الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَيْحَةُ الْقِتَالِ وَهِيَ أَنْ يَصِيحَ النَّذِيرُ: يَا صَبَاحَاهُ كَمَا صَاحَ الصَّارِخُ بِمَكَّةَ حِينَ تَعَرَّضَ الْمُسْلِمُونَ لِعِيرِ قُرَيْشٍ بِبَدْرٍ. وَوَصْفُهَا بِ واحِدَةً إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّاعِقَةَ عَظِيمَةٌ مُهْلِكَةٌ، أَوْ أَنَّ النَّفْخَةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَفِي خَفِيِّ الْمَعْنَى إِيمَاءً إِلَى أَنَّ الْقَوْمَ يَبْتَدِرُونَ إِلَى السِّلَاحِ وَيَخْرُجُونَ مُسْرِعِينَ لِإِنْقَاذِ غَيْرِهِمْ فَكَانَتِ الْوَقْعَةُ الْعَظِيمَةُ وَقْعَةَ يَوْمِ بَدْرٍ أَوْ صَيْحَةَ الْمُبَارِزِينَ لِلْقِتَالِ يَوْمَئِذٍ.
وَأُسْنِدَ الِانْتِظَارُ إِلَيْهِمْ فِي حِينِ أَنَّهُمْ غَافِلُونَ عَنْ ذَلِكَ ومكذبون بِظَاهِرِهِ إِسْنَاد مجازي عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُ بِهِمْ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ الْمَوْعُودُونَ بِالنَّصْرِ، أَوْ يَنْتَظِرُ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِحَشْرِهِمْ عِنْدَ النَّفْخَةِ، فَلَمَّا كَانُوا مُتَعَلَّقَ الِانْتِظَارِ أُسْنِدَ فِعْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ لِمُلَابَسَةِ الْمَفْعُولِيَّةِ عَلَى نَحْوِ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الحاقة: 21] .
وَالْفَوَاقُ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا: اسْمٌ لِمَا بَيْنَ حَلْبَتَيْ حَالِبِ النَّاقَةِ وَرَضْعَتَيْ فَصِيلِهَا، فَإِنَّ الْحَالِبَ يَحْلِبُ النَّاقَةَ ثُمَّ يَتْرُكُهَا سَاعَةً لِيَرْضَعَهَا فَصِيلُهَا لِيَدِرَّ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَحْلِبُونَهَا، فَالْمُدَّةُ الَّتِي بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ تُسَمَّى فَوَاقًا. وَهِيَ سَاعَةٌ قَلِيلَةٌ وَهُمْ قَبْلَ ابْتِدَاءِ الْحَلْبِ يَتْرُكُونَ الْفَصِيلَ يَرْضَعُهَا لِتَدِرَّ بِاللَّبَنِ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ وَالضَّمَّ فِيهِ سَوَاءٌ، وَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءُ إِلَى أَنَّ بَيْنَ الْمَفْتُوحِ وَالْمَضْمُومِ فَرْقًا فَقَالَا: الْمَفْتُوحُ بِمَعْنَى الرَّاحَةِ مِثْلَ الْجَوَابِ مِنَ الْإِجَابَةِ، وَالْمَضْمُومُ اسْمٌ لِلْمُدَّةِ. وَاللَّبَنُ الْمُجْتَمِعُ فِي تِلْكَ الْحِصَّةِ يُسَمَّى:
الْفَيْقَةَ بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَجَمْعُهَا أَفَاوِيقُ.
وَمَعْنَى مَا لَها مِنْ فَواقٍ لَيْسَ بَعْدَهَا إِمْهَالٌ بِقَدْرِ الْفَوَاقِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً [يس: 49، 50] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَواقٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِضَم الْفَاء.
[16]
[سُورَة ص (38) : آيَة 16]
وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16)
حِكَايَةُ حَالَةِ اسْتِخْفَافِهِمْ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَتَكْذِيبِهِمْ ذَلِكَ، وَتَكْذِيبِهِمْ بِوَعِيدِ
الْقُرْآنِ إِيَّاهُمْ فَلَمَّا هَدَّدَهُمُ الْقُرْآنُ بِعَذَابِ اللَّهِ قَالُوا: رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا نَصِيبَنَا مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ إِظْهَارًا لِعَدَمِ اكْتِرَاثِهِمْ بِالْوَعِيدِ وَتَكْذِيبِهِ، لِئَلَّا يَظُنَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ اسْتِخْفَافَهُمْ بِالْوَعِيدِ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ فَأَبَانُوا لَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يصدّقون النبيء صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ وَعِيدٍ حَتَّى الْوَعِيدِ بِعَذَابِ الدُّنْيَا الَّذِي يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ فِي تَصَرُّفِ اللَّهِ. فَالْقَوْلُ هَذَا قَالُوهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ وَحُكِيَ عَنْهُمْ هُنَا إِظْهَارًا لِرِقَاعَتِهِمْ وَتَصَلُّبِهِمْ فِي الْكُفْرِ.
وَهَذَا الْأَصْلُ الثَّالِثُ مِنْ أُصُولِ كُفْرِهِمُ الْمُتَقَدَّمِ ذِكْرُهَا وَهُوَ إِنْكَارُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى وَقالَ الْكافِرُونَ هَذَا ساحِرٌ كَذَّابٌ [ص: 4] فَذَكَرَ قَوْلَهُمْ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً [ص: 5]، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُمْ: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا [ص: 8] وَمَا عَقَبَهُ مِنْ عَوَاقِبِ مِثْلِ ذَلِكَ الْقَوْلِ، أَفْضَى الْقَوْلُ إِلَى أَصْلِهِمُ الثَّالِثِ. قِيلَ: قَائِلُ ذَلِكَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقِيلَ: أَبُو جَهْلٍ وَالْقَوْمُ حَاضِرُونَ رَاضُونَ فَأُسْنِدَ الْقَوْلُ إِلَى الْجَمِيعِ.
وَالْقِطُّ: هُوَ الْقِسْطُ مِنَ الشَّيْءِ، وَيُطْلَقُ عَلَى قِطْعَةٍ مِنَ الْوَرَقِ أَوِ الرَّقِّ أَوِ الثَّوْبِ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا الْعَطَاءُ لِأَحَدٍ وَلِذَلِكَ يُفَسَّرُ بِالصَّكِّ، وَقَدْ قَالَ الْمُتَلَمِّسُ فِي صَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ الَّتِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا إِلَى عَامِلِهِ بِالْبَحْرَيْنِ يُوهِمُهُ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالْعَطَاءِ وَإِنَّمَا هِيَ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ وَعَرَفَ الْمُتَلَمِّسُ مَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ فَأَلْقَاهَا فِي النَّهْرِ وَقَالَ فِي صَحِيفَتِهِ الْمَضْرُوبِ بِهَا الْمَثَلُ:
وَأَلْقَيْتُهَا بِالثِّنْيِ مِنْ جَنْبِ كَافِرٍ
…
كَذَلِكَ يَلْقَى كُلُّ قِطٍّ مُضَلَّلِ
فَالْقِطُّ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُكْتَبُ فِيهِ عَطَاءٌ أَوْ عِقَابٌ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ وَرَقَةُ الْعَطَاءِ، قَالَ الْأَعْشَى:
وَلَا الْمَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمًا لَقِيتُهُ
…
بِأُمَّتِهِ يُعْطِي الْقُطُوطَ وَيَأْفِقُ
وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا عَنَوْا عَجِّلْ لَنَا النَّعِيمَ الَّذِي وَعَدْتَنَا بِهِ عَلَى الْإِيمَانِ حَتَّى نَرَاهُ الْآنَ فَنُوقِنَ.
وَعَلَى تَسْلِيمِ اخْتِصَاصِ الْقِطِّ بِصَكِّ الْعَطَاءِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قَصْدِهِمْ