الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأُولُو الْأَلْبابِ: أَهْلُ الْعُقُولِ وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَتَذَكَّرُوا بِالْقُرْآنِ لَيْسُوا مَنْ أَهَّلِ الْعُقُولِ، وَأَنَّ التَّذَكُّرَ مِنْ شَأْنِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، فَهُمْ مِمَّنْ تَدَبَّرُوا آيَاتِهِ فَاسْتَنْبَطُوا مِنَ الْمَعَانِي مَا لَمْ يَعْلَمُوا، وَمَنْ قَرَأَهُ فَتَذَكَّرَ بِهِ مَا كَانَ عَلِمَهُ وَتَذَكَّرَ بِهِ حَقًّا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَاهُ، وَالْكَافِرُونَ أَعْرَضُوا عَنِ التَّدَبُّرِ فَلَا جَرَمَ فاتهم التَّذَكُّر.
[30]
[سُورَة ص (38) : آيَة 30]
وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
جُعِلَ التَّخَلُّصُ إِلَى مَنَاقِبِ سُلَيْمَانَ عليه السلام مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مِنْ مِنَنِ اللَّهِ عَلَى دَاوُدَ عليه السلام، فَكَانَتْ قِصَّةُ سُلَيْمَانَ كَالتَّكْمِلَةِ لِقِصَّةِ دَاوُدَ. وَلَمْ يَكُنْ لِحَالِ سُلَيْمَانَ عليه السلام شَبَهٌ بِحَال مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فَلِذَلِكَ جَزَمْنَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرُ قِصَّتِهِ هُنَا مِثَالًا لحَال مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَبِأَنَّهَا إِتْمَامٌ لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى دَاوُدَ إِذْ أَعْطَاهُ سُلَيْمَانَ ابْنًا بَهْجَةً لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَوِرْثِ مُلْكِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ الْآيَةَ.
وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ لَمْ تُفْتَتَحْ قِصَّةُ سُلَيْمَانَ بِعِبَارَةِ: وَاذْكُرْ، كَمَا افْتُتِحَتْ قِصَّةُ دَاوُدَ ثُمَّ قِصَّةُ أَيْوبَ، وَالْقَصَصُ بَعْدَهَا مُفَصَّلُهَا وَمُجْمَلُهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ مَوَاضِعِ أُسْوَةٍ وَعِبْرَةٍ وَتَحْذِيرٍ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ مِنِ افْتِرَاضِ الْإِرْشَادِ.
وَمِنْ حُسْنِ الْمُنَاسِبَةِ لِذِكْرِ مَوْهِبَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ وُلِدَ لِدَاوُدَ مِنَ الْمَرْأَةِ الَّتِي عُوتِبَ دَاوُدُ لِأَجْلِ اسْتِنْزَالِ زَوْجِهَا أُورَيَا عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَكَانَتْ مَوْهِبَةُ سُلَيْمَانَ لِدَاوُدَ مِنْهَا مَكْرَمَةً عَظِيمَةً هِيَ أَثَرُ مَغْفِرَةِ اللَّهِ لِدَاوُدَ تِلْكَ الْمُخَالَفَةَ الَّتِي يَقْتَضِي قَدَرُهُ تَجَنُّبَهَا وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً وَتَحَقُّقُهُ لِتَعْقِيبِ الْأَخْبَارِ عَنِ الْمَغْفِرَةِ لَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص: 40] فَقَدْ رضي الله عنه فَوَهَبَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الزَّوْجَةِ نَبِيئًا وَمَلِكًا عَظِيمًا.
فَجُمْلَةُ وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ [ص: 18] وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْجُمَلِ. وَجُمْلَةُ نِعْمَ الْعَبْدُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ سُلَيْمانَ وَهِيَ ثَنَاءٌ عَلَيْهِ وَمَدْحٌ لَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَنِ اسْتَحَقُّوا عُنْوَانَ الْعَبْدِ لِلَّهِ، وَهُوَ الْعُنْوَانُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّقْرِيبُ بِالْقَرِينَةِ