الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَذْفِ الْمَفْعُولِ لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَكِلَا الْحَذْفَيْنِ شَائِعٌ.
وَفُرِّعَ عَلَيْهِ اسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِ لِعَدَمِ شُكْرِهِمْ بِأَنِ اتَّخَذُوا لِلَّذِي أَوْجَدَ هَذَا الصُّنْعَ الْعَجِيبَ أَنْدَادًا. وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ مُبَالغَة فِي إِنْكَار كُفْرِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ حَقِيقٌ بِأَنْ يُكَرَّرُوا شُكْرُهُ فَكَيْفَ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى الْإِشْرَاك بِهِ.
[36]
[سُورَة يس (36) : آيَة 36]
سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ [يس: 33] وَجُمْلَةِ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ [يس:
37] ، أَثَارَهُ ذِكْرُ إِحْيَاءِ الْأَرْضِ وَإِخْرَاجِ الْحَبِّ وَالشَّجَرِ مِنْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْوَالًا وَإِبْدَاعًا عَجِيبًا يُذَكِّرُ بِتَعْظِيمِ مُودِعِ تِلْكَ الصَّنَائِعِ بِحِكْمَتِهِ وَذَلِكَ تَضَمَّنَ الِاسْتِدْلَالُ بِخَلْقِ الْأَزْوَاجِ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِدْمَاجِ. وسُبْحانَ هُنَا لِإِنْشَاءِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ تَنْزِيهًا عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِإِلَهِيَّتِهِ وَأَعْظَمُهُ الْإِشْرَاكُ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا. وَإِجْرَاءُ الْمَوْصُولِ عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ إِنْشَاءِ التَّنْزِيهِ وَالتَّعْظِيمِ. وَقَدْ مَضَّى الْكَلَامُ عَلَى سُبْحَانَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا.
والْأَزْواجَ: جَمْعُ زَوْجٍ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ الْحَيَوَانِ، وَيُطْلَقُ
الزَّوْجُ عَلَى مَعْنَى الصِّنْفِ الْمُتَمَيِّزِ بخواصه من نوع الْمَوْجُودَاتِ تَشْبِيهًا لَهُ بِصِنْفِ الذَّكَرِ وَصِنْفِ الْأُنْثَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ طه [53] ، وَالْإِطْلَاقُ الْأَوَّلُ هُوَ الْكَثِيرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّاغِبِ، وَهُوَ الَّذِي يُنَاسِبُهُ نَقْلُ اللَّفْظِ مِنَ الزَّوْجِ الَّذِي يَكُونُ ثَانِيًا لِآخَرَ، فَيَجُوزُ أَن يحمل للأزواج فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَيَكُونَ تَذْكِيرًا بِخَلْقِ أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ الَّذِي مِنْهُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَتَكُونَ مِنْ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ ابْتِدَائِيَّةً مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ خَلَقَ.
وَهَذَا إِدْمَاجٌ لِذَكَرِ آيَةٍ أُخْرَى مِنْ آيَاتِ الِانْفِرَادِ بِالْخَلْقِ، فَخَلْقُ الْحَيَوَانِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقُوَى لِتَنَاسُلِهِ وَحِمَايَةِ نَوْعِهِ وَإِنْتَاجِ مَنَافِعِهِ، هُوَ أَدَقُّ الْخَلْقِ صُنْعًا وَأَعْمَقُهُ حِكْمَةً، وَأَدْخَلُهُ فِي الْمِنَّةِ عَلَى الْإِنْسَانِ، بِأَنْ جُعِلَتْ مَنَافِعُ الْحَيَوَانِ لَهُ كَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ. فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ خُصَّ مِنْ بَيْنِ الْخَلْقِ الْآخَرِ بِقَرْنِهِ بِالتَّسْبِيحِ لِخَالِقِهِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهِ وَتَفَنُّنًا فِي سَرْدِ أَعْظَمِ الْمَوَالِيدِ الناشئة عَن إِيدَاع قُوَّةِ الْحَيَاةِ لِلْأَرْضِ وَانْبِثَاقِ أَنْوَاعِ الْأَحْيَاءِ وَأَصْنَافِهَا مِنْهَا، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ قَبْلَ غَيْرِهِ مِنْ مَبَادِئِ التَّخَلُّقِ لِأَنَّهُ الْأَسْبَقُ فِي تَكْوِينِ مَوَادِّ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنَ النُّطَفِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، وَتَتَوَلَّدُ النُّطَفُ مِنْ قُوَى الْأَغْذِيَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ تَنَاوُلِ النَّبَاتِ فَذَلِكَ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ أَيْ وَمِمَّا يَتَكَوَّنُ فِيهِمْ مِنْ أَجْزَائِهِمُ الْحَيَوَانِيَّةِ.
وَجِيءَ بِضَمِيرِ جَمَاعَةِ الْعُقَلَاءِ تَغْلِيبًا لِنَوْعِ الْإِنْسَانِ نَظَرًا لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ بِالْعِبْرَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلِلتَّخَلُّصِ إِلَى تَخْصِيصِهِ بِالْعِبْرَةِ فِي قَوْلِهِ: وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ.
وَإِشَارَةُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ إِلَى أَسْرَارٍ مُودَعَةٍ فِي خَلْقِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ وَأَصْنَافِهِ هِيَ الَّتِي مَيَّزَتْ أَنْوَاعَهُ عَنْ بَعْضٍ وَمَيَّزَتْ أَصْنَافَهُ وَذُكُورَهُ عَنْ إِنَاثِهِ، وَأَوْدَعَتْ فِيهِ الرُّوحَ الَّذِي امْتَازَ بِهِ عَنِ النَّبَات بتدبير شؤونه عَلَى حَسَبِ اسْتِعْدَادِ كُلِّ نَوْعٍ وَكُلِّ صِنْفٍ حَتَّى يَبْلُغَ فِي الِارْتِقَاءِ إِلَى أَشْرَفِ الْأَنْوَاعِ وَهُوَ نَوْعُ الْإِنْسَانِ، فَمَعْنَى وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ: مِمَّا لَا يَعْلَمُونَهُ تَفْصِيلًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَشْعُرُونَ بِهِ إِجْمَالًا، فَإِنَّ الْمُتَأَمِّلَ يَعْلَمُ أَنَّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَسْرَارًا خَفِيَّةً لَمْ تَصِلْ أَفْهَامُهُمْ إِلَى إِدْرَاكِ كُنْهِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ الرُّوحُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الْإِسْرَاء: 85] .
وَقَدْ يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فِي إِدْرَاكِ بَعْضِ تِلْكَ الْخَصَائِصِ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا ثُمَّ يَسْتَوُونَ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِبَعْضِهَا، وَقَدْ يَمْتَازُ بَعْضُ الطَّوَائِفِ أَوِ الْأَجْيَالِ بِمَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ دَقَائِقَ الْخَلْقِ بِسَبَبِ اكْتِشَافٍ أَوْ تجربة أَو تقضي آثَارٍ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا غَيْرُ أُولَئِكَ ثُمَّ يَسْتَوُونَ فِيمَا بَقِيَ
تَحْتَ طَيِّ الْخَفَاءِ مِنْ دَقَائِقِ التَّكْوِينِ، فَبِهَذَا الشُّعُورِ الْإِجْمَالِيِّ بِهَا وَقَعَ عَدُّهَا فِي ضِمْنِ الِاعْتِبَارِ بِآيَةِ خَلْقِ الْأَزْوَاجِ مِنْ جَمِيعِ النَّوَاحِي.
وَإِذَا حُمِلَ الْأَزْواجَ فِي قَوْلِهِ: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها عَلَى الْمَعْنَى