الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ، وَكَانَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْأَنْبِيَاءِ يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ أَنْ يُؤْخَذَ السَّارِقُ بِسَرِقَتِهِ عَبْدًا يُسْتَرَقُّ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا فَتَحَ مَتَاعَ رَجُلٍ اسْتَغْفَرَ تَأَثُّمًا مِمَّا صَنَعَ حَتَّى بَقِيَ مَتَاعُ الْغُلَامِ، قَالَ:
مَا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا أَخَذَ شَيْئًا، قَالُوا: بَلَى، فَاسْتَبْرِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ قَالَ: كَذَلِكَ صَنَعْنَا لِيُوسُفَ مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يَقُولُ: فِي سُلْطَانِ الْمَلِكِ، قَالَ: كَانَ فِي دِينِ مَلِكِهِمْ أَنَّهُ مَنْ سَرَقَ أُخِذَتْ مِنْهُ السَّرِقَةُ وَمِثْلُهَا مَعَهَا مِنْ مَالِهِ فَيُعْطِيهِ الْمَسْرُوقَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يَقُولُ: فِي سُلْطَانِ الْمَلِكِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ قَالَ: إِلَّا بِعِلَّةٍ كَادَهَا اللَّهُ لِيُوسُفَ فَاعْتَلَّ بِهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ قَالَ: يُوسُفُ وَإِخْوَتُهُ أُوتُوا عِلْمًا فَرَفَعْنَا يُوسُفَ فِي الْعِلْمِ فَوْقَهُمْ دَرَجَةً. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ، فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، اللَّهُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، وَهُوَ فَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ فِيهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَيْسَ هَكَذَا وَلَكِنْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ عَلِيٌّ: أَصَبْتَ وَأَخْطَأْتُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ قَالَ:
عِلْمُ الله فوق كلّ عالم.
[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]
قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (77) قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَاّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81)
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (82)
قَوْلُهُ: قالُوا إِنْ يَسْرِقْ أَيْ بِنْيَامِينُ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ يَعْنُونَ يُوسُفَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ السَّرِقَةِ الَّتِي نَسَبُوهَا إِلَى يُوسُفَ مَا هِيَ؟ فَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ لِيُوسُفَ عَمَّةٌ هِيَ
أَكْبَرُ مِنْ يَعْقُوبَ، وَكَانَتْ عِنْدَهَا مِنْطَقَةُ «1» إِسْحَاقَ لِكَوْنِهَا أَسَنَّ أَوْلَادِهِ وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَهَا فَيَأْخُذُهَا الْأَكْبَرُ سِنًّا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَكَانَتْ قَدْ حَضَنَتْ يُوسُفَ وَأَحَبَّتْهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَلَمَّا تَرَعْرَعَ قَالَ لَهَا يَعْقُوبُ: سَلِّمِي يُوسُفَ إِلَيَّ، فَأَشْفَقَتْ مِنْ فِرَاقِهِ، وَاحْتَالَتْ فِي بَقَائِهِ لَدَيْهَا، فَجَعَلَتِ الْمِنْطَقَةَ تَحْتَ ثِيَابِهِ وَحَزَّمَتْهُ بِهَا، ثُمَّ قَالَتْ: قَدْ سُرِقَتْ مِنْطَقَةُ إِسْحَاقَ فَانْظُرُوا مَنْ سَرَقَهَا، فَبَحَثُوا عَنْهَا فَوَجَدُوهَا مَعَ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُ عِنْدَهَا كَمَا هُوَ شَرْعُ الْأَنْبِيَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ شَرِيعَتِهِمْ فِي السَّرِقَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ يُوسُفَ أَخَذَ صَنَمًا كَانَ لِجَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ فَكَسَرَهُ وَأَلْقَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ تَغْيِيرًا لِلْمُنْكَرِ. وَحُكِيَ عَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ كَانَ صَنَمًا مِنْ ذَهَبٍ. وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ عَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، أَسَرَقَ أَخٌ لَهُ أَمْ لَا؟ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ قَالَ: كَذَبُوا عَلَيْهِ فِيمَا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ. قُلْتُ: وَهَذَا أَوْلَى، فَمَا هَذِهِ الكذبة بأوّل كذباتهم، وقدّمنا مَا يَدْفَعُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ عِنْدَ صُدُورِ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ: فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ:
الضَّمِيرُ فِي أَسَرَّهَا يَعُودُ إِلَى الْكَلِمَةِ أَوِ الْجُمْلَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ فَأَسَرَّ الْجُمْلَةَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ ثُمَّ فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ: قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَقَدْ رَدَّ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ هَذَا فَقَالَ: إِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْإِضْمَارِ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْإِجَابَةِ، أَيْ: أَسَرَّ يُوسُفُ إِجَابَتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ وَقِيلَ: أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ قَوْلَهُمْ: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى، وَيَكُونُ مَعْنَى وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُبْدِ لَهُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ الَّتِي أَسَرَّهَا فِي نَفْسِهِ بِأَنْ يَذْكُرَ لَهُمْ صِحَّتَهَا أَوْ بُطْلَانَهَا، وَجُمْلَةُ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً مُفَسِّرَةٌ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَمُسْتَأْنَفَةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا قَالَ يُوسُفُ لما قالوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ؟ أَيْ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا، أَيْ: مَوْضِعًا وَمَنْزِلًا مِمَّنْ نَسَبْتُمُوهُ إِلَى السَّرِقَةِ وَهُوَ بريء، فإنكم قد فعلتم ما فَعَلْتُمْ مِنْ إِلْقَاءِ يُوسُفَ إِلَى الْجُبِّ وَالْكَذِبِ عَلَى أَبِيكُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفَاعِيلِكُمْ، ثُمَّ قَالَ:
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ مِنَ الْبَاطِلِ بنسبة السرقة إِلَى يُوسُفَ، وَأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِذَلِكَ. ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَسْتَعْطِفُوهُ لِيُطْلِقَ لَهُمْ أَخَاهُمْ بِنْيَامِينَ يَكُونُ مَعَهُمْ يَرْجِعُونَ بِهِ إِلَى أَبِيهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَخْذِهِ الْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَرُدُّوهُ إليه، قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً أَيْ إِنَّ لِبِنْيَامِينَ هَذَا أَبًا متّصفا بهذه الصفة، وهو كَوْنُهُ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ فِرَاقَهُ وَلَا يَصْبِرُ عَنْهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ يَبْقَى لَدَيْكَ، فَإِنَّ لَهُ مَنْزِلَةً فِي قَلْبِ أَبِيهِ لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مِنَّا فَلَا يَتَضَرَّرُ بِفِرَاقِ أَحَدِنَا كَمَا يَتَضَرَّرُ بِفِرَاقِ بنيامين، ثم علّلوا ذلك بقولهم: إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَإِلَيْنَا خَاصَّةً، فَتَمِّمْ إِحْسَانَكَ إِلَيْنَا بِإِجَابَتِنَا إِلَى هَذَا الْمَطْلَبِ، فَأَجَابَ يُوسُفُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ أَيْ نَعُوذُ بِاللَّهِ مَعَاذًا، فَهُوَ مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وَالْمُسْتَعِيذُ بِاللَّهِ هُوَ الْمُعْتَصِمُ به، وأن نَأْخُذَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَالْأَصْلُ مِنْ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ، وَهُوَ بِنْيَامِينُ لِأَنَّهُ الَّذِي وُجِدَ الصُّوَاعُ فِي رَحْلِهِ فَقَدْ حَلَّ لَنَا اسْتِعْبَادُهُ بِفَتْوَاكُمُ الَّتِي أَفْتَيْتُمُونَا بِقَوْلِكُمْ: جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ، إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ
(1) . المنطقة: المنطق، وهو ما يشدّ به الوسط.
أَيْ إِنَّا إِذَا أَخَذْنَا غَيْرَ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ لَظَالِمُونَ فِي دِينِكُمْ وَمَا تَقْتَضِيهِ فَتْوَاكُمْ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ أَيْ يَئِسُوا مِنْ يُوسُفَ وَإِسْعَافِهِمْ مِنْهُ إِلَى مَطْلَبِهِمُ الَّذِي طَلَبُوهُ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ خَلَصُوا نَجِيًّا أَيِ انْفَرَدُوا حَالَ كَوْنِهِمْ مُتَنَاجِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُوَ مَصْدَرٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ انْفَرَدُوا وَلَيْسَ مَعَهُمْ أَخُوهُمْ مُتَنَاجِينَ فِيمَا يَعْمَلُونَ بِهِ فِي ذَهَابِهِمْ إِلَى أبيهم من غير أخيهم. قالَ كَبِيرُهُمْ، وقيل: هُوَ رُوبِيلُ لِأَنَّهُ الْأَسْنُ، وَقِيلَ: يَهُوذَا لِأَنَّهُ الْأَوْفَرُ عَقْلًا، وَقِيلَ:
شَمْعُونُ لِأَنَّهُ رَئِيسُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ أَيْ عَهْدًا مِنَ اللَّهِ فِي حِفْظِ ابْنِهِ وَرَدِّهِ إِلَيْهِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ بِإِذْنِهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالتَّقْدِيرُ:
أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ [قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ موثقا من الله]«1» وَتَعْلَمُوا تَفْرِيطَكُمْ فِي يُوسُفَ ذَكَرَ هَذَا النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ، وَمِنْ قَبْلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَعْلَمُوا، أَيْ: وَتَعْلَمُوا تَفْرِيطَكُمْ فِي يُوسُفَ مِنْ قَبْلُ، عَلَى أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَقِيلَ: مَا فَرَّطْتُمْ مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ مِنْ قَبْلُ وَقِيلَ: إِنَّ مَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ، وَكِلَاهُمَا فِي مَحَلِّ النَّصْبِ أَوِ الرَّفْعِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْأَوْلَى، وَمَعْنَى فَرَّطْتُمْ: قَصَّرْتُمْ فِي شَأْنِهِ، وَلَمْ تَحْفَظُوا عَهْدَ أَبِيكُمْ فِيهِ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ، يُقَالُ: بَرِحَ بَرَاحًا وَبُرُوحًا، أَيْ: زَالَ، فَإِذَا دَخَلَهُ النَّفْيُ صَارَ مُثْبَتًا، أَيْ: لَنْ أَبْرَحَ مِنَ الْأَرْضِ، بَلْ أَلْزَمُهَا وَلَا أَزَالُ مُقِيمًا فِيهَا حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي فِي مُفَارَقَتِهَا وَالْخُرُوجِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْتَحِي مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ وَلَدِهِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمَوْثِقَ بِإِرْجَاعِهِ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي بِمُفَارَقَتِهَا وَالْخُرُوجِ مِنْهَا وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي بخلاص أخي من الأسر حتّى يعود إلى أبي وأعود معه وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي بِالنَّصْرِ عَلَى مَنْ أَخَذَ أَخِي فَأُحَارِبُهُ وَآخُذُ أَخِي مِنْهُ، أَوْ أَعْجَزُ فَأَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لِأَنَّ أَحْكَامُهُ لَا تَجْرِي إِلَّا عَلَى مَا يُوَافِقُ الْحَقَّ، وَيُطَابِقُ الصَّوَابَ، ثُمَّ قَالَ كَبِيرُهُمْ مُخَاطِبًا لَهُمُ ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ «سَرَقَ» عَلَى البناء للفاعل، وذلك لِأَنَّهُمْ قَدْ شَاهَدُوا اسْتِخْرَاجَ الصُّوَاعِ مِنْ وِعَائِهِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو رَزِينٍ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَرَوَى ذَلِكَ النَّحَّاسُ عَنِ الْكِسَائِيِّ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ سَرَقَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا عُلِمَ مِنْهُ السَّرَقُ، وَالْآخَرُ اتُّهِمَ بِالسَّرَقِ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا مِنِ اسْتِخْرَاجِ الصُّوَاعُ مِنْ وِعَائِهِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: مَا شَهِدْنَا عِنْدَ يُوسُفَ بِأَنَّ السَّارِقَ يُسْتَرَقُّ إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا مِنْ شَرِيعَتِكَ وَشَرِيعَةِ آبَائِكَ وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ حَتَّى يَتَّضِحَ لَنَا هَلِ الْأَمْرُ عَلَى مَا شَاهَدْنَاهُ أَوْ عَلَى خِلَافِهِ؟ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: ما كنّا وقت أخذناه مِنْكَ لِيَخْرُجَ مَعَنَا إِلَى مِصْرَ لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ مِنْهُ السَّرَقُ الَّذِي افْتَضَحْنَا بِهِ وَقِيلَ: الْغَيْبُ هُوَ اللَّيْلُ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ سَرَقَ وَهُمْ نِيَامٌ وَقِيلَ: مُرَادُهُمْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وهو غائب عنهم، فخفي عليهم فعله وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها هَذَا مِنْ تَمَامِ قَوْلِ كَبِيرِهِمْ لَهُمْ، أَيْ: قُولُوا لِأَبِيكُمُ اسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا، أَيْ: مِصْرَ، وَالْمُرَادُ أهلها، أي: اسأل أهل القرية
(1) . من تفسير القرطبي (9/ 242) .