الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَنُقَلِّبُهُمْ الْآيَةَ قَالَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ عَلَى ذِي الْجَنْبِ الْيَمِينِ، وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ عَلَى ذِي الْجَنْبِ الشِّمَالِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: كَيْ لَا تَأْكُلَ الْأَرْضُ لُحُومَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ اسْمَ كَلْبِهِمْ قطمور. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: اسْمُهُ قِطْمِيرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: بِالْوَصِيدِ قَالَ: بِالْفِنَاءِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: بِالْبَابِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: أَزْكى طَعاماً قَالَ: أَحَلُّ ذَبِيحَةً، وَكَانُوا يَذْبَحُونَ لِلطَّوَاغِيتِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَزْكى طَعاماً: يَعْنِي أَطْهَرَ لأنهم كانوا يذبحون للطّواغيت.
[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَاّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَاّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) إِلَاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)
قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)
قَوْلُهُ: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أَيْ: وَكَمَا أَنَمْنَاهُمْ وَبَعَثْنَاهُمْ، أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ أَيْ أَطْلَعْنَا النَّاسَ عَلَيْهِمْ، وَسَمَّى الْإِعْلَامَ إِعْثَارًا لِأَنَّ مَنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ شَيْءٍ فَعَثَرَ بِهِ نَظَرَ إِلَيْهِ وَعَرَفَهُ، فَكَانَ الْإِعْثَارُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْعِلْمِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أَيْ: لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أَعْثَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَنَّ وَعَدَ اللَّهِ بِالْبَعْثِ حَقٌّ. قِيلَ: وَكَانَ مَلِكُ ذَلِكَ الْعَصْرِ مِمَّنْ يُنْكِرُ الْبَعْثَ، فَأَرَاهُ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. قِيلَ: وَسَبَبُ الْإِعْثَارِ عَلَيْهِمْ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي بَعَثُوهُ بِالْوَرِقِ، وَكَانَتْ مِنْ ضَرْبَةِ «1» دِقْيَانُوسَ، إِلَى السُّوقِ، لَمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ السُّوقِ اتَّهَمُوهُ بِأَنَّهُ وَجَدَ كَنْزًا، فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ وَجَدْتَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ؟ قَالَ: بِعْتُ بِهَا أَمْسَ شَيْئًا مِنَ التَّمْرِ، فَعَرَفَ الْمَلِكُ صِدْقَهُ، ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَرَكِبَ الْمَلِكُ وَرَكِبَ أَصْحَابُهُ مَعَهُ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْكَهْفِ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيها أَيْ: وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْقِيَامَةَ لَا شَكَّ فِي حُصُولِهَا، فَإِنَّ مَنْ شَاهَدَ حَالَ أَهْلِ الْكَهْفِ عَلِمَ صِحَّةَ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَعْثِ إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِأَعْثَرْنَا، أَيْ: أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ وَقْتَ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَعْثَرَهُمُ اللَّهُ فِي أَمْرِ الْبَعْثِ وَقِيلَ: فِي أَمْرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فِي
(1) . ضرب الدرهم: سكّه وطبعه.
قَدْرِ مُكْثِهِمْ، وَفِي عَدَدِهِمْ، وَفِيمَا يَفْعَلُونَهُ بَعْدَ أَنِ اطَّلَعُوا عَلَيْهِمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ النَّاسُ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلِكَ وَأَصْحَابَهُ لَمَّا وَقَفُوا عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ أَمَاتَ اللَّهُ الْفِتْيَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا يَسْتُرُهُمْ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ حَاكِيًا لِقَوْلِ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِمْ وَفِي عَدَدِهِمْ، وَفِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ، وَفِي نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِمْ، قَالُوا ذَلِكَ تَفْوِيضًا لِلْعِلْمِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، رَدًّا لِقَوْلِ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِمْ أَيْ: دَعُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ التَّنَازُعِ، فَإِنِّي أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْكُمْ وَقِيلَ: إِنَّ الظَّرْفَ فِي إِذْ يَتَنازَعُونَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ هُوَ اذْكُرْ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْإِعْثَارَ لَيْسَ فِي زَمَنِ التَّنَازُعِ بَلْ قَبْلَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أُولَئِكَ الْقَوْمَ مَا زَالُوا مُتَنَازِعِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، مُنْذُ أَوَوْا إِلَى الْكَهْفِ إِلَى وَقْتِ الْإِعْثَارِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ خَبَرَهُمْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الغار، كتبه بعض المعاصرون لَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُخْفُونَ إِيمَانَهُمْ كَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً ذِكْرُ اتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ يُشْعِرُ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ هُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ السُّلْطَانِ وَالْمُلْكِ مِنَ الْقَوْمِ الْمَذْكُورِينَ فَإِنَّهُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى أَمْرِ مَنْ عَدَاهُمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ الزَّجَّاجُ:
هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُهُمْ غَلَبَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلْمُؤْمِنِينَ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُمْ ثَلَاثَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، هُمُ الْمُتَنَازِعُونَ فِي عَدَدِهِمْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ خَاصَّةً، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ جَمِيعًا قَالُوا جَمِيعَ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ بِكَذَا، وَبَعْضُهُمْ بِكَذَا، وَبَعْضُهُمْ بِكَذَا ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ أَيْ: هُمْ ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ، وَجُمْلَةُ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: حَالَ كَوْنِ كَلْبِهِمْ جَاعِلَهُمْ أَرْبَعَةً بِانْضِمَامِهِ إِلَيْهِمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَانْتِصَابُ رَجْماً بِالْغَيْبِ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: رَاجِمِينَ أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: يَرْجُمُونَ رَجْمًا، وَالرَّجْمُ بِالْغَيْبِ: هُوَ الْقَوْلُ بِالظَّنِّ وَالْحَدْسِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ، وَالْمَوْصُوفُونَ بِالرَّجْمِ بِالْغَيْبِ هُمْ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ الْقَائِلَيْنِ بِأَنَّهُمْ ثَلَاثَةٌ، وَالْقَائِلِينَ بِأَنَّهُمْ خَمْسَةٌ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ كَأَنَّ قَوْلَ هَذِهِ الْفِرْقَةِ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ بِدَلَالَةِ عَدَمِ إِدْخَالِهِمْ فِي سِلْكِ الرَّاجِمِينَ بِالْغَيْبِ. قِيلَ: وَإِظْهَارُ الْوَاوِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُرَادَةٌ فِي الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ قَوْلُهُ: رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَسَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ، جُمْلَتَانِ اسْتُغْنِيَ عَنْ حَرْفِ الْعَطْفِ فِيهِمَا بِمَا تَضَمَّنَتَا مِنْ ذِكْرِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: هُمْ ثَلَاثَةٌ، هَكَذَا حَكَاهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ فِي دُخُولِ الْوَاوِ فِي وَثَامِنُهُمْ وَإِخْرَاجِهَا مِنَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: هِيَ مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا وَاوُ الثَّمَانِيَةِ، وَإِنَّ ذِكْرَهُ مُتَدَاوَلٌ عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ إِذَا وَصَلُوا إِلَى الثَّمَانِيَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وقوله: ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُخْبِرَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي عَدَدِهِمْ بِمَا يَقْطَعُ التَّنَازُعَ بَيْنَهُمْ فَقَالَ:
قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُخْتَلِفُونَ، ثُمَّ أَثْبَتَ عِلْمَ ذَلِكَ لِقَلِيلٍ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: مَا يَعْلَمُهُمْ أَيْ: يَعْلَمُ ذَوَاتِهِمْ فَضْلًا عَنْ عَدَدِهِمْ، أَوْ مَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجِدَالِ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي شَأْنِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَقَالَ: فَلا تُمارِ
فِيهِمْ
الْمِرَاءُ فِي اللُّغَةِ الْجِدَالُ: يُقَالُ مَارَى يُمَارِي مُمَارَاةً وَمِرَاءً، أَيْ: جَادَلَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى سُبْحَانَهُ مِنَ الْمِرَاءِ مَا كَانَ ظَاهِرًا وَاضِحًا فَقَالَ: إِلَّا مِراءً ظاهِراً أَيْ: غَيْرَ مُتَعَمَّقٍ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُصَّ عَلَيْهِمْ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَحَسْبُ. وَقَالَ الرَّازِيُّ: هُوَ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُمْ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْعَدَدِ، بَلْ يَقُولُ هَذَا التَّعْيِينُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ، ثُمَّ نَهَاهُ سُبْحَانَهُ عَنْ الِاسْتِفْتَاءِ فِي شَأْنِهِمْ فَقَالَ: وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً أَيْ:
لَا تَسْتَفْتِ فِي شَأْنِهِمْ مِنَ الْخَائِضِينَ فِيهِمْ أَحْدًا مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْمُفْتِيَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنَ الْمُسْتَفْتِي، وَهَاهُنَا الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَلَا سِيَّمَا فِي وَاقِعَةِ أَهْلِ الْكَهْفِ، وَفِيمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ مَا يُغْنِيكَ عَنْ سُؤَالِ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً أَيْ: لِأَجْلِ شَيْءٍ تَعْزِمُ عَلَيْهِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْغَدِ، وَلَمْ يُرِدِ الْغَدَ بِعَيْنِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْغَدُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَمَّا سَأَلَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ خَبَرِ الْفِتْيَةِ فَقَالَ: أُخْبِرُكُمْ غَدًا، وَلَمْ يَقِلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَاحْتَبَسَ الْوَحْيُ عَنْهُ حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ يَأْمُرُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ يَقُولُ: إِذَا قُلْتَ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، فَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَالْمُبَرِّدُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: لَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَأَضْمَرَ الْقَوْلَ وَلَمَّا حَذَفَ تَقُولُ نَقْلَ شَاءَ إِلَى لَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ، قِيلَ: وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ، أَيْ: لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، إِلَّا حَالَ مُلَابَسَتِهِ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَهُوَ أَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا وَقْتَ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقُولَهُ مُطْلَقًا وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ جَارٍ مَجْرَى التَّأْبِيدِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تَقُولَنَّهُ أَبَدًا كَقَوْلِهِ: وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1» لِأَنَّ عَوْدَهُمْ فِي مِلَّتِهِمْ مِمَّا لَا يَشَاؤُهُ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَيْ: فَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُدَّةُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ إِلْحَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ فِي مَوَاضِعِهَا، وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَاذْكُرْ رَبَّكَ بالاستغفار إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ مِنْ هَذَا هُوَ نَبَأُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ عَسَى أَنْ يُوَفِّقَنِي رَبِّي لِشَيْءٍ أَقْرَبَ مِنْ هَذَا النَّبَأِ مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِي. قَالَ الزَّجَّاجُ: عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات عَلَى النُّبُوَّةِ مَا يَكُونُ أَقْرَبَ فِي الرَّشَدِ، وَأَدَلَّ مِنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ حَيْثُ آتَاهُ مِنْ عِلْمِ غُيُوبِ الْمُرْسَلِينَ وَخَبَرِهِمْ مَا كَانَ أَوْضَحَ فِي الْحُجَّةِ، وَأَقْرَبَ إِلَى الرَّشَدِ مَنْ خَبَرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ إِلَى قَوْلِهِ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ أَيْ: عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي عِنْدَ هَذَا النِّسْيَانِ لِشَيْءٍ آخَرَ بَدَلَ هَذَا الْمَنْسِيِّ، وَأَقْرَبَ مِنْهُ رَشَدًا وَأَدْنَى مِنْهُ خَيْرًا وَمَنْفَعَةً، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِتَنْوِينِ مِائَةٍ وَنَصْبِ سِنِينَ، فَيَكُونُ سِنِينَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالزَّجَّاجُ وَالْكِسَائِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، والتقدير سنين ثلاثمائة. وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِإِضَافَةِ مِائَةٍ إِلَى سِنِينَ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ تَكُونُ سِنِينَ تَمْيِيزًا عَلَى وَضْعِ الْجَمْعِ مَوْضِعَ الْوَاحِدِ فِي التَّمْيِيزِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا «2» . قال الفراء: ومن العرب من يضع
(1) . الأعراف: 89.
(2)
. الكهف: 103.
سِنِينَ مَوْضِعَ سَنَةٍ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: هَذِهِ الْأَعْدَادُ الَّتِي تُضَافُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى الآحاد نحو ثلاثمائة رَجُلٍ وَثَوْبٍ قَدْ تُضَافُ إِلَى الْمَجْمُوعِ، وَفِي مصحف عبد الله «ثلاثمائة سَنَةٍ» . وَقَالَ الْأَخْفَشُ: لَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَقُولُ مائة سنين. وقرأ الضحّاك «ثلاثمائة سُنُونَ» بِالْوَاوِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «تِسْعًا» بِكَسْرِ التَّاءِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِفَتْحِهَا، وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اخْتَلَفُوا فِيمَا مَضَى لَهُمْ مِنَ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْإِعْثَارِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُمْ لَبِثُوا ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ هَذِهِ الْمُدَّةَ فِي كَوْنِهِمْ نِيَامًا، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر، فأمر اللَّهُ أَنْ يَرُدَّ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا لَبِثُوا الْأَوَّلُ يُرِيدُ فِي يَوْمِ الْكَهْفِ، وَلَبِثُوا الثَّانِي يُرِيدُ بَعْدَ الْإِعْثَارِ عَلَيْهِمْ إِلَى مُدَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَوْ إِلَى أَنْ مَاتُوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ لَمَّا قَالَ: وَازْدَادُوا تِسْعاً لَمْ يَدْرِ النَّاسُ أَهْيَ سَاعَاتٌ أَمْ أَيَّامٌ أَمْ جُمَعٌ أَمْ شُهُورٌ أَمْ أَعْوَامٌ، وَاخْتَلَفَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِحَسَبِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِرَدِّ الْعِلْمِ إِلَيْهِ فِي التِّسْعِ، فَهِيَ عَلَى هَذَا مُبْهَمَةٌ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَفْهُومِ بِحَسَبِ لُغَتِهِمْ أَنَّ التِّسْعَ أَعْوَامٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ العدد في هذه الْكَلَامِ لِلسِّنِينَ لَا لِلشُّهُورِ وَلَا لِلْأَيَّامِ وَلَا لِلسَّاعَاتِ. وَعَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّ الْمُرَادَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعُ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الزَّجَّاجِ عَلَى جِهَةِ التَّقْرِيبِ. ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ اخْتِصَاصَهُ بِعِلْمِ مَا لَبِثُوا بِقَوْلِهِ: لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ: مَا خَفِيَ فِيهِمَا وَغَابَ مِنْ أَحْوَالِهِمَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، ثُمَّ زَادَ فِي الْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ فَجَاءَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْ إِدْرَاكِهِ لِلْمُبْصَرَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ، فَقَالَ: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ فَأَفَادَ هَذَا التَّعَجُّبُ عَلَى أَنَّ شَأْنَهُ سُبْحَانَهُ فِي عِلْمِهِ بِالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ خَارِجٌ عَمَّا عَلَيْهِ إِدْرَاكُ الْمُدْرِكِينَ، وَأَنَّهُ يَسْتَوِي فِي عِلْمِهِ الْغَائِبُ وَالْحَاضِرُ، وَالْخَفِيُّ وَالظَّاهِرُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَاللَّطِيفُ وَالْكَثِيفُ، وَكَأَنَّ أَصْلَهُ مَا أَبْصَرَهُ وَمَا أَسْمَعَهُ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ لِلْإِنْشَاءِ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَخَالَفَهُ الْأَخْفَشُ، وَالْبَحْثُ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ الضمير لأهل السموات وَالْأَرْضِ، وَقِيلَ: لِأَهْلِ الْكَهْفِ، وَقِيلَ: لِمُعَاصِرِي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكُفَّارِ، أَيْ: مَا لَهُمْ مِنْ مُوَالٍ يُوَالِيهِمْ أَوْ يَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ أَوْ يَنْصُرُهُمْ، وَفِي هَذَا بَيَانٌ لِغَايَةِ قُدْرَتِهِ وَأَنَّ الْكُلَّ تَحْتَ قَهْرِهِ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً قرأ الجمهور برفع الكاف في يشرك عَلَى الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَقَتَادَةُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله شَرِيكًا فِي حُكْمِهِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ بِالتَّحْتِيَّةِ وَالْجَزْمِ. قَالَ يَعْقُوبُ: لَا أَعْرِفُ وَجْهَهَا، وَالْمُرَادُ بِحُكْمِ اللَّهِ:
مَا يَقْضِيهِ، أَوْ عِلْمُ الْغَيْبِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَيَدْخُلُ عِلْمُ الْغَيْبِ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، فَإِنَّ عِلْمَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ جُمْلَةِ قَضَائِهِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ قَالَ: أَطْلَعْنَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ قَالَ: الْأُمَرَاءُ، أَوْ قَالَ:
السَّلَاطِينُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ قَالَ: الْيَهُودُ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ قَالَ: النَّصَارَى. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: رَجْماً بِالْغَيْبِ قَالَ:
قَذْفًا بِالظَّنِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ قَالَ: أَنَا مِنَ الْقَلِيلِ، كَانُوا سَبْعَةً. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، فِي قَوْلِهِ: ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ قال: أنا من أُولَئِكَ الْقَلِيلِ، كَانُوا سَبْعَةً، ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَهُمْ. وَحَكَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ، ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَلا تُمارِ فِيهِمْ يَقُولُ: حَسْبُكَ مَا قَصَصْتُ عَلَيْكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً قَالَ: الْيَهُودُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ الْآيَةَ قَالَ: إِذَا نَسِيتَ أَنْ تَقُولَ لِشَيْءٍ إِنِّي أَفْعَلُهُ فَنَسِيتَ أَنْ تَقُولَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُلْ إِذَا ذَكَرْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى الِاسْتِثْنَاءَ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، ثُمَّ قَرَأَ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: هِيَ خَاصَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إِلَّا فِي صِلَةِ يَمِينٍ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُلُّ اسْتِثْنَاءٍ مَوْصُولٍ فَلَا حِنْثَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَوْصُولٍ فَهُوَ حَانِثٌ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً، وَفِي رِوَايَةٍ: تِسْعِينَ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، فَطَافَ فَلَمْ يَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرْكًا لِحَاجَتِهِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عِكْرِمَةَ إِذا نَسِيتَ قَالَ: إِذَا غَضِبْتَ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنِ الْحَسَنِ إِذا نَسِيتَ قَالَ: إِذَا لَمْ تَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُفَسِّرُ الْآيَةَ يَرَى أَنَّهَا كَذَلِكَ فَيَهْوِي أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ تَلَا وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: كَمْ لَبِثَ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: ثَلَاثَمِائَةٍ وَتِسْعَ سِنِينَ، قَالَ: لَوْ كَانُوا لَبِثُوا كَذَلِكَ لَمْ يَقُلِ اللَّهُ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا وَلَكِنَّهُ حَكَى مَقَالَةَ الْقَوْمِ فَقَالَ:
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: رَجْماً بِالْغَيْبِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ قَالَ: سَيَقُولُونَ: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن قَتَادَةَ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالُوا: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ الْآيَةَ: يَعْنِي إِنَّمَا قَالَهُ النَّاسُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَّامًا أَمْ أَشْهُرًا أَمْ سِنِينَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بِدُونِ ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ قَالَ: الله يقوله.