المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة ص (38) : الآيات 75 إلى 76] - التحرير والتنوير - جـ ٢٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 55 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 60 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 77 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 83]

- ‌37- سُورَةُ الصَّافَّاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 22 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 27 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 40 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 50 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 58 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 62 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 75 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 83 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 88 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 103 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 112 الى 113]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 114 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 117 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 123 إِلَى 132]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 133 إِلَى 136]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 137 إِلَى 138]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 139 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 147 إِلَى 148]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 150]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 151 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 153 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 161 إِلَى 163]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 167 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 171 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 176 إِلَى 177]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 178 إِلَى 179]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 180 إِلَى 182]

- ‌38- سُورَةُ ص

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 17 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 21 الى 25]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 31 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 45 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 49 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 67 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 79 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 86 إِلَى 88]

- ‌39- سُورَةُ الزُّمَرِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

الفصل: ‌[سورة ص (38) : الآيات 75 إلى 76]

وَهَذَا نَامُوسٌ خِلْقِيٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ مَبْدَأً لِهَذَا الْعَالَمِ قَبْلَ تَعْمِيرِهِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْحَوَادِثُ وَالْمَضَائِقُ مِعْيَارِ الْأَخْلَاقِ وَالْفَضِيلَةِ، فَلَا يُحْكَمُ عَلَى نَفْسٍ بِتَزْكِيَةٍ أَوْ ضِدِّهَا إِلَّا بَعْدَ تَجْرِبَتِهَا وَمُلَاحَظَةِ تَصَرُّفَاتِهَا عِنْدَ حُلُولِ الْحَوَادِثِ بِهَا. وَقَدْ مُدِحَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْخَيْرِ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ أَرَيْتُمُوهُ الْأَبْيَضَ وَالْأَصْفَرَ؟ يَعْنِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ. وَقَالَ الشَّاعِر:

لَا تمد حنّ امْرأ حَتَّى تُجَرِّبَهُ

وَلَا تَذُمَّنَّهُ مِنْ قَبْلِ تَجْرِيبِ.

إِنَّ الرِّجَالَ صَنَادِيقٌ مُقَفَّلَةٌ

وَمَا مَفَاتِيحُهَا غِيَرُ التَّجَارِيبِ

وَوَجْهُ كَوْنِهِ مِنَ الْكَافِرِينَ أَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ امْتِنَاعَ طَعْنٍ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ، وَذَلِكَ كُفْرٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَ كَامْتِنَاعِ أَحَدٍ مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ إِنْ لَمْ يَجْحَدْ أَنَّهَا حَقٌّ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَكَذَلِكَ الْمُعْتَزلَة.

[75- 76]

[سُورَة ص (38) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (75) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)

أَيْ خَاطَبَ اللَّهُ إِبْلِيسَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ حِينَئِذٍ كَانَ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا اسْتَكْبَرَ قَدِ انْسَلَخَ عَنْ صِفَةِ الْمَلَكِيَّةِ فَلم يعد بعد أَهْلًا لِتَلَقِّي الْخِطَابِ مِنَ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنَ الرُّسُلِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ [الشورى:

51] ، وَبِذَلِكَ تَكُونُ الْمُحَاوَرَةُ الْمَحْكِيَّةُ هُنَا بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ فَيَكُونُ الِاخْتِصَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى جَعْلِ ضمير يَخْتَصِمُونَ [ص: 69] عَائِدًا إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى كَمَا تَقَدَّمَ.

وَجِيءَ بِفِعْلِ قالَ غَيْرَ مَعْطُوفٍ حَسْبَ طَرِيقَةِ الْمُقَاوَلَاتِ. وَتَقَدَّمَ قَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ إِلَّا قَوْلَهُ هُنَا مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ، أَيْ مَا مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ، وَوَقَعَ فِي سُورَة [الْأَعْرَاف: 12] أَلَّا تَسْجُدَ عَلَى أَنْ لَا زَائِدَةً. وَحُكِيَ هُنَا أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُ: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، أَيْ خَلَقْتُهُ بِقُدْرَتِي، أَيْ خَلْقًا خَاصًّا دَفْعَةً وَمُبَاشَرَةً لِأَمْرِ التَّكْوِينِ، فَكَانَ تَعَلُّقُ هَذَا التكوين تعلقا أَقْرَبَ مَنْ تَعَلُّقِهِ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودَاتِ

ص: 302

الْمُرَتَّبَةِ لَهَا أَسْبَابٌ تُبَاشِرُهَا مِنْ حَمَلٍ وَوِلَادَةٍ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي تَخَلُّقِ الْمَوْجُودَاتِ عَنْ أُصُولِهَا. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ خَلْقَ آدَمَ فِيهِ عِنَايَةٌ زَائِدَةٌ وَتَشْرِيفُ اتِّصَالٍ أَقْرَبُ. فَالْيَدَانِ تَمْثِيلٌ لِتَكَوُّنِ آدَمَ مِنْ مُجَرَّدِ أَمْرِ التَّكْوِينِ لِلطِّينِ بِهَيْئَةِ صُنْعِ الْفَخَّارِيِّ لِلْإِنَاءِ مِنْ طِينٍ إِذْ يُسَوِّيهِ بِيَدَيْهِ. وَكَانَ السَّلَفُ يُقِرُّونَ أَنَّ الْيَدَيْنِ صِفَةٌ خَاصَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ مَعَ جَزْمِهِمْ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْمَخْلُوقَاتِ وَعَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَقَصْدُهُمُ الْحَذَرُ مِنْ تَحْكِيمِ الْآرَاءِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ، أَوْ أَنْ تَحْمِلَ الْعُقُولُ الْقَاصِرَةُ صِفَاتِ اللَّهِ عَلَى مَا تَعَارَفَتْهُ وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي [طه: 39] وَقَالَ مَرَّةً فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطّور: 48] . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْآيَات المشاهبة فِي أَوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ.

وَفِي إِلْقَاءِ هَذَا السُّؤَالِ إِلَى إِبْلِيسَ قَطْعٌ بِمَعْذِرَتِهِ. وَالْمَعْنَى: أَمِنْ أَجْلِ أَنَّكَ تَتَعَاظَمُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَمْ لِأَنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْعُلُوِّ، وَالْمُرَادُ بِالْعُلُوِّ الشَّرَفُ، أَيْ مِنَ الْعَالِينَ عَلَى آدَمَ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ تُعَظِّمَهُ فَأَجَابَ إِبْلِيسُ مِمَّا يُشَقُّ الثَّانِي. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ يَعُدُّ نَفْسَهُ أَفْضَلَ مِنْ آدَمَ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنَ النَّارِ وَآدَمَ مَخْلُوقٌ مِنَ الطِّينِ، يَعْنِي وَالنَّارُ أَفْضَلُ مِنَ الطِّينِ، أَيْ فِي رَأْيِهِ. وَعَبَّرَ عَنْ آدَمَ بَاسِمِ «مَا» الْمَوْصُولَةِ وَهُوَ حِينَئِذٍ إِنْسَانٌ لِأَنَّ سُجُودَ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ كَانَ بَعْدَ خَلْقِهِ وَتَعْلِيمِهِ الْأَسْمَاءَ كَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ أَنَّ «مَا» لَا تَخْتَصُّ بِغَيْرِ الْعَاقِلِ وَشَوَاهِدُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ.

وَقَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ قَوْلٌ مِنَ الشَّيْطَانَ حُكِيَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَاتِ. وَجُمْلَةُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ. وَقَدْ جَعَلَ إِبْلِيسُ عُذْرَهُ مَبْنِيًّا عَلَى تَأْصِيلِ أَنَّ النَّارَ خَيْرٌ مِنَ الطِّينِ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ اللَّهَ رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا التَّأْصِيلَ لِأَنَّهُ أَحْقَرُ مِنْ ذَلِكَ فَلَعَنَهُ وَأَطْرَدَهُ لِأَنَّهُ ادَّعَى بَاطِلًا وَعَصَى رَبَّهُ اسْتِكْبَارًا: وَطَرْدُهُ أَجْمَعُ لِإِبْطَالِ عِلْمِهِ وَدَحْضِ دَلِيلِهِ، غَيْرَ أَنَّ النُّورَ الَّذِي فِي النَّارِ نُورٌ عَارِضٌ قَائِمٌ بِالْأَجْسَامِ الْمُلْتَهِبَةِ

الَّتِي تُسَمَّى نَارًا، وَلَيْسَ لِلنَّارِ قِيَامٌ بِنَفْسِهَا وَلِذَلِكَ لَمْ تُعَدَّ أَنْ يَكُونَ كِيَانُهَا مَخْلُوطًا بِمَا يُلْهِبُهَا.

وَمَعْنَى كَوْنِ الشَّيْطَانِ مَخْلُوقًا مِنَ النَّارِ أَنَّ ابْتِدَاءَ تَكَوُّنِ الذَّرَّةِ الْأَصْلِيَّةِ لِقِوَامِ

ص: 303

مَاهِيَّتِهِ مِنْ عُنْصُرِ النَّارِ، ثُمَّ تَمْتَزِجُ تِلْكَ الذَّرَّةُ بِعَنَاصِرَ أُخْرَى مِثْلَ الْهَوَاءِ وَمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَمَعْنَى كَوْنِ آدَمَ مَخْلُوقًا مِنَ الطِّينِ أَنَّ ابْتِدَاءَ تَكَوُّنِ ذَرَّاتِ جُثْمَانِهِ مِنْ عُنْصُرِ التُّرَابِ وَأُدْخِلَ عَلَى تِلْكَ الذَّرَّاتِ مَا امْتَزَجَتْ بِهِ عَنَاصِرُ الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ وَمَا يَتَوَلَّدُ عَلَى ذَلِكَ التَّرْكِيبِ مِنْ عَنَاصِرَ كِيمَاوِيَّةٍ وَقُوَّةٍ كَهْرَبَائِيَّةٍ تَتَقَوَّمُ بِمَجْمُوعِهَا مَاهِيَّةُ الْإِنْسَانِ.

وَتَكُونُ مِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ابْتِدَائِيَّةً لَا تَبْعِيضِيَّةً.

وَقَدْ جَزَمَ الْفَلَاسِفَةُ الْأَوَّلُونَ وَالْأَطِبَّاءُ بِأَنَّ عُنْصُرَ النَّارِ أَشْرَفُ مِنْ عُنْصُرِ التُّرَابِ- وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْأَرْضِ- لِأَنَّ النَّارَ لَطِيفَةٌ مُضِيئَةُ اللَّوْنِ وَالتُّرَابَ كَثِيفٌ مُظْلِمُ اللَّوْنِ.

وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي «شَرْحِ كُلِّيَّاتِ الْقَانُونِ» : إِنَّ النَّارَ وَإِنْ تَرَجَّحَتْ عَلَى الْأَرْضِ بِمَا ذُكِرَ فَالْأَرْضُ رَاجِحَةٌ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا خَيْرٌ لِلْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ، وَغَيْرُ مُفْسِدَةٍ بِبَرْدِهَا، بِخِلَافِ النَّارِ فَإِنَّهَا مُفْسِدَةٌ بِحَرِّهَا لِكَوْنِهِ فِي الْغَايَةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَالْحَقُّ: أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْعَنَاصِرِ لَا تَقْتَضِي أَفْضَلِيَّةَ الْكَائِنَاتِ الْمُنْشَأَةِ مِنْهَا لِأَنَّ الْعَنَاصِرَ أَجْرَامٌ بَسِيطَةٌ لَا تَتَكَوَّنُ الْمَخْلُوقَاتُ مِنْ مُجَرَّدِهَا بَلِ الْمَخْلُوقَاتُ تَتَكَوَّنُ بِالتَّرْكِيبِ بَيْنَ الْعَنَاصِرِ، وَالْأَجْسَامُ الْإِنْسَانِيَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْعَنَاصِرِ كُلِّهَا. وَالرُّوحُ الْآدَمِيُّ لَطِيفَةٌ نُورَانِيَّةٌ تَفَوَّقَ بِهَا الْإِنْسَانُ عَلَى جَمِيعِ الْمُرَكَّبَاتِ بِأَنْ كَانَ فِيهِ جُزْءٌ مَلَكِيٌّ شَارَكَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ، وَلِذَلِكَ طَلَبَ مِنْهُ خَالِقُهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ أَنْ يُلْحِقَ نَفْسَهُ بِالْمَلَائِكَةِ فَتَحَقَّقَ ذَلِكَ الِالْتِحَاقُ كَامِلًا فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قُلْنَا: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ أَفْضَلُ من الْمَلَائِكَة لَا ستواء الْفَرِيقَيْنِ فِي تَمَحُّضُ النُّورَانِيَّةِ وَتَمَيَّزَ فَرِيقُ الْأَنْبِيَاءِ بِأَنَّهُمْ لَحِقُوا تِلْكَ الْمَرَاتِبَ بِالِاصْطِفَاءِ وَالطَّاعَةِ، فَلَيْسَ لِإِبْلِيسَ دَلِيلٌ فِي التَّفْضِيلِ عَلَى آدَمَ وَإِنَّمَا عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ ضَالَّةٌ وَلِذَلِكَ جُوزِيَ عَلَى إِبَائِهِ مِنَ السُّجُودِ إِلَيْهِ بِالطَّرْدِ مِنَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى.

وَإِنَّمَا بَسَطْنَا الْقَوْلَ هُنَا لِرَدِّ شُبَهِ طَائِفَةٍ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ يُصَوِّبُونَ شُبْهَةَ إِبْلِيسَ طَعْنًا فِي الدِّينِ لَا إِيمَانًا بِالشَّيَاطِينِ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ النَّارَ أَشْرَفُ مِنَ الطِّينِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا أَنْ يَكُونَ مَا يَنْشَأُ مِنَ النَّارِ أَفْضَلُ مِمَّا يَنْشَأُ مِنَ الطِّينِ لِأَنَّ

ص: 304