُوَ أول من ذكر من الْأَطِبَّاء وَأول من تكلم فِي شَيْء من الطِّبّ على طَرِيق التجربة
وَكَانَ يونانيا واليونان منسوبون إِلَى يونان وَهِي جَزِيرَة كَانَت الْحُكَمَاء من الرّوم ينزلونها
وَقَالَ أَبُو معشر فِي الْمقَالة الثَّانِيَة من كتاب الألوف أَن بَلْدَة من الْمغرب كَانَت تسمى فِي قديم الدَّهْر أرغس وَكَانَ أَهلهَا يسمون أرغيوا وَسميت الْمَدِينَة بعد ذَلِك أيونيا وَسموا أَهلهَا يونانيين باسم بلدهم وَكَانَ ملكهَا أحد مُلُوك الطوائف
وَيُقَال أَن أول من اجْتمع لَهُ ملك مَدِينَة أيونيا من مُلُوك اليونانيين كَانَ اسْمه أيوليوس وَكَانَ لقبه دقطاطر ملكهم ثَمَانِي عشرَة سنة وَوضع لليونانيين سننا كَثِيرَة مستعملة عِنْدهم
وَقَالَ الشَّيْخ الْجَلِيل أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بن طَاهِر بن بهْرَام السجسْتانِي المنطقي فِي تعاليقه أَن
أسقليبيوس بن زيوس قَالُوا مولده روحاني وَهُوَ إِمَام الطِّبّ وَأَبُو أَكثر الفلاسفة قَالَ وأقليدس ينْسب إِلَيْهِ وأفلاطون وأرسطوطاليس وبقراط وَأكْثر اليونانية قَالَ وبقراط كَانَ السَّادِس عشر من أَوْلَاده يَعْنِي الْبَطن السَّادِس عشر من أَوْلَاده وَقَالَ سولون أَخُو أسقليبيوس وَهُوَ أَبُو وَاضع النواميس
أَقُول وترجمة أسقليبيوس بالعربي منع اليبس وَقيل إِن أصل هَذَا الِاسْم فِي لِسَان اليونانيين مُشْتَقّ من الْبَهَاء والنور
وَكَانَ أسقليبيوس على مَا وجد فِي أَخْبَار الْجَبَابِرَة بالسُّرْيَانيَّة ذكي الطَّبْع قوي الْفَهم حَرِيصًا مُجْتَهدا فِي علم صناعَة الطِّبّ
واتفقت لَهُ اتفاقات حميدة مُعينَة على التمهر فِي هَذِه الصِّنَاعَة وانكشفت لَهُ أُمُور عَجِيبَة من أَحْوَال العلاج بإلهام من الله عز وجل
وَحكي إِنَّه وجد علم الطِّبّ فِي هيكل كَانَ لَهُم برومية يعرف بهيكل أبلن وَهُوَ للشمس وَيُقَال أَن أسقليبيوس هُوَ الَّذِي أوضع هَذَا الهيكل وَيعرف بهيكل أسقليبيوس
وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِك أَن جالينوس قَالَ فِي كِتَابه فِي فينكس إِن الله عز اسْمه لما خلصني من دبيلة قتالة كَانَت عرضت لي حججْت إِلَى بَيته الْمُسَمّى بهيكل أسقليبيوس
وَقَالَ جالينوس فِي كِتَابه حِيلَة الْبُرْء فِي صدر الْكتاب مِمَّا يجب أَن يُحَقّق الطِّبّ عِنْد الْعَامَّة مَا يرونه من الطِّبّ الإلهي فِي هيكل أسقليبيوس على مَا حَكَاهُ هروسيس صَاحب الْقَصَص بَيت كَانَ بِمَدِينَة رُومِية كَانَت فِيهِ صُورَة تكلمهم عِنْدَمَا يسألونها وَكَانَ المستنبط لَهَا فِي الْقَدِيم أسقليبيوس
وَزعم مجوس رُومِية أَن تِلْكَ الصُّورَة كَانَت مَنْصُوبَة على حركات نجومية وَإنَّهُ كَانَ فِيهَا روحانية كَوْكَب من الْكَوَاكِب السَّبْعَة
وَكَانَ دين النَّصْرَانِيَّة فِي رُومِية قبل عبَادَة النُّجُوم كَذَا حكى هروسيس
وَذكر جالينوس أَيْضا فِي مَوَاضِع كَثِيرَة أَن طب أسقليبيوس كَانَ طِبًّا إلهيا
وَقَالَ إِن قِيَاس الطِّبّ الإلهي إِلَى طبنا قِيَاس طبنا إِلَى طب الطرقات
وَذكر أَيْضا فِي حق أسقليبيوس فِي كِتَابه الَّذِي أَلفه فِي الْحَث على تعلم صناعَة الطِّبّ أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى أسقليبيوس إِنِّي إِلَى أَن أسميك ملكا أقرب مِنْك إِلَى أَن أسميك إنْسَانا
وَقَالَ أبقراط إِن الله تَعَالَى رَفعه إِلَيْهِ فِي الْهَوَاء فِي عَمُود من نور
وَقَالَ غَيره أَن أسقليبيوس كَانَ مُعظما عِنْد اليونانيين وَكَانُوا يستشفون بقبره
وَيُقَال إِنَّه كَانَ يسرج على قَبره كل لَيْلَة ألف قنديل
وَكَانَ الْمُلُوك من نَسْله تَدعِي لَهُ النُّبُوَّة
وَذكر أفلاطون فِي كِتَابه الْمَعْرُوف بالنواميس عَن أسقليبيوس أَشْيَاء عدَّة من أخباره بمغيبات وحكايات عَجِيبَة ظَهرت عَنهُ بتأييد إلهي وشاهدها النَّاس كَمَا قَالَه وَأخْبر بِهِ
وَقَالَ فِي الْمقَالة الثَّالِثَة من كتاب السياسة إِن أسقليبيوس كَانَ هُوَ وَأَوْلَاده عَالمين بالسياسة
وَكَانَ أَوْلَاده جندا فرهة وَكَانُوا عَالمين بالطب
وَقَالَ إِن أسقليبيوس كَانَ يرى أَن من كَانَ بِهِ مرض يبرأ مِنْهُ عالجه وَمن كَانَ مَرضه قَاتلا لم يطلّ حَيَاته الَّتِي لَا تَنْفَعهُ وَلَا تَنْفَع غَيره أَي يتْرك علاجه لَهُ
وَقَالَ الْأَمِير أَبُو الْوَفَاء المبشر بن فاتك فِي كتاب مُخْتَار الحكم ومحاسن الْكَلم إِن أسقليبيوس هَذَا كَانَ تلميذ هرمس وَكَانَ يُسَافر مَعَه
فَلَمَّا خرجا من بِلَاد الْهِنْد وجاءا إِلَى فَارس خَلفه بِبَابِل ليضبط الشَّرْع فيهم
قَالَ وَأما هرمس هَذَا فَهُوَ هرمس الأول وَلَفظه أرمس وَهُوَ اسْم عُطَارِد
وَيُسمى عِنْد اليونانيين أطرسمين وَعند الْعَرَب إِدْرِيس وَعند العبرانيين أَخْنُوخ وَهُوَ ابْن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شِيث بن آدم عليهم السلام
ومولده بِمصْر فِي مَدِينَة منف مِنْهَا
قَالَ وَكَانَت مدَّته على الأَرْض اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَقَالَ غَيره ثَلَاثمِائَة وخمسا وَسِتِّينَ سنة قَالَ المبشر ابْن فاتك وَكَانَ عليه السلام رجلا آدم اللَّوْن تَامّ الْقَامَة أجلح حسن الْوَجْه كث اللِّحْيَة مليح التخاطيط تَامّ الباع عريض الْمَنْكِبَيْنِ ضخم الْعِظَام قَلِيل اللَّحْم براق الْعين أكحل متأنيا فِي كَلَامه كثير الصمت سَاكن الْأَعْضَاء إِذا مَشى أَكثر نظره إِلَى الأَرْض كثير الفكرة بِهِ حِدة وعبسة يُحَرك إِذا تكلم سبابته
وَقَالَ غَيره إِن أسقليبيوس كَانَ قبل الطوفان الْكَبِير وَهُوَ تلميذ أغاثوذيمون الْمصْرِيّ وَكَانَ أغاثوذيمون أحد أَنْبيَاء اليونانيين والمصرين وَتَفْسِير أغاثوذيمون السعيد الْجد
وَكَانَ أسقليبيوس هَذَا هُوَ البادئ بصناعة الطِّبّ فِي اليونانيين علمهَا بنيه وحذر عَلَيْهِم أَن يعلموها الغرباء
وَأما أَبُو معشر الْبَلْخِي المنجم فَإِنَّهُ ذكر فِي كتاب الألوف إِن أسقليبيوس هَذَا لم يكن بالمتأله الأول فِي صناعَة الطِّبّ وَلَا بالمبتدئ بهَا بل أَنه عَن غَيره أَخذ وعَلى نهج من سبقه سلك
وَذكر أَنه كَانَ تلميذ هرمس الْمصْرِيّ
وَقَالَ إِن الهرامسة كَانُوا ثَلَاثَة
أما هرمس الأول وَهُوَ المثلث بِالنعَم فَإِنَّهُ كَانَ قبل الطوفان وَمعنى هرمس لقب كَمَا يُقَال قَيْصر وكسرى
وتسميه الْفرس فِي سَيرهَا اللهجد وَتَفْسِيره ذُو عدل
وَهُوَ الَّذِي تذكر الحرانية
نبوته وتذكر الْفرس أَن جده كيومرث وَهُوَ آدم
وَيذكر العبرانيون أَنه أَخْنُوخ وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ إِدْرِيس
قَالَ أَبُو معشر هُوَ أول من تكلم فِي الْأَشْيَاء العلوية من الحركات النجومية وَأَن جده كيومرث وَهُوَ آدم علمه سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار وَهُوَ أول من بنى الهياكل ومجد الله فِيهَا وَأول من نظر فِي الطِّبّ وَتكلم فِيهِ
وَأَنه ألف لأهل زَمَانه كتبا كَثِيرَة بأشعار موزونة وقواف مَعْلُومَة بلغَة أهل زَمَانه فِي معرفَة الْأَشْيَاء الأرضية والعلوية
وَهُوَ أول من أنذر بالطوفان وَرَأى أَن آفَة سَمَاوِيَّة تلْحق الأَرْض من المَاء وَالنَّار وَكَانَ مَسْكَنه صَعِيد مصر تخير ذَلِك فَبنى هُنَاكَ الأهرام وَمَدَائِن التُّرَاب وَخَافَ ذهَاب الْعلم بالطوفان فَبنى البرابي وَهُوَ الْجَبَل الْمَعْرُوف بالبرابر بأخميم وصور فِيهَا جَمِيع الصناعات وصناعها نقشا وصور جَمِيع آلَات الصناع وَأَشَارَ إِلَى صِفَات الْعُلُوم لمن بعده برسوم حرصا مِنْهُ على تخليد الْعُلُوم لمن بعده وخيفة أَن يذهب رسم ذَلِك من الْعَالم
وَثَبت فِي الْأَثر الْمَرْوِيّ عَن السّلف أَن إِدْرِيس أول من درس الْكتب وَنظر فِي الْعُلُوم وَأنزل الله عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ صحيفَة وَهُوَ أول من خاط الثِّيَاب ولبسها وَرَفعه الله مَكَانا عليا
وَأما هرمس الثَّانِي فَإِنَّهُ من أهل بابل سكن مَدِينَة الكلدانيين وَهِي بابل وَكَانَ بعد الطوفان فِي زمن نزيربال الَّذِي هُوَ أول من بنى مَدِينَة بابل بعد نمْرُود بن كوش
وَكَانَ بارعا فِي علم الطِّبّ والفلسفة وعارفا بطبائع الْأَعْدَاد وَكَانَ تِلْمِيذه فيثاغورس الأرتماطيقي
وهرمس هَذَا جدد من علم الطِّبّ والفلسفة وَعلم الْعدَد مَا كَانَ قد درس بالطوفان بِبَابِل ومدينة الكلدانيين هَذِه مَدِينَة الفلاسفة من أهل الْمشرق وفلاسفتهم أول من حدد الْحُدُود ورتب القوانين
وَأما هرمس الثَّالِث فَإِنَّهُ سكن مَدِينَة مصر وَكَانَ بعد الطوفان وَهُوَ صَاحب كتاب الْحَيَوَانَات ذَوَات السمُوم وَكَانَ طَبِيبا فيلسوفا وعالما بطبائع الْأَدْوِيَة القتالة والحيوانات المؤذية وَكَانَ جوالا فِي الْبِلَاد طَوافا بهَا عَالما بنصبة الْمَدَائِن وطبائعها وطبائع أَهلهَا
وَله كَلَام حسن فِي صناعَة الكيمياء نَفِيس يتَعَلَّق مِنْهُ إِلَى صناعات كَثِيرَة كالزجاج والخرز والغضار وَمَا أشبه ذَلِك
وَكَانَ لَهُ