الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: ذَبْحًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي الْآيَةِ قَالَ: مَكَّةُ لم يجعل الله لأمة قط مَنْسَكًا غَيْرَهَا.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي الْأُضْحِيَةِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ قَالَ: الْمُطَمْئِنِينَ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي ذَمِّ الْغَضَبِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ قَالَ: الْمُخْبِتُونَ فِي الْآيَةِ الَّذِينَ لَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ، وَإِذَا ظُلِمُوا لَمْ ينتصروا.
[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]
وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
قَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ «وَالْبُدُنَ» بِضَمِّ الْبَاءِ وَالدَّالِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِإِسْكَانِ الدَّالِّ، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَهَذَا الِاسْمُ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ، وَسَمِّيَتْ بَدَنَةً لِأَنَّهَا تَبْدُنُ، وَالْبَدَانَةُ: السِّمَنُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْإِبِلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا سَيَأْتِي مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْإِبِلِ، وَلِمَا تُفِيدُهُ كُتُبُ اللُّغَةِ مِنِ اخْتِصَاصِ هَذَا الِاسْمِ بِالْإِبِلِ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ إِطْلَاقِ الْبَدَنَةِ عَلَى الْبَقَرَةِ على قولين: أصحهما أنه يطلق عليها ذَلِكَ شَرْعًا كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ. جَعَلْناها لَكُمْ وَهِيَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا لَكُمْ فِيها خَيْرٌ أَيْ: مَنَافِعُ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها أَيْ: عَلَى نحرها، وَمَعْنَى صَوافَّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ قَدْ صُفَّتْ قَوَائِمُهَا، لِأَنَّهَا تُنْحَرُ قَائِمَةً مَعْقُولَةً، وَأَصْلُ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْخَيْلِ، يُقَالُ: صَفَنَ الْفَرَسُ فَهُوَ صَافِنٌ إِذَا قَامَ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ وَثَنَى الرَّابِعَةَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَمُجَاهِدٌ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ «صَوَافِي» أَيْ: خَوَالِصُ لِلَّهِ لا يشركون بِهِ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى نَحْرِهَا أَحَدًا، وَوَاحِدُ صَوَافٍّ صَافَّةٌ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ. وَوَاحِدُ صَوَافِي صَافِيَةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عباس وأبو جعفر محمد بْنُ عَلِيٍّ «صَوَافِنَ» بِالنُّونِ جَمْعُ صَافِنَةٍ، وَالصَّافِنَةُ: هِيَ الَّتِي قَدْ رَفَعَتْ إِحْدَى يَدَيْهَا بِالْعَقْلِ لِئَلَّا تَضْطَرِبَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
الصَّافِناتُ الْجِيادُ «1» ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
تَرَكْنَا الْخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ
…
مُقَلَّدَةً أَعِنَّتُهَا صُفُونَا
وَقَالَ الْآخَرُ:
أَلِفَ الصُّفُونَ فَمَا يَزَالُ كَأَنَّهُ
…
مِمَّا يَقُومُ على الثّلاث كسيرا
فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها الوجوب: السقوط، أي: فإذا سَقَطَتْ بَعْدَ نَحْرِهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهَا فَكُلُوا مِنْها ذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ للندب وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ هذا الأمر قبل هُوَ لِلنَّدْبِ كَالْأَوَّلِ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالنَّخْعِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ سُرَيْجٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: هو للوجوب.
(1) . ص: 31.
وَاخْتُلِفَ فِي الْقَانِعِ مَنْ هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ السَّائِلُ، يُقَالُ: قَنَعَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ النُّونِ يَقْنِعُ بِكَسْرِهَا «1» إِذَا سَأَلَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّمَّاخِ:
لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي
…
مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ الْقُنُوعِ
أَيِ: السُّؤَالِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُتَعَفِّفُ عَنِ السُّؤَالِ المستغني ببلغة، ذكر معناه الْخَلِيلُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ:
مِنَ الْعَرَبِ مَنْ ذَكَرَ الْقُنُوعَ بِمَعْنَى الْقَنَاعَةِ، وَهِيَ الرِّضَا وَالتَّعَفُّفُ وَتَرْكُ الْمَسْأَلَةِ. وَبِالْأَوَّلِ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِالثَّانِي قَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ. وَأَمَّا المعترّ، فقال محمد ابن كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْكَلْبِيُّ وَالْحَسَنُ أَنَّهُ الَّذِي يَتَعَرَّضُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَعْتَرِيكَ وَيَسْأَلُكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ أَنَّ الْقَانِعَ: الْفَقِيرُ، وَالْمُعْتَرَّ: الزَّائِرُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ كِلَاهُمَا الَّذِي لَا يَسْأَلُ، وَلَكِنَّ الْقَانِعَ الَّذِي يَرْضَى بِمَا عِنْدَهُ وَلَا يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ وَلَا يَسْأَلُكَ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ
«وَالْمُعْتَرِي»
وَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى الْمُعْتَرِّ. وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
عَلَى مُكْثِرِيهِمْ رِزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهِمْ
…
وَعِنْدَ الْمُقِلِّينَ السَّمَاحَةُ وَالْبَذْلُ
يُقَالُ: اعْتَرَّهُ وَاعْتَرَاهُ وَعَرَّهُ وَعَرَّاهُ إِذَا تَعَرَّضَ لِمَا عِنْدَهُ أو طلبه، ذكر النَّحَّاسُ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ أَيْ: مِثْلُ ذَلِكَ التَّسْخِيرِ الْبَدِيعِ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ، فَصَارَتْ تَنْقَادُ لَكُمْ إِلَى مَوَاضِعِ نَحْرِهَا فَتَنْحَرُونَهَا وَتَنْتَفِعُونَ بِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُسَخَّرَةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا وَالرُّكُوبِ عَلَى ظَهْرِهَا وَالْحَلْبِ لَهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ هَذِهِ النِّعْمَةَ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها أَيْ: لَنْ يَصْعَدَ إِلَيْهِ، وَلَا يَبْلُغَ رِضَاهُ، وَلَا يَقَعُ مَوْقِعَ الْقَبُولِ مِنْهُ لُحُومُ هَذِهِ الْإِبِلِ الَّتِي تَتَصَدَّقُونَ بِهَا، وَلَا دِمَاؤُهَا الَّتِي تَنْصَبُّ عِنْدَ نَحْرِهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا لُحُومٌ وَدِمَاءٌ وَلكِنْ يَنالُهُ أَيْ: يَبْلُغُ إِلَيْهِ تَقْوَى قُلُوبِكُمْ، وَيَصِلُ إِلَيْهِ إِخْلَاصُكُمْ لَهُ وَإِرَادَتُكُمْ بِذَلِكَ وَجْهَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُهُ اللَّهُ وَيُجَازِي عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَصْحَابُ اللُّحُومِ وَالدِّمَاءِ، أَيْ: لَنْ يَرْضَى الْمُضَحُّونَ وَالْمُتَقَرِّبُونَ إِلَى رَبِّهِمْ بِاللُّحُومِ وَالدِّمَاءِ وَلَكِنْ بِالتَّقْوَى. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْهِ تَقْوَاهُ وَطَاعَتُهُ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَحَقِيقَةُ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ تَعُودُ إِلَى الْقَبُولِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يَقْبَلُهُ الْإِنْسَانُ يُقَالُ قَدْ نَالَهُ وَوَصَلَ إِلَيْهِ، فَخَاطَبَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَعَادَتِهِمْ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ كَرَّرَ هَذَا لِلتَّذْكِيرِ، وَمَعْنَى لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ هُوَ قَوْلُ النَّاحِرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ عِنْدَ النَّحْرِ، فَذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى الْأَمْرَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهَا، وَذَكَرَ هُنَا التَّكْبِيرَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ وَصْفُهُ سُبْحَانَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْكِبْرِيَاءِ. وَمَعْنَى عَلى مَا هَداكُمْ عَلَى مَا أَرْشَدَكُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِلْمِكُمْ بِكَيْفِيَّةِ التَّقَرُّبِ بها، و «ما» مَصْدَرِيَّةٌ، أَوْ مَوْصُولَةٌ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُخْلِصُونَ، وَقِيلَ: الْمُوَحِّدُونَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ كُلُّ مَنْ يَصْدُرُ مِنْهُ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَصِحُّ بِهِ إِطْلَاقُ اسْمِ الْمُحْسِنِ عَلَيْهِ.
(1) . لعلّ الصواب: قنع يقنع- بفتح النون-: إذا سأل. وقنع يقنع إذا رضي.