المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

وَرَسُولَهُ، وَأَحَبَّ أَهْلَ بَيْتِي صَادِقًا غَيْرَ كَاذِبٍ، وَأَحَبَّ الْمُؤْمِنِينَ شَاهِدًا وَغَائِبًا، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ يَتَحَابُّونَ» .

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: طُوبى لَهُمْ قَالَ: فَرَحٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: طُوبى لَهُمْ قَالَ: نِعْمَ مَا لَهُمْ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ نَحْوُ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَالْأَرْجَحُ تَفْسِيرُ الْآيَةِ بِمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبيهقي عن عتبة ابن عَبْدٍ قَالَ:«جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ فَاكِهَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ فِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى» الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طُوبَى لِمَنْ رَآكَ وَآمَنَ بِكَ، قَالَ: طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَرَآنِي، ثُمَّ طُوبَى ثُمَّ طُوبَى ثُمَّ طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي، فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَا طُوبَى؟

قَالَ: شَجَرَةٌ في الجنة مسيرة مِائَةِ عَامٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا» . وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ عَنِ السَّلَفِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مائة سنة، اقرءوا إن شئتم وَظِلٍّ مَمْدُودٍ «1» » وَفِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: «إِنَّهَا شَجَرَةُ الْخُلْدِ» . وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ السُّدِّيِّ وَحُسْنُ مَآبٍ قَالَ: حُسْنُ مُنْقَلَبٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَالَحَ قُرَيْشًا كَتَبَ في الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم، قالت قُرَيْشٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَلَا نَعْرِفُهُ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَكْتُبُونَ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: دَعْنَا نُقَاتِلْهُمْ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِ اكْتُبُوا كَمَا يُرِيدُونَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَحْوَهُ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِلَيْهِ مَتابِ قَالَ: توبتي.

[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (35)

(1) . الواقعة: 30.

ص: 99

قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ قِيلَ: هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ وَإِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْكُفَّارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَيِّرَ لَهُمْ جِبَالَ مَكَّةَ حَتَّى تَنْفَسِحَ فَإِنَّهَا أَرْضٌ ضَيِّقَةٌ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُجِيبَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْجَوَابِ الْمُتَضَمِّنِ لِتَعْظِيمِ شأن القرآن وفساد رأس الْكُفَّارِ حَيْثُ لَمْ يَقْنَعُوا بِهِ وَأَصَرُّوا عَلَى تَعَنُّتِهِمْ وَطَلَبِهِمْ مَا لَوْ فَعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَبْقَ مَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ مِنْ عَدَمِ إِنْزَالِ الْآيَاتِ الَّتِي يُؤْمِنُ عِنْدَهَا جَمِيعُ الْعِبَادِ. وَمَعْنَى سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ، أَيْ: بِإِنْزَالِهِ وَقِرَاءَتِهِ فَسَارَتْ عَنْ مَحَلِّ اسْتِقْرَارِهَا أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَيْ صُدِّعَتْ حَتَّى صَارَتْ قِطَعًا مُتَفَرِّقَةً أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى أَيْ صَارُوا أَحْيَاءً بِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِمْ، فَكَانُوا يَفْهَمُونَهُ عِنْدَ تَكْلِيمِهِمْ بِهِ كَمَا يَفْهَمُهُ الْأَحْيَاءُ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَابِ لَوْ مَاذَا هُوَ؟ فَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مَحْذُوفٌ، وَتَقْدِيرُهُ: لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْجَوَابَ لَكَفَرُوا بِالرَّحْمَنِ، أَيْ: لَوْ فُعِلَ بِهِمْ هَذَا لَكَفَرُوا بِالرَّحْمَنِ وَقِيلَ: جَوَابُهُ لَمَا آمَنُوا كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1» وَقِيلَ: الْجَوَابُ مُتَقَدِّمٌ، وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ لَوْ أَنَّ قُرْآنًا إِلَى آخِرِهِ، وَكَثِيرًا مَا تَحْذِفُ الْعَرَبُ جَوَابَ لَوْ إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَمُوتُ جَمِيعَةً

وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تُسَاقِطُ أَنْفُسًا

أَيْ لَهَانَ عَلَيَّ ذَلِكَ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَيْ: لَوْ أَنَّ قُرْآنًا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ، وَلَكِنْ لَمْ يُفْعَلْ بَلْ فُعِلَ مَا عَلَيْهِ الشَّأْنُ الْآنَ، فَلَوْ شَاءَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَآمَنُوا وَإِذَا لَمْ يَشَأْ أَنْ يُؤْمِنُوا لَمْ يَنْفَعْ تَسْيِيرُ الْجِبَالِ وَسَائِرُ مَا اقْتَرَحُوهُ مِنَ الْآيَاتِ، فَالْإِضْرَابُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ كَوْنُ الْأَمْرِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَيَسْتَلْزِمُهُ مِنْ تَوَقُّفِ الْأَمْرِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْكَلْبِيُّ أَفَلَمْ يَيْأَسْ بِمَعْنَى أَفَلَمْ يَعْلَمْ، وَهِيَ لُغَةُ النَّخْعِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَقِيلَ: هِيَ لُغَةُ هَوَازِنَ، وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَفَلَمْ يَعْلَمُوا وَيَتَبَيَّنُوا. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهُوَ مَجَازٌ لِأَنَّ الْيَائِسَ مِنَ الشَّيْءِ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ، نَظِيرُهُ اسْتِعْمَالُ الرَّجَاءِ فِي مَعْنَى الْخَوْفِ، وَالنِّسْيَانُ فِي التَّرْكِ لِتَضَمُّنِهُمَا إِيَّاهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ: أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ رَبَاحِ بْنِ عَدِيٍ:

أَلَمْ يَيْأَسِ الْأَقْوَامُ أَنِّي أَنَا ابْنُهُ

وَإِنْ كُنْتُ عَنْ أَرْضِ الْعَشِيرَةِ نَائِيًا

أَيْ: أَلَمْ يَعْلَمْ، وَأَنْشَدَ فِي هَذَا أَبُو عُبَيْدَةَ قَوْلَ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النَّضْرِيِّ:

أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي «2»

أَلَمْ تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم

(1) . الأنعام: 111.

(2)

. في تفسير القرطبي (9/ 320) : ييسرونني، من الميسر. وفي لسان العرب أن قائل البيت هو سحيم بن وثيل اليربوعي.

ص: 100

أَيْ: أَلَمْ تَعْلَمُوا، فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا: أَفَلَمْ يَعْلَمِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَاهِدُوا الْآيَاتِ وَقِيلَ: إِنَّ الْإِيَاسَ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، أَيْ: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ إِيمَانِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ هِدَايَتَهُمْ لَهَدَاهُمْ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَمَنَّوْا نُزُولَ الْآيَاتِ الَّتِي اقْتَرَحَهَا الْكُفَّارُ طَمَعًا فِي إِيمَانِهِمْ وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ هَذَا وَعِيدٌ لِلْكُفَّارِ عَلَى الْعُمُومِ أَوْ لِكُفَّارِ مَكَّةَ عَلَى الْخُصُوصِ، أَيْ: لَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِسَبَبِ مَا صَنَعُوا مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ لِلرُّسُلِ قَارِعَةٌ، أَيْ: دَاهِيَةٌ تَفْجَؤُهُمْ، يُقَالُ: قَرَعَهُ الْأَمْرُ إِذَا أَصَابَهُ، وَالْجَمْعُ قَوَارِعُ، وَالْأَصْلُ فِي الْقَرْعِ الضَّرْبُ. قَالَ الشَّاعِرُ «1» :

أَفْنَى تِلَادِي وَمَا جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ

قَرْعُ القواقيز أَفْوَاهَ الْأَبَارِيقِ «2»

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى تُصِيبَهُمْ دَاهِيَةٌ مُهْلِكَةٌ مِنْ قَتْلٍ أَوْ أَسْرٍ أَوْ جَدْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْعَذَابِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْقَارِعَةَ: النَّكْبَةُ، وَقِيلَ: الطَّلَائِعُ وَالسَّرَايَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَارِعَةَ تُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَحُلُّ أَيِ: الْقَارِعَةُ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ فَيَفْزَعُونَ مِنْهَا وَيُشَاهِدُونَ مِنْ آثَارِهَا مَا تَرْجُفُ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَتُرْعَدُ مِنْهُ بِوَادِرُهُمْ «3» ، وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي تَحُلُّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمَعْنَى: أَوْ تَحِلُّ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ مُحَاصِرًا لَهُمْ آخِذًا بِمَخَانِقِهِمْ كَمَا وَقَعَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لِأَهْلِ الطَّائِفِ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ وَهُوَ مَوْتُهُمْ، أَوْ قِيَامُ السَّاعَةِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ إِذَا جَاءَ وَعْدُ اللَّهِ الْمَحْتُومُ حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَذَابِهِ مَا هُوَ الْغَايَةُ فِي الشِّدَّةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِوَعْدِ اللَّهِ هُنَا الْإِذْنُ مِنْهُ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعادَ فَمَا جَرَى بِهِ وَعْدُهُ فَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا التَّنْكِيرُ فِي رُسُلٍ للتكثير، أي: يرسل كَثِيرَةٍ، وَالْإِمْلَاءُ: الْإِمْهَالُ، وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي الْأَعْرَافِ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بِالْعَذَابِ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ بِهِمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّهْدِيدِ، أَيْ: فكيف كان عقابي لهؤلاء الكفار الذي استهزءوا بالرسل، فأمليت لهم ثم أخذتم، ثم استفهم سبحانه استفهاما آخر للتوبيخ والتقريب يَجْرِي مَجْرَى الْحِجَاجِ لِلْكُفَّارِ وَاسْتِرْكَاكِ صُنْعِهِمْ وَالْإِزْرَاءِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ الْقَائِمُ الْحَفِيظُ وَالْمُتَوَلِّي لِلْأُمُورِ، وَأَرَادَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ، فَإِنَّهُ الْمُتَوَلِّي لِأُمُورِ خَلْقِهِ الْمُدَبِّرُ لِأَحْوَالِهِمْ بِالْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ، وَإِحْصَاءِ الْأَعْمَالِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْأَنْفُسِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: أَفَمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَمَنْ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ مَعْبُودَاتِكُمُ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ كَشُرَكَائِهِمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ إِنْكَارُ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ: المراد بمن هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ الْمَلَائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِبَنِي آدَمَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَجُمْلَةُ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجَوَابِ الْمُقَدَّرِ مُبَيِّنَةٌ لَهُ أَوْ حَالِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ، أَيْ: وَقَدْ جَعَلُوا، أو معطوفة على وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ

(1) . هو الأقيشر الأسدي.

(2)

. «نشب» : هو الضياع والبساتين. «القواقيز» : جمع قاقوزة، وهي أوان يشرب بها الخمر.

(3)

. بوادرهم: بادرة السيف: شباته أي: طرفه وحدّه.

ص: 101

أَيِ اسْتَهْزَءُوا وَجَعَلُوا قُلْ سَمُّوهُمْ أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ جَعَلْتُمْ لَهُ شُرَكَاءَ فَسَمُّوهُمْ مَنْ هُمْ؟ وَفِي هَذَا تَبْكِيتٌ لَهُمْ وَتَوْبِيخٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ هَكَذَا فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَحْقَرِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَيُقَالُ: سَمِّهِ إِنْ شِئْتَ، يَعْنِي أَنَّهُ أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُسَمَّى وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى سَمُّوهُمْ بِالْآلِهَةِ كَمَا تَزْعُمُونَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ تَهْدِيدًا لَهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ أَيْ: بَلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الشُّرَكَاءِ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهُمْ مَعَ كونه العالم بما في السموات وَالْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أَيْ: بَلْ أَتُسَمُّونَهُمْ شُرَكَاءَ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: قُلْ لَهُمْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِبَاطِنٍ لَا يَعْلَمُهُ أَمْ بِظَاهِرٍ يَعْلَمُهُ؟ فَإِنْ قَالُوا بِبَاطِنٍ لَا يَعْلَمُهُ فَقَدْ جَاءُوا بِدَعْوَى بَاطِلَةٍ، وَإِنْ قَالُوا بِظَاهِرٍ يَعْلَمُهُ فَقُلْ لَهُمْ سَمُّوهُمْ، فَإِذَا سَمَّوُا اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَنَحْوَهُمَا، فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ لِنَفْسِهِ شَرِيكًا، وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَرْضَ بِنَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهُمُ ادَّعَوْا لَهُ شَرِيكًا فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ: مَعْنَى: أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أَمْ بِزَائِلٍ مِنَ الْقَوْلِ بَاطِلٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَعَيَّرْتَنَا أَلْبَانَهَا وَلُحُومَهَا

وَذَلِكَ عَارٌ يَا ابْنَ رَيْطَةَ ظَاهِرُ

أَيْ: زَائِلٌ بَاطِلٌ، وَقِيلَ: بِكَذِبٍ مِنَ الْقَوْلِ، وَقِيلَ مَعْنَى بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بِحُجَّةٍ مِنَ الْقَوْلِ ظَاهِرَةٍ عَلَى زَعْمِهِمْ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ أَيْ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ، بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ «زَيَّنَ» عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ عَلَى أَنَّ الَّذِي زَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ هُوَ مَكْرُهُمْ. وَقَرَأَ مَنْ عَدَاهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَالْمُزَيِّنُ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، أَوِ الشَّيْطَانُ وَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى الْمَكْرُ كُفْرًا، لِأَنَّ مَكْرَهُمْ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ كُفْرًا، وَأَمَّا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ فَهُوَ الْكَيْدُ، أَوِ التَّمْوِيهُ بِالْأَبَاطِيلِ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَعَاصِمٌ صُدُّوا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: صَدَّهُمُ اللَّهُ، أَوْ صَدَّهُمُ الشَّيْطَانُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ:

صَدُّوا غَيْرَهُمْ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو حَاتِمٍ وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ بِكَسْرِ الصَّادِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ أَيْ يَجْعَلُهُ ضَالًّا وَتَقْتَضِي مَشِيئَتُهُ إِضْلَالَهُ، فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ يَهْدِيهِ إِلَى الْخَيْرِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ هادٍ مِنْ دُونِ إِثْبَاتِ الْيَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْكَثِيرَةِ الْفَصِيحَةِ. وَقُرِئَ بِإِثْبَاتِهَا عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ، فَقَالَ: لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

بِمَا يُصَابُونَ بِهِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ

عَلَيْهِمْ مِنْ عَذَابِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ

يَقِيهِمْ عَذَابَهُ، وَلَا عَاصِمٍ يَعْصِمُهُمْ مِنْهُ، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْكُفَّارُ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْأُولَى والآخرة، ذَكَرَ مَا أَعَدَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي صفتها الْعَجِيبَةُ الشَّأْنِ الَّتِي هِيَ فِي الْغَرَابَةِ كَالْمَثَلِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْمَثَلُ الشَّبَهُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ، ثُمَّ قَدْ يَصِيرُ بِمَعْنَى صُورَةِ الشَّيْءِ وَصِفَتِهِ، يُقَالُ: مَثَّلْتُ لَكَ كَذَا، أَيْ:

صَوَّرْتُهُ وَوَصَفْتُهُ، فَأَرَادَ هُنَا بِمَثَلِ الْجَنَّةِ صُورَتَهَا وَصِفَتَهَا، ثُمَّ ذَكَرَهَا، فَقَالَ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَهُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِلْمَثَلِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَتَقْدِيرُهُ فِيمَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مَثَلُ الْجَنَّةِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ: إِنَّ مَثَلُ الْجَنَّةِ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ تَجْرِي. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهُ تَمْثِيلٌ لِلْغَائِبِ بِالشَّاهِدِ، وَمَعْنَاهُ مَثَلُ الْجَنَّةِ جَنَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَقِيلَ إِنَّ فَائِدَةَ الْخَبَرِ تَرْجِعُ إِلَى أُكُلُها دائِمٌ أَيْ لَا يَنْقَطِعُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: لَا مَقْطُوعَةٍ

ص: 102

وَلا مَمْنُوعَةٍ

«1» وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَثَلُ مُقْحَمٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَالْمَعْنَى: الْجَنَّةُ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، والعرب تفعل ذلك كثيرا وَظِلُّها أَيْ: كَذَلِكَ دَائِمٌ لَا يَتَقَلَّصُ وَلَا تَنْسَخُهُ الشَّمْسُ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:

تِلْكَ إِلَى الْجَنَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا أَيْ: عَاقِبَةُ الَّذِينَ اتَّقَوُا الْمَعَاصِيَ، وَمُنْتَهَى أَمْرِهِمْ وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ لَيْسَ لَهُمْ عَاقِبَةٌ وَلَا مُنْتَهًى إِلَّا ذَلِكَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالُوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ فَأَرِنَا أَشْيَاخَنَا الْأُوَلَ مِنَ الْمَوْتَى نُكَلِّمُهُمْ، وَافْسَحْ لَنَا هَذِهِ الْجِبَالَ جِبَالَ مَكَّةَ الَّتِي قَدْ ضَمَّتْنَا، فَنَزَلَتْ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ» الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ: قَالُوا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم:

لَوْ سَيَّرْتَ لَنَا جِبَالَ مَكَّةَ حَتَّى تَتَّسِعَ فَنَحْرُثَ فِيهَا، أَوْ قَطَّعْتَ لَنَا الْأَرْضَ كَمَا كَانَ سُلَيْمَانُ يُقَطِّعُ لِقَوْمِهِ بِالرِّيحِ، أَوْ أَحْيَيْتَ لَنَا الْمَوْتَى كَمَا كَانَ يُحْيِي عِيسَى الْمَوْتَى لِقَوْمِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا قَالَ: أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا، قَالُوا هَلْ تَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ:

حدّثنا أبو زرعة حدّثنا منجاب بن الحرث، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ مُخْتَصَرًا. وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي ذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً لَا يَصْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا يَشَاءُ وَلَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَفَلَمْ يَيْأَسِ يَقُولُ: يَعْلَمْ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَفَلَمْ يَيْأَسِ قَالَ: قَدْ يَئِسَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَهْدُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ قَالَ: السَّرَايَا. وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْهُ نَحْوَهُ، وَزَادَ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ قَالَ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ، قَالَ:

فَتْحُ مَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قارِعَةٌ قَالَ: نَكْبَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ قَارِعَةٌ قَالَ: عَذَابٌ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ: يَعْنِي نُزُولَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِهِمْ وَقِتَالَهُ آبَاءَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ قَالَ: يَعْنِي بِذَلِكَ نَفْسَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وابن أبي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ قَالَ: الظَّاهِرُ مِنَ الْقَوْلِ هُوَ الْبَاطِلُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: مَثَلُ الْجَنَّةِ

(1) . الواقعة: 33.

ص: 103