المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الصافات (37) : الآيات 27 إلى 32] - التحرير والتنوير - جـ ٢٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 55 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 60 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 77 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 83]

- ‌37- سُورَةُ الصَّافَّاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 22 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 27 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 40 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 50 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 58 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 62 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 75 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 83 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 88 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 103 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 112 الى 113]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 114 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 117 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 123 إِلَى 132]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 133 إِلَى 136]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 137 إِلَى 138]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 139 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 147 إِلَى 148]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 150]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 151 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 153 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 161 إِلَى 163]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 167 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 171 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 176 إِلَى 177]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 178 إِلَى 179]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 180 إِلَى 182]

- ‌38- سُورَةُ ص

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 17 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 21 الى 25]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 31 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 45 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 49 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 67 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 79 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 86 إِلَى 88]

- ‌39- سُورَةُ الزُّمَرِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

الفصل: ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 27 إلى 32]

وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ لَازِمُهُ وَهُوَ التَّعْجِيبُ، وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ اخْتُصَّ بِكُمْ، فَ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ مُبْتَدَأٌ ولَكُمْ خَبَرٌ عَنْهُ.

وَجُمْلَةُ لَا تَناصَرُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ لَكُمْ وَهِيَ مَنَاطُ الِاسْتِفْهَامِ، أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ تَسْتَوْجِبُ التَّعَجُّبَ مِنْ عَدَمِ تَنَاصُرِكُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَا تَناصَرُونَ بِتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ. وَقَرَأَهُ الْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ عَلَى إِدْغَامِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى.

وَالْإِضْرَابُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ بَلْ إضراب لإبطال إِمْكَان التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَهَّمُهُ السَّمْعُ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْإِضْرَابُ تَأْكِيدًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ التَّعْجِيزِ.

وَالِاسْتِسْلَامُ: الْإِسْلَامُ الْقَوِيُّ، أَيْ إِسْلَامُ النَّفْسِ وَتَرْكُ الْمُدَافَعَةِ فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي أَسْلَمَ.

وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِإِظْهَارِ النِّكَايَةِ بِهِمْ، أَيْ زَالَ عَنْهُمْ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ تَنَاصُرٍ وَتَطَاوُلٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْيَوْمِ، أَيْ فِي الدُّنْيَا إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ [الْقَمَر: 44] وَقَدْ قَالَهَا أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، أَيْ نَحْنُ جَمَاعَةٌ لَا تُغْلَبُ فَكَانَ لِذِكْرِ الْيَوْمِ وَقْعٌ بَدِيعٌ فِي هَذَا الْمقَام.

[27- 32]

[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 27 إِلَى 32]

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (27) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (28) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (31)

فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (32)

عَطْفٌ على مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات: 26] أَيِ اسْتَسْلَمُوا وَعَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِاللَّائِمَةِ وَالْمُتَسَائِلُونَ: الْمُتَقَاوِلُونَ وَهُمْ زُعَمَاءُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَدَهْمَاؤُهُمْ كَمَا تُبَيِّنُهُ حِكَايَةُ تَحَاوُرِهِمْ مِنْ قَوْلِهِ: وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ وَقَوْلِهِ: فَأَغْوَيْناكُمْ إِلَخْ.

ص: 103

وَعَبَّرَ عَنْ إِقْبَالِهِمْ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ وَهُوَ مِمَّا سَيَقَعُ فِي الْقِيَامَةِ، تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ لِأَنَّ لِذَلِكَ مَزِيدَ تَأْثِيرٍ فِي تَحْذِيرِ زُعَمَائِهِمْ مِنَ التَّغْرِيرِ بِهِمْ، وَتَحْذِيرِ دهمائهم من الاغترار بِتَغْرِيرِهِمْ، مَعَ أَنَّ قَرِينَةَ الِاسْتِقْبَالِ ظَاهِرَةٌ مِنَ السِّيَاقِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ [الصافات:

19] الْآيَةَ.

وَالْإِقْبَالُ: الْمَجِيءُ مِنْ جِهَةٍ قِبَلَ الشَّيْءِ، أَيْ مِنْ جِهَةِ وَجْهِهِ وَهُوَ مَجِيءُ الْمُتَجَاهِرِ بِمَجِيئِهِ غَيْرِ الْمُتَخَتِّلِ الْخَائِفِ. وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلْقَصْدِ بِالْكَلَامِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ كَأَنَّهُ جَاءَهُ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ.

فَحَاصِلُ الْمَعْنَى حِكَايَةُ عِتَابٍ وَلَوْمٍ تَوَجَّهَ بِهِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا عَلَى قَادَتِهِمْ وَزُعَمَائِهِمْ، وَدَلَالَةُ التَّرْكِيبِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ أُطْلِقُ عَلَى الدَّعَايَةِ وَالْخَطَابَةِ فِيهِمْ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ يَتَضَمَّنُ الْقَصْدَ دُونَ إِرَادَةِ مَجِيءٍ، كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

أتَاكَ امْرِؤٌ مُسْتَبْطِنٌ لِي بِغَضَّةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِعْمَالُهُ وَاسْتِعْمَالُ مُرَادِفِهِ وَهُوَ الْمَجِيءُ مَعًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [63، 64] . أَوْ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مُرَادًا بِهِ جِهَةَ الْخَيْرِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُضِيفُ الْخَيْرَ إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ. وَقَدِ اشْتُقَّتْ مِنَ الْيُمْنِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ، وَهِيَ مُؤْذِنَةٌ بِالْفَوْزِ بِالْمَطْلُوبِ عِنْدَهُمْ. وَعَلَى ذَلِكَ جَرَتْ عَقَائِدُهُمْ فِي زَجْرِ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ مِنَ التَّيَمُّنِ بِالسَّانِحِ، وَهُوَ الْوَارِدُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِ السَّائِرِ، وَالتَّشَاؤُمِ، أَيْ تَرَقُّبِ وُرُودِ الشَّرِّ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ.

وَكَانَ حَقُّ فِعْلِ تَأْتُونَنا أَنْ يُعَدَّى إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ بِحَرْفِ «مِنْ» فَلَمَّا عُدِّيَ بِحَرْفِ عَنِ الَّذِي هُوَ للمجاوزة تَعَيَّنَ تَضْمِينُ تَأْتُونَنا مَعْنَى «تَصُدُّونَنَا» لِيُلَائِمَ مَعْنَى الْمُجَاوَزَةِ،

أَيْ تَأْتُونَنَا صَادِّينَنَا عَنِ الْيَمِينِ، أَيْ عَنِ الْخَيْرِ. فَهَذَا وَجْهُ تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَقَدِ اضْطَرَبَ كَثِيرٌ فِي تَفْسِيرِهَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ مَا خُلَاصَتُهُ: اضْطَرَبَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ: عَنِ الْيَمِينِ فَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ بِطَرِيقِ الْجَنَّةِ وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي هِيَ تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى وَلَا تَخْتَصُّ بِنَفْسِ اللَّفْظَةِ، وَبَعْضُهُمْ أَيْضًا نَحَا فِي تَفْسِيرِهِ إِلَى مَا يَخُصُّ اللَّفْظَةَ فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ مَعَانٍ مِنْهَا: أَنْ يُرِيدَ بِالْيَمِينِ الْقُوَّةَ وَالشِّدَّةَ (قُلْتُ وَهُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْفَرَّاءِ)

ص: 104

فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تُغْرُونَنَا بِقُوَّةٍ مِنْكُمْ، وَمِنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَحْتَمِلُهَا الْآيَةُ أَنْ يُرِيدُوا: تَأْتُونَنَا مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي يُحْسِنُهَا تَمْوِيهُكُمْ وَإِغْوَاؤُكُمْ وَتُظْهِرُونَ فِيهَا أَنَّهَا جِهَةُ الرُّشْدِ (وَهُوَ عَنِ الزَّجَّاجِ وَالْجُبَّائِيِّ) وَمِمَّا تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ أَنْ يُرِيدُوا:

إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا، أَيْ تَقْطَعُونَ بِنَا عَنْ أَخْبَارِ الْخَيْرِ وَالْيُمْنِ، فَعَبَّرُوا عَنْهَا بِالْيَمِينِ، وَمِنَ الْمَعَانِي أَنْ يُرِيدُوا: أَنَّكُمْ تَجِيئُونَ مِنْ جِهَةِ الشَّهَوَاتِ وَعَدَمِ النَّظَرِ لِأَنَّ جِهَةَ يَمِينِ الْإِنْسَانِ فِيهَا كَبِدُهُ وَجِهَةَ شَمَالِهِ فِيهَا قَلْبُهُ وَأَنَّ نَظَرَ الْإِنْسَانِ فِي قَلْبِهِ وَقِيلَ: تحلفون لنا ا. هـ.

وَجَوَابُ الزُّعَمَاءِ بِقَوْلِهِمْ: بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِضْرَابُ إِبْطَالٍ لِزَعْمِ الْأَتْبَاعِ أَنَّهُمُ الَّذِينَ صَدُّوهُمْ عَنْ طَرِيقِ الْخَيْرِ أَيْ بَلْ هُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَقْبَلُ الْإِيمَانَ لِأَنَّ تَسْلِيطَ النَّفْيِ عَلَى فِعْلِ الْكَوْنِ دُونَ أَنْ يُقَالَ: بَلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ، أَيْ بَلْ كُنْتُمْ أَنْتُمُ الْآبِينَ قَبُولَ الْإِيمَانِ. وَمَا كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أَيْ مِنْ قَهْرٍ وَغَلَبَةٍ حَتَّى نُكْرِهَكُمْ عَلَى رَفْضِ الْإِيمَانِ، وَلِذَلِكَ أَكَّدُوا هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِمْ: بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ، أَيْ كَانَ الطُّغْيَانُ وَهُوَ التَّكَبُّرُ عَنْ قَبُولِ دَعْوَةِ رَجُلٍ مِنْكُمْ شَأْنَكُمْ وَسَجِيَّتَكُمْ، فَلِذَلِكَ أَقْحَمُوا لَفْظَ قَوْماً بَيْنَ «كَانَ» وَخَبَرِهَا لِأَنَّ اسْتِحْضَارَهُمْ بِعُنْوَانِ الْقَوْمِيَّةِ فِي الطُّغْيَانِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الطُّغْيَانَ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [164] .

وَفَرَّعُوا عَلَى كَلَامِهِمُ اعْتِرَافَهَمْ بِأَنَّهُمْ جَمِيعًا اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ فَقَوْلُهُمْ: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ، تَفْرِيعُ الِاعْتِرَاضِ، أَيْ كَانَ أَمْرُ رَبِّنَا بِإِذَاقَتِنَا عَذَابَ جَهَنَّمَ حَقًّا.

وَفِعْلُ «حَقَّ» بِمَعْنَى ثَبَتَ.

وَجُمْلَةُ إِنَّا لَذائِقُونَ بَيَانٌ لِ قَوْلُ رَبِّنا. وَحُكِيَ الْقَوْلُ بِالْمَعْنَى عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ وَلَوْلَا الِالْتِفَاتُ لَقَالَ: إِنَّكُمْ لَذَائِقُونَ أَوْ إِنَّهُمْ لَذَائِقُونَ. وَنُكْتَةُ الِالْتِفَاتِ زِيَادَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْمَعْنِيِّ بِذَوْقِ الْعَذَابِ.

وَحُذِفَ مَفْعُولُ «ذَائِقُونَ» لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاهْدُوهُمْ إِلى

صِراطِ الْجَحِيمِ

[الصافات: 23] .

ص: 105