المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

وَأَعْطَاهُ دَابَّةً مَسْرُوجَةً مُزَيَّنَةً كَدَابَّةِ الْمَلِكِ، وَضُرِبَ الطَّبْلُ بِمِصْرَ: إِنَّ يُوسُفَ خَلِيفَةُ الْمَلِكِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ الْمَلِكُ لِيُوسُفَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُخَالِطَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي أَهْلِي، وَأَنَا آنَفُ أَنْ تَأْكُلَ مَعِي، فَغَضِبَ يُوسُفُ وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ أَنْ آنَفَ، أَنَا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ، وَأَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ ذَبِيحِ اللَّهِ، وَأَنَا ابْنُ يَعْقُوبَ نَبِيِّ اللَّهِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وأبو الشيخ عن شَيْبَةَ بْنِ نَعَامَةَ الضَّبِّيِّ فِي قَوْلِهِ: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ يَقُولُ عَلَى جَمِيعِ الطَّعَامِ إِنِّي حَفِيظٌ لِمَا اسْتَوْدَعْتَنِي عَلِيمٌ بِسِنِي الْمَجَاعَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ قَالَ: مَلَّكْنَاهُ فِيهَا يَكُونُ فِيهَا حَيْثُ يَشَاءُ مِنْ تِلْكَ الدُّنْيَا يَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ يُوسُفَ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ فوجدها بكرا، وكان زوجها عنينا.

[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (61) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)

فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يَا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (63) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَاّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يَا أَبانا مَا نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَاّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)

قَوْلُهُ: وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ أَيْ جَاءُوا إِلَى مِصْرَ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ لِيَمْتَارُوا لَمَّا أَصَابَهُمُ الْقَحْطُ فَدَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ فَعَرَفَهُمْ لِأَنَّهُ فَارَقَهُمْ رِجَالًا وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ لِأَنَّهُمْ فَارَقُوهُ صَبِيًّا يُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ فِي أَيْدِي السَّيَّارَةِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجُوهُ مِنَ الْجُبِّ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ الْآنَ وَهُوَ رَجُلٌ عَلَيْهِ أُبَّهَةُ الْمُلْكِ، وَرَوْنَقُ الرِّئَاسَةِ، وَعِنْدَهُ الْخَدَمُ وَالْحَشَمُ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى هَيْئَةِ مَلِكِ مِصْرَ، وَلَبِسَ تَاجَهُ وَتَطَوَّقَ بِطَوْقِهِ، وَقِيلَ: كَانُوا بَعِيدًا مِنْهُ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ المراد به هُنَا أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ مَا طَلَبُوهُ مِنَ الْمِيرَةِ وَمَا يُصْلِحُونَ بِهِ سَفَرَهُمْ مِنَ الْعُدَّةِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمُسَافِرُ، يُقَالُ: جَهَّزْتُ الْقَوْمَ تَجْهِيزًا إِذَا تَكَلَّفْتُ لَهُمْ جِهَازًا لِلسَّفَرِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْقُرَّاءُ كُلُّهُمْ عَلَى فَتْحِ الْجِيمِ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ جَيِّدَةٌ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ كَلَامٍ يَنْشَأُ عَنْهُ طَلَبُهُ لَهُمْ بِأَنْ يَأْتُوهُ بِأَخٍ لَهُمْ مِنْ أَبِيهِمْ، فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا رَآهُمْ وَكَلَّمُوهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ قَالَ لَهُمْ: مَا أَنْتُمْ؟ وَمَا شَأْنُكُمْ؟ فَإِنِّي أُنْكِرُكُمْ، فَقَالُوا: نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ

ص: 44

أَهْلِ الشَّامِ، جِئْنَا نَمْتَارُ، وَلَنَا أَبٌ شَيْخٌ صِدِّيقٌ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ اسْمُهُ يَعْقُوبُ. قَالَ: كَمْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: عَشَرَةٌ، وَقَدْ كُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ، فَذَهَبَ أَخٌ لَنَا إِلَى الْبَرِّيَّةِ فَهَلَكَ، وَكَانَ أَحَبَّنَا إِلَى أَبِينَا، وَقَدْ سَكَنَ بَعْدَهُ إِلَى أَخٍ لَهُ أَصْغَرَ مِنْهُ هُوَ بَاقٍ لَدَيْهِ يَتَسَلَّى بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَئِذٍ: ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ يَعْنِي أَخَاهُ بِنْيَامِينَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ أَخُو يُوسُفَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَوَعَدُوهُ بِذَلِكَ، فَطَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا أَحَدَهُمْ رَهِينَةً عِنْدَهُ حَتَّى يَأْتُوهُ بِالْأَخِ الَّذِي طَلَبَهُ، فَاقْتَرَعُوا فَأَصَابَتِ الْقُرْعَةُ شَمْعُونَ فَخَلَّفُوهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ أَيْ أُتَمِّمُهُ. وَجَاءَ بِصِيغَةِ الِاسْتِقْبَالِ مَعَ كَوْنِهِ قَالَ لَهُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعْدَ تَجْهِيزِهِمْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَادَتُهُ الْمُسْتَمِرَّةُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِمَا يَزِيدُهُمْ وُثُوقًا بِهِ وَتَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ، فَقَالَ: وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ أَيْ: وَالْحَالُ أَنِّي خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ لِمَنْ نَزَلَ بِي كَمَا فَعَلْتُهُ بِكُمْ مِنْ حُسْنِ الضِّيَافَةِ وَحُسْنِ الْإِنْزَالِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ يُوسُفُ: وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ لِأَنَّهُ حِينَ أَنْزَلَهُمْ أَحْسَنَ ضِيَافَتَهُمْ، ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ إِذَا لَمْ يَأْتُوهُ بِهِ فَقَالَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ أَيْ فَلَا أَبِيعُكُمْ شَيْئًا فِيمَا بَعْدُ، وَأَمَّا فِي الْحَالِ فَقَدْ أَوْفَاهُمْ كَيْلَهُمْ، وَمَعْنَى لَا تَقْرَبُونِ:

لَا تَدْخُلُونَ بِلَادِي فَضْلًا عَنْ أَنْ أُحْسِنَ إِلَيْكُمْ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا أُنْزِلُكُمْ عِنْدِي كَمَا أَنْزَلْتُكُمْ هَذِهِ الْمَرَّةَ. وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُمْ لَا يَقْرُبُونَ بِلَادَهُ، وَتَقْرُبُونِ مَجْزُومٌ إِمَّا عَلَى أَنَّ لَا نَاهِيَةٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا نَافِيَةٌ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ الْجَزَاءِ دَاخِلٌ فِي حُكْمِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي تُحْرَمُوا وَلَا تُقَرَّبُوا، فَلَمَّا سَمِعُوا مِنْهُ ذَلِكَ وَعَدُوهُ بِمَا طَلَبَهُ مِنْهُمْ فَ قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ أَيْ سَنَطْلُبُهُ مِنْهُ، وَنَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ بِمَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: مَعْنَى الْمُرَاوَدَةِ هُنَا:

الْمُخَادَعَةُ مِنْهُمْ لِأَبِيهِمْ وَالِاحْتِيَالُ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْتَزِعُوهُ مِنْهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ هَذِهِ الْمُرَاوَدَةَ غَيْرَ مُقَصِّرِينَ فِيهَا. وَقِيلَ:

مَعْنَاهُ: وَإِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، لَا نَتَعَانَى بِهِ وَلَا نَتَعَاظَمُهُ وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَابْنِ عَامِرٍ «لِفِتْيَتِهِ» ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّحَّاسُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَرَأَ سَائِرُ الْكُوفِيِّينَ «لِفِتْيَانِهِ» ، وَاخْتَارَ هذه القراءة أبو عبيد، وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَالْقِرَاءَةِ الْآخِرَةِ، قَالَ النَّحَّاسُ: لِفِتْيَانِهِ مُخَالِفٌ لِلسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، وَلَا يُتْرَكُ السَّوَادُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لِهَذَا الْإِسْنَادِ الْمُنْقَطِعِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ فَتِيَةً أَشْبَهُ مِنْ فِتْيَانٍ، لِأَنَّ فَتِيَّةً عِنْدَ الْعَرَبِ لِأَقَلِّ الْعَدَدِ، وَأَمْرُ الْقَلِيلِ بِأَنْ يَجْعَلُوا الْبِضَاعَةَ فِي الرِّحَالِ أَشْبَهُ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَا قَالَ يُوسُفُ بَعْدَ وَعْدِهِمْ لَهُ بِذَلِكَ؟ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ لِفِتْيَتِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْفِتْيَةُ وَالْفِتْيَانُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمَمَالِيكُ، وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: هُمَا لُغَتَانِ جَيِّدَتَانِ مِثْلَ الصِّبْيَانِ وَالصِّبْيَةِ. وَالْمُرَادُ بِالْبِضَاعَةِ هُنَا هِيَ الَّتِي وَصَلُوا بِهَا مِنْ بِلَادِهِمْ لِيَشْتَرُوا بِهَا الطَّعَامَ، وَكَانَتْ نِعَالًا وَأُدْمًا، فَعَلَ يُوسُفُ عليه السلام ذَلِكَ تَفَضُّلًا عَلَيْهِمْ وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِيَرْجِعُوا إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الطَّعَامَ إِلَّا بِثَمَنٍ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَقِيلَ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى الرُّجُوعِ إِلَيْهِ لِشِرَاءِ الطَّعَامِ وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْتَقْبَحَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ ثَمَنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ عَلَّلَ يُوسُفُ عليه السلام مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ جَعْلِ الْبِضَاعَةِ فِي رِحَالِهِمْ بِقَوْلِهِ:

لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ فَجَعَلَ عِلَّةَ جَعْلِ الْبِضَاعَةِ فِي الرِّحَالِ هِيَ مَعْرِفَتُهُمْ لَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِرَدِّ الْبِضَاعَةِ إِلَيْهِمْ إِلَّا عِنْدَ تَفْرِيغِ الْأَوْعِيَةِ الَّتِي جَعَلُوا فِيهَا الطَّعَامَ، وَهُمْ لَا يُفَرِّغُونَهَا إِلَّا عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَى أَهْلِهِمْ، ثُمَّ عَلَّلَ مَعْرِفَتَهُمْ لِلْبِضَاعَةِ الْمَرْدُودَةِ إِلَيْهِمُ الْمَجْعُولَةِ فِي رِحَالِهِمْ بِقَوْلِهِ:

ص: 45

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَإِنَّهُمْ إِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أَخَذُوا الطَّعَامَ بِلَا ثَمَنٍ، وَأَنَّ مَا دَفَعُوهُ عِوَضًا عَنْهُ قَدْ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، وَتَفَضَّلَ بِهِ مَنْ وَصَلُوا إِلَيْهِ عَلَيْهِمْ نَشِطُوا إِلَى الْعَوْدِ إِلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجَدْبِ الشَّدِيدِ وَالْحَاجَةِ إِلَى الطَّعَامِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ لَدَيْهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَدْعُوهُمْ إِلَى الرُّجُوعِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ يُوسُفَ عليه السلام لَمْ يَرُدَّ الْبِضَاعَةَ إِلَيْهِمْ إِلَّا لِهَذَا الْمَقْصِدِ، وَهُوَ رُجُوعُهُمْ إِلَيْهِ فَلَا يَتِمُّ تَعْلِيلُ رَدِّهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَالرِّحَالُ:

جَمْعُ رَحْلٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَسْتَصْحِبُهُ الرَّجُلُ مَعَهُ مِنَ الْأَثَاثِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الرَّحْلُ: كُلُّ شَيْءٍ مُعَدٍّ لِلرَّحِيلِ مِنْ وِعَاءٍ لِلْمَتَاعِ وَمَرْكَبٍ لِلْبَعِيرِ وَمَجْلِسٍ وَرَسَنٍ انْتَهَى. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوْعِيَةُ الَّتِي يَجْعَلُونَ فِيهَا مَا يَمْتَارُونَهْ مِنَ الطَّعَامِ.

قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يُقَالُ لِلْوِعَاءِ رَحْلٌ، وَلِلْبَيْتِ رحل فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يَا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ أَرَادُوا بِهَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ يُوسُفَ لَهُمْ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي أَيْ: مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِامْتِيَارَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مَعْهُودٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَلَعَلَّهُمْ قَالُوا لَهُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَيَعْلَمُوا بَرَدِّ بِضَاعَتِهِمْ، كَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ: وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ ذَكَرُوا لَهُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ يُوسُفُ، فَقَالُوا: فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا يعنون بنيامين ونَكْتَلْ جَوَابُ الْأَمْرِ، أَيْ: نَكْتَلْ بِسَبَبِ إِرْسَالِهِ مَعَنَا مَا نُرِيدُهُ مِنَ الطَّعَامِ. قَرَأَ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ «نَكْتَلْ» بِالنُّونِ. وقرأ سائر الكوفيين بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى، وقال: ليكونوا كُلُّهُمْ دَاخِلِينَ فِيمَنْ يَكْتَالُ، وَزَعَمَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ بِالْيَاءِ كَانَ لِلْأَخِ وَحْدَهُ، أَيْ: يَكْتَالُ أَخُونَا بِنْيَامِينُ، وَاعْتَرَضَهُ النَّحَّاسُ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ إِسْنَادَ الْكَيْلِ إِلَى الْأَخِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ لِلْجَمِيعِ، وَالْمَعْنَى: يَكْتَالُ بِنْيَامِينُ لَنَا جَمِيعًا. قَالَ الزَّجَّاجُ:

أَيْ إِنْ أَرْسَلْتَهُ اكْتَلْنَا وَإِلَّا مُنِعْنَا الْكَيْلَ وَإِنَّا لَهُ أَيْ لِأَخِيهِمْ بِنْيَامِينَ لَحافِظُونَ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ سُوءٌ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَجُمْلَةُ قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَا يَأْمَنُهُمْ عَلَى بِنْيَامِينَ إِلَّا كَمَا أَمِنَهُمْ عَلَى أَخِيهِ يُوسُفَ، وَقَدْ قَالُوا لَهُ فِي يُوسُفَ: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «1» ، كَمَا قَالُوا هُنَا: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ثُمَّ خَانُوهُ فِي يُوسُفَ، فَهُوَ إِنْ أَمِنَهُمْ فِي بِنْيَامِينَ خَافَ أَنْ يَخُونُوهُ فِيهِ كَمَا خَانُوهُ فِي يُوسُفَ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لعل هنا إضمار، وَالتَّقْدِيرُ: فَتَوَكَّلَ يَعْقُوبُ عَلَى اللَّهِ وَدَفَعَهُ إِلَيْهِمْ، وقال: فالله خير حافظا. وقرأ أَهْلُ الْمَدِينَةِ «حِفْظًا» وَهُوَ مُنْتَصِبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ عَامِرٍ. وَقَرَأَ سَائِرُ الْكُوفِيِّينَ «حَافِظًا» وَهُوَ مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: عَلَى الْبَيَانِ يَعْنِي التَّمْيِيزَ وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنْ حِفْظَ اللَّهِ إِيَّاهُ خَيْرٌ مِنْ حِفْظِهِمْ لَهُ، لَمَّا وَكَلَ يَعْقُوبُ حِفْظَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَفِظَهُ وَأَرْجَعَهُ إِلَيْهِ، وَلَمَّا قَالَ فِي يُوسُفَ: وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ «2» وَقْعَ لَهُ مِنَ الِامْتِحَانِ مَا وَقَعَ. وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ أَيْ: أَوْعِيَةَ الطَّعَامِ، أَوْ مَا هو أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَتَاعِ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي فِيهِ طَعَامًا أَوْ غَيْرَ طَعَامٍ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ أَيِ: الْبِضَاعَةَ الَّتِي حَمَلُوهَا إِلَى مِصْرَ لَيَمْتَارُوا بِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا، وَجُمْلَةُ قالُوا يَا أَبانا مُسْتَأْنَفَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ مَا نَبْغِي مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى: أَيَّ شَيْءٍ نَطْلُبُ مِنْ هَذَا الْمَلِكِ بَعْدَ أَنْ صَنَعَ مَعَنَا مَا صَنَعَ مِنَ الإحسان

(1) . يوسف: 12.

(2)

. يوسف: 13.

ص: 46

بِرَدِّ الْبِضَاعَةِ وَالْإِكْرَامِ عِنْدَ الْقُدُومِ إِلَيْهِ، وَتَوْفِيرِ مَا أَرَدْنَاهُ مِنَ الْمِيرَةِ؟ وَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ، وَجُمْلَةُ هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا مُقَرِّرَةٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ مِنَ الْإِنْكَارِ لِطَلَبِ شَيْءٍ مَعَ كَوْنِهَا قَدْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ وَقِيلَ:

إِنَّ «مَا» فِي مَا نَبْغِي نَافِيَةٌ، أَيْ: مَا نَبْغِي فِي الْقَوْلِ وَمَا نَتَزَيَّدُ فِيمَا وَصَفْنَا لَكَ مِنْ إِحْسَانِ الْمَلِكِ إِلَيْنَا وَإِكْرَامِهِ لَنَا، ثُمَّ بَرْهَنُوا عَلَى مَا لَقُوهُ مِنَ التَّزَيُّدِ فِي وَصْفِ الْمَلِكِ بِقَوْلِهِمْ: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا فَإِنَّ مَنْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِرَدِّ ذَلِكَ حَقِيقٌ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، مُسْتَحِقٌّ لِمَا وَصَفُوهُ بِهِ، وَمَعْنَى وَنَمِيرُ أَهْلَنا نَجْلِبُ إِلَيْهِمُ الْمِيرَةَ وَهِيَ الطَّعَامُ، وَالْمَائِرُ: الَّذِي يَأْتِي بِالطَّعَامِ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ بِضَمِّ النُّونِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَالتَّقْدِيرُ: هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا فَنَحْنُ نَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الرُّجُوعِ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخانا بِنْيَامِينَ مِمَّا تَخَافُهُ عَلَيْهِ وَنَزْدادُ بِسَبَبِ إِرْسَالِهِ مَعَنَا كَيْلَ بَعِيرٍ أَيْ حِمْلَ بَعِيرٍ زَائِدٍ عَلَى مَا جِئْنَا بِهِ هَذِهِ الْمَرَّةَ لِأَنَّهُ كَانَ يُكَالُ لِكُلِّ رَجُلٍ وِقْرُ بَعِيرٍ، وَمَعْنَى ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ أَنَّ زِيَادَةَ كَيْلِ بَعِيرٍ لِأَخِينَا يَسْهُلُ عَلَى الْمَلِكِ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْنَا مِنْ زِيَادَتِهِ لَهُ لِكَوْنِهِ يَسِيرًا لَا يَتَعَاظَمُهُ وَلَا يُضَايِقُنَا فِيهِ وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى: ذَلِكَ الْمَكِيلُ لِأَجْلِنَا قَلِيلٌ نُرِيدُ أَنْ يَنْضَافَ إِلَيْهِ حِمْلُ بَعِيرٍ لِأَخِينَا. وَاخْتَارَ الزَّجَّاجُ الْأَوَّلَ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ يَعْقُوبَ جَوَابًا عَلَى مَا قَالَهُ أَوْلَادُهُ: وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ يَعْنِي إِنَّ حِمْلَ بَعِيرٍ شَيْءٌ يَسِيرٌ لَا يُخَاطِرُ لِأَجْلِهِ بِالْوَلَدِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ جَوَابَ يَعْقُوبَ هُوَ قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ أَيْ حَتَّى تُعْطُونِي مَا أَثِقُ بِهِ وَأَرْكَنُ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْحَلِفُ بِهِ، وَاللَّامُ فِي لَتَأْتُنَّنِي بِهِ جَوَابُ الْقَسَمِ، لِأَنَّ مَعْنَى حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ: حَتَّى تحلفوا بالله لتأتني بِهِ، أَيْ: لَتَرُدُنَّ بِنْيَامِينَ إِلَيَّ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ هُوَ مِنْ أَعَمِّ الْعَامِّ، لِأَنَّ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُثْبَتًا فَهُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تُمْنَعُونَ مِنْ إِتْيَانِي بِهِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ لِعِلَّةٍ مِنَ الْعِلَلِ إِلَّا لِعِلَّةِ الْإِحَاطَةِ بِكُمْ، وَالْإِحَاطَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ إِحَاطَةِ الْعَدُوِّ، وَمَنْ أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ فَقَدْ غُلِبَ أَوْ هَلَكَ، فَأَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ بِأَنْ يَأْتُوهُ ببنيامين إلا أن يغلبوا عليه أو يهلكوا دُونَهُ، فَيَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا لَكُمْ عِنْدِي فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ أَيْ أَعْطَوْهُ مَا طَلَبَهُ مِنْهُمْ مِنَ الْيَمِينِ قالَ اللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ أَيْ: قَالَ يَعْقُوبُ: اللَّهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ طَلَبِي الْمَوْثِقَ مِنْكُمْ وَإِعْطَائِكُمْ لِي مَا طَلَبْتُهُ مِنْكُمْ مُطَّلِعٌ رَقِيبٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ خَافِيَةٌ، فَهُوَ الْمُعَاقِبُ لِمَنْ خَاسَ فِي عَهْدِهِ وَفَجَرَ فِي الْحَلِفِ بِهِ، أَوْ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ الْقِيَامُ بِمَا شَهِدَ عَلَيْهِ مِنَّا.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ، جَاءَ بِصُوَاعِ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ، فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَجَعَلَ يَنْقُرُهُ ويطنّ، وينقره وَيَطِنُّ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْجَامَ لِيُخْبِرُنِي عَنْكُمْ خَبَرًا، هَلْ كَانَ لَكُمْ أَخٌ مِنْ أَبِيكُمْ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ؟ وَكَانَ أَبُوهُ يُحِبُّهُ دُونَكُمْ، وَإِنَّكُمُ انْطَلَقْتُمْ بِهِ فَأَلْقَيْتُمُوهُ فِي الْجُبِّ وَأَخْبَرْتُمْ أَبَاكُمْ أَنَّ الذِّئْبَ أَكَلَهُ، وَجِئْتُمْ عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذَبٍ؟ قَالَ:

فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ وَيَعْجَبُونَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ وُهَيْبٍ قَالَ: لَمَّا جَعَلَ يُوسُفُ يَنْقُرُ الصُّوَاعَ وَيُخْبِرُهُمْ قَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ إِخْوَتِهِ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَنْ لَا تَكْشِفَ لَنَا عَوْرَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ قَالَ: يَعْنِي بِنْيَامِينَ، وَهُوَ أَخُو يُوسُفَ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ

ص: 47