الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:
سَأَلْتُ أَبِي قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا أَهُمُ الْحَرُورِيَّةُ؟ قَالَ: لَا، هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، أَمَّا الْيَهُودُ فَكَذَّبُوا محمدا صلى الله عليه وسلم وأما النصارى فكذبوا بِالْجَنَّةِ وَقَالُوا: لَا طَعَامَ فِيهَا وَلَا شَرَابَ، وَالْحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ «1» ، وَكَانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الْفَاسِقِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ والفريابي وسعيد ابن مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مُصْعَبٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الْحَرُورِيَّةُ هُمْ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُمْ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ، وَالْحَرُورِيَّةُ: قَوْمٌ زَاغُوا فَأَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ أبي خميصة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ ابن أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا إِنَّهُمُ الرُّهْبَانُ الَّذِينَ حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي السَّوَارِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَسَأَلَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ فَقَالَ:
هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا قَالَ: فَجَرَةُ قُرَيْشٍ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا قَالَ:
لَا أَظُنُّ إِلَّا أَنَّ الْخَوَارِجَ مِنْهُمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَلُوا اللَّهَ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهَا سُرَّةُ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْفِرْدَوْسِ يَسْمَعُونَ أَطِيطَ الْعَرْشِ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ وَسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، كُلُّ دَرَجَةٍ مِنْهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا دَرَجَةً، وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الْأَرْبَعَةُ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ» ، وَالْأَحَادِيثُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
الْفِرْدَوْسُ بُسْتَانٌ بِالرُّومِيَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: هُوَ الْكَرْمُ بِالنَّبَطِيَّةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهَنَّادٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَ كَعْبًا عَنِ الْفِرْدَوْسِ قَالَ: هِيَ جَنَّاتُ الْأَعْنَابِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: لَا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا قال: متحوّلا.
[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]
قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)
(1) . البقرة: 27.
لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنْوَاعَ الدَّلَائِلِ نَبَّهَ عَلَى كَمَالِ الْقُرْآنِ فَقَالَ: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: سُمِّيَ الْمِدَادُ مِدَادًا لِإِمْدَادِهِ الْكَاتِبَ، وَأَصْلُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَمَجِيءِ الشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ، وَيُقَالُ لِلزَّيْتِ الَّذِي يُوقَدُ بِهِ السِّرَاجُ مِدَادٌ، وَالْمُرَادُ بِالْبَحْرِ هُنَا الْجِنْسُ. وَالْمَعْنَى: لَوْ كُتِبَتْ كَلِمَاتُ عِلْمِ اللَّهِ وحكمته، وفرض أن جنس البحر مدادا لَهَا لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ نُفُودِ الْكَلِمَاتِ، وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِ الْبَحْرِ مِدَادًا لَنَفِدَ أَيْضًا، وَقِيلَ فِي بَيَانِ الْمَعْنَى: لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِلْقَلَمِ وَالْقَلَمُ يَكْتُبُ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَقَوْلُهُ:
وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً كَلَامٌ مِنْ جِهَتِهِ سُبْحَانَهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ قَوْلِهِ: قُلْ لَوْ كانَ وَفِيهِ زِيَادَةُ مُبَالَغَةٍ وَتَأْكِيدٍ، وَالْوَاوُ لِعَطْفِ مَا بَعْدَهُ عَلَى جُمْلَةٍ مُقَدَّرَةٍ مَدْلُولٍ عَلَيْهَا بِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُهُ لَوْ لم يجيء بمثله مدادا وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا، وَالْمَدَدُ الزِّيَادَةُ وَقِيلَ: عَنَى سُبْحَانَهُ بِالْكَلِمَاتِ الْكَلَامَ الْقَدِيمَ الَّذِي لَا غَايَةَ لَهُ وَلَا مُنْتَهًى، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَيَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ، وَقَدْ عَبَّرَتِ الْعَرَبُ عَنِ الْفَرْدِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، قَالَ الْأَعْشَى:
وَوَجْهٌ نَقِيُّ اللَّوْنِ صَافٍ يُزَيِّنُهُ
…
مَعَ الْجِيدِ لُبَّاتٌ لَهَا وَمَعَاصِمُ
فَعَبَّرَ بِاللُّبَّاتِ عَنِ اللُّبَّةِ. قَالَ الْجِبَائِيُّ: إِنَّ قَوْلَهُ: قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَلِمَاتِهِ قَدْ تَنْفَدُ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَا ثَبَتَ عَدَمُهُ امْتَنَعَ قِدَمُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى مُتَعَلِّقَاتِ تِلْكَ الصِّفَةِ الْأَزَلِيَّةِ وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ: إِنَّ نَفَادَ شَيْءٍ قَبْلَ نَفَادِ شَيْءٍ آخَرَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفَادِ الشَّيْءِ الْآخَرِ، وَلَا عَلَى عَدَمِ نَفَادِهِ، فَلَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْآيَةِ إِلَّا كَثْرَةُ كَلِمَاتِ اللَّهِ بِحَيْثُ لَا تَضْبِطُهَا عُقُولُ الْبَشَرِ أَمَّا أَنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ، أَوْ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآيَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَابِعَةٌ لِمَعْلُومَاتِهِ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَالْكَلِمَاتُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ.
وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مِدَادًا وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مَدَداً وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ قَبْلَ أَنْ يَنْفَدَ بِالتَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْلُكَ مَسْلَكَ التَّوَاضُعِ، فَقَالَ: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَيْ: إِنَّ حَالِي مَقْصُورٌ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ لَا يَتَخَطَّاهَا إِلَى الْمَلَكِيَّةِ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ لَا يَدَّعِي الْإِحَاطَةَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ امْتَازَ عَنْهُمْ بِالْوَحْيِ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: يُوحى إِلَيَّ وَكَفَى بِهَذَا الْوَصْفِ فَارِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْبَشَرِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ: أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ، وَفِي هَذَا إِرْشَادٌ إِلَى التَّوْحِيدِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالتَّوْحِيدِ فَقَالَ: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الرجاء توقع وصول الْخَيْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَالْمَعْنَى، مَنْ كَانَ لَهُ هَذَا الرَّجَاءُ الَّذِي هُوَ شَأْنُ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَهُوَ مَا دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّهُ عَمَلُ خَيْرٍ يُثَابُ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ سَوَاءٌ كَانَ صَالِحًا، أَوْ طَالِحًا، حَيَوَانًا أَوْ جَمَادًا، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَالَ جَمِيعُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ الْمَعْنَى لَا يُرَائِي بِعَمَلِهِ أَحَدًا. وَأَقُولُ:
إِنَّ دُخُولَ الشِّرْكِ الْجَلِيِّ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَى دُخُولِ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِ هَذَا الْخَفِيِّ تَحْتَهَا، إِنَّمَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: لِكَلِماتِ رَبِّي يَقُولُ: عِلْمُ رَبِّيَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَقُولُ يَنْفَدُ مَاءُ الْبَحْرِ قَبْلَ أَنْ يَنْفَدَ كَلَامُ اللَّهِ وَحِكْمَتُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الْآيَةَ قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ فِي الْمُؤْمِنِينَ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي أَقِفُ الْمَوَاقِفَ أَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ، وَأُحِبُّ أَنْ يُرَى مَوْطِنِي، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَنْدَهْ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الصَّحَابَةِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ الصَّغِيرِ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ جُنْدُبُ بْنُ زُهَيْرٍ إِذَا صَلَّى أَوْ صَامَ أَوْ تَصَدَّقَ فَذُكِرَ بِخَيْرٍ ارْتَاحَ لَهُ، فَزَادَ فِي ذَلِكَ لِقَالَةِ النَّاسِ فَلَا يُرِيدُ بِهِ اللَّهُ، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْتِقُ وَأُحِبُّ أَنْ يُرَى، وَأَتَصَدَّقُ وَأُحِبُّ أَنْ يُرَى، فَنَزَلَتْ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الْآيَةَ» وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَأَخْرَجَهُ هَنَّادٌ فِي الزُّهْدِ عَنْهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
«إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، نَادَى مُنَادٍ: مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ» . وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا؟ فَقَالَ:
لَا أَجْرَ لَهُ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَعَادَ الرَّجُلُ فَقَالَ: لَا أَجْرَ لَهُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي الْإِخْلَاصِ، وَابْنُ جَرِيرٍ فِي تَهْذِيبِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الرِّيَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشِّرْكَ الْأَصْغَرَ. وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَيْضًا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، ثُمَّ قَرَأَ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الْآيَةَ» . وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ شَدَّادٍ أَيْضًا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا خَيْرُ قَسِيمٍ لِمَنْ أَشْرَكَ بِي، مَنْ أَشْرَكَ بِي شَيْئًا فَإِنَّ عَمَلَهُ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ لِشَرِيكِهِ الَّذِي أَشْرَكَهُ أنا عنه غنيّ» . وأخرج أحمد والحكيم والترمذي، وَابْنُ جَرِيرٍ فِي تَهْذِيبِهِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيخِ: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي لِمَكَانِ رَجُلٍ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ وَالشَّهْوَةَ الْخَفِيَّةَ، قُلْتُ: أَتُشْرِكُ أُمَّتُكَ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا إِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ شَمْسًا وَلَا قَمَرًا وَلَا حَجَرًا وَلَا وَثَنًا، وَلَكِنْ يُرَاءُونَ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ؟ قَالَ: يُصْبِحُ أَحَدُهُمْ صَائِمًا فَتَعْرِضُ لَهُ شَهْوَةٌ مِنْ شَهَوَاتِهِ فَيَتْرُكُ صَوْمَهُ وَيُوَاقِعُ شَهْوَتَهُ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ جَرِيرٍ
وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا خَيْرُ الشُّرَكَاءِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ» وَفِي لَفْظٍ: «فَمَنْ أَشْرَكَ بِي أَحَدًا فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ» ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الرِّيَاءِ وَأَنَّهُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُهُ، وَقَدِ اسْتَوْفَاهَا صَاحِبُ «الدُّرِّ الْمَنْثُورِ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ، بَلِ الشِّرْكُ الْجَلِيُّ يَدْخُلُ تَحْتَهَا دُخُولًا أَوَّلِيًّا، وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ هُوَ الرِّيَاءُ كَمَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا، فَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضَائِلِ هَذِهِ الْآيَةِ بِخُصُوصِهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا خَاتِمَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ لَكَفَتْهُمْ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ وَالْبَزَّارُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْأَلْقَابِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنِ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ الْآيَةَ، كَانَ لَهُ نُورٌ مِنْ عَدَنِ أَبْيَنَ إِلَى مَكَّةَ حَشْوُهُ الْمَلَائِكَةُ» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ: غَرِيبٌ جِدًّا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضَّرِيسِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: مَنْ حَفِظَ خَاتِمَةَ الْكَهْفِ كَانَ لَهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ لَدُنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ وَقَالَ: إِنَّهَا آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا أَثَرٌ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ آخِرُ سُورَةِ الْكَهْفِ، وَالْكَهْفُ كُلُّهَا مَكِّيَّةٌ، وَلَعَلَّ مُعَاوِيَةَ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا مَا يَنْسَخُهَا وَلَا يُغِيِّرُ حُكْمَهَا، بَلْ هِيَ مُثْبَتَةٌ مُحْكَمَةٌ، فَاشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ فَرَوَى بِالْمَعْنَى على ما فهمه.