المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الزمر (39) : آية 21] - التحرير والتنوير - جـ ٢٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 55 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 60 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 77 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 83]

- ‌37- سُورَةُ الصَّافَّاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 22 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 27 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 40 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 50 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 58 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 62 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 75 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 83 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 88 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 103 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 112 الى 113]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 114 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 117 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 123 إِلَى 132]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 133 إِلَى 136]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 137 إِلَى 138]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 139 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 147 إِلَى 148]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 150]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 151 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 153 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 161 إِلَى 163]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 167 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 171 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 176 إِلَى 177]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 178 إِلَى 179]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 180 إِلَى 182]

- ‌38- سُورَةُ ص

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 17 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 21 الى 25]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 31 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 45 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 49 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 67 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 79 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 86 إِلَى 88]

- ‌39- سُورَةُ الزُّمَرِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

الفصل: ‌[سورة الزمر (39) : آية 21]

[سُورَة الزمر (39) : آيَة 21]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (21)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ انْتُقِلَ بِهِ إِلَى غَرَضِ التَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ وَمَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِنْ هُدَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْغَرَضُ الَّذِي ابْتُدِئَتْ بِهِ السُّورَةُ وَانْثَنَى الْكَلَامُ مِنْهُ إِلَى الِاسْتِطْرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ [الزمر: 2] إِلَى هُنَا، فَهَذَا تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ إِلَى قَوْلِهِ: ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ [الزمر: 22، 23] فَمُثِّلَتْ حَالَةُ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ وَاهْتِدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَالْوَعْدِ بِنَمَاءِ ذَلِكَ الِاهْتِدَاءِ، بِحَالَةِ إِنْزَالِ الْمَطَرِ وَنَبَاتِ الزَّرْعِ بِهِ وَاكْتِمَالِهِ. وَهَذَا التَّمْثِيلُ قَابِلٌ لِتَجْزِئَةِ أَجْزَائِهِ عَلَى أَجْزَاءِ الْحَالَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا:

فَإِنْزَالُ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ تَشْبِيهٌ لِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ لِإِحْيَاءِ الْقُلُوبِ، وَإِسْلَاكُ الْمَاءِ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ تَشْبِيهٌ لِتَبْلِيغِ الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ، وَإِخْرَاجُ الزَّرْعِ الْمُخْتَلِفِ الْأَلْوَانِ تَشْبِيهٌ لِحَالِ اخْتِلَافِ النَّاسِ مِنْ طَيِّبٍ وَغَيْرِهِ، وَنَافِعٍ وَضَارٍّ، وَهِيَاجُ الزَّرْعِ تَشْبِيهٌ لِتَكَاثُرِ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً فَهُوَ إِدْمَاجٌ لِلتَّذْكِيرِ بِحَالَةِ الْمَمَاتِ وَاسْتِوَاءِ النَّاسِ فِيهَا مِنْ نَافِعٍ وَضَارٍّ. وَفِي تَعْقِيبِ هَذَا بِقَوْلِهِ: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ إِلَى قَوْلِهِ:

وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [الزمر: 22، 23] إِشَارَةٌ إِلَى الْعِبْرَةِ مِنْ هَذَا التَّمْثِيلِ.

وَقَرِيبٌ مِنْ تَمْثِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا

فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعلم كَمثل الْغَيْث الْكثير أصَاب أَرضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ

فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسقوا وزرعوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ الله ونفعه مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ»

. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَصَالَةً وَإِدْمَاجًا عَلَى عَكْسِ مَا بَيَّنَّا، فَيَكُونُ عُودًا إِلَى

ص: 376

الِاسْتِدْلَالِ عَلَى تَفَرُّدِ الله تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ بِدَلِيلٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الَّتِي يُشَاهِدُهَا النَّاسُ مُشَاهَدَةً مُتَكَرِّرَةً، فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً إِلَى قَوْله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (1) مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها [الزمر: 6] الْمُتَّصِلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ [الزمر: 5] ، وَيَكُونُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ تَمْثِيلِ حَالِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَانْتِفَاعِ الْمُؤْمِنِينَ إِدْمَاجًا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ أُدْمِجَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ إِيمَاءً إِلَى إِمْكَانِ إِحْيَاءِ النَّاسِ حَيَاةً ثَانِيَةً.

وَالْكَلَامُ اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ، وَالْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِطَابِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُخَاطَبًا مُعَيَّنًا. وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةُ.

وَقَوْلُهُ: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فِي سُورَة الْأَنْعَام [99] .

وفَسَلَكَهُ أَدْخَلَهُ، أَيْ جَعَلَهُ سَالِكًا، أَيْ دَاخِلًا، فَفِعْلُ سَلَكَ هُنَا مُتَعَدٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا فِي سُورَةِ طه [53] ، وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ أَنَّ فِعْلَ سَلَكَ يَكُونُ قَاصِرًا وَمُتَعَدِّيًا، وَهَذَا الْإِدْخَالُ دَلِيلٌ ثَانٍ.

ويَنابِيعَ جَمْعُ يَنْبُوعٍ وَهُوَ الْعَيْنُ مِنَ الْمَاءِ، تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [90] . وَانْتَصَبَ يَنابِيعَ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ مَاءً. وَتَصْيِيرُ الْمَاءِ الدَّاخِلِ فِي الْأَرْضِ يَنَابِيعَ دَلِيلٌ ثَالِثٌ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ.

وَعَطَفَ بِ ثُمَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً لِإِفَادَةِ التَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ بِحَرْفِ ثُمَّ كَشَأْنِهَا فِي عَطْفِ الْجُمَلِ لِأَنَّ إِخْرَاجَ الزَّرْعِ مِنَ الْأَرْضِ بَعْدَ إِقْحَالِهَا أَوْقَعُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِأَبْصَارِهِمْ وَأَنْفَعُ لِعَيْشِهِمْ وَإِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَطَرِ. وَهَذَا الْإِخْرَاجُ دَلِيلٌ رَابِعٌ.

وَالْأَلْوَانُ: جَمْعُ لَوْنٍ، وَاللَّوْنُ: كَيْفِيَّةٌ لَائِحَةٌ عَلَى ظَاهِرِ الْجِسْمِ فِي الضَّوْءِ، وَتَقَدَّمَ فِي

سُورَةِ فَاطِرٍ

(1) فِي المطبوعة إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ.

ص: 377

وَاخْتِلَافُ أَلْوَانِ الزَّرْعِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الزَّرْعِ لَوْنًا وَلِنَوْرِهَا أَلْوَانًا وَلِكُلِّ صِنْفٍ مِنَ الزَّرْعِ أَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي أَطْوَارِ نَبَاتِهِ وَبُلُوغِهِ أَشُدَّهُ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَعَ اتِّحَادِ الْأَرْضِ الَّتِي تَنْبُتُ فِيهَا وَاتِّحَادِ الْمَاءِ الَّذِي نَبَتَ بِهِ آيَةٌ خَامِسَةٌ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ.

وَمَعْنَى يَهِيجُ يُغْلُظُ وَيَرْتَفِعُ. وَحَقِيقَةُ الْهِيَاجِ: ثَوْرَةُ الْإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ، وَيُسْتَعَارُ الْهِيَاجُ لِشِدَّةِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ يُقَالُ: هَاجَتْ رِيحٌ، وَمِنْهُ هِيَاجُ الزَّرْعِ فِي الْآيَةِ لِأَنَّ الزَّرْعَ تَطُولُ سُوقُهُ وَسَنَابِلُهُ فَيَتِمُّ جَفَافُهُ فَإِذَا تَحَرَّكَ بِمُرُورِ الرِّيحِ عَلَيْهِ صَارَ لَهُ حَفِيفٌ وَخَشْخَشَةٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَبُّ وَالْكَلَأُ وَهَذَا الطَّوْرُ آيَةٌ سَادِسَةٌ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ.

وَالْحُطَامُ: الْمَحْطُومُ، أَيِ الْمَكْسُورُ الْمَفْتُوتُ، وَوَزْنُ فُعَالٍ (بِضَمِّ الْفَاءِ) يَدُلُّ عَلَى الْمَفْعُولِ كَالْفُتَاتِ وَالدُقَاقِ، وَمُثُلُهُ الْفُعَالَةُ كَالصُبَابَةِ وَالْقُلَامَةِ وَالْقُمَامَةِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَبْلُغُ مِنَ الْيَبْسِ إِلَى حَدِّ أَنْ يَتَحَطَّمَ وَيَتَكَسَّرَ بِحَكِّ بَعْضِهِ بَعْضًا وَتَسَاقُطِهِ وَكَسْرِ الرِّيحِ إِيَّاهُ. وَهَذَا الطَّوْرُ آيَةٌ سَابِعَةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ. وَجَمِيعُهَا آيَاتٌ عَلَى دِقَّةِ صُنْعِهِ وَكَيْفَ أَوْدَعَ الْأَطْوَارَ الْكَثِيرَةَ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا مِنْ طَوْرِ وُجُودِهِ إِلَى طَوْرِ اضْمِحْلَالِهِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ مُبَيِّنَةٌ لِلِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ وَفَذْلَكَةٌ لِلْأَطْوَارِ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهَا، فَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى الْمَذْكُورِ مِنَ الْإِنْزَالِ إِلَى أَخِرِ الْأَطْوَارِ.

وَالْمُرَادُ: ذِكْرَى بِالدَّلَالَةِ عَلَى مَا يَغْفُلُ عَنْهُ الْعَاقِلُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الذِّكْرَى لِمَا يَذْهَلُ عَنْهُ الْعَاقِلُ مِمَّا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَحْوَالُ مِنْ مَبْدَئِهَا إِلَى مُنْتَهَاهَا. فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا تَصْلُحُ مِثَالًا لِتَقْرِيبِ الْبَعْثِ فَإِنَّ إِنْزَالَ الْمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْبَاتَهَا بِسَبَبِهِ أَمْرٌ يَتَجَدَّدُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَا عَلَيْهَا مِنَ النَّبَاتِ حُطَامًا، وَتَخَلَّلَتْ زَرَارِيعُهُ الْأَرْضَ فَنَبَتَتْ مَرَّةً أُخْرَى بِنُزُولِ الْمَاءِ، فَكَذَلِكَ يُعُودُ الْإِنْسَانُ بَعْدَ فَنَائِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً [نوح: 17، 18] فَتَتَضَمَّنُ الْآيَةُ إِدْمَاجَ تَقْرِيبِ الْبَعْثِ وَإِمْكَانِهِ مَعَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّصَرُّفِ، وَمِنْ

ص: 378