الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقُرْآنِ عَنْ صِيغَتِهِ بِإِدْخَالِ حَرَكَاتٍ فِيهِ أَوْ إخْرَاجِ حَرَكَاتٍ عَنْهُ أَوْ قَصْرِ مَمْدُودٍ أَوْ مَدِّ مَقْصُورٍ يَفْسُقُ بِهِ الْقَارِئُ وَيَأْثَمُ بِهِ الْمُسْتَمِعُ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ إلَى الِاعْوِجَاجِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28] . اهـ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ إلَّا بِمَا تَوَاتَرَ نَقْلُهُ وَاسْتَفَاضَ وَتَلَقَّتْهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ كَالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِي ذَلِكَ الْيَقِينُ وَالْقَطْعُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذَلِكَ فَمَمْنُوعٌ مِنْهُ مَنْعَ تَحْرِيمٍ لَا مَنْعَ كَرَاهَةٍ وَمَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَمَمْنُوعٌ مِنْهُ مَنْ عَرَفَ الْمَصَادِرَ وَالْمَبَانِيَ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ الْقِيَامُ بِوَاجِبِهِ. اهـ.
[مَنْ قَالَ لَا أَحَدَ مِنْ آبَاءِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ آبَاءِ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ كَافِرًا]
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لَا أَحَدَ مِنْ آبَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ آبَاءِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ كَافِرًا، وَأَنْكَرَ أَنْ يُقَالَ أَنَّ وَالِدَ إبْرَاهِيمَ كَانَ كَافِرًا وَذَكَرَ أَنَّ آزَرَ كَانَ عَمَّهُ وَمَا كَانَ أَبَاهُ هَلْ هُوَ مُصِيبٌ أَوْ مُخْطِئٌ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْقَائِلَ الْمَذْكُورَ مُخْطِئٌ فِي قَوْلِهِ مُتَّبِعٌ فِيهِ رَأْيَ الشِّيعَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَلِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَغَيْرُهُمْ أَمَّا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فَلِقَوْلِهِ
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 74] وَقَوْلِهِ {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] وَقَوْلِهِ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم: 41]{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42]، وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ الْمَذْكُورُ: إنَّ آزَرَ كَانَ عَمَّ إبْرَاهِيمَ وَمَا كَانَ أَبَاهُ فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى مَجَازِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ وَقَدْ اتَّفَقَتْ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ أَبَا إبْرَاهِيمَ كَانَ كَافِرًا.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي اسْمِهِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْمُ أَبِي إبْرَاهِيمَ آزَرُ وَهُوَ تَارَحُ مِثْلُ إسْرَائِيلَ وَيَعْقُوبَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اسْمَهُ آزَرُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ اسْمَهُ تَارَحُ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ إنَّ أَبَا إبْرَاهِيمَ اسْمُهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ تَارَحُ وَبِغَيْرِهَا آزَرُ وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ: آزَرُ لَقَبٌ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ فِي كِتَابِ الْعَرَائِسِ إنَّ اسْمَ أَبِي إبْرَاهِيمَ الَّذِي سَمَّاهُ أَبُوهُ تَارَحُ فَلَمَّا صَارَ مَعَ النُّمْرُودِ قَيِّمًا عَلَى خَزَائِنِهِ الْبَهِيَّةِ سَمَّاهُ آزَرَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَغَيْرُهُمَا: آزَرُ اسْمٌ لِلصَّنَمِ. وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْوَارِدَةُ بِكُفْرِ أَبِي إبْرَاهِيمَ كَثِيرَةٌ، وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «حَقُّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ إلَّا بِمَا سَمَّى إبْرَاهِيمُ بِهِ أَبَاهُ حَيْثُ قَالَ يَا أَبَتِ وَلَا يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ» وَقَالَ السُّدِّيُّ دَخَلَ آزَرُ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَوَاقَعَهَا فَحَمَلَتْ بِإِبْرَاهِيمَ وَقَالَ أَيْضًا خَرَجَ نُمْرُودُ بِالرِّجَالِ إلَى الْعَسْكَرِ وَنَحَّاهُمْ عَنْ النِّسَاءِ تَخَوُّفًا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْلُودِ فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ طَرَأَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَأْتَمِنْ عَلَيْهَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ إلَّا آزَرَ فَبَعَثَ إلَيْهِ وَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ إنَّ لِي حَاجَةً أَخْتَارُ أَنْ أُوصِيَك بِهَا وَلَا أَبْعَثُك فِيهَا إلَّا لِثِقَتِي بِك فَأَقْسَمْت عَلَيْك أَنْ لَا تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِك فَقَالَ آزَرُ أَنَا أَشَحُّ عَلَى دِينِي مِنْ ذَلِكَ فَأَوْصَاهُ بِحَاجَتِهِ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ ثُمَّ قَضَى حَاجَتَهُ وَقَالَ لَوْ دَخَلْت عَلَى أَهْلِي فَنَظَرْت إلَيْهِمْ فَدَخَلَ فَلَمَّا نَظَرَ إلَى أُمِّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَتَمَالَكْ نَفْسَهُ حَتَّى وَاقَعَهَا فَحَمَلَتْ بِإِبْرَاهِيمَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: إنَّ آزَرَ سَأَلَ زَوْجَتَهُ عَنْ حَمْلِهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا مَا فَعَلَ فَقَالَتْ وَلَدْت غُلَامًا فَمَاتَ فَصَدَّقَهَا وَسَكَتَ عَنْهَا، وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ وَالِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا بَلْ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ بَعْثَتِهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ قَبْلَ وِلَادَتِهِ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَوَيْهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَآمَنَا بِهِ أَوْ لَا
فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ، وَأَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لَهُ بِإِسْنَادَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «حَجَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَمَرَّ بِي عَلَى عَقَبَةِ الْحَجُونِ وَهُوَ بَاكٍ حَزِينٌ مُغْتَمٌّ فَبَكَيْت لِبُكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ إنَّهُ طَعَنَ فَنَزَلَ فَقَالَ يَا حُمَيْرَاءُ اسْتَمْسِكِي فَاسْتَنَدْت إلَى جَنْبِ الْبَعِيرِ فَمَكَثَ عَنِّي طَوِيلًا مَلِيًّا ثُمَّ إنَّهُ عَادَ إلَيَّ وَهُوَ فَرِحٌ مُبْتَسِمٌ فَقُلْت لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزَلْت مِنْ عِنْدِي، وَأَنْتَ بَاكٍ حَزِينٌ مُغْتَمٌّ فَبَكَيْت لِبُكَائِك يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ إنَّك عُدْت إلَيَّ، وَأَنْتَ فَرِحٌ تَبْتَسِمُ فَعَمَّ ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ذَهَبْتُ لِقَبْرِ أُمِّي آمِنَةَ فَسَأَلْت اللَّهَ رَبِّي أَنْ يُحْيِيَهَا فَأَحْيَاهَا فَآمَنَتْ بِي أَوْ قَالَ فَآمَنَتْ وَرَدَّهَا اللَّهُ عز وجل» وَقَدْ ذَكَرَ نَسَبَهُ قَالَ مَجْهُولٌ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَا لَهُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَآمَنَا بِهِ وَهَذَا نَاسِخٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي فَقَالَ فِي النَّارِ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ قَالَ إنَّ أَبِي، وَأَبَاك فِي النَّارِ» .
وَحَدِيثِ مَسْلَمَةَ بْنِ بُرَيْدٍ الْجُعْفِيِّ وَفِيهِ فَلَمَّا رَأَى مَا دَخَلَ عَلَيَّ قَالَ وَأُمِّي مَعَ أُمِّك وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْحَدِيثَ فِي إيمَانِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ مَوْضُوعٌ يَرُدُّهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ قَالَ تَعَالَى
{وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 18] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217] فَمَنْ مَاتَ كَافِرًا لَمْ يَنْفَعْهُ الْإِيمَانُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ بَلْ لَوْ آمَنَ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ لَمْ يَنْفَعْهُ فَكَيْفَ بَعْدَ الْإِعَادَةِ وَفِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ أَبَوَايَ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119] » وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْخَطَّابِ مُحَمَّدُ بْنُ دِحْيَةَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ فَضَائِلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخَصَائِصَهُ لَمْ تَزَلْ تَتَوَالَى وَتَتَتَابَعُ إلَى حِينِ مَمَاتِهِ فَيَكُونُ هَذَا مِمَّا فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَكْرَمَهُ بِهِ وَلَيْسَ إحْيَاؤُهُمَا، وَإِيمَانُهُمَا بِهِ يَمْتَنِعُ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا فَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ إحْيَاءُ قَتِيلِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَإِخْبَارُهُ بِقَاتِلِهِ وَكَانَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام يُحْيِي الْمَوْتَى وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمَوْتَى فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ إيمَانِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا زِيَادَةً فِي كَرَامَتِهِ وَفَضِيلَتِهِ مَعَ مَا وَرَدَ مِنْ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ خُصُوصًا فِيمَنْ مَاتَ كَافِرًا وَقَوْلُهُ فَمَنْ مَاتَ كَافِرًا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مَرْدُودٌ لِمَا رُوِيَ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَدَّ الشَّمْسَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَغِيبِهَا ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثُ ثَابِتٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُ
الشَّمْسِ نَافِعًا، وَأَنَّهُ لَا يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْوَقْتِ لَمَا رَدَّهَا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ إحْيَاءُ أَبَوَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَافِعًا لِإِيمَانِهِمَا وَتَصْدِيقِهِمَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَبِلَ اللَّهُ تَعَالَى إيمَانَ قَوْمِ يُونُسَ وَتَوْبَتَهُمْ مَعَ تَلَبُّسِهِمْ بِالْعَذَابِ فِيمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ إيمَانِهِمْ وَكَوْنِهِمَا فِي الْعَذَابِ. اهـ.
وَقَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ نَاصِرٍ الدِّمَشْقِيُّ:
حَبَا اللَّهُ النَّبِيَّ مَزِيدَ فَضْلٍ
…
عَلَى فَضْلٍ وَكَانَ بِهِ رَءُوفًا
فَأَحْيَا أُمَّهُ وَكَذَا أَبَاهُ
…
لِإِيمَانٍ بِهِ فَضْلًا لَطِيفًا
فَسَلِّمْ فَالْقَدِيمُ بِذَا قَدِيرٌ
، وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ بِهِ ضَعِيفًا وَحِينَئِذٍ فَقَدْ صَارُوا مِنْ السُّعَدَاءِ الْفَائِزِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وقَوْله تَعَالَى {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] وَمِنْ رِضَاهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَبَوَيْهِ النَّارَ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا يُدْخِلَ النَّارَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَأَعْطَانِي ذَلِكَ» أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ مُحِبُّ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ ذَخَائِرِ الْعُقْبَى وَلِهَذَا لَمَّا سُئِلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ إنَّ أَبَا النَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ أَبَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ فَهُوَ مَلْعُونٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [الأحزاب: 57] قَالَ وَلَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنْ أَبِيهِ إنَّهُ فِي النَّارِ فَإِنْ قِيلَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِهِمَا لَمْ يَكُونَا كَافِرَيْنِ أَنَّهُمَا مَاتَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَا تَعْذِيبَ قَبْلَهَا لِقَوْلِهِ {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وَقَدْ أَطْبَقَتْ أَئِمَّةُ الْأَشْعَرِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ يَمُوتُ نَاجِيًا، وَأَنَّهُ لَا يُقَاتَلُ حَتَّى يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ؟
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا تَمَسُّكَ لِهَذَا الْقَائِلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ مَعْنَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] يُبَيِّنُ الْحُجَجَ وَيُمَهِّدُ الشَّرَائِعَ فَمَدْلُولُهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِبَعْثِهِ أَحَدًا مِنْ رُسُلِهِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ الزَّمَنُ زَمَنَ الْفَتْرَةِ فَالزَّمَنُ الَّذِي بَيْنَ بَعْثَةِ عِيسَى وَبَعْثَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم لَيْسَ زَمَنَ فَتْرَةٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُتَعَبِّدِينَ بِشَرِيعَةِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم حَتَّى نُسِخَتْ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم، وَأَبُوهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ حَالَ تَعَبُّدِهِمْ بِشَرِيعَةِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم وَلِهَذَا قَالَ أَئِمَّتُنَا
مَنْ دَخَلَ آبَاؤُهُ فِي دِينِ الْيَهُودِيَّةِ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم لَمْ يُقِرَّ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِدِينٍ بَاطِلٍ وَسَقَطَتْ فَضِيلَةٌ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتَابِ الْإِصَابَةِ: وَبَحِيرَاءُ الرَّاهِبُ الَّذِي بَشَّرَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا أَدْرِي أَدْرَكَ الْبَعْثَةَ أَمْ لَا وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابَيْهِمَا فِي الصَّحَابَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ مَاتَ عَلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ قَبْلَ نَسْخِهِ بِالْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: 218] {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا فُرِضَ قِيَامُ اللَّيْلِ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بُيُوتِ الصَّحَابَةِ لِيَنْظُرَ مَاذَا يَصْنَعُونَ لِشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ مِنْ الطَّاعَاتِ فَوَجَدَهَا كَبُيُوتِ الزَّنَانِيرِ لِكَثْرَةِ مَا سُمِعَ مِنْ قِرَاءَتِهِمْ وَتَسْبِيحِهِمْ وَتَهْلِيلِهِمْ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] طَوَافُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّاجِدِينَ أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بِالْجَمَاعَةِ فَتَقَلُّبُهُ فِي السَّاجِدِينَ كَوْنُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَمُخْتَلِطًا بِهِمْ حَالَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى حَالُك عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كُلَّمَا قُمْت وَتَقَلَّبْت فِي السَّاجِدِينَ أَيْ مَعَهُمْ فِي الِاشْتِغَالِ بِأُمُورِ الدِّينِ أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ تَقَلُّبُ بَصَرِهِ فِيمَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَتِمُّوا
الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» .
وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ مُحَيْصِنٍ قَوْله تَعَالَى {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] بِفَتْحِ الْفَاءِ فَمَعْنَاهُ مِنْ أَشْرَفِكُمْ، وَأَفْضَلِكُمْ، وَأَعَزِّكُمْ نَسَبًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي سُؤَالِ هِرَقْلَ لِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ «كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ قَالَ هِرَقْلُ وَكَذَلِكَ تُبْعَثُ الرُّسُلُ فِي نَسَبٍ مِنْ قَوْمِهَا» . وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَمْ أَزَلِ أُنْقَلُ مِنْ أَصْلَابِ الطَّاهِرِينَ إلَى أَرْحَامِ الطَّاهِرَاتِ» فَمَعْنَاهُ لَمْ يَقَعْ فِي نَسَبِهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ سِفَاحًا فَقَدْ قَالَ الْكَلْبِيُّ كَتَبْت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَمْسَمِائَةِ أُمٍّ فَمَا وَجَدْت فِيهِ سِفَاحًا وَلَا شَيْئًا مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آزَرَ كَانَ عَمَّهُ لَا أَبَاهُ؛ لِأَنَّهُ قُرِئَ آزَرُ بِضَمِّ الرَّاءِ عَلَى النِّدَاءِ وَبَدْءُ الْأَبِ بِالِاسْمِ الْأَصْلِيِّ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ وَقَدْ حَكَى تَعَالَى عَنْ إبْرَاهِيمَ الْحِلْمَ فَقَالَ {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75] وَكَيْفَ يَلِيقُ بِالرَّجُلِ الْحَلِيمِ مِثْلُ هَذَا الْجَفَاءِ لِأَبِيهِ وَقَالَ تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] وَقَالَ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] .
وَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى إلَى فِرْعَوْنَ أَمَرَهُ
بِالرِّفْقِ مَعَهُ فَقَالَ {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} [طه: 44] وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ رِعَايَةً لِحَقِّ تَرْبِيَتِهِ إيَّاهُ فَالْأَبُ أَوْلَى بِالرِّفْقِ فَالْجَوَابُ أَنَّ أَبَاهُ لَمَّا كَانَ مُصِرًّا عَلَى كُفْرِهِ اسْتَحَقَّ التَّغْلِيظَ، وَأَنْ يُخَاطَبَ بِالْغِلْظَةِ زَجْرًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ الْقَبِيحِ وَقَدْ قَالَ فُقَهَاؤُنَا: يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ قَتْلُ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَلَا يُكْرَهُ لَهُ قَتْلُهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَيَنْبَغِي لِذَلِكَ الْقَائِلِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ الْمُوَافِقِ لِأَهْلِ الْبِدْعَةِ إلَى اعْتِقَادِ الْحَقِّ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» .
وَلَا شَكَّ أَنَّ الشِّيعَةَ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» وَعَنْ أَبِي سُرَيْجٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا بَلَى قَالَ إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ