المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة ص (38) : آية 11] - التحرير والتنوير - جـ ٢٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 55 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 60 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 77 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 83]

- ‌37- سُورَةُ الصَّافَّاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 22 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 27 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 40 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 50 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 58 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 62 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 75 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 83 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 88 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 103 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 112 الى 113]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 114 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 117 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 123 إِلَى 132]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 133 إِلَى 136]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 137 إِلَى 138]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 139 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 147 إِلَى 148]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 150]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 151 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 153 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 161 إِلَى 163]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 167 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 171 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 176 إِلَى 177]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 178 إِلَى 179]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 180 إِلَى 182]

- ‌38- سُورَةُ ص

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 17 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 21 الى 25]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 31 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 45 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 49 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 67 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 79 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 86 إِلَى 88]

- ‌39- سُورَةُ الزُّمَرِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

الفصل: ‌[سورة ص (38) : آية 11]

وَالِاسْتِفْهَامُ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ أَمْ الْمُنْقَطِعَةِ تَهَكُّمِيٌّ وَلَيْسَ إِنْكَارِيًا لِأَنَّ تَفْرِيعَ أَمْرِ التَّعْجِيزِ عَلَيْهِ يُعَيِّنُ أَنَّهُ تَهَكُّمِيٌّ. فَالْمَعْنَى: إِنْ كَانَ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَكَانَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَصَّعَّدُوا إِنِ اسْتَطَاعُوا فِي أَسْبَابِ السَّمَاوَاتِ لِيُخْبَرُوا حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ فَيَتَكَلَّمُوا عَنْ عِلْمٍ فِي كُنْهِ الْإِلَهِ وَصِفَاتِهِ وَفِي إِمْكَانِ الْبَعْثِ وَعَدَمِهِ وَفِي صدق الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَوْ ضِدِّهِ وَلِيَفْتَحُوا خَزَائِنَ الرَّحْمَةِ فَيُفِيضُوا مِنْهَا عَلَى مَنْ يُعْجِبُهُمْ وَيَحْرِمُوا مَنْ لَا يَرْمُقُونَهُ بِعَيْنِ اسْتِحْسَانٍ.

وَالْأَمْرُ فِي فَلْيَرْتَقُوا لِلتَّعْجِيزِ مِثْلَ قَوْلِهِ: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ [الْحَج: 15] .

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَسْبابِ لِعَهْدِ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ لِكُلِّ مَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ أَسْبَابًا يُصْعَدُ بِهَا إِلَيْهِ كَقَوْلِ زُهَيْرٍ:

وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ

وَإِنْ يَرْقَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ

وَقَوْلِ الْأَعْشَى:

فَلَوْ كُنْتَ فِي حِبِّ ثَمَانِينَ قَامَةً

وَرُقِّيتَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ

وَالسَّبَبُ: الْحَبْلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الصَّاعِدُ إِلَى النَّخْلَةِ لِلْجِذَاذِ، فَإِنْ جُعِلَ مِنْ حَبْلَيْنِ

وَوُصِلَ بَيْنَ الْحَبْلَيْنِ بِحِبَالٍ مُعْتَرِضَةٍ مَشْدُودَةٍ أَوْ بِأَعْوَادٍ بَيْنَ الْحَبْلَيْنِ مَضْفُورٍ عَلَيْهَا جَنْبَتَا الْحَبْلَيْنِ فَهُوَ السُّلَّمُ. وَحَرْفُ الظَّرْفِيَّةِ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ الْأَسْبَابِ حَتَّى كَأَنَّهَا ظُرُوفٌ مُحِيطَة بالمرتقين.

[11]

[سُورَة ص (38) : آيَة 11]

جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (11)

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا يَتَّصِلُ بِقَوْلِهِ: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ [ص: 3] الْآيَةَ أُرِيدَ بِهِ وَصْلُ الْكَلَامِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ قَوْلَهُ: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ [ص: 2] وَتَلَاهُ قَوْلُهُ: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ الْآيَةَ. فَلَمَّا تَقَضَّى الْكَلَامُ عَلَى تَفْصِيلِ مَا لِلَّذِينِ كَفَرُوا مِنْ عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ وَمَا لِذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ ثُنِيَ الْعِنَانُ إِلَى

ص: 217

تَفْصِيلِ مَا أُهْلِكَ مِنَ الْقُرُونِ أَمْثَالِهِمْ مِنْ قَبْلِهِمْ فِي الْكُفْرِ لِيُفْضِيَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ [ص: 12] إِلَى قَوْلِهِ: فَحَقَّ عِقابِ [ص: 14] .

فَتَكُونُ جُمْلَةُ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا مُسْتَقِلًّا خَارِجًا مَخْرَجَ الْبشَارَة للنبيء صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ هَؤُلَاءِ جُنْدٌ مِنَ الْأَحْزَابِ مَهْزُومٌ، أَيْ مُقَدَّرٌ انْهِزَامُهُ فِي الْقَرِيبِ، وَهَذِهِ الْبِشَارَةُ مُعْجِزَةٌ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْغَيْبِ خَتَمَ بِهَا وَصْفَ أَحْوَالِهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: وَعَدَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَهْزِمُهُمْ وَهُمْ بِمَكَّةَ فَجَاءَ تَأْوِيلُهَا يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ الْفَخْرُ: إِشَارَةٌ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِشَارَةٌ إِلَى نَصْرِ يَوْمِ الْخَنْدَقِ.

وَعَادَةُ الْأَخْبَارِ الْجَارِيَةِ مَجْرَى الْبِشَارَةِ أَوِ النِّذَارَةِ بِأَمْرٍ مَغِيبٍ أَنْ تَكُونَ مَرْمُوزَةً، وَالرَّمْزُ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ هُوَ اسْمُ الْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ: هُنالِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَصْلُحُ لِأَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِدُونِ تَأَوُّلٍ فَلْنَجْعَلْهُ إِشَارَةً إِلَى مَكَانٍ أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نبيئه صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَكَانُ بَدْرٍ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْأَحْزابِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِشَارَةً خَفِيَّةً إِلَى انْهِزَامِ الْأَحْزَابِ أَيْامَ الْخَنْدَقِ فَإِنَّهَا عُرِفَتْ بِغَزْوَةِ الْأَحْزَابِ. وَسَمَّاهُمُ اللَّهُ الْأَحْزابِ فِي السُّورَةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهِمْ، فَتَكُونُ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ إِلْهَامًا كَمَا أَلْهَمَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ فَسَمَّوْا حجّة النبيء صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بَيْنَهُمْ سَلِيمُ الْمِزَاجِ، وَهَذَا فِي عِدَادِ الْمُعْجِزَاتِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي جَمَعْنَا طَائِفَةً مِنْهَا فِي كِتَابٍ خَاصٍّ. وَلَعَلَّ اخْتِيَارَ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْبَعِيدِ رَمْزٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الِانْهِزَامَ سَيَكُونُ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ غَيْرِ مَكَّةَ فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ مُشِيرَةً إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَتْحَ لَمْ يَقَعْ فِيهِ عَذَابٌ لِلْمُكَذِّبِينَ بَلْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانُوا الطُّلَقَاءَ.

وَهَذِهِ الْإِشَارَةُ قَدْ علمهَا النبيء صلى الله عليه وسلم وَهِيَ مِنَ الْأَسْرَارِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ حَتَّى كَانَ الْمُسْتَقْبِلَ تَأْوِيلَهَا كَمَا عَلِمَ يَعْقُوبُ سِرَّ رُؤْيَا ابْنِهِ يُوسُفَ، فَقَالَ لَهُ: لَا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ [يُوسُف: 5] . وَلَمْ يَعْلَمْ يُوسُفُ تَأْوِيلَهَا إِلَّا يَوْمَ قَالَ: يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا [يُوسُف: 100] يُشِيرُ إِلَى سُجُودِ أَبَوَيْهِ لَهُ.

ص: 218

وَأَمَّا ظَاهِرُ الْآيَةِ الَّذِي تَلَقَّاهُ النَّاسُ يَوْمَ نُزُولِهَا فَهُوَ أَنَّ الْجُنْدَ هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّ التَّنْوِينَ فِيهِ لِلنَّوْعِيَّةِ، أَيْ مَا هُمْ إِلَّا جُنْدٌ مِنَ الْجُنُودِ الَّذِينَ كَذَّبُوا فَأُهْلِكُوا، وَأَنَّ الْإِشَارَةَ بِ هُنالِكَ إِلَى مَكَانٍ اعْتِبَارِيٍّ وَهُوَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الرِّفْعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْعُرْفِيَّةِ وَأَنَّ الِانْهِزَامَ مُسْتَعَارٌ لِإِضْعَافِ شَوْكَتِهِمْ، وَعَلَى التفسيرين الظَّاهِر والمؤول لَا تَعْدُو الْآيَةُ أَنْ تَكُونَ تَسْلِيَة للرسول صلى الله عليه وسلم وَتَثْبِيتًا لَهُ وَبِشَارَةً بِأَنَّ دِينَهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ.

وَالْجُنْدُ: الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ قَالَ تَعَالَى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ [البروج: 17، 18] .

وَمَا حَرْفٌ زَائِدٌ يُؤَكِّدُ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ فَهِيَ تَوْكِيدٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ جُنْدٌ بِمَعْنَاهُ، وَتَنْكِيرُهُ لِلتَّعْظِيمِ، أَيْ جُنْدٌ عَظِيمٌ، لِأَنَّ التَّنْوِينَ وَإِنْ دَلَّ عَلَى التَّعْظِيمِ فَلَيْسَ نَصًّا فَصَارَ بِالتَّوْكِيدِ نَصًّا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [26] ، فَإِنْ كَانَتِ الْآيَةُ مُشِيرَةً إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ فَتَعْظِيمُ جُنْدٌ لِأَنَّ رِجَالَهُ عُظَمَاءُ قُرَيْشٍ مِثْلَ أَبِي جَهْلٍ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُشِيرَةً إِلَى يَوْمِ الْأَحْزَابِ فَتَعْظِيمُ جُنْدٌ لِكَثْرَةِ رِجَالِهِ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ.

وَوَصْفُ جُنْدٌ بِ مَهْزُومٌ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، أَيْ سَيُهْزَمُ، وَاسْمُ الْمَفْعُولِ كَاسْمِ الْفَاعِلِ مَجَازٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَالْقَرِينَةُ حَالِيَّةٌ وَهُوَ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ مَا هُوَ لِلْحَالِ فِي مَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ فَكَأَنَّهُ مِنَ الْقُرْبِ بِحَيْثُ هُوَ كَالْوَاقِعِ فِي الْحَالِ.

والْأَحْزابِ: الَّذِينَ عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ يَتَحَزَّبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ.

ومِنَ لِلتَّبْعِيضِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجُنْدَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمَمِ وَهُوَ تَعْرِيضٌ لَهُمْ بِالْوَعِيدِ بِأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ، قَالَ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ [غَافِر:

30، 31] .

ص: 219