المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الزمر (39) : الآيات 30 إلى 31] - التحرير والتنوير - جـ ٢٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 55 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 60 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 77 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 83]

- ‌37- سُورَةُ الصَّافَّاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 22 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 27 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 40 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 50 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 58 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 62 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 75 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 83 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 88 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 103 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 112 الى 113]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 114 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 117 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 123 إِلَى 132]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 133 إِلَى 136]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 137 إِلَى 138]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 139 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 147 إِلَى 148]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 150]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 151 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 153 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 161 إِلَى 163]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 167 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 171 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 176 إِلَى 177]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 178 إِلَى 179]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 180 إِلَى 182]

- ‌38- سُورَةُ ص

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 17 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 21 الى 25]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 31 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 45 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 49 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 67 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 79 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 86 إِلَى 88]

- ‌39- سُورَةُ الزُّمَرِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

الفصل: ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 30 إلى 31]

فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَسْتَوِيَانِ، وَذَلِكَ هُوَ مَا يَبْتَغِيهِ الْمُتَكَلِّمُ مِنِ اسْتِفْهَامِهِ، فَلَمَّا وَافَقَ جَوَابُهُمْ بُغْيَةَ الْمُسْتَفْهِمِ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى نُهُوضِ حُجَّتِهِ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا، فَمَوْقِعُهَا كَمَوْقِعِ النَّتِيجَةِ بَعْدَ الدَّلِيلِ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قَرِينَةً عَلَى أَنَّهُمْ نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ عَلِمَ فَأَقَرَّ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعْتَرِضَةً إِذَا جُعِلَ الِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيًّا فَتَكُونُ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ الْإِنْكَارِ وَبَيْنَ الْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ فِي قَوْلِهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ عَدَمَ اسْتِوَاءِ الْحَالَتَيْنِ وَلَوْ عَلِمُوا لَاخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمُ الْحُسْنَى مِنْهُمَا، وَلَمَا أَصَرُّوا عَلَى الْإِشْرَاكِ.

وَأَفَادَ هَذَا أَنَّ مَا انْتَحَلُوهُ مِنَ الشِّرْكِ وَتَكَاذِيبِهِ لَا يَمُتُّ إِلَى الْعِلْمِ بِصِلَةٍ فَهُوَ جَهَالَةٌ وَاخْتِلَاقٌ. وبَلْ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ. وَأُسْنِدَ عَدَمُ الْعِلْمِ لِأَكْثَرِهِمْ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ عَامَّةٌ أَتْبَاعٌ لِزُعَمَائِهِمُ الَّذِينَ سَنُّوا لَهُمُ الْإِشْرَاكَ وَشَرَائِعَهُ انْتِفَاعًا بِالْجَاهِ وَالثَّنَاءِ الْكَاذِبِ بِحَيْثُ غَشَّى ذَلِكَ على عَمَلهم.

[30- 31]

[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)

لَمَّا جَرَى الْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ فِي مَهْيَعِ إِبْطَالِ الشِّرْكِ وَإِثْبَات الوحدانية للإله، وَتَوْضِيحِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ حَالِ الْمُشْرِكِينَ وَحَالِ الْمُوَحِّدِينَ الْمُؤمنِينَ بِمَا ينبىء بِتَفْضِيلِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي مَهْيَعِ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى بُطْلَانِ الشِّرْكِ وَعَلَى أَحَقِّيَّةِ الْإِيمَانِ، وَإِرْشَادِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى التَّبَصُّرِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ، وَتَخَلَّلَ فِي ذَلِكَ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ غَيْرُ مُقْلِعِينَ عَنْ بَاطِلِهِمْ، وَخُتِمَ بِتَسْجِيلِ جَهْلِهِمْ وَعَدَمِ عِلْمِهِمْ، خُتِمَ هَذَا الْغَرَضُ بِإِحَالَتِهِمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ إِنْكَارًا، وَحِينَ يَلْتَفِتُونَ فَلَا يَرَوْنَ إِلَّا نَارًا.

وَقَدَّمَ لِذَلِكَ تَذْكِيرَهُمْ بِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى الْمَوْتِ فَإِنَّ الْمَوْتَ آخِرُ مَا يُذَكَّرُ بِهِ السَّادِرُ فِي غُلَوَائِهِ إِذَا كَانَ قَدِ اغْتَرَّ بِعَظَمَةِ الْحَيَاةِ وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِي اخْتِيَارِ طَرِيقِ السَّلَامَةِ

وَالنَّجَاةِ، وَهَذَا مِنِ انْتِهَازِ الْقُرْآنِ فُرَصَ الْإِرْشَادِ وَالْمَوْعِظَةِ.

ص: 403

فَالْمَقْصُودُ هُوَ قَوْلُهُ: إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فَاغْتُنِمَ هَذَا الْغَرَضُ لِيُجْتَلَبَ مَعَهُ مَوْعِظَةٌ بِمَا يَتَقَدَّمُهُ مِنَ الْحَوَادِثِ عَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِهَا مُعْتَبَرٌ، فَحَصَلَتْ بِهَذَا فَوَائِدُ: مِنْهَا تَمْهِيدُ ذِكْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمِنْهَا التَّذْكِيرُ بِزَوَالِ هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَهَذَانِ عَامَّانِ لِلْمُشْرِكِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْهَا حَثُّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُبَادَرَةِ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمِنْهَا إِشْعَارُهُمْ بِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم يَمُوتُ كَمَا مَاتَ النَّبِيئُونَ مِنْ قَبْلِهِ لِيَغْتَنِمُوا الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَيَحْرِصُوا عَلَى مُلَازَمَةِ مَجْلِسِهِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَخْتَلِفُوا فِي مَوْتِهِ كَمَا اخْتَلَفَتِ الْأُمَمُ فِي غَيْرِهِ، وَمِنْهَا تَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ سَوَّى فِي الْمَوْتِ بَيْنَ الْخَلْقِ دُونَ رَعْيٍ لِتَفَاضُلِهِمْ فِي الْحَيَاةِ لِتَكْثُرَ السَّلْوَةُ وَتَقِلَّ الْحَسْرَةُ.

فَجَمُلَتَا إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ اسْتِئْنَافٌ، وَعُطِفَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ بِحَرْفِ ثُمَّ الدَّالِّ عَلَى التَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ لِأَنَّ الْإِنْبَاءَ بِالْفَصْلِ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَهَمُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنَ الْإِنْبَاءِ بِأَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى الْمَوْتِ.

وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْرِيضِ بِالْمُشْرِكِينَ إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ:

نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطّور: 30]، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِيكَ وَيَأْتِيهِمْ فَمَا يَدْرِي الْقَائِلُونَ: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ أَنْ يَكُونُوا يَمُوتُونَ قَبْلَكَ، وَكَذَلِكَ كَانَ، فَقَدْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَصَارِعَ أَشَدِّ أَعْدَائِهِ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَبِي جَهْلٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعُمَارَةَ بن الْوَلِيد فو الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ.

وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ لِلْمُشْرِكِينَ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَلَا غَرَضَ هُنَا لِلْإِخْبَارِ بِأَنَّهُمْ مَيِّتُونَ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ. وَتَأْكِيدُ الْخَبَرَيْنِ بِ- (إِنَّ) لِتَحْقِيقَ الْمَعْنَى التَّعْرِيضِي الْمَقْصُودِ مِنْهَا.

وَالْمُرَادُ بِالْمَيِّتِ: الصَّائِرُ إِلَى الْمَوْتِ فَهُوَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْوَصْفِ فِيمَنْ سَيَتَّصِفُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ مِثْلُ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْفَاعِلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [الْبَقَرَة: 30] .

ص: 404

وَالْمَيِّتُ: هُوَ مَنِ اتَّصَفَ بِالْمَوْتِ، أَيْ زَالَتْ عَنْهُ الْحَيَاةُ، وَمِثْلُهُ: الْمَيْتُ بِتَخْفِيفِ

السُّكُونِ عَلَى الْيَاءِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا خِلَافًا لِلْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ.

وَتَأْكِيدُ جُمْلَةِ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ لِرَدِّ إِنْكَارِ الْمُشْرِكِينَ الْبَعْثَ.

وَتَقْدِيمُ عِنْدَ رَبِّكُمْ عَلَى تَخْتَصِمُونَ لِلِاهْتِمَامِ وَرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ.

وَالِاخْتِصَامُ: كِنَايَةٌ عَنِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، أَيْ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا اخْتَصَمْتُمْ فِيهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ إِثْبَاتِ الْمُشْرِكِينَ آلِهَةً وَإِبْطَالِكُمْ ذَلِكَ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النَّحْل: 124] . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِصَامُ أُطْلِقَ عَلَى حِكَايَةِ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حِينَ تُعْرَضُ أَعْمَالُهُمْ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا تَخَاصُمُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فِي طَالِعِ مَحْضَرِ خُصُومَةٍ وَمُقَاوَلَةٍ بَيْنَهُمَا يُقْرَأُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَاضِي.

وَيَجُوزُ أَنْ تُصَوَّرَ خُصُومَةُ بَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ يَوْمَئِذٍ لِيَفْتَضِحَ الْمُبْطِلُونَ وَيَبْهَجَ أَهْلُ الْحَقِّ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [ص: 64] .

وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَضَمِيرُ إِنَّكُمْ عَائِدٌ إِلَى مَجْمُوعِ مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ إِنَّكَ وإِنَّهُمْ.

وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إِلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ وَهُوَ اخْتِصَامُ الظُّلَامَاتِ، وَقَدْ وَرَدَ تَأْوِيلُ الضَّمِيرِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:«لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قُلْنَا: كَيْفَ نَخْتَصِمُ وَنَحْنُ إِخْوَانٌ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَضَرَبَ بَعْضُنَا وَجْهَ بَعْضٍ بِالسَّيْفِ قُلْنَا: هَذَا الْخِصَامُ الَّذِي وَعَدَنَا رَبُّنَا» . وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِثْلَ مَقَالَةِ ابْنِ عمر وَلَكِن أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ وَشَدَّ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ قُلْنَا: نَعَمْ هُوَ ذَا» . وَسَوَاءٌ شَمِلَتِ الْآيَةُ هَذِهِ الْمَحَامِلَ وَهُوَ الْأَلْيَقُ، أَوْ لَمْ تشملها فالمقصود الْأَصْلِيّ مِنْهَا هُوَ تَخَاصُمُ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ

ص: 405