المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

أَيْ: عَنْ ذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ فَلَا يَذْكُرُونَهُ وَلَا يخطر بِبَالِهِمْ، بَلْ يُعْرِضُونَ عَنْهُ، أَوْ عَنِ الْقُرْآنِ، أَوْ عَنْ مَوَاعِظِ اللَّهِ، أَوْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا «أَمْ» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الَّتِي بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَةُ، لِلْإِضْرَابِ وَالِانْتِقَالِ عَنِ الْكَلَامِ السَّابِقِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى بَيَانِ جَهْلِهِمْ بِحِفْظِهِ سُبْحَانَهُ إِيَّاهُمْ إِلَى تَوْبِيخِهِمْ وَتَقْرِيعِهِمْ بِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ نَفْعِ نَفْسِهِ، وَالدَّفْعِ عَنْهَا. وَالْمَعْنَى: بَلْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِنَا. وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ مِنْ دُونِنَا تَمْنَعُهُمْ. ثُمَّ وَصَفَ آلِهَتَهُمْ هَذِهِ الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا تَنْصُرُهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ، فَقَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ أَيْ: هُمْ عَاجِزُونَ عَنْ نَصْرِ أَنْفُسِهِمْ فَكَيْفَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصُرُوا غَيْرَهُمْ «وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ» ، أَيْ: وَلَا هُمْ يُجَارُونَ مِنْ عَذَابِنَا. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ: لَا يُجِيرُهُمْ مِنَّا أَحَدٌ لِأَنَّ الْمُجِيرَ صَاحِبُ الْجَارِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: صَحِبَكَ اللَّهُ، أَيْ: حَفِظَكَ وَأَجَارَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ مُتَعَوِّذًا

لِيُصْحَبَ مِنَّا وَالرِّمَاحُ دَوَانِي

تَقُولُ الْعَرَبُ: أَنَا لَكَ جَارٌ وَصَاحِبٌ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ: مُجِيرٌ مِنْهُ. قَالَ الْمَازِنِيُّ: هُوَ مِنْ أَصْحَبْتُ الرَّجُلَ إِذَا مَنَعْتَهُ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان وأبي جهل وهما يَتَحَدَّثَانِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو جَهْلٍ ضَحِكَ وَقَالَ لأبي سفيان: هذا نبيّ عَبْدِ مَنَافٍ، فَغَضِبَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: مَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ نَبِيٌّ؟! فسمعها النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَرَجَعَ إِلَى أَبِي جَهْلٍ فَوَقَعَ بِهِ وَخَوَّفَهُ وَقَالَ: مَا أَرَاكَ مُنْتَهِيًا حَتَّى يُصِيبَكَ مَا أَصَابَ عَمَّكَ، وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ: أَمَّا إِنَّكَ لَمْ تَقُلْ مَا قُلْتَ إِلَّا حَمِيَّةً» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا. قُلْتُ: يَنْظُرُ مَنِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ السُّدِّيُّ؟. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا نُفِخَ فِي آدَمَ الرُّوحَ صَارَ فِي رَأْسِهِ فَعَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَتْ: الْمَلَائِكَةُ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَذَهَبَ لِيَنْهَضَ قَبْلَ أَنْ تَمُورَ فِي رِجْلَيْهِ فَوَقَعَ، فَقَالَ اللَّهُ: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ وَقَدْ أَخْرَجَ نَحْوَ هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَكَذَا أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ قَالَ:

يَحْرُسُكُمْ، وَفِي قَوْلُهُ: وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ قَالَ: لَا يُنْصَرُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ قَالَ: لَا يُجَارُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ:

قَالَ: لَا يمنعون.

[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (48)

الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (51) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (52) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (53)

قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (54) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَاّعِبِينَ (55) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)

ص: 483

لَمَّا أَبْطَلَ كَونَ الْأَصْنَامِ نَافِعَةً أَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ مُنْتَقِلًا إِلَى بَيَانِ أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالتَّمَتُّعِ بِالْحَيَاةِ الْعَاجِلَةِ هُوَ من اللَّهِ، لَا مِنْ مَانِعٍ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْهَلَاكِ، وَلَا مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُهُمْ عَلَى أَسْبَابِ التَّمَتُّعِ، فَقَالَ: بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، مَتَّعَهُمُ اللَّهُ بِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ فَاغْتَرُّوا بِذَلِكَ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ، فَرَدَّ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ قَائِلًا أَفَلا يَرَوْنَ أَيْ: أَفَلَا يَنْظُرُونَ فَيَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَيْ: أرض الكفر، ننقصها بالظهور عليها مِنْ أَطْرَافِهَا، فَنَفْتَحُهَا بَلَدًا بَعْدَ بَلَدٍ، وَأَرْضًا بَعْدَ أَرْضٍ، وَقِيلَ: نَنْقُصُهَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، وَقَدْ مَضَى فِي الرَّعْدِ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مُسْتَوْفًى، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَفَهُمُ الْغالِبُونَ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ كَنَظَائِرِهِ، أَيْ: كَيْفَ يَكُونُونَ غَالِبِينَ بَعْدَ نَقْصِنَا لِأَرْضِهِمْ مِنْ أَطْرَافِهَا؟ وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْغَالِبِينَ هُمُ الْمُسْلِمُونَ قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ أَيْ: أُخَوِّفُكُمْ وَأُحَذِّرُكُمْ بِالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ شَأْنِي وَمَا أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِمَّا مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ، أَوْ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ أَصَمَّ اللَّهُ سَمْعَهُ، وَخَتَمَ عَلَى قَلْبِهِ، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً، لَا يَسْمَعُ الدُّعَاءَ. قَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرحمن السلمي ومحمد بن السميقع «وَلَا يُسْمَعُ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وأبو حيوة ويحيى ابن الْحَارِثِ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ مَضْمُومَةً وَكَسْرِ الْمِيمِ، أَيْ: إِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَا تُسْمِعُ هَؤُلَاءِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:

وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَامِرٍ لَكَانَ: إِذَا مَا تُنْذِرُهُمْ، فَيَحْسُنُ نَظْمُ الْكَلَامِ، فَأَمَّا إِذا مَا يُنْذَرُونَ فَحَسَنٌ أَنْ يَتَّبِعَ قِرَاءَةَ الْعَامَّةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَرَفْعِ الصُّمِّ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ الْمُرَادُ بِالنَّفْحَةِ الْقَلِيلُ، مَأْخُوذٌ مِنْ نَفْحِ الْمِسْكِ قَالَهُ ابْنُ كَيْسَانَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «1» :

وَعُمْرَةٌ من سروات النّساء

تَنْفَحُ بِالْمِسْكِ أَرْدَانُهَا

وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: النَّفْحَةُ: الدَّفْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ الَّتِي دُونَ مُعْظَمِهِ، يُقَالُ: نَفَحَهُ نَفْحَةً بِالسَّيْفِ إِذَا ضَرَبَهُ ضَرْبَةً خَفِيفَةً، وَقِيلَ: هي النصيب، وَقِيلَ: هِيَ الطَّرْفُ. وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، أَيْ: وَلَئِنْ مَسَّهُمْ أَقَلُّ شَيْءٍ مِنَ الْعَذَابِ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أَيْ: لَيَدْعُونَ عَلَى أنفسهم بالويل والهلاك، ويعترفون عليها بالظلم

(1) . هو قيس بن الخطيم.

ص: 484

وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ الْمَوَازِينُ: جَمْعُ مِيزَانٍ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَوَازِينَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِيزَانٌ وَاحِدٌ، عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ فِي صِفَةِ الْمِيزَانِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَقَدْ مَضَى فِي الْأَعْرَافِ، وَفِي الْكَهْفِ فِي هَذَا مَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ، وَالْقِسْطِ صِفَةٌ لِلْمَوَازِينِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: قِسْطٌ مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ، تَقُولُ: مِيزَانُ قِسْطٍ وَمَوَازِينُ قِسْطٍ. وَالْمَعْنَى: ذَوَاتُ قِسْطٍ، وَالْقِسْطُ: الْعَدْلُ. وَقُرِئَ «الْقِصْطُ» بِالصَّادِّ وَالطَّاءِ. وَمَعْنَى لِيَوْمِ الْقِيامَةِ لِأَهْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى فِي، أَيْ: فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً أَيْ: لَا يُنْقَصُ مِنْ إِحْسَانِ مُحْسِنٍ، وَلَا يُزَادُ فِي إِسَاءَةِ مُسِيءٍ وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ قَرَأَ نَافِعٌ وَشَيْبَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِرَفْعِ مِثْقَالُ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ، أَيْ: إِنْ وَقَعَ أَوْ وَجَدَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِنَصْبِ الْمِثْقَالِ، عَلَى تَقْدِيرِ: وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِوَضْعِ الْمَوَازِينِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ، كَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ.

وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: وَإِنْ كَانَ الظُّلَامَةُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ لِتَقَدُّمِ قَوْلِهِ: «فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا» ، وَمِثْقَالُ الشَّيْءِ: مِيزَانُهُ، أَيْ: وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الْخِفَّةِ وَالْحَقَارَةِ، فَإِنَّ حَبَّةَ الْخَرْدَلِ مَثَلٌ فِي الصِّغَرِ أَتَيْنا بِها قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْقَصْرِ، أَيْ: أَحْضَرْنَاهَا وَجِئْنَا بها للمجازاة عليها، و «بها» أي: بحبة الخردل.

وقرأ مجاهد وعكرمة «آتينا» بالمدّ على معنى جازينا بها، يُقَالُ: آتِي يُؤَاتِي مُؤَاتَاةً جَازَى وَكَفى بِنا حاسِبِينَ أَيْ: كَفَى بِنَا مُحْصِينَ، وَالْحَسْبُ فِي الْأَصْلِ مَعْنَاهُ الْعَدُّ، وَقِيلَ: كَفَى بِنَا عَالِمِينَ لِأَنَّ مَنْ حَسَبَ شَيْئًا عَلِمَهُ وَحَفِظَهُ، وَقِيلَ: كَفَى بِنَا مُجَازِينَ عَلَى مَا قَدَّمُوهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. ثُمَّ شَرَعَ سُبْحَانَهُ فِي تَفْصِيلِ مَا أَجْمَلَهُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ «1» فَقَالَ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ الْمُرَادُ بِالْفُرْقَانِ هُنَا التَّوْرَاةُ لِأَنَّ فِيهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَقِيلَ: الْفُرْقَانُ هُنَا هُوَ النَّصْرُ عَلَى الْأَعْدَاءِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ «2» . قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَمَعْنَى «وَضِيَاءٌ» أَنَّهُمُ اسْتَضَاءُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالْغِوَايَةِ، وَمَعْنَى «وَذِكْرًا» الْمَوْعِظَةُ، أَيْ: أَنَّهُمْ يَتَّعِظُونَ بِمَا فِيهَا، وَخَصَّ الْمُتَّقِينَ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ، وَوَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لِأَنَّ هَذِهِ الْخَشْيَةَ تُلَازِمُ التَّقْوَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُولُ بَدَلًا مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ بَيَانًا لَهُ، وَمَحَلُّ «بِالْغَيْبِ» النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: يَخْشَوْنَ عَذَابَهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُمْ، أَوْ هُمْ غَائِبُونَ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ ضِياءً بغير واو. قال الفراء: حذف الْوَاوُ وَالْمَجِيءُ بِهَا وَاحِدٌ، وَاعْتَرَضَهُ الزَّجَّاجُ بِأَنَّ الْوَاوَ تَجِيءُ لِمَعْنًى، فَلَا تُزَادُ. وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ أَيْ:

وَهُمْ مِنَ الْقِيَامَةِ خَائِفُونَ وَجِلُونَ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ إِلَى الْقُرْآنِ. قَالَ الزَّجَّاجُ:

الْمَعْنَى: وَهَذَا الْقُرْآنُ ذِكْرٌ لِمَنْ تَذَكَّرَ بِهِ وَمَوْعِظَةٌ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِ، وَالْمُبَارَكُ: كَثِيرُ الْبَرَكَةِ وَالْخَيْرِ. وَقَوْلُهُ:

أَنْزَلْناهُ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِلذِّكْرِ، أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ لِلْإِنْكَارِ لِمَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ الْإِنْكَارِ، أَيْ: كَيْفَ تُنْكِرُونَ كَوْنَهُ مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مَعَ اعْتِرَافِكُمْ بِأَنَّ التَّوْرَاةَ مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِهِ؟

وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ أَيِ: الرُّشْدَ اللَّائِقَ بِهِ وَبِأَمْثَالِهِ مِنَ الرُّسُلِ، وَمَعْنَى مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ أُعْطِيَ

(1) . الأنبياء: 7.

(2)

. الأنفال: 41.

ص: 485

رُشْدَهُ قَبْلَ إِيتَاءِ مُوسَى وَهَارُونَ التَّوْرَاةَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى أَعْطَيْنَاهُ هُدَاهُ مِنْ قَبْلِ النُّبُوَّةِ: أَيْ وَفَّقْنَاهُ لِلنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ لَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ فَرَأَى الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنَّجْمَ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ أَقَلُّهُمْ:

وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ أَنَّهُ مَوْضِعٌ لِإِيتَاءِ الرُّشْدِ، وَأَنَّهُ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَالظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِآتَيْنَا أَوْ بِمَحْذُوفٍ، أَيِ: اذْكُرْ حِينَ قَالَ، وَأَبُوهُ هُوَ آزَرُ وَقَوْمِهِ نَمْرُوذُ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، وَالتَّمَاثِيلُ:

الْأَصْنَامُ، وَأَصْلُ التِّمْثَالِ الشَّيْءُ الْمَصْنُوعُ مُشَابِهًا لِشَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، يُقَالُ: مَثَّلْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ إِذَا جَعَلْتُهُ مُشَابِهًا لَهُ، وَاسْمُ ذَلِكَ الْمُمَثَّلِ تِمْثَالٌ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَتَهَا بِقَوْلِهِ: مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ وَالْعُكُوفُ: عِبَارَةٌ عَنِ اللُّزُومِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى الشَّيْءِ، وَاللَّامُ فِي «لَهَا» لِلِاخْتِصَاصِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّعْدِيَةِ لَجِيءَ بِكَلِمَةِ عَلَى، أَيْ: مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِي أَنْتُمْ مُقِيمُونَ عَلَى عِبَادَتِهَا؟ وَقِيلَ: إِنَّ الْعُكُوفَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الْعِبَادَةِ قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ أَجَابُوهُ بِهَذَا الْجَوَابِ الَّذِي هُوَ الْعَصَا الَّتِي يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا كُلُّ عَاجِزٍ، وَالْحَبْلُ الَّذِي يَتَشَبَّثُ بِهِ كُلُّ غَرِيقٍ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الْآبَاءِ، أَيْ: وَجَدْنَا آبَاءَنَا يَعْبُدُونَهَا فَعَبَدْنَاهَا اقْتِدَاءً بِهِمْ وَمَشْيًا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ، وَهَكَذَا يُجِيبُ هَؤُلَاءِ الْمُقَلِّدَةُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِذَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ الْعَمَلَ بِمَحْضِ الرَّأْيِ الْمَدْفُوعِ بِالدَّلِيلِ قَالُوا هَذَا قَدْ قَالَ بِهِ إِمَامُنَا الَّذِي وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهُ مُقَلِّدِينَ وَبِرَأْيِهِ آخِذِينَ، وَجَوَابُهُمْ هُوَ مَا أَجَابَ بِهِ الْخَلِيلُ هَاهُنَا قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أَيْ: فِي خُسْرَانٍ وَاضِحٍ ظَاهِرٍ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَلْتَبِسُ عَلَى ذِي عَقْلٍ، فَإِنَّ قَوْمَ إِبْرَاهِيمَ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَلَيْسَ بَعْدَ هَذَا الضَّلَالِ ضَلَالٌ، وَلَا يُسَاوِي هَذَا الْخُسْرَانَ خُسْرَانٌ، وَهَؤُلَاءِ الْمُقَلِّدَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ اسْتَبْدَلُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِسُنَّةِ رَسُولِهِ كِتَابًا قَدْ دُوِّنَتْ فِيهِ اجْتِهَادَاتُ عَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى دَلِيلٍ يُخَالِفُهَا، إِمَّا لِقُصُورٍ مِنْهُ أَوْ لِتَقْصِيرٍ فِي الْبَحْثِ فَوَجَدَ ذَلِكَ الدَّلِيلَ مَنْ وَجَدَهُ، وَأَبْرَزَهُ وَاضِحُ الْمَنَارِ:

............

كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارٌ «1»

وَقَالَ: هَذَا كِتَابُ اللَّهِ أَوْ هَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِهِ، وَأَنْشَدَهُمْ:

دَعُوا كُلَّ قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ

فَمَا آمِنٌ فِي دِينِهِ كَمُخَاطِرِ

فَقَالُوا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ «2» :

مَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ

غَوَيْتُ وَإِنْ تُرْشَدَ غَزِيَّةُ أُرْشَدِ

وَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:

يَأْبَى الْفَتَى إِلَّا اتِّبَاعَ الْهَوَى

وَمَنْهَجُ الْحَقِّ لَهُ وَاضِحٌ

(1) . وصدره: وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به. «العلم» : الجبل. والبيت للخنساء.

(2)

. هو دريد بن الصّمّة.

ص: 486