المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ قَالَ: «فِي الدُّنْيَا» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْآيَةِ قَالَ: «مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا» . وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي: فعل الأحلام إنما هِيَ رُؤْيَا رَآهَا بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ كُلُّ هَذَا قَدْ كَانَ مِنْهُ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ كَمَا جَاءَ عِيسَى وَمُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَالرُّسُلِ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَيْ: أَنَّ الرُّسُلَ كَانُوا إِذَا جَاءُوا قَوْمَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَلَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يَنْظُرُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ أهل مكة للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا كَانَ مَا تَقُولَهُ حَقًّا، وَيَسُرُّكَ أَنْ نُؤْمِنَ، فَحَوِّلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ كَانَ الَّذِي سَأَلَكَ قَوْمُكَ، وَلَكِنَّهُ إِنْ كَانَ، ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُنْظَرُوا، وَإِنْ شِئْتَ اسْتَأْنَيْتَ بِقَوْمِكَ، قَالَ:«بَلْ أَسَتَأْنِي بِقَوْمِي» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ يَقُولُ: لَمْ نَجْعَلْهُمْ جَسَدًا لَيْسَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، إِنَّمَا جَعَلْنَاهُمْ جسدا يأكلون الطعام.

[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14)

فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (15) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19)

يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)

وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)

نَبَّهَ عِبَادَهُ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً يَعْنِي القرآن فِيهِ ذِكْرُكُمْ صفة ل «كتابا» ، وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا الشَّرَفُ، أَيْ: فِيهِ شَرَفُكُمْ، كقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ «1» وَقِيلَ:

فِيهِ ذِكْرُكُمْ، أَيْ: ذِكْرُ أَمْرِ دِينِكُمْ، وَأَحْكَامِ شَرْعِكُمْ وَمَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثَوَابٍ أَوْ عِقَابٍ، وَقِيلَ: فِيهِ حَدِيثُكُمْ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: مَكَارِمُ أَخْلَاقِكُمْ وَمَحَاسِنُ أَعْمَالِكُمْ. وَقِيلَ: فِيهِ الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ حَيَاتُكُمْ. قَالَهُ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ: فِيهِ مَوْعِظَتُكُمْ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَفَلا تَعْقِلُونَ لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ، أَيْ: أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، أَوْ لَا تَعْقِلُونَ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا ذُكِرَ، ثم أوعدهم وحذّرهم ما

(1) . الزخرف: 44.

ص: 472

جَرَى عَلَى الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ، فَقَالَ: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً كَمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولُ قَصَمْنَا، وَهِيَ الْخَبَرِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لِلتَّكْثِيرِ، وَالْقَصْمُ: كَسْرُ الشَّيْءِ وَدَقُّهُ، يُقَالُ: قصمت ظهر فلان إذا كسرته، وانقصمت سِنُّهُ إِذَا انْكَسَرَتْ. وَالْمَعْنَى هُنَا: الْإِهْلَاكُ وَالْعَذَابُ، وَأَمَّا الْفَصْمُ بِالْفَاءِ فَهُوَ الصَّدْعُ فِي الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ بَيْنُونَةٍ، وَجُمْلَةُ كانَتْ ظالِمَةً فِي مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لِقَرْيَةٍ، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، أَيْ: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ كَانُوا ظَالِمِينَ، أَيْ: كَافِرِينَ بِاللَّهِ مُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ، وَالظُّلْمُ فِي الْأَصْلِ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَهُمْ وَضَعُوا الْكُفْرَ فِي مَوْضِعِ الْإِيمَانِ وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ أَيْ: أَوْجَدْنَا وَأَحْدَثْنَا بعد إهلاك أهلها قوما ليسوا منهم فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا أَيْ: أَدْرَكُوا، أَوْ رَأَوْا عذابنا، وقال الأخفش:

خافوا وتوقّعوا، والبأس: الْعَذَابُ الشَّدِيدُ. إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ الرَّكْضُ: الْفِرَارُ وَالْهَرَبُ وَالِانْهِزَامُ، وَأَصْلُهُ مِنْ رَكَضَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ بِرِجْلَيْهِ، يُقَالُ: رَكْضَ الْفَرَسَ إِذَا كَدَّهُ بِسَاقَيْهِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ: رَكَضَ الْفَرَسُ إذا عدا، ومنه: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ «1» . وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَهْرُبُونَ مِنْهَا رَاكِضِينَ دَوَابَّهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ:

لَا تَرْكُضُوا أَيْ: لَا تَهْرَبُوا. قِيلَ: إن الملائكة نادتهم بذلك عِنْدَ فِرَارِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الْقَائِلَ لَهُمْ ذَلِكَ هُمْ مَنْ هُنَالِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتِهْزَاءً بِهِمْ وَسُخْرِيَةً مِنْهُمْ وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ أَيْ: إِلَى نِعَمِكُمُ الَّتِي كَانَتْ سَبَبُ بَطَرِكُمْ وكفركم، والمترف: المنعم، يقال: أترف على فُلَانٌ، أَيْ: وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ.

وَمَساكِنِكُمْ أَيْ: وَارْجِعُوا إِلَى مَسَاكِنِكُمُ الَّتِي كُنْتُمْ تَسْكُنُونَهَا وتفتخرون بها لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ أَيْ:

تَقْصِدُونَ لِلسُّؤَالِ وَالتَّشَاوُرِ وَالتَّدْبِيرِ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ وَالتَّوْبِيخِ لَهُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى:

لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ عَمَّا نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ فَتُخْبِرُونَ بِهِ. وَقِيلَ: لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا كَمَا كُنْتُمْ تُسْأَلُونَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِكُمْ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ الْأَخْبَارِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَهْلُ حَضُورٍ مِنَ الْيَمَنِ، وَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا اسْمُهُ شُعَيْبُ بْنُ مُهَدَّمٍ، وَقَبْرُهُ بِجَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ ضِينٌ، وَبَيْنَهُ وبين حضور نحو يريد، قَالُوا: وَلَيْسَ هُوَ شُعَيْبًا صَاحِبَ مَدْيَنَ. قُلْتُ: وآثار القبر بجبل ضين موجودة، وو العامة مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَبْرُ قُدُمِ بْنِ قَادِمٍ قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أَيْ: قَالُوا لَمَّا قَالَتْ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ لَا تَرْكُضُوا: يَا وَيْلَنَا، أَيْ: بِإِهْلَاكِنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِنَا، مُسْتَوْجَبِينَ الْعَذَابَ بِمَا قَدَّمْنَا، فَاعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ الْمُوجِبِ لِلْعَذَابِ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ أَيْ: مَا زَالَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ دَعْوَاهُمْ، أَيْ:

دَعْوَتَهُمْ، وَالْكَلِمَةُ: هِيَ قَوْلُهُمْ يَا وَيْلَنَا، أَيْ: يَدْعُونَ بِهَا وَيُرَدِّدُونَهَا حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً أَيْ:

بِالسُّيُوفِ كَمَا يُحْصَدُ الزَّرْعُ بِالْمِنْجَلِ، وَالْحَصِيدُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَحْصُودِ، وَمَعْنَى خامِدِينَ أنهم ميتون، من خمدت إِذَا طُفِئَتْ، فَشَبَّهَ خُمُودَ الْحَيَاةِ بِخُمُودِ النَّارِ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ مَاتَ قَدْ طُفِئَ وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ أَيْ: لَمْ نَخْلُقْهُمَا عَبَثًا وَلَا بَاطِلًا، بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ لَهُمَا خَالِقًا قَادِرًا يَجِبُ امْتِثَالُ أَمْرِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِجْمَالِيَّةٌ إِلَى تَكْوِينِ الْعَالَمِ، وَالْمُرَادُ بِمَا بَيْنَهُمَا سَائِرُ الْمَخْلُوقَاتِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَتَبَايُنِ أَجْنَاسِهَا لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً اللَّهْوُ: مَا يتلهّى به، قيل: اللهو، الزوجة والولد،

(1) . ص: 42.

ص: 473

وَقِيلَ: الزَّوْجَةُ فَقَطْ، وَقِيلَ: الْوَلَدُ فَقَطْ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ يُكَنَّى بِاللَّهْوِ عَنِ الْجِمَاعِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

أَلَا زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي

كَبُرْتُ وَأَلَّا يُحْسِنَ اللَّهْوَ أَمْثَالِي

وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ «1» :

وَفِيهِنَّ مَلْهَى لِلصَّدِيقِ وَمَنْظَرُ «2»

................

وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ مَضْمُونِ مَا قبلها، وجواب لقوله: لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا أَيْ: مِنْ عِنْدِنَا وَمِنْ جِهَةِ قُدْرَتِنَا لَا مِنْ عِنْدِكُمْ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ: مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِإِضَافَةِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ إِلَى اللَّهِ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًا كَبِيرًا. وَقِيلَ: أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ: الْأَصْنَامُ أَوِ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ.

وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْآيَةُ رَدٌّ عَلَى النَّصَارَى إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَا كُنَّا فَاعِلِينَ.

قَالَ الْفَرَّاءُ وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «إِنَّ» للنفي كما ذكره المفسرون، أي: ما فعلنا ذَلِكَ وَلَمْ نَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ، أَيْ: إِنْ كُنَّا مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا. قَالَ الْفَرَّاءُ:

وَهَذَا أَشْبَهُ الْوَجْهَيْنِ بِمَذْهَبِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ هَذَا إِضْرَابٌ عَنِ اتِّخَاذِ اللَّهْوِ، أَيْ:

دَعْ ذَلِكَ الَّذِي قَالُوا فَإِنَّهُ كَذِبٌ وَبَاطِلٌ، بَلْ شَأْنُنَا أَنْ نَرْمِيَ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ أَيْ: يَقْهَرُهُ، وَأَصْلُ الدَّمْغِ شَجُّ الرَّأْسِ حَتَّى يَبْلُغَ الدِّمَاغَ، وَمِنْهُ الدَّامِغَةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى نُذْهِبُهُ ذَهَابَ الصِّغَارِ وَالْإِذْلَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَهُ إِصَابَةُ الدِّمَاغِ بِالضَّرْبِ. قِيلَ: أراد بالحق الحجة وبالباطل شبههم اه. وَقِيلَ: الْحَقُّ الْمَوَاعِظُ، وَالْبَاطِلُ الْمَعَاصِي، وَقِيلَ: الْبَاطِلُ الشَّيْطَانُ. وَقِيلَ: كَذِبُهُمْ. وَوَصْفُهُمُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِغَيْرِ صِفَاتِهِ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ أَيْ: زَائِلٌ ذَاهِبٌ، وَقِيلَ: هَالِكٌ تَالِفٌ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، وَإِذَا هِيَ الْفُجَائِيَّةُ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ أَيِ: الْعَذَابُ في الآخرة بسبب وصفكم لله بِمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَهُوَ وَعِيدٌ لِقُرَيْشٍ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ مِثْلَ الَّذِي لِأُولَئِكَ وَمَنْ هِيَ التَّعْلِيلِيَّةُ وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عَبِيدًا وَمِلْكًا، وَهُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَمَالِكُهُمْ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ مَخْلُوقَاتِهِ شَرِيكًا يُعْبَدُ كَمَا يُعْبَدُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَمَنْ عِنْدَهُ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِكَوْنِهِمْ عِنْدَهُ إِشَارَةٌ إِلَى تَشْرِيفِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَ الْمُلُوكِ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ أَيْ: لَا يَتَعَاظَمُونَ وَلَا يَأْنَفُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَالتَّذَلُّلِ لَهُ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ أَيْ: لَا يَعْيَوْنَ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَسِيرِ، وَهُوَ الْبَعِيرُ الْمُنْقَطِعُ بِالْإِعْيَاءِ وَالتَّعَبِ، يُقَالُ: حَسَرَ الْبَعِيرَ يَحْسُرُ حُسُورًا أَعْيَا وَكَلَّ، وَاسْتَحْسَرَ وَتَحَسَّرَ مِثْلُهُ، وَحَسَرْتُهُ أَنَا حَسْرًا، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. قَالَ أَبُو زَيْدٍ:

لَا يكلّون «3» ، وقال ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: لَا يَفْشَلُونَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ

(1) . هو زهير بن أبي سلمى. [.....]

(2)

. وعجزه: أنيق لعين النّاظر المتوسّم.

(3)

. في تفسير القرطبي (11/ 278) : لا يملون.

ص: 474

اللَّهِ عِبَادُ اللَّهِ لَا يَأْنَفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَتَعَظَّمُونَ عَنْهَا، كَقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ «1» وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَا يَنْقَطِعُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ. وَهَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ أَيْ: يُنَزِّهُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ دَائِمًا لَا يَضْعُفُونَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَسْأَمُونَ، وَقِيلَ: يُصَلُّونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.

قَالَ الزَّجَّاجُ: مَجْرَى التَّسْبِيحِ مِنْهُمْ كَمَجْرَى النَّفْسِ مِنَّا لَا يَشْغَلُنَا عَنِ النَّفَسِ شَيْءٌ، فَكَذَلِكَ تَسْبِيحُهُمْ دَائِمٌ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ قَالَ الْمُفَضَّلُ: مَقْصُودُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ الْجَحْدُ، أَيْ: لم يتّخذوا آلهة تقدر على الإحياء، و «أم» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ، وَالْهَمْزَةُ لِإِنْكَارِ الْوُقُوعِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّ «أَمْ» هُنَا بِمَعْنَى هَلْ، أَيْ: هَلِ اتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ يُحْيُونَ الْمَوْتَى، وَلَا تَكُونُ «أَمْ» هُنَا بِمَعْنَى بَلْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ لَهُمْ إِنْشَاءَ الْمَوْتَى إِلَّا أَنْ تُقَدَّرَ أَمْ مَعَ الِاسْتِفْهَامِ، فَتَكُونُ «أَمِ» المنقطعة، فيصحّ المعنى، و «من الْأَرْضِ» مُتَعَلِّقٌ بِاتَّخَذُوا، أَوْ بِمَحْذُوفٍ هُوَ صِفَةٌ لِآلِهَةٍ، وَمَعْنَى هُمْ يُنْشِرُونَ هُمْ يَبْعَثُونَ الْمَوْتَى، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِآلِهَةٍ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ هِيَ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْإِنْكَارُ وَالتَّجْهِيلُ، لَا نَفْسُ الِاتِّخَاذِ، فَإِنَّهُ وَاقِعٌ مِنْهُمْ لَا مَحَالَةَ. وَالْمَعْنَى: بَلِ اتخذوا آلهة من الأرض هن خَاصَّةً مَعَ حَقَارَتِهِمْ يُنْشِرُونَ الْمَوْتَى، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَا اتَّخَذُوهَا آلِهَةً بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ يُنْشِرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ مِنْ أَنْشَرَهُ، أَيْ: أَحْيَاهُ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: يَحْيَوْنَ وَلَا يَمُوتُونَ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَقَامَ الْبُرْهَانَ عَلَى بُطْلَانِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ، فَقَالَ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا أَيْ: لَوْ كَانَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ آلِهَةٌ مَعْبُودُونَ غَيْرُ اللَّهِ لَفَسَدَتَا، أَيْ: لَبَطَلَتَا، يَعْنِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ وَسِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشُ وَالزَّجَّاجُ وَجُمْهُورُ النُّحَاةِ: إِنَّ «إِلَّا» هُنَا لَيْسَتْ لِلِاسْتِثْنَاءِ، بَلْ بِمَعْنَى غَيْرُ صِفَةٌ لِآلِهَةٍ، وَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَهَا، وَظَهَرَ فِيهِ إِعْرَابُ غَيْرُ الَّتِي جَاءَتْ إِلَّا بِمَعْنَاهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ

لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلَّا الْفَرْقَدَانِ

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّ «إِلَّا» هُنَا بِمَعْنَى سِوَى، وَالْمَعْنَى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ سِوَى اللَّهِ لَفَسَدَتَا، وَوَجْهُ الْفَسَادِ أَنَّ كَوْنَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَادِرًا عَلَى الِاسْتِبْدَادِ بِالتَّصَرُّفِ، فَيَقَعُ عِنْدَ ذَلِكَ التَّنَازُعُ وَالِاخْتِلَافُ، وَيَحْدُثُ بِسَبَبِهِ الْفَسَادُ، اه. فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ الْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ ثُبُوتِ الْوَحْدَانِيَّةِ بِالْبُرْهَانِ، أَيْ: تَنَزَّهَ عز وجل عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ ثُبُوتِ الشَّرِيكِ لَهُ، وَفِيهِ إِرْشَادٌ لِلْعِبَادِ أَنْ يُنَزِّهُوا الرَّبَّ سبحانه عمّا لا يليق به لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لِقُوَّةِ سُلْطَانِهِ وَعَظِيمِ جَلَالِهِ لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ قَضَائِهِ وقدره وَهُمْ أي: العباد يُسْئَلُونَ عَمَّا يَفْعَلُونَ، أَيْ: يَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لا يؤاخذ عل أفعاله وهم يؤاخذون. قيل: والمراد بِذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ لِعِبَادِهِ أَنَّ مَنْ يُسْأَلُ عَنْ أَعْمَالِهِ كَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَةِ لَا يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ إِلَهًا أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً أَيْ: بَلِ اتَّخَذُوا، وَفِيهِ إِضْرَابٌ وَانْتِقَالٌ من

(1) . الأعراف: 206.

ص: 475

إِظْهَارِ بُطْلَانِ كَوْنِهَا آلِهَةً بِالْبُرْهَانِ السَّابِقِ إِلَى إِظْهَارِ بُطْلَانِ اتِّخَاذِهَا آلِهَةً مَعَ تَوْبِيخِهِمْ بِطَلَبِ الْبُرْهَانِ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ عَلَى دَعْوَى أَنَّهَا آلِهَةٌ، أَوْ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ آلِهَةٍ سِوَى اللَّهِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لَا مِنْ عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ قَدْ مَرَّ بَيَانُهُ، وَأَمَّا دَلِيلُ النَّقْلِ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:

هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي أَيْ: هَذَا الْوَحْيُ الْوَارِدُ فِي شَأْنِ التَّوْحِيدِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ ذِكْرُ أُمَّتِي وَذِكْرُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَقَدْ أَقَمْتُهُ عَلَيْكُمْ وَأَوْضَحْتُهُ لَكُمْ، فَأَقِيمُوا أَنْتُمْ بُرْهَانَكُمْ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: هَذَا الْقُرْآنُ وَهَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلِي، فَانْظُرُوا هَلْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِاتِّخَاذِ إِلَهٍ سِوَاهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ:

قِيلَ لَهُمْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ بِأَنَّ رَسُولًا مِنَ الرُّسُلِ أَنْبَأَ أُمَّتَهُ بأن لهم إلها غير الله، فهل في ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي إِلَّا توحيد الله؟ وقيل: معنى الكلام والوعيد وَالتَّهْدِيدُ، أَيِ: افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ فَعَنْ قَرِيبٍ يَنْكَشِفُ الْغِطَاءُ.

وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ وَطَلْحَةَ بْنَ مُصَرِّفٍ قَرَأَ: «هَذَا ذِكْرٌ مِنْ مَعِي وَذِكْرٌ مِنْ قَبْلِي» بِالتَّنْوِينِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: إِنَّ الْمَعْنَى هَذَا ذِكْرٌ مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيَّ وَمِمَّا هُوَ مَعِيَ وَذِكْرُ مِنْ قَبْلِي. وَقِيلَ: ذِكْرٌ كَائِنٌ مِنْ قَبْلِي، أَيْ: جِئْتُ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي.

ثُمَّ لَمَّا تَوَجَّهَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ ذَمَّهُمْ بِالْجَهْلِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ فَقَالَ: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَهَذَا إِضْرَابٌ مِنْ جِهَتِهِ سُبْحَانَهُ وَانْتِقَالٌ مِنْ تَبْكِيتِهِمْ بِمُطَالَبَتِهِمْ بِالْبُرْهَانِ إِلَى بَيَانِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِمْ إِقَامَةُ الْبُرْهَانِ لِكَوْنِهِمْ جَاهِلِينَ لِلْحَقِّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَاطِلِ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَالْحَسَنُ الْحَقُّ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى هَذَا الْحَقِّ، أَوْ هُوَ الْحَقُّ، وَجُمْلَةُ فَهُمْ مُعْرِضُونَ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِ أَكْثَرِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ، أَيْ: فَهُمْ لِأَجْلِ هَذَا الْجَهْلِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى أَكْثَرِهِمْ مُعْرِضُونَ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ التَّوْحِيدِ وَاتِّبَاعِ الرَّسُولِ، فَلَا يَتَأَمَّلُونَ حُجَّةً، وَلَا يَتَدَبَّرُونَ فِي بُرْهَانٍ، وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِي دَلِيلٍ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ قَرَأَ حَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ نُوحِي بِالنُّونِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، أَيْ: نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا وَفِي هَذَا تَقْرِيرٌ لِأَمْرِ التَّوْحِيدِ وَتَأْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَخَتَمَ الْآيَةَ بِالْأَمْرِ لِعِبَادِهِ بِعِبَادَتِهِ، فَقَالَ فَاعْبُدُونِ فَقَدِ اتَّضَحَ لَكُمْ دَلِيلُ الْعَقْلِ، وَدَلِيلُ النَّقْلِ، وَقَامَتْ عَلَيْكُمْ حُجَّةُ اللَّهِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ قَالَ: شَرَفُكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْآيَةِ قَالَ: فِيهِ حَدِيثُكُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: فِيهِ دِينُكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا مِنْ حِمْيَرَ يُقَالُ لَهُ شُعَيْبٌ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَبْدٌ فَضَرَبَهُ بِعَصًا، فَسَارَ إِلَيْهِمْ بُخْتُنَصَّرُ فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ: وَكَمْ قَصَمْنا إِلَى قَوْلِهِ: خامِدِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ:

وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ قَالَ: هِيَ حَضُورُ بَنِي أَزْدٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ:

وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ قَالَ: ارْجِعُوا إِلَى دُورِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:

فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ قَالَ: هُمْ أَهْلُ حَضُورٍ كَانُوا قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخَتُنَصَّرَ فَقَتَلَهُمْ،

ص: 476