المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة ص (38) : الآيات 34 إلى 35] - التحرير والتنوير - جـ ٢٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 41 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 55 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 60 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 66 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة يس (36) : الْآيَات 77 إِلَى 79]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة يس (36) : آيَة 83]

- ‌37- سُورَةُ الصَّافَّاتِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 1 إِلَى 4]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 22 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 27 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 33 إِلَى 34]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 35 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 40 إِلَى 49]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 50 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 58 إِلَى 60]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 62 إِلَى 68]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 69 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 75 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 83 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 88 إِلَى 96]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 103 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 112 الى 113]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 114 إِلَى 116]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 117 إِلَى 122]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 123 إِلَى 132]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 133 إِلَى 136]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 137 إِلَى 138]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 139 إِلَى 144]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 145 إِلَى 146]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 147 إِلَى 148]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 149]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 150]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 151 إِلَى 152]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 153 إِلَى 157]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 158]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 159]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : آيَة 160]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 161 إِلَى 163]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 164 إِلَى 166]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 167 إِلَى 170]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 171 إِلَى 173]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 174 إِلَى 175]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 176 إِلَى 177]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 178 إِلَى 179]

- ‌[سُورَة الصافات (37) : الْآيَات 180 إِلَى 182]

- ‌38- سُورَةُ ص

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 17 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 21 الى 25]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 31 إِلَى 33]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 41 إِلَى 42]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 45 إِلَى 47]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 49 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 57 إِلَى 58]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 62 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة ص (38) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 67 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 71 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 75 إِلَى 76]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 77 إِلَى 78]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 79 إِلَى 81]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 82 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة ص (38) : الْآيَات 86 إِلَى 88]

- ‌39- سُورَةُ الزُّمَرِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 1 إِلَى 2]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 14 إِلَى 15]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 25 إِلَى 26]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الزمر (39) : الْآيَات 30 إِلَى 31]

الفصل: ‌[سورة ص (38) : الآيات 34 إلى 35]

فَانْفَلَقَ [الشُّعَرَاء: 63] . وَيَكُونُ قَوْلُهُ: رُدُّوها عَلَيَّ مِنْ مَقُولِ: فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ.

[34- 35]

[سُورَة ص (38) : الْآيَات 34 إِلَى 35]

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)

قَدْ قُلْتُ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ [ص: 30] أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ مَنَاقِبِ سُلَيْمَانَ لَمْ يَخْلُ مِنْ مَقَاصِدِ ائْتِسَاءٍ وَعِبْرَةٍ وَتَحْذِيرٍ عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي ابْتِدَارِ وَسَائِلِ الْإِرْشَادِ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، فَكَذَلِكَ كَانَتِ الْآيَاتُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِنَدَمِهِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْخَيْلِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ مَوقِعَ أُسْوَةٍ بِهِ فِي مُبَادَرَةِ التَّوْبَةِ وَتَحْذِيرٍ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ غَفْلَتِهِ، وَكَذَلِكَ جَاءَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مُشِيرَةً إِلَى فِتْنَةٍ عَرَضَتْ لِسُلَيْمَانَ أَعْقَبَتْهَا إِنَابَةٌ ثُمَّ أَعْقَبَتْهَا إِفَاضَةُ نِعَمٍ عَظِيمَةٍ فَذُكِرَتْ عَقِبَ ذِكْرِ قِصَّةِ مَا نَالَهُ مِنَ السَّهْوِ عَنْ عِبَادَتِهِ وَهُوَ دُونَ الْفِتْنَةِ. وَالْفَتْنُ وَالْفُتُونُ وَالْفِتْنَةُ: اضْطِرَابُ الْحَالِ الشَّدِيدِ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ مِقْدَارُ صَبْرِ وَثَبَاتِ مَنْ يَحِلُّ بِهِ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [102] .

وَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى حَدَثٍ عَظِيمٍ حَلَّ بِسُلَيْمَانَ، وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ فَذَكَرُوا قَصَصًا هِيَ بِالْخُرَافَاتِ أَشْبَهُ، وَمَقَامُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَمْثَالِهَا أَنْزَهُ. وَمِنْ أَغْرَبِهَا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ فَخَافَ عَلَيْهِ النَّاسَ أَنْ يَقْتُلُوهُ فَاسْتَوْدَعَهُ الرِّيحَ لِتَحْضُنَهُ وَتُرْضِعَهُ دَرَّ مَاءِ الْمُزْنِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَصَابَهُ الْمَوْتُ وَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا مَرَدَّ لِمَحْتُومِ الْمَوْتِ. وَهَذَا مَا نَظَمَهُ الْمَعَرِّيُّ تَبَعًا لِأَوْهَامِ النَّاسِ فَقَالَ حِكَايَةً عَنْ سُلَيْمَانَ:

خَافَ غَدْرَ الْأَنَامِ فَاسْتَوْدَعَ الرِّي

حَ سَلِيلًا تَغْذُوهُ دَرَّ الْعِهَادِ

وَتَوَخَّى النَّجَاةَ وَقَدْ أَيْ

قَنَ أَنَّ الْحِمَامَ بِالْمِرَصَادِ

ص: 259

فَرَمَتْهُ بِهِ عَلَى جَانِبِ الْكُرْ

سِيِّ أُمُّ اللُّهَيْمِ أُخْتُ النَّآدِ (1)

وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً إِشَارَةٌ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْفِتْنَةِ لِيَرْتَبِطَ قَوْلُهُ: ثُمَّ أَنابَ بِذَلِكَ.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ قِصَّةِ فِتْنَتِهِ. وَأَظْهَرُ أَقْوَالِهِمْ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ إِشَارَةً إِلَى مَا

فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلم تحمل مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَأَيْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ»

. وَلَيْسَ فِي كَلَام النبيء صلى الله عليه وسلم أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا وَضَعَ الْبُخَارِيُّ وَلَا التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ كِتَابَيْهِمَا. قَالَ جَمَاعَةٌ: فَذَلِكَ النِّصْفُ مِنَ الْإِنْسَانِ هُوَ الْجَسَدُ الْمُلْقَى عَلَى كُرْسِيِّهِ جَاءَتْ بِهِ الْقَابِلَةُ فَأَلْقَتْهُ لَهُ وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، فَالْفِتْنَةُ عَلَى هَذَا خَيْبَةُ أَمَلِهِ وَمُخَالَفَةُ مَا أَبْلَغَهُ صَاحِبُهُ.

وَإِطْلَاقُ الْجَسَدِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْلُودِ إِمَّا لِأَنَّهُ وُلِدَ مَيِّتًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ:«شِقِّ رَجُلٍ» ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ خِلْقَةً غَيْرَ مُعْتَادَةٍ فَكَانَ مُجَرَّدَ جَسَدٍ. وَهَذَا تَفْسِيرٌ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ الشِّقَّ الَّذِي وَلَدَتْهُ الْمَرْأَةُ كَانَ حَيًّا وَلَا أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ. وَتَرْكِيبُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ تَكَلُّفٌ.

وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: تَزَوَّجَ سُلَيْمَانُ ابْنَةَ مَلِكِ صَيْدُونَ بَعْدَ أَنْ غَزَا أَبَاهَا وَقَتَلَهُ فَكَانَتْ حَزِينَةً عَلَى أَبِيهَا، وَكَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ شَغَفَ بِحُبِّهَا فَسَأَلَتْهُ لِتَرْضَى أَنْ يَأْمُرَ الْمُصَوِّرِينَ لِيَصْنَعُوا صُورَةً لِأَبِيهَا فَصُنِعَتْ لَهَا فَكَانَتْ تَغْدُو وَتَرُوحُ مَعَ وَلَائِدِهَا يَسْجُدْنَ لِتِلْكَ الصُّورَةِ فَلَمَّا عَلِمَ سُلَيْمَانُ بِذَلِكَ أَمَرَ بِذَلِكَ التِّمْثَالِ فَكُسِرَ، وَقِيلَ: كَانَتْ تَعْبُدُ صَنَمًا لَهَا مِنْ يَاقُوتٍ خُفْيَةً فَلَمَّا فَطِنَ سُلَيْمَانُ أَوْ أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ تُرِكَ ذَلِكَ الصَّنَمُ.

(1) اللهيم كزبير: الداهية: والنّآد كسحاب: الداهية أَيْضا.

ص: 260

وَهَذَا الْقَوْلُ مُخْتَزَلٌ مِمَّا وَقَعَ فِي «سِفْرِ الْمُلُوكِ» الْأَوَّلِ مِنْ كُتُبٍ الْيَهُودِ إِذْ جَاءَ فِي الْإِصْحَاحِ الْحَادِي عَشَرَ: وَأَحَبَّ سُلَيْمَانُ نِسَاءً غَرِيبَةً كُثَيْرَةَ بِنْتَ فِرْعَوْنَ وَمَعَهَا نِسَاءٌ مُؤَابَيَاتٌ وَعَمُونِيَّاتٌ، وَأَدُومِيَّاتٌ وَصَيْدَوَنِيَّاتٌ وَحَثَيَاتٌ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي قَالَ عَنْهُمُ الرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لَا تَدْخُلُونَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ يُمِيلُونَ قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ. فَبَنَى هَيْكَلًا لِلصَّنَمِ (كَمُوشَ) صَنَمِ الْمُؤَابِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورْشَلِيمَ فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ لَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي فَإِنِّي أُمَزِّقُ مَمْلَكَتَكَ بَعْدَكَ تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ وَلَا أُعْطِي ابْنَكَ إِلَّا سِبْطًا وَاحِدًا إِلَخْ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: أَنَّ سُلَيْمَانَ اجْتَهَدَ وَسَمَحَ لِنِسَائِهِ الْمُشْرِكَاتِ أَنْ يَعْبُدْنَ أَصْنَامَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ الَّتِي هِيَ بُيُوتُهُ أَوْ بَنَى لَهُنَّ مَعَابِدَ يَعْبُدْنَ فِيهَا فَلَمْ يَرْضَ اللَّهُ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَبَاحَ لَهُ تَزَوُّجَ الْمُشْرِكَاتِ فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِنَبِيءٍ أَنْ يَسْمَحَ لِنِسَائِهِ بِذَلِكَ الَّذِي أُبِيحَ لِعَامَّةِ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَ الْمُشْرِكَاتِ وَإِنْ كَانَ سُلَيْمَانُ تَأَوَّلَ أَنَّ ذَلِكَ قَاصِرٌ عَلَى الْمَرْأَةِ

لَا يَتَجَاوَزُ إِلَيْهِ.

وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْجَسَدِ الصَّنَمَ لِأَنَّهُ صُورَةٌ بِلَا رُوحٍ كَمَا سَمَّى اللَّهُ الْعِجْلَ الَّذِي عَبَدَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ جَسَدًا فِي قَوْلِهِ: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ [طه:

88] .

وَيَكُونُ مَعْنَى إِلْقَائِهِ عَلَى كُرْسِيِّهِ نَصْبَهُ فِي بُيُوتِ زَوْجَاتِهِ الْمُشْرِكَاتِ بِقُرْبٍ مِنْ مَوَاضِعِ جُلُوسِهِ إِذْ يَكُونُ لَهُ فِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا كُرْسِيٌّ يَجْلِسُ عَلَيْهِ.

وَعُطِفَ ثُمَّ أَنابَ بِحَرْفِ ثُمَّ الْمُفِيدِ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ لِأَنَّ رُتْبَةَ الْإِنَابَةِ أَعْظَمُ ذِكْرٍ فِي قَوْلِهِ: فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ [ص: 32] . وَالْإِنَابَةُ: التَّوْبَةُ.

وَجُمْلَةُ قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ أَنابَ لِأَنَّ الْإِنَابَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى تَرَقُّبِ الْعَفْوِ عَمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ صَدَرَ مِنْهُ مِمَّا لَا يَرْضَى اللَّهُ تَعَالَى صُدُورَهُ مِنْ أَمْثَالِهِ.

وَإِرْدَافُهُ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ بِاسْتِيهَابِ مُلْكٍ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ لِأَنَّهُ تَوَقَّعَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ أَمْرَيْنِ: الْعِقَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَسَلْبَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا إِذْ قَصَّرَ فِي شُكْرِهَا، وَكَانَ سُلَيْمَانُ يَوْمَئِذٍ فِي مُلْكٍ عَظِيمٍ فَسُؤَالُ مَوْهِبَةِ الْمُلْكِ مُرَادٌ بِهِ اسْتِدَامَةُ

ص: 261

ذَلِكَ الْمُلْكِ وَصِيغَةُ الطَّلَبِ تَرِدُ لِطَلَبِ الدَّوَامِ مِثْلَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النِّسَاء: 136] . وَتَنْكِيرُ مُلْكاً لِلتَّعْظِيمِ.

وَارْتَقَى سُلَيْمَانُ فِي تَدَرُّجِ سُؤَالِهِ إِلَى أَنْ وَصَفَ مُلْكًا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، أَيْ لَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، أَيْ لَا يُعْطِيهِ اللَّهُ أَحَدًا يَبْتَغِيهِ مِنْ بَعْدِهِ. فَكَنَّى بِ لَا يَنْبَغِي عَنْ مَعْنَى لَا يُعْطَى لِأَحَدٍ، أَيْ لَا تُعْطِيهِ أَحَدًا مِنْ بَعْدِي.

فَفِعْلُ: يَنْبَغِي مُطَاوِعُ بَغَاهُ، يُقَالُ: بَغَاهُ فَانْبَغَى لَهُ وَلَيْسَ لِلْمُلْكِ اخْتِيَارٌ وَانْبِغَاءٌ وَإِنَّمَا اللَّهُ هُوَ الْمُعْطِي وَالْمُيَسِّرُ فَإِسْنَادُ الِانْبِغَاءِ إِلَى الْمُلْكِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَحَقِيقَتُهُ: انْبِغَاءُ سَبَبِهِ. وَهَذَا مِنَ التَّأَدِّي فِي دُعَائِهِ إِذْ لَمْ يَقُلْ: لَا تُعْطِهِ أَحَدًا مِنْ بَعْدِي.

وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ لَا يُقِيمَ لَهُ مُنَازِعًا فِي مُلْكِهِ وَأَنْ يُبْقِيَ لَهُ ذَلِكَ الْمُلْكَ إِلَى مَوْتِهِ، فَاسْتَجَابَ فَكَانَ سُلَيْمَانُ يَخْشَى ظُهُورَ عَبْدِهِ (يَرْبَعَامَ بْنِ نَبَاطَ) مِنْ سِبْطِ أَفْرَايِمْ عَلَيْهِ إِذْ كَانَ أَظْهَرَ الْكَيْدَ لِسُلَيْمَانَ فَطَلَبَهُ سُلَيْمَانُ لِيَقْتُلَهُ فَهَرَبَ إِلَى (شَيْشَقَ) فِرْعَوْنِ مِصْرَ وَبَقِيَ فِي مِصْرَ إِلَى وَفَاةِ سُلَيْمَانَ. فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا حَمَلَ سُلَيْمَانَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَثْبِيتَ مُلْكِهِ وَأَنْ لَا يُعْطِيَهُ أَحَدًا غَيْرَهُ. وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ عَدُوَّانِ آخَرَانِ هُمَا (هدد) الأدومي و (رزون) مِنْ أهل صرفة

مقيمين فِي تِخُومِ مَمْلَكَةِ إِسْرَائِيلَ فَخَشِيَ أَنْ يكون الله هيأ هما لِإِزَالَةِ مُلْكِهِ.

وَاسْتُعْمِلَ مِنْ بَعْدِي فِي مَعْنَى: مِنْ دُونِي، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية: 23] ، فَيَكُونُ مَعْنَى لَا يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ غَيْرِي، أَيْ فِي وَقْتِ حَيَاتِي فَهَذَا دُعَاءٌ بِأَنْ لَا يُسَلط أحد عَلَى مُلْكِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ.

وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لَا يَكُونُ فِي سُؤَالِهِ هَذَا الْمُلْكَ شَيْءٌ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِأَنْ لَا يَنَالَ غَيْرُهُ مِثْلَ مَا نَالَهُ هُوَ فَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَدُّ مِنَ الْحَسَدِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَبْقَى مِنْ بَعْدِي عَلَى ظَاهِرِهِ، أَيْ بَعْدَ حَيَاتِي. فَمَعْنَى لَا يَنْبَغِي: لَا يَنْبَغِي مِثْلُهُ لِأَحَدٍ بَعْدَ وَفَاتِي. وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ مِنْ سُؤَالِهِ الْإِشْفَاقَ

ص: 262

مِنْ أَنْ يَلِيَ مِثْلَ ذَلِكَ الْمُلْكَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنَ النُّبُوءَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْعِصْمَةِ مَا يَضْطَلِعُ بِهِ لِأَعْبَاءِ مُلْكٍ مِثْلِ ذَلِكَ الْمُلْكِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ مِنَ النُّفُوذِ عَلَى أُمَّتِهِ مَا لِسُلَيْمَانَ عَلَى أُمَّتِهِ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يُحْسَدَ عَلَى الْمُلْكِ فَيَنْجُمُ فِي الْأُمَّةِ مُنَازِعُونَ لِلْمَلِكِ عَلَى مُلْكِهِ، فَيَنْتَفِي أَيْضًا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إِيهَامُ أَنَّهُ سَأَلَ ذَلِكَ غَيْرَةً عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ غَيْرُهُ مِثْلَ مُلْكِهِ (مِمَّا تُشَمُّ مِنْهُ رَائِحَةُ الْحَسَدِ) .

وَقَدْ تَضَمَّنَتْ دَعْوَتُهُ شَيْئَيْنِ: هُمَا أَنْ يُعْطَى مُلْكًا عَظِيمًا، وَأَنْ لَا يُعْطَى غَيْرُهُ مِثْلَهُ فِي عَظَمَتِهِ. وَقَدْ حَكَى اللَّهُ دُعَاءَ سُلَيْمَانَ وَهُوَ سِرٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ إِشْعَارًا بِأَنَّهُ أَلْهَمَهُ إِيَّاهُ، وَأَنَّهُ اسْتَجَابَ لَهُ دَعْوَتَهُ تَعْرِيفًا بِرِضَاهُ عَنْهُ وَبِأَنَّهُ جَعَلَ اسْتِجَابَتَهُ مَكْرُمَةَ تَوْبَتِهِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي مَلِكٌ بَعْدَهُ لَهُ مِنَ السُّلْطَانِ جَمِيعُ مَا لِسُلَيْمَانَ فَإِن ملك سُلَيْمَان عمّ التَّصَرُّف فِي الْجِنّ وتسخير الرّيح وَالطير، ومجموع ذَلِك لم يحصل لأحد من بعده.

وَفِي «الصَّحِيحِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَن النبيء صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَخَذْتُهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: «رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا»

. وَجُمْلَةُ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ عِلَّةٌ لِلسُّؤَالِ كُلِّهِ وَتَمْهِيدٌ لِلْإِجَابَةِ، فَقَامَتْ (إِنَّ) مَقَامَ حَرْفِ التَّفْرِيعِ وَدَلَّتْ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَهَّابُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَهَبُ الْكَثِيرَ وَالْعَظِيمَ لِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ تُفِيدُ شِدَّةَ الْكَمِّيَّةِ أَوْ شِدَّةَ الْكَيْفِيَّةِ أَوْ كِلْتَيْهِمَا بِقَرِينَةِ مَقَامِ الدُّعَاءِ، فَمَغْفِرَةُ الذَّنْبِ مِنَ الْمَوَاهِبِ الْعَظِيمَةِ لِمَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ دَرَجَاتِ الْآخِرَةِ وَإِعْطَاءُ مِثْلِ هَذَا الْمُلْكِ هُوَ هِبَةٌ عَظِيمَةٌ. وأَنْتَ ضَمِيرُ فَصْلٍ، وَأَفَادَ الْفَصْلُ بِهِ قَصْرًا فَصَارَ الْمَعْنَى: أَنْتَ الْقَوِيُّ الْمَوْهِبَةِ

لَا غَيْرَكَ، لِأَنَّ اللَّهَ يَهَبُ مَا لَا يَمْلِكُ غَيْرُهُ أَن يَهبهُ.

ص: 263