الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَنْقَطِعُ سَيْرُهَا فِي إِبَّانِ انْقِطَاعِهِ وَذَلِكَ حِينَ تَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، أَيْ حِينَ يَنْقَطِعُ سَيْرُ الْأَرْضِ حَوْلَ شُعَاعِهَا لِأَنَّ حَرَكَةَ الْأَجْرَامِ التَّابِعَةِ لِنِظَامِهَا تَنْقَطِعُ تَبَعًا لِانْقِطَاعِ حَرَكَتِهَا هِيَ وَذَلِكَ نِهَايَةُ بَقَاء هَذَا الْعَالم الدُّنْيَوِيِّ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لَها لَامُ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ صِفَةٌ لِمُسْتَقَرٍّ. وَعُدِلَ عَنْ إِضَافَةِ مُسْتَقَرٍّ لِضَمِيرِ الشَّمْسِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِظْهَارِ اللَّامِ إِلَى الْإِتْيَانِ بِاللَّامِ لِيَتَأَتَّى تَنْكِيرُ «مُسْتَقَرٍّ» تَنْكِيرًا مُشْعِرًا بِتَعْظِيمِ ذَلِكَ الْمُسْتَقَرِّ.
وَكَلَامُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم هَذَا تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْغُرُوبِ وَالشُّرُوقِ الْيَوْمِيَّيْنِ. وَجُعِلَ سُجُودُ الشَّمْسِ تَمْثِيلًا لِتَسْخِرِهَا لِتَسْخِيرِ اللَّهِ إِيَّاهَا كَمَا جُعِلَ الْقَوْلُ تَمْثِيلًا لَهُ فِي آيَةِ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: 11] .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: لِمُسْتَقَرٍّ لَها إِدْمَاجٌ لِلتَّعْلِيمِ فِي التَّذْكِيرِ وَلَيْسَ مِنْ آيَةِ الشَّمْسِ لِلنَّاسِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَشْعُرُونَ بِهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى [الْأَنْعَام: 60] عَقِبَ الِامْتِنَانِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ [الْأَنْعَام: 60] .
وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ إِلَى الْمَذْكُورِ: إِمَّا مِنْ قَوْلِهِ: وَالشَّمْسُ
تَجْرِي
أَيْ ذَلِكَ الْجَرْيِ، وَإِمَّا مِنْهُ وَمِنْ قَوْلِهِ: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ [يس: 37] أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ مِنْ تَعَاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
وَذِكْرُ صِفَتِي الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ لِمُنَاسَبَةِ مَعْنَاهُمَا لِلتَّعَلُّقِ بِنِظَامِ سَيْرِ الْكَوَاكِبِ، فَالْعِزَّةُ تُنَاسِبُ تَسْخِيرَ هَذَا الْكَوْكَبِ الْعَظِيمِ، وَالْعِلْمُ يُنَاسِبُ النِّظَامَ الْبَدِيعَ الدَّقِيقَ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً فِي سُورَة الْفرْقَان [61] .
[39]
[سُورَة يس (36) : آيَة 39]
وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَرَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِرَفْعِ وَالْقَمَرَ فَهُوَ إِمَّا مَعْطُوفٌ عَلَى وَالشَّمْسُ تَجْرِي [يس: 38] عَطْفَ الْمُفْرَدَاتِ، وَإِمَّا مُبْتَدَأٌ وَالْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ.
وَجُمْلَةُ قَدَّرْناهُ إِمَّا حَالٌ وَإِمَّا خَبَرٌ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَخَلَفٍ بِنَصْبِ الْقَمَرَ عَلَى الِاشْتِغَالِ فَهُوَ إِذَنْ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ.
وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مَنَازِلِ الْقَمَرِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ فِي سُورَةِ يُونُسَ [5] .
وَالتَّقْدِيرُ: يُطْلَقُ عَلَى جَعْلِ الْأَشْيَاءِ بِقَدَرٍ وَنِظَامٍ مُحْكَمٍ، وَيُطْلَقُ عَلَى تَحْدِيدِ الْمِقْدَارِ مِنْ شَيْءٍ تُطْلَبُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ مِثْلُ تَقْدِيرِ الْأَوْقَاتِ وَتَقْدِيرِ الْكِمِّيَّاتِ مِنَ الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ، وَكِلَا الْإِطْلَاقَيْنِ مُرَادٌ هُنَا. فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ نِظَامَ سَيْرِهِمَا وَقَدَّرَ بِذَلِكَ حِسَابَ الْفُصُولِ السَّنَوِيَّةِ وَالْأَشْهُرِ وَالْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي.
وعدّي فعل قَدَّرْناهُ إِلَى ضَمِيرِ الْقَمَرَ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ ذَاتِهِ وَإِنَّمَا التَّقْدِيرُ لِسَيْرِهِ وَلَكِنْ عُدِّيَ التَّقْدِيرُ إِلَى اسْمِ ذَاتِهِ دُونَ ذِكْرِ الْمُضَافِ مُبَالَغَةً فِي لُزُومِ السَّيْرِ لَهُ مِنْ وَقْتِ خَلْقِهِ حَتَّى كَأَنَّ تَقْدِيرَ سَيْرِهِ تَقْدِيرٌ لِذَاتِهِ.
وَانْتَصَبَ مَنازِلَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَكَانِيَّةِ مِثْلُ: سِرْتُ أَمْيَالًا، أَيْ قَدَّرْنَا سَيْرَهُ فِي مَنَازِلَ يَنْتَقِلُ بِسَيْرِهِ فِيهَا مَنْزِلَةً بَعْدَ أُخْرَى.
وحَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ لَيْسَتْ حَرْفَ جَرٍّ فَإِنَّ مَا بَعْدَهَا جُمْلَةٌ. وَمَعْنَى الْغَايَةِ لَا يُفَارِقُ حَتَّى فَآذَنَ مَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْغَايَةِ بِمُغَيًّا مَحْذُوفٍ فَالْغَايَةُ تَسْتَلْزِمُ ابْتِدَاءَ شَيْءٍ. وَالتَّقْدِير:
فابتدأ ضوؤه وَأَخَذَ فِي الِازْدِيَادِ لَيْلَةً قَلِيلَةً ثُمَّ أَخَذَ فِي التَّنَاقُصِ حَتَّى عَادَ، أَيْ صَار كالعرجون الْقَدِيم، أَيْ شَبِيهًا بِهِ. وَعُبِّرَ عَنْهُ بِهَذَا التَّشْبِيهِ إِذْ لَيْسَ لِضَوْءِ الْقَمَرِ فِي أَوَاخِرِ لَيَالِيهِ اسْمٌ يُعْرَفُ بِهِ بِخِلَافِ أَوَّلِ أَجْزَاءِ ضَوْئِهِ الْمُسَمَّى هِلَالًا، وَلِأَنَّ هَذَا التَّشْبِيهَ يُمَاثِلُ حَالَةَ اسْتِهْلَالِهِ كَمَا يُمَاثِلُ حَالَةَ انْتِهَائِهِ.
وعادَ بِمَعْنَى صَارَ شَكْلُهُ لِلرَّائِي كَالْعُرْجُونِ. وَالْعُرْجُونُ: الْعُودُ الَّذِي تُخْرِجُهُ النَّخْلَةُ فَيَكُونُ الثَّمَرُ فِي مُنْتَهَاهِ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى مُتَّصِلًا بِالنَّخْلَةِ بَعْدَ قَطْعِ الْكِبَاسَةِ مِنْهُ وَهِيَ مُجْتَمَعُ أَعْوَادِ التَّمْرِ.