المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

فَجَمَعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ حُلِيِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَضَرَبَهُ عِجْلًا، ثُمَّ أَلْقَى الْقَبْضَةَ فِي جَوْفِهِ فَإِذَا هُوَ عِجْلٌ جَسَدٌ لَهُ خُوَارٌ، فَقَالَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى، فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا، فَلَمَّا أَنْ رَجَعَ مُوسَى أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ مَا قَالَ، فَقَالَ مُوسَى لِلسَّامِرِيِّ: مَا خَطْبُكَ قَالَ:

فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي «1» فَعَمِدَ مُوسَى إِلَى الْعِجْلِ، فَوَضَعَ مُوسَى عَلَيْهِ الْمَبَارِدَ فَبَرَدَهُ بِهَا وَهُوَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ، فَمَا شَرِبَ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ مِمَّنْ كَانَ يَعْبُدُ ذَلِكَ الْعِجْلَ إِلَّا اصْفَرَّ وَجْهُهُ مِثْلَ الذَّهَبِ، فَقَالُوا لِمُوسَى: مَا تَوْبَتُنَا؟ قَالَ: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَأَخَذُوا السَّكَاكِينَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقْتُلُ أَخَاهُ وَأَبَاهُ وَابْنَهُ، وَلَا يُبَالِي بِمَنْ قَتَلَ، حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: مُرْهُمْ فَلْيَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لِمَنْ قُتِلَ وَتُبْتُ عَلَى مَنْ بَقِيَ. وَالْحِكَايَاتُ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: بِمَلْكِنا قَالَ: بِأَمْرِنَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ بِمَلْكِنا قَالَ: بِطَاقَتِنَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بِسُلْطَانِنَا.

وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ قَالَ: فَنَسِيَ مُوسَى أَنْ يذكر لكم أن هذا إلهه.

[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَاّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قالَ فَما خَطْبُكَ يَا سامِرِيُّ (95) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)

قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97) إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَاّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (101)

جُمْلَةُ قالَ يَا هارُونُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مُوسَى لَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ أَخَذَ بِشُعُورِ رَأْسِ أَخِيهِ هَارُونَ وَبِلِحْيَتِهِ، وَقَالَ: مَا مَنَعَكَ مِنِ اتِّبَاعِي وَاللُّحُوقِ بِي عند ما وَقَعُوا فِي هَذِهِ الضَّلَالَةِ وَدَخَلُوا فِي الْفِتْنَةِ، وقيل معنى ما مَنَعَكَ أَلَّا تَتَّبِعَنِ: مَا مَنَعَكَ مِنِ اتِّبَاعِي فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ:

مَعْنَاهُ: هَلَّا قَاتَلْتَهُمْ إِذْ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي لَوْ كُنْتُ بَيْنَهُمْ لَقَاتَلْتُهُمْ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: هلّا فارقتهم، و «لا» في «أن لا تَتَّبِعَنِي» زَائِدَةٌ، وَهُوَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِمَنَعَ، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ مَنَعَكَ حِينَ رُؤْيَتِكَ لِضَلَالِهِمْ مِنِ اتِّبَاعِي. وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي لِلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ، وَالْفَاءُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ كَنَظَائِرِهِ، وَالْمَعْنَى: كَيْفَ خَالَفْتَ أَمْرِي لَكَ بِالْقِيَامِ لِلَّهِ وَمُنَابَذَةِ مَنْ خَالَفَ دِينَهُ وأقمت بين هؤلاء الذين اتّخذوا العجل

(1) . طه: 96. [.....]

ص: 451

إِلَهًا؟ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «أَمْرِي» : هُوَ قَوْلُهُ الذي حكى الله عنه: وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ «1» ، فَلَمَّا أَقَامَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُبَالِغْ فِي الْإِنْكَارِ عليهم نسبه إلى عصيانه الَ يَا بْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي

قُرِئَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ لِلْمِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَنَسَبَهُ إِلَى الْأُمِّ مَعَ كَوْنِهِ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ استعطافا له وترقيقا لقلبه، ومعنى لا بِرَأْسِي

وَلَا بِشِعْرِ رَأْسِي، أَيْ: لَا تَفْعَلْ هَذَا بِي عُقُوبَةً مِنْكَ لِي، فَإِنَّ لِي عذرا هونِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ

أَيْ: خَشِيتُ إِنْ خَرَجْتُ عَنْهُمْ وَتَرَكْتُهُمْ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فَتَقُولَ إِنِّي فَرَّقْتُ جَمَاعَتَهُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَارُونَ لَوْ خَرَجَ لَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَتَخَلَّفَ مَعَ السَّامِرِيِّ عِنْدَ الْعِجْلِ آخَرُونَ، وَرُبَّمَا أَفْضَى ذلك إلى القتال بينهم، ومعنى لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي

وَلَمْ تَعْمَلْ بِوَصِيَّتِي لَكَ فِيهِمْ، إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَهُمْ وَتَقُولَ لَمْ تَعْمَلْ بِوَصِيَّتِي لَكَ فِيهِمْ وَتَحْفَظْهَا، وَمُرَادُهُ بِوَصِيَّةِ مُوسَى لَهُ هُوَ قَوْلُهُ: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ قال أبو عبيد: معنى لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي

وَلَمْ تَنْتَظِرْ عَهْدِي وَقُدُومِي لِأَنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، فَاعْتَذَرَ هَارُونُ إِلَى مُوسَى هَاهُنَا بِهَذَا، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فِي الْأَعْرَافِ بِمَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُ هُنَالِكَ حَيْثُ قَالَ:

إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي «2» ثُمَّ تَرَكَ موسى الْكَلَامَ مَعَ أَخِيهِ وَخَاطَبَ السَّامِرِيَّ فَ قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ أَيْ: مَا شَأْنُكَ؟ وَمَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أَيْ: قَالَ السَّامِرِيُّ مُجِيبًا عَلَى مُوسَى: رَأَيْتُ مَا لَمْ يَرَوْا، أَوْ عَلِمْتُ بِمَا لَمْ يَعْلَمُوا، وَفَطِنْتُ لِمَا لَمْ يَفْطُنُوا لَهُ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَى فَرَسِ الْحَيَاةِ، فَأُلْقِيَ فِي ذِهْنِهِ أَنْ يَقْبِضَ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْأَثَرَ لَا يَقَعُ عَلَى جَمَادٍ إِلَّا صَارَ حَيًّا. وَقَرَأَ حمزة والكسائي والأعمش وخلف ما لَمْ تَبْصُرُوا بِهِ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ عَلَى الْخِطَابِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَهِيَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يُخَاطِبَ مُوسَى بِذَلِكَ، وَيَدَّعِيَ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ عَلِمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مُوسَى، وَقُرِئَ بِضَمِّ الصَّادِ فِيهِمَا وَبِكَسْرِهَا فِي الْأَوَّلِ وَفَتْحِهَا فِي الثَّانِي، وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فَقَبَصْتُ قَبْصَةً بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فِيهِمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْقَبْضَ بِالْمُعْجَمَةِ: هُوَ الْأَخْذُ بِجَمِيعِ الْكَفِّ، وَبِالْمُهْمَلَةِ: بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ، وَالْقُبْضَةُ بِضَمِّ الْقَافِ: الْقَدْرُ الْمَقْبُوضُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ مَا قَبَضْتُ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ، قَالَ: وَرُبَّمَا جَاءَ بِالْفَتْحِ، وَقَدْ قُرِئَ قَبْضَةً بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا، وَمَعْنَى الْفَتْحِ الْمَرَّةُ مِنَ الْقَبْضِ، ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى الْمَقْبُوضِ وَهُوَ مَعْنَى الْقُبْضَةِ بِضَمِّ الْقَافِ، وَمَعْنَى مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ مِنَ الْمَحَلِّ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ حَافِرُ فَرَسِ جِبْرِيلَ، وَمَعْنَى فَنَبَذْتُها فَطَرَحْتُهَا فِي الْحُلِيِّ الْمُذَابَةِ الْمَسْبُوكَةِ عَلَى صُورَةِ الْعِجْلِ وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ: زَيَّنَتْ أَيْ: وَمِثْلَ ذَلِكَ التَّسْوِيلِ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي وَقِيلَ: مَعْنَى سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي: حدّثني نَفْسِي، فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى مِنْهُ ذَلِكَ قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِساسَ أَيْ: فَاذْهَبْ مِنْ بَيْنِنَا، وَاخْرُجْ عَنَّا، فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَيْ: مَا دمت حيا، وطول حَيَاتِكَ، أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ. الْمِسَاسُ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُمَاسَّةِ أَيْ: لَا يَمَسُّكَ أَحَدٌ وَلَا تَمَسُّ أَحَدًا، لَكِنْ لَا بِحَسَبِ الِاخْتِيَارِ مِنْكَ،

(1) . الأعراف: 142.

(2)

. الأعراف: 150.

ص: 452

بَلْ بِمُوجِبِ الِاضْطِرَارِ الْمُلْجِئِ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَنْفِيَ السَّامِرِيَّ عَنْ قَوْمِهِ، وَأَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا يُخَالِطُوهُ وَلَا يَقْرَبُوهُ وَلَا يُكَلِّمُوهُ عُقُوبَةً لَهُ. قِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى ذَلِكَ هَرَبَ، فَجَعَلَ يَهِيمُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَعَ السِّبَاعِ وَالْوَحْشِ لَا يَجِدُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَمَسُّهُ، حَتَّى صَارَ كَمَنْ يَقُولُ لَا مِسَاسَ لِبُعْدِهِ عَنِ النَّاسِ وَبُعْدِ النَّاسِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

حَمَّالُ رَايَاتٍ بِهَا قَنَاعِسًا

حَتَّى تَقُولَ الْأُزْدُ لَا مَسَايِسًا

قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: كُسِرَتِ السِّينُ لِأَنَّ الْكَسْرَةَ مِنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ لَا مِسَاسَ مِثْلُ قِطَامِ فَإِنَّمَا بُنِيَ عَلَى الْكَسْرِ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنِ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ الْمَسُّ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْمُبَرِّدَ يَقُولُ: إِذَا اعْتَلَّ الشَّيْءُ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ وَجَبَ أَنْ يُبْنَى، وَإِذَا اعْتَلَّ مِنْ جِهَتَيْنِ وَجَبَ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ، لِأَنَّهُ ليس بعد الصرف إلا البناء، فمساس ودراك اعْتَلَّ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ: مِنْهَا أَنَّهُ مَعْدُولٌ، ومنها أنه مؤنث، وَمِنْهَا أَنَّهُ مَعْرِفَةٌ، فَلَمَّا وَجَبَ الْبِنَاءُ فِيهِ وَكَانَتِ الْأَلِفُ قَبْلَ السِّينِ سَاكِنَةً كُسِرَتِ السِّينُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَعْنِي الزَّجَّاجَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ، وَأَلْزَمَ أَبَا الْعَبَّاسِ: إِذَا سُمِّيَتِ امْرَأَةٌ بِفِرْعَوْنَ: أَنْ يَبْنِيَهُ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. وَقَدْ قَرَأَ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَبُو حَيْوَةَ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا. وَحَاصِلُ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى لَا مِسَاسَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ:

أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِ مُمَاسَّةَ النَّاسِ، وَكَانَ إِذَا مَاسَّهُ أَحَدٌ حُمَّ الْمَاسُّ وَالْمَمْسُوسُ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَصِيحُ إِذَا رَأَى أَحَدًا:

لَا مِسَاسَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُ النَّاسِ مِنْ مُخَالَطَتِهِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَارَ مَهْجُورًا فَلَا يَقُولُ هُوَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْحِكَايَةُ، أَيْ: أَجْعَلُكَ يَا سَامِرِيُّ بِحَيْثُ إِذَا أَخْبَرْتَ عَنْ حَالِكِ قُلْتَ لَا مِسَاسَ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ انْقِطَاعُ نَسْلِهِ، وَأَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُمَاسَّةِ الْمَرْأَةِ، قَالَهُ أَبُو مُسْلِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. ثُمَّ ذَكَرَ حَالَهُ فِي الْآخِرَةِ فَقَالَ: وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ أَيْ: لَنْ يُخْلِفَكَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَوْعِدَ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْمَوْعِدُ مَصْدَرٌ، أَيْ: إِنَّ لَكَ وَعْدًا لِعَذَابِكَ، وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: يُكَافِئُكَ اللَّهُ عَلَى مَا فَعَلْتَ فِي الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَالْيَزِيدِيُّ وَالْحَسَنُ «لَنْ تُخْلِفَهُ» بِكَسْرِ اللَّامِ، وَلَهُ على هذا الْقِرَاءَةِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: سَتَأْتِيهِ وَلَنْ تَجِدَهُ مُخْلِفًا، كَمَا تَقُولُ: أَحْمَدْتُهُ، أَيْ: وَجَدْتُهُ مَحْمُودًا. وَالثَّانِي: عَلَى التَّهْدِيدِ، أَيْ: لَا بُدَّ لَكَ مِنْ أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَنْ نُخْلِفَهُ بِالنُّونِ أَيْ: لَنْ يُخْلِفَهُ اللَّهُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَبِالْفَوْقِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً ظَلْتَ أَصْلُهُ ظَلِلْتَ، فَحُذِفَتِ اللَّامُ الْأُولَى تَخْفِيفًا، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا. وَقَرَأَ الأعمش باللامين عَلَى الْأَصْلِ. وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ظَلْتَ بِكَسْرِ الظَّاءِ. وَالْمَعْنَى: انْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي دُمْتَ وَأَقَمْتَ عَلَى عِبَادَتِهِ، وَالْعَاكِفُ: الْمُلَازِمُ لَنُحَرِّقَنَّهُ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنْ حَرَّقَهُ يُحَرِّقُهُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ مَنْ أَحْرَقَهُ يُحْرِقُهُ. وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَشْهَبُ وَالْعُقَيْلِيُّ لَنُحَرِّقَنَّهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً، مِنْ حَرَقْتُ الشَّيْءَ أَحْرِقُهُ حَرْقًا إِذَا بَرَدْتَهُ وَحَكَكْتَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، أَيْ: لَنُبَرِّدَنَّهُ

ص: 453

بِالْمَبَارِدِ، وَيُقَالُ لِلْمُبَرِّدِ الْمُحْرِقُ. وَالْقِرَاءَةُ الْأَوْلَى أَوْلَى، وَمَعْنَاهَا الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ، وَكَذَا مَعْنَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وقد جمع بين هذه القراءات الثلاث بِأَنَّهُ أَحْرَقَ، ثُمَّ بَرَّدَ بِالْمُبَرِّدِ، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَنَذْبَحَنَّهُ ثُمَّ لَنَحْرِقَنَّهُ» ، وَاللَّامُ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً النَّسْفُ: نَفْضُ الشَّيْءِ لِيَذْهَبَ بِهِ الرِّيحُ. قَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ لَنَنْسِفَنَّهُ بِضَمِّ السِّينِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَالْمِنْسَفُ: مَا يُنْسَفُ بِهِ الطعام، وهو شيء متصوب الصَّدْرِ أَعْلَاهُ مُرْتَفِعٌ، وَالنُّسَافَةُ: مَا يَسْقُطُ مِنْهُ إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا هذا العجل الذي فتنكم بِهِ السَّامِرِيَّ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً قَرَأَ الْجُمْهُورُ «وَسِعَ» بِكَسْرِ السِّينِ مُخَفَّفَةً.

وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ، وَانْتِصَابُ عِلْمًا عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنِ الْفَاعِلِ، أَيْ: وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ «وَسَّعَ» بِتَشْدِيدِ السِّينِ وَفَتْحِهَا فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَيَكُونُ انْتِصَابُ عِلْمًا عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا، لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ فَاعِلٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَقَدْ مَرَّ نَحْوُ هَذَا فِي الْأَعْرَافِ كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ الْكَافُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ:

كَمَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ خَبَرَ مُوسَى كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ مَا قَدْ سَبَقَ أَيْ: مِنْ أَخْبَارِ الْحَوَادِثِ الْمَاضِيَةِ فِي الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ لِتَكُونَ تَسْلِيَةً لَكَ وَدَلَالَةً عَلَى صِدْقِكَ، وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ: بَعْضُ أَخْبَارِ ذَلِكَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الْقُرْآنُ، وَسُمِّيَ ذِكْرًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُوجِبَاتِ لِلتَّذَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الشَّرَفُ كقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ثُمَّ تَوَعَّدَ سُبْحَانَهُ الْمُعْرِضِينَ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ فَقَالَ:

مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً أَيْ: أَعْرَضَ عَنْهُ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ وَلَا عَمِلَ بِمَا فِيهِ، وَقِيلَ:

أَعْرَضَ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ الْمُعْرِضَ عَنْهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا أَيْ: إِثْمًا عَظِيمًا وَعُقُوبَةً ثقيلة بسبب إعراضه خالِدِينَ فِيهِ فِي الْوِزْرِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ فِي جَزَائِهِ، وَانْتِصَابُ خَالِدِينَ عَلَى الْحَالِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا أَيْ: بِئْسَ الْحِمْلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ أَيْ: سَاءَ لَهُمْ حِمْلًا وِزْرُهُمْ، وَاللَّامُ لِلْبَيَانِ كَمَا فِي هَيْتَ لَكَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ: أَمَرَهُ مُوسَى أَنْ يُصْلِحَ وَلَا يَتَّبِعَ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ. فَكَانَ مِنْ إِصْلَاحِهِ أَنْ يُنْكِرَ الْعِجْلَ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا في قوله: لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي

قَالَ:

لَمْ تَنْتَظِرْ قَوْلِي مَا أَنَا صَانِعٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ تَرْقُبْ ولم تَحْفَظْ قَوْلِي. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِساسَ قَالَ: عُقُوبَةٌ لَهُ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ قَالَ: لَنْ تَغِيبَ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً قَالَ: أَقَمْتَ لَنُحَرِّقَنَّهُ قَالَ بِالنَّارِ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ قَالَ:

لَنَذْرِيَنَّهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ لَنُحَرِّقَنَّهُ خَفِيفَةٌ وَيَقُولُ: إِنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ، بَلْ تُسْحَلُ بِالْمِبْرَدِ، ثُمَّ تُلْقَى عَلَى النَّارِ فَتَصِيرُ رَمَادًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ:

الْيَمِّ: الْبَحْرُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْيَمِّ: النَّهْرُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:

وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً قَالَ: مَلَأَ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً قَالَ:

ص: 454