المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الصافات (37) : آية 158] - التحرير والتنوير - جـ ٢٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 55 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 60 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 77 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 83]

- ‌37- سُورَةُ الصَّافَّاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 22 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 27 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 40 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 50 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 58 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 62 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 75 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 83 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 88 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 103 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 112 الى 113]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 114 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 117 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 123 إِلَى 132]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 133 إِلَى 136]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 137 إِلَى 138]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 139 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 147 إِلَى 148]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 150]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 151 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 153 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 161 إِلَى 163]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 167 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 171 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 176 إِلَى 177]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 178 إِلَى 179]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 180 إِلَى 182]

- ‌38- سُورَةُ ص

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 17 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 21 الى 25]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 31 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 45 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 49 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 67 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 79 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 86 إِلَى 88]

- ‌39- سُورَةُ الزُّمَرِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

الفصل: ‌[سورة الصافات (37) : آية 158]

عَلَى طَرِيقَةِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: بِكِتَابٍ إِلَيْكُمْ، لِأَنَّ مَا فِيهِ مَادَّةُ الْكِتَابَةِ لَا يَتَعَدَّى إِلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ بَلْ

بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الْجَرِّ وَهُوَ (إِلَى) .

فَلَا جَرَمَ قَدِ اتَّضَحَ إِفْحَامُهُمْ بِهَذِهِ الْمُجَادَلَةِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْقَوَانِينِ الْعَقْلِيَّةِ وَلِذَلِكَ صَارُوا كَالْمُعْتَرِفِينَ بِأَنْ لَا دَلِيلَ لَهُمْ على مَا زعموه فَانْتَقَلَ السَّائِلُ الْمُسْتَفْتِي مِنْ مَقَامِ الِاعْتِرَاضِ فِي الْمُنَاظَرَةِ إِلَى انْقِلَابِهِ مُسْتَدِلًّا بِاسْتِنْتَاجٍ مِنْ إِفْحَامِهِمْ وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [الصافات: 151، 152] الْوَاقِعُ مُعْتَرِضًا بَيْنَ التَّرْدِيدِ فِي الدَّلِيلِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ فَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ فِي أَثْنَاءِ الْمُنَاظَرَةِ كَمَا عَلِمْتَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُسَمَّى الْمُعَارَضَةَ. وَإِنَّمَا أُقْحِمَ فِي أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُجْعَلْ مَعَ حِكَايَةِ دَعْوَاهُمْ لِيَكُونَ آخِرُ الْجَدَلِ مَعَهُمْ هُوَ الدَّلِيلَ الَّذِي يَجْرِفُ جَمِيعَ مَا بَنَوْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَهَذَا مِنْ بَدِيعِ النَّسِيجِ الْجَامِعِ بَيْنَ أُسْلُوبِ الْمُنَاظَرَةِ وَأُسْلُوبِ الْمَوْعِظَةِ وَأُسْلُوبِ التَّعْلِيمِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تَذَكَّرُونَ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ تَتَذَكَّرُونَ فَأُدْغِمَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الذَّال بَعْدَ قَلْبِهَا ذَالًا لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَخَلَفٌ بِتَخْفِيفِ الذَّالِ عَلَى أَنَّ إِحْدَى التَّاءَيْنِ حذفت تَخْفِيفًا.

[158]

[سُورَة الصافات (37) : آيَة 158]

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)

عَطْفٌ عَلَى جملَة لَيَقُولُونَ [الصافات: 151] أَيْ شَفَّعُوا قَوْلَهُمْ: وَلَدَ اللَّهُ [الصافات:

152] ، فَجَعَلُوا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْجِنِّ نَسَبًا بِتِلْكَ الْوِلَادَةِ، أَيْ بَيَّنُوا كَيْفَ حَصَلَتْ تِلْكَ الْوِلَادَةُ بِأَنْ جَعَلُوهَا بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا.

ص: 185

والْجِنَّةِ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الْجِنِّ، فَتَأْنِيثُ اللَّفْظِ بِتَأْوِيلِ الْجَمَاعَةِ مِثْلُ تَأْنِيثِ رَجْلَةَ، الطَّائِفَةُ مِنَ الرِّجَالِ، ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ مِنْ سَرَوَاتِ الْجِنِّ، أَيْ مِنْ فَرِيقِ نِسَاءٍ مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَشْرَافِ الْجِنِّ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [184] .

وَالنَّسَبُ: الْقَرَابَةُ الْعَمُودِيَّةُ أَوِ الْأُفُقِيَّةُ- أَيْ مِنَ الْأَطْرَافِ- وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ ذَوِي نَسَبٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ نسب النبوءة لِزَعْمِهِمْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ جَعَلُوا لِلَّهِ تَعَالَى نَسَبًا لِلْجِنَّةِ وَلِلْجِنَّةِ نَسَبًا لِلَّهِ. وَقَوْلُهُ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ

حَالًا مِنْ نَسَباً أَيْ كَائِنًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ، أَيْ أَنَّ نَسَبَهُ تَعَالَى، أَيْ نَسْله سُبْحَانَهُ ناشىء مِنْ بَيْنِهِ وَبَيْنِ الْجِنِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِ جَعَلُوا، أَيْ جَعَلُوا فِي الِاقْتِرَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنِّ نَسَبًا لَهُ، أَيْ جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ نَسَبًا يَتَوَلَّدُ لَهُ، فَقَوْلُهُ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً هُوَ كَقَوْلِكَ: بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانَةٍ بَنُونَ، أَيْ لَهُ مِنْهَا وَلَهَا مِنْهُ بَنُونَ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ مُرَادُ مَنْ فَسَّرَهُ بِأَنْ جَعَلُوا الْجِنَّ أَصْهَارًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَتَفْسِيرُهُ النَّسَبَ بِالْمُصَاهَرَةِ تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ النَّسَبَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ كَمَا تَوَهَّمَهُ كَثِيرٌ، لِأَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي دَوَاوِينِ اللُّغَةِ فَلَا تَغْتَرِرْ بِهِ. وَلِعَدَمِ الْغَوْصِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِنَّةِ الْمَلَائِكَةُ، أَيْ جَعَلُوا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ نَسَبَ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَوْلُهُ: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً إِعَادَةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ [الصافات: 151، 152] وَمِنْ قَوْلِهِ: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ [الصافات: 150] .

وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْجِنَّةِ أَصْلُ الْجِنَّةِ وَهُوَ الشَّيْطَانُ وَأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ:

أَنَّهُمْ جَعَلُوا اللَّهَ نَسِيبًا لِلشَّيْطَانِ نَسَبَ الْأُخُوَّةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِ الثَّنَوِيَّةِ مِنَ الْمَجُوسِ بِوُجُودِ إِلَهٍ لِلْخَيْرِ هُوَ اللَّهُ، وَإِلَهٍ لِلشَّرِّ هُوَ الشَّيْطَانُ وَهُمْ مِنْ مِلَلِ مَجُوسِ فَارِسَ وَسَمَّوْا إِلَهَ الْخَيْرِ (يَزْدَانَ) وَإِلَهَ الشَّرِّ (أَهْرُمُنْ) وَقَالُوا: كَانَ إِلَهُ الْخَيْرِ وَحْدَهُ فَخَطَرَ لَهُ خَاطِرٌ فِي نَفْسِهِ مِنَ الشَّرِّ فَنَشَأَ مِنْهُ إِلَهُ الشَّرِّ هُوَ (أَهْرُمُنْ) وَهُوَ مَا نَعَاهُ الْمَعَرِّيُّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:

ص: 186

قَالَ أُنَاسٌ بَاطِلٌ زَعْمُهُمْ

فَرَاقِبُوا اللَّهَ وَلَا تَزْعُمُنْ

فَكَّرَ (يَزْدَانُ) عَلَى غِرَّةٍ

فَصِيغَ مِنْ تَفْكِيرِهِ (أَهْرُمُنْ)

وَهَذَا الدِّينُ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ بَعْضِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عَرَبِ الْعِرَاقِ الْمُجَاوِرِينَ لِبِلَادِ فَارِسَ وَالْخَاضِعِينَ لِسُلْطَانِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ، وَلِأَنَّ الْجِنَّةَ لَا يَشْمَلُ الشَّيَاطِينَ إِذَا أُطْلِقَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ إِلَّا أَنَّهُ تَمَيَّزَ بِهِ صِنْفٌ خَاصٌّ مِنْهُمْ.

وَجُمْلَةُ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَبَيْنَ جُمْلَةِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 159] وجَعَلُوا بَيْنَهُ إِلَخْ

حَالٌ وَالْوَاوُ حَالِيَّةٌ، وَضَمِيرُ إِنَّهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ أَوْ إِلَى الْجِنَّةِ، وَالْوَجْهَانِ مُرَادَانِ فَإِن الْفَرِيقَيْنِ معاقبان. وَالْمُحْضَرُونَ: الْمَجْلُوبُونَ لِلْحُضُورِ، وَالْمُرَادُ: مُحَضَرُونَ لِلْعِقَابِ، بِقَرِينَةِ مَقَامِ التَّوْبِيخِ فَإِنَّ التَّوْبِيخَ يَتْبَعُهُ التَّهْدِيدُ، وَالْغَالِبُ فِي فِعْلِ الْإِحْضَارِ أَنْ يُرَادَ بِهِ إِحْضَارُ

سُوءٍ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات: 57] وَلِذَلِكَ حَذَفَ مُتَعَلِّقَ «مُحْضَرُونَ» ، فَأَمَّا الْإِتْيَانُ بِأَحَدٍ لِإِكْرَامِهِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ الْمَجِيءُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْجِنَّ تَعْلَمُ كَذِبَ الْمُشْرِكِينَ فِي ذَلِكَ كَذِبًا فَاحِشًا يُجَازَوْنَ عَلَيْهِ بِالْإِحْضَارِ لِلْعَذَابِ، فَجُعِلَ «مُحْضَرُونَ» كِنَايَةً عَنْ كَذِبِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا صَادِقِينَ مَا عُذِّبُوا عَلَى قَوْلِهِمْ ذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ حَاصِلٌ لِلْجِنِّ فِيمَا مَضَى، وَلَعَلَّ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُمْ مِنْ زَمَانِ تَمَكُّنِهِمْ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاضِي فِي مَوْضِعِ الْمُسْتَقْبَلِ لِتَحْقِيقِ وُقُوعِهِ مِثْلَ أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: 1] ، أَيْ سَتَعْلَمُ الْجِنَّةُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُمْ يَتَحَقَّقُونَ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَ الْعَذَابِ عَنْهُمْ فَقَدْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ لِاعْتِقَادِ وَجَاهَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ بِالصَّهْرِ الَّذِي لَهُم.

ص: 187