المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ قَالَ: يَسْتَغِيثُونَ، وَفِي قَوْلِهِ: فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ قَالَ: تُدْبِرُونَ، وَفِي قَوْلِهِ: سامِراً تَهْجُرُونَ قَالَ: تَسْمُرُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَتَقُولُونَ هُجْرًا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ قال: بحرم الله أنه لا يظهر عليهم فيه أحد. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا سامِراً تَهْجُرُونَ قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ يَتَحَلَّقُونَ حِلَقًا يَتَحَدَّثُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَهْجُرُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَوْلِ فِي سَمَرِهِمْ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

إِنَّمَا كُرِهَ السَّمَرُ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ.

[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)

وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (81) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82)

لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)

قَوْلُهُ: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ سَبَبَ إِقْدَامِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ هُوَ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ:

الْأَوَّلُ عَدَمُ التَّدَبُّرِ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُمْ لَوْ تَدَبَّرُوا مَعَانِيَهُ لَظَهَرَ لَهُمْ صِدْقُهُ وَآمَنُوا بِهِ وَبِمَا فِيهِ، وَالْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: فَعَلُوا مَا فَعَلُوا فَلَمْ يَتَدَبَّرُوا، وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الْقُرْآنُ، وَمِثْلُهُ: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ «1» . وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: أَمْ جاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ «أَمْ» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ، أَيْ:

بل أجاءهم مِنَ الْكِتَابِ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ؟ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِاسْتِنْكَارِهِمْ لِلْقُرْآنِ، وَالْمَقْصُودُ تَقْرِيرُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ رَسُولٌ، فَلِذَلِكَ أَنْكَرُوهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آباؤُهُمْ «2» وَقِيلَ: إِنَّهُ أَتَى آبَاءَهُمُ الْأَقْدَمِينَ رُسُلٌ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ. كَمَا هِيَ سُنَّةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَى عِبَادِهِ، فَقَدْ عَرَفَ هَؤُلَاءِ ذَلِكَ، فَكَيْفَ كَذَّبُوا هَذَا الْقُرْآنَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَمْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَمْنِ مِنْ عذاب

(1) . النساء: 82.

(2)

. يس: 6.

ص: 582

اللَّهِ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ كَإِسْمَاعِيلَ وَمَنْ بَعْدَهُ. وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وَفِي هَذَا إِضْرَابٌ وَانْتِقَالٌ مِنَ التَّوْبِيخِ بِمَا تَقَدَّمَ إِلَى التَّوْبِيخِ بِوَجْهٍ آخَرَ، أَيْ: بَلْ أَلَمْ يَعْرِفُوهُ بِالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ فَأَنْكَرُوهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوهُ بِذَلِكَ. وَالرَّابِعُ: قَوْلُهُ: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ وَهَذَا أَيْضًا انْتِقَالٌ مِنْ تَوْبِيخٍ إِلَى تَوْبِيخٍ، أَيْ: بَلْ أَتَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ، أَيْ: جُنُونٌ، مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلًا، وَلَكِنَّهُ جَاءَ بِمَا يُخَالِفُ هَوَاهُمْ، فَدَفَعُوهُ وَجَحَدُوهُ تَعَصُّبًا وَحَمِيَّةً. ثُمَّ أَضْرَبَ سُبْحَانَهُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَالَ: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا فِي حَقِّ الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ، بَلْ جَاءَهُمْ مُلْتَبِسًا بِالْحَقِّ، وَالْحَقُّ:

هُوَ الدِّينُ الْقَوِيمُ. وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ لِمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّعَصُّبِ، وَالِانْحِرَافِ عَنِ الصَّوَابِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الْحَقِّ، فَلِذَلِكَ كَرِهُوا هَذَا الْحَقَّ الْوَاضِحَ الظَّاهِرَ. وَظَاهِرُ النَّظْمِ أَنَّ أَقَلَّهُمْ كَانُوا لَا يَكْرَهُونَ الْحَقَّ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ خَوْفًا مِنَ الْكَارِهِينَ لَهُ. وَجُمْلَةُ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ الْحَقُّ عَلَى مَا يَهْوَوْنَهُ وَيُرِيدُونَهُ لَكَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلْفَسَادِ الْعَظِيمِ، وَخُرُوجِ نِظَامِ الْعَالَمِ عَنِ الصَّلَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ قَالَ أَبُو صَالِحٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: الْحَقُّ هُوَ اللَّهُ، وَالْمَعْنَى: لَوْ جَعَلَ مَعَ نَفْسِهِ كَمَا يُحِبُّونَ شَرِيكًا لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْقُرْآنُ، أَيْ: لَوْ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِمَا يُحِبُّونَ مِنَ الشِّرْكِ لَفَسَدَ نِظَامُ الْعَالَمِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ مَا يَقُولُونَ مِنَ اتِّحَادِ الْآلِهَةِ مَعَ اللَّهِ لَاخْتَلَفَتِ الْآلِهَةُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا «1» وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْأَكْثَرُونَ، وَلَكِنَّهُ يرد عليه أن المراد بالحق هنا هو الحق المذكور قبله في قوله: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ ولا يصح أن يكون الْمُرَادَ بِهِ هُنَالِكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الْحَقِّ هُنَا وَهُنَاكَ بِالصِّدْقِ الصَّحِيحِ مِنَ الدِّينِ الخالص من شرع الله، والمعنى: ولو وَرَدَ الْحَقُّ مُتَابِعًا لِأَهْوَائِهِمْ مُوَافِقًا لِفَاسِدِ مَقَاصِدِهِمْ لَحَصَلَ الْفَسَادُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ فِيهِنَّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ «وَمَا بَيْنَهُمَا» وَسَبَبُ فَسَادِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ ذُنُوبُهُمُ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْهَوَى الْمُخَالِفُ لِلْحَقِّ، وَأَمَّا فَسَادُ مَا عَدَاهُمْ فَعَلَى وَجْهِ التَّبَعِ لِأَنَّهُمْ مُدَبَّرُونَ فِي الْغَالِبِ بِذَوِي الْعُقُولِ فَلَمَّا فَسَدُوا فَسَدُوا. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ مِنْ جُمْلَةِ الْحَقِّ فَقَالَ: بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا الْقُرْآنُ، أَيْ: بِالْكِتَابِ الَّذِي هُوَ فَخْرُهُمْ وَشَرَفُهُمْ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ «2» وَالْمَعْنَى: بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِفَخْرِهِمْ وَشَرَفِهِمُ الَّذِي كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْبَلُوهُ، وَيُقْبِلُوا عَلَيْهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى بِذِكْرِهِمُ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ ثَوَابُهُمْ وَعِقَابُهُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: بِذِكْرِ مَا لَهُمْ بِهِ حَاجَةٌ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ.

وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ «أَتَيْتُهُمْ» بِتَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وَالْجَحْدَرِيُّ «أَتَيْتَهُمْ» بِتَاءِ الْخِطَابِ، أَيْ: أَتَيْتَهُمْ يَا مُحَمَّدُ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ «بِذِكْرَاهُمْ» وَقَرَأَ قَتَادَةُ «نُذَكِّرُهُمْ» بِالنُّونِ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّذْكِيرِ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: الذِّكْرُ: هُوَ الْوَعْظُ وَالتَّحْذِيرُ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ أَيْ: هُمْ بِمَا فَعَلُوا مِنَ الِاسْتِكْبَارِ والنكوص عن هذا الذكر المختص بهم

(1) . الأنبياء: 22.

(2)

. الزخرف: 44.

ص: 583

مُعْرِضُونَ، لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَفِي هَذَا التَّرْكِيبِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِعْرَاضَهُمْ مُخْتَصٌّ بِذَلِكَ لَا يَتَجَاوَزُهُ إِلَى غَيْرِهِ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ دَعْوَةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَتْ مَشُوبَةً بِأَطْمَاعِ الدُّنْيَا، فَقَالَ: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً و «أم» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ، وَالْمَعْنَى: أَمْ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَسْأَلُهُمْ خرجا تأخذه على الرِّسَالَةِ، وَالْخَرْجُ:

الْأَجْرُ وَالْجَعْلُ، فَتَرَكُوا الْإِيمَانَ بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّكَ لَمْ تَسْأَلْهُمْ ذَلِكَ وَلَا طَلَبْتَهُ مِنْهُمْ فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ أَيْ: فَرِزْقُ رَبِّكَ الَّذِي يَرْزُقُكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَجْرُهُ الَّذِي يُعْطِيكَهُ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا ذُكِرَ. قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ «أَمْ تسألهم خراجا» وقرأ الباقون «خرجا» ، وكلّهم قرءوا فَخَراجُ إِلَّا ابْنَ عَامِرٍ وَأَبَا حَيْوَةَ فَإِنَّهُمَا قَرَآ:«فَخَرَجَ» بِغَيْرِ أَلْفٍ، وَالْخَرْجُ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ مُقَابِلًا لِلدَّخْلِ، يُقَالُ لِكُلِّ مَا تُخْرِجُهُ إِلَى غَيْرِكَ خَرْجًا، وَالْخَرَاجُ غَالِبٌ فِي الضَّرِيبَةِ عَلَى الْأَرْضِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الْخَرْجُ الْمَصْدَرُ، وَالْخَرَاجُ الِاسْمُ. قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَرْجِ وَالْخَرَاجِ، فَقَالَ: الْخَرَاجُ: مَا لَزِمَكَ، وَالْخَرْجُ: مَا تَبَرَّعْتَ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْخَرْجُ مِنَ الرِّقَابِ، وَالْخَرَاجُ مِنَ الْأَرْضِ. وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنْ كون خراجه سبحانه خير. ثُمَّ لَمَّا أَثْبَتَ سُبْحَانَهُ لِرَسُولِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِقَبُولِ مَا جَاءَ بِهِ، وَنَفَى عَنْهُ أَضْدَادَ ذَلِكَ، قَالَ: وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ: إِلَى طَرِيقٍ وَاضِحَةٍ تَشْهَدُ الْعُقُولُ بِأَنَّهَا مُسْتَقِيمَةٌ غَيْرُ مُعْوَجَّةٍ، وَالصِّرَاطُ فِي اللُّغَةِ: الطَّرِيقُ، فَسُمِّيَ الدِّينُ طَرِيقًا لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَيْهِ. ثُمَّ وَصَفَهُمْ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ يُقَالُ: نَكَبَ عَنِ الطَّرِيقِ يَنْكُبُ نُكُوبًا إِذَا عَدَلَ عَنْهُ وَمَالَ إِلَى غَيْرِهِ، وَالنُّكُوبُ وَالنَّكْبُ: الْعُدُولُ وَالْمَيْلُ، وَمِنْهُ النَّكْبَاءُ لِلرِّيحِ بَيْنَ رِيحَيْنِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعُدُولِهَا عَنِ المهابّ، و «عن الصِّرَاطِ» مُتَعَلِّقٌ بَنَاكِبُونَ وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَوْصُوفِينَ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ بِالْآخِرَةِ عَنْ ذَلِكَ الصِّرَاطِ أَوْ جِنْسِ الصِّرَاطِ لَعَادِلُونَ عَنْهُ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَرْجِعُونَ عَنْهُ بِحَالٍ، فَقَالَ: وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ أَيْ: مِنْ قَحْطٍ وَجَدْبٍ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ أَيْ: لَتَمَادَوْا فِي طُغْيَانِهِمْ وَضَلَالِهِمْ يَعْمَهُونَ يَتَرَدَّدُونَ وَيَتَذَبْذَبُونَ وَيَخْبِطُونَ، وَأَصْلُ اللَّجَاجِ: التَّمَادِي فِي الْعِنَادِ، وَمِنْهُ اللَّجَّةُ بِالْفَتْحِ لِتَرَدُّدِ الصَّوْتِ، وَلُجَّةُ الْبَحْرِ: تَرَدُّدُ أَمْوَاجِهِ، وَلُجَّةُ اللَّيْلِ: تَرَدُّدُ ظلامه. وقيل: المعنى: رَدَدْنَاهُمْ إِلَى الدُّنْيَا وَلَمْ نُدْخِلْهُمُ النَّارَ وَامْتَحَنَّاهُمْ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَقْرِيرِ مَا قَبْلَهَا. وَالْعَذَابُ: قِيلَ هُوَ الْجُوعُ الَّذِي أَصَابَهُمْ فِي سِنِي الْقَحْطِ، وقيل: المرض، وقيل: القتل يَوْمَ بَدْرٍ، وَاخْتَارَهُ الزَّجَّاجُ، وَقِيلَ: الْمَوْتُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَنْ أَصَابَهُ الْعَذَابُ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ أَيْ: مَا خَضَعُوا وَلَا تَذَلَّلُوا، بَلْ أَقَامُوا عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ التَّمَرُّدِ عَلَى اللَّهِ وَالِانْهِمَاكِ فِي مَعَاصِيهِ وَما يَتَضَرَّعُونَ أَيْ: وَمَا يَخْشَعُونَ لِلَّهِ فِي الشَّدَائِدِ عِنْدَ إِصَابَتِهَا لَهُمْ، وَلَا يَدْعُونَهُ لِرَفْعِ ذَلِكَ حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذابٍ شَدِيدٍ قِيلَ: هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: قَتْلُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ، وَقِيلَ: الْقَحْطُ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَقِيلَ: فَتْحُ مَكَّةَ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ أَيْ: مُتَحَيِّرُونَ، لَا يَدْرُونَ مَا يَصْنَعُونَ، والإبلاس: التَّحَيُّرُ وَالْإِيَاسُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ مُبْلَسُونَ بِفَتْحِ اللَّامِ

ص: 584

مِنْ أَبْلَسَهُ، أَيْ: أَدْخَلَهُ فِي الْإِبْلَاسِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَنْعَامِ. وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ امْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِبَعْضِ النِّعَمِ الَّتِي أَعْطَاهُمْ، وَهِيَ نِعْمَةُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْأَفْئِدَةَ فَصَارَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مَعَهُمْ لِيَسْمَعُوا الْمَوَاعِظَ، وَيَنْظُرُوا الْعِبَرَ، وَيَتَفَكَّرُوا بِالْأَفْئِدَةِ، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَلَمْ يَشْكُرُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ أَيْ: شُكْرًا قَلِيلًا حَقِيرًا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ النِّعَمِ الْجَلِيلَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: إِنَّهُمْ لَا يَشْكُرُونَهُ أَلْبَتَّةَ، لَا أَنَّ لَهُمْ شُكْرًا قَلِيلًا. كَمَا يُقَالُ لِجَاحِدِ النِّعْمَةِ: مَا أقلّ شكره! أي: لا يشكره، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ «1» . وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ أَيْ: بَثَّكُمْ فِيهَا كَمَا تُبَثُّ الْحُبُوبُ لِتَنْبُتَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أَيْ: تُجْمَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَ تَفَرُّقِكُمْ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ عَلَى جهة الانفراد والاستقلال، وفي هذا تذكير بنعمة الْحَيَاةِ، وَبَيَانُ الِانْتِقَالِ مِنْهَا إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ الَّذِي جَعَلَهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَقِيلَ:

اخْتِلَافُهُمَا: نُقْصَانُ أَحَدِهِمَا وَزِيَادَةُ الْآخَرِ، وَقِيلَ: تَكَرُّرُهُمَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ أَفَلا تَعْقِلُونَ كُنْهَ قُدْرَتِهِ وَتَتَفَكَّرُونَ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ إِلَّا التَّشَبُّثُ بِحَبْلِ التَّقْلِيدِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مُجَرَّدِ الِاسْتِبْعَادِ، فَقَالَ: بَلْ قالُوا مِثْلَ مَا قالَ الْأَوَّلُونَ أَيْ: آبَاؤُهُمْ وَالْمُوَافِقُونَ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ. ثُمَّ بَيَّنَ مَا قاله الأوّلون فقال: قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ فَهَذَا مُجَرَّدُ اسْتِبْعَادٍ لَمْ يَتَعَلَّقُوا فِيهِ بِشَيْءٍ مِنَ الشُّبَهِ، ثُمَّ كَمَّلُوا ذَلِكَ الْقَوْلَ بِقَوْلِهِمْ: لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هَذَا مِنْ قَبْلُ أَيْ: وُعِدْنَا هَذَا الْبَعْثَ وَوُعِدَهُ آبَاؤُنَا الْكَائِنُونَ مِنْ قَبْلِنَا فَلَمْ نُصَدِّقْهُ كَمَا لَمْ يُصَدِّقْهُ مَنْ قَبْلَنَا، ثُمَّ صَرَّحُوا بِالتَّكْذِيبِ وَفَرُّوا إِلَى مُجَرَّدِ الزَّعْمِ الْبَاطِلِ، فَقَالُوا: إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أَيْ: مَا هَذَا إِلَّا أَكَاذِيبُ الْأَوَّلِينَ الَّتِي سَطَرُوهَا فِي الْكُتُبِ، جَمْعُ أُسْطُورَةٍ كَأُحْدُوثَةٍ، وَالْأَسَاطِيرُ: الْأَبَاطِيلُ وَالتُّرَّهَاتُ وَالْكَذِبُ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ قَالَ: عَرَفُوهُ وَلَكِنَّهُمْ حَسَدُوهُ. وَفِي قَوْلِهِ: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ قَالَ: الْحَقُّ اللَّهُ عز وجل. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ قَالَ: بَيَّنَّا لَهُمْ. وَأَخْرَجُوا عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ قَالَ: عَنِ الْحَقِّ لَحَائِدُونَ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَالرَّحِمَ، فَقَدْ أَكَلْنَا الْعِلْهِزَ، يَعْنِي: الْوَبَرَ بِالدَّمِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ، وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا عَلَى قُرَيْشٍ حِينَ اسْتَعْصَوْا فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ» الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيَّ لَمَّا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ وَهُوَ أَسِيرٌ فَخَلَّى سَبِيلَهُ لَحِقَ بِالْيَمَامَةِ، فَحَالَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَيْنَ الْمِيرَةِ

(1) . الأحقاف: 26.

ص: 585