المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

‌سورة الرّعد

قد وقع الخلاف هل هي مكية أم مَدَنِيَّةٌ؟ فَرَوَى النَّحَّاسُ فِي نَاسِخِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ. وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ ابْنُ الزُّبَيْرِ والكلبي ومقاتل. وقول ثابت: أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا فَإِنَّهُمَا نَزَلَتَا بِمَكَّةَ، وَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ «1» [إلى آخرها]«2» .

وقيل: [مدنية إلا]«3» قَوْلُهُ: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ «4» . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَقَتَادَةَ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْمَرْوَزِيُّ فِي الْجَنَائِزِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ يَسْتَحِبُّ إِذَا حَضَرَ الْمَيِّتَ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَهُ سُورَةَ الرَّعْدِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُخَفِّفُ عَنِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّهُ أَهْوَنُ لِقَبْضِهِ، وَأَيْسَرُ لِشَأْنِهِ.

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

بسم الله الرحمن الرحيم

المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)

قَوْلُهُ: المر قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ الْوَاقِعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ بِمَا يُغْنِي عَنِ الْإِعَادَةِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلسُّورَةِ مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةُ اسْمُهَا هَذَا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ إِلَى آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ السُّورَةُ، أَيْ:

تِلْكَ الْآيَاتُ آيَاتُ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ الْعَجِيبَةِ الشَّأْنِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ مُرَادًا بِهِ الْقُرْآنُ كُلُّهُ، أَيْ: هُوَ الْحَقُّ الْبَالِغُ فِي اتِّصَافِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، أَوْ تَكُونُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: تِلْكَ إِلَى آيَاتِ الْقُرْآنِ جَمِيعِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ جَمِيعُ الْقُرْآنِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ جُمْلَةً مُبَيِّنَةً لِكَوْنِ هَذَا الْمُنَزَّلِ هُوَ الْحَقُّ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالَّذِي رُفِعَ بِالِاسْتِئْنَافِ وَخَبَرُهُ الحق. قال: وإن شئت

(1) . الرعد: 31.

(2)

. ما بين حاصرتين من تفسير البحر.

(3)

. ما بين حاصرتين من الدر المنثور.

(4)

. الرعد: 31.

ص: 76

جَعَلْتَ الَّذِي خَفْضًا نَعْتًا لِلْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ الْوَاوُ كَمَا فِي قَوْلِهِ:

إِلَى الْمَلِكِ الْقَرَمِ وَابْنِ الْهُمَامِ «1» ............... ....

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ الْجَرَّ عَلَى تَقْدِيرِ: وَآيَاتُ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ، فَيَكُونَ الْحَقُّ عَلَى هَذَا خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَذَا الْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، قال الزّجّاج:

ما ذَكَرَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ذَكَرَ الدَّلِيلَ الَّذِي يُوجِبُ التَّصْدِيقَ بِالْخَالِقِ فَقَالَ: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ وَالْعَمَدُ: الْأَسَاطِينُ، جَمْعُ عِمَادٍ أَيْ قَائِمَاتٍ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَهَا عَمَدٌ وَلَكِنْ لَا نَرَاهُ.

قَالَ الزَّجَّاجُ: العمد قدرته التي يمسك بها السموات، وَهِيَ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ لَنَا، وَقُرِئَ «عُمُدٍ» عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ عَمُودٍ يُعْمَدُ بِهِ أَيْ يُسْنَدُ إِلَيْهِ. قَالَ النَّابِغَةُ:

وَخَبِّرِ الْجِنَّ أَنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَهُمْ

يَبْنُونَ تدمر بِالصُّفَاحِ «2» وَالْعُمُدْ

وَجُمْلَةُ تَرَوْنَهَا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِشْهَادٌ عَلَى رؤيتهم لها كذلك، وقيل: هي صفة لعمد، وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: رَفَعَ السموات تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ، وَلَا مُلْجِئَ إِلَى مِثْلِ هَذَا التَّكَلُّفِ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ أَيِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحِفْظِ وَالتَّدْبِيرِ، أَوِ اسْتَوَى أَمْرُهُ، أَوْ أَقْبَلَ عَلَى خَلْقِ الْعَرْشِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مُسْتَوْفًى، وَالِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ صِفَةٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِلَا كَيْفٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أَيْ ذَلَّلَهُمَا لِمَا يُرَادُ مِنْهُمَا مِنْ مَنَافِعِ الْخَلْقِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ كُلٌّ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَجْرِي إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ فَنَاءُ الدُّنْيَا وَقِيَامُ السَّاعَةِ الَّتِي تُكَوَّرُ عِنْدَهَا الشَّمْسُ، وَيُخْسَفُ الْقَمَرُ، وَتَنْكَدِرُ النُّجُومُ وَتَنْتَثِرُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ الْمُسَمَّى درجاتهما ومنازلهما التي تنتهيان إليها لا يجاوزانها، وَهِيَ سَنَةٌ لِلشَّمْسِ، وَشَهْرٌ لِلْقَمَرِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ أَيْ يُصَرِّفُهُ عَلَى مَا يُرِيدُ، وَهُوَ أَمْرُ مَلَكُوتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ يُفَصِّلُ الْآياتِ أَيْ: يُبَيِّنُهَا، وَهِيَ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ رَفْعِ السَّمَاءِ بِغَيْرِ عَمَدٍ وَتَسْخِيرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَجَرْيِهِمَا لِأَجَلٍ مُسَمًّى، وَالْجُمْلَتَانِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَوْ خَبَرُ إِنَّ لِقَوْلِهِ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ عَلَى أَنَّ الْمَوْصُولَ صِفَةٌ لِلْمُبْتَدَأِ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا تَنْبِيهُ الْعِبَادِ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْبَعْثِ وَالْإِعَادَةِ، وَلِذَا قَالَ: لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ أَيْ لَعَلَّكُمْ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ تُوقِنُونَ بِذَلِكَ لَا تَشُكُّونَ فِيهِ، وَلَا تَمْتَرُونَ فِي صِدْقِهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ الدَّلَائِلَ السَّمَاوِيَّةَ أَتْبَعَهَا بِذِكْرِ الدَّلَائِلِ الْأَرْضِيَّةِ فَقَالَ: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ قَالَ الْفَرَّاءُ: بَسَطَهَا طُولًا وَعَرْضًا.

وَقَالَ الْأَصَمُّ: إِنَّ الْمَدَّ هُوَ الْبَسْطُ إِلَى مَا لَا يُدْرَكُ مُنْتَهَاهُ، وَهَذَا المدّ الظاهر للبصر لا ينافي كرويتها فِي نَفْسِهَا لِتَبَاعُدِ أَطْرَافِهَا وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ أَيْ جِبَالًا ثَوَابِتَ. وَاحِدُهَا رَاسِيَةٌ لِأَنَّ الْأَرْضَ ترسو بها، أي:

(1) . وتتمة البيت: وليث الكتيبة في المزدحم.

«القرم» : السيد. «الكتيبة» : الجيش. «المزدحم» : محلّ الازدحام.

(2)

. «الصفاح» : حجارة عراض رقاق.

ص: 77

تثبت، والإرساء: الثبوت. قال عَنْتَرَةَ:

فَصَبَرَتْ «1» عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً

تَرْسُو إِذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ

وَقَالَ جَمِيلٌ:

أُحِبُّهَا وَالَّذِي أَرْسَى قَوَاعِدَهُ

حَتَّى «2» إِذَا ظَهَرَتْ آيَاتُهُ بَطَنَا

وَأَنْهاراً أَيْ مِيَاهًا جَارِيَةً فِي الْأَرْضِ فِيهَا مَنَافِعُ الْخَلْقِ، أَوِ الْمُرَادُ جَعَلَ فِيهَا مَجَارِيَ الْمَاءِ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهُ، أَيْ: جَعَلَ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، الزَّوْجُ يُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ، وَعَلَى الْوَاحِدِ الْمُزَاوِجِ لِآخَرَ، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالزَّوْجِ الْوَاحِدُ، وَلِهَذَا أَكَّدَ الزَّوْجَيْنِ بِالِاثْنَيْنِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالزَّوْجِ هُنَا الِاثْنَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ هَذَا مُسْتَوْفًى، أَيْ جَعَلَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ ثَمَرَاتِ الدُّنْيَا صِنْفَيْنِ، إِمَّا فِي اللَّوْنِيَّةِ كَالْبَيَاضِ والسواد ونحوهما، أو في الطّعمية كالحلو والحامض وَنَحْوِهِمَا، أَوْ فِي الْقَدْرِ كَالصِّغَرِ وَالْكِبْرِ، أَوْ فِي الْكَيْفِيَّةِ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يَعْنِي بِالزَّوْجَيْنِ هُنَا الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ أَيْ يُلْبِسَهُ مَكَانَهُ، فَيَصِيرُ أَسْوَدَ مظلما بعد ما كَانَ أَبْيَضَ مُنِيرًا، شَبَّهَ إِزَالَةَ نُورِ الْهُدَى بِالظُّلْمَةِ بِتَغْطِيَةِ الْأَشْيَاءِ الْحِسِّيَّةِ بِالْأَغْطِيَةِ الَّتِي تَسْتُرُهَا، وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ هَذِهِ فِي الْأَعْرَافِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ مَدِّ الْأَرْضِ وَإِثْبَاتِهَا بِالْجِبَالِ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الثَّمَرَاتِ الْمُتَزَاوِجَةِ، وَتَعَاقُبِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ آيَاتٌ بَيِّنَةٌ لِلنَّاظِرِينَ الْمُتَفَكِّرِينَ الْمُعْتَبِرِينَ: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذِكْرِ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ أَنْوَاعِ الْآيَاتِ، قِيلَ: وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ: قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ، وَغَيْرُ مُتَجَاوِرَاتٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ «3» أَيْ: وَتَقِيكُمُ الْبَرْدَ. قِيلَ:

وَالْمُتَجَاوِرَاتُ: الْمُدُنُ وَمَا كَانَ عَامِرًا، وَغَيْرُ الْمُتَجَاوِرَاتِ: الصَّحَارَى وَمَا كَانَ غَيْرَ عَامِرٍ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى:

مُتَجَاوِرَاتٌ مُتَدَانِيَاتٌ، تُرَابُهَا وَاحِدٌ وَمَاؤُهَا وَاحِدٌ، وَفِيهَا زَرْعٌ وَجَنَّاتٌ، ثُمَّ تَتَفَاوَتُ فِي الثِّمَارِ فَيَكُونُ الْبَعْضُ حُلْوًا وَالْبَعْضُ حَامِضًا، وَالْبَعْضُ طَيِّبًا وَالْبَعْضُ غَيْرَ طَيِّبٍ، وَالْبَعْضُ يَصْلُحُ فِيهِ نَوْعٌ وَالْبَعْضُ الْآخَرُ نَوْعٌ آخَرُ.

وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ الجنات: البساتين، وقرأ الْجُمْهُورُ بِرَفْعِ جَنَّاتٌ عَلَى تَقْدِيرِ: وَفِي الْأَرْضِ جَنَّاتٌ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ: وَبَيْنَهَا جَنَّاتٌ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ: وَجَعَلَ فِيهَا جَنَّاتٍ، وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ الزَّرْعَ بَيْنَ الْأَعْنَابِ وَالنَّخِيلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْخَارِجِ كَثِيرًا كَذَلِكَ، وَمِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً «4» . صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ بِرَفْعِ هَذِهِ الْأَرْبَعِ عَطْفًا عَلَى جَنَّاتٌ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أَعْنَابٍ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَالسُّلَمِيُّ بِضَمِّ الصَّادِ مِنْ صُنْوَانٌ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ

(1) . في المطبوع: فصرت. والمثبت من الديوان ص (264) .

«صبرت عارفة» : أي حبست نفسا صابرة أي تصبر للشدائد ولا تنكرها. «ترسو» : تثبت وتستقر.

(2)

. في تفسير القرطبي (9/ 280) : حبا.

(3)

. النحل: 81.

(4)

. الكهف: 32.

ص: 78

بالكسر، وهما لغتان. وقال أَبُو عُبَيْدَةَ: صِنْوَانُ: جَمْعُ صِنْوٍ، وَهُوَ أَنْ يكون الأصل واحد، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ فَيَصِيرُ نَخِيلًا، ثُمَّ يُحْمَلُ، وَهَذَا قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الصِّنْوُ: الْمِثْلُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:

«عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» ، فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا: أَنَّ أَشْجَارَ النَّخِيلِ قَدْ تَكُونُ مُتَمَاثِلَةً وَقَدْ لَا تَكُونُ.

قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَالصِّنْوَانُ: جَمْعُ صِنْوٍ، وَهِيَ النَّخْلَةُ لَهَا رَأْسَانِ وَأَصْلُهَا وَاحِدٌ، وَقِيلَ: الصِّنْوَانُ: الْمُجْتَمِعُ.

وَغَيْرُ الصِّنْوَانِ: الْمُتَفَرِّقُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي اللُّغَةِ، يُقَالُ لِلنَّخْلَةِ إِذَا كَانَتْ فِيهَا نَخْلَةٌ أُخْرَى أَوْ أَكْثَرُ:

صِنْوَانٌ، وَالصِّنْوُ: الْمِثْلُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ إِلَّا بِكَسْرِ النُّونِ فِي الْمُثَنَّى، وَبِمَا يَقْتَضِيهِ الْإِعْرَابُ فِي الْجَمْعِ: يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ قَرَأَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ: يُسْقَى بِالتَّحْتِيَّةِ، أَيْ: يُسْقَى ذَلِكَ كُلُّهُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ بِإِرْجَاعِ الضَّمِيرِ إِلَى جَنَّاتٌ. وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو عَمْرٍو، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: التَّأْنِيثُ أَحْسَنُ لِقَوْلِهِ: وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ وَلَمْ يَقُلْ بَعْضَهُ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «يُفَضَّلُ» بِالتَّحْتِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ عَلَى تَقْدِيرِ: وَنَحْنُ نُفَضِّلُ.

وَفِي هَذَا مِنَ الدِّلَالَةِ عَلَى بَدِيعِ صُنْعِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ عَقْلٌ فَإِنَّ الْقِطَعَ الْمُتَجَاوِرَةَ وَالْجَنَّاتِ الْمُتَلَاصِقَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى أَنْوَاعِ النَّبَاتِ مَعَ كَوْنِهَا تُسْقَى بماء واحد، وتتفاضل الثَّمَرَاتِ فِي الْأُكُلِ، فَيَكُونُ طَعْمُ بَعْضِهَا حُلْوًا وَالْآخَرُ حَامِضًا، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَهَذَا فَائِقٌ فِي حُسْنِهِ، وَهَذَا غير فائق، ممّا يقنع مَنْ تَفَكَّرَ وَاعْتَبَرَ وَنَظَرَ نَظَرَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ السَّبَبَ الْمُقْتَضِيَ لِاخْتِلَافِهَا لَيْسَ إِلَّا قُدْرَةَ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ جَلَّ سُلْطَانُهُ وَتَعَالَى شَأْنُهُ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَيُحَصَّلُ مِنْ ثَمَرَاتِهَا لَا يَكُونُ فِي نَظَرِ الْعُقَلَاءِ إِلَّا لِسَبَبَيْنِ: إِمَّا اخْتِلَافِ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ الْمَنْبَتُ، أَوِ اخْتِلَافِ الْمَاءِ الَّذِي تُسْقَى بِهِ، فَإِذَا كَانَ الْمَكَانُ مُتَجَاوِرًا وَقِطَعُ الْأَرْضِ مُتَلَاصِقَةً، وَالْمَاءُ الَّذِي تُسْقَى بِهِ وَاحِدًا، لَمْ يَبْقَ سَبَبٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي نَظَرِ الْعَقْلِ إِلَّا تِلْكَ الْقُدْرَةُ الْبَاهِرَةُ وَالصُّنْعُ الْعَجِيبُ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أَيْ يَعْمَلُونَ عَلَى قَضِيَّةِ الْعَقْلِ وَمَا يُوجِبُهُ، غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمَا يَقْتَضِيهِ مِنَ التَّفَكُّرِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ وَالِاعْتِبَارِ فِي الْعِبَرِ الْمَوْجُودَاتِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: المر قَالَ: أَنَا اللَّهُ أَرَى. وَأَخْرُجُ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ المر فَوَاتِحُ يَفْتَتِحُ بِهَا كَلَامَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ قَالَ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ قَالَ: الْقُرْآنُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهَا بِعَمَدٍ لَا تَرَوْنَهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَقُولُ لَهَا عَمَدٌ وَلَكِنْ لَا تَرَوْنَهَا يَعْنِي الْأَعْمَادَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: السَّمَاءُ مُقَبَّبَةٌ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلَ الْقُبَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السَّمَاءُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْلَاكٍ، كُلُّ زَاوِيَةٍ مُوَكَّلٌ بِهَا مَلَكٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ فِي قَوْلِهِ: لِأَجَلٍ مُسَمًّى قَالَ الدُّنْيَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ قَالَ: يَقْضِيهِ وَحْدَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: الدُّنْيَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ: أَرْبَعُمِائَةٍ خَرَابٌ، وَمِائَةٌ عُمْرَانٌ فِي أيدي المسلمين

ص: 79