الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْخَسْفِ مِثْلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَقَوْمٌ أَتَاهُمْ مِنْ نَبْعِ الْمَاءِ مِنَ الْأَرْضِ مَثَلَ قَوْمِ نُوحٍ، وَقَوْمٌ عَمَّ عَلَيْهِمُ الْبَحْرُ مِثْلَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ.
وَكَانَ الْعَذَابُ الَّذِي أَصَابَ كَفَّارَ قُرَيْشٍ لَمْ يَخْطُرْ لَهُمْ بِبَالٍ، وَهُوَ قَطْعُ السُّيُوفِ رِقَابَهُمْ وَهُمْ فِي عِزَّةٍ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُرْمَةٍ عِنْدَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مَا كَانُوا يَحْسَبُونَ أَيْدِيًا تَقْطَعُ رِقَابَهُمْ كَحَالِ أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ فِي الْغَرْغَرَةِ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ قَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟
فَقَالَ: «وَهَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ» .
وَاسْتِعَارَةُ الْإِذَاقَةِ لِإِهَانَةِ الْخِزْيِ تَخْيِيلِيَّةٌ وَهِيَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ.
وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لِلِاحْتِرَاسِ، أَيْ أَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ هُوَ الْجَزَاءُ، وَأَمَّا عَذَابُ الدُّنْيَا فَقَدْ يُصِيبُ اللَّهُ بِهِ بَعْضَ الظَّلَمَةِ زِيَادَةَ خِزْيٍ لَهُمْ.
وَقَوْلُهُ: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ. وَمَفْعُولُ يَعْلَمُونَ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْمُتَقَدِّمُ، أَيْ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَذَاقَ الْآخَرِينَ الْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، وَأَنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ هُوَ أَشَدُّ. وَضَمِيرُ يَعْلَمُونَ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ قَبْلِهِمْ. وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْرِيضُ بِالْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ: كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الْآيَةَ، تَقْدِيرُهُ: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا حَلَّ بِهِمْ سَبَبُهُ تَكْذِيبُهُمْ رُسُلَهُمْ كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم.
وَوَصْفُ عَذَابِ الْآخِرَةِ بِ- أَكْبَرُ بِمَعْنَى: أَشَدِّ فَهُوَ أَشَدُّ كَيْفِيَّةً مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَأَشَدُّ كَمِّيَّةً لِأَنَّهُ أبدي.
[27- 28]
[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 27 إِلَى 28]
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ إِلَى قَوْلِهِ: فَما لَهُ مِنْ هادٍ [الزمر:
23] ، تَتِمَّةٌ لِلتَّنْوِيهِ بِالْقُرْآنِ وَإِرْشَادِهِ، وَلِلتَّعْرِيضِ بِتَسْفِيهِ أَحْلَامِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِهِ
وَأَعْرَضُوا عَنِ
الِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ. وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِلَامِ الْقَسَمِ وَحَرْفِ التَّحْقِيقِ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى حَالِ الْفَرِيقِ الَّذِينَ لَمْ يَتَدَبَّرُوا الْقُرْآنَ وَطَعَنُوا فِيهِ وَأَنْكَرُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي النَّاسِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ لِجَمِيعِ النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم لِلنَّاسِ كَافَّةً.
وَضَرْبُ الْمَثَلِ: ذِكْرُهُ وَوَصْفُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [26] . وَتَنْوِينُ مَثَلٍ لِلتَّعْظِيمِ وَالشَّرَفِ، أَيْ مِنْ كُلٍّ أَشْرَفَ الْأَمْثَالِ، فَالْمَعْنَى: ذَكَرْنَا لِلنَّاسِ فِي الْقُرْآنِ أَمْثَالًا هِيَ بَعْضٌ مِنْ كُلِّ أَنْفَعِ الْأَمْثَالِ وَأَشْرَفِهَا.
وَالْمُرَادُ: شَرَفُ نَفْعِهَا.
وَخُصَّتْ أَمْثَالُ الْقُرْآنِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ مَزَايَا الْقُرْآنِ لِأَجْلِ لَفْتِ بَصَائِرِهِمْ لِلتَّدَبُّرِ فِي نَاحِيَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ نَوَاحِي إِعْجَازِهِ وَهِيَ بَلَاغَةُ أَمْثَالِهِ، فَإِنَّ بُلَغَاءَهُمْ كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فِي جَوْدَةِ الْأَمْثَالِ وَإِصَابَتِهَا الْمَحَزِّ مِنْ تَشْبِيهِ الْحَالَةِ بِالْحَالَةِ. وَتَقَدَّمَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [89]، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فِي سُورَةِ الرُّومِ [58] .
وَمَعْنَى الرَّجَاءِ فِي لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ مُنْصَرِفٌ إِلَى أَنَّ حَالَهُمْ عِنْدَ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ الْقُرْآنِيَّةِ كَحَالِ مَنْ يَرْجُو النَّاسَ مِنْهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ، وَهَذَا مِثْلُ نَظَائِرِ هَذَا التَّرَجِّي الْوَاقِعِ فِي الْقُرْآنِ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَمَعْنَى التَّذَكُّرِ: التَّأَمُّلُ وَالتَّدَبُّرُ لِيَنْكَشِفَ لَهُمْ مَا هُمْ غَافِلُونَ عَنْهُ سَوَاءٌ مَا سَبَقَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ فَنَسُوهُ وَشُغِلُوا عَنْهُ بِسَفْسَافِ الْأُمُورِ، وَمَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُمْ عِلْمٌ بِهِ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَسْتَبْصِرَهُ الرَّأْيُ الْأَصِيلُ حَتَّى إِذَا انْكَشَفَ لَهُ كَانَ كَالشَّيْءِ الَّذِي سَبَقَ لَهُ عِلْمُهُ وَذَهَلَ عَنْهُ، فَمَعْنَى التَّذَكُّرِ مَعْنًى بَدِيعٌ شَامِلٌ لِهَذِهِ الْخَصَائِصِ.
وَهَذَا وَصْفُ الْقُرْآنِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ إِنْ صَادَفَ عَقْلًا صَافِيًا وَنَفْسًا مُجَرَّدَةً
عَنِ الْمُكَابَرَةِ فَتَذَكَّرَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْ قَبْلُ، وَتَذَكَّرَ بِهِ مَنْ كَانَ التَّذَكُّرُ بِهِ سَبَبًا فِي إِيمَانِهِ بَعْدَ كُفْرِهِ بِسُرْعَةٍ أَوْ بِبُطْءٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَتَذَكَّرُوا بِهِ فَإِنَّ عَدَمَ تَذَكُّرِهِمْ لِنَقْصٍ فِي فِطْرَتِهِمْ وَتَغْشِيَةِ الْعِنَادِ لِأَلْبَابِهِمْ. وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.
وَانْتَصَبَ قُرْآناً عَلَى الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْمُبَيَّنِ بِالْقُرْآنِ، فَالْحَالُ هُنَا مُوَطِّئَةٌ لِأَنَّهَا تَوْطِئَةٌ لِلنَّعْتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُرْآناً عَرَبِيًّا وَإِنْ كَانَ بِظَاهِرِ لَفْظِ قُرْآناً حَالًا
مُؤَكَّدَةً وَلَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا بَعْدَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ عَرَبِيًّا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ لِأَنَّهُ نَعَتٌ لِلْحَالِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْحَالِ التَّوَرُّكُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ تَلَقَّوُا الْقُرْآنَ تَلَقِّيَ مَنْ سَمِعَ كَلَامًا لَمْ يَفْهَمْهُ كَأَنَّهُ بِلُغَةٍ غَيْرِ لُغَتِهِ لَا يُعِيرَهُ بَالًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الدُّخان: 58] ، مَعَ التَّحَدِّي لَهُمْ بِأَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَهُوَ مِنْ لُغَتِهِمْ، وَهُوَ أَيْضًا ثَنَاءٌ عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَلَامٌ بِاسْتِقَامَةِ أَلْفَاظِهِ لِأَنَّ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَفْصَحُ لُغَاتِ الْبَشَرِ.
وَالْعِوَجُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أُرِيدَ بِهِ: اخْتِلَالُ الْمَعَانِي دُونَ الْأَعْيَانِ، وَأَمَّا الْعَوَجُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَيَشْمَلُهَا، وَهَذَا مُخْتَارُ أَيِمَّةِ اللُّغَةِ مِثْلِ ابْنِ دُرَيْدٍ والزمخشري والزجاج والفيروزآبادي، وَصَحَّحَ الْمَرْزُوقِيُّ فِي «شَرْحِ الْفَصِيحِ» أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [1]، وَقَوْلِهِ: لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً فِي [سُورَةِ طه:
107] .
وَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَى الْقُرْآنِ بِكَمَالِ مَعَانِيهِ بَعْدَ أَنْ أُثْنِيَ عَلَيْهِ بِاسْتِقَامَةِ أَلْفَاظِهِ.
وَوَجْهُ الْعُدُولِ عَنْ وَصْفِهِ بِالِاسْتِقَامَةِ إِلَى وَصْفِهِ بِانْتِفَاءِ الْعِوَجِ عَنْهُ التَّوَسُّلِ إِلَى إِيقَاعِ عِوَجٍ وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ مَا هُوَ بِمَعْنَى النَّفْيِ وَهُوَ كَلِمَةُ غَيْرَ فَيُفِيدُ انْتِفَاءَ جِنْسِ الْعِوَجِ عَلَى وَجْهِ عُمُومِ النَّفْيِ، أَيْ لَيْسَ فِيهِ عِوَجٌ قَطُّ، وَلِأَنَّ لَفْظَ عِوَجٍ مُخْتَصٌّ بِاخْتِلَالِ الْمَعَانِي، فَيَكُونُ الْكَلَامُ نَصًّا فِي اسْتِقَامَةِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى اسْتِقَامَةِ أَلْفَاظِهِ وَنَظْمِهِ قَدِ اسْتُفِيدَتْ مِنْ وَصْفِهِ بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا.