الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّحْلِيلُ إلَّا مِنْ جِهَةِ اضْطِرَارِهِ إلَى تَنَاوُلِهِ أَوْ إكْرَاهِهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَمَا كَانَ حَلَالًا بِسَبَبِهِ لَا يَأْتِيهِ التَّحْرِيمُ إلَّا مِنْ جِهَةٍ وَصِفَةٍ. مِثَالُ الْأَوَّلِ أَكْلُهُ بُرًّا مَغْصُوبًا أَوْ شَاةً مَغْصُوبَةً أَوْ بُرًّا مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَنَصِيبُ شَرِيكِهِ أَتَاهُ التَّحْرِيمُ مِنْ جِهَةِ سَبَبِهِ. وَمِثَالُ الثَّانِي تَنَاوُلُهُ كَثِيرَ الَّذِي يَنْفَعُ قَلِيلُهُ وَيَضُرُّ كَثِيرُهُ كَالسَّقَمُونْيَا وَالْأَفْيُونِ.
[السِّحْرِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِاجْتِنَابِهِ تَعَلُّمُهُ]
(سُئِلَ) عَنْ السِّحْرِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِاجْتِنَابِهِ تَعَلُّمُهُ؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَ مَا لَا يُعْرَفُ مُحَالٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ تَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ الْعُلُومِ كَالسِّيمِيَاءِ وَالشَّعْبَذَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ تَعْلِيمَ السِّحْرِ وَتَعَلُّمَهُ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة: 102] بَلْ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ كُفْرٌ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّهُ حِكَايَةُ حَالٍ تَصْدُقُ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا تَضَمَّنَتْ الْكُفْرَ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَا هُنَّ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» فَعَدَّهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْكَبَائِرِ وَثَنَّاهُ بِالشِّرْكِ، وَأَمَرَنَا بِاجْتِنَابِهِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يُقَالُ بِوُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الْمُعْجِزَةِ مُعْجِزَةً وَاجِبٌ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ؟
وَجَوَابُهُ أَنَّ السِّحْرَ أَوْ نَحْوَهُ إنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِعْجَازِ الَّذِي هُوَ كَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَلْتَبِسُ السِّحْرُ بِالْمُعْجِزَةِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ بَلَغَ السِّحْرُ حَدَّ الْإِعْجَازِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِدُونِ دَعْوَى التَّحَدِّي فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا الْتِبَاسَ أَوْ يَكُونَ مَعَهُ
فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ أَنْ لَا يَخْلُقَ اللَّهُ عَلَى يَدِهِ أَوْ أَنْ يَقْدِرَ غَيْرُهُ عَلَى مُعَارَضَتِهِ، وَإِلَّا كَانَ تَصْدِيقًا لِلْكَاذِبِ، وَأَنَّهُ يُحَالُ عَلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى لِكَوْنِهِ كَذِبًا، وَأَنَّ السِّحْرَ يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ السَّاحِرِ وَمِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ يَكُونُ جَمَاعَةٌ يَعْرِفُونَهُ وَيُمْكِنُهُمْ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَالْمُعْجِزَةُ لَا يُمَكِّنُ اللَّهُ أَحَدًا أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا وَيُعَارِضَهَا. وَاجْتِنَابُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَلُّمِهِ بَلْ عَلَى تَصَوُّرِهِ بِوَجْهٍ مَا فَإِنْ تَصَوَّرَهُ بِرَسْمِهِ كَانَ آثِمًا؛ لِأَنَّهُ بِهِ وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ إجْمَالًا حَتَّى أَنَّ كُلَّ جُزْئِيَّةٍ تَرِدُ عَلَيْهِ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْهُ. وَقَدْ رَسَمَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عِلْمٌ بِكَيْفِيَّةِ اسْتِعْدَادَاتٍ تَقْتَدِرُ بِهَا النُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ عَلَى ظُهُورِ التَّأْثِيرِ فِي عَالَمِ العناص، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ كَلَامٌ مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ كُلُّ أَمْرٍ يَخْفَى سَبَبُهُ وَيُتَخَيَّلُ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَةٍ وَيَجْرِي مَجْرَى التَّمْوِيهِ وَالتَّخْيِيلِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مَا يُسْتَعَانُ فِي تَحْصِيلِهِ بِالتَّقَرُّبِ إلَى الشَّيْطَانِ مِمَّا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْإِنْسَانُ
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي اجْتِنَابِهِ مَا ذَكَرْته مَا قَالَهُ أَئِمَّتُنَا مِنْ أَنَّ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ عِلْمَ دَاءِ الْقُلُوبِ الْمُفْسِدَ لَهَا لِيَحْتَرِزَ عَنْهَا وَهِيَ عِلْمُ أَمْرَاضِهَا الَّتِي تُخْرِجُهَا مِنْ الصِّحَّةِ وَتَحْصُلُ عِنْدَهَا كَالْعُجْبِ وَهُوَ اسْتِعْظَامُ الْآدَمِيِّ نَفْسَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَالرُّكُونُ إلَيْهَا مَعَ نِسْيَانِ إضَافَتِهَا لِلْمُنْعِمِ، وَالْكِبْرُ وَهُوَ أَنْ يَتَعَدَّى الشَّخْصُ طَوْرَهُ وَقَدْرَهُ وَهُوَ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ، وَأَفْعَالٌ تَصْدُرُ مِنْ الْجَوَارِحِ وَالْحَسَدِ وَهُوَ كَرَاهَتُك نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَى غَيْرِك وَهُوَ تَمَنِّيك زَوَالَهَا عَنْهُ هَذَا إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَطْهِيرُ قَلْبِهِ مِنْهَا بِغَيْرِ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَأَنْ رُزِقَ قَلْبًا سَلِيمًا مِنْهَا كَفَاهُ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَمْيِيزِ السِّحْرِ عَمَّا فِيهِ شِبْهُهُ مِنْ الْعُلُومِ كالسيميا وَالشَّعْبَذَةِ لِمُشَارَكَتِهَا إيَّاهُ فِي وُجُوبِ اجْتِنَابِهَا لِتَحْرِيمِهَا عَلَى أَنَّ