المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

الْأَوَّلِينَ

قَالَ: أُمَمِ الْأَوَّلِينَ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ قَالَ: الشِّرْكُ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ المنذر وابن أبي حاتم عن قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ قَالَ: وَقَائِعُ اللَّهِ فِيمَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَظَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ تَعْرُجُ فَنَظَرُوا إِلَيْهِمْ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا قَالَ: قُرَيْشٌ تَقُولُهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْآيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا يَقُولُ: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَظَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ تَعْرُجُ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ذاهبين وجائين لقال أهل الشرك: إنما أخذت أَبْصَارُنَا، وَشُبِّهَ عَلَيْنَا، وَإِنَّمَا سُحِرْنَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حاتم عن مُجَاهِدٍ سُكِّرَتْ أَبْصارُنا قَالَ: سُدَّتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ قَالَ: وَمَنْ قَرَأَ: سُكِّرَتْ مخففة، فإنه يعني سحرت.

[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (20)

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)

لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ كُفْرَ الْكَافِرِينَ وَعَجْزَهُمْ وَعَجْزَ أَصْنَامِهِمْ، ذَكَرَ قُدْرَتَهُ الْبَاهِرَةَ وَخَلْقَهُ الْبَدِيعَ لِيَسْتَدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، فَقَالَ: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً الْجَعْلُ إن كان بمعنى الخلق، ففي السَّمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى التَّصْيِيرِ ففي السَّمَاءِ خَبَرُهُ، وَالْبُرُوجُ فِي اللُّغَةِ: الْقُصُورُ وَالْمَنَازِلُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَنَازِلُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ السَّيَّارَةِ، وَهِيَ الِاثْنَا عَشَرَ الْمَشْهُورَةُ كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّجْرِبَةُ، وَالْعَرَبُ تَعُدُّ الْمَعْرِفَةَ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَمَنَازِلِهَا مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى الطُّرُقَاتِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْخِصْبِ وَالْجَدْبِ، وَقَالُوا:

الْفَلَكُ اثْنَا عَشَرَ بُرْجًا، وَأَسْمَاءُ هَذِهِ الْبُرُوجِ: الْحَمَلُ، الثَّوْرُ، الْجَوْزَاءُ، السَّرَطَانُ، الْأَسَدُ، السُّنْبُلَةُ، الْمِيزَانُ، الْعَقْرَبُ، الْقَوْسُ، الْجَدْيُ، الدَّلْوُ، الْحُوتُ. كُلُّ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا على طبيعة عنصر من العناصر الأربعة والمشتغلين بهذا العلم يسمون الْحَمَلَ وَالْأَسَدَ وَالْقَوْسَ مُثَلَّثَةً نَارِيَّةً، وَالثَّوْرَ وَالسُّنْبُلَةَ وَالْجَدْيَ مُثَلَّثَةً أَرْضِيَّةً، وَالْجَوْزَاءَ وَالْمِيزَانَ وَالدَّلْوَ مُثَلَّثَةً هَوَائِيَّةً، وَالسَّرَطَانَ وَالْعَقْرَبَ وَالْحُوتَ مُثَلَّثَةً مَائِيَّةً. وَأَصْلُ الْبُرُوجِ الظُّهُورُ، وَمِنْهُ تَبَرُّجُ الْمَرْأَةِ بِإِظْهَارِ زِينَتِهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: الْبُرُوجُ النُّجُومُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِظُهُورِهَا وَارْتِفَاعِهَا، وَقِيلَ: السَّبْعَةُ

ص: 150

السَّيَّارَةُ مِنْهَا قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ، وَقِيلَ: هِيَ قُصُورٌ وَبُيُوتٌ فِي السَّمَاءِ فِيهَا حَرَسٌ، وَالضَّمِيرُ فِي وَزَيَّنَّاها رَاجِعٌ إِلَى السَّمَاءِ، أَيْ: وَزَيَّنَا السَّمَاءَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْبُرُوجِ لِلنَّاظِرِينَ إِلَيْهَا، أَوْ لِلْمُتَفَكِّرِينَ الْمُعْتَبِرِينَ الْمُسْتَدِلِّينَ إِذَا كَانَ مِنَ النَّظَرِ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ وَحَفِظْناها أَيِ: السَّمَاءَ مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الرَّجِيمُ الْمَرْجُومُ بِالنُّجُومِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: رُجُوماً لِلشَّياطِينِ. وَالرَّجْمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ قيل للّعن والطرد والإبعاد رجم لأن الرامي بِالْحِجَارَةِ يُوجِبُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ، أَيْ: إِلَّا مِمَّنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا، أَيْ: وَلَكِنَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ وَالْمَعْنَى: حَفِظْنَا السَّمَاءَ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَنْ تَسْمَعَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَإِنَّهَا تَتْبَعُهُ الشُّهُبُ فَتَقْتُلُهُ أَوْ تُخْبِلُهُ. وَمَعْنَى فَأَتْبَعَهُ تَبِعَهُ وَلَحِقَهُ أَوْ أَدْرَكَهُ. وَالشِّهَابُ:

الْكَوْكَبُ أَوِ النَّارُ الْمُشْتَعِلَةُ السَّاطِعَةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: بِشِهابٍ قَبَسٍ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ فِي إِثْرِ عفرية «1»

................

وَسُمِّي الْكَوْكَبُ شِهَابًا لِبَرِيقِهِ شِبْهَ النَّارِ، وَالْمُبِينُ: الظَّاهِرُ لِلْمُبْصِرِينَ يَرَوْنَهُ لَا يَلْتَبِسُ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي الشِّهَابِ هَلْ يَقْتُلُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشِّهَابُ يَجْرَحُ وَيَحْرِقُ وَيُخْبِلُ وَلَا يَقْتُلُ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَطَائِفَةٌ: يَقْتُلُ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي قَتْلِهِمْ بِالشُّهُبِ قَبْلَ إِلْقَاءِ السَّمْعِ إِلَى الْجِنِّ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا:

أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ قَبْلَ إِلْقَائِهِمْ مَا اسْتَرَقُوهُ مِنَ السَّمْعِ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَلَا تَصِلُ أَخْبَارُ السَّمَاءِ إِلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِذَلِكَ انْقَطَعَتِ الْكَهَانَةُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بَعْدَ إِلْقَائِهِمْ مَا اسْتَرَقُوهُ مِنَ السَّمْعِ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْجِنِّ، قَالَ: ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ. قَالَ: وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ رَمْيٌ بِالشُّهُبِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ:

نَعَمْ، وَقِيلَ: لَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالرَّمْيُ بِالشُّهُبِ مِنْ آيَاتِ النبي صلى الله عليه وسلم مِمَّا حَدَثَ بَعْدَ مَوْلِدِهِ لِأَنَّ الشُّعَرَاءَ فِي الْقَدِيمِ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي أَشْعَارِهِمْ. قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: نَحْنُ نَرَى انْقِضَاضَ الْكَوَاكِبِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَمَا نَرَى، ثُمَّ يَصِيرُ نَارًا إِذَا أَدْرَكَ الشَّيْطَانَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يُرْمَوْنَ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارِ الْهَوَاءِ فَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهُ نَجْمٌ يَسْرِي وَالْأَرْضَ مَدَدْناها أَيْ: بَسَطْنَاهَا وَفَرَشْنَاهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ:

وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها «2» ، وفي قوله: وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ «3» ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا كَالْكُرَةِ «4» وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ أي: جبال ثَابِتَةً لِئَلَّا تَحَرَّكَ بِأَهْلِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ أَيْ: أَنْبَتْنَا فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ مَعْلُومٍ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْوَزْنِ لِأَنَّهُ مِقْدَارٌ تُعْرَفُ بِهِ الْأَشْيَاءُ، ومنه قول الشاعر:

(1) . وعجزه: مسوّم في سواد الليل منقضب.

(2)

. النازعات: 30.

(3)

. الذاريات: 48.

(4)

. قوله تعالى: «فرشناها» هذا ما يبدو للناظر أنها مبسوطة ممدودة، و «دحاها» : جعلها كالبيضة ليست تامة الكروية، فهي مفلطحة من جانبيها. وليس في الآيات المذكورة ما ينفي أن الأرض كروية، خاصة وقد أثبتت الحقائق العلمية كرويتها. [.....]

ص: 151

قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَائِكُمْ ذَا مِرَّةٍ

عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ

وَقِيلَ: مَعْنَى مَوْزُونٍ مَقْسُومٍ، وقيل: معدود، والمقصود من الإنبات: الْإِنْشَاءُ وَالْإِيجَادُ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْجِبَالِ، أَيْ: أَنْبَتْنَا فِي الْجِبَالِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقِيلَ: مَوْزُونٌ بِمِيزَانِ الْحِكْمَةِ، وَمُقَدَّرٌ بِقَدَرِ الْحَاجَةِ وَقِيلَ: الْمَوْزُونُ هُوَ الْمَحْكُومُ بِحُسْنِهِ كَمَا يُقَالُ كَلَامٌ مَوْزُونٌ، أَيْ: حَسَنٌ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ تَعِيشُونَ بِهَا مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ جَمْعُ مَعِيشَةٍ، وَقِيلَ:

هِيَ الْمَلَابِسُ، وَقِيلَ: هِيَ التَّصَرُّفُ فِي أَسْبَابِ الرِّزْقِ مُدَّةَ الْحَيَاةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ. قُلْتُ: بَلِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:

تُكَلِّفُنِي مَعِيشَةَ آلِ زيد

ومن لي بالمرقّق والصّنابا «1»

وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَعَايِشَ أَيْ: وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ وَهُمُ الْمَمَالِيكُ وَالْخَدَمُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ رَازِقُهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ، وَإِنْ ظَنَّ بَعْضُ الْعِبَادِ أَنَّهُ الرَّازِقُ لَهُمْ بِاعْتِبَارِ اسْتِقْلَالِهِ بِالْكَسْبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَحَلِّ لَكُمْ، أَيْ: جَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَجَعَلْنَا لِمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ فِيهَا مَعَايِشَ، وَهُمْ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الدَّوَابُّ عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا، وَلَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي لَكُمْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَارِ وَقِيلَ: أَرَادَ الْوَحْشَ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ إِنْ هي النافية ومن مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَهَذَا التَّرْكِيبُ عَامٌّ لِوُقُوعِ النَّكِرَةِ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ مَعَ زِيَادَةِ مِنْ، وَمَعَ لَفْظِ شَيْءٍ الْمُتَنَاوِلِ لِكُلِّ الْمَوْجُودَاتِ الصَّادِقِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا، فَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُهَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا شَيْءٌ. وَالْخَزَائِنُ: جَمْعُ خِزَانَةٍ، وَهِيَ الْمَكَانُ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ نَفَائِسُ الْأُمُورِ، وَذِكْرُ الْخَزَائِنِ تَمْثِيلٌ لِاقْتِدَارِهِ عَلَى كُلِّ مَقْدُورٍ وَالْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ الْمُمْكِنَاتِ مَقْدُورَةٌ وَمَمْلُوكَةٌ يُخْرِجُهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُوبِ بِمِقْدَارٍ كَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْمَطَرُ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْأَرْزَاقِ وَالْمَعَايِشِ وَقِيلَ: الْخَزَائِنُ: الْمَفَاتِيحُ، أَيْ: مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا فِي السَّمَاءِ مَفَاتِيحُهُ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعُمُومِ لِكُلِّ مَوْجُودٍ، بَلْ قَدْ يَصْدُقُ الشَّيْءُ عَلَى الْمَعْدُومِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي ذَلِكَ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ أَيْ: مَا نُنَزِّلُهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ أَوْ نُوجِدُهُ لِلْعِبَادِ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ، وَالْقَدَرُ الْمِقْدَارُ وَالْمَعْنَى:

أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يُوجِدُ لِلْعِبَادِ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا مُتَلَبِّسًا ذَلِكَ الإيجاد بمقدار معين حسبما تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ عَلَى مِقْدَارِ حَاجَةِ الْعِبَادِ إِلَيْهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ «2» وَقَدْ فُسِّرَ الْإِنْزَالُ بِالْإِعْطَاءِ، وَفُسِّرَ بِالْإِنْشَاءِ، وَفُسِّرَ بِالْإِيجَادِ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ، وَجُمْلَةُ وَمَا نُنَزِّلُهُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ: أَيْ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ نُنَزِّلُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ مَعْطُوفٌ عَلَى وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ. قَرَأَ حَمْزَةُ «الرِّيحَ» بِالتَّوْحِيدِ. وَقَرَأَ مَنْ عَدَاهُ «الرِّياحَ» بِالْجَمْعِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ فتكون اللام في الريح للجنس. قال

(1) . «المرقّق» : الأرغفة الرقيقة الواسعة. «الصناب» : صباغ يتّخذ من الخردل والزبيب، يؤتدم به.

(2)

. الشورى: 27.

ص: 152

الْأَزْهَرِيُّ: وَجَعَلَ الرِّيَاحَ لِوَاقِحَ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ السَّحَابَ، أَيْ: تُقِلُّهُ وَتَصْرِفُهُ، ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ فَتُنْزِلُهُ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا، أَيْ: حَمَلَتْ. وَنَاقَةٌ لَاقِحٌ إِذَا حَمَلَتِ الْجَنِينَ فِي بَطْنِهَا، وَبِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَقِيلَ: لَوَاقِحُ بِمَعْنَى مُلَقِّحَةٍ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: تقول العرب: أبقل النبت فهو باقل، وقيل: مُبْقِلٌ وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا تُلَقِّحُ الشَّجَرَ، أَيْ: بِقُوَّتِهَا وَقِيلَ: مَعْنَى لَوَاقِحَ: ذَوَاتُ لَقَحٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ:

معناه: ذات لِقْحَةٍ لِأَنَّهَا تَعْصِرُ السَّحَابَ وَتُدِرُّهُ كَمَا تُدَرُّ اللِّقْحَةُ يُقَالُ رَامِحٌ، أَيْ: ذُو رُمْحٍ، وَلَابِنٌ، أَيْ:

ذُو لَبَنٍ، وَتَامِرٌ، أَيْ: ذُو تَمْرٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَوَاقِحُ بِمَعْنَى مَلَاقِحَ، ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا جَمْعُ مَلْقَحَةٍ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَشْبِيهُ الرِّيَاحِ الَّتِي تَحْمِلُ الْمَاءَ بِالْحَامِلِ، وَلَقَاحِ الشجر بلقاح الحمل فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً أَيْ:

مِنَ السَّحَابِ، وَكُلُّ مَا عَلَاكَ فَأَظَلَّكَ فَهُوَ سَمَاءٌ، وَقِيلَ: مِنْ جِهَةِ السَّمَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ هُنَا مَاءُ الْمَطَرِ فَأَسْقَيْناكُمُوهُ أَيْ: جَعَلْنَا ذَلِكَ الْمَطَرَ لَسُقْيَاكُمْ وَلِشُرْبِ مَوَاشِيكُمْ وَأَرْضِكُمْ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: يُقَالُ سَقَيْتُهُ الْمَاءَ إِذَا أَعْطَيْتَهُ قَدْرَ مَا يَرْوِي وَأَسْقَيْتُهُ نَهْرًا، أَيْ: جَعَلْتَهُ شِرْبًا لَهُ، وَعَلَى هَذَا فَأَسْقَيْناكُمُوهُ أَبْلَغُ مِنْ سَقَيْنَاكُمُوهُ وَقِيلَ: سَقَى وَأَسْقَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ أَيْ: لَيْسَتْ خَزَائِنُهُ عِنْدَكُمْ، بَلْ خَزَائِنُهُ عِنْدَنَا، وَنَحْنُ الْخَازِنُونَ لَهُ، فَنَفَى عَنْهُمْ سُبْحَانَهُ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ. وقيل: المعنى: مَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ بَعْدَ أَنْ أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكُمْ، أَيْ: لَا تَقْدِرُونَ عَلَى حِفْظِهِ فِي الْآبَارِ وَالْغُدْرَانِ وَالْعُيُونِ، بَلْ نَحْنُ الْحَافِظُونَ لَهُ فِيهَا لِيَكُونَ ذَخِيرَةً لَكُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ أَيْ: نُوجِدُ الْحَيَاةَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ وَنَسْلُبُهَا عَنْهَا مَتَى شِئْنَا، وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ عز وجل، وَأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْجَزَاءِ لِعِبَادِهِ عَلَى حَسَبِ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَتَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ، وَلِهَذَا قَالَ: وَنَحْنُ الْوارِثُونَ أَيْ: لِلْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ، الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ وُجُودُهُ، وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ «1» . وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ هَذِهِ اللَّامُ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، وَهَكَذَا اللَّامُ فِي وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ، وَالْمُرَادُ مَنْ تَقَدَّمَ وِلَادَةً وَمَوْتًا، وَمَنْ تَأَخَّرَ فِيهِمَا وَقِيلَ: مَنْ تَقَدَّمَ طَاعَةً وَمَنْ تَأَخَّرَ فِيهَا، وَقِيلَ: مِنْ تَقَدَّمَ فِي صَفِّ الْقِتَالِ وَمَنْ تَأَخَّرَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمُسْتَقْدِمِينَ الْأَمْوَاتُ، وَبِالْمُسْتَأْخِرِينَ الْأَحْيَاءُ وَقِيلَ: الْمُسْتَقْدِمِينَ هُمُ الْأُمَمُ الْمُتَقَدِّمُونَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: الْمُسْتَقْدِمُونَ مَنْ قُتِلَ فِي الْجِهَادِ، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ مَنْ لَمْ يُقْتَلْ. وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ وهو الْمُتَوَلِّي لِذَلِكَ، الْقَادِرُ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا يُفِيدُهُ ضَمِيرُ الْفَصْلِ مِنَ الْحَصْرِ. وَفِيهِ أَنَّهُ سبحانه يجازي المحسن بإحسانه، والمسيئ بِإِسَاءَتِهِ لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَشْرِ إِنَّهُ حَكِيمٌ يُجْرِي الْأُمُورَ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ عَلِيمٌ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْقُدْرَةُ الْبَالِغَةُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا وَسِعَهُ عِلْمُهُ، وَجَرَى فِيهِ حُكْمُهُ سُبْحَانَهُ لَا إله إلا هو.

(1) . آل عمران: 180.

ص: 153

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً قَالَ: كَوَاكِبَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ:

الْكَوَاكِبُ الْعِظَامُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: قُصُورًا فِي السَّمَاءِ فِيهَا الْحَرَسُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أبي حاتم عن قتادة قال الرَّجِيمُ: الْمَلْعُونُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:

إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ أَرَادَ أَنْ يَخْطَفَ السَّمْعَ كقوله: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ «1» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الشُّهُبَ لَا تَقْتُلُ، وَلَكِنْ تَحْرِقُ وَتَخْبِلُ وَتَجْرَحُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقْتُلَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قَالَ: مَعْلُومٍ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ قَالَ: بِقَدَرٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: الْأَشْيَاءُ الَّتِي تُوزَنُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مَا أَنْبَتَتِ الْجِبَالُ مِثْلَ الْكُحْلِ وَشِبْهِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ قَالَ: الدَّوَابُّ وَالْأَنْعَامُ. وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: الْوَحْشُ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَزَائِنُ اللَّهِ الْكَلَامُ، فَإِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ كُنْ فَكَانَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ قَالَ:

الْمَطَرُ خَاصَّةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا نَقَصَ الْمَطَرُ مُنْذُ أَنْزَلَهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ تُمْطِرُ أَرْضٌ أَكْثَرَ مِمَّا تُمْطِرُ أُخْرَى، ثُمَّ قَرَأَ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا مِنْ عَامٍ بِأَمْطَرَ مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَصْرِفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قَرَأَ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ مَرْفُوعًا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ قَالَ: يُرْسِلُ اللَّهُ الرِّيحَ فَتَحْمِلُ الْمَاءَ، فَتُلَقِّحُ بِهِ السَّحَابَ، فَتَدِرُّ كَمَا تَدِرُّ اللِّقْحَةُ، ثُمَّ تُمْطِرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: يَبْعَثُ اللَّهُ الْمُبَشِّرَةَ فَتَقُمُّ «2» الْأَرْضَ قَمًّا، ثُمَّ يَبْعَثُ الْمُثِيرَةَ فَتُثِيرُ السَّحَابَ فَتَجْعَلُهُ كِسَفًا، ثُمَّ يَبْعَثُ الْمُؤَلِّفَةَ فَتُؤَلِّفُ بَيْنَهُ فَيَجْعَلُهُ رُكَامًا، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّوَاقِحَ فَتُلَقِّحُهُ فَتُمْطِرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ جَرِيرٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالدَّيْلَمِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «رِيحُ الْجَنُوبِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَهِيَ الرِّيحُ اللَّوَاقِحُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» . وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَتِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،

(1) . الصافات: 10.

(2)

. «قمّ» : كنس.

ص: 154