الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سُورَة الصافات (37) : آيَة 159]
سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)
اتُّبِعَتْ حِكَايَةُ قَوْلِهِمُ الْبَاطِلِ وَالْوَعِيدِ عَلَيْهِ بِاعْتِرَاضٍ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى يَتَضَمَّنُ إِنْشَاءَ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ، فَهُوَ إِنْشَاءٌ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَنْزِيهِهِ، وَتَلْقِينٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَقْتَدُوا بِاللَّهِ فِي ذَلِكَ التَّنْزِيهِ، وَتَعْجِيبٌ مِنْ فَظِيعِ مَا نسبوه إِلَيْهِ.
[160]
[سُورَة الصافات (37) : آيَة 160]
إِلَاّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)
اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 159] وَجُمْلَةِ فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ [الصافات: 161] الْآيَةَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، قِيلَ نَشأ عَن قَوْلهم: إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصافات: 158] وَالْمَعْنَى لَكِنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ لَا يُحْضَرُونَ، وَقِيلَ نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ: عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 159] أَيْ لَكِنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخَلَصِينَ لَا يَصِفُونَهُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ مِنْ ضمير وَجَعَلُوا [الصافات: 158] أَيْ لَكِنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ لَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ. وَهُوَ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ الثَّانِي، فَالْمُرَادُ بِالْعِبَادِ الْمُخْلَصِينَ الْمُؤْمِنُونَ.
وَالْوَجْهُ عِنْدِي: أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 159] فَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِهِ لِأَنَّ «مَا يَصِفُونَ» أَفَادَ أَنَّهُمْ يَصِفُونَ اللَّهَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ [الصافات: 149] . وَالْمَعْنَى: لَكِنَّ الْمَلَائِكَةَ عِبَادُ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، فَالْمُرَادُ مِنْ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ الْمَلَائِكَةُ فَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الْأَنْبِيَاء: 26] .
[161- 163]
[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 161 إِلَى 163]
فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (162) إِلَاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163)
عُقِّبَ قَوْلُهُمْ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ بِهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْجِنِّ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي سَوَّلَهَا لَهُمُ الشَّيْطَانُ وَحَرَّضَهُمْ عَلَيْهَا الْكُهَّانُ خَدَمَةُ الْجِنِّ
فَعُقِّبَ ذَلِكَ بِتَأْيِيسِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ إِدْخَالِ الْفِتْنَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي إِيمَانِهِمْ بِمَا يُحَاوِلُونَ مِنْهُمْ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الشِّرْكِ، أَوْ هِيَ فَاءٌ فَصِيحَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ مُنَزَّهُونَ عَنْ مِثْلِ قَوْلِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَفْتِنُونَ إِلَّا من هُوَ صالي الْجَحِيمِ.
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ دَاخِلًا فِي حَيِّزِ الِاسْتِفْتَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ [الصافات: 149] الْآيَةَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات: 158] الْآيَةَ. وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَما تَعْبُدُونَ وَاوُ الْعَطْفِ أَوْ وَاوُ الْمَعِيَّةِ وَمَا بَعْدَهَا مَفْعُولٌ مَعَهُ وَالْخَبَرُ هُوَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ. وَضَمِيرُ أَنْتُمْ خِطَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِثْلُ ضَمِيرِ «إِنَّكُمْ» .
وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ مُصْطَحَبِينَ بِالْجِنِّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهُمْ لَا تَفْتِنُونَ أَحَدًا. وَوَجْهُ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ مَعَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُمَوِّهُونَ لِلنَّاسِ أَنَّ الْجِنَّ تَنْفَعُ وَتَضُرُّ وَأَنَّ الْأَصْنَامَ كَذَلِكَ وَكَانُوا يُخَوِّفُونَ النَّاسَ مِنْ بَأْسِهَا وَانْتِقَامِهَا كَمَا قَالَتِ امْرَأَةُ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ لَمَّا أَسْلَمَ وَدَعَاهَا إِلَى الْإِسْلَامِ «أَلَا تَخْشَى عَلَى الصِّبْيَةِ مِنْ ذِي الشَّرَى؟ قَالَ: لَا» فَأَسْلَمَتْ وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ يَسُبُّ الْأَصْنَامَ يُصِيبُهُ الْبَرَصُ أَوِ الْجُذَامُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا قَدِمَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَافِدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ عِنْد النبيء صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي قَوْلِهِ: بَاسَتِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى. فَقَالُوا: يَا ضِمَامُ اتَّقِ الْجُذَامَ اتَّقِ الْجُنُونَ.
وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا يُسْنَدُ إِلَيْهَا الْإِفْتَانُ.
وَجَوَّزَ فِي «الْكَشَّافِ» أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَما تَعْبُدُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ سَادًّا مَسَدَّ خَبَرِ (إِنَّ)، وَالْمَعْنَى: فَإِنَّكُمْ مَعَ مَا تَعْبُدُونَ، أَيْ فَإِنَّكُمْ قُرَنَاءُ لِآلِهَتِكُمْ لَا تَبْرَحُونَ تَعْبُدُونَهَا، وَهَذَا كَمَا يَقُولُونَ «كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتَهُ» أَيْ مَعَ ضَيْعَتِهِ، أَيْ مُقَارِنٌ لَهَا.
وَمَا تَعْبُدُونَ صَادِقٌ عَلَى الْجِنِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ [الْأَنْعَام:
100] لِأَنَّ الْجِنَّ تَصْدُرُ مِنْهُمْ فِتْنَةُ النَّاسِ بِالْإِشْرَاكِ دُونَ الْأَصْنَامِ إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْهَا