الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ «1» فَأَرْسَلَهُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا قَالَ: بِالْآيَاتِ التِّسْعِ الطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَالدَّمِ وَالْعَصَا وَيَدِهِ وَالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ قَالَ: مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبيهقي في شعب لإيمان عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قَالَ: «بِنِعَمِ اللَّهِ وَآلَائِهِ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قَالَ: نِعَمِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ قَالَ: وَعِظْهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ فِي الْآيَةِ قَالَ:
بِوَقَائِعِ اللَّهِ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ قَالَ: نِعْمَ الْعَبْدُ عَبْدٌ إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر.
[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَاّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَاّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10)
قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلَاّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)
قَوْلُهُ: وَإِذْ قالَ مُوسى الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ هُوَ اذْكُرْ، أَيِ: اذْكُرْ وَقْتَ قَوْلِ موسى وإِذْ أَنْجاكُمْ متعلق باذكروا، أَيِ: اذْكُرُوا إِنْعَامَهُ عَلَيْكُمْ وَقْتَ إِنْجَائِهِ لَكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، أَوْ بِالنِّعْمَةِ، أَوْ بِمُتَعَلِّقِ عَلَيْكُمْ: أَيْ: مُسْتَقِرَّةٌ عَلَيْكُمْ وَقْتَ إِنْجَائِهِ، وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ النِّعْمَةِ مُرَادًا بِهَا الْإِنْعَامُ أَوِ الْعَطِيَّةُ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ أَيْ: يَبْغُونَكُمْ، يُقَالُ سَامَهُ ظُلْمًا، أَيْ: أَوْلَاهُ ظُلْمًا، وَأَصْلُ السوم الذهاب في طلب الشيء
(1) . سبأ: 28.
وسوء العذاب: مصدر ساء يسوء، والمراد جنس الْعَذَابِ السَّيِّئِ، وَهُوَ اسْتِعْبَادُهُمْ وَاسْتِعْمَالُهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ، وَعُطِفَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ عَلَى يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَإِنْ كَانَ التَّذْبِيحُ مِنْ جِنْسِ سُوءِ الْعَذَابِ إِخْرَاجًا لَهُ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعَذَابِ الْمُعْتَادِ حَتَّى كَأَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ لِمَا فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ، وَمَعَ طَرْحِ الْوَاوِ كَمَا فِي الْآيَةِ الأخرى يكون التذبيح تفسيرا لسوء الْعَذَابِ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أَيْ: يَتْرُكُونَهُنَّ فِي الْحَيَاةِ لِإِهَانَتِهِنَّ وَإِذْلَالِهِنَّ وَفِي ذلِكُمْ الْمَذْكُورِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ أَيِ: ابْتِلَاءٌ لَكُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مُسْتَوْفًى وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ تَأَذَّنَ بِمَعْنَى أَذِنَ قَالَهُ الْفَرَّاءُ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَلَا بُدَّ فِي تَفَعَّلَ مِنْ زِيَادَةِ مَعْنًى لَيْسَتْ فِي أَفْعَلَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَإِذْ أَذِنَ رَبُّكُمْ إِيذَانًا بَلِيغًا تَنْتَفِي عَنْهُ الشُّكُوكُ وَتَنْزَاحُ الشُّبَهُ. وَالْمَعْنَى: وَإِذْ تَأَذَّنُ رَبُّكُمْ فَقَالَ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ أَوْ أَجْرَى تَأَذَّنَ مَجْرَى قَالَ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الْقَوْلِ انْتَهَى، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ مُوسَى لِقَوْمِهِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نِعْمَةَ اللَّهِ، أَيِ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا حِينَ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ، وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إِذْ أَنْجَاكُمْ أَيِ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، فَإِنَّ هَذَا التَّأَذُّنَ أَيْضًا نِعْمَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَيْ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ «وَإِذْ قَالَ رَبُّكُمْ» وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّامُ فِي لَئِنْ شَكَرْتُمْ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، وَقَوْلُهُ:
لَأَزِيدَنَّكُمْ سَادٌّ مَسَدَّ جَوَابَيِ الشَّرْطِ وَالْقَسَمِ، وَكَذَا اللَّامُ فِي وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ وَقَوْلِهِ: إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ سَادٌّ مَسَدَّ الْجَوَابَيْنِ أيضا والمعنى: لئن شَكَرْتُمْ إِنْعَامِي عَلَيْكُمْ بِمَا ذُكِرَ لَأَزِيدَنَّكُمْ نِعْمَةً إِلَى نِعْمَةٍ تَفَضُّلًا مِنِّي وَقِيلَ: لَأَزِيدَنَّكُمْ مِنْ طَاعَتِي وَقِيلَ: لَأَزِيدَنَّكُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَالشَّكُّ سَبَبُ الْمَزِيدِ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ ذَلِكَ وَجَحَدْتُمُوهُ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِنْهُ مَا يُصِيبُ وَقِيلَ: إِنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ لَأُعَذِّبَنَّكُمْ، وَالْمَذْكُورُ تَعْلِيلٌ لِلْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً أَيْ: إِنْ تَكْفُرُوا نِعْمَتَهُ تَعَالَى أَنْتُمْ وَجَمِيعُ الْخَلْقِ وَلَمْ تَشْكُرُوهَا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَغَنِيٌّ عَنْ شُكْرِكُمْ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَلَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ نَقْصٌ حَمِيدٌ أَيْ: مُسْتَوْجِبٌ لِلْحَمْدِ لِذَاتِهِ لِكَثْرَةِ إِنْعَامِهِ، وَإِنْ لَمْ تَشْكُرُوهُ، أَوْ يَحْمَدُهُ غَيْرُكُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا خِطَابًا مِنْ مُوسَى لِقَوْمِهِ، فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ التَّذْكِيرِ بِأَيَّامِ اللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ابْتِدَاءً خِطَابًا لِقَوْمِ مُوسَى وَتَذْكِيرًا لَهُمْ بِالْقُرُونِ الْأُولَى وَأَخْبَارِهِمْ وَمَجِيءِ رُسُلِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ابْتِدَاءُ خِطَابٍ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِقَوْمِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم تَحْذِيرًا لَهُمْ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَالنَّبَأُ: الْخَبَرُ، وَالْجَمْعُ الْأَنْبَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «1» :
أَلَمْ تَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تُنْمَى
…
بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادٍ
وقَوْمِ نُوحٍ بَدَلٌ مِنَ الْمَوْصُولِ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَيْ: مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ أَيْ: لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ وَيُحِيطُ بِهِمْ عِلْمًا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَالْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ، أَوْ يَكُونُ الموصول معطوفا على ما قبله ولا يعلمهم
(1) . هو قيس بن زهير.
إِلَّا اللَّهُ اعْتِرَاضٌ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى صِفَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَمُدَدِ أَعْمَارِهِمْ، أَيْ: هَذِهِ الْأُمُورُ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُ، أو يكون راجعا إلى ذواتهم، أي: أنه لَا يَعْلَمُ ذَوَاتِ أُولَئِكَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَجُمْلَةُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ النَّبَأِ الْمَذْكُورِ فِي أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَيْ: جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بِالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَةِ وَبِالشَّرَائِعِ الْوَاضِحَةِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ أَيْ: جَعَلُوا أَيْدِي أَنْفُسِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ لِيَعَضُّوهَا غَيْظًا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ «1» لِأَنَّ الرُّسُلَ جَاءَتْهُمْ بِتَسْفِيهِ أَحْلَامِهِمْ وَشَتْمِ أَصْنَامِهِمْ وَقِيلَ:
إِنَّ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ أَشَارُوا بِأَصَابِعِهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ لَمَّا جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بِالْبَيِّنَاتِ، أَيِ: اسْكُتُوا وَاتْرُكُوا هَذَا الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ تَكْذِيبًا لَهُمْ وَرَدًّا لِقَوْلِهِمْ وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُمْ أَشَارُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَمَا يَصْدُرُ عَنْهَا مِنَ الْمَقَالَةِ وَهِيَ قَوْلُهُمْ:
إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ أَيْ: لَا جَوَابَ لَكُمْ سِوَى هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ لَكُمْ بِأَلْسِنَتِنَا هَذِهِ وَقِيلَ: وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمُ اسْتِهْزَاءً وَتَعَجُّبًا كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ غَلَبَهُ الضَّحِكُ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى فِيهِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: رَدُّوا عَلَى الرُّسُلِ قَوْلَهُمْ وَكَذَّبُوهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ فَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلرُّسُلِ وَالثَّانِي لِلْكُفَّارِ وَقِيلَ: جَعَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِ الرُّسُلِ رَدًّا لِقَوْلِهِمْ فَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا لِلْكُفَّارِ وَالثَّانِي لِلرُّسُلِ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَوْمَئُوا إِلَى الرُّسُلِ أَنِ اسْكُتُوا وَقِيلَ: أَخَذُوا أَيْدِيَ الرُّسُلِ وَوَضَعُوهَا عَلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ ليسكنوهم وَيَقْطَعُوا كَلَامَهُمْ وَقِيلَ: إِنَّ الْأَيْدِيَ هُنَا النِّعَمُ، أَيْ: رَدُّوا نِعَمَ الرُّسُلِ بِأَفْوَاهِهِمْ، أَيْ: بِالنُّطْقِ والتكذيب، والمراد بالنعم هنا ما جاءوهم بِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَنِعْمَ مَا قَالَ: هُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ، أَيْ: لَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يُجِيبُوا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَمْسَكَ عَنِ الْجَوَابِ وَسَكَتَ: قَدْ رَدَّ يَدَهُ فِي فِيهِ، وَهَكَذَا قَالَ الْأَخْفَشُ، وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ القتبي فَقَالَ: لَمْ يُسْمَعْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ ردّ يده في فيه: إذ تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَضُّوا عَلَى الْأَيْدِي حَنَقًا وَغَيْظًا، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
يَرُدَّنَّ في فيه غيظ الحسو
…
د حَتَّى يَعَضَّ عَلِيَّ الْأَكُفَّا «2»
وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَمِنْهُ قول الشاعر:
أو أنّ سلمى أبصرت تخدّدي
…
[ودقّة في عظم ساقي ويدي]
[وبعد أهلي وجفاء عوّدي]
…
عضّت من الوجد بأطراف اليدا «3»
وَهُوَ أَقْرَبُ التَّفَاسِيرِ لِلْآيَةِ إِنْ لَمْ يَصِحَّ عَنِ الْعَرَبِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ، فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَاهُ فَتَفْسِيرُ الْآيَةِ بِهِ أَقْرَبُ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ أَيْ: قَالَ الْكُفَّارُ لِلرُّسُلِ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أَرْسَلْتُمْ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ عَلَى زَعْمِكُمْ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ أَيْ: فِي شَكٍّ عَظِيمٍ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بالله وحده
(1) . آل عمران: 119.
(2)
. في تفسير القرطبي (9/ 346) : تردّون بدل: يردنّ، وغشّ بدل: غيظ.
(3)
. ما بين معقوفتين مستدرك من تفسير القرطبي (9/ 345) . «التخدّد» : أن يضطرب اللحم من الهزال.
وَتَرْكِ مَا سِوَاهُ مُرِيبٍ أَيْ: مُوجِبٍ لِلرَّيْبِ، يُقَالُ: أَرَبْتُهُ إِذَا فَعَلْتَ أَمْرًا أَوْجَبَ رِيبَةً وَشَكًّا، وَالرَّيْبُ:
قَلَقُ النَّفْسِ وَعَدَمُ سُكُونِهَا. وَقَدْ قيل: كيف صرّحوا بالكفر ثم أقرهم عَلَى الشَّكِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا إِنَّا كَافِرُونَ بِرِسَالَتِكُمْ، وَإِنْ نَزَلْنَا عَنْ هَذَا الْمَقَامِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنَّا نَشُكُّ فِي صِحَّةِ نُبُوَّتِكُمْ، وَمَعَ كَمَالِ الشَّكِّ لَا مَطْمَعَ فِي الِاعْتِرَافِ بِنُبُوَّتِكُمْ. وَجُمْلَةُ قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ:
فَمَاذَا قَالَتْ لَهُمُ الرُّسُلُ؟ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، أَيْ: أَفِي وَحْدَانِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ شَكٌّ، وَهِيَ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالْجَلَاءِ، ثُمَّ إِنَّ الرُّسُلَ ذَكَرُوا بَعْدَ إِنْكَارِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ مَا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ الْإِنْكَارَ مِنَ الشَّوَاهِدِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الشَّكِّ فِي وُجُودِهِ سُبْحَانَهُ وَوَحْدَانِيَّتِهِ. فَقَالُوا: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ خَالِقِهِمَا وَمُخْتَرِعِهِمَا وَمُبْدِعِهِمَا وَمُوجِدِهِمَا بَعْدَ الْعَدَمِ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَتَوْحِيدِهِ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مِنْ زَائِدَةٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ:
هِيَ لِلتَّبْعِيضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ الْبَعْضُ وَيُرَادُ مِنْهُ الْجَمِيعُ وَقِيلَ: التَّبْعِيضُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ غُفْرَانِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم غُفْرَانُ جَمِيعِهَا لِغَيْرِهِمْ، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ احْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ زِيَادَةَ مِنْ فِي الْإِثْبَاتِ وَقِيلَ:
مِنْ لِلْبَدَلِ وَلَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ وَلَا تَبْعِيضِيَّةٍ، أَيْ: لِتَكُونَ الْمَغْفِرَةُ بَدَلًا مِنَ الذُّنُوبِ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ: إِلَى وَقْتٍ مُسَمًّى عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْمَوْتُ فَلَا يُعَذِّبُكُمْ فِي الدُّنْيَا قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا أَيْ:
مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فِي الْهَيْئَةِ وَالصُّورَةِ، تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ كَمَا نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ وَلَسْتُمْ مَلَائِكَةً تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا وَصَفُوهُمْ بِالْبَشَرِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِإِرَادَةِ الصَّدِّ لَهُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ ثَانِيًا، أَيْ: تُرِيدُونَ أَنْ تَصْرِفُونَا عَنْ مَعْبُودَاتِ آبَائِنَا مِنَ الْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا فَأْتُونا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بِأَنَّكُمْ مُرْسَلُونَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ أَيْ بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا تَدَّعُونَهُ، وَقَدْ جَاءُوهُمْ بِالسُّلْطَانِ الْمُبِينِ وَالْحُجَّةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ تَعَنُّتَاتِهِمْ، وَلَوْنٌ مِنْ تَلَوُّنَاتِهِمْ قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَيْ: مَا نَحْنُ فِي الصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ كَمَا قُلْتُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَيْ: يَتَفَضَّلُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ بِالنُّبُوَّةِ وَقِيلَ: بِالتَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ أَيْ: مَا صَحَّ وَلَا اسْتَقَامَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِحُجَّةٍ مِنَ الْحُجَجِ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ: إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قُدْرَتِنَا. قِيلَ: الْمُرَادُ بِالسُّلْطَانِ هُنَا هُوَ مَا يَطْلُبُهُ الْكُفَّارُ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ، وَقِيلَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَا شَاءَهُ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يشأه لم يكن وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أَيْ: عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ دُونَ مَنْ عَدَاهُ، وَكَأَنَّ الرُّسُلَ قَصَدُوا بِهَذَا الْأَمْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ الْأَمْرَ لَهُمْ أَنْفُسِهِمْ قَصْدًا أَوَّلِيًّا، وَلِهَذَا قَالُوا وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ أَيْ: وَأَيُّ عُذْرٍ لَنَا فِي أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ بِنَا مَا يُوجِبُ تَوَكُّلَنَا عَلَيْهِ مِنْ هِدَايَتِنَا إِلَى الطَّرِيقِ الْمُوصِلِ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَهُوَ مَا شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ سُلُوكَهُ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا بِمَا يَقَعُ مِنْكُمْ مِنَ التَّكْذِيبِ لنا والاقتراحات الباطلة وَعَلَى اللَّهِ وحده دُونَ مَنْ عَدَاهُ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّوَكُّلِ الْأَوَّلِ اسْتِحْدَاثُهُ، وَبِهَذَا السَّعْيِ فِي بَقَائِهِ وَثُبُوتِهِ وَقِيلَ: مَعْنَى الْأَوَّلِ: إِنَّ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ الْمُعْجِزَاتِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا فِي حُصُولِهَا على
اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا عَلَيْنَا، فَإِنْ شَاءَ سُبْحَانَهُ أَظْهَرَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُظْهِرْهَا. وَمَعْنَى الثَّانِي: إِبْدَاءُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِي دَفْعِ شَرِّ الْكُفَّارِ وَسَفَاهَتِهِمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ قَالَ: أَخْبَرَهُمْ مُوسَى عَنْ رَبِّهِ أَنَّهُمْ إِنْ شَكَرُوا النِّعْمَةَ زَادَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَوْسَعَ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ، وَأَظْهَرَهُمْ عَلَى الْعَالَمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ لَأَزِيدَنَّكُمْ قَالَ: مِنْ طَاعَتِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي الْآيَةِ قَالَ: لَا تَذْهَبْ أَنْفُسُكُمْ إِلَى الدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَقُولُ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ مِنْ طَاعَتِي. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم سَائِلٌ فَأَمَرَ لَهُ بِتَمْرَةٍ فَلَمْ يَأْخُذْهَا، وَأَتَاهُ آخَرُ فَأَمَرَ لَهُ بِتَمْرَةٍ فَقَبِلَهَا، وَقَالَ: تَمْرَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: اذْهَبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَعْطِيهِ الْأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا الَّتِي عِنْدَهَا» وَفِي إِسْنَادِ أَحْمَدَ عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ:
صَالِحٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، لَيْسَ بِالْمَتِينِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ:
رُبَّمَا يَضْطَرِبُ فِي حَدِيثِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: رُوِيَ عَنْهُ أَحَادِيثُ مُنْكَرَةٌ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِذَاكَ، وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُلْهِمَ خَمْسَةً لَمْ يُحْرَمْ خَمْسَةً، وَفِيهَا: وَمَنْ أُلْهِمَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ» .
وَأَخْرَجَ الحكيم الترمذي في نوادره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيَهُنَّ لَمْ يُمْنَعْ مِنَ اللَّهِ أَرْبَعًا، وَفِيهَا: وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُمْنَعِ الزِّيَادَةَ» . وَلَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِ الزِّيَادَةِ بِالزِّيَادَةِ فِي الطَّاعَةِ، بَلِ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ الْعُمُومُ، كَمَا يُفِيدُهُ جَعْلُ الزِّيَادَةِ جَزَاءً لِلشُّكْرِ، فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ عَلَى مَا رَزَقَهُ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ، وَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ عَلَى مَا أَقْدَرَهُ عَلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ زَادَهُ مِنْ طَاعَتِهِ، وَمَنْ شَكَرَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهِ مِنَ الصِّحَّةِ زَادَهُ اللَّهُ صِحَّةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ وَيَقُولُ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضَّرِيسِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَا أَنْسُبُ النَّاسَ، قَالَ: إِنَّكَ لَا تَنْسُبُ النَّاسَ، فَقَالَ: بَلَى، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً «1» قَالَ: أَنَا أَنْسُبُ ذَلِكَ الْكَثِيرَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ قوله: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ فَسَكَتَ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا وَرَاءَ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ. وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ ثَلَاثُونَ أَبًا لَا يُعْرَفُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ في قوله:
(1) . الفرقان: 38.