المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

قَالَ: اثْقُبِي أُذُنَيْهَا وَاخْفِضِيهَا، وَالْخَفْضُ: هُوَ الْخِتَانُ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ بِهَا، فَوَضَعَتْ هَاجَرُ فِي أُذُنَيْهَا قُرْطَيْنِ فَازْدَادَتْ بِهِمَا حُسْنًا، فَقَالَتْ سَارَةُ: أَرَانِي أَنَّمَا زِدْتُهَا جَمَالًا فَلَمْ تُقَارَّهُ «1» عَلَى كَوْنِهِ مَعَهَا، وَوَجِدَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَجْدًا شَدِيدًا، فَنَقَلَهَا إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يَزُورُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّامَ عَلَى الْبُرَاقِ مِنْ شَغَفِهِ بِهَا وَقِلَّةِ صَبْرِهِ عَنْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ: أَسْكَنَ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ مَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حِينَ قَالَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ لَوْ قَالَ أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ لَازْدَحَمَتْ عَلَيْهِ فَارِسُ وَالرُّومُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وابن أبي حاتم عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ وَطَاوُسًا وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: الْبَيْتُ تَهْوِي إِلَيْهِ قُلُوبُهُمْ يَأْتُونَهُ وَفِي لَفْظٍ قَالُوا: هَوَاهُمْ إِلَى مَكَّةَ أَنْ يَحُجُّوا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: تَهْوِي إِلَيْهِمْ قَالَ: تَنْزِعُ إِلَيْهِمْ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا دَعَا لِلْحَرَمِ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ نَقَلَ اللَّهُ الطَّائِفَ مِنْ فِلَسْطِينَ!. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ نَقَلَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الشَّامِ فَوَضَعَهَا بِالطَّائِفِ لِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: لَوْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام قَالَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ لَحَجَّ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ، وَلَكِنَّهُ قَالَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ فَخَصَّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ قَالَ: مِنَ الْحُزْنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْلِهِ:

رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي قَالَ: مِنْ حُبِّ إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ وَما نُعْلِنُ قَالَ: مَا نُظْهِرُ لِسَارَةَ مِنَ الْجَفَاءِ لَهُمَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ قَالَ: هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: بُشِّرَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ سَبْعَ عشرة سنة ومائة سنة.

[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46)

(1) . قارّة مقارة: أي قرّ معه وسكن.

ص: 137

قَوْلُهُ: وَلا تَحْسَبَنَّ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ تَعْرِيضٌ لِأُمَّتِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا تَحْسَبُ أُمَّتُكَ يَا مُحَمَّدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ تَعْرِيضٍ لِأُمَّتِهِ فَمَعْنَاهُ التَّثْبِيتُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْحُسْبَانِ كَقَوْلِهِ: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ «1» وَنَحْوِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ: وَلَا تَحْسَبَنَّهُ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْغَافِلِ عَمَّا يَعْمَلُونَ، وَلَكِنْ مُعَامَلَةَ الرَّقِيبِ عَلَيْهِمْ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْحُسْبَانِ الْإِيذَانَ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ خَافِيَةٌ. وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِعْلَامٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعَذَابِ عَنْهُمْ لَيْسَ لِلرِّضَا بِأَفْعَالِهِمْ، بَلْ سُنَّةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي إِمْهَالِ الْعُصَاةِ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ أَيْ: يُؤَخِّرُ جَزَاءَهُمْ وَلَا يُؤَاخِذُهُمْ بِظُلْمِهِمْ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ السَّابِقِ.

وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالسُّلَمِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو بِالنُّونِ فِي نُؤَخِّرُهُمْ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ. وَاخْتَارَهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ لِقَوْلِهِ: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ وَمَعْنَى لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ أَيْ: تُرْفَعُ فِيهِ أَبْصَارُ أَهْلِ الْمَوْقِفِ، وَلَا تُغْمِضُ مِنْ هَوْلِ مَا تَرَاهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، هَكَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ. يُقَالُ: شَخَصَ الرَّجُلُ بَصَرَهُ وَشَخَصَ الْبَصَرُ نَفْسُهُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ هَوْلِ مَا يَرَى، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْأَبْصَارَ بَقِيَتْ مَفْتُوحَةً لَا تَتَحَرَّكُ مِنْ شِدَّةِ الْحَيْرَةِ وَالدَّهْشَةِ مُهْطِعِينَ أَيْ: مُسْرِعِينَ، مِنْ أَهْطَعَ يَهْطَعُ إِهْطَاعًا إِذَا أَسْرَعَ وَقِيلَ: الْمُهْطِعُ: الَّذِي يَنْظُرُ فِي ذُلٍّ وَخُشُوعٍ. وَمِنْهُ:

بِدَجْلَةَ دَارُهُمْ وَلَقَدْ أَرَاهُمْ

بِدَجْلَةَ مُهْطِعِينَ إِلَى السّماع «2»

وَقِيلَ: الْمُهْطِعُ: الَّذِي يُدِيمُ النَّظَرَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَدْ يَكُونُ الْوَجْهَانِ جَمِيعًا، يَعْنِي الْإِسْرَاعَ مَعَ إِدَامَةِ النَّظَرِ وَقِيلَ: الْمُهْطِعُ الَّذِي لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْمُهْطِعُ الَّذِي يَنْظُرُ فِي ذُلٍّ وَخُضُوعٍ وَقِيلَ: هُوَ السَّاكِتُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَهْطَعَ إِذَا أَسْرَعَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ أي: رافعي رؤوسهم، وَإِقْنَاعُ الرَّأْسِ: رَفْعُهُ، وَأَقْنَعَ صَوْتَهُ: إِذَا رَفَعَهُ، والمعنى: أنهم يومئذ رافعون رؤوسهم إِلَى السَّمَاءِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا نَظَرَ فَزَعٍ وَذُلٍّ وَلَا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وَقِيلَ: إِنَّ إِقْنَاعَ الرَّأْسِ نَكْسُهُ وَقِيلَ: يُقَالُ أَقْنَعَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، وَأَقْنَعَ: إِذَا طَأْطَأَ ذِلَّةً وَخُضُوعًا، وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ. قَالَ الْمِبْرَدُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَعْرَفُ فِي اللُّغَةِ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

أَنَغْضَ «3» نَحْوِي رَأْسَهُ وَأَقْنَعَا

كَأَنَّمَا أَبْصَرَ شَيْئًا أَطْمَعَا

لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ أَيْ: لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ، وَأَصْلُ الطَّرْفِ: تَحْرِيكُ الْأَجْفَانِ وَسُمِّيَتِ الْعَيْنُ طَرْفًا لِأَنَّهُ يَكُونُ بِهَا، وَمِنْ إِطْلَاقِ الطَّرْفِ على العين قول عَنْتَرَةَ:

وَأَغُضُّ طَرَفِي مَا بَدَتْ لِي جَارَتِي

حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي مَأْوَاهَا

(1) . الأنعام: 14.

(2)

. في المطبوع: السماء. والمثبت من تفسير القرطبي (9/ 376) .

(3)

. «أنغض» حرّك.

ص: 138

وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ الْهَوَاءُ فِي اللُّغَةِ: الْمُجَوَّفُ الْخَالِي الَّذِي لَمْ تَشْغَلْهُ الْأَجْرَامُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ قُلُوبَهُمْ خَالِيَةٌ عَنِ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ لِمَا شَاهَدُوا مِنَ الْفَزَعِ وَالْحَيْرَةِ وَالدَّهَشِ، وَجَعْلُهَا نَفْسَ الْهَوَى مُبَالَغَةٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَحْمَقِ وَالْجَبَانِ قَلْبُهُ هَوَاءٌ، أَيْ: لَا رَأْيَ فِيهِ وَلَا قُوَّةَ وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهَا خَرَجَتْ قُلُوبُهُمْ عَنْ مَوَاضِعِهَا فَصَارَتْ فِي الْحَنَاجِرِ.

وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِنَّ أَفْئِدَةَ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا خَالِيَةٌ عَنِ الْخَيْرِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَأَفْئِدَتُهُمْ ذَاتُ هَوَاءٍ. وَمِمَّا يُقَارِبُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً «1» أَيْ: خَالِيًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ هَمِّ مُوسَى وَأَنْذِرِ النَّاسَ هَذَا رُجُوعٌ إِلَى خطاب رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُنْذِرَ النَّاسَ، وَالْمُرَادُ النَّاسُ عَلَى الْعُمُومِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ كُفَّارُ مَكَّةَ، وَقِيلَ: الْكُفَّارُ عَلَى الْعُمُومِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِنْذَارَ كَمَا يَكُونُ لِلْكَافِرِ يَكُونُ أَيْضًا لِلْمُسْلِمِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ «2» . وَمَعْنَى: يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْ: خَوِّفْهُمْ هَذَا الْيَوْمَ، وَهُوَ يَوْمُ إِتْيَانِ الْعَذَابِ، وَإِنَّمَا اقْتُصِرَ عَلَى ذِكْرِ إِتْيَانِ الْعَذَابِ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ يَوْمَ إِتْيَانِ الثَّوَابِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَهْدِيدٍ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ يَوْمُ مَوْتِهِمْ فَإِنَّهُ أَوَّلُ أَوْقَاتِ إِتْيَانِ الْعَذَابِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ يَوْمُ هَلَاكِهِمْ بِالْعَذَابِ الْعَاجِلِ، وَانْتِصَابُ يَوْمَ عَلَى أنه مفعول ثان لأنذر فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ الْمُرَادُ بِالَّذِينَ ظَلَمُوا هَاهُنَا هُمُ النَّاسُ، أَيْ: فَيَقُولُونَ، وَالْعُدُولُ إِلَى الْإِظْهَارِ مَكَانَ الْإِضْمَارِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ الظُّلْمَ هُوَ الْعِلَّةُ فِيمَا نَزَلَ بِهِمْ، هَذَا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ هُمُ الْكُفَّارَ. وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِمْ مَنْ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، فَالْمَعْنَى: فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَهُمُ الْكُفَّارُ رَبَّنا أَخِّرْنا أَمْهِلْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ إِلَى أَمَدٍ مِنَ الزَّمَانِ مَعْلُومٍ غَيْرِ بَعِيدٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ أَيْ دَعْوَتَكَ لِعِبَادِكَ عَلَى أَلْسُنِ أَنْبِيَائِكَ إِلَى تَوْحِيدِكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ الْمُرْسَلِينَ مِنْكَ إِلَيْنَا فَنَعْمَلْ بِمَا بَلَّغُوهُ إِلَيْنَا مِنْ شَرَائِعِكَ، وَنَتَدَارَكْ مَا فَرَطَ مِنَّا مِنَ الْإِهْمَالِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ الرُّسُلُ، لِأَنَّ دَعْوَتَهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ مُتَّفِقَةٌ، فَاتِّبَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اتِّبَاعٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهَذَا مِنْهُمْ سُؤَالٌ لِلرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا لَمَّا ظَهَرَ لَهُمُ الْحَقُّ فِي الْآخِرَةِ: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ «3» . ثُمَّ حَكَى سُبْحَانَهُ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْهُمْ عِنْدَ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ، فَقَالَ: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ أَيْ: فَيُقَالُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ تَوْبِيخًا وتقريعا، أي: أو لم تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْيَوْمِ مَا لَكَمَ مِنْ زَوَالٍ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا قَسَمَ مِنْهُمْ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا كَانَ لِسَانُ حَالِهِمْ ذَلِكَ لِاسْتِغْرَاقِهِمْ فِي الشَّهَوَاتِ وَإِخْلَادِهِمْ إِلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَقِيلَ: قَسَمُهُمْ هَذَا هُوَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ «4» ، وَجَوَابُ الْقَسَمِ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ وَإِنَّمَا جَاءَ بِلَفْظِ الْخِطَابِ فِي مَا لَكَمَ مِنْ زَوَالٍ لِمُرَاعَاةِ أَقْسَمْتُمْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ: مَا لَنَا مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَيِ: اسْتَقْرَرْتُمْ، يُقَالُ: سَكَنَ الدَّارَ وَسَكَنَ فِيهَا، وَهِيَ بِلَادُ ثَمُودَ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالْعِصْيَانِ لَهُ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ قَرَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ نُبَيِّنُ بِالنُّونِ وَالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ. وَقَرَأَ مَنْ عَدَاهُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْفِعْلِ الْمَاضِي، أَيْ: تَبَيَّنَ لَكُمْ بِمُشَاهَدَةِ الْآثَارِ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ الشَّدِيدِ بِمَا فَعَلُوهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَفَاعِلُ تَبَيَّنَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَهُ، أَيْ: تَبَيَّنَ لَكُمْ فِعْلُنَا العجيب بهم

(1) . القصص: 10.

(2)

. يس: 11.

(3)

. الأنعام: 28.

(4)

. النحل: 38.

ص: 139

وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ فِي كُتُبِ اللَّهِ وَعَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ إِيضَاحًا لَكُمْ وَتَقْرِيرًا وَتَكْمِيلًا لِلْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: فَعَلْنَا بِهِمْ مَا فَعَلْنَا، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ قَدْ مَكَرُوا فِي رَدِّ الْحَقِّ وَإِثْبَاتِ الْبَاطِلِ مَكْرَهُمُ الْعَظِيمَ، الَّذِي اسْتَفْرَغُوا فِيهِ وُسْعَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ أَيْ: وَعِنْدَ اللَّهِ جَزَاءُ مَكْرِهِمْ، أَوْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ مَكْرُهُمْ فَهُوَ مُجَازِيهِمْ، أَوْ عِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمُ الَّذِي يَمْكُرُهُمْ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَكْرُ مضافا إلى المفعول وقيل: وَالْمُرَادُ بِهِمْ قَوْمُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم حِينَ هَمُّوا بِقَتْلِهِ أَوْ نَفْيِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَا وَقَعَ مِنَ النُّمْرُوذِ حَيْثُ حَاوَلَ الصُّعُودَ إِلَى السَّمَاءِ، فَاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ تَابُوتًا وَرَبَطَ قَوَائِمَهُ بِأَرْبَعَةِ نُسُورٍ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ قَرَأَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيٌّ وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَكَانَ النُّونِ. وَقَرَأَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْقُرَّاءِ وَإِنْ كانَ بِالنُّونِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالْكِسَائِيُّ «لَتَزُولُ» بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا لَامُ الِابْتِدَاءِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِهَا عَلَى أَنَّهَا لَامُ الْجُحُودِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الِاخْتِيَارُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ، يَعْنِي قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ زَالَتْ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فَعَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِيِّ وَمَنْ مَعَهُ تَكُونُ إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاللَّامُ هِيَ الْفَارِقَةَ، وَزَوَالُ الْجِبَالِ مَثَلٌ لِعِظَمِ مَكْرِهِمْ وَشِدَّتِهِ، أَيْ: وَإِنَّ الشَّأْنَ كَانَ مَكْرُهُمْ مُعَدًّا لِذَلِكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ يَبْلُغُ فِي الْكَيْدِ إِلَى إِزَالَةِ الْجِبَالِ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ دِينَهُ وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَالْمَعْنَى كَمَا مَرَّ. وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً وَاللَّامُ الْمَكْسُورَةُ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «1» وَالْمَعْنَى: وَمُحَالٌّ أَنْ تَزُولَ الْجِبَالُ بِمَكْرِهِمْ، عَلَى أَنَّ الْجِبَالَ مَثَلٌ لِآيَاتِ اللَّهِ وَشَرَائِعِهِ الثَّابِتَةِ عَلَى حَالِهَا مَدَى الدَّهْرِ، فَالْجُمْلَةُ عَلَى هَذَا حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي مَكَرُوا لَا مِنْ قَوْلِهِ: وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّ مَكْرَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم، والخرائطي في مساوئ الْأَخْلَاقِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ قَالَ: هِيَ تَعْزِيَةٌ لِلْمَظْلُومِ وَوَعِيدٌ لِلظَّالِمِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ قَالَ: شَخَصَتْ فِيهِ وَاللَّهِ أَبْصَارُهُمْ فَلَا تَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مُهْطِعِينَ قَالَ: يَعْنِي بِالْإِهْطَاعِ النَّظَرَ مِنْ غَيْرِ أن يطرف مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ قال: الإقناع رفع رؤوسهم لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ قَالَ: شَاخِصَةٌ أَبْصَارُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ، فَهِيَ كَالْخَرِبَةِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مُهْطِعِينَ قَالَ: مُدِيمِي النَّظَرِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ مُهْطِعِينَ قَالَ: مُسْرِعِينَ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ قَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، خَرَجَتْ مِنْ صُدُورِهِمْ فَنَشِبَتْ فِي حُلُوقِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وابن أبي حاتم عن مُرَّةَ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ قَالَ: مُنْخَرِقَةٌ لَا تَعِي شَيْئًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ يَقُولُ: أَنْذِرْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.

(1) . البقرة: 143.

ص: 140