المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الصافات (37) : الآيات 83 إلى 87] - التحرير والتنوير - جـ ٢٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 55 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 60 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 77 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 83]

- ‌37- سُورَةُ الصَّافَّاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 22 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 27 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 40 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 50 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 58 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 62 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 75 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 83 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 88 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 103 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 112 الى 113]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 114 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 117 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 123 إِلَى 132]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 133 إِلَى 136]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 137 إِلَى 138]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 139 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 147 إِلَى 148]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 150]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 151 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 153 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 161 إِلَى 163]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 167 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 171 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 176 إِلَى 177]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 178 إِلَى 179]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 180 إِلَى 182]

- ‌38- سُورَةُ ص

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 17 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 21 الى 25]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 31 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 45 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 49 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 67 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 79 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 86 إِلَى 88]

- ‌39- سُورَةُ الزُّمَرِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

الفصل: ‌[سورة الصافات (37) : الآيات 83 إلى 87]

الدَّرَجَةِ، اقْتَصَرَ عَلَى وَصْفِ الْعِبَادِ بِالْمُؤْمِنِينَ تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الْإِيمَانِ لِيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَيُقْلِعَ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الشِّرْكِ. وَهَذِهِ نِعْمَةٌ تَاسِعَةٌ. وَأُقْحِمَ مَعَهَا مِنْ عِبادِنَا لِتَشْرِيفِهِ بِتِلْكَ الْإِضَافَةِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ [الصافات: 40- 41] وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَاشِرَةٌ، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِ الْإِيمَانِ.

وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عِبْرَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِمَا حَلَّ بِقَوْمِ نوح وتسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم وَجَعْلُ نُوحٍ قُدْوَةً لَهُ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُ كَمَا نَصَرَ نُوحًا عَلَى قَوْمِهِ وَيُنْجِيهِ مِنْ أَذَاهُمْ وَتَنْوِيهٌ بِشَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ. وثُمَّ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي الرَّتْبِيَّيْنِ لِأَنَّ بَعْضَ مَا ذُكِرَ قَبْلَهَا فِي الْكَلَامِ هُوَ مِمَّا حَصَلَ بَعْدَ مَضْمُونِ جُمْلَتِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ، وَمَعْنَى التَّرَاخِي الرَّتْبِيِّ هُنَا أَنَّ إِغْرَاقَ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ مَعَ نَجَاتِهِ وَنَجَاةِ أَهْلِهِ، أَعْظَمُ رُتْبَةً فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَالدَّلَالَةِ عَلَى وَجَاهَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلُطْفِهِ.

وَمَعْنَى الْآخَرِينَ مَنْ عَدَاهُ وَعَدَا أَهْلَهَ، أَيْ بَقِيَّةُ قَوْمِهِ، وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِالْآخَرِينَ ضَرْبٌ مِنَ الِاحْتِقَارِ. وَمِمَّا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ:«إِنَّ الْآخَرَ قَدْ زَنَى» يَعْنِي نَفْسَهَ عَلَى رِوَايَةِ الْآخَرِ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَهِيَ إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ فِي الْحَدِيثِ.

وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ نُوحٍ وَقِصَّتِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً فِي آلِ عِمْرَانَ [33] ، وَفِي الْأَعْرَافِ، وَفِي سُورَةِ هُودٍ، وَذِكْرُ سَفِينَتِهِ فِي أَوَّلِ سُورَة العنكبوت.

[83- 87]

[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 83 إِلَى 87]

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (87)

تَخَلَّصَ إِلَى حِكَايَةِ مَوْقِفِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام مِنْ قَوْمِهِ فِي دَعْوَتِهِمْ إِلَى التَّوْحِيدِ

ص: 135

وَمَا لَاقَاهُ مِنْهُمْ وَكَيْفَ أَيَّدَهُ اللَّهُ وَنَجَّاهُ مِنْهُمْ، وَقَعَ هَذَا التَّخَلُّصُ إِلَيْهِ بِوَصْفِهِ مِنْ شِيعَةِ نُوحٍ لِيُفِيدَ بِهَذَا الْأُسْلُوبِ الْوَاحِدِ تَأْكِيدَ الثَّنَاءِ عَلَى نُوحٍ وَابْتِدَاءَ الثَّنَاءِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَتَخْلِيدَ مَنْقَبَةٍ لِنُوحٍ أَنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ الرَّسُولُ الْعَظِيمُ مِنْ شِيعَتِهِ وَنَاهِيكَ بِهِ. وَكَذَلِكَ جمع محامد لإِبْرَاهِيم فِي كَلِمَةِ كَوْنِهِ مِنْ شِيعَةِ نُوحٍ الْمُقْتَضِي مُشَارَكَتَهُ لَهُ فِي صِفَاتِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ [الْإِسْرَاء: 3] .

وَالشِّيعَةُ: اسْمٌ لِمَنْ يُنَاصِرُ الرَّجُلَ وَأَتْبَاعَهُ وَيَتَعَصَّبُ لَهُ فَيَقَعُ لَفْظُ شِيعَةٍ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى شِيَعٍ وَأَشْيَاعٍ إِذَا أُرِيدَ: جَمَاعَاتٌ كُلُّ جَمَاعَةٍ هِيَ شِيعَةٌ لِأَحَدٍ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [10]، وَعِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً فِي سُورَةِ الْقَصَصِ [4] .

وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ وَكَانَ دِينُهُ مُوَافِقًا لِدِينِ نُوحٍ فِي أَصْلِهِ وَهُوَ نَبْذُ الشِّرْكِ.

وَجَعَلَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ شِيعَةِ نُوحٍ لِأَنَّ نُوحًا قَدْ جَاءَتْ رُسُلٌ عَلَى دِينِهِ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُمْ هُودٌ وَصَالِحٌ فَقَدْ كَانَا قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ ذَكَرَهُمَا غَيْرَ مَرَّةٍ عَقِبَ ذِكْرِ نُوحٍ وَقَبْلَ ذِكْرِ لُوطٍ مُعَاصِرِ إِبْرَاهِيمَ. وَلِقَوْلِ هُودٍ لِقَوْمِهِ: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ [الْأَعْرَاف: 69]، وَلِقَوْلِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ [الْأَعْرَاف: 74]، وَقَوْلِ شُعَيْبٍ لِقَوْمِهِ: وَيا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود: 89] . فَجَعَلَ قَوْمَ لُوطٍ أَقْرَبَ زَمَنًا لِقَوْمِهِ دُونَ قَوْمِ هُودٍ وَقَوْمِ صَالِحٍ. وَكَانَ لُوطٌ مُعَاصِرَ إِبْرَاهِيمَ فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ شِيعَةٌ لِنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمُ مِنْ تِلْكَ الشِّيعَةِ وَهَذِهِ نِعْمَةٌ حَادِيَةَ عَشْرَةَ.

وتوكيد الْخَبَر ب إِنَّ وَلَامِ الِابْتِدَاءِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى مِلَّةِ

إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الْبَقَرَة: 135] .

وإِذْ ظَرْفٌ لِلْمَاضِي وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَوْنِ الْمُقَدَّرِ لِلْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الْوَاقِعَيْنِ خَبَرًا عَنْ إِنَّ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِلَفْظِ شِيعَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ

ص: 136

مَعْنَى الْمُشَايَعَةِ وَالْمُتَابَعَةِ، أَيْ كَانَ مِنْ شِيعَتِهِ حِينَ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ كَمَا جَاءَ نوح، فَذَلِك وَقَتُ كَوْنِهِ مِنْ شِيعَتِهِ، أَيْ لِأَنَّ نُوحًا جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. وَفِي إِذْ مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِكَوْنِهِ مِنْ شِيعَتِهِ فَإِنَّ مَعْنَى التَّعْلِيلِ كَثِيرُ الْعُرُوضِ لِ إِذْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف: 39] . وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَلَى نُوحٍ وَهِيَ ثَانِيَةَ عَشْرَةَ.

وَالْبَاءُ فِي بِقَلْبٍ سَلِيمٍ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ جَاءَ مَعَهُ قَلَبٌ صفته السَّلامَة فيؤول إِلَى مَعْنَى: إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِسَلَامَةِ قَلْبٍ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْقَلْبُ ابْتِدَاءً ثُمَّ وُصِفَ بِ سَلِيمٍ لِمَا فِي ذِكْرِ الْقَلْبِ مِنْ إِحْضَارِ حَقِيقَةِ ذَلِكَ الْقَلْبِ النَّزِيهِ، وَلِذَلِكَ أُوثِرَ تَنْكِيرُ «قَلْبٍ» دُونَ تَعْرِيفٍ. وسَلِيمٍ: صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنَ السَّلَامَةِ وَهِيَ الْخَلَاصُ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَدْوَاءِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ الْقَلْبُ ظَهَرَ أَنَّ السَّلَامَةَ سَلَامَتُهُ مِمَّا تُصَابُ بِهِ الْقُلُوبُ مِنْ أَدْوَائِهَا فَلَا جَائِزَ أَنْ تَعْنِيَ الْأَدْوَاءَ الْجَسَدِيَّةَ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُرِيدُونَ بِالْقَلْبِ إِلَّا مَقَرَّ الْإِدْرَاكِ وَالْأَخْلَاقِ. فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ:

صَاحِبُ الْقَلْبِ مَعَ نَفْسِهِ بِمِثْلِ طَاعَةِ الْهَوَى وَالْعَجَبِ وَالْغُرُورِ، وَمَعَ النَّاسِ بِمِثْلِ الْكِبْرِ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ وَالِاسْتِخْفَافِ.

وَأَطْلَقَ الْمَجِيءَ عَلَى مُعَامَلَتِهِ بِهِ فِي نَفْسِهِ بِمَا يُرْضِي رَبَّهُ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ بِحَالِ مَنْ يَجِيءُ أَحَدًا مُلْقِيًا إِلَيْهِ مَا طَلَبَهُ مِنْ سِلَاحٍ أَوْ تُحَفٍ أَوْ أَلْطَافٍ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِتَزْكِيَةِ نَفْسِهِ فَامْتَثَلَ فَأَشْبَهَ حَالَ مَنْ دَعَاهُ فَجَاءَهُ. وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ [الْأَحْقَاف: 31] .

وَقَدْ جَمَعَ قَوْلُهُ: بِقَلْبٍ سَلِيمٍ جَوَامِعَ كَمَالِ النَّفْسِ وَهِيَ مَصْدَرُ مَحَامِدِ الْأَعْمَالِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»

. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشُّعَرَاء: 88- 89]، فَكَانَ عِمَادُ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْمُتَفَرِّعَ عَنْ قَوْلِهِ: بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَذَلِكَ جِمَاعُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلِذَلِكَ وَصَفَ إِبْرَاهِيمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود: 75] ، فَكَانَ مُنَزَّهًا عَنْ كُلِّ خُلُقٍ ذَمِيمٍ وَاعْتِقَادٍ بَاطِلٍ.

ص: 137

ثُمَّ إِنَّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ قَابِلَةٌ لِلِازْدِيَادِ فَكَانَ حَظُّ إِبْرَاهِيمَ مِنْهَا حَظًّا كَامِلًا لَعَلَّهُ أَكْمَلُ مِنْ حَظّ نوح بِنَاء عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَفْضَلُ الرُّسُلِ بعد مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَادَّخَرَ اللَّهُ مُنْتَهَى كَمَالِهَا لرَسُوله مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَلِذَلِكَ

قَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ»

، وَلِذَلِكَ أَيْضًا وُصِفَتْ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ بِالْحَنِيفِيَّةِ وَوُصِفَ الْإِسْلَامُ بِزِيَادَةِ ذَلِكَ

فِي قَول النبيء صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»

. وَتَعْلِيقُ كَوْنِهِ مِنْ شِيعَةِ نُوحٍ بِهَذَا الْحِينِ الْمُضَافِ إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ كِنَايَةٌ عَنْ وَصْفِ نُوحٍ بِسَلَامَةِ الْقَلْبِ أَيْضًا يَحْصُلُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ إِثْبَاتُ مِثْلِ صِفَاتِ نُوحٍ لِإِبْرَاهِيمَ وَمِنْ قَوْلِهِ: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ إِثْبَاتُ صِفَةٍ مِثْلِ صِفَةِ إِبْرَاهِيمَ لِنُوحٍ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ فِي الْإِثْبَاتَيْنِ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ أُثْبِتَ لِإِبْرَاهِيمَ بِالصَّرِيحِ وَيَثْبُتُ لِنُوحٍ بِاللُّزُومِ فَيَكُونُ أَضْعَفَ فِيهِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ.

وإِذْ قالَ لِأَبِيهِ بَدَلٌ مِنْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ بَدَلَ اشْتِمَالٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ هَذَا لَمَّا نَشَأَ عَنِ امْتِلَاءِ قَلْبِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْغَضَبِ لِلَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ كَانَ كَالشَّيءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ قَلْبُهُ السَّلِيمُ فَصَدَرَ عَنْهُ.

وماذا تَعْبُدُونَ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ على أَن يعبدوا مَا يَعْبُدُونَهُ وَلِذَلِكَ أَتْبَعَهُ بِاسْتِفْهَامٍ آخَرَ إنكاري وَهُوَ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ. وَهَذَا الَّذِي اقْتَضَى الْإِتْيَانَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ بَعْدَ «مَا» الِاسْتِفْهَامِيَّةِ الَّذِي هُوَ مُشْرَبٌ مَعْنَى الْمَوْصُولِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، فَاقْتَضَى أَنَّ مَا يَعْبُدُونَهُ مُشَاهَدٌ لِإِبْرَاهِيمَ فَانْصَرَفَ الِاسْتِفْهَامُ بِذَلِكَ إِلَى مَعْنًى دُونَ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ مَعْنَى الْإِنْكَارِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [70] فَإِنَّهُ اسْتِفْهَامٌ عَلَى مَعْبُودَاتِهِمْ وَلِذَلِكَ أَجَابُوا عَنْهُ قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ [71] ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالِاسْتِفْهَامِ هُنَالِكَ التَّمْهِيدَ إِلَى الْمُحَاجَّةِ فَصَوَّرَهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِسَمَاعِ جَوَابِهِمْ فَيَنْتَقِلُ إِلَى إِبْطَالِهِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ تَرْتِيبِ حِجَاجِهِ هُنَالِكَ، فَذَلِكَ حِكَايَةٌ لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ فِي ابْتِدَاءِ دَعْوَتِهِ قَوْمَهُ، وَأَمَّا مَا هُنَا فَحِكَايَةٌ لِبَعْضِ أَقْوَالِهِ فِي إِعَادَةِ الدَّعْوَةِ وتأكيدها.

وَجُمْلَة أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ مَاذَا تَعْبُدُونَ بَيَّنَ بِهِ مَصَبَّ الْإِنْكَارِ فِي قَوْلِهِ: مَاذَا تَعْبُدُونَ وَإِيضَاحَهُ، أَيْ كَيْفَ تُرِيدُونَ آلِهَةً إِفْكًا.

ص: 138

وَإِرَادَةُ الشَّيْءِ: ابْتِغَاؤُهُ وَالْعَزْمُ عَلَى حُصُولِهِ، وَحَقُّ فِعْلِهَا أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى الْمَعَانِي قَالَ ابْنُ الدُّمَيْنَةِ:

تُرِيدِينَ قَتْلِي قَدْ ظَفِرْتِ بِذَلِكَ

فَإِذَا عُدِّيَ إِلَى الذَّوَاتِ كَانَ عَلَى مَعْنَى يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الذَّوَاتِ كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الْأَسَدِيِّ:

أَرَادَتْ عِرَارًا بِالْهَوَانِ وَمَنْ يُرِدْ

عِرَارًا لَعَمْرِي بِالْهَوَانِ فَقَدْ ظَلَمَ

فَلِذَلِكَ كَانَتْ تَعْدِيَةُ فِعْلِ تُرِيدُونَ إِلَى آلِهَةً عَلَى مَعْنَى: تُرِيدُونَهَا بِالْعِبَادَةِ أَوْ بِالتَّأْلِيهِ، فَكَانَ مَعْنَى آلِهَةً دَلِيلًا عَلَى جَانِبِ إِرَادَتِهَا.

فَانْتَصَبَ آلِهَةً عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ عَلَى الْفِعْلِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى جِهَةِ تَجَاوُزِ مَعْنَى الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ.

وَانْتَصَبَ إِفْكاً عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ تُرِيدُونَ أَيْ آفِكِينَ. وَالْإِفْكُ: الْكَذِبُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ آلِهَةٍ، أَيْ آلِهَةٍ مَكْذُوبَةٍ، أَيْ مَكْذُوبٌ تَأْلِيهُهَا. وَالْوَصْفُ بِالْمَصْدَرِ صَالِحٌ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْفَاعِلِ أَوْ مَعْنَى الْمَفْعُولِ. وَقُدِّمَتِ الْحَالُ عَلَى صَاحِبِهَا لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّعْجِيلِ بِالتَّعْبِيرِ عَنْ كَذِبِهِمْ وَضَلَالِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: دُونَ اللَّهِ أَيْ خِلَافَ اللَّهِ وَغَيْرَهُ، وَهَذَا صَالِحٌ لِاعْتِبَارِ قَوْمِهِ عَبَدَةَ أَوْثَانٍ غَيْرَ مُعْتَرِفِينَ بِإِلَهٍ غَيْرِ أَصْنَامِهِمْ، وَلِاعْتِبَارِهِمْ مُشْرِكِينَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى مِثْلَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْعَرَبَ بَقِيَتْ فِيهِمْ أَثَارَةٌ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ فَلَمْ يَنْسَوْا وَصْفَ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَكَانَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَهُمُ الْكِلْدَانُ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ نَظِيرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْيُونَانُ وَالْقِبْطُ.

وَفَرَّعَ عَلَى اسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ اسْتِفْهَامٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ أُرِيدَ بِهِ الْإِنْكَارُ وَالتَّوْقِيفُ عَلَى الْخَطَأِ، وَأُرِيدَ بِالظَّنِّ الِاعْتِقَادُ الْخَطَأُ.

وَسُمِّيَ ظَنًّا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ وَلَمْ يُسَمِّهِ عِلْمًا لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى

ص: 139

الِاعْتِقَادِ الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ وَلِذَلِكَ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ: «صِفَةٌ تُوجِبُ تَمْيِيزًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ» وَلَا يَنْتَفِي احْتِمَالُ النَّقِيضِ إِلَّا مَتَى كَانَ مُوَافِقًا لِلْوَاقِعِ. وَكَثُرَ إِطْلَاقُ الظَّنِّ عَلَى التَّصْدِيقِ الْمُخْطِئِ وَالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [116] . وَقَوْلِهِ: إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [يُونُس: 36] .

وَقَول النبيء صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ»

. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اعْتِقَادَكُمْ فِي جَانِبِ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَهْلٌ مُنْكَرٌ.

وَفِعْلُ الظَّنِّ إِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ أَشْعَرَ غَالِبًا بِظَنٍّ صَادِقٍ قَالَ تَعَالَى: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الْأَحْزَاب: 10] وَقَالَ: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ [فصلت: 23] . وَمِنْهُ إِطْلَاقُ الظَّنِينِ عَلَى الْمُتَّهَمِ فَإِنَّ أَصْلَهُ: ظَنِينٌ بِهِ، فَحُذِفَتِ الْبَاءُ وَوُصِلَ الْوَصْفُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ فَالْأَكْثَرُ حَذْفُ مَفْعُولِهِ وَكَانَتِ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ ظَنَّ ظَنًّا مُلْصَقًا بِاللَّه، أَي مدّعى تَعَلُّقَهُ بِاللَّهِ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ مَا لَيْسَ لَائِقًا بِاللَّهِ. وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [10] .

وَالْمَعْنَى: فَمَا ظنكم السيّء بِاللَّهِ، وَلَمَّا كَانَ الظَّنُّ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ فَتَعْدِيَتُهُ إِلَى اسْمِ الذَّاتِ دُونَ إِتْبَاعِ الِاسْمِ بِوَصْفٍ مُتَعَيِّنَةٌ لِتَقْدِيرِ وَصْفٍ مُنَاسِبٍ. وَقَدْ حُذِفَ الْمُتَعَلِّقُ هُنَا لِقَصْدِ التَّوَسُّعِ فِي تَقْدِيرِ الْمَحْذُوفِ بِكُلِّ احْتِمَالٍ مُنَاسِبٍ تَكْثِيرًا لِلْمَعَانِي فَيَجُوزُ أَنْ تُعْتَبَرَ مِنْ ذَاتِ ربّ الْعَالمين أَو صافه. وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْهَا الْكُنْهُ وَالْحَقِيقَةُ، فَاعْتِبَارُ الْوَصْفِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الْمَعْنَى الْمُشْتَقُّ مِنْهُ الرَّبُّ وَهُوَ الرُّبُوبِيَّةُ وَهِيَ تَبْلِيغُ الشَّيْءِ إِلَى كَمَالِهِ تَدْرِيجًا وَرِفْقًا فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْبَقَاءِ وَالْإِمْدَادِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَشْكُرَ الْمُمَدُّ فَلَا يَصُدُّ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: فَمَا ظَنُّكُمْ أَنَّ لَهُ شُرَكَاءَ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّكْرِ الْمُتَمَثِّلِ فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِإِنْعَامِهِ.

وَثَانِيهِمَا: أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِكِيَّةِ وَهِيَ أَحَدُ مَعْنَيَيِ الرَّبِّ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِمَعْنَى

ص: 140