المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ قَالَ: لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ عَجِبُوا وَرَجَعُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ يَقُولُونَ: لا نصدّكم فِيمَا جِئْتُمْ بِهِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا فِيهِ شَكًّا قَوِيًّا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ قَالَ: عَضُّوا عَلَيْهَا. وَفِي لفظ: على أناملهم غيظا على رسلهم.

[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17)

مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18)

قَوْلُهُ: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ هُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَمَرِّدِينَ عَنْ إِجَابَةِ الرُّسُلِ، وَاللَّامُ فِي لَنُخْرِجَنَّكُمْ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، أَيْ: وَاللَّهِ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، لَمْ يَقْنَعُوا بِرَدِّهِمْ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَعَدَمِ امْتِثَالِهِمْ لِمَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ حَتَّى اجْتَرَءُوا عَلَيْهِمْ بِهَذَا، وَخَيَّرُوهُمْ بَيْنَ الْخُرُوجِ مِنْ أَرْضِهِمْ، أَوِ الْعَوْدِ فِي مِلَّتِهِمُ الْكُفْرِيَّةِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَوْ فِي أَوْ لَتَعُودُنَّ بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ، يَعْنِي: إِلَّا أَنْ تَعُودُوا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ، بَلْ أَوْ عَلَى بَابِهَا لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ. قِيلَ: وَالْعَوْدُ هُنَا بِمَعْنَى الصَّيْرُورَةِ لِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مِلَّةِ الْكُفْرِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا وَقِيلَ: إِنَّ الْخِطَابَ لِلرُّسُلِ ولمن آمن بهم فغلب الرسل عَلَى أَتْبَاعِهِمْ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ أَيْ: إِلَى الرُّسُلِ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ أَيْ: قَالَ لَهُمْ: لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ أَيْ: أَرْضَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ تَوَعَّدُوكُمْ بِمَا تَوَعَّدُوا مِنَ الْإِخْرَاجِ أَوِ الْعَوْدِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا «1» ، وقال: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ «2» .

وقرئ ليهلكنّ وليسكننكم بِالتَّحْتِيَّةِ فِي الْفِعْلَيْنِ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ فَأَوْحَى، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ وَإِسْكَانِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَسَاكِنِهِمْ لِمَنْ خافَ مَقامِي أَيْ: مَوْقِفِي، وَذَلِكَ يَوْمَ الْحِسَابِ، فَإِنَّهُ مَوْقِفُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالْمَقَامُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَكَانُ الْإِقَامَةِ، وَبِالضَّمِّ فِعْلُ الْإِقَامَةِ وَقِيلَ: إِنَّ الْمَقَامَ هُنَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْقِيَامِ، أَيْ: لِمَنْ خَافَ قِيَامِي عَلَيْهِ وَمُرَاقَبَتِي لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ «3» وَقَالَ الْأَخْفَشُ: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي، أَيْ: عذابي وَخافَ وَعِيدِ أي: خاف

(1) . الأعراف: 137.

(2)

. الأحزاب: 37.

(3)

. الرعد: 33. [.....]

ص: 119

وَعِيدِي بِالْعَذَابِ، وَقِيلَ: بِالْقُرْآنِ وَزَوَاجِرِهِ، وَقِيلَ: هُوَ نَفْسُ الْعَذَابِ، وَالْوَعِيدُ الِاسْمُ مِنَ الْوَعْدِ وَاسْتَفْتَحُوا مَعْطُوفٌ عَلَى أَوْحَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمُ اسْتَنْصَرُوا بِاللَّهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، أَوْ سَأَلُوا اللَّهَ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمْ، مِنَ الْفُتَاحَةِ وَهِيَ الْحُكُومَةُ وَمِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ قوله: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ «1» أَيْ: إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ النَّصْرُ وَمِنَ الْمَعْنَى الثَّانِي قَوْلُهُ: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ «2» أَيِ: احْكُمْ، وَالضَّمِيرُ فِي اسْتَفْتَحُوا لِلرُّسُلِ وَقِيلَ: لِلْكُفَّارِ، وَقِيلَ: لِلْفَرِيقَيْنِ وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الَّذِي لَا يَرَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقًّا، هَكَذَا حَكَاهُ النَّحَّاسُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالْعَنِيدُ: الْمُعَانِدُ لِلْحَقِّ وَالْمُجَانِبُ لَهُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعِنْدِ، وَهُوَ النَّاحِيَةُ، أَيْ: أَخَذَ فِي نَاحِيَةٍ مُعْرِضًا. قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا نَزَلْتُ فَاجْعَلُونِي وَسَطًا

إِنِّي كَبِيرٌ لَا أُطِيقُ الْعِنْدَا

قَالَ الزَّجَّاجُ: الْعَنِيدُ: الَّذِي يَعْدِلُ عَنِ الْقَصْدِ، وَبِمِثْلِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ الَّذِي عَنَدَ وَبَغَى، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ الشَّامِخُ بِأَنْفِهِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْعَاصِي، وَقِيلَ: الَّذِي أَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ خَسِرَ وَهَلَكَ مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ أَيْ: مِنْ بَعْدِهِ جَهَنَّمُ، وَالْمُرَادُ بَعْدَ هَلَاكِهِ عَلَى أن وراءها هنا بِمَعْنَى بَعْدُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:

حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً

وَلَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَذْهَبُ

أَيْ: لَيْسَ بَعْدَ اللَّهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ أَيْ: مِنْ بَعْدِهِ. كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ، وَقِيلَ: مِنْ وَرائِهِ أَيْ: مِنْ أَمَامِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْقَلِبُ إِلَى الْآخَرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَمِنْ وَرَائِكَ يَوْمٌ أَنْتَ بَالِغُهُ

لَا حَاضِرٌ مُعْجَزٌ عَنْهُ وَلَا بَادِي

وَقَالَ آخَرُ:

أَتَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعِي وَطَاعَتِي

وَقَوْمِي تَمِيمٌ وَالْفَلَاةُ وَرَائِيَا

أَيْ: أَمَامِي. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً «3» أَيْ: أَمَامَهُمْ، وَبِقَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ هَذَا قَالَ قُطْرُبٌ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ كَمَا يُقَالُ: هَذَا الْأَمْرُ مِنْ وَرَائِكَ أَيْ: سَوْفَ يَأْتِيكَ، وَأَنَا مِنْ وَرَاءِ فُلَانٍ، أَيْ: فِي طَلَبِهِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: مِنْ وَرَائِهِ أَيْ: مِنْ أَمَامِهِ، وَلَيْسَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ تَوَارَى أَيِ: اسْتَتَرَ فَصَارَتْ جَهَنَّمُ مِنْ وَرَائِهِ، لِأَنَّهَا لَا تُرَى، وَحَكَى مِثْلَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سائل. كأنه قيل: فماذا يكون إذن؟ قِيلَ: يُلْقَى فِيهَا وَيُسْقَى، وَالصَّدِيدُ مَا يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الصَّدِّ. لِأَنَّهُ يَصُدُّ النَّاظِرِينَ عَنْ رُؤْيَتِهِ، وَهُوَ دَمٌ مُخْتَلِطٌ بِقَيْحٍ، وَالصَّدِيدُ صِفَةٌ لِمَاءٍ، وَقِيلَ: عَطْفُ بيان عنه ويَتَجَرَّعُهُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَاءٍ،

(1) . الأنفال: 19.

(2)

. الأعراف: 89.

(3)

. الكهف: 79.

ص: 120

أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ، وَقِيلَ: هُوَ اسْتِئْنَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى سُؤَالٍ، وَالتَّجَرُّعُ: التَّحَسِّي، أَيْ: يَتَحَسَّاهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، لَا مَرَّةً وَاحِدَةً لِمَرَارَتِهِ وَحَرَارَتِهِ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ أَيْ: يَبْتَلِعُهُ، يُقَالُ: سَاغَ الشَّرَابُ فِي الْحَلْقِ يَسُوغُ سَوْغًا إِذَا كَانَ سَهْلًا، وَالْمَعْنَى: وَلَا يُقَارِبُ إِسَاغَتَهُ، فَكَيْفَ تَكُونُ الْإِسَاغَةُ؟ بَلْ يُغَصُّ به فيطول عذابه بالعطش تارة، وبشربه عَلَى هَذِهِ الْحَالِ أُخْرَى وَقِيلَ: إِنَّهُ يُسِيغُهُ بَعْدَ شِدَّةٍ وَإِبْطَاءٍ، كَقَوْلِهِ:

وَما كادُوا يَفْعَلُونَ «1» أَيْ: يَفْعَلُونَ بَعْدَ إِبْطَاءٍ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ «2» . وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ أَيْ: تَأْتِيهِ أَسْبَابُ الْمَوْتِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ، أَوْ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ مَوَاضِعِ بَدَنِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْمُرَادُ بِالْمَوْتِ هُنَا الْبَلَايَا الَّتِي تُصِيبُ الْكَافِرَ فِي النَّارِ، سَمَّاهَا مَوْتًا لِشِدَّتِهَا وَما هُوَ بِمَيِّتٍ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ حَقِيقَةً فَيَسْتَرِيحُ وَقِيلَ: تَعْلَقُ نَفْسُهُ فِي حَنْجَرَتِهِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ فِيهِ فَيَمُوتُ، وَلَا تَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهَا مِنْ جَوْفِهِ فَيَحْيَا، وَمِثْلُهُ قوله تعالى: لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى وَقِيلَ: مَعْنَى وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ لِتَطَاوُلِ شَدَائِدِ الْمَوْتِ بِهِ وَامْتِدَادِ سَكَرَاتِهِ عَلَيْهِ. وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الْآيَةِ بِعَدَمِ الْمَوْتِ حَقِيقَةً لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قوله سبحانه: لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى «3» وَقَوْلِهِ: لَا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها «4» . وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ أَيْ: مِنْ أَمَامِهِ، أَوْ مِنْ بَعْدِهِ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَقِيلَ: هُوَ الْخُلُودُ، وَقِيلَ: حَبْسُ النَّفْسِ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ قَالَ سِيبَوَيْهِ: مَثَلُ مُرْتَفِعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ، أَيْ: فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَبِهِ قَالَ الزَّجَّاجُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:

التَّقْدِيرُ مَثَلُ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَحُذِفَ الْمُضَافُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بِإِلْغَاءِ مَثَلُ، وَالتَّقْدِيرُ: الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ، وَقِيلَ: هُوَ أَعْنِي مَثَلُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الصِّفَةُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ صفتهم العجيبة أعمالهم كرماد. والمراد: أَنَّ أَعْمَالَهُمْ بَاطِلَةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَالرَّمَادُ مَا يَبْقَى بَعْدَ احْتِرَاقِ الشَّيْءِ ضَرَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْآيَةَ مَثَلًا لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ فِي أَنَّهُ يَمْحَقُهَا كَمَا تَمْحَقُ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ الرَّمَادَ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ.

وَمَعْنَى: اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ: حَمَلَتْهُ بِشِدَّةٍ وَسُرْعَةٍ، وَالْعَصْفُ شِدَّةُ الرِّيحِ، وُصِفَ بِهِ زَمَانُهَا مُبَالَغَةً كَمَا يُقَالُ:

يَوْمٌ حَارٌّ وَيَوْمٌ بَارِدٌ، وَالْبَرْدُ وَالْحَرُّ فِيهِمَا لَا مِنْهُمَا لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ أَيْ: لَا يَقْدِرُ الْكُفَّارُ مِمَّا كَسَبُوا مِنْ تِلْكَ الْأَعْمَالِ الْبَاطِلَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا يَرَوْنَ لَهُ أَثَرًا فِي الْآخِرَةِ يُجَازَوْنَ بِهِ وَيُثَابُونَ عَلَيْهِ، بَلْ جَمِيعُ مَا عَمِلُوهُ فِي الدُّنْيَا بَاطِلٌ ذَاهِبٌ كَذَهَابِ الرِّيحِ بِالرَّمَادِ عِنْدَ شِدَّةِ هُبُوبِهَا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّمْثِيلُ، أَيْ: هَذَا الْبُطْلَانُ لِأَعْمَالِهِمْ وَذَهَابُ أَثَرِهَا هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ الْمُخَالِفِ لِمَنْهَجِ الصَّوَابِ، لَمَّا كَانَ هَذَا خُسْرَانًا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ سَمَّاهُ بَعِيدًا.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا الْآيَةَ، قَالَ: كَانَتِ الرُّسُلُ وَالْمُؤْمِنُونَ يَسْتَضْعِفُهُمْ قَوْمُهُمْ وَيَقْهَرُونَهُمْ وَيُكَذِّبُونَهُمْ وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى أَنْ يَعُودُوا فِي مِلَّتِهِمْ، فَأَبَى اللَّهُ لِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعُودُوا فِي مِلَّةِ الْكُفْرِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَفْتِحُوا عَلَى الْجَبَابِرَةِ، وَوَعَدَهُمْ أَنْ يُسْكِنَهُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَأَنْجَزَ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ، وَاسْتَفْتَحُوا كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ

(1) . البقرة: 71.

(2)

. الحج: 20.

(3)

. الأعلى: 13.

(4)

. فاطر: 36.

ص: 121