المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٣

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة يوسف

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 7 الى 10]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 11 الى 18]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 19 الى 22]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 23 الى 29]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 30 الى 34]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 35 الى 40]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 41 الى 42]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 43 الى 49]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 50 الى 57]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 67 الى 76]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 89 الى 98]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 99 الى 101]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 108]

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 109 الى 111]

- ‌سورة الرّعد

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 5 الى 11]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 18]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 19 الى 25]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 26 الى 30]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 31 الى 35]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 36 الى 39]

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 40 الى 43]

- ‌سورة إبراهيم

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 6 الى 12]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 13 الى 18]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 19 الى 23]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 24 الى 27]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 28 الى 34]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 41]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 42 الى 46]

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 47 الى 52]

- ‌سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 16 الى 25]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 26 الى 44]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 45 الى 66]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 67 الى 77]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 78 الى 86]

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 87 الى 99]

- ‌سورة النّحل

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 10 الى 19]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 27 الى 32]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 33 الى 40]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 51 الى 62]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 63 الى 69]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 70 الى 74]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 75 الى 79]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 91 الى 96]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 97 الى 105]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 106 الى 111]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 112 الى 119]

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 120 الى 128]

- ‌سورة الإسراء

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 4 الى 11]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 12 الى 17]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 18 الى 24]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 25 الى 33]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 49 الى 55]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 56 الى 60]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 65]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 66 الى 70]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 78 الى 85]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 86 الى 93]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 94 الى 100]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 101 الى 109]

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 110 الى 111]

- ‌سورة الكهف

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 21 الى 26]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 31]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 32 الى 44]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 53]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 54 الى 59]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 71 الى 82]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 91]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 92 الى 98]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 99 الى 108]

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 109 الى 110]

- ‌سورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌سورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 44]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 60 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 101]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 102 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 122]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 123 الى 127]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 135]

- ‌سورة الأنبياء

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 35]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 36 الى 43]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 56]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 57 الى 70]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 71 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 97]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 98 الى 112]

- ‌سورة الحجّ

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 17 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 35]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 57]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 58 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 78]

- ‌سورة المؤمنون

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 12 الى 22]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 41]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 42 الى 56]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 57 الى 67]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 الى 83]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 84 الى 98]

- ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 99 الى 118]

الفصل: ‌[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

قَتَلَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ خَطَأً، يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ قَالَ: مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً قَالَ: أَخْلَصْنَاكَ إِخْلَاصًا» . وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً قَالَ: ابْتَلَيْنَاكَ ابْتِلَاءً. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: اخْتَبَرْنَاكَ اخْتِبَارًا. وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَثَرًا طَوِيلًا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، فَمَنْ أَحَبَّ اسْتِيفَاءَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْهُ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ سُنَنِ النَّسَائِيِّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ قال: لميقات. وأخرج عبد ابن حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ عَلى قَدَرٍ قَالَ: مَوْعِدٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ وَلا تَنِيا قَالَ: لَا تُبْطِئَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: قَوْلًا لَيِّناً قَالَ: كَنَّهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَنَّيَاهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى قال: هل يتذكر.

[سورة طه (20) : الآيات 45 الى 59]

قَالَا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (45) قالَ لَا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (46) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى (49)

قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (50) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (51) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (54)

مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (55) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (56) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَا مُوسى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (58) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)

قَرَأَ الْجُمْهُورُ أَنْ يَفْرُطَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَعْجَلَ وَيُبَادِرَ بِعُقُوبَتِنَا، يُقَالُ: فَرَطَ مِنْهُ أَمْرٌ، أَيْ: بَدَرَ، وَمِنْهُ الْفَارِطُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الْقَوْمَ إِلَى الْمَاءِ، أَيْ: يُعَذِّبُنَا عَذَابَ الْفَارِطِ فِي الذَّنْبِ، وَهُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِيهِ، كَذَا قَالَ الْمُبَرِّدُ. وَقَالَ أَيْضًا: فَرَطَ مِنْهُ أَمْرٌ وَأَفْرَطَ: أَسْرَفَ، وَفَرَّطَ: تَرَكَ.

وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ يَفْرُطَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، أَيْ: يَحْمِلُهُ حَامِلٌ عَلَى التَّسَرُّعِ إِلَيْنَا، وَقَرَأَتْ طَائِفَةٌ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَمِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ مِنَ الْإِفْرَاطِ، أَيْ: يَشْتَطُّ فِي أَذِيَّتِنَا. قَالَ الرَّاجِزُ:

قَدْ أَفْرَطَ الْعِلْجُ عَلَيْنَا وَعَجَّلَ وَمَعْنَى أَوْ أَنْ يَطْغى قَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَجُمْلَةُ قالَ لَا تَخافا مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، نَهْيٌ لَهُمَا عَنِ الْخَوْفِ الَّذِي حَصَلَ مَعَهُمَا مِنْ فِرْعَوْنَ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّنِي مَعَكُما أَيْ: بِالنَّصْرِ

ص: 434

لَهُمَا، وَالْمَعُونَةِ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَمَعْنَى أَسْمَعُ وَأَرى إِدْرَاكُ مَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ مِنْهُ خَافِيَةٌ، وَلَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْهُمَا، ثُمَّ أَمَرَهُمَا بِإِتْيَانِهِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ بَعْدَ أَمْرِهِمَا بِالذِّهَابِ إِلَيْهِ، فَلَا تَكْرَارَ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ أَرْسَلَنَا إِلَيْكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ أَيْ: خَلِّ عَنْهُمْ وَأَطْلِقْهُمْ مِنَ الْأَسْرِ وَلا تُعَذِّبْهُمْ بِالْبَقَاءِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانُوا عِنْدَ فِرْعَوْنَ فِي عَذَابٍ شَدِيدٍ: يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، وَيُكَلِّفُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَهُ. ثُمَّ أَمَرَهُمَا سُبْحَانَهُ أَنْ يَقُولَا لِفِرْعَوْنَ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ قِيلَ: هِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ، وَقِيلَ: إِنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ لَهُمَا: وَمَا هِيَ؟ فَأَدْخَلَ مُوسَى يَدَهُ فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا لَهَا شُعَاعٌ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ، فَعَجِبَ فِرْعَوْنُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُرِهِ مُوسَى الْعَصَا إِلَّا يَوْمَ الزِّينَةِ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى أَيِ: السَّلَامَةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى سَلِمَ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ عز وجل ومن عَذَابِهِ، وَلَيْسَ بِتَحِيَّةٍ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ لِقَاءٍ وَلَا خِطَابٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ:

السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، وَلِمَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى سَوَاءٌ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى الْمُرَادُ بِالْعَذَابِ: الْهَلَاكُ وَالدَّمَارُ فِي الدُّنْيَا وَالْخُلُودُ فِي النَّارِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّكْذِيبِ:

التَّكْذِيبُ بِآيَاتِ اللَّهِ وَبِرُسُلِهِ، وَالتَّوَلِّي: الْإِعْرَاضُ عَنْ قبولها والإيمان بها قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى أَيْ:

قَالَ فِرْعَوْنُ لَهُمَا: فَمَنْ رَبُّكُمَا؟ فَأَضَافَ الرَّبَّ إِلَيْهِمَا وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى نَفْسِهِ لِعَدَمِ تَصْدِيقِهِ لَهُمَا وَلِجَحْدِهِ لِلرُّبُوبِيَّةِ، وَخَصَّ مُوسَى بِالنِّدَاءِ لكونه الأصل في الرسالة، وقيل: لمطابقة رؤوس الْآيِ قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ أي: قال موسى مجيبا له، و «ربنا» مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «رَبُّنَا» خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَمَا بَعْدَهُ صِفَتَهُ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ خَلْقَهُ بِسُكُونِ اللَّامِ، وَرَوَى زَائِدَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَرَأَ «خَلَقَهُ» بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَرَوَاهَا نُصَيْرٌ عَنِ الْكِسَائِيِّ. فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى يَكُونُ خَلْقَهُ ثَانِيَ مَفْعُولَيْ أَعْطَى. وَالْمَعْنَى: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ صُورَتَهُ وَشَكْلَهُ الَّذِي يُطَابِقُ الْمَنْفَعَةَ الْمَنُوطَةَ بِهِ الْمُطَابِقَةَ لَهُ كَالْيَدِ لِلْبَطْشِ، وَالرِّجْلِ لِلْمَشْيِ، وَاللِّسَانِ لِلنُّطْقِ، وَالْعَيْنِ لِلنَّظَرِ، وَالْأُذُنِ لِلسَّمْعِ، كَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ صَلَاحَهُ وَهَدَاهُ لِمَا يُصْلِحُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقَ الْإِنْسَانِ فِي خَلْقِ الْبَهَائِمِ، وَلَا خَلَقَ الْبَهَائِمَ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ، وَلَكِنْ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَلَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ

وَكَذَاكَ اللَّهُ مَا شَاءَ فَعَلَ

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى: خَلَقَ لِلرَّجُلِ الْمَرْأَةَ، وَلِكُلِّ ذَكَرٍ مَا يُوَافِقُهُ مِنِ الْإِنَاثِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَلْقَهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأَوْلَى هُوَ الْمَفْعُولَ الْأَوَّلَ لَأَعْطَى، أَيْ: أَعْطَى خَلْقَهُ كُلَّ شَيْءٍ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَيَرْتَفِقُونَ بِهِ، وَمَعْنَى ثُمَّ هَدى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هَدَاهُمْ إِلَى طُرُقِ الِانْتِفَاعِ بِمَا أَعْطَاهُمْ فَانْتَفَعُوا بِكُلِّ شَيْءٍ فِيمَا خُلِقَ لَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْآخِرَةِ، فَيَكُونُ الْفِعْلُ صِفَةً لِلْمُضَافِ أَوْ لِلْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَلَمْ يُخْلِهِ مِنْ عَطَائِهِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَكُونُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفًا: أَيْ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَيُوَافِقُ مَعْنَاهَا مَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى.

ص: 435

قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى لَمَّا سَمِعَ فِرْعَوْنُ مَا احْتَجَّ بِهِ مُوسَى فِي ضِمْنِ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى إِثْبَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى مِنْ أَنَّ الْخَلْقَ وَالْهِدَايَةَ ثَابِتَانِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ خَالِقٍ وَهَادٍ، وَذَلِكَ الْخَالِقُ وَالْهَادِي هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ. قَالَ فِرْعَوْنُ: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأَوْلَى؟ فَإِنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِالرَّبِّ الَّذِي تَدْعُو إليه يا موسى، بل عبدت الأوثان ونحوها مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وَمَعْنَى الْبَالِ: الْحَالُ وَالشَّأْنُ، أَيْ: مَا حَالُهُمْ؟ وَمَا شَأْنُهُمْ؟ وَقِيلَ:

إِنَّ سُؤَالَ فِرْعَوْنَ عَنِ الْقُرُونِ الْأُولَى مُغَالَطَةٌ لِمُوسَى لَمَّا خَافَ أَنْ يُظْهِرَ لِقَوْمِهِ أَنَّهُ قَدْ قَهَرَهُ بِالْحُجَّةِ، أَيْ: مَا حَالُ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ؟ وَمَاذَا جرى عليهم من الحوادث؟ فأجابه موسى، ف قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي أَيْ: إِنَّ هَذَا الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، بَلْ هُوَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَلَا أَنَا. وَعَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مَعْنَى عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي أَنَّ عِلْمَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْأَوْثَانَ وَنَحْوَهَا مَحْفُوظٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ سَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا، وَمَعْنَى كَوْنِهَا فِي كِتَابٍ أَنَّهَا مُثْبَتَةٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى أَنَّ أَعْمَالَهُمْ مَحْفُوظَةٌ عِنْدَ اللَّهِ يُجَازِي بِهَا، وَالتَّقْدِيرُ: عِلْمُ أَعْمَالِهِا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى عَلَى أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ تَنْزِيهٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ. وَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ «فِي كِتابٍ» ، كَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ. قَالَ: وَمَعْنَى لَا يَضِلُّ لَا يهلك، من قوله: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ «1» ، وَلا يَنْسى شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ، فَقَدْ نَزَّهَهُ عَنِ الْهَلَاكِ وَالنِّسْيَانِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى لَا يَضِلُّ لَا يُخْطِئُ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَغِيبُ. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أَصْلُ الضَّلَالِ الْغَيْبُوبَةُ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَحْتَاجُ إِلَى كِتَابٍ، وَلَا يَضِلُّ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَلَا يَنْسَى مَا عَلِمَهُ مِنْهَا، حُكِيَ هَذَا عَنِ الزَّجَّاجِ أَيْضًا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ أَشْبَهُهَا بِالْمَعْنَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ كَقَوْلِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ هَاتَيْنِ الجملتين صفة لكتاب، والمعنى: أن الكتاب غير ذاهب عن الله ولا هو نَاسٍ لَهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً الْمَوْصُولُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِرَبِّي مُتَضَمِّنَةٌ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خبر مبتدأ محذوف، أو في محل نصب عَلَى الْمَدْحِ. قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ مَهْداً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: مَهَّدَهَا مَهْدًا، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: ذَاتِ مَهْدٍ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُمَهَّدُ كَالْفِرَاشِ لِمَا يُفْرَشُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مِهَادًا وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ قالا: لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ الْمَصْدَرِ لِأَنَّ هذا الموضوع لَيْسَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ إِلَّا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ. قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِهَادًا مُفْرَدًا كَالْفِرَاشِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا، وَمَعْنَى الْمِهَادِ: الْفِرَاشُ، فَالْمِهَادُ: جَمْعُ الْمَهْدِ، أَيْ: جَعَلَ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهَا مَهْدًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا السَّلْكُ: إِدْخَالُ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ. وَالْمَعْنَى: أَدْخَلَ فِي الْأَرْضِ لِأَجْلِكُمْ طُرُقًا تَسْلُكُونَهَا وَسَهَّلَهَا لَكُمْ. وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً هُوَ مَاءُ الْمَطَرِ، قِيلَ: إِلَى هُنَا انْتَهَى كَلَامُ مُوسَى، وَمَا بَعْدَهُ هُوَ فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ:

هُوَ مِنَ الْكَلَامِ الْمَحْكِيِّ عَنْ مُوسَى، مَعْطُوفٌ عَلَى أَنْزَلَ، وَإِنَّمَا الْتَفَتَ إِلَى التَّكَلُّمِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ظُهُورِ ما فيه من

(1) . السجدة: 10.

ص: 436

الدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ. وَنُوقِشَ بِأَنَّ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ مَعَ اسْتِلْزَامِهِ فَوْتَ الِالْتِفَاتِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمُتَكَلِّمِ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ مَحْكِيٌّ عَنْ وَاحِدٍ هُوَ مُوسَى، وَالْحَاكِي لِلْجَمِيعِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. وَالْمَعْنَى: فَأَخْرَجْنَا بِذَلِكَ الْمَاءِ بِسَبَبِ الْحَرْثِ وَالْمُعَالَجَةِ أَزْوَاجًا، أَيْ: ضُرُوبًا وَأَشْبَاهًا مِنْ أَصْنَافِ النَّبَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَقَوْلُهُ: «مِنْ نَبَاتٍ» صِفَةٌ لِأَزْوَاجًا، أَوْ بَيَانٌ لَهُ، وَكَذَا «شَتَّى» صِفَةٌ أُخْرَى لَهُ، أَيْ: مُتَفَرِّقَةٌ، جَمْعُ شَتِيتٍ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: التَّقْدِيرُ أَزْوَاجًا شَتَّى مِنْ نَبَاتٍ. قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ النَّبَاتُ شَتَّى، فَيَجُوزُ أَنْ يكون «شتى» نعتا لأزوجا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلنَّبَاتِ، يُقَالُ: أَمْرٌ شَتٌّ، أَيْ: مُتَفَرِّقٌ، وَشَتَّ الْأَمْرُ شَتًّا وَشَتَاتًا تَفَرَّقَ، وَاشْتَتَّ مِثْلُهُ، وَالشَّتِيتُ: الْمُتَفَرِّقُ. قَالَ رُؤْبَةُ:

جَاءَتْ مَعًا وَأَطْرَقَتْ شَتِيتًا «1»

...............

وَجُمْلَةُ كُلُوا وَارْعَوْا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ بِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ: قَائِلِينَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ، يُقَالُ: رَعَتِ الْمَاشِيَةُ الْكَلَأَ وَرَعَاهَا صَاحِبُهَا رِعَايَةً، أَيْ: أَسَامَهَا وَسَرَّحَهَا، يَجِيءُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَالنُّهَى: الْعُقُولُ، جَمْعُ نُهْيَةٍ، وَخَصَّ ذَوِي النُّهَى لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يُنْتَهَى إِلَى رَأْيِهِمْ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يَنْهَوْنَ النَّفْسَ عَنِ الْقَبَائِحِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ مُوسَى احْتِجَاجٌ عَلَى فِرْعَوْنَ فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ جَوَابًا لقوله: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى. وَالضَّمِيرُ فِي مِنْها خَلَقْناكُمْ وَمَا بَعْدَهُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ سَابِقًا. قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: يَعْنِي أَنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنَ الْأَرْضِ وَأَوْلَادُهُ مِنْهُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ نُطْفَةٍ مَخْلُوقَةٍ مِنَ التُّرَابِ فِي ضِمْنِ خَلْقِ آدَمَ لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَشَرِ لَهُ حَظٌّ مِنْ خَلْقِهِ وَفِيها أَيْ: فِي الْأَرْضِ نُعِيدُكُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتُدْفَنُونَ فِيهَا وَتَتَفَرَّقُ أَجَزَاؤُكُمْ حَتَّى تَصِيرَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، وَجَاءَ بِفِي دُونَ إِلَى لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ وَمِنْها أَيْ: مِنَ الْأَرْضِ نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى أَيْ: بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَتَأْلِيفِ الْأَجْسَامِ وَرَدِّ الْأَرْوَاحِ إِلَيْهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالتَّارَةُ كَالْمَرَّةِ وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها أَيْ: أَرَيْنَا فِرْعَوْنَ وَعَرَّفْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا، وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ هِيَ الْآيَاتُ التِّسْعُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْعَهْدِ. وَقِيلَ:

الْمُرَادُ جَمِيعُ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى، وَالَّتِي جَاءَ بِهَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّ مُوسَى قَدْ كَانَ عَرَّفَهُ جَمِيعَ مُعْجِزَاتِهِ وَمُعْجِزَاتِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ حُجَجُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ الدَّالَّةُ عَلَى تَوْحِيدِهِ فَكَذَّبَ وَأَبى أَيْ: كَذَّبَ فِرْعَوْنُ مُوسَى، وَأَبَى عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ إِلَى الْإِيمَانِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُفْرَ فِرْعَوْنُ كُفْرُ عِنَادٍ لِأَنَّهُ رَأَى الْآيَاتِ وَكَذَّبَ بِهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا. وَجُمْلَةُ قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَا مُوسى مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا قَالَ فِرْعَوْنُ بَعْدَ هَذَا؟ وَالْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ، أَيْ: جِئْتَ يَا مُوسَى لِتُوهِمَ النَّاسَ بِأَنَّكَ نبيّ يجب

(1) . وتمامه: وهي تثير السّاطع السّخّيتا.

«السخيت» : دقاق التراب.

ص: 437

عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُكَ، وَالْإِيمَانُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، حَتَّى تَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ الْإِيهَامُ الَّذِي هُوَ شُعْبَةٌ مِنَ السِّحْرِ إِلَى أَنْ تَغْلِبَ عَلَى أَرْضِنَا وَتُخْرِجَنَا مِنْهَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَلْعُونُ الْإِخْرَاجَ مِنَ الْأَرْضِ لِتَنْفِيرِ قَوْمِهِ عَنْ إِجَابَةِ مُوسَى، فَإِنَّهُ إِذَا وَقَعَ فِي أَذْهَانِهِمْ وَتَقَرَّرَ فِي أَفْهَامِهِمْ أَنَّ عَاقِبَةَ إِجَابَتِهِمْ لِمُوسَى الْخُرُوجُ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ كَانُوا غَيْرَ قَابِلَيْنِ لِكَلَامِهِ، وَلَا نَاظِرِينَ فِي مُعْجِزَاتِهِ، وَلَا مُلْتَفِتِينَ إِلَى مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ الْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا وَاللَّامُ هِيَ الْمُوطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، أَيْ: وَاللَّهِ لَنُعَارِضَنَّكَ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ السِّحْرِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ الَّذِي جِئْتَ بِهِ سِحْرٌ يَقْدِرُ عَلَى مَثَلِهِ السَّاحِرُ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً هُوَ مَصْدَرٌ، أَيْ:

وَعْدًا، وَقِيلَ: اسْمُ مَكَانٍ، أَيِ: اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مَعْلُومًا، أَوْ مَكَانًا مَعْلُومًا لَا نُخْلِفُهُ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَلِهَذَا قَالَ: لَا نُخْلِفُهُ أَيْ: لَا نُخْلِفُ ذَلِكَ الْوَعْدَ، وَالْإِخْلَافُ: أَنْ تَعِدَ شَيْئًا وَلَا تنجزه.

قال الجوهري: الميعاد: المواعدة والوقت والموضع، وكذلك الوعد. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْرَجُ لَا نُخْلِفُهُ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ اجْعَلْ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَوْعِدًا، أَيْ:

لَا نُخْلِفُ ذَلِكَ الْوَعْدَ نَحْنُ وَلا أَنْتَ وَفَوَضَ تَعْيِينَ الْمَوْعِدِ إِلَى مُوسَى إِظْهَارًا لِكَمَالِ اقْتِدَارِهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ مَا أَتَى بِهِ مُوسَى، وَانْتِصَابُ مَكاناً سُوىً بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ مَوْعِدٍ.

قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ سُوىً بِضَمِّ السِّينِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ كَسْرَ السِّينِ لِأَنَّهَا اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ الْفَصِيحَةُ وَالْمُرَادُ مَكَانًا مُسْتَوِيًا، وَقِيلَ: مَكَانًا مُنْصِفًا عَدْلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: يُقَالُ سِوًى وَسُوًى، أَيْ: عَدْلٌ، يَعْنِي عَدْلًا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ. قَالَ زُهَيْرٌ:

أَرَوْنَا خُطَّةً لَا ضَيْمَ فِيهَا

يُسَوِّي بَيْنَنَا فيها السّواء

قال أبو عبيدة والقتبي: مَعْنَاهُ مَكَانًا وَسَطًا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِمُوسَى بْنِ جَابِرٍ الْحَنَفِيِّ:

وَإِنَّ أَبَانَا كان حلّ ببلدة

سوى بين قيس عيلان وَالْفَزَرِ

وَالْفَزَرُ: سَعْدُ بْنُ زَيْدِ مَنَاةَ. ثُمَّ وَاعَدَهُ مُوسَى بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ فَ قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ يَتَزَيَّنُونَ فِيهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَوْمُ السَّبْتِ، وَقِيلَ: يَوْمُ النَّيْرُوزِ، وَقِيلَ: يَوْمُ كَسْرِ الْخَلِيجِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْمَشُ وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ وَالسُّلَمِيُّ وَهُبَيْرَةُ عَنْ حَفْصٍ يَوْمُ الزِّينَةِ بِالنَّصْبِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، أَيْ:

فِي يَوْمِ الزِّينَةِ إِنْجَازُ مَوْعِدَنَا. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مَوْعِدُكُمْ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْمِيعَادُ زَمَانًا بَعْدَ أَنْ طَلَبَ منه فرعون أن يكون سُوًى، لِأَنَّ يَوْمَ الزِّينَةِ يَدُلُّ عَلَى مَكَانٍ مَشْهُورٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: مَوْعِدُكُمْ مَكَانُ يَوْمِ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى مَعْطُوفٌ عَلَى يَوْمِ الزِّينَةِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ، أَوْ عَلَى الزِّينَةِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ، يَعْنِي ضُحَى ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ أَهْلُ مِصْرَ. وَالْمَعْنَى:

يُحْشَرُونَ إِلَى الْعِيدِ وَقْتَ الضُّحَى، وَيَنْظُرُونَ فِي أَمْرِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْمَعْنَى إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ يُحْشَرُونَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ضُحًى فَذَلِكَ الْمَوْعِدُ. قَالَ: وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِحَشْرِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَالضُّحَى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:

ضَحْوَةُ النَّهَارِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ بَعْدَهُ الضُّحَى، وَهُوَ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ، وَخَصَّ الضُّحَى لِأَنَّهُ أَوَّلُ

ص: 438