المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا رَسُولًا أَنْكَرَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي قوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ الْآيَةَ، يَعْنِي: مُشْرِكِي قُرَيْشٍ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَنَفَرٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: بِالْبَيِّناتِ قَالَ: الْآيَاتُ وَالزُّبُرِ قَالَ: الْكُتُبُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ قَالَ: نُمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ وَقَوْمُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ:

أَيِ: الشِّرْكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: تَكْذِيبُهُمُ الرُّسُلَ، وَإِعْمَالُهُمْ بِالْمَعَاصِي.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ قَالَ: فِي اخْتِلَافِهِمْ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي تَقَلُّبِهِمْ قَالَ: إِنْ شِئْتَ أَخَذْتُهُ فِي سَفَرِهِ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ يَقُولُ: عَلَى أَثَرِ مَوْتِ صَاحِبِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا عَلى تَخَوُّفٍ قَالَ: تَنَقُّصٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَقَالُوا: مَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ عِنْدَ تَنَقُّصِ مَا يُرَدِّدُهُ مِنَ الْآيَاتِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَى إِلَّا أَنَّهُ عَلَى مَا يَتَنَقَّصُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ فَلَقِيَ أَعْرَابِيًّا، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، مَا فَعَلَ رَبُّكَ؟ قَالَ: قَدْ تَخَيَّفْتُهُ، يَعْنِي انْتَقَصْتُهُ، فَرَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ قَالَ: يَأْخُذُهُمْ بِنَقْصِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عباس في قوله: يَتَفَيَّؤُا قَالَ: يَتَمَيَّلُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ داخِرُونَ قَالَ: صَاغِرُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ الْآيَةَ قَالَ: لَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا عَبَّدَهُ لَهُ طَائِعًا أَوْ كَارِهًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَسْجُدُ مَنْ فِي السّموات طوعا، ومن في الأرض طوعا وكرها.

[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)

وَيَجْعَلُونَ لِما لَا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)

وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)

ص: 201

لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَخْلُوقَاتِهِ السَّمَاوِيَّةَ وَالْأَرْضِيَّةَ مُنْقَادَةٌ لَهُ، خَاضِعَةٌ لِجَلَالِهِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ بِقَوْلِهِ: وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَنَهَى سُبْحَانَهُ عَنِ اتِّخَاذِ إِلَهَيْنِ، ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّ الإلهية منحصرة في إله واحد وهو اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ التَّثْنِيَةَ فِي إِلَهَيْنِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى الِاثْنَيْنِيَّةِ، وَالْإِفْرَادُ فِي إِلَهٌ قَدْ دَلَّ عَلَى الْوَحْدَةِ، فَمَا وَجْهُ وصف إلهين باثنين، ووصف إله بواحد؟ فَقِيلَ فِي الْجَوَابِ: إِنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَالتَّقْدِيرُ: لَا تَتَّخِذُوا اثْنَيْنِ إِلَهَيْنِ إِنَّمَا هُوَ وَاحِدٌ إِلَهٌ، وَقِيلَ: إِنَّ التَّكْرِيرَ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ عَنِ اتِّخَاذِ الشَّرِيكِ وَقِيلَ: إِنَّ فَائِدَةَ زِيَادَةِ اثْنَيْنِ هِيَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّهْيَ رَاجِعٌ إِلَى التَّعَدُّدِ لَا إِلَى الْجِنْسِيَّةِ، وَفَائِدَةُ زِيَادَةِ وَاحِدٌ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ إِثْبَاتُ الْإِلَهِيَّةِ دُونَ الْوَاحِدِيَّةِ، مَعَ أَنَّ الْإِلَهِيَّةَ لَهُ سُبْحَانَهُ مُسَلَّمَةٌ فِي نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا خِلَافُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْوَاحِدِيَّةِ، ثُمَّ نَقَلَ الْكَلَامَ سُبْحَانَهُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ لِزِيَادَةِ التَّرْهِيبِ، فَقَالَ: فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ رَاهِبِينَ شَيْئًا فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ لَا غَيْرِي، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُ هَذَا فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ. ثُمَّ لَمَّا قَرَّرَ سُبْحَانَهُ وَحْدَانِيَّتَهُ، وَأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُخَصَّ بِالرَّهْبَةِ مِنْهُ وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ، ذَكَرَ أَنَّ الْكُلَّ فِي مِلْكِهِ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ فَقَالَ: وَلَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَنْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِلَى آخِرِهِ، وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَيْ: ثَابِتًا وَاجِبًا دَائِمًا لَا يَزُولُ، وَالدِّينُ: هُوَ الطَّاعَةُ وَالْإِخْلَاصُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: واصِباً معناه دائما، ومنه قول الدّؤلي:

أَبْتَغِي الْحَمْدَ الْقَلِيلُ بَقَاؤُهُ

بِذَمٍّ يَكُونُ الدَّهْرُ أَجْمَعَ وَاصِبَا

أَيْ: دَائِمًا. وَرُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: الْوَاصِبُ: الْخَالِصُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، ومنه قوله سبحانه:

وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ «1» أَيْ: دَائِمٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: طَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ أَبَدًا. فَفَسَّرَ الْوَاصِبَ بِالْوَاجِبِ.

وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ الْوَاصِبِ: أَيْ: لَيْسَ أَحَدٌ يُطَاعُ إِلَّا انْقَطَعَ ذَلِكَ بِزَوَالٍ أَوْ بِهَلَكَةٍ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الطَّاعَةَ تَدُومُ لَهُ، فَفَسَّرَ الْوَاصِبَ بِالدَّائِمِ، وَإِذَا دَامَ الشَّيْءُ دَوَامًا لَا يَنْقَطِعُ فَقَدْ وَجَبَ وَثَبَتَ، يُقَالُ وَصَبَ الشَّيْءُ يَصِبُ وُصُوبًا فَهُوَ وَاصِبٌ إِذَا دَامَ، وَوَصَبَ الرَّجُلُ عَلَى الْأَمْرِ إِذَا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَقِيلَ: الْوَصَبُ التَّعَبُ وَالْإِعْيَاءُ، أَيْ: يَجِبُ طَاعَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِنْ تَعِبَ الْعَبْدُ فِيهَا وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا فِي الْآيَةِ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَالْمَعْنَى: إِذَا كَانَ الدِّينُ، أَيِ: الطَّاعَةُ وَاجِبًا لَهُ دَائِمًا لَا يَنْقَطِعُ كَانَ الْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ تَخْصِيصَ التَّقْوَى بِهِ وَعَدَمَ إِيقَاعِهَا لِغَيْرِهِ. ثُمَّ امْتَنَّ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا هُمْ مُتَقَلِّبُونَ فِيهِ مِنَ النِّعَمِ هُوَ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ فَقَالَ: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ أَيْ: مَا يُلَابِسُكُمْ مِنَ النِّعَمِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فَمِنَ اللَّهِ: أَيْ فَهِيَ مِنْهُ، فَتَكُونُ مَا شَرْطِيَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً مُتَضَمِّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِ، وبكم صلتها، ومن نِعْمَةٍ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ،

(1) . الصافات: 9.

ص: 202

أو بيان لما. وَقَوْلُهُ: فَمِنَ اللَّهِ الْخَبَرُ، وَعَلَى كَوْنِ مَا شَرْطِيَّةً يَكُونُ فِعْلُ الشَّرْطِ مَحْذُوفًا أَيْ: مَا يَكُنْ، وَالنِّعْمَةُ إِمَّا دِينِيَّةٌ وَهِيَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ لِذَاتِهِ وَمَعْرِفَةُ الْخَيْرِ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِمَّا دُنْيَوِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، أَوْ بَدَنِيَّةٌ أَوْ خَارِجِيَّةٌ كَالسَّعَادَاتِ الْمَالِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ لَا حَصْرَ لَهَا، وَالْكُلُّ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَشْكُرَ إِلَّا إِيَّاهُ، ثُمَّ بَيَّنَ تَلَوُّنَ الْإِنْسَانِ بَعْدَ اسْتِغْرَاقِهِ فِي بَحْرِ النِّعَمِ فَقَالَ: ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ أَيْ: إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ، أَيَّ مَسٍّ، فَإِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا إِلَى غَيْرِهِ تَتَضَرَّعُونَ فِي كَشْفِهِ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، يُقَالُ: جأر يجأر جُؤَارًا: إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ فِي تَضَرُّعٍ. قَالَ الْأَعْشَى «1» يَصِفُ بَقَرَةً:

فَطَافَتْ ثَلَاثًا بَيْنَ يَوْمٍ وليلة

وكان النّكير أن تضيف «2» وَتَجْأَرَا

وَالضُّرُّ: الْمَرَضُ وَالْبَلَاءُ وَالْحَاجَةُ وَالْقَحْطُ، وَكُلُّ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْإِنْسَانُ ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ أَيْ: إِذَا رَفَعَ عَنْكُمْ مَا نَزَلْ بِكُمْ مِنَ الضُّرِّ إِذا فَرِيقٌ

أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ الذي رُفِعَ الضُّرَّ عَنْهُمْ يُشْرِكُونَ فَيَجْعَلُونَ مَعَهُ إِلَهًا آخَرَ مِنْ صَنَمٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَالْآيَةُ مَسُوقَةٌ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ فِعْلِ هَؤُلَاءِ حَيْثُ يَضَعُونَ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِكَشْفِ مَا نَزَلْ بِهِمْ مِنَ الضُّرِّ مَكَانَ الشُّكْرِ لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَنْعَامِ وَيُونُسَ، وَيَأْتِي في سبحان «3» . قال الزجّاج: هذا خاص بمن وَكُفْرٍ.

وَقَابَلَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْهُ بِالْجُحُودِ وَالْكُفْرِ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ «مِنْ» فِي «مِنْكُمْ» لِلتَّبْعِيضِ حَيْثُ كَانَ الْخِطَابُ لِلنَّاسِ جَمِيعًا، وَالْفَرِيقُ هُمُ الْكَفَرَةُ وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ مُوَجَّهًا إِلَى الْكُفَّارِ فمن لِلْبَيَانِ، وَاللَّامُ فِي لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ لَامُ كَيْ، أَيْ: لِكَيْ يَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ نعمة كشف الضرّ، وحتى كَأَنَّ هَذَا الْكُفْرَ مِنْهُمُ الْوَاقِعُ فِي مَوْضِعِ الشُّكْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ غَرَضٌ لَهُمْ وَمَقْصِدٌ مِنْ مَقَاصِدِهِمْ، وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْعُتُوِّ وَالْعِنَادِ لَيْسَ وَرَاءَهَا غَايَةٌ وَقِيلَ: اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ، يَعْنِي: مَا كَانَتْ عَاقِبَةُ تِلْكَ التَّضَرُّعَاتِ إِلَّا هَذَا الْكُفْرَ. ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ وَالتَّرْهِيبِ مُلْتَفِتًا مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ فَتَمَتَّعُوا بِمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ أَمْرِكُمْ وَمَا يَحِلُّ بِكُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَمَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. ثُمَّ حَكَى سُبْحَانَهُ نَوْعًا آخَرَ مِنْ قَبَائِحِ أَعْمَالِهِمْ فَقَالَ: وَيَجْعَلُونَ لِما لَا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ أَيْ: يَقَعُ مِنْهُمْ هَذَا الْجَعْلُ بَعْدَ مَا وَقَعَ مِنْهُمُ الْجُؤَارُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي كَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُمْ وَمَا يَعْقُبُ كَشْفَهُ عَنْهُمْ مِنَ الْكُفْرِ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْإِشْرَاكِ بِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَتَهُ مِنَ الْجَمَادَاتِ وَالشَّيَاطِينِ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ، أَيِ: الْكُفَّارُ، يَجْعَلُونَ لِلْأَصْنَامِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا لِكَوْنِهِمْ جَمَادَاتٍ، فَفَاعِلُ يَعْلَمُونَ عَلَى هَذَا هِيَ الْأَصْنَامُ، وَأَجْرَاهَا مَجْرَى الْعُقَلَاءِ فِي جَمْعِهَا بِالْوَاوِ وَالنُّونِ جَرْيًا عَلَى اعْتِقَادِ الْكُفَّارِ فِيهَا.

وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: وَيَجْعَلُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ لِلْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَعْقِلُ شَيْئًا نَصِيبًا مِنْ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي رزقهم الله إياها

(1) . الذي في اللسان مادة «ضيف» أنه النابغة الجعدي.

(2)

. في المطبوع: تطيف، والتصحيح من اللسان وتفسير القرطبي (10/ 115) . «تضيف» : تشفق وتحذر.

«النكير» : الإنكار. «تجأر» : تصيح.

(3)

. أي: في سورة الإسراء.

ص: 203

تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ هَذَا رُجُوعٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ، وَهَذَا السُّؤَالُ سُؤَالُ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ تَخْتَلِقُونَهُ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ هذا نوع آخر من فضائحه وَقَبَائِحِهِمْ، وَقَدْ كَانَتْ خُزَاعَةُ وَكِنَانَةُ تَقُولُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ سُبْحانَهُ نَزَّهَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ عَمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْجُفَاةُ الَّذِينَ لَا عُقُولَ لَهُمْ صَحِيحَةً وَلَا أَفْهَامَ مُسْتَقِيمَةً إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ «1» وَفِي هَذَا التَّنْزِيهِ تَعْجِيبٌ مِنْ حَالِهِمْ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ أَيْ: وَيَجْعَلُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا يَشْتَهُونَهُ مِنَ الْبَنِينَ عَلَى أَنَّ «مَا» فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِالْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَأَنْكَرَ النَّصْبَ الزَّجَّاجُ قَالَ: لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يَقُولُونَ جَعَلَ لَهُ كَذَا وَهُوَ يَعْنِي نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ جَعَلَ لِنَفْسِهِ كَذَا، فَلَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَقَالَ وَلِأَنْفُسِهِمْ مَا يَشْتَهُونَ. وَقَدْ أَجَازَ النَّصْبَ الْفَرَّاءُ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ كَرَاهَتَهُمْ لِلْإِنَاثِ الَّتِي جَعَلُوهَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى أَيْ: إِذَا أُخْبِرَ أَحَدُهُمْ بِوِلَادَةِ بِنْتٍ لَهُ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا أَيْ:

مُتَغَيِّرًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّوَادَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْبَيَاضِ، بَلِ الْمُرَادُ الْكِنَايَةُ بِالسَّوَادِ عَنِ الِانْكِسَارِ وَالتَّغَيُّرِ بِمَا يَحْصُلُ مِنَ الْغَمِّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَنْ لَقِيَ مَكْرُوهًا قَدِ اسْوَدَّ وَجْهُهُ غَمًّا وَحُزْنًا قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:

بَلِ الْمُرَادُ سَوَادُ اللَّوْنِ حَقِيقَةً، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَإِنَّ الْمَعْلُومَ بِالْوِجْدَانِ أَنَّ مَنْ غَضِبَ وَحَزَنَ وَاغْتَمَّ لَا يَحْصُلُ فِي لَوْنِهِ إِلَّا مُجَرَّدُ التَّغَيُّرِ وَظُهُورِ الْكَآبَةِ وَالِانْكِسَارِ لَا السَّوَادُ الْحَقِيقِيُّ، وَجُمْلَةُ وَهُوَ كَظِيمٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أي: ممتلئ مِنَ الْغَمِّ، مَأْخُوذٌ مِنِ الْكِظَامَةِ وَهُوَ سَدُّ فم البئر قاله عليّ ابن عِيسَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ «2» يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ أَيْ: يَتَغَيَّبُ وَيَخْتَفِي مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيْ: مِنْ سُوءِ الْحُزْنِ وَالْعَارِ وَالْحَيَاءِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِسَبَبِ حُدُوثِ الْبِنْتِ لَهُ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَيْ:

لَا يَزَالُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ: وَهُوَ إِمْسَاكُ الْبِنْتِ الَّتِي بُشِّرَ بِهَا، أَوْ دَفْنُهَا فِي التُّرَابِ عَلى هُونٍ أَيْ: هَوَانٍ، وَكَذَا قَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيُّ. قَالَ الْيَزِيدِيُّ: وَالْهُونُ الْهَوَانُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَكَذَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَحُكِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ الْبَلَاءُ وَالْمَشَقَّةُ، قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:

نُهِينُ النُّفُوسَ وَهَوْنُ النُّفُو

سِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ أَبْقَى لَهَا

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْهُونُ الْقَلِيلُ بِلُغَةِ تَمِيمٍ. وَحَكَى النَّحَّاسُ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَرَأَ: «أَيُمْسِكُهُ عَلَى سُوءٍ» أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَيْ: يُخْفِيهِ فِي التُّرَابِ بِالْوَأْدِ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْعَرَبُ، فَلَا يَزَالُ الَّذِي بُشِّرَ بِحُدُوثِ الْأُنْثَى مُتَرَدِّدًا بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، وَالتَّذْكِيرُ فِي يُمْسِكُهُ وَيَدُسُّهُ مَعَ كَوْنِهِ عِبَارَةً عَنِ الْأُنْثَى لِرِعَايَةِ اللَّفْظِ. وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ «أَمْ يَدُسُّهَا فِي التُّرَابِ» وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ أَيُمْسِكُهَا، وَقِيلَ: دَسُّهَا: إِخْفَاؤُهَا عَنِ النَّاسِ حَتَّى لَا تُعْرَفَ كَالْمَدْسُوسِ لِإِخْفَائِهِ عَنِ الْأَبْصَارِ أَلا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ حَيْثُ أَضَافُوا الْبَنَاتِ الَّتِي يَكْرَهُونَهَا إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَأَضَافُوا الْبَنِينَ الْمَحْبُوبِينَ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى «3» . لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ أَيْ: لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَذِهِ الْقَبَائِحِ

(1) . الفرقان: 44.

(2)

. أي: الآية: 84. [.....]

(3)

. النجم: 21 و 22.

ص: 204

الْفَظِيعَةِ مَثَلُ السَّوْءِ، أَيْ: صِفَةُ السَّوْءِ مِنَ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ وَقِيلَ: هُوَ وَصْفُهُمْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَقِيلَ: هُوَ حَاجَتُهُمْ إِلَى الْوَلَدِ لِيَقُومَ مَقَامَهُمْ وَوَأْدُ الْبَنَاتِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَخَشْيَةِ الْإِمْلَاقِ وَقِيلَ: الْعَذَابُ وَالنَّارُ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ أَضْدَادُ صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الْغِنَى الْكَامِلِ وَالْجُودِ الشَّامِلِ وَالْعِلْمِ الْوَاسِعِ، أَوِ التَّوْحِيدُ وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ، أَوْ أَنَّهُ خَالِقٌ رَازِقٌ قَادِرٌ مُجَازٍ وَقِيلَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقِيلَ: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ «1» . وَهُوَ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يُغَالَبُ فَلَا يَضُرُّهُ نِسْبَتُهُمْ إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ الْحَكِيمُ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ. ثُمَّ لَمَّا حَكَى سُبْحَانَهُ عَنِ الْقَوْمِ عَظِيمَ كُفْرِهِمْ بَيَّنَ سِعَةَ كَرَمِهِ وَحِلْمِهِ حَيْثُ لَمْ يُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَلَمْ يُؤَاخِذْهُمْ بِظُلْمِهِمْ، فَقَالَ: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ هُنَا الْكُفَّارُ أَوْ جَمِيعُ الْعُصَاةِ مَا تَرَكَ عَلَيْها أَيْ: عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهَا ذِكْرُ النَّاسِ وَذِكْرُ الدَّابَّةِ، فَإِنَّ الْجَمِيعَ مُسْتَقِرُّونَ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ الْكَافِرُ، وَقِيلَ: كُلُّ مَا دَبَّ وَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذَا كَيْفَ يَعُمُّ بِالْهَلَاكِ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ؟ وَأُجِيبَ بِإِهْلَاكِ الظَّالِمِ انْتِقَامًا مِنْهُ، وَإِهْلَاكُ غَيْرِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ فَلِأَجْلِ تَوْفِيرِ أَجْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَبِشُؤْمِ ظُلْمِ الظالمين، ولله الحكمة البالغة لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ «2» ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً «3» . وَفِي مَعْنَى هَذَا أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى نِيَّاتِهِمْ» ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْجَيْشِ:«الَّذِينَ يُخْسَفُ بِهِمْ فِي الْبَيْدَاءِ، وَفِي آخِرِهِ: أَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» وَقَدْ قَدَّمْنَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً الْآيَةَ تَحْقِيقًا حَقِيقًا بِالْمُرَاجَعَةِ لَهُ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى مَعْلُومٌ عِنْدَهُ وَهُوَ مُنْتَهَى حَيَاتِهِمْ وَانْقِضَاءُ أَعْمَارِهِمْ أَوْ أَجَلُ عَذَابِهِمْ، وَفِي هَذَا التَّأْخِيرِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ مِنْهَا الْإِعْذَارُ إِلَيْهِمْ وَإِرْخَاءُ الْعِنَانِ مَعَهُمْ، وَمِنْهَا حُصُولُ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِنْ أَوْلَادِهِمْ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ الَّذِي سَمَّاهُ لَهُمْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ دُونِ تَقَدُّمٍ عَلَيْهِ وَلَا تَأَخُّرٍ عَنْهُ، وَالسَّاعَةُ الْمَدَّةُ الْقَلِيلَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا هَذَا وَتَحْقِيقُهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ نَوْعًا آخَرَ مِنْ جَهْلِهِمْ وَحُمْقِهِمْ فَقَالَ: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ أَيْ: يَنْسِبُونَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ مَا يَكْرَهُونَ نِسْبَتَهُ إِلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبَنَاتِ، وَهُوَ تَكْرِيرٌ لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ وَالتَّقْرِيرِ وَلِزِيَادَةِ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ هَذَا مِنَ النَّوْعِ الْآخَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ قَبَائِحِهِمْ وَهُوَ، أَيْ: هَذَا الَّذِي تَصِفُهُ أَلْسِنَتُهُمْ مِنَ الْكَذِبِ هُوَ قَوْلُهُمْ: أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى أَيِ: الْخَصْلَةُ الْحُسْنَى، أَوِ الْعَاقِبَةُ الْحُسْنَى. قَالَ الزَّجَّاجُ: يَصِفُونَ أَنَّ لَهُمْ مَعَ قُبْحِ قَوْلِهِمْ مِنَ اللَّهِ الْجَزَاءَ الْحَسَنَ. قَالَ الزَّجَّاجُ أَيْضًا وَالْفَرَّاءُ: أُبْدِلَ مِنْ قَوْلِهِ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب قوله أن لهم الحسنى، والكذب مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ تَصِفُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنِ: الْكُذُبُ بِرَفْعِ الْكَافِ وَالذَّالِ وَالْبَاءِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ للألسن وهو جمع كذوب، فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ عَلَى هَذَا هُوَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى. ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ أَيْ: حَقًّا أَنَّ لَهُمْ مَكَانَ مَا جَعَلُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحُسْنَى النَّارَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ هَذَا وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ قال ابن الأعرابي

(1) . النور: 35.

(2)

. الأنبياء: 23.

(3)

. الأنفال: 25.

ص: 205

وَأَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ: مَتْرُوكُونَ مَنْسِيُّونَ فِي النَّارِ، وَبِهِ قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ فَيَكُونُ مُشْتَقًّا مِنْ أَفْرَطْتُ فُلَانًا خَلْفِي:

إِذَا خَلَّفْتُهُ وَنَسِيتُهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: مُعَجَّلُونَ إِلَيْهَا مُقْدَّمُونَ فِي دُخُولِهَا مِنْ أَفَرَطْتُهُ، أَيْ: قَدَّمْتُهُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ، وَالْفَارِطُ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ إِلَى الْمَاءِ، وَالْفُرَّاطُ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي طَلَبِ الْمَاءِ، وَالْوُرَّادُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» أَيْ: مُتَقَدِّمُكُمْ. قَالَ الْقَطَامِيُّ:

فَاسْتَعْجَلُونَا وَكَانُوا مِنْ صَحَابَتِنَا

كَمَا تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ

وَقَرَأَ نَافِعٌ فِي رِوَايَةِ وَرْشٍ مُفْرَطُونَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَعْنَاهُ: مُسْرِفُونَ فِي الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي يُقَالُ: أَفْرَطَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا أَرْبَى عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ مِنَ الشَّرِّ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِّيُّ: مُفْرَطُونَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا أَيْ: مُضَيِّعُونَ أَمْرَ اللَّهِ، فَهُوَ مِنَ التَّفْرِيطِ فِي الْوَاجِبِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «مُفْرَطُونَ» بِفَتْحِ الرَّاءِ مُخَفَّفًا، وَمَعْنَاهُ: مُقَدَّمُونَ إِلَى النَّارِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً قَالَ: الدِّينُ الْإِخْلَاصُ، وَوَاصِبًا دَائِمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً قَالَ:

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ واصِباً قَالَ: دَائِمًا. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ وَاجِبًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وابن أبي حاتم عن مجاهد تَجْئَرُونَ قَالَ: تَتَضَرَّعُونَ دُعَاءً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: تَصِيحُونَ بِالدُّعَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ قَالَ: وَعِيدٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَيَجْعَلُونَ لِما لَا يَعْلَمُونَ الْآيَةَ قَالَ: يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ وَيَضُرُّهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ جَعَلُوا لِأَوْثَانِهِمْ وَشَيَاطِينِهِمْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَجَزَّءُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ جُزْءًا فَجَعَلُوهُ لِأَوْثَانِهِمْ وَشَيَاطِينِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ قَوْلُهُمْ: «هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا» «1» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ الْآيَةَ يَقُولُ: يَجْعَلُونَ لِيَ الْبَنَاتِ يَرْتَضُونَهُنَّ لِي وَلَا يَرْتَضُونَهُنَّ لِأَنْفُسِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ جَارِيَةٌ أَمْسَكَهَا عَلَى هَوَانٍ أَوْ دَسَّهَا فِي التُّرَابِ وَهِيَ حَيَّةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ قَالَ: يَعْنِي بِهِ الْبَنِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ قَالَ: يَئِدُ ابْنَتَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: أَلا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ قَالَ: بِئْسَ مَا حَكَمُوا، يَقُولُ: شَيْءٌ لَا يَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِهِمْ فَكَيْفَ يَرْضَوْنَهُ لِي. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى قال: يقول ليس كمثله شيء.

(1) . الأنعام: 136.

ص: 206