المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

أَبِي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ: وَلِيَ فِيها مَآرِبُ قَالَ: حَوَائِجُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتْ تُضِيءُ لَهُ بِاللَّيْلِ، وَكَانَتْ عَصَا آدَمَ عليه السلام. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى قَالَ: وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ حَيَّةً فَمَرَّتْ بِشَجَرَةٍ فَأَكَلَتْهَا، وَمَرَّتْ بِصَخْرَةٍ فَابْتَلَعَتْهَا، فَجَعَلَ مُوسَى يَسْمَعُ وَقْعَ الصَّخْرَةِ فِي جَوْفِهَا فَوَلَّى مُدْبِرًا فَنُودِيَ أَنْ يَا مُوسَى خُذْهَا، فَلَمْ يَأْخُذْهَا، ثُمَّ نُودِيَ الثَّانِيَةَ أَنْ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ، فَقِيلَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ: إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ فَأَخَذَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى قَالَ: حَالَتَهَا الْأُولَى. وَأَخْرَجَا عَنْهُ أَيْضًا: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ قَالَ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي- هارُونَ أَخِي قَالَ: كَانَ أَكْبَرُ مِنْ مُوسَى.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي قَالَ: نبىء هارون ساعتئذ حين نبيء موسى.

[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى (40)

وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44)

لَمَّا سأل موسى ربه سبحانه أن يشرح صَدْرَهُ، وَيُيَسِّرَ لَهُ أَمْرَهُ، وَيَحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ، وَيَجْعَلْ لَهُ وَزِيرًا مِنْ أَهْلِهِ، أَخْبَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَجَابَ ذَلِكَ الدُّعَاءَ، فَقَالَ: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسى أَيْ:

أعطيت ما سألته، والسؤل: الْمَسْؤُولُ، أَيِ: الْمَطْلُوبُ كَقَوْلِكَ: خَبَرٌ بِمَعْنَى مَخْبُورٍ، وَزِيَادَةُ قَوْلِهِ يَا مُوسَى لِتَشْرِيفِهِ بِالْخِطَابِ مَعَ رِعَايَةِ الْفَوَاصِلِ، وَجُمْلَةُ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لِتَقْوِيَةِ قَلْبِ مُوسَى بِتَذْكِيرِهِ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَالْمَنُّ: الْإِحْسَانُ وَالْإِفْضَالُ. وَالْمَعْنَى: وَلَقَدْ أَحْسَنَّا إِلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ هَذِهِ الْمَرَّةِ، وَهِيَ حَفِظُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ مِنْ شرّ الأعداء كما بينه سبحانه ها هنا، وَأُخْرَى تَأْنِيثُ آخَرَ بِمَعْنَى غَيْرَ إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ مَا يُوحى أَيْ: مَنَنَّا ذَلِكَ الوقت، وهو وقت الإيحاء فإذ ظَرْفٌ لِلْإِيحَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِيحَاءِ إِلَيْهَا إِمَّا مُجَرَّدُ الْإِلْهَامِ لَهَا أَوْ فِي النَّوْمِ بِأَنْ أَرَاهَا ذَلِكَ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ أَوْ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ، لَا عَلَى طَرِيقِ النُّبُوَّةِ كَالْوَحْيِ إِلَى مَرْيَمَ أَوْ بِإِخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِذَلِكَ وانتهى الخبر إليها، والمراد بما يُوحَى مَا سَيَأْتِي مِنَ الْأَمْرِ لَهَا، أَبْهَمَهُ أَوَّلًا وَفَسَّرَهُ ثَانِيًا تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، وَجُمْلَةُ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ مُفَسِّرَةٌ لِأَنَّ الْوَحْيَ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ، أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ بِأَنِ اقْذِفِيهِ، وَالْقَذْفُ هَاهُنَا الطَّرْحُ، أَيِ: اطْرَحِيهِ فِي التَّابُوتِ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ التَّابُوتِ فِي الْبَقَرَةِ فِي قِصَّةِ طَالُوتَ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ أَيِ: اطْرَحِيهِ فِي الْبَحْرِ، وَالْيَمُّ: الْبَحْرُ أَوِ النَّهْرُ الْكَبِيرُ.

قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا أَمْرٌ وَفِيهِ الْمُجَازَاةُ، أَيِ: اقْذِفِيهِ يُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ، وَالْأَمْرُ لِلْبَحْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ مَنْ

ص: 430

يَفْهَمُ وَيُمَيِّزُ، لَمَّا كَانَ إِلْقَاؤُهُ إِيَّاهُ بِالسَّاحِلِ أَمْرًا وَاجِبَ الْوُقُوعِ، وَالسَّاحِلُ: هُوَ شَطُّ الْبَحْرِ، سُمِّيَ سَاحِلًا لِأَنَّ الْمَاءَ سَحَلَهُ قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَلِي السَّاحِلَ مِنِ الْبَحْرِ لَا نَفْسُ السَّاحِلِ، وَالضَّمَائِرُ هَذِهِ كُلُّهَا لِمُوسَى لَا لِلتَّابُوتِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُلْقِيَ مَعَهُ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ مُوسَى مَعَ كَوْنِ الضَّمَائِرِ قَبْلَ هَذَا وَبَعْدَهُ لَهُ، وَجُمْلَةُ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ جَوَابُ الْأَمْرِ بِالْإِلْقَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَدُوِّ فِرْعَوْنُ، فَإِنَّ أُمَّ مُوسَى لَمَّا أَلْقَتْهُ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ النِّيلُ الْمَعْرُوفُ، وَكَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ نَهْرٌ إِلَى دَارِ فِرْعَوْنَ فَسَاقَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ النَّهْرِ إِلَى دَارِهِ، فَأَخَذَ التَّابُوتَ فَوَجَدَ مُوسَى فِيهِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْبَحْرَ أَلْقَاهُ بِالسَّاحِلِ، فَنَظَرَهُ فِرْعَوْنُ فَأَمَرَ مَنْ يَأْخُذُهُ وَقِيلَ: وَجَدَتْهُ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي أَيْ: أَلْقَى اللَّهُ عَلَى مُوسَى مَحَبَّةً كَائِنَةً مِنْهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحبَّهُ وَقِيلَ: جَعَلَ عَلَيْهِ مَسْحَةً مِنْ جَمَالٍ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَحَبَّهُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْمَعْنَى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ رَحْمَتِي، وَقِيلَ: كَلِمَةُ مِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَلْقَيْتُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَلْقَيْتُ مِنِّي عَلَيْكَ مَحَبَّةً، أَيْ: أَحْبَبْتُكَ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ أَحَبَّهُ النَّاسُ وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي أَيْ: وَلِتُرَبَّى وَتُغَذَّى بِمَرْأًى مِنِّي، يُقَالُ: صَنَعَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ إِذَا رَبَّاهَا، وَصَنَعَ فَرَسَهُ إِذَا دَاوَمَ عَلَى عَلْفِهِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ، وَتَفْسِيرُ عَلى عَيْنِي بِمَرْأًى مِنِّي صَحِيحٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ فِي هَذَا تَخْصِيصٌ لِمُوسَى، فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ بِمَرْأًى مِنَ اللَّهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: إِنَّ الْمَعْنَى لِتُغَذَّى عَلَى مَحَبَّتِي وَإِرَادَتِي، تَقُولُ:

أَتَّخِذُ الْأَشْيَاءَ عَلَى عَيْنِي، أَيْ: عَلَى مَحَبَّتِي. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْعَيْنُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُقْصَدُ بِهَا قَصْدُ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: غَدَا فُلَانٌ عَلَى عَيْنِي، أَيْ: عَلَى الْمَحَبَّةِ مِنِّي. قِيلَ: وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: فَعَلْتُ ذَلِكَ لِتُصْنَعَ، وَقِيلَ: مُتَعَلِّقَةٌ بِأَلْقَيْتُ، وَقِيلَ: مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا بَعْدَهُ، أَيْ: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي قَدَّرْنَا مَشْيَ أُخْتِكَ. وَقَرَأَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ وَلِتُصْنَعَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْأَمْرِ، وَقَرَأَ أَبُو نَهِيكٍ بِفَتْحِ التَّاءِ. وَالْمَعْنَى:

وَلِتَكُونَ حَرَكَتُكَ وَتَصَرُّفُكَ بِمَشِيئَتِي، وَعَلَى عَيْنٍ مِنِّي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ظَرْفٌ لَأَلْقَيْتُ، أَوْ لِتُصْنَعَ، وَيَجُوزَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ «إِذْ أَوْحَيْنَا» وَأُخْتُهُ اسْمُهَا مَرْيَمُ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ وَذَلِكَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مُتَعَرِّفَةً لِخَبَرِهِ فَوَجَدَتْ فِرْعَوْنَ وَامْرَأَتَهُ آسِيَةَ يَطْلُبَانِ لَهُ مُرْضِعَةً، فَقَالَتْ لَهُمَا هَذَا الْقَوْلَ، أَيْ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَضُمُّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَيُرَبِّيهِ، فَقَالَا لَهَا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: أُمِّي، فَقَالَا: هَلْ لَهَا لَبَنٌ؟ قَالَتْ:

نَعَمْ، لَبَنُ أَخِي هَارُونَ، وَكَانَ هَارُونُ أَكْبَرَ مِنْ مُوسَى بِسَنَةٍ، وَقِيلَ: بِأَكْثَرَ، فَجَاءَتِ الْأُمُّ فَقَبِلَ ثَدْيَهَا، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ ثَدْيَ مُرْضِعَةٍ غَيْرِهَا، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ «فَرَدَدْنَاكَ» ، وَالْفَاءُ فَصِيحَةٌ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْهُ كَيْ تَقِرَّ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَرَرْتُ بِهِ عَيْنًا قُرَّةً وَقُرُورًا، وَرَجُلٌ قَرِيرُ الْعَيْنِ، وَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُهُ تَقَرُّ وَتَقِرُّ، نَقِيضُ سَخِنَتْ، وَالْمُرَادُ بِقُرَّةِ الْعَيْنِ: السُّرُورُ بِرُجُوعِ وَلَدِهَا إِلَيْهَا بَعْدَ أَنْ طَرَحْتُهُ فِي الْبَحْرِ وَعَظُمَ عَلَيْهَا فِرَاقُهُ وَلا تَحْزَنَ أَيْ: لَا يَحْصُلُ لَهَا مَا يُكَدِّرُ ذَلِكَ السُّرُورَ مِنَ الْحُزْنِ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَلَوْ أَرَادَ الْحُزْنَ بِالسَّبَبِ الَّذِي قَرَّتْ عَيْنُهَا بِزَوَالِهِ لَقَدَّمَ نَفْيَ الْحُزْنِ عَلَى قُرَّةِ الْعَيْنِ، فَيُحْمَلُ هَذَا النَّفْيُ لِلْحُزْنِ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِسَبَبٍ يَطْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْوَاوَ لَمَّا كَانَتْ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَانَ هَذَا الْحَمْلُ غَيْرَ مُتَعَيَّنٍ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَلَا

ص: 431

تَحْزَنْ أَنْتَ يَا مُوسَى بِفَقْدِ إِشْفَاقِهَا، وَهُوَ تَعَسُّفٌ وَقَتَلْتَ نَفْساً الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ هُنَا: نَفْسُ الْقِبْطِيِّ الَّذِي وَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ، وَكَانَ قتله له خَطَأً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ أَيِ: الْغَمِّ الْحَاصِلِ مَعَكَ مِنْ قَتْلِهِ خَوْفًا مِنَ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ أَوِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَقِيلَ: الْغَمُّ هُوَ الْقَتْلُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَمَا أَبْعَدَ هَذَا! وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً الْفِتْنَةُ تَكُونُ بِمَعْنَى الْمِحْنَةِ، وَبِمَعْنَى الْأَمْرِ الشَّاقِّ، وَكُلِّ مَا يُبْتَلَى بِهِ الْإِنْسَانُ، وَالْفُتُونُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا كَالثُّبُورِ وَالشُّكُورِ وَالْكُفُورِ، أَيِ: ابْتَلَيْنَاكَ ابْتِلَاءً، وَاخْتَبَرْنَاكَ اخْتِبَارًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ فِتْنَةٍ عَلَى تَرْكِ الِاعْتِدَادِ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ كَحُجُورٍ فِي حُجْرَةٍ، وَبُدُورٍ فِي بُدْرَةٍ، أَيْ: خَلَّصْنَاكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مِمَّا وَقَعَتْ فِيهِ مِنَ الْمِحَنِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا قَبْلَ أَنْ يَصْطَفِيَهُ اللَّهُ لِرِسَالَتِهِ، وَلَعَلَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ تَنْجِيَتِهِ مِنَ الْغَمِّ الْحَاصِلِ لَهُ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَتَنْجِيَتِهِ مِنِ الْمِحَنِ هُوَ الِامْتِنَانُ عَلَيْهِ بِصُنْعِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُ، وَتَقْوِيَةِ قَلْبِهِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ مَا سَيَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ فِرْعَوْنَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ قَالَ الْفَرَّاءُ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا، فَخَرَجْتَ إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ فَلَبِثْتَ سِنِينَ، وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ كَثِيرٌ فِي التَّنْزِيلِ، وَكَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ يَحْذِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْكَلَامِ إِذَا كَانَ الْمَعْنَى مَعْرُوفًا، وَمَدْيَنُ: هِيَ بَلَدُ شُعَيْبٍ، وَكَانَتْ عَلَى ثَمَانِي مَرَاحِلَ مِنْ مِصْرَ هَرَبَ إِلَيْهَا مُوسَى فَأَقَامَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ، وَهِيَ أَتَمُّ الْأَجَلَيْنِ وَقِيلَ: أَقَامَ عِنْدَ شُعَيْبٍ ثَمَانَ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْهَا عَشْرٌ مَهْرُ امْرَأَتِهِ ابْنَةِ شُعَيْبٍ، وَمِنْهَا ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً بَقِيَ فيها عنده حتى ولد له، والفاء في «فَلَبِثْتَ» تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِحَنِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ مَا كَانَ قَبْلَ لُبْثِهِ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يَا مُوسى أَيْ: فِي وَقْتٍ سَبَقَ فِي قَضَائِي وَقَدَرِي أَنْ أُكَلِّمَكَ وَأَجْعَلَكَ نَبِيًّا، أَوْ عَلَى مِقْدَارٍ مِنَ الزَّمَانِ يُوحَى فِيهِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ رَأْسُ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ، أَوْ عَلَى مَوْعِدٍ قَدْ عَرَفْتَهُ بِإِخْبَارِ شُعَيْبٍ لَكَ بِهِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

نَالَ الْخِلَافَةَ إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا

كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرٍ

وَكَلِمَةُ ثُمَّ الْمُفِيدَةُ لِلتَّرَاخِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَجِيئَهُ عليه السلام كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ ضَلَالِ الطَّرِيقِ وَتَفَرُّقِ غَنَمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي الِاصْطِنَاعُ: اتِّخَاذُ الصَّنْعَةِ، وَهِيَ الْخَيْرُ تُسْدِيهِ إِلَى إِنْسَانٍ، وَالْمَعْنَى: اصْطَنَعْتُكَ لِوَحْيِي وَرِسَالَتِي لِتَتَصَرَّفَ عَلَى إِرَادَتِي. قَالَ الزَّجَّاجُ: تَأْوِيلُهُ اخْتَرْتُكَ لِإِقَامَةِ حُجَّتِي، وَجَعَلْتُكَ بَيْنِي وَبَيْنَ خَلْقِي، وَصِرْتَ بِالتَّبْلِيغِ عَنِّي بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي أَكُونُ أَنَا بِهَا لَوْ خَاطَبْتُهُمْ وَاحْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ. قِيلَ: وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِمَا خَوَّلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ الْعُظْمَى بِتَقْرِيبِ الْمَلِكِ لِبَعْضِ خَوَاصِّهِ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ أَيْ: وَلْيَذْهَبْ أَخُوكَ، وَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مَسُوقٌ لِبَيَانِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الِاصْطِنَاعِ. وَمَعْنَى بِآياتِي بِمُعْجِزَاتِي الَّتِي جَعَلْتُهَا لَكَ آيَةً، وَهِيَ التِّسْعُ الْآيَاتِ وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي أَيْ: لَا تَضْعُفَا وَلَا تَفْتُرَا، يُقَالُ: وَنَى يَنِي وَنْيًا إِذَا ضَعُفَ. قَالَ الشَّاعِرُ «1» :

فَمَا وَنِيَ مُحَمَّدٌ مُذْ أَنْ غَفَرَ

لَهُ الإله ما مضى وما غبر

(1) . هو العجاج.

ص: 432

وقال امرؤ القيس:

مسحّ إِذَا مَا السَّابِحَاتُ عَلَى الْوَنَى

أَثَرْنَ غُبَارًا بالكديد المركّل «1»

قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي ذِكْرِي وَعَنْ ذِكِرِي سَوَاءٌ، وَالْمَعْنَى: لَا تُقَصِّرَا عَنْ ذِكْرِي بِالْإِحْسَانِ إِلَيْكُمَا، وَالْإِنْعَامِ عَلَيْكُمَا وَذِكْرُ النِّعْمَةِ شُكْرُهَا. وَقِيلَ: مَعْنَى «لَا تَنِيَا» لَا تُبْطِئَا فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَا تَهِنَا فِي ذِكْرِي» اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى هَذَا أَمْرٌ لَهُمَا جَمِيعًا بِالذِّهَابِ، وَمُوسَى حَاضِرٌ وَهَارُونُ غَائِبٌ تَغْلِيبًا لِمُوسَى لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي أَدَاءِ الرسالة، وعلّل الأمر بالذهاب بقوله: إِنَّهُ طَغى أَيْ: جَاوَزَ الْحَدَّ فِي الْكُفْرِ وَالتَّمَرُّدِ، وَخَصَّ مُوسَى وَحْدَهُ بِالْأَمْرِ بِالذَّهَابِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَجَمَعَهُمَا هُنَا تَشْرِيفًا لِمُوسَى بِإِفْرَادِهِ، وَتَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ بِالذِّهَابِ بِالتَّكْرِيرِ. وَقِيلَ: إِنَّ فِي هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذِهَابُ أَحَدِهِمَا. وَقِيلَ: الْأَوَّلُ:

أَمْرٌ لِمُوسَى بِالذِّهَابِ إِلَى كُلِّ النَّاسِ، وَالثَّانِي: أَمْرٌ لَهُمَا بِالذِّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ. ثُمَّ أَمَرَهُمَا سُبْحَانَهُ بِإِلَانَةِ الْقَوْلِ لَهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْثِيرِ فِي الْإِجَابَةِ، فَإِنَّ التَّخْشِينَ بَادِئَ بَدْءٍ يَكُونُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ النُّفُورِ وَالتَّصَلُّبِ فِي الْكُفْرِ، وَالْقَوْلُ اللَّيِّنُ: هُوَ الَّذِي لَا خُشُونَةَ فِيهِ، يُقَالُ: لِأَنَّ الشَّيْءَ يَلِينُ لِينًا، وَالْمُرَادُ تَرْكُهُمَا لِلتَّعْنِيفِ، كَقَوْلِهِمَا: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى «2» ، وَقِيلَ: الْقَوْلُ اللَّيِّنُ هُوَ الْكُنْيَةُ لَهُ، وَقِيلَ: أَنْ يَعِدَاهُ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا إِنْ أَجَابَ، ثُمَّ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِإِلَانَةِ الْقَوْلِ لَهُ بِقَوْلِهِ: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى أَيْ: بَاشَرَا ذَلِكَ مُبَاشَرَةَ مَنْ يَرْجُو وَيَطْمَعُ، فَالرَّجَاءُ رَاجِعٌ إِلَيْهِمَا كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.

قَالَ الزَّجَّاجُ: «لَعَلَّ» لَفْظَةُ طَمَعٍ وَتَرَجٍّ، فَخَاطَبَهُمْ بِمَا يَعْقِلُونَ. وقيل: لعلّ ها هنا بمعنى الاستفهام. والمعنى:

فانظرا هَلْ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، وَقِيلَ: بِمَعْنَى كَيْ. والتذكير: النَّظَرُ فِيمَا بَلَّغَاهُ مِنَ الذَّكَرِ وَإِمْعَانُ الْفِكْرِ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا فِي الْإِجَابَةِ، وَالْخَشْيَةُ هِيَ خَشْيَةُ عِقَابِ اللَّهِ الْمَوْعُودِ بِهِ عَلَى لِسَانِهِمَا، وَكَلِمَةُ «أَوْ» لِمَنْعِ الْخُلُوِّ دُونَ الْجَمْعِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ قَالَ: هُوَ النِّيلُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي قَالَ: كَانَ كُلُّ مَنْ رَآهُ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ مَحَبَّتُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: حَبَّبْتُكَ إِلَى عِبَادِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ أبي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي قَالَ: تُرَبَّى بِعَيْنِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: لِتُغَذَّى عَلَى عَيْنِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَقُولُ: أَنْتَ بِعَيْنِي إِذْ جَعَلَتْكَ أُمُّكَ فِي التَّابُوتِ، ثُمَّ فِي الْبَحْرِ، وَإِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْخَطِيبُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما قتل موسى الذي

(1) . «مسح» : سحّ: انصبّ. «السابحات» : التي تبسط يديها إذا عدت. «الونى» : الفتور. «الكديد» : ما غلظ من الأرض. «المركل» : الذي ركلته الخيل بحوافرها. [.....]

(2)

. النازعات: 18.

ص: 433